أبحاث

حقوق المتهم في الإسلام خلال مرحلة التحقيق

العدد 35

تمهيد

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا محمد، وعلى آله وأصحابه ومن تبعه واههتدى بهديه إلى يوم الدين.

فإن من أهم ما استهدفه الإسلام باعتباره عقيدة ومنهج حياة ونظامها، وتحقيق «العدل» والقضاء على «الظلم». فالعدل هدف إسلامي في سائر الأحوال والأوقات، لا يقلل من أهميته حب أحد ولا بغضه، ولا قرابة امرئ ولا بعده، بل هو غاية تقصد ومطلب يراد :«إن الله يأمر بالعدل والإحسان(1)». «وأمرت لأعدل بينكم»(2). «ولا يجرمنكم شنآن قوم على أن لا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى»(3).

وفي السنة أحاديث كثيرة جداً، تأمر بالعدل، وتنبي عن الجور. و«العدل»-بعد ذلك –هدف إنساني فطر الإنسان السوي على حبه، وابتغائه، والنفرة من ضده، واجتنابه.

ولقد وضع الله –تعالى– للعدل مقاييس يعرف بها، ويميز عما ينافيه من الظلم والجور. وأوضح للناس الوسائل التي تمكنهم من الوصول إليه، وتيسر لهم سبل تحقيقه، وأبرز تلك السبل وأهمها القضاء، فالله –جل شأنه– قد شرع القضاء «ليقوم الناس بالقسط»(4) و«ليزنوا كل شيء بقسطاس مستقيم فلا يتظالمون، زولا يجور أحد على أحد، لا في قول، ولا في عمل، ولا يعتدي أحد على أحد، لا في مال ولا في جسد، ويسعد الناس-كل الناس- بأمن وارف، وعدل مقام، وحقوق محفوظة، وطمأنينة شاملة الروح والقلب والجسد والمال والأرض والعرض.

ولذلك كان القضاء فريضة محكمة، وعبادة قائمة مشروعة تولاه أول من تولاه في الإسلام رسول الله –صلي الله عليه وسلم- أول قيام الدولة الإسلامية في المدينة المنورة، كما يتضح ذلك من خلال بنود المعاهدة التي عقدها –عليه الصلاة والسلام- بين المسلمين من المهاجرين والأنصار، وبين من يساكنونهم بالمدينة من اليهود والمشركين، فقد جاء فيها :«….وانه ما كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخاف فساده، فإن مرده إلى الله – عز وجل- وإلى محمد رسول الله»(5).

لقد كانت رفعة المدينة – التي تستظل بالسيادة السياسية والقضائية لرسول الله –صلى الله عليه وسلم- ضيقة، وقضايا الأمة بسيطة قليلة، ولذلك لم يكن للمسلمين قاض غير رسول الله صلى الله عليه وسلم في بادئ الأمر.

ولما بدأت رقعة الإسلام تتسع، أخذ عليه الصلاة والسلام يعهد إلى بعض الولاة بأمور القضاء ضمن ولايتهم، وتارة يعهد إلى بعض أصحابه ببعض الأمور.

وكان عليه الصلاة والسلام يقضي بين الناس بما يوحيه الله – تعالى- إليه.

وأكثر ما كان يأتيه المتخاصمان مختارين “فيسمع لكل منهما، ويؤكد لهما أنه إنما يحكم بالظاهر(6)، وأن حكمه في الخصومات لا يحل حراماً، ولا يحرم حلالا.

وأوضح –عليه اصلاة والسلام- طرق الإثبات وقرائنه، وسبل الدفع ووسائله :«فالبينة على المدعي واليمين على من أنكر» (7). والإقرار بشروطه حجة على صاحبه، ولا قضاء بين خصمين ما لم يسمع لكل منهما.

ولما اتسعت رقعة الإسلام، وكثرت القضايا، أذن عليه الصلاة والسلام لبعض أصحابه بالقضاء، وسيرهم إلى بعض البلدان، وزودهم عليه الصلاة والسلام بوصاياه التي كانت تستهدف تحقيق العدل بين الناس، ومقاومة الظلم، فاستقضى علياً على اليمن، كما استقضى أبا موسى ومعاذا ً(8) ، وغيرهم.

وكانت الدعاوي ترفع إليه – عليه الصلاة والسلام- مباشرة من غير أن تسبقها مرحلة تحقيق، فيقوم –عليه الصلاة والسلام- بالموازنة بين مايقدمه المتخاصمان من أدلة، وليس لديه عليه الصلاة والسلام جهاز يقوم بجمع الأدلة أو التحري والتنقيب لصالح أية جهة من جهتي الخصومة.

القضاء في عهد الخلفاء الراشدين:

ولما ولي أبو بكر – رضي الله عنه – الخلافة أسند القضاء إلى سيدنا عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- فبقي سنتين لا يأتيه متخاصمان لما عرف به من الحزم والشدة (8).

ولما آلت الخلافة إليه كانت الفتوحات الكبرى قد بدأت، واتسعت رقعة دار الإسلام اتساعاً كبيراًـ وبدأت تظهر علاقات وقضايا ما كانت قد ظهرت قبلاً فأخذ- رضي الله عنه- بوضع قواعد لنظام قضائي، يتولى فيه القضاء، وفض المنازعات، ومعالجة القضايا قضاة يختارهم الخليفة وفق شروط معينة لينوبوا عنه في ممارسة القضاء: فولى أبا الدرداء قضاء المدينة، وولى شريحا بن الحارث الكندي قضاء الكوفة، كما ولى أبا موسى الأشعري قضاء البصرة، وولى عثمان بن قيس بن أبي العاص قضاء مصر، وجعل قضاء الشام قضاء مستقلاً.

ولقد سن- رضي الله عنه- لقضائه منهجاً رائعاً أمرهم بالتزامه، وحذرهم من الحيدة عنه يتمثل في كتابه الذي أرسله إلى أبي موسى الأشعري، وجاء فيه :«…أما بعد – فإن القضاء فريضة محكمة، وسنة ومتبعة، فافهم إذا أدلى إليك. فإنه لا ينفع تكلم بحق لا نفاذ له، آسي بين الناس في مجلسك وفي وجهك وقضائك حتى لا يطمع شريف في حيفك، ولا ييأس ضعيف من عدلك البينة على المدعي، واليمين على من أنكر، والصلح جائز بين المسلمين إى صلحاً أحل حراماً، أو حرم حلالاً ومن ادعى حقاً غائباً، أو بينة فاضرب له أمراً ينتهي إليه، فإن بينه أعطيه بحقه، وإن أعجزه ذلك استحللت عليه القضية، فإن ذلك هو أبلغ في العذر، وأجلى للعماء.

ولا يمنعك قضاء قضيت فيه ليوم فراجعت فيه رأيك فهديت فيه لرشدك، أن تراجع فيه الحق، فإن الحق القديم لا يبطله شئ، ومراجعة الحق خير من التمادي في الباطل.

والمسلمون عدول بعضهم على بعض إى مجريا عليه شهادة زور، أو مجلوداً في حد، أو ظنينا في ولاء أو قرابة، فإن الله- تعالى- تولى من العباد السرائر، وستر عليهم الحدود إلا بالبينات والأيمان ثم الفهم الفهم فيما أدمي إليك مما ورد عليك مما ليس في قرآن ولا سنة، ثم قايس الأمور-عند ذلك-واعرف الأمثال، ثم اعمد فيما ترى إلى أحبها إلى الله، وأشبهها بالحق.

وإياك والغضب والقلق والضجر، والـتأذي بالناس، والتنكر عند الخصومة (أو الخصوم، شك أبو عبيد)، فإن القضاء في مواطن الحق مما يوجب الله به الأجر، ويحسن به الذكر، فمن خلصت نيته في الحق ولو على نفسه كفاه الله ما بينه وبين الناس، ومن تزين بما ليس في نفسه شانه الله، فإن الله تعالى- لا يقبل من العباد إلا ما كان خالصاً. فما ظنك بثواب عند الله في عاجل رزقه، وخزائن رحمته؟ والسلام عليك ورحمة الله وبركاته».(9)

لقد بقي القضاء في عهد الخلفاء الراشدين قضاء بسيطاً لا تعقيد فيه، فلم يكن للقاضي كاتب أو سجل تدون فيه الأحكام، لأن تلك الاحكام كانت تنفذ فوراً، وكان القاضي يقو بتنفيذها بنفسه، كما لم توضع تنظيمات تفصيلية للقضاء، وإقامة الدعاوي، وتوزيع الاختصاصات، ونحو ذلك من أمور عرفت فيما بعد، فإن هذه التنظيمات التفصيلية لم تكن إليها حاجة في الصدر الأول، للبساطة التي كانت تسود جميع جوانب الحياة، ولذلك لم يكن لها-في الشرع- حد إذ هي أمور تستفاد من الاجتهاد- في اختيار التنظيم الأفضل- وأعراف الناس وأحوالهم (10).

ولقد كان القضاء في عصر الخلفاء الراشدين قاصراً على فصل الخصومات المدنية أما القصاص والحدود والعقوبات التعزيزية: كالحبس فلم يكن يأمر بها إلا الخليفة أو الوالي: فكانت الدائرة القضائية ضيقة (11).

القضاء في العهد الأموي:

لم يحدث كبير تطور في النظام القضائي في عهد بني أمية، بل استمرت سماته الكبرى على ما كانت عليه في عهد الخلفاء الراشدين من بساطة الاجراءات خاصة في عهود أوائل الخلفاء الأمويين، والتطور الذي سجله مؤرخوا القضاء في هذا العهد يتلخص بـ «تسجيل الأحكام » خوفا من التجاحد أو النسيان، وقد حدث ذلك في زمن معاوية حيث أن قاضيه على مصر سليم بن عز حكم في ميراث بين ورثة، ثم تناكروا الحكم، ثم عادوا وتخاصموا إليه ثانية، فحكم بينهم مرة أخرى وسجل الحكم(12).

كما حددت شروط القاضي، ومكان التقاضي، وعرف «قضاء المظالم».(13)

القضاء في العصر العباسي:

تطور نظام القضاء في العصر العباسي تطورا كبيرا من حيث الشكل والاجراءات، وتعدد الجهات باختلاف القضايا، والسجلات، وعرف نظام «قاضي القضاة» أو قاضي الجماعة» وهو بمثابة وزير العدل في الوقت الحاضر، واتسعت سلطات القاضي، ولكن روح الاجتهاد كانت قد ضعفت، وشاع تقليد الأئمة الأربعة، وألزم القضاة بإصدار أحكامهم وفقا لهذه المذاهب. ففي العراق يحكم القضاة وفقاً لمذهب أبي حنيفة، وفي الشام والمغرب وفقا لمذهب مالك، وفي مصر وفقا للمذهب الشافعي (14).

القضاء بعد العصر العباسي:

انتهت دولة بني العباس بسقوط بغداد سنة (656 هـ) بأيدي المغول، وتفككت الدولة الإسلامية، وتعددت الدول القائمة في ديار الإسلام، وتعددت الانظمة القضائية فيها، ولم تختلف هذه الأنظمة في الأسس والدعائم الأساسية لها كثيراً، ولكنها اختلفت في أساليب التنظيم، وطرق تشكيل المحاكم، وتنصيب القضاة وعزلهم والمذاهب التي يتقيدون بالحكم بمقتضاها، والاختصاصات التي يمارسونها، وما شاكل ذلك.

وقد رسم ابن الحسن النباهي صورة لنظام القضاء في دولة الأندلس في القرن الثامن الهجري، فذكر: أن الحكام الذين تجري على أيديهم الأحكام هم القضاة، والشرطة الوسطى، والشرطة الصغرى، صاحب المظالم، وصاحب الرد، وصاحب المدينة وصاحب السوق (14).

وذكر ابم القيم- رحمه الله- جهات القضاء في دولة المشرق في القرن الثامن أيضاً فقال- بعد أن ذكر مسائل الحكم في الدعاوي: وإمداد الحكم بينهم فيما لا يتوقف على الدعوى- فهو المسمى بالحسبة، والمتولي له والي الحسبة، وقد جرت العادة بأفراد هذا النوع بولاية خاصة، كما افردت ولاية المظالم بولاية خاصة، والمتولي لها يسنى والي المظالم.

وولاية المال قبضا وصرفا بولاية خاصة، والمتولي لذلك يسمى وزيراً وناظراً البلد لإحصاء المال ووجوهه وضبطه تسمي ولايته ولاية استيفاء، والمتولي لاستخراجه وتحصيله ممن هو عليه تسمى ولايته ولاية الشر والمتولي لفصل الخصومات وإثبات الحقوق، والحكم في الفروج والأنكحة، والطلاق والنفقات وصحة العقود وبطلانها- هو المخصوص باسم الحاكم والقاضي. (16)

التنظيمات القضائية ومصادرها:

أ- لقد اتضح- من خلال العرض التاريخي الذي قدمناه- أن الشريعة الإسلامية لم تجدد اطارا تنظيميا للقضاء، بل وضعت القواعد العامة، والدعائم الأساسية، والأهداف الأصلية، والمصادر التشريعية التي ليس لأحد أن يستقي الأحكام من غيرها. أما الأمور التنظيمية المتعلقة بعموم ولاية القاضي أو خصومها (17) وتحديد ولايته بمكان أو زمان، وإشراك قاض آخر معه- أو عدم ذلك- فكل ذلك أمور تركت لأعراف الناس وأحوالهم واحتياجاتهم: فليس في الشرع نص يوجب اسناد عمل القضاء- كله- لشخص واحد، أو لولاية بعينها، فلإمام المسلمين أن يوزع اختصاصات القضاء على جهات متعددة، وله أن يأمر بجمعها في جهة واحدة، بشرط أن يكون كل من تولى شيئاً من هذه الأمور-مستوفيا للشروط الشرعية (18) التي تؤهله للقيام بهذه المهمة.

ب- كما اتضح منه كذلك: أن القضاء الجنائي كان موزعا بين جهات متعددة هي: الخليفة ووالي المظالم والأمير أو والي الحرب وصاحب الشرطة، والمحتسب والحاكم أو القاضي بمفهومه الضيق الذي أشار إليه ابن القيم (19) ولم يكن اختصاص هذه الجهات ثابتاً على طريقة واحدة، بل كان يضيق ويتسع، وتضم بعض الاختصاصات إلى بعض بحسب ما يرى الخلفاء، وتبعا لاشتغالهم بالسياسات الكبرى (20). وقدكان الوالي أو صاحب الشرطة يختص- عادة- بالنظر في الجرائم الخطيرة كالحدود والقصاص. وكان المحتسب يختص بالتعزيز على الجرائم المضرة بالمصلحة العامة والمخالفات، ولذلك كان يطلق عليه «صاحب السوق» لأن معظم تلك المخالفات كانت تقع في الأسواق وأصله- هو الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.

أما القاضي أو الحاكم فقد كان اختصاصه فض المنازعات المدنية التي تتضمن اثبات الحقوق، والحكم بإيصالها إلى أربابها (21).

النظم الإجرائية:

يقسم الباحثون في النظم الاجرائية للدعاوى الجنائية هذه النظم إلى أقسام ثلاثة:

1- النظام الاتهامي

وهو نظام ينظر فيه إلى الدعوى الجنائية على أنها خصومة بين طرفين متكافئين، ترفع إلى القاضي مباشرة من غير الحاجة إلى أن تسبقها اجراءات تحقيق، وعلى القاضي أن يقوم بالموازنة بين أدلة الخصوم، وترجيح ما يترجح لديه منها، ثم يحكم بمقتضى ذلك.

2- نظام التحري والمحقق قبل المحاكمة، وهو نظام تمر الدعوى فيه بمرحلة سابقة للمحاكمة يجري فيها التحقيق، والاتهام، وتجمع فيها الأدلة والقرائن. وفي الأنظمة المعاصرة تشكل الدولة أجهزة للتحري والتحقيق وتجميع الأدلة والقرائن.

وتتمتع هذه الأجهزة بسلطات ونفوذ لتتمكن من تحقيق المهام الموكلة إليها، كما يقوم الدفاع عن المتهم بتجميع ما يساعد على دفع التهمة عنه.

3- النظام الذي يمزج بين النظامين: فيعتمد نظام التحري والتنقيب في المرحلة السابقة للمحاكمة، ويعتمد النظام الاتهامي أثنائها.

والتنظيمات المعاصرة تمزج- عادة- بين النظامين بنسب متفاوتة، وقد تغلب أحد النظامين في مرحلة، وتغلب النظام الآخر في مرحلة أخرى، وقد سبق أوضحنا أن الشريعة الإسلامية لم تصرح باختيار أي من هذه الأنظمة، وإنما تركت اختيار هذا النظام أو ذاك لاجتهاد أولياء الأمور- الذين كلفوا بأن يختاروا أفضل السبل لتحقيق العدالة. ولذلك فإن كلا من هذه النظم قد أخذ به في عصر أو جهة أو ولاية من ولايات الحكم (22). إذ ليس في الشرع نصوص توجب تنظيم هذه الأمور على نحو معين، لكن إصولاً عامة وأحكاماً كلية تحكم هذه الأمور كما تحكم غيرها، وأبرزها أن يكون الهدف تطبيق شرع الله- جل شأنه، وتحقيق العدل بمقتضاه (23).

حقوق المتهم في مرحلة التحقيق:

المتهم في اللغة من “تهم” كـ “تعب” تغير أوانتن ، يقال :” تهم اللبن أو اللحم”، إذا أريد به ذلك. ويقال :”تهم الحر” إذا اشتد مع ركود الريح. فقال: ان تهامة مشتقة من الاول لتغير ريحها بانخفاضها عن نجد. وقيل: من الثاني لشدة حرها ولعله الأنسب.

والتهمة – بسكون الهاء وفتحها – : الشك والرية -والتاء مبدلة من “الواو” لأنها من “الوهم” ويقال:”اتهم الرجل اتهاماً” مثل “أكرم إكراماً”- إذا أتى بما يتهم عليه. “واتهمته بالتثقيل” فهو “متهم”.(24)

“متهم” في الاصطلاح –وردت كلمة “المتهم” بمعناها في اللغة في بعض الأحاديث والآثار، منها مارواه عبد الرازق في المصنف من حديث أبي هريرة قال: بعث رسول الله- صلى الله عليه وسلم- مناديا في السوق: أنه لا يجوز شهادة خصم ولا ظنين. قيل وما الظنين؟ قال: المتهم في دينه. (25)

وعن إبراهيم قال: “كان يقول : لا يجوز شهادة متهم ….” (26).

أما في عرف الفقهاء– فقد شاع استعمال لفظ “المدعي عليه” بدلا من “المتهم” أخذاً من “الإدعاء”، وهو: قول يطلب الإنسان به إثبات حق على الغير (27)، والدعوى اسم بمعنى المصدر، فإذا ادعى زيد على عمرو مالاً، فزيد مدعي، وعمرو هو المدعى عليه، والمال مدعي أو مدعى به، والمصدر: الإدعاء، والاسم الدعوى، وألفها ألف تأنيث فلا تنون، ويجمع على “دعاوي”. والدعوى في اللغة غير التهمة، فهي: الأخبار مطلقاً.

وأما في عرف الفقهاء-فعند الحنفية- :أخبار يحق له على غيره الحاضر معه في مجلس القضاء. (28) وعند المالكية- هي: قول لو سلم، وجب لقائله حقاً. (29) وعند الشافعية- هي: أخبار يحق له على غيره عند الحاكم. (30) وعرفها الحنابلة- بأنها إضافة الإنسان إلى نفسه استحقاق شيء في يد غيره أو في ذمته. (31)

واختلفت كلمات الفقهاء في تفسير كلمتي “المدعي” و”المدعي عليه” فمنهم من قال: “المدعي”: من إذا ترك ترك، والمدعي عليه: من لا يترك إذا ترك.

ومنهم من قال: المدعي: من يدعي باطناً يزيل به ظاهراً، والمدعي عليه: من ثبت ظاهراً على حاله.

ومنهم من قال: من لا يجبر على الخصومة، والمدعى عليه: من يجبر. (32)

وقد عقب الشيخ مصنفك على هذه الأقوال بقوله :”إن هذا حرم لقانون اللغة، وهدم لقاعدة العربية….”(33).

قلت: وهو كذلك، لأن معظم هذه التفسيرات لا صلة بينها وبين المعنى اللغوي لهذه الكلمات، ومن المعلوم أن أصحاب الاصطلاح إذا أرادوا نقل مادة لغوية أو استخدامها في مصطلحاتهم فإنه لا بد لهم من ملاحظة صلة ما بين المعنى الأصلي للمادة اللغوية، وبين المعنى الجديد الذي يراد استعمالها فيه.

ومن البين أن “الادعاء” وما تصرف منه عند الفقهاء أكثر ما يستعمل في الدعاوي المتعلقة بالحقوق المالية والأحوال الشخصية فقط: كالفرض والغصب والبيع والإجارة والرهن والصلح والوصية والجناية الموجبة للمال، والنكاح والطلاق والخلع والعتق والنسب والكتابة والتوكيل، ونحو ذلك، لأن هذا النوع من الدعاوى هو الذي كان يحول للقضاة بالنظر فيه غالباً. ولكن ليس-هناك- ما يمنع من استخدام لفظ “المتهم” في القضايا الجنائية، بل قد تكون التسمية هي الأنسب في هذا المجال بعد كل ما عرفنا من اللغة والأثر في الاصطلاح.

أقسام المتهمين في الدعاوى الجنائية:

يقسم الفقهاء المتهمين في الدعاوى الجنائية إلى ثلاثة أقسام :-

1- متهم معروف بالتقوى والصلاح يبعد أن يكون من أهل تلك التهمة.

2- متهم معروف بالمعصية والفجور لا يبعد أن يكون قد ارتكب ما ادعى عليه.

3- متهم مجهول الحال لايعرف بأي من الحالين.

أما الأول- فلا يقبل اتهامه من غير دليل مقبول شرعا، ولا تتخذ ضد هذا النوع- من الناس اجراءات بمجرد الاتهام لئلا يستهين الأشرار بمضايقة أهل الفضل والأقدار بمجرد الاتهام، وقد اختلفوا في عقوبة المدعي أو المتهم لمثل هذا النوع من الناس على قولين :-

أصحهما- عند جمهور الفقهاء- أنه يعاقب. وذهب مالك وأسهب إلى أنه لا يعاقب المدعي إلا إذا ثبت انه قصد بدعواه إيذاء المتهم، وإثارة الشبهات حوله. والدليل الأصولي الذي يقوم عليه حكم الجمهور في هذه المسألة –هو: “استصحاب حال البراءة الأصلية”.

أما النوع الثاني- فاستصحاب الحال مع الأخذ بالأحوط يسوغان تقييد حريته، والتحقيق معه، والتثبت من صحة مانسب إليه، أو عدمه، ولا يكتفي بمجرد إنكاره، ولا بيمينه، بل لا بد من التثبت من حقيقة ما نسب إليه، ولسلطة التحقيق الشرعية سواء كانت الوالي، أو القاضي حبس المتهم للتحقيق.

أما القسم الثالث- وهو المتهم مجهول الحال- الذي لا يعرف ببر ولا فجور. فللقاضي أو الوالي حبسه والتحقيق معه حتى ينكشف حاله. ذهب إلى هذا عامة علماء الإسلام، ونص عليه أكثر الأئمة: مالك وأصحابه ، وأحمد وأصحابه، وأبو حنيفة وأصحابه (34)، وذلك لحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده:” أن النبي صلى الله عليه وسلم- حبس في تهمة يوماً وليلة” (35)

ومفهوم الحبس –عندهم- هو “التعويق” وتحديد الحرية، سواء كان موضعه في سجن معد لذلك، أو وضعه تحت المراقبة، أو الزامه بالحضور في مكان محدد.

أما الفترة التي يحق للقاضي أو الوالي حبس المتهم لها، فقد اختلفوا فيها كذلك- على قولين، فبعضهم قدرها بشهر، وبعضهم ذهب إلى أن الأمر متروك لاجتهاد الوالي أو الحاكم. (36)

القواعد التي لا بد من ملاحظتها:

هناك قاعدة “البراءة الأصلية”، وهي من القواعد التي اهتمت بها الشريعة، وأقامت عليها كثيراً من الأحكام، ولم تسمح بنفيها أو تقييدها بغير الأدلة اليقينية، فهي قاعدة متينة لا تزول بشك، ولذلك فقد ارتبطت بقاعدة “البراءة الأصلية” قاعدة “اليقين لا يزول بالشك” فكل من القاعدتين ترتبط بالأخرى ارتباط الفرع بالأصل، ويدخلان معاً في أبواب من الفقه كثيرة جداً.

وهاتان القاعدتان لا بد من التوفيق بينهما وبين حماية المجتمع من أخطار محتملة يغلب على الظن وقوعها ان لم تتخذ اجراءات لمنعه، وحماية ضروريات الناس من تلك الأخطار، أو حاجياتهم. فهل يوقف حكم قاعدة البراءة بما يغلب على الظن أن فيه ضرراً على المجتمع لو ترك أم لا؟ في التقسيم الذي مر للمتهمين بعض الجواب، ولعل في قواعد “الأخذ بالأحوط” و “سد الذرائع” و”الضرر يزال” بقية الجواب، فإن الإسلام كما حرص على حماية الحقوق الخاصة للإنسان حرص على حماية المجتمع كذلك، فليس للفرد أن يطغى على الجماعة تحت ستار حقوقه وحريته، كما ليس للمجتمع أن يطغي على الفرد ويظلمه، ويصادر حرياته بحجة دفع الضرر المحتمل عنه.

إن الإسلام كرم الإنسان، وأقر له بجملة من الحقوق أهمها حق الحياة، وسلامة البدن والعرض والشرف والحرية الشخصية في التقلب في البلاد وغيرها ما لم يصطدم بأمر شرعي، لمسكنه حرمة، ولحياته الخاصة حرمة: فليس لأحد أن يقتحم مسكنه أو ينظر إلى داخل داره إلا بإذنه، وليس لأحد ان يحاول التصنت على أحاديثه أو قراءة رسائله، أو غير ذلك من خاصة شأنه.

ولكن المجتمع بوصفه مجتمع يتمتع بحقوق مماثلة: فلا بد من تحقيق الأمن للمجتمع، وحماية مصالحه، ومنع ظهور الجريمة فيه، وإذا كان تحقيق هذه الحقوق يتوقف على الحد من تلك الحقوق التي يتمتع بها الفرد، أو إيقاف العمل ببعضها فإن ذلك يكون من قبيل ما تفرضه الضرورة، والضرورة تقدر بقدرها. فما تقتضيه الضرورة- إذن- يمثل الحد الذي يعطي –من السلطة- للمحقق على المتهم فسلطة المحقق خروج عن أصل مقرر شرعاً لتحقيق أصل آخر مقرر شرعاً لا يتم إلا بها.

وإذا أذن الشرع للمحقق أو للقاضي التحقيق أن يضع بعض القيود على حقوق المتهم لتحقيق الأصل المتعلق بالمجتمع، فإنه قد وضع سلطة قاضي التحقيق قيوداً تمثل ضمانات للمتهم.

فما هي الضمانات أو الحقوق التي وضعتها الشريعة للمتهم والتي تمثل في الوقت ذاته قيودا على سلطة التحقيق؟!!.

السلطات التي يتمع به قاضي التحقيق على من حامت حوله الشبهات محددة مع عدم جواز المساس بحقوقه الأخرى، ولذلك فإن رسول الله –صلى الله عليه وسلم- سماه “أسيراً”(37). فهو تحت رعاية الدولة.

ويعرف ابن القيم الحبس، بأنه :”….تعويق الشخص ومنعه من التصرف بصورة يترتب عليها الحق الأذى بالآخرين”.(38)

ولكن بعض الفقهاء يعتبر الحبس من جنس الحدود، فلا يجوز إيقاعه بمجرد الشبهة: فالأصل أن حرية الإنسان مكفولة، فله أن يتنقل حيث يشاء، كما يشاء 🙁هو الذي جعل لكم الأرض ذلولاً فامشوا في مناكبها….) الآية. (39) فليس لأحد أن يحبس إنساناً عن السعي في الأرض بغير حق (40). وقد عنى الإسلام عناية بالغة بالسجين ورعايته والاهتمام بشأنه، فقد أودع رسول الله- صلى الله عليه وآله وسلم- سجينا عند رجل، وأمره أن يرعاه ويكرمه، وكان يكثر المرور على الرجل يسأله عن السجين.

وكان علي بن أبي طالب يزور السجن فجأة ليتفقد أحوال السجناء، ويطلع على شكاواهم (41).

وعلى الدولة أن توفر للسجين الغذاء والكساء والعلاج، وتصون له سائر حقوقه.

والفقهاء يعتبرون أن أول واجبات القاضي إذا تقلد عمله التفتيش على السجناء ليطلق كل من حبس ظلماً، فعليه أن يسأل عن أسباب حبسهم، ويجمع بينهم وبين خصومهم ليتأكد من ان الخصومة لا تزال قائمة، وأنه محكوم عليه بالحق.

وإذا حبس إنسان، فعلى القاضي الذي أمر بحبسه أن يكتب اسمه، واسم أبيه وجده، والسبب الذي من أجله حبس، والتاريخ ابتداء الحبس وانتهائه.

وإذا عزل القاضي وخلفه غيره فعلى القاضي الجديد أن يبعث إلى المعزول يسأله عن المحبوسين وأسباب حبسهم.

سلطة إصدار قرارات الحبس:

واختلف الفقهاء فيمن له أن يصدر قرارات الحبس، فذهب الماوردي إلى أن سلطة المحقق تختلف باختلاف صفته، فإن كان حاكماً أو قاضياً، واتهم لديه شخص بسرقة أو زنى فليس لهذه التهمة- عنده- من أثر، فلا يجوز له أن يحبسه حتى يكشف عن حاله، قيتحقق من براءته أو إدانته، أما إذا كان الناظر في التهمة الأمير أو والي الجرائم فله أن يأمر بالحبس إذا رأى التهمة قوية أوغليظة، وعليه أن يطلق المتهم إذا اتضح أنها ضعيفة أو خثيثة، وقد تبع الماوردي على هذا كثير من الفقهاء (42).

مدة الحبس:

اختلفوا في مدة حبسه، فقيل: شهر. وقيل: ليس بمقدر بل هو موقوف على رأي الإمام واجتهاده. وهذا أشبه. (43)

وقد اتضح مما مر أن “الحبس الاحتياطي” جائز عند الحاجة إليه بشروط كثيرة، منها: مايتعلق بالغاية التي حبس المتهم من أجلها، ومنها ما يتصل بصفة الىمر بالحبس واختصاصه، ومنها ما يعود إلى الأمر به، ومنها ما يرجع إى مدته. (44) هذه الأمور كلها لولي الأم مجال واسع لتنظيمها حسبما تقتضيه السياسة الشرعية في كل زمان ومكان، فهي لم توضع في قوالب جامدة لا يمكن التصرف فيها.

تفتيش المتهم ومسكنه ومراقبة أحاديثه:

إن الله سبحانه وتعالى قد صان الإنسان وكرمه، وحرم أن يمس جسمه أو بشرته أو عرضه، أو ينتهك مسكنه ” كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه…”. (45)

وقال تعالى:” يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتاً غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحداً فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم، وإن قيل لكم ارجعا فارجعوا هو أذكى لكم…” الآية. (46)

وقال جل شأنه :«يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا»(47)

قال عليه الصلاة والسلام :” من استمع إلى حديث قوم له كارهون صب في أذنيه الآنك يوم القيامة”. وقال :” إن الأمير إذا ابتغى الريبة في الناس أفسدهم”. وقيل لابن مسعود :” هذا الوليد بن عقبة تقطر لحيته خمراً، فقال:” إنا قد نهينا عن الجسس ولكن إن يظهر لنا شيء نأخذه به”.

وروى أن عمر بن الخطاب- رضي الله عنه- حدث أن أبا محجن الثقفي يشرب الخمر مع أصحاب له في بيته، فانطلق عمر حتى دخل عليه فإذا ليس عنده إلا رجل. فلقال أبو محجن:” إن هذا لا يحل لك قد نهاك الله عن التجسس فخرج عمر وتركه.

وقال عبد الرحمن بن عوف:” حرست ليلة مع عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- بالمدينة إذ تبين لنا سراج في بيت بابه مجاف على قوم لهم أصوات مرتفعة ولغط. فقال عمر: هذا بيت ربيعة ابن أمية بن خلف، وهم الآن شرب فيما ترى؟.

قلت: أرى أنا قد أتينا ما نهى الله عنه. قال الله تعالى :”لا تجسسوا” وقد تجسسنا، فانصرف عمر وتركهم.

وحرمات الإنسان –كلها- واجبة الصيانة كما دل على ذلك ما مر حتى يظهر ما يقتضي الانتقاض منها.

والظن في الآية –التهمة- قال القرطبي: ومحل التحذير والنهي إنما هو تهمة لا سبب لها يوجبها، كمن يتهم بالفاحشة أو يشرب الخمر مثلاً، ولم يظهر عليه ما يقتضي ذلك. قال ودليل كون الظن –هنا- بمعنى التهمة قوله تعالى :” ولا تجسسوا”، وذلك أنه قد يقع له خاطر التهمة ابتداء، ويريد أن يتجسس خير ذلك، ويبحث عنه، وينبصر ويستمع لتحقق ما وقع من كل التهمة، فنهى النبي –صلى الله عليه وسلم- عن ذلك، فإن شئت قلت: والذي يميز الظنون التي يجباجتنابها عما سواها: ان كل ما لم تعرف له إمارة صحيحة وسبب ظاهر، كان حراما واجب الاجتناب، وذلك إذا كان المظنون به ممن شوهد منه الستر والصلاح وأونست منه الأمانة في الظاهر- فظن الفساد به والخيانة محرم، بخلاف من استهر بين الناس بتعاطي الريب، والمجاهرة بالخبائث…

فللظن حالتان:-

حالة تعرف وتقوى بوجه من وجوه الأدلة، فيجوز الحكم بها..والثانية: أن يقع في النفس شيء من غير لدلالة: فلا يكون ذلك أولى من ضده، فهذا هو الشك: فلا يجوز الحكم به، وهو المنهي عنه. (48)

وهذا يدل: على أنه لا يجوز تفتيش شخص تفتيشاً ذاتياً، ولا تفتيش مسكنه، ولا مراقبته، ولا تسجيل أحاديثه الخاصة تليفونية كانت أو غيرها، ولا هتك أي ستر من أستاره أو كشف أي سر من أسراره لمجرد الشك بأنه قد يكون ارتكب ما يقتضي العقاب، لأن المجرد عن الدلائل والقرائن ظن سئ آثم صاحبه، لا يغني من الحق شيئاً، ولا يجوز أن  يبني على مثل هذا الشك شيء إلا إذا تعزز بالقرائن أو الامارات الصحيحة أو الأدلة المعتبرة.

ويلاحظ أن المفسرين –هنا- والمتكلمين في أحكام القرآن سلكوا مسلك الفقهاء في تجويز القبض والحبس الاحتياطي، ففرقوا بين من ظاهرهم على أنهم من أهل الفجور والمعصية، فاعتبروا النبي عن التجسس محمولاً على التجسس على أهل التقوى والصلاح، أما الأخرون: شعروا التجسس عليهم والنبي عن الظن السئ والتجسس في الكتاب والسنة عام، ولا مخصص له، والفجور السابق أو الاتهام به لا يصلح أي منهما ليكون قرية أو امارة تهدر بمقتضاها حرمة الشخص أو لمسكنه أو لشئ آخر له ما لم يعزز ذلك دليل أو قرية أو امارة من واقع الحال ترجح جانب الاتهام.

ومما يؤيد هذا أن عمر بن الخطاب –رضي الله عنه- قد توقف عن التجسس على أبي محجن الثقفي، وربيعة بن أمية، وكلاهما كان معروفا بالميل إلى الشراب. كما توقف ابن مسعود عن ذلك فبما نسب إلى الوليد بن عقبة مع اشتهاره بالميل إلى الشراب.

فالشريعة الإسلامية –إذن- تمنع تفتيش الشخص والمسكن والتصنت لأحاديث الشخص، ومراقبته، والاطلاع على رسائله، واستباحة حياته الخاصة بأي شكل من الأشكال إلا إذا قامت دلائل أو قرائن تدل على علاقته بالجريمة، أما تقدير تلك الدلائل أو القرائن فمتروك للسلطة المنفذة لحكم الشرع، الفاقهة لتعاليمه وأحكامه.

كما أن على هذه السلطة أن تدرك أن هذه الحقوق ثابتة للإنسان بكتاب الله وسنة رسوله، وأن تقييدها أو الانتقاض منها خروج عن الأصل الثابت بالكتاب والسنة لا يباح إلا لضرورة الكشف عن الجريمة،وحماية المجتمع عن أن ينجو منه –من العقاب- فيه المجرمون، أو يحكم فيه على الأبرياء، ولذلك فإنه لا يجوز لسلطة التحقيق أن تتجاوز ما تقتضيه الضرورة، وينبغي أن تراعي في كل ذلك الآداب الشرعية، فليس الرجل –مثلا- أن يقوم تفتيش أمرآة، أو اقتحام البيت على نساء أو نحو ذلك كإتلاف أموال، ومصادرة حاجات لا صلة لها بالجريمة.

3- مسائل المتهم في التهمة الموجهة إليه:

للمحقق أن يسأل المتهم الأسئلة التي يرى أن الجواب عنها يساعده على كشف الحقيقة، وله أن يواجهه بالتهمة الموجهة إليه. ولكن ذلك لا يفرض على المتهم أن يجيب كما سيأتي.

حقوق المتهم:

يتمتع المتهم بمجموعة من الحقوق يمكن تلخيصها بما يلي:-

1- حق الدفاع: أي دفع المتهم الاتهام عن نفسه، أما بإثبات فساد دليل الاتهام، أو بإقامة الدليل على نقيضه، فلا بد من تمكين المتهمبممارسة هذا الحق، لأنه إذا لم يسمح المتهم بممارسة هذا الحق تحول الاتهام إلى إدانة، فالاتهام بطبيعته يحمل الشك، وقدر الشك فيه هو قدر الدفاع ومجاله، ومن اقتران الدفاع بالاتهام تبرز الحقيقة (49)– التي هي هدف التحقيق، ولذلك فإن الدفاع لا يعتبر من حقوق المتهم –وحده- إن شاء ماريه، وإن شاء أهمله، بل هو حق للمجتمع، وواجب عليه في الوقت ذاته، وإذا كان المتهم صاحب مصلحة في أنه لا يدان وهو برئ، فإن للمجتمع مصلحة ظاهرة لا تقل عن مصلحة المتهم نفسه في أنه يدينه وهو برئ، ولا يسمح بتفلت مجرم: فيختل بذلك نظام أمنه، ولذلك كملت الشريعة الإسلامية حق الدفاع، ومنحت حرمانه منها بأي حال ولأي سبب من الأسباب، ففي الحديث المرفوع أن النبي –صلى الله عليه وآله وسلم- قال لعلي بن أبي طالب –رضي الله عنه- حين ولاه اليمن- :” ياعلي إن الناس سيتقاضون إليك، فإذا أتاك الخصمان فلا تقضين لأحدهما حتى تستمع من الآخر كلما سمعت من الأول، فإنه أحرى أن يتبين لك القضاء، وتعلم عن الحق. « (50)

و رؤى عن عمر بن عبدالعزيز – رضي الله عنه – أنه قال لأحد قضاته : «إذا أتاك الخصم وقد فقئت عينه فلا تحكم له حتى يأتي خصمه، فلعله قد فقئت عيناه جميعاً».(51)

والأصل في الدفاع أن يتولاه المتهم بنفسه؛ لأنه حقه بشرط أن يكون قادرا عليه، فإن كان عاجزا عن ذلك لم تصح إدانته؛ ولذلك فقد ذهب بعض الفقهاء إلى منع معاقبة الأخرس على جرائم الحدود، ولو اكتمل نصاب الشهادة ضده، لأنه لو كان ناطقاً لربما ادعى شبهة تقرأ الحد عنه؛ لأنه لا يقدر على إظهار كل ما في نفسه بالإشارة – وحدها – ولو أقيم عليه الحد باكتمال الشهادة لم يعدو ذلك عدلا، لأنه إقامة للحد مع الشبيهة.(52)

استعانة المتهم بمحام:

أما استعانة المتهم بمن يدافع عنه – فلا تعلم – فيما اطلعنا من نصوص الشريعة، ولا من أقوال الأئمة المجتهدين ما فيه تصريح بحظر ذلك أو بإباحته والكاتبون في أحكام القضاء، وأدب القاضي لم يتعرضوا إلى عملية الدفاع وتنظيمها وهل جرى العمل بطلب المتهم من يدافع عنه أم لا؟.

وذلك ربما يعود إلى أن مجالس القضاء في العهود الإسلامية كانت مجالس علنية حافلة يغشاها كبار أهل العلم والفقه في البلد، ويشكل وجود هؤلاء في الغالب رقابة فقهية أمينة تساعد القاضي على أن يقضي بالعدل.

على أن الإمام أبا حنيفة قد جوز الحكم على من له وكيل على وكيله بعد الدعوى وينفذ الحكم على المدعي عليه. (53) وبمثله قال الآخرون.

وفي الحديث الصحيح : «إنما أنا بشر وأنه يأتيني الخصم فلعل بعضكم أن يكون أبلغ من بعض فاحسب أنه صادق فأقضي له بذلك فمن قضيت له بحق مسلم، فإنما هي قطعة من النار فليأخذها أو ليتركها».(54)

إن نصوص الشرع متضافرة على وجوب التسوية بين الخصمين باللفظ واللغط والمجلس وسائر الأمور، وإذا عرفنا أن التفاوت بين المتخاصمين في الفهم والرأي والمعرفة والبيان والحجة أمر واقع تكاد لا تخلو منه خصومة بما في ذلك الخصومات التي ترفع للمؤيد بالوحي عليه الصلاة والسلام – فإننا نستطيع أن نقرر بأن أية طريقة سليمة يمكن أن تؤدي إلى التسوية أو ما يقرب منها في هذا الأمر طريقة مشروعة لا غبار عليها.

فاستعانة المتهم بمساعد للدفاع صافي الذهن لا يكدر صفاء ذهنه خوف ولا قلق أمر مشروع؛ ليتمكن المتهم بمساعدة محاميه هذا من معرفة حقيقة التهمة الموجهة إليه، والحكم الشرعي المتعلق بها، وأدلة الاتهام وقوتها من ضعفها، والأدلة الواقعية الدارئة لها، وكيفية إسـتعمالها، ولكي لا يقع القاضي تحت تأثير حجة أحد الخصمين ورعي الآخر، فإننا نستطيع أن نقرر بكل اطمئنان أن حق الدفاع حق أصيل ثابت للمتهم، له أن يمارسه بنفسه، وله أن يفوضه لغيره، وعلى القاضي أن يمكنه من ذلك.

ولقائل أن يقول: إن المدافع عن العيي قد يكون أبلغ حجة من الخصم، فلابد أن نجيز له – في هذه الحالة – أن يستعين ممن هو أبلغ: فالتسوية – بينهما – في هذا أمر متعذر؟! ويتسلسل الأمر ولا ينتهي.

والجواب : إن علينا أن نبحث عن التسوية أو ما يقرب منها، فذلك أفضل من حرمان أحد الخصمين من الاستعانة بمن يجيد بسط حجته، وإظهار أدلته، وتفنيد أدلة خصمه، وجعل القاضي على بينة من الأمر تعصمه من الوقوع في الباطل، وتعينه على إحقاق الحق، وإقامة العدل. وإلا فإن التفاوت في بلاغة الخصمين – أنفسهما – لا يمكن تلافيه.

حكى الخشني في تاريخ قضاة قرطبة :«أن رجلين اختصما إلى القاضي أحمد بن بقي، فنظر إلى أحدهما يحسن ما يقول، والآخر لا يدري ما يقول، ولعله توسم فيه ملازمة الحق. فقال له: يا هذا لو قدمت من يتكلم عنك، فإني أرى صاحبك يدري ما يتكلم. فقال له: أعزك الله إنما هو الحق أقوله كائنا ما كان. فقال القاضي: ما أكثر من قتله قول الحق. (55)

ولكن الماردي قال :« فإن قال له : استعن بمن ينوب عنك فإن أشار به إلى الاستعانة في الاحتجاج عنه لم يجز. وإن أشار به إلى الاستعانة في تحقيق الدعوى جازه ولا يعين له من يستعين به».(56)

فهذان قاضيان، أحدهما: يحرض الخصم العيي على الاستعانة بمن يحاجج عنه.

والآخر لا يرى هذا. مما يدل على أن المسألة اجتهادية. وإذا كان الأمر كذلك فلعل الأرجح والأقرب إلى روح الشريعة جواز اتخاذ الخصم محاميا له.

ولعل هذا الحق يترجح أكثر في القضايا الجنائية؛ سواء في ذلك جرائم الحدود التي تكون في حق الله – تعالى – أو الجرائم المشتركة بين حق الله وحقوق العباد.

كما أن في النظم الاجرائية المعاصرة يواجه المتهم خصما ألحن وأبلغ بحجته منه بدون شك، وهو النيابة أو الادعاء العام، فهو أحوج ما يكون إلى من يعينه على بسط أدلته، ودحض أدلة اتهاه؛ ولكن هل يسمح له باتخاذ المحامي في مرحلة التحقيق، أو لا يسمح له بذلك إلا في مرحلة المحاكمة فقط؟.

إذا اعتبرت اجتهادية، وترجحت مشروعية اتخاذ المحامي، فلعل الأصلح للمتهم، والأولى لتحقيق جوانب الدعوى المختلفة أن يرافق المحامي موكله في المرحلتين؛ ذلك لأن من مستلزمات الدفاع أن يحاط المتهم علما بالواقعة المسندة إليه، والأدلة المتوفرة ضده، ووجود من يعينه على فهم ما أسند إليه، وينبهه على ما له، وما عليه في ذلك، ويساعده في دحض أدلة الاتهام، وتجميع أدلة النفي – أمر له كثير من الجوانب الإيجابية – التي تجعل من المرجح أن يؤذن للمتهم بالاستعانة بالمحامي من حيي مواجهته بالاتهام.

الحق الثاني للمتهم حقه في الصمت والكلام :

ومقتضى هذا الحق تمكين المتهم من ابداء أقواله في حرية تامة، ودون ضغط أو إكراه أو تعذيب أو خديعة، أو أي شئ يؤثر على الإدارة الحرة للمتهم، ويدفعه إلى الإدلاء بأقوال معينة: كاستخدام العقاقير المخدرة، أو التنويم المغناطيسي أو غير ذلك. (57)

وللمتهم كذلك الصمت والامتناع عن الإجابة عن كل أو بعض أسئلة للمحقق، وإذا أجاب، وتبين أن ما أجاب به كان كذبا فلا يعتبر شاهد زور، ولا يعاقب بعقابه.

وإذا أقر على نفسه بحق أو بحد فله الرجوع عنه، ورجوعه عن الإقرار مسقط لاعتباره مطلقا.ًَ

الإكراه على الكلام:

فلا يجوز إكراه المتهم لحمله على اٌلإقرار، قال ابت حزم: « … فلا يحل الامتحان في شئ من الأشياء بضرب ولا بسجن ولا بتهديد؛ لأنه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ثابتة ولا إجماع، ولا يحل أخذ شئ من الدين إلا من هذه الثلاثة الأصول؛ بل قد منع الله – تعالى – من ذلك على لسان رسوله – صلى الله عليه وسلم – بقوله: «إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام». فحرم الله – تعالى – البشر والعرض، فلا يحل ضرب مسلم، ولا سبه إلا بحق أوجبه قرآن أو سنة ثابتة.(58)

وإن من أهم شروط صحة الإقرار الاختيار: فالمقر مخبر يصدق في إقراره لغلبة الظن برجحان صدقه على كذبه، إذ لا يتصور من العاقل أن يخبر عن نفسه بشئ يعرف أنه ضار بها ما لم يكن له ما يبرره.

فإذا أكره على الإقرار ترجح جانب الكذب في اخباره على الصدق بدلالة الإكراه، ويغلب على الظن – آنذاك – أنه قصد بإقراره دفع ضرر أكبر، وهو ضرر الإكراه؛ ولذلك فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن من أكره على الإقرار بحق أو جناية فإقرار باطل، ولا يترتب عليه شئ من الأشياء؛ لقوله تعالى: «إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان».(59) فجعل سبحانه والإكراه مسقطاً لإثم الكفر وعقوبته، فيكون مسقطاً لما عداه من باب أولى.

ولقوله – صلى الله عليه وسلم -:«رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه».(60) وأخرج أبو داود:«أن قوما – من الكلاعيين سرق لهم متاع، فاتهموا أناساً من الحاكة، فأتوا النعمان بن بشير – صاحب النبي – صلى الله عليه وسلم – فحسبهم أياما، ثم خلى سبيلهم، فأتوا النعمان، فقالوا: خليت سبيلهم بغير ضرب ولا امتحان؟! فقال النعمان: ما شئتم؟ إن شئتم أن أضرتهم فإن خرج متاعكم فذاك، وإلا أخذت من ظهوركم مثل ما أخذت من ظهورهم. فقالوا: هذا حكمك؟ فقال: هذا حكم الله وحكم رسوله صلى الله عليه وسلم (61)

وعن عمر – رضي الله عنه -:«ليس الرجل أمينا على نفسه إذا أجعته أو أوثقت أو ضربته»(62)

وعن شريح قال: «القيد كره والوعيد كره، والسجن كره، والضرب كره».(63)

وعن الشعبي قال:«المحنة بدعة».(64)

ومما تقدم يتضح أن أهل العلم لم يعتبروا ممارسة أي ضغط على المتهم من قبيل السياسة الشرعية، بحيث يترك أمرها لولي الأمر إن شاء فعل، وإن شاء ترك، بل غن ذلك مما حرمه تعالى على لسان بينه – صلى الله عليه وسلم – «كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه».

عن عراك بن مالك قال :« أقبل رجلان من بني غفار حتى نزلا منزلا يضجنان من مياه المدينة، وعندها ناس من غطفان عندهم ظهر لهم، فأصبح الغطفانيون قد أضلوا قريتين من إبلهم فاتهموا الغفارين، فأقبلوا بهما إلى النبي – صلى الله عليه وسلم وذكروا له أمرهم، فحبس أحد الغفارين، وقال للآخر: اذهب فالتمس، فلم يكن إلا أسيرا حتى جاء بهما.

فقال النبي – صلى الله عليه – لأحد الغفارين ( قال: حسبت أنه قال: المحبوس عنده) : استغفر لي! قال الغفاري: غفر الله لك يا رسول الله. فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – : ولك وقتلك وفي سبيله.

فكان ممن استشهد يوم اليمامة. (65)

وعن عبدالله بن أبي عامر قال: انطلقت في ركب حتى إذا جئنا ذا المروة سرقت عيية لي، ومعنا رجل يتهم، فقال أصحابي: يا فلان ادعييته فقال: ما أخذتها. فرجعت إلى عمر بن الخطاب، وأخبرته، فقال : كم أنتم؟ فععدتهم، فقال: (أظنه صاحبها الذي اتهم) قلت: لقد أردت ياأمير المؤمنين أن آتي به مصفوداً !! فقال – أي: عمر – : أتأتي به مصفودا بغير بيته؟ لا أكتب لك فيها، ولا أسأل لك عنها !! قال: فغضب، فما كتب لي فيها، ولاسأل عنها . (66)

فرسول الله – صلى الله عليه وآله وسلم – يتحلل من ذلك الذي أعاقه بمجرد الاتهام. وعمر – رضي الله عنه – يهدر حق صاحب المال المسروق بمجرد تصريحه أنه كان يريد القيض على المتهم دون بينة.

ولعدم مشروعية الإكراه على الكلام ذهب جماهير العلماء إلى إبطال الإقرار الناجم عن ضغط، وعدم أيجاب أي شيئ به. (67)

وذهب بعض العلماء إلى تصحيح الإقرار مع الإكراه بضرب أو حبس إذا كان المتهم معروفاً بالفساد والفجور كالسرقة ونحوها؛ لحديث ابن عمر – رضي الله عنه – أن النبي صلى الله عليه وسلم – قاتل أهل خيبر حتى ألجأهم إلى قصرهم، فغلب على الأرض والزرع والنخل، فصالحوه على أن يجلوا منها ولهم ما حملت ركابهم، ولرسول الله – صلى الله عليه وسلم – الصفراء والبيضاء مخرجون منها، واشترط عليهم أن لا يكتموا شيئاً، ولا يغيبوا شيئاً، فإن فعلوا فلا ذمة لهم ولا عهد، فغييوا مسكا فيه مال وحلى لحيي بن أخطب كان احتمله معه إلى خيبر –  حين اجليت بنو النضير، فقال رسول الله – صلى الله عليه وسلم – لعم حيي: ما فعل مسك حيي الذي جاء به من النضير؟ فقال: أذهبته النفقات والحروب !!

فقال : العهد قريب والمال أكثر من ذلك !! فدفعه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – إلى الزبير فمسه بعذاب.

وقد كان حيي – قبل ذلك – دخل خربة. فقال : قد رأيت حيياً يطوف في خربة ها هنا، فذهبوا وطافوا، فوجدوا المسك في الخربة. (68)

والحديث – كما هو ظاهر – في يهود محاربيت نكثوا بعد ما قاتلوا وألجئوا إلى العهد فعاهدوا أن لا يغيبوا شيئاً فغيبوا شيئاً خطيراً كل القرائن تشير إلى أنهم عييوه، فأين هذا من تعذيب مسلم منهم لا يزال على البراءة؟!

وممن ذهب إلى صحة إقرار المكره بعض متأخري الحنفية، قال السرخسي في المبسوط: (69)… وبعض التأخرين من مشايخنا – رحمهم الله تعالى – افتوا بصحة الإقرار بالسرقة مع الإكراه؛ لأن الظاهر أن السراق لا يقرون – في زماننا – طائعين.

وعن عصام بن يوسف من أصحاب صاحبي أبي حنيفة – رحمهم الله – أنه سئل عن سارق ينكر، فقال: عليه اليمين! فقال الأمير: سارق ويمين! هاتوا بالسوط فما ضربوه عشرة حتى أقر، فأتى بالسرقة. فقال (أي عصام) : سبحان الله ما رأيت جوراً أشبه بالعدل من هذا. وفيإكراه البزبزية من المشايخ من أفتى بصحة إقراره بها مكرهاً وسئل الحسن بن زياد: أيحل ضرب السارق حتى يقر؟ قال: «ما لم يقطع اللحم لا يتبين العظم».(70)

وقال ابن عابدين – أيضاً – :«… ان ضرب المتهم بسرقة من السياسة وبه صرح الزيلعي.. وللقاضي فعل السياسة ولا يختص بالإمام».(71)

وما ذكره متأخروا الحنفية لا دليل لهم عليهم، ويكفي أن يصفه حنفي – من المتقدمين كعصام – بالجور، وكل ما ذكروه من تبرير لا يكفي لدفع أو إضعاف أدلة الجمهور على عدم جواز انتزاع الإقرار بالقوة.

ويمكن حمله على ما إذا تظافرت القرائن على قيام السارق بالسرقة، وإخفاء للمال المسروق مع عدم توفر الشهادة بشروطها الشرعية، فليلجأ القاضي إلى هذا لإظهار المال المسروق،ومع ذلك فإنهم لا يشتطيعون أن يجسدوا دليلاً لما ذهبوا إليه.

وهم قد وافقوا الجمهور في بطلان اقرار المكره في غير السرقة، وفي السرقة لا يعتد بإقراره إلا في مجال تضمينه المال المسروق. أما القطع – فإنه لا يقطع لشبهة الإكراه. (72)

وأما ابن القيم – فهو وغن كان قد صرح بجواز ضرب المعروف بالفجور المتهم بالسرقة ليعترف ويدل على المال المسروق تبعاً لشيخه ابن تيمية – رحمهما الله – فإنه لا يرى ان اقراره هو الموجب لإقامة الحد عليه، بل وجود المال المسروق – عنده- هو العلة في قطعه، فقال: «….إذا عوقب المتهم (أي عذب) على أن يقر بالمال المسروق فأقر به وظهر عنده قطعت يده، وليس هذا إقامة للحد بالإقرار الذي أكره عليه، ولكن بوجود المال المسروق معه الذي توصل إليه بالإقرار».(73)

وأما ابن حزم فقد قال: «… أما إن لم يكن إلا إقراره (أي المكره) فقط فليس بشيئ لأن أخذه بإقرار هذه صفته لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع وقد صح تحريم بشرته ودمه بيقين: فلا يحل شيئ من ذلك إلا بنص أو إجماع، فإن استضاف إلى الإقرار أمر يتحقق به يقينا صحة ما أقر به ولا شك أنه صاحب ذلك، فالواجب إقامة الحد عليه. وله القود – مع ذلك – على ضوء السلطان كان أو غيره، لأنه ضربه طالما له دون أن يجب عليه ضرب، وهو عدوان، وقد قال الله – تعالى – :« فمن اعتدى عليكم فاعتدوا عليه …الآية ».(74)

ولا نظن أن ابن القيم يريد غير ما أراده ابن حزم من الحصول على اليقين من طريق آخر ليكون بذلك، ولا بإقرار أكره عليه. فإن الجمهور قد أبطلوا أقرار المكره حتى مع قيام بعض القرائن الظنية المؤيدة لصحة إقراره كالعثور على المال المسروق في بيت المتهم، لاحتمال أن غيره وضعه في بيته نكاية به. (75)

المذهب الراجح :

لا شك أن الراجح مذهب الجمهور في منع الإكراه وفي إبطال آثاره، فذلك هو الذي يتفق مع ما ورد في كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – من وجوب إقامة الحق والعدل، وإقرار المكره ليس حقاً، ومعاقبته بمقتضاه ليس عدلاً. والذي يدرأ عن المجتمع الخطر حقيقة – هو التزام الحق وإقامة العدل، وسد الذرائع ‘لى الباطل، واعتبار الإكراه وسيلة لإحقاق الحق ذريعة إلى شرور لا تحصى وخطأ في عفو خير من أصابه بظلم.

التحايل للوصول إلى الإقرار :

أما ما سماه ابن حزم بـ (البعثة) في المتهم أو التحايل للحصول منه على إقرار فقد حسنه ابن حزم، واحتج لحسنه ووجوبه بفعل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – مع اليهودي الذي رض رأس الجارية، حيث لم يزل رسول الله – صلى الله عليه وسلم – به يحاوره ويداوره حتى اعترف فأفاد منه.

كما احتج لذلك بفعل بعض الصحابة – رضوان الله عليهم – وقال: فهذا حسن؛ لأنه لا إكراه فيه ولا ضرب. ونقل عن مالم كراهته لذلك ورد عليه. (76)

ولعل ما ذهب إليه مالك – رحمة الله – هو الأقرب لقواعد الشرع مما ذهب إليه ابن حزم، فإن في التحايل تأثيراً على إرادة المتهم وبعثاً له على الاعتراف بطريقة ليس فيها تعذيب أو إيذاء ومنع الإكراه ليس لما فيه من إيذاء فقط؛ بل لما فيه من التأثير على أرادة المتهم واختياره، هذه الإرادة التي يحرص الإسلام الحرص كله على أن تبقى حرة.

الإقرار الإرادي وحقه في الرجوع عنه:

الحقق – من حيث صحة رجوع المقر عن إقراره بها، وعدم صحة ذلك، نوعان:_

1- النوع الأول :

الحقوق التي يصح الرجوع عن الإقرار بها، وهي الحدود، فهي حقوق خالصة لله – تعالى – تدرأ بالشبيهات، فإذا رجع المقر عن إقراره بالحدود تحول رجوعه إلى شبهة، وهي احتمال كذبه في إقراره، وصدقه في رجوعه، والحدود تدرأ بالشبيهات، فإذا أقر شخص بالزنا، ثم رجع عن إقراره صح رجوعه، وسقط حد الزنا عنه عند الجمهور، وخالف في ذلك ابن أبي ليلى وعثمان البتي، وأبي ثور، وأهل الطاهر. (77)

وفصل مالك، فقال : إن كان الرجوع إلى شبهة: قبل رجوعه، وإلا منعه في ذلك روايتان: إحداهما يقبل، وهي الرواية المشهورة، والثانية : لا يقبل. (78)

والخلاف وقع في حد السرقة وحد الشرب. أما حد القذف فلا يصح الرجوع فيه عن الإقرار. وأما قطع الطريق ففيه وجهان: أحدهما: لا يقبل فيه الرجوع؛ لأنه حق يجب لصيانة حق الآدمي لحد القذف. والثاني: يقبل. وصححه بعضهم تنزيلاً له لمنزلة حد الزنا. (79)

والأصل في حصة الرجوع عن الإقرار بالحدود حديث ماعز حيث لقنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – الرجوع عن الإقرار بقوله :« أر لعلك قبلت أو غمزت أو نظرت»، فلو لم يصح الرجوع – لما لقنه رسول الله – صلى الله عليه وسلم – والرجوع عن الحدود يكون صريحاً كقوله: «رجعت عن إقراري» ونحوه، ودلالة كالهروب من إقامة الحد.

ويصح الرجوع قبل الحكم وبعده، وقبل التنفيذ وبعده.

2- النوع الثاني:

الحقوق التي لا يصح الرجوع عن الإقرار فيها – مطلقاً – مالية كانت أو غيرها، وهي حقوق الناس، ذلك لأن المقر لا يملك التصرف في ملك الغير، فإقراره قد أثبت حقاً للغير، ورجوعه إدعاء بإزالة ذلك الحق فلا يقبل.

والرجوع عن هذه الحقوق كذلك يكون صريحاً ودلالة.

الحق الثالث : التعويض عن الخطأ القضائي:

يذهب بعض الباحثين إلى أن الشريعة الإسلامية ترى تعويض المتهم – الذي يحبس احتياطياً، ثم تثبت براءته – مستدلين لذلك: بذهاب سيدنا على – رضي الله عنه – إلى الحكم «بالغرة» في قضية «المجهضة»، وذلك أن سيدنا عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – بلغه أن امرأة معينة (أي: زوجها غائب) كان يدخل عليها، فأنكر ذلك، وأرسل إليها (ليسأل عن صفة من يدخل إليها من الرجال وصلتههم بها) فقيل لها: أجيبي عمر، فقالت: يا ويلها ما لها ولعمر؟! قال: فبينما هي في الطريق فزعت، فضربها الطلق، فدخلت دارا فألقت ولدها، فصاح الصبي صيحتين، ثم مات؛ فاستشار عمر أصحاب النبي – صلى الله عليه سلم – فأشار عليه بعضهم: انه ليس عليك شيئ، إنما أنت وال ومؤدب، قال: وصمت على فأقبل عليه فقال: ما تقول؟ قال: (أي: علي) : إن كانوا قالوا برأيهم فقد أخطأ رأيهم، وإن كانوا قالوا في هواك. فلم ينصحوا لك.! أرى أن ديته عليك، فإنك أنت أفزعتها، وألقت ولدها بسببك. قال: فأمر علياً أن يقسم عقله على قريش (80) وقد ذهب الحنابلة (81) إلى وجوب ضمان الجنين على السلطان بهذا، وأنها لو ماتت بنفس السبب لوجبت عليه ديتها، ووافقهم الشافعية (82) في وجوب ضمان الجنين؛ لأنه لا ذنب له، كما لو حدث الحامل فتلف ولدها، فالإمام يضمنه.

والحق أن إقامة الحدود واجبة، وأن من لا ينفذها بشروطها عاص لله ولرسوله، وان دخول رجال أجانب إلى منزل امرأة زوجها غائب منكر وشبهة ولي الأمر أن ينهي عنه، ويجول دون وقوعه لأنه ذريعة إلى مفاسد كبرى. ولعل الإمام علياً – رضي الله عنه – حين ذهب إلى التضمين رأى أن الأمر لم يكن يقتضي استدعاءها بتلك الطريقة التي أدت إلى إجهاضها، وأنه كان يمكن أن تنصح وهي في بيتها وبشكل لا يؤدي إلى هذه الدرجة من الفزع، وأنه أراد أن يبين بأن على الحاكم أن يستدعي عند الحاجة – بأرفق الطرق بالمتهم لا بأعنفها. وإلا فإن استدعاء المتهم إذا كان بحق وبطريق معتاد مع قيام ما يقتضي ذلك – حق من حقوق الجماعة كما أسلفنا، ممارسة ولي الأمر له – بشروطه – لا تعرضه للضمان إلا بالتعسف أو التعدي باستعمال هذا الحق. (83)

ولكن قواعد الشرع لا تمنع الإحسان إلى أولئك الذين تخطئ بحقهم أجهزة الدولة خلال عملها المخلص المشروع لحماية المجتمع المسلم وكل من يعيش فيه، سواء بنوع من الاعتذار أو التعويض المادي أو المعنوي الذي يساعد على إزالة آثار الاتهام عن نفس المهم؛ بل لعل قواعد الشرع تحض عليه، وترغب فيه.

فرسول الله – صلى الله عليه وسلم – قد اعتذر للغفاري الذي حبسه وطب منه أن يستغفر له، واستغفر رسول الله – صلى الله عليه وسلم – له ودعا له بالشهادة وذلك تعويض كبير القيمة معنوياً من رسول الله – صلى الله عليه وسلم – يشهد لمذهب القائلين بتعويض المتهم عما يلحقه بسبب التهمة الباطلة، ولا يوجبه.

أما الإجراءات التعسفية أو تلك التي يتجاوز فيها الوالي أو أعوانه حدود ما خولهم الله تعالى – إياه فإن الأمة متفقة على أن الأئمة فمن دونهم مسئولون عن العمد من ذلك وعن الخطأ وأنهم يقاد منهم ويتقص منهم كما يقتص من أي واحد من الرعية، كيف لا ورسول الله – صلى الله عليه وسلم – كان يقيد من نفسه !!.

واختلف الفقهاء في ضمان خطأ الإمام هل يقع في ماله ومال عاقلته؟ أو هو في بيت المال؟ إلى كل من المذهبين ذهب فريق. (84)

الخاتـمـــــــــــــة

لم نحاول – فيما تقدم – أن نستقرئ كل حقوق «المتهم» في الإسلام؛ بل أردنا الاقتصار على التنويه بأهمها فقط. وإلا فإن جميع التشريعات الإجرائية والقضائية وآداب القضاء، والإجراءات التنفيذية للعقاب، واختصاصات المحاكم، وشروط القضاة وولايتهم، وآداب الدعاوي والمرافعات، كل ذلك فيه ما يعتبر ضمانات للمتهم تحميه من الإجراءات التعسفية، وتصون له كرامته وإنسانيته وتساعده بعد التعرض للانحراف على العودة إلى سواء السبيل.

لقد احتفظ  الواقع التاريخي الإسلامي منذ عصر رسول الله صلى الله عليه وسلم – إلى يومنا هذا بنماذج رائعة للعدل الذي حققه الإسلام في أروع صوره، يطول بنا البحث لو أردنا التعرض لها، وليس العثور عليها بعسير على أحد، فكتب التاريخ والسير وتراجم الرجال والطبقات طافحة بتلك الأمثلة الرائعة.

ولكن من المحزن أن نجد – اليوم – بعض بلاد المسلمين من أكثر البلاد اهداراً لكرامة الإنسان، استخفافاً بحقوقه، وامتياناً لآدميته ومصادرة لسائر الضمانات التي تحميه.

لقد أصبح – أولئك المنسوبون إلى الإسلام – في بعض ديار المسلمين – سبة على الإسلام والمسلمين، وتحولوا إلى حائل كثيف يحول دون رؤية الناس لما في الإسلام من عدل وخير، وحول جورهم وظلمهم حياة شعوبهم إلى جحيم لا يطاق، وأضر بسمعة الأمة الإسلامية – كلها – وجعلها في نظر بقية الأمم أمة متوحشة همجية، لا كرامة فيها لإنسان؛ ولذلك فإن معظم أمم الأرض – الآن – تسارع بتأييد أعداء المسلمين في كل معركة تقع بينهم وبين المسلمين، لاعتقاد تلك الأمم أن المسلمين دائما هم المعتدون: فمن يعتدي على مواطنيه ويستبيح حرماتهم كيف لا يكون معتدياً على أعدائة وخصومه ؟!.

لعل هذه الندوة مؤشر صحوة على هذا الواقع المؤلم، ولعل من الممكن أن يعقد ميثاق بين الحكومات القائمة في بلاد المسلمين يقوم على المبادئ الإسلامية التالية:_

1-    كل المسلم على المسلم حرام دمه وماله وعرضه.

2-  كل تشريع أو تنظيم أو تقنين مهما كانت صفته، لا يستمد من كتاب الله وسنة رسوله – صلى الله عليه وسلم – فهو باطل لا يجوز العمل به، ولا السير بمقتضاه.

3-    كل عقوبة لم ترد بها الشريعة الإسلامية في حد أو تعزيز باطلة، ظالم مرتكبها يجب أن يقتص منه مهما كانت درجته.

4-    الحقوق أنواع ثلاثة :_

أ‌-       حقوق الله تعالى، وهي نوعان: ما تجب فيه العقوبة مفروض، وما تجب فيه بارتكاب محظور.

ب‌-  حقوق الآدميين: كالديون ونحوها، فتؤخذ عند الامتناع مع القدرة جبرا، ويحبس بها.

ت‌-  حقوق مشتركة لا «تمحض حقا لله، ولا تتمحض حقا للعباد: كالسرقة، فحق الآدمي فيها : رد المال المسروق إلا إذا عفا. وحق الله قطع يد السارق إذا توفرت شروط القطع.

وليس وراء هذه الحقوق الثلاثة شيئ.

5-    العقوبات نوعان:

حدود وتعازير، فالحدود: حقوق الله تعالى. ليس لأحد أن يتهاون فيها، أو يعطلها إذا استوفيت شروطها.

والتعازير وسائل تأديب واستصلاح، وزجر عن ذنوب تتعلق بحق من الحقوق الثلاثة المتقدمة، وليس وراء هذه العقوبات شيئ.

6-  عدم جواز عقد المحاكم أو المحاكمات الاستثنائية (العرفية أو العسكرية أو الأمنية الخاصة)، ووجوب اخضاع جميع المسلمين لنظام قضائي إسلامي واحد، ومحاكم معتادة معروفة الاختصاصات والصلاحيات تتوفر فيها كل ضمانات الإسلامية.

7-  تأسس  «محكمة مظالم» في كل بلد إسلامي يستطيع المتهم المظلوم أن يقاضي إليها اي موظف عمومي أو جهاز حكومي ظلمه أو ضربه بدون وجه حق.

8-  تأسيس «محكمة مظالم إسلامية عليا» مستقلة عن جميع الحكومات مرتبطة بمنظمة المؤتمر الإسلامي أو غيرها أو مستقلة مع جهاز رقابة فعال تابع لها لمتابعة وسائل الحكومات الأعضاء في تحقيق العدالة.

9-  وضع عقوبات زاجرة ضد الحكومات الأعضاء التي تنتهك فيها مبادئ العدالة الإسلامية بما فيها المقاطعة الاقتصادية والسياسية، والضغوط الأخرى التي تحملها على التزام جانب العدالة في معاملة مواطنيها المسلمين أو غيرهم.

10- العمل على إشاعة الوعي الفقهي بين المسلمين ليعرف المسلم ما له من حقوق فيحرص عليهان وما عليه من واجبات فيعمل على أدائها.

وختاماً .. نسأله تعالى أن يأخذ بأيدي المخلصين لتطبيق شريعة الله، وتنفيذ أحكامه، والوقوف عند حدوده، إنه سميع مجيب.

الهــــوامـــــــش

1-    النحل : 90

2-    الشورى : 15

3-    المائدة : 8

4-    الحديد : 25

5-    انظر : تاريخ الإسلام السياسي (1/102)

6-  يشير إلى حديث «أنا أحكم بالظاهر» ويؤخذ هذا المعنى من أحاديث كثيرة. صحت بعض طرقها، راجع هامش كتاب المحصول في علم أصول الفقه (1/ق2/132-136).

7-  حديث أخرجه البيقي بإسناد صحيح، انظر نيل الأوطار (9/220) بيروت: دار الجيل، كما أخرجه بقية أصحاب السنن والحاكم على ما في الفتح الكبير (2/20).

8-    انظر : تاريخ الإسلام السياسي (1/458).

9-  انظر الكتاب وشرحه المسهب في اعلام الموقعين (1/85 – 2/165) والأحكام السلطانية للمارودي (71-72)، والسنن الكبرى (10/115) والمحلي (9/93)، والمحصول (2/ق  1/52 – 53 ، 75)، والمقدمة (738 – 739).

10-           راجع الطرق الحكمية (218).

11-           راجع النظام القضائي (45)، والمقدمة (740).

12-           راجع الولاة وكتاب القضاة (309)، والقضاء في الإسلام ص(49)، والنظام القضائي (48).

13-           راجع مقدمة ابن خلدون ص (741).

14-           راجع مقدمة ابن خلدون (1150) وما بعدها، تاريخ الإسلام السياسي: (2/55 و 3/306).

15-     يراجع تاريخ الإسلام السياسي (4/377 – 386) وبحث د.عوض محمد عوض في المجلة العربية للدفاع الاجتماعي العدد (10) ص (98) أكتوبر (1979)م.

16-           انظر : الطرق الحكمية (215 – 216).

17-           راجع الأحكام السلطانية للمارودي (69-73)، والمرجع السابق في تاريخ الإسلام السياسي (4/377 – 386).

18-           وهي سبعة : الإسلام والذكورة والبلوغ، والعقل المصحوب بالذكاء والرأي والفراسة، والحرية والعدالة، وسلامة الحواس، والعلم بمصادر التشريع – أحكام المارودي (69 – 70)، وأبي بعلي (60).

19-           انظر الطرق الحكمية (215).

20-           راجع المقدمة (740).

21-           المرجع السابق، والطرق الحكمية (218- 219).

22-     راجع المقدمة : (740 – 743)، بحث د. عوض محمد عوض في المجلة العربية عدد أكتوبر 1979 (10/101 – 103).

23-           المرجع السابق.

24-           انظر : المصباح (107 ، 129) ، والتاج مادة «وهم».

25-     المصنف (8/320)، وراجع السنن الكبرى للبيهقي (10/201)، وسنن الترمذي (2299)، وأدب القاضي للخصاف (2/112) و (1/229).

26-           انظر : المصنف (8/321).

27-           راجع الحدود الأحكام (288) ، ولسان الحكام (226)، ومعين الحكام (54).

28-           انظر : الحدود والأحكام (288).

29-           انظر : تعريفات الجرجاني (93) ، والمعرب للمطرزي (164).

30-           انظر : الحدود والأحكام – أخينا أحمد عبد الرزاق الكبيسي (287). لا يزال مخطوطاً.

31-           شرح حدود ابن عرفة (468).

32-           حاشية قليوبي وعميرة (4/334).

33-           راجع : المغني وبحاشيته الشرح الكبير (12/162).

34-           راجع : الطرق الحكمية (101) ولم يذكر ابن القيم مذهب الشافعي وأصحابه في هذان لأن الإمام الشافعي يذهب إلى أن المدعي عليه في أي شيئ يحلف، فإنه حلف برئ وإن نكل ردت اليمين على المدعي كما في الأم (7/87).

ولكن الشيرازي ذكر استحباب اتخاذ القاضي سجنا للتأديب، ولاستيفاء الحقوق من المماطلين، فانظر : المهذب (2/294)، ونقل ابن القيم عن شيخ الإسلام ابن تيمية قوله :«وما علمت أحدا – من أئمة المسلمين – يقول : ان المتهم يحلف ويرسل بلا حبس غيره، فليس هذا – على اطلاقه – مذهباً لأحد من الأئمة الأربعة ولا غيرهم – من الأئمة – ومن زعم أن هذا – على اطلاقه وعمومه – هو الشرع فقد غلط غلطاً فاحشاً مخالفاً لنصوص رسول الله – صلى الله عليه وسلم – ولإجماع الأئمة، ويمثل هذا الغلط الفاحش، تجرأ الولاة على مخالفة الشرع، وتوهموا أن الشرع لا يقوم بسياسة العالم، ولصالح الأمة، وتعدوا حدود الله، وتولد من جهل الفريقين بحقيقة الشرع خروج عنه إلى أنواع من الظلم والبدع والسياسة جعلها هؤلاء من الشرع وجعلها هؤلاء قسيمة ومقابلة له، وزعموا: أن الشرع ناقص لا يقوم بمصالح الناس، وجعل أولئك ما فهموه من العموميات والاطلاقات – هو الشرع وان تضمن خلاف ما شهدت به الشواهد والعلامات الصحيحة. والطائفتان مخطئتان في الشرع أقبح خطأ وأفحشته وإنما أتوا من تقصيرهم في معرفة الشرع الذي أنزله الله على رسوله وشرعه بين عباده فإنه أنزل الكتاب بالحق ليقوم الناس بالقسط، ولم يسوغ تكذيب صادق، ولا إبطال امارة وعلامة شاهدة بالحق، بل أمر بالتثبت في خبر الفاسق ولم يأمر برده مطلقاً حتى تقوم إمارة على صدقه فيقبل، او على كذبه فيرد، فحكمه دائر مع الحق، والحق دائر مع الحكمة أين كان، ومع من كان وبأي دليل صحيح كان : فتوسع كثير من هؤلاء في أمور ظنوها علامات وإمارات أثبتوا بها حكاماً، وقصر كثير من أولئك عن دولة وعلامات ظاهرة ظنوها غير صالحة لإثبات الأحكام» /الطرق (103-104).

35-           راجع : الطرق (101)،(103).

36-           راجع : أحكام المارودي.

37-           انظر : الطرق الحكمية.

38-           المرجع نفسه.

39-           سورة الملك : 15.

40-           راجع : المحلي (11/141)

41-           انظر : الخراج وشرحه فقه الملوك (2/238) وما بعدها.

42-           انظر : الأحكام السلطانية للمارودي (83).

43-           انظر الطرق الحكمية (103).

44-           راجع بحث د.عوض محمد عوض في المجلة العربية، ع 10 (أكتوبر 1979 م) ص 120.

45-           بعض حديث صحيح. انظر: الفتح الكبير (3/256).

46-           الأية (28) من سورة النور.

47-     الآية (12) من سورة الحجرات وما ورد بعدها من الأحاديث والآثار، قد أخرجه القرطبي في تفسيرها، فانظر (16/331-334).

48-           انظر: تفسير القرطبي (16/331-332)، وابن كثير (4/212-213).

49-           أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن. / انظر: فتح الباري (13/150).

50-           أخرجه أبو داود والترمذي بسند حسن. على ما في فتح الباري (13/356).

51-           المجلة العربية ص (109) بحث د. عوض في العدد العاشر.

52-           انظر : المبسوط (18/172).

53-           راجع: أدب القاضي للخصاف (1/336)، وفتح الباري (13/150).

54-     هذا لفظ البخاري كما في الفتح (13/151 – 152)، لوروى بألفاظ أخرى عند أصحاب السنن. فانظر: مواطن إخراج الحديث في المحصول (2/ق3/24) بتحقيقها.

55-           انظر: بحث الدكتور عوض محمد عوض في المجلة العربية، ع 10 (مارس 1978/1979 م) ص 114.

56-           انظر أدب القاضي (256).

57-           بحث د/سمير الجنزوري المجلة العربية / مارس / 1978 ص (119) العدد (7).

58-           انظر: المحلي (11/141).

59-           الآية (156) من سورة النحل.

60-           الحديث له ألفاظ مختلفة متعددة بعضها صحيح./ انظر: تخريجنا له بهامش المحصول (1/ق 1/319).

61-           السنن الحديث رقم (4382)، وفي النسائي الحديث رقم (4382)، وفي النسائي الحديث رقم (4878).

62-           مصنف عبد الرزاق (10/193).

63-           المصدر نفسه.

64-           نفس المصدر.

65-           مصنف عبد الرزاق (10/216 – 217).

66-     المرجع نفسه و«العَبٌيَةْ» : ما تجعل فيه الثياب، جمعها «عياب وعيبات» كما في القاموس وشرحه باب الباء فصل العين.

67-     راجع: المغني (15/12)، وكشاف القناع (6/454)، والأنصاف (12/133)، ومغني المحتاج (2/240)، والمهذب (2/362)، والبدائع (7/189)، والهداية (3/275)، والمبسوط (9/184-185)، والدسوقي على الشرح الكبير (3/348)، والخرشي (6/87)، وتحرير الوسيلة (2/398)، والمحلي (2/288)، والبحر الزخار (5/3).

68-     بهذا اللفظ أخرجه البيهقي ورجاله لقات (9/137)، وأخرجه أبو داود بدون ذكر الحافظ في الفتح (7/366،367) بنحو ذلك، وراجع: حاشية ابن عابدين (3/270)، والطرق الحكمية (7-8).

69-           (9/385).

70-           انظر : تنوير الأبصار وحاشية ابن عابدين عليه (3/270) وعبارة الحين كالمثل يريد: أنه ما لم يضرب السارق لا يظهر جسم السرقة الذي عبر عنه بالعظم.

71-           حاشية ابن عابدين (3/259).

72-           المرجع السابق (4/651).

73-           انظر : الطرق الحكمية (104).

74-           انظر المحلي (11/142).

75-           انظر : شرح الزرقاني على مختصر خليل (8/106،107).

76-           انظر : المحلي (11/142).

77-     راجع الافصاح (2/406)، وكشاف القناع (6/99)، والقوانين الفقهية (344)، وبداية المجتهد (2/477)، ومغني المحتاج (4/150)، والبدائع (7/61)، والمبسوط (9/94).

78-           انظر : البداية (2/477).

79-           انظر : المهذب (2/364).

80-     انظر : مصنف عبد الرزاق الأثر (10/18)، (9/579)، والمحلي (11/24)، وهامش المحصول (2/ق  2/377) بتحقيقنا، والمهذب (2/192).

81-           انظر : المغني (9/579).

82-           انظر : المهذب (2/192).

83-     وإلى عدم تضمين ولي الأمر أو من ينوب عنه شيئاً بهذا الظاهر فانظر: المحلي (11/24-25)، والمارودي وأبو يعلي فرقاً بين التلف الناجم عن الحد، والتلف الناجم عن التعزيز، فضماً في الثاني، دون الأول. فانظر الأحكام السلطانية للمارودي (238)، وأحكام أبي يعلي (282).

84-           انظر المرجعين السابقين.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر