أبحاث

الفكر الاجتماعي في الكتابات الإسلامية الحديثة

العدد 47

مصاعب البداية:

إذا كان القرآن قد اعتبر جميع الرسالات السماوية متفقة فيما بينها على مبدأين رئيسيين هما: التوحيد والعدل :{لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلنَا بِالْبَيّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الكِتَابَ وَالْمِيزانَ لِيَقُومَ النَّاس بِالْقِسْطْ} (الحديد 25) فإنه اعتبر أن قيمة العدل يجب أن تميز المجتمع الإسلامي في بنيته وأن تطبع علاقاته مع غيره سواء كانوا مؤمنين أو غير مؤمنين: {وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى} (المائدة 8) {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ بِالْقِسْط} (النساء 195)

مثل هذا التوجه المتميز في الخطاب القرآني هو الذي دفع ((فهمي هويدي)) الكاتب الإسلامي التقدمي أن يؤكد على أنه: ((إذا كان التوحيد هو عماد الشريعة وأنه لن يتوفر التطبيق الإسلامي الحق مالم يستند إلى هاتين الدعامتين جنباً إلى جنب.. ذلك أن الارتكاز على إحداهما دون الأخرى لن يثمر إلا مسيرة عرجاء لا يستقيم بها التطبيق الإسلامي بأي حال)).

ومن المؤكد أن ((فهمي هويدي)) استفاد أيضاً في موقفه هذا مما تركه علماء قدامى تناولوا قبله مسالة العدل من أمثال الشاطبي الذي كان يعتبر في كتابه الموافقات: ((أن العدل هو الغاية المقصودة من الشريعة)) ومن أمثال ابن تيمية (1263 – 1328م) الذي أعلن في الحسبة: ((أن الدنيا تدوم مع العدل والكفر ولا تدوم مع الظلم والإسلام)).

لكن الذي لا يجب أن يغيب عنا أن مسألة العدل خاصة والفكر الاجتماعي عامةً في الأدبيات الإسلامية الحديثة ظل في عمومه بطئ التطور غامض المعالم تحت تأثير عوامل سياسية ضاغطة ومعرقلة.

يكفي أن نذكر على سبيل المثال أن رجلاً كسيّد قطب (1906 – 1966) الذي تناول هذه المسألة بكثير من الجرأة والتحديث في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات في أربعة كتب هي:

((العدالة الاجتماعية في الإسلام)) و((معركة الإسلام والرأسمالية)) و((السلام العالمي والإسلام)) و((نحو مجتمع إسلامي)) عاد بعد انضمامه إلى حركة الإخوان المسلمين والحكم عليه سنة 1954 بالسجن بدعوى التآمر لقلب نظام الحكم المصري إلى التنكر إلى كل ما كتبه في مسألة العدل الاجتماعي وكأنه في تخليه هذا كان يريد أن يؤكد على الأولوية الكاملة للعمل التنظيمي السياسي في مواجهة نظام متسلط ورافض للحوار.

نفس التصرف نجده من قبل معاصر آخر اهتم بالقضية الاجتماعية اهتماماً بالغاً هو باقر الصدر (1933 – 1980) فبعد أن خصص دراسة أولى بعنوان ((فلسفتنا))عرض فيها للأسس النظرية التي تقوم عليها الماركسية والوضعية المنطقية وما تتميز به المدرسة الإسلامية من تفسير للكون والحياة أردفها بكتاب أطول هو كتاب ((اقتصادنا)) ناقش فيه الأسس العامة للاقتصاد الرأسمالي إلى جانب المادية التاريخية ونظرة الماركسيين للمجتمع مقارناً كل هذا بهيكلة عامة للاقتصاد الإسلامي ورأيه في العمل وتوزيع الثروة. وواصل بعد ذلك نفس المسار بتأليف ((البنك اللاربوي في الإسلام)) وبعده ((المدرسة الإسلامية)) التي تحدث فيها عن أسباب عجز التجربة الاجتماعية في البلدان الإسلامية. بعد كل هذا الجهد الفكري الاجتماعي نجده يُقبل بكليته على النضال السياسي ضد الحكم القائم في العراق مؤسساً حركة سياسية معارضة تهدف إلى إسقاط النظام وينتهي الأمر بباقر الصدر بالسجن ثم الإعدام سنة 1980.

هذان المثالان يؤكدان على مدى صعوبة تطوّرالفكر الاجتماعي الإسلامي، ذلك أن مسألة العدل ارتبطت منذ القرن ال19 – وظلت كذلك – بالنضال السياسي ضد قوى الاستبداد والتسلط.

كان هذا في ظل الدولة العثمانية وخاصةً مع السلطان عبدالحميد الثاني (1876 – 1909) واستمر في غالب الأوضاع السنيّة التي تلته بنسب أقل حتى الثمانينات وهذا ما يفسّر جانب التردد في الفكر الاجتماعي الإسلامي الحديث. وهكذا فإن حركة النهضة الحديثة في البلدان الإسلامية السنيّة اصطبغت بالإصلاح الديني والسياسي وقلّما اعتنت بالمسألة الاجتماعية.

لقد ركّز عموم المصلحين في المشرق والمغرب منذ القرن الماضي على أن انحطاط أحوال المسلمين يرجع إلى عاملين أساسيين: 1- التحريف والبدع التي لحقت بالإسلام. 2- طبيعة الأنظمة السياسية السائدة والجائرة – ولقد اختصر رواد الإصلاح المسألة في أن مشكلة المسلمين واحدة في حقيقتها: لقد اعتبروا أن السياسة والدين يمثلان مشكلة حلها موجود في النصوص الدينية على شرط أن تفسّر بطريقة عقلية متسعة الفكر لا بطريقة ضيقة الأفق.

وإذا أمكننا أن نميّز في حركة الاصلاح الحديثة مطالبتها بالرجوع إلى منابع الدين التي تنوقشت أو أهملت فإنها قصرت عنايتها في غالب الحالات على المجال السياسي باستثناء محاولة السنوسيين في طرابلس وهي التي عملت على إقامة نواة مجتمع إسلامي يرتكز على أساس التكافل الاجتماعي، إلاّ أن نمط الزوايا السنوسية كان شديد الارتباط بطبيعة البنية القبلية السائدة في ليبيا فلم يكن يملك قابلية مواكبة المؤسسات الاجتماعية الحديثة. لقد كان أقرب للظاهرة الدفاعية التي تحاول معالجة تحديات العصر منه إلى الظاهرة الإبداعية التي تتفاعل مع الأصول الإسلامية من أجل تقدم اجتماعي وسياسي.

لذلك فإننا لا نكاد نجد طيلة القرن الماضي أية محاولة جادة يمكن أن تميّز الفكر الإسلامي في المجال الاجتماعي سواء في تركيا التي أدخلت الحداثة مع مشروع تنظيماتها سنة 1839 أو في بعض ولاياتها أو في مصر التي تحولت إلى مركز للآراء الحديثة منذ 1860 عندما أصبحت قبلة المفكرين المسلمين الباحثين عن ملجأ بعيداً عن جمود وتسلط الإدارة العثمانية.

والذي لايجب أن يغيب عن الذهن هو أن مثل هذا البطء في نمو الفكر الاجتماعي الإسلامي يعود أيضاً إلى طبيعة ((الإصلاح الديني)) الذي عرفه الإسلام السنّي طيلة القرن الماضي فلقد تعامل هذا النزوع الإصلاحي بخطاب إسلامي يتلائم مع مجتمعات الجزيرة العربية قبل 13 قرناً. إنه ظل يعتبر الشرك والوثنية قاعدة المجتمعات الحديثة فلم يغير مفهومه للتوحيد بحيث يصبح قابلاً لاستيعاب التحولات الفكرية والمادية التي طرأت على المسلمين عبر القرون.

لذلك يجب أن ننتظر أوائل القرن العشرين لظهور أولى المحاولات الإصلاحية الجادة والرابطة بين المستويين الديني والاجتماعي والتي تعتبر أن هناك حداً أدنى من الإصلاح العقائدي يجب إجراؤه إلى جانب أولوية العدل التي لا مفر منها لمواجهة التحولات الفكرية والمالية التي عرفها المسلمون السنّة في مجتمعاتهم الحديثة.

وفي هذا المجال فإن ما عرفه الفكر الاجتماعي الإسلامي من تطوّر نوعي منذ مطلع القرن العشرين لا يمكن أن يفصل عن الصراعات الاجتماعية التي أنشأها النفوذ الرأسمالي الغربي في العالم الإسلامي وما استتبع ذلك من تيارات فكرية اجتماعية فرضت نفسها عبر خطاب إسلامي جديد.

أما الإسلام الشيعي في إيران فلقد كان طيلة القرن الماضي يعيش أولى محاولات تخلصه من تبعية الدولة التي كانت تستخدمه كغطاء لاستبدادها السياسي وذلك في أول حرب مقاومة يقودها الجهاز الديني الشيعي سنة 1826 ضد الاحتلال الروسي للمقاطعة الإيرانية الشرقية. ثم تواصل نفس المسعى طيلة النصف الثاني من القرن ال 19 في انتفاضة التبغ (1890 – 1892) وفي الثورة الدستورية (1905 – 1911) ثم ثورة اتحاد الإسلام (1920) والنضال السياسي داخل البرلمان الإيراني طيلة العشرينات والثلاثينات وحركة فدائيي الإسلام في الأربعينات ثم ضمن الحركة الوطنية طيلة الخمسينات حتى انتفاضة 1963 التي قادت قسم من الجهاز الديني بالتحالف مع حركة تحرير إيران والتي أنهت فترة ما يسمى بالانفتاح السياسي الجديد وهيأت لثورة نهاية السبعينلت التي اسقطت حكومة الشاه.

هكذا خاض قسم من المؤسسات الدينية الشيعية سلسلة من النضالات السياسية عبر حوالي قرن ونصف رافعاً شعار: الإسلام دين كله سياسة ومركزا على محورين أساسيين: محاربة التبعية الأجنبية (روسيا – انجلترا وأمريكا) ومقاومة الاستبداد الداخلي.

ولقد نجم عن هذا التضخم في البعد السياسي للتحرك والفكر الشيعيين الحديثين نجم عنه إهمال كامل للمسألة الاجتماعية من قبل مؤسسة دينية ظلت محافظة في اطروحاتها الدينية لا تعتني في أغلب الحالات إلا بحماية استقلالها تجاه المؤسسة الرسمية التي استغلتها قروناً متوالية.

هكذا لم تكتسب المؤسسة الدينية الشيعية التجديد ولا التنظير اللذين تفرضهما تحولات العصر على المستويات العقائدية والاجتماعية – مثل هذا المشروع سوف يبدؤه بشكل أولي آية الله الطالقاني ثم يعمقه بعد ذلك في الستينات من هذا القرن علي شريعتي (1933 – 1977) وواضح أن مثل هذا الخط سوف يقابل من قبل رجال الدين الشيعة بمقاومة تتراوح بين الجهر والخفاء قبل وبعد الثورة في إيران. ومع ذلك فسوف تتبلور محاولة داعية لقراءة معاصرة لتاريخ التشيع من أجل توجيه إسلامي اجتماعي، ولعل أفضل ما يصوّر هذه المحاولة ما تركه علي شريعتي من محاضرات وبحوث متميزة.

إن قراءة مثلاً مقال (التشيع الأحمر والأسود)) يستطيع أن يعطينا صورة عن أهمية هذه المحاولة التجديدية في الفكر الشيعي الحديث وعن أسباب مقاومة الجهاز الديني الرسمي الذي ظل قروناً مُستغلاًّ من الدولة الصفوية (1501 – 1722) ثم من الدولة الفاجارية (1795 – 1925).

يقول شريعتي: ((إن الإسلام كان ديناً بدأ بـ (لا) نطق بها محمد الذي كان وارثاً لتراث إبراهيم ومُظهراً للدين الذي هدفه توحيد الله وتوحيد الشعب. إن شعار التوحيد (لا إله إلا الله) يبدأ بـ (لا) طرحها الإسلام في مواجهة الشرك ونقصد بالشرك دين المنفعة ومصالح الاشراف أما التشيع فكان إسلاماً يبدأ ب (لا) نطق بها عليّ: ذلك الوارث العظيم لتراث ونهج محمد ومظهر الإسلام والعدالة الحقيقية –إنها (لا) التي ردّ بها عليّ على عبدالرحمن بن عوف رمز إسلام الأشراف ومصالح النخبة)).

هذه الرؤى البعيدة عن خرافات ((التشيع الصفوي)) والملتزمة بمهمة مثناة: تغيير المفاهيم الدينية التقليدية إلى جانب قراءة تجديدية تأخذ بعين الاعتبار روح العصر والتطورات الاجتماعية، هي الأولى من نوعها من حيث الربط بين كل نضال سياسي داخلي وخارجي وبين النضال من أجل أوضاع أكثر عدالة وأقرب للمساواة. إنها رؤية تأتي متأخرة زمنياًً بالنسبة لما سوف يعرفه الشق السني منذ مطلع القرن العشرين.

الفقر عدو التقدم:

إذا كانت تركيا قد عرفت التيارات السياسية الاجتماعية منذ الثلث الأخير من القرن الماضي وإذا كانت المحاولات التقريبية بين الإسلام والاشتراكية قد بدأت مبكرة في تركيا فإن ذلك لا يعني إطلاقاً نمو فكر اجتماعي إسلامي متميز في المشرق السني.

لقد اقتصر الأمر في تركيا على إظهار ما يوجد من صلة بين المبادئ الاشتراكية والتعاليم الإسلامية وقد تأكدت هذه المرحلة في مرحلة التحرر الوطني (1919 – 1922) خاصة على يد الشيخ ثروت أحد كبار الثوريين الأتراك ومؤلف كتاب ((صفحة من العصر الذهبي)) الذي كان الغرض منه إظهار مدى الارتباط بين الإسلام والماركسية ولم يكن الشيخ ثروت حالة شاذة بل إن البلشفية التركية قبل 1922 تميزت بعدم عدائها للإسلام وهو أمر سوف تضطر موسكو إلى ((تصحيحه)) وإرجاع أتباعها الأتراك إلى المنهج الماركسي – اللينيني الصرف وقد ساعدها في ذلك أوضاع الجمهورية التركية التي تبنت المقاومة العلنية للقوى الدينية والمحافظة.

ويجب أن ننتظر أواخر الستينات من هذا القرن حتى تعود من جديد على سطح تركيا توجهات داعية إلى ((الاشتراكية الإسلامية)) الرابطة بين القيم الإسلامية والمبادئ اليسارية ولقد ظل دعاة هذه النزعة مما يمكن أن يؤكد مثل هذه الرابطة في التاريخ التركي فاكتشفوا في الطريقة البكداشية والبيرمية (القرن XIV) ملامح اشتراكية قبل ظهور المذهب الاشتراكي في أوربا المعاصرة. كما وجدوا في الثائر الشيخ بدرالدين (القرن XV) المتمرد على السلطان المؤسس الأول لنظام جماعي إسلامي حديث إذ كان قد ألغى الملكية الفردية مقسماً الثروة بالمساواة بين أفراد جماعته.

مثل هذا التوجه عرفته تركيا منذ أوائل هذا القرن لكنه كان لا يتجاوز غاية ظرفية تكتيكية سرعان ما تنقضي دون أن تحقق تطوّراً فكرياً يذكر أو إضافة نوعية جادة.

هذا العمل سوف شرع فيه كاتب ومناضل حلبي هو عبدالرحمن الكواكبي (1854 – 1902) وسوف يسير على نهجه مفكرون إسلاميون من أمثال رفيق العظم (1867 – 1925) وعبدالقادر المغربي (1867 – 1956) وشكيب أرسلان (1869 – 1946) وعبدالرحمن البزاز، هؤلاء جميعاً سوف يتناولون المسألة الاجتماعية عبر الحديث عن انحطاط المسلمين مظهرين العلاقة بين المسألة السياسية والأوضاع الاجتماعية.

هكذا بدأ الكواكبي في كتابيه بتقديم رؤية من أجل تحرير البلاد الإسلامية من وطأة الحكم العثماني ومن أجل تحقيق النهضة الإسلامية دينياً واجتماعياً وسياسياً في نطاق اتحاد ذي نزعة ديمقراطية. وبذلك يقدم لنا أول دعوة لإقامة حياة عصرية تستند إلى تعاليم النصوص الإسلامية مؤكدة أنها لن تقوم ((إلا بمحاربة الفقر)) وإنشاء ((أصول المعيشة الاشتراكية)). يقول في كتابه ((أم القرى)):

((إن الداء العام ليس الجهل ولا الاستبداد بل هو الفقر فهو قائد كل شر ورائد كل نحس.. القوة المالية مفقودة  والشريعة مبنية على أن الأموال فيها جزء للفقراء. لكن الحكومات جبت من الفقراء لتغدق على الموسرين)) (أم القرى).

ولو تابعنا جل فقرات كتابي الكواكبي لوجدنا أن مسألة توزيع الثروة والأراضي وعدم حصر الملكية الزراعية والتفاوت الطبقي أصبحت قضايا مطروحة على الفكر الاجتماعي الإسلامي. إن الإسلام كما يفهمه الكواكبي يناصر الملكية المشتركة ويعارض الرأسمالية الكبيرة وكبار الملاّك لكنه لا يحارب الثروة الناجمة عن العمل والتي تلبي حاجيات الإنسان الأساسية.

والكواكبي يطرح شعار((معيشة الاشتراك العمومي)) ويؤكد أن مصيبة الشرق هي توالي الأنظمة السياسية المستبدة المرتبطة بأوضاع اجتماعية غير عادلة ((فالأغنياء ربائط المستبد ولهذا يرسخ الذل في الأمم التي يكثر أغنياؤها)) (طبائع الاستبداد) وهو من ناحية أخرى يبين مدى العلاقة الموجودة بين الاستبداد والاستغلال وبين الاستعمار الأوروبي للبلاد المتخلفة: ((إن تحصيل الثروة في عهد الحكومة العادلة عسير جداً وقد لا يتأتى إلاّ من طريق المراباة من الأمم المنحطة أو التجارة الكبيرة التي فيها نوع من الاحتكار أو الاستعمار في البلاد البعيدة مع المخاطرات)) (طبائع الاستبداد).

ولمواجهة هذا الوضع يطرح الكواكبي منهجاً اجتماعياً إسلامياً قائماً على ((الثروة العمومية المملوكة للمجموع والمخصصة للكافة)).

ومن المؤكد أن الكواكبي استفاد من المترجمات الأوروبية المتحررة الواردة على العالم الإسلامي والمتعلقة بالمسألة الاجتماعية وخاصة مونتسكيو لكنه تميز هو ومن سوف يأتون بعده لمعالجة مشكلة الفقر بأنهم يضعون أنفسهم كامتداد لبناء قائم على تفسير تقدمي للتراث العربي الإسلامي.

ويتميز الفكر الاجتماعي الإسلاميفي هذه المرحلة الأولى بميزتين رئيسيتين:

  1. تأكيده على أسبقية الإسلام التاريخية على المذاهب الاشتراكية وعلى الرأسمالية والحرص على الأخذ من جوانبهما الإيجابية بغاية تحقيق العدالة في البلاد الإسلامية.
  2. أن التقدم الذي عرفته أوروبا قام على مبدأ التكافل الاجتماعي وهو مبدأ قامت عليه شرائع الإسلام حتى تكفل سعادة الإنسان. فبالتكافل يترك الإنسان أنانيته ومنافعه الخاصة وبه يشيع وتعم الصناعة وتصبح الأمة مرهوبة الجانب.

وهكذا فإن المسألة الاجتماعية سوف تتركز على التكافل الذي يقوم على أنه يملك وظيفة أخلاقية ضابطة رادعة تحمي ((الطبقة النازلة)) من جشع ((الطبعة العالية)) وتفنى بفضل فريضة الزكاة كل ((عوامل البغضاء والشحناء وحروب الطبقات)).

مثل هذا الطرح لا يقدّم من جهة أدوات تحليل قادرة على تجاوز الوضع السائد وهو من جهة أخرى يؤكد على الاختيار السياسي في طرح القضايا الاقتصادية والاجتماعية فلا يبين العلاقة بين رأس المال والعمل ولا قضية الثروة وتوزيعها بل يكتفي بإشعار فئة الأغنياء بأن للفقراء حق معلوم في أموالهم ومطالبة الحكومة الإسلامية بإجبارهم على دفع الزكاة إن لزم الأمر.

المسألة الاجتماعية تفقد في هذه المرحلة كل تأصيل وكل هيكلة، فلا تحديد لأشكال الملكية ولا تحديد لطبيعة العلاقة بين الدولة والملاّك ولا ربط بين هذه المفاهيم والتصوّر الإسلامي.

نحن إذن أمام محاولة أولية تهدف التوفيق السياسي بين إشكالية التقدم في البلاد الإسلامية وبين ضرورة مواجهة النفوذ الرأسمالي الاستعماري وبين الحاجة لاستئصال الفقر السائد بين عموم المسلمين.

يقول الكواكبي عن الثروات المحتكرة من قبل فئة قليلة أنها: ((تضيق على حاجيات الغير وأنه لا تكثر (الثروة) إلا عند مواطني الحكومات غير العادلة وغير المنتظمة ففي ظل الحكومات المستبدة يسهل تحصيل الثروة)) (طبائع الاستبداد). أما شكيب أرسلان فهو يعتبر الزكاة حلاً جذرياً ضد الفقر ووقاية من الاشتراكية والشيوعية: ((تلك الفتن القادمة على المسلمين بلا ريب)) (حاضر العالم الإسلامي).

هذه هي المرحلة الأولى للفكر الاجتماعي الحديث الذي تميّز بتقرير مجموعة من المفاهيم العامة بعضها مستند للتجربة الإسلامية الأولى في عصر الرسول ثم خلفائه الراشدين وبعضها مستوحى من التيارات الاشتراكية الأوروبية الحديثة من أجل إقامة تعايش عادل بين الأثرياء والفقراء في ظل نظام اقتصادي موجه من طرف الدولة الإسلامية المتحررة من النفوذ الأجنبي والقادرة على تحقيق التقدم الحضاري.

إنها مرحلة إرهاصات للفكر الاجتماعي سوف تجد في مجموعة سيد قطب تحولاً هاماً منذ نهاية الأربعينات لكنها لن تجد الرواج اللازم في صفوف التحرك الإسلامي الذي سيعرفه العالم العربي طيلة الخمسينات والستينات.

من التكافل الاجتماعي إلى اشتراكية الإسلام:

لا يخفي الاشتراكيون والشيوعيون السوريون استغرابهم من موقف الإخوان المسلمين في سوريا سنة 1959 تجاه قوانين الإصلاح الزراعي الذي سنته دولة الجمهورية العربية المتحدة، ومما يزيد الأمر غرابة أن زعيم الإخوان المسلمين في سوريا مصطفى السباعي (1915 – 1974) كان أول من طالب في الجمعية التأسيسية السورية بذلك قبل عشر سنوات وكان لمشروعه الداعي إلى إعادة توزيع الأراضي الفلاحية الأثر السيئ لدى كبار الاقطاعيين السوريين فلقد كان السباعي يعتبر منذ 1949 أن الإصلاح الزراعي ضرورة اجتماعية تحول دون إهمال مساحات شاسعة من الأراضي الفلاحية وتمنع استبداد الملاكين الكبار بصغار الفلاحين وكان يبني موقفه هذا على أصول إسلامية، فإن كان عمر في مدة خلافته قد منع كبار الصحابة من حرية التنقل والخروج إلى الأمصار وإذا كان للحاكم المسلم أن يحدد ربح التجار ويمنع الاحتكار في المواد الضرورية فإن له أيضاً حق إعادة توزيع الأرض على الفلاحين وفق مقاييس جديدة.

هذا الموقف من زعيم الإخوان المسلمين في سورية جاء نتيجة لتحوّل هام حصل في الفكر الإسلامي الحديث بعد الحرب العالمية الثانية وعلى يد رجال نظّروا للمسألة الاجتماعية بشكل منهجي محدد. ومن أبرز هؤلاء سيد قطب – عبدالقادر عودة – محمد الغزالي – البهيّ الخولي (من مصر) ومصطفى السباعي (من سورية).

هذه المجموعة تنتمي إلى حركة الإخوان المسلمين التي تأسست في مصر في أواخر العشرينات من هذا القرن ثم أوجدت لنفوذها امتدادات في عدد من بلدان المشرق العربي. والذي لا يجب أن نغفل عنه أن هذا التنظير الاجتماعي على أهميته لا يمثل الخط السائد والرسمي للحركة فهو مجرد اجتهادات شخصية لبعض مثقفي الإخوان تتسامح معه الحركة دون أن تصبح ملزمة به. لذلك فلقد ظلت قواعد حركة الإخوان وقياداته السياسية رافضة أن يكون لها موقف اجتماعي صريح مؤكدة بذلك أن دعوتها تتجه إلى الغني والفقير، العامل وصاحب رأس المال، الفلاح ومالك الأرض. وبذلك كان تناول الحركة الرسمي للمشكلة الاجتماعية يتم أساساً (خاصةً في مصر) من منظور أخلاقي فهي تؤمن أن سلام المجتمع رهن سيادة الرحمة ن أن  والحب بين أفراده ولذلك فقد نشط الخطاب الذي ينمي معاني التعاون والتضامن متغافلة عن طرح قضايا ضمانات الحياة المعيشية وكفالة الرزق وضمان التوازن الاجتماعي بين الذين يملكون والذين لا يملكون. أكثر من ذلك فإن بعض القيادات الرسمية لحركة الإخوان – بالإضافة إلى عدد من شيوخ الأزهر – ظلت تنظر بكثير من الحذر إلى كل محاولات تعميق الفكر الاجتماعي الإسلامي بشكل يجعله آخذاً بعين الاعتبار روح العصر التي تدفعه إلى تقديم الاجتهادات الاجتماعية اللازمة من أجل إقامة العدل ومحاربة الاستغلال.

هكذا فإن كتب ((سيد قطب)) التي نشرت في أواخر الأربعينات وأوائل الخمسينات والتي كتبها قبل انضمامه لحركة الإخوان المسلمين في مصر – ظلت مهملة في داخل الحركة بالمقارنة لما كتبه بعد ذلك من كتب إسلامية سياسية رافضة. نفس الأمر حصل لكتاب ((اشتراكية الإسلام)) لمصطفى السباعي الذي قدمه سنة 1959 فإنه انتقد بشدة من طرف عدد من الإسلاميين والأزهريين لأنه ((خروج عن الدائرة الإسلامية وادخال لبدعة لم تكن موجودة في الإسلام)).

هذا الموقف الرسمي لم يمنع النخبة المفكرة في داخل حركة الإخوان خاصة من تناول هذه القضية محددة لها أصولها العقائدية الدينية (قطب – عودة) ومبينة التشريعات اللازمة لضمان الحقوق الطبيعية لكل المواطنين (السباعي – الغزالي – القرضاوي – الخولي) وبذلك تحول الفكر الاجتماعي الإسلامي في مرحلته الثانية من طور المفاهيم العامة المتقاطعة التي لا ينتظمها بناء كامل واضح والتي تكتفي بالدعوة إلى الإنفاق والصدقة إلى طور يأصل إسلامياً لمسألة العدالة الاجتماعية ويقدم التشريعات الكافية والمتكاملة لكل جوانب المشكلة الإنسانية والاجتماعية المطروحة.

فما هي الإضافات النوعية التي قدمتها هذه المجموعة من الإسلاميين فيما بين نهاية الأربعينات ونهاية الخمسينات؟

أولاً: على المستوى العقائدي النظري:

يتفق إسلاميو هذه المرحلة على نقطة انطلاق رئيسية يتفاوت وضوحها من كاتب إلى آخر وتتمثل في الاعتقاد بأننا اليوم لا نستطيع أن نحقق أي تغيير جاد في العالم الإسلامي بمجرد توجيه الفرد في أخلاقه وسلوكياته، ذلك أن الأنظمة السياسية والاقتصادية أصبحت اليوم مبنية على خلفيات أيديولوجية مفصلة وهذا خلافاً لما عرفه الإسلام في عهده الأول الأمر الذي سهل انتشاره بسهولة نسبية عندئذ، لأنه لم يطالب المسلمين برؤية ايديولوجية متكاملة وبرامج سياسية واقتصادية نابعة عنها. لقد كانت الأوضاع الفكرية والاجتماعية دون ذلك بكثير. أما اليوم فلقد عرف العقل الإنساني عمقا نظريا وبنائ اجتماعياً واقتصادياً في غاية التعقيد لهذا فإن حل المشكلة الاجتماعية عند منظّري المرحلة الثانية يحتاج إلى عمل تأصيلي يقدم قراءة لثلاث قضايا أصولية تتمحور حول: (أ) ما هو الإسلام؟ (ب) ما هو التوحيد؟ (ج) وما هي غائية الخلق؟

يقول ((سيد قطب)) عن الإسلام: ((إنه عقيدة الضمير التي ينبثق منها سلوك في المجتمع ويقوم عليها نظام للحياة يتناول نشاط الفرد في حياته العائلية والاجتماعية والدولية)) الإسلام إذن شعائر تعبدية وشرائع لتنظيم الحياة في ضوئها وبالتالي لا مجال للفصل بين الدين والدولة مع التأكيد على أن قضية الحكم ليست دينية أي لاتقوم على تفويض من طرف الرب بل إن الحاكم مدني واطروحاته محل قبول ورفض.

أما التوحيد فليس يعني عند منظري الطور التالي إلا “تحرير الوجدان البشري من عبادة أحد غير الله أي تحقيق المساواة بين حقوق الناس وواجباتهم” فالتوحيد بهذا المعنى هو التحرر المطلق الذي يعني على أرض الواقع المساواة في الحقوق الإنسانية –فالكل لآدم وآدم من تراب– وعنه تنتج المساواة بين الأجناس وبين الرجل والمرأة لأن الأصل واحد والنشأة واحدة.

أما غائية الخلق فهي تعني أن الكون كله مخلوق من أجل الإنسان وبالتالي فالبشر مخلوق بعضهم لبعض أي أن العلاقات الاجتماعية مدعوة إلى أن تقوم على أساس المساهمة الجماعية حتى يتحقق الهدف من الحياة، وكل خرق لهذا الشرط لا يمكن أن يؤدي إلا لحبوط عمل المستخلفين، (عودة) فالله لم يسخر ملكه لفرد ولا لفئة بل للبشر جميعاً وجعله مشاعاً بينهم.

واضح أن هذه القضايا التأصيلية الثلاث تتظافر في مجملها من أجل هدف واحد وعبر منهجية واحدة. فهي من جهة تهدف لبناء موقف ملتزم بقضايا الإنسان المعاصر في البلدان الإسلامية متبنية في ذلك منهجية تجديدية يتفاعل فيها النص مع الواقع تفاعلا ً جدلياً وتنظر للوجود الإنساني في صيرورته وتطوره لا من ثباته واستقراره..

ومن هنا فالنظم الإسلامية يجب أن يستوحيها العقل البشري من المبادئ الخالدة لأن الحياة تتطور باستمرار ذلك أن الحالات الاجتماعية لا تتكرر أبداً في التاريخ وإنما تتشابه مجرد التشابه (قطب). لهذا فلابد من حلول جديدة باستمرار في ظل المبادئ العامة حتى يمكن للفكر الإسلامي أن يستوعب تطوّر الحياة ورقيها. وينطلق البحث عن التقنينات الإسلامية المحققة للعدل واللائقة للعصر من بحث جملة من المسائل التي نلخصها في المحور التالي.

ثانياً: الثروة من يملكها وكيف يتم التصرف فيها؟

يؤكد عبدالقادر عودة أن استغلال الكون من قبل الإنسان يولد مالاً ورغبة في الادخار لكنه يتفق على مبدأ أساسي مع سائر من تناول هذه القضية أن المال كله لله ولا يملك البشر إلاّ حق الانتفاع به فالملكية في الإسلام من هذا المنظور ملكية منفعة وليست ملكية حقيقية.

وانطلاقا من هذه القاعدة الأساسية تنجم عدة تطبيقات من بينها:

  • للجماعة المسلمة عن طريق الحكام وأهل الشورى أن تنظم طريقة الانتفاع بالمال لأنه مجعول لمنفعة الجماعة وهي قادرة أن ترفع يد المالك عن المال إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة مع تعويضها له عن ملكيته المنفعية تعويضاً مناسباً.
  • يبيح الإسلام حرية التملك بدون حد إلا أنه يجيز للجماعة بواسطة ممثليها وباعتبارها القائمة على حقوق الله والمنظمة لها أن تحدد ما يملكه الشخص من ثروة إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة.
  • يقرر الإسلام أن للغير حقوقاً مفروضة في الأموال عملاً بحديث الرسول: ((أن في المال حق سوى الزكاة)) فبالإضافة إلى الزكاة يوجد الإنفاق بحديه العادي والضروري. فللحكومة الإسلامية أن تأخذ ما يزيد عن حاجة الأغنياء لترده على الفقراء هذا في الحد العادي ولها أن تتجاوز ذلك إلى الجزء المخصص لسد حاجة الغني في أوقات الضرورة.

من هنا يمكن القول أن سياسة المال حسب قطب ومجموعنه قائمة على أن الملكية الفردية حق مقرر في الإسلام لكنه قائم على شرط أساسي هو أن يكون المجتمع متوازناً لا اختلال فيه. فإذا وجدت حاجة يكون حق المجتمع مطلقاً في كل المال ولا يقف في وجهه حق الملكية الفردية.

يقول ((سيد قطب)): ((إن في يد الدولة أن تشرع الملكيات والثروات جميعاً وتعيد توزيعها على أساس جديد ولو كانت هذه الملكيات قد قامت على الأسس التي يعترف بها الإسلام ونمت بالوسائل التي يبررها)).

(معركة الإسلام والرأسمالية).

وبناء على هذا التوجه يبين مصطفى السباعي في ((اشتراكية الإسلام)) ثلاثة قضايا كبرى تميز بها عن بقية جماعته وهي:

  1. التأميم
  2. تحديد الملكية الزراعية
  3. حقوق العمال

وخلاصة رأيه في ذلك أن المشكلة الاجتماعية في الإسلام لا تقوم على الصدقة بل تقوم بتشريع قوانين ضامنة للتكافل الاجتماعي وليست متروكة لرغبة الفرد الذي قد لا يبالي كثيراً بفقر الآخرين وحاجتهم.

وفي هذا الخصوص يدعو السباعي إلى اعتبار أن الملكية الفردية وظيفة اجتماعية يمكن أن تستمر في حدود الاعتدال وتسحب عند حصول أي خلل انطلاقاً من قاعدة الحَجْر على السفهاء ومن حديث: ((الناس شركاء في ثلاث: الماء والكلأ والنار)). لذلك يتبنى تأميم الصناعات والمرافق العامة والأرض وما شابهها بعد استشارة الخبراء الاقتصاديين والاجتماعيين. أيضا يرى أنه لابد من تحديد الملكية الزراعية سداً للذرائع ورفعاً لكرامة الفلاحين وتحقيقاً لحاجياتهم الأساسية. أما العمال فالسباعي يعتبر أن القرآن كرّم العمل واعتبره نعمة فلابد للعامل أن يتقن عمله ولابد لرب العمل أن يرعى عماله وذلك بأن يكون الأجر على قدر العمل وأن يكون العمل على قدر الطاقة. من هنا أصبح واجباً تحمل مرض وعجز العامل وضمان كرامته المعيشية وتأمين نفقاته العائلية.

وإذا كان منظّرو هذه المرحلة الثانية لم يتفقوا على مصطلح واحد يعبّر عن رؤيتهم للبناء الفكري والاجتماعي القادر على تحقيق العدل فاختار البعض مصطلح العدالة الاجتماعية وذهب البعض إلى الاشتراكية الإسلامية في حين اكتفى البعض بالتكافل، رغم ذلك فإنهم في مجموعهم متفقون على أمر أساسي هو ضرورة قيام سياسة إسلامية للمال واضحة لا لقاء بينها وبين الرأسمالية لأن ((الحطام البشري الذي يعد بالملايين (في بلاد المسلمين) لا يتسنى له الشعور بالمقدسات لأنه مشغول بشعور الجوع والحرمان)).

إن جهود مجموعة المرحلة الثانية ممن تناولوا مسألة العدالة الاجتماعية إسلامياً سوف تبقى هامشية ذلك أن عموم القيادات السياسية والدينية الإسلامية سوف تقاومها بهدوء فسوف تُتَجاهَل هذه الأطروحات مقابل تركيز التناول التقليدي للمعطيات الاجتماعية ومقابل انتشار الشعارات الكلية من مثل الحاكمية لله والحكم بالقرآن وتجهيل المجتمع.

وواضح أن وراء هذا التوجه جملة اعتبارات منها ما يتعلق بالفكر الديني السني الحديث ومنها ما هو سياسي.

فمن جهة نلاحظ أن الفكر الديني لم يتطوّر بنفس القدر الذي تطوّر به الفكر الاجتماعي والسياسي في البلاد العربية طيلة النصف الأول من هذا القرن – أكثر من ذلك لقد شهد هذا الفكر من جراء التحولات السياسية والاجتماعية انفتاحاً وعمقاً ليس له نظيرفي الأطروحات الدينية التي واصلت منهجيتها التقليدية ونسقها الانطوائي.

من جهة ثانية فمما زاد الأمر تعقيداً أن عدداً من الأنظمة السياسية العربية ذات التوجه العلماني حوّلت خلافاتها العقائدية مع الحركات الإسلامية إلى خلافات سياسية انتهت في الغالب بالتصفية الدموية هذا على الرغم من أنها تبنّت جانباً هاماً من الاختيارات الاجتماعية للنخبة الإسلامية التي ذكرناها سابقاً معزولة عن أصولها الدينية مما عمّق القطيعة بين تلك الاختيارات وعموم الإسلاميين الذين أصبحوا يقفون بوعي أو دون وعي بجانب القوى المحافظة والمستغلة محاربين الإجراءات التي كانت تهدف تطوير الأوضاع الاجتماعية والتخفيف من العناء اليومي للعامل والفلاح وتقليص التفاوت الطبقي الفاحش.

وهكذا فإننا لا نصل إلى نهاية الستينات حتى نقف على انتكاسة كاملة للفكر الاجتماعي الإسلامي الذي تبرأ منه الإسلاميةن السُنّة واعتمدته أنظمة ثورية غير إسلامية في توجهاتها النظرية. ويجب أن ننتظر محاولات مفكرين شيعة سوف يواصلون نفس التوجه في ظروف فكرية واجتماعية أقسى مما عرفه نظراؤهم السُنّة.

الشيعة ومحاولة تجاوز الانتكاسة:

((لايكفي أن نعرف من الإسلام مناداته بالعدالة وإنما يجب أن نعرف تصوراته التفصيلية للعدالة ومدلولها الإسلامي الخاص)). هذا هو ملخص مشروع  محمد باقر الصدر في كتابه ((اقتصادنا)) المنشور سنة 1960 وهو الكتاب الذي يواصل فيه مشروع كُتّاب المرحلة الثانية (قطب وعودة) في المسألة الاجتماعية. والذي يقرأ لباقر الصدر يدرك بسهولة أنه لم يكتب كتابه لطائفته الشيعية فحسب فهو رغم تكوينه الشيعي حريص أن يكون خطابه إسلامياً يتجاوز به النعرات الطائفية الضيقة.

لذلك فهو مع استشهاداته الكثيرة بالمراجع والعلماء الشيعة فهو كثير الاستعمال للمراجع السنية. وباقر الصدر في هذا المنهج لا يختلف عن نظيره الإيراني علي شريعتي (1933 – 1977) الذي حرص دوما على تجاوز الخلافات المذهبية بين السنة والشيعة وهي الخلافات التي لا تخدم في نظره إلا أعداء الإسلام من استعمار وصهيونية. ويجمع بين الرجلين حرص مشترك على الالتزام بقضايا الإنسان من أجل بناء مجتمع إسلامي جديد خال من التعصب والظلم والتبعية ويتبلور هذا الحرص في أمرين أساسيين:

  1. الإسلام هو ابتعاد عن السلبية وتحمل للمسؤولية من أجل إيجاد علاقات جديدة عاجلة.
  2. تقديم قراءة جديدة لمسائل دينية ومذهبية في إطار عصري جديد يمزج بين نصوص التراث وبعض أدوات التحليل الغربية.

وعلى الرغم من أن باقر الصدر وشريعتي اختارا تمشياً تنظيرياً متشابهاً في أكثر من وجه فلقد كان لكل منهما أسلوبه الخاص في تناول القضية الاجتماعية.

لقد حرص باقر الصدر على مواصلة نفس المسيرة التي سبقه إليها قطب وعودة والسباعي محاولا إقامة منظومة كاملة تحمل اسم الاقتصاد الإسلامي اعتبر المسألة الاجتماعية إحدى ركائزها الثلاثة.

أما شريعتي فقد تبنى تمشيا يصحح فيه المفاهيم السائدة والخاطئة عن الإسلام وتاريخ الشيعة مقيما كل قراءته الجديدة على البعد الاجتماعي – السياسي ومؤكدا لكل من يقرأه أن العودة للفكر الديني إنما هي عودة في الواقع إلى أكثر الأفكار عصرية وأعمقها أصالة.

لذلك تبدو قراءة ما تركه الرجلان مكملة بعضها البعض وإن كانت تمثل نوعا من النشاز الواضح بالنسبة لعموم الفكر الديني والاجتماعي الشيعي الحديث فكما أن المؤسسة الدينية ظلت في إيران متحفظة من آراء وتحليلات شريعتي حياً وميتاً فإن المراجع الشيعية العراقية اتخذت من أطروحات باقر الصدر الاجتماعية موقفاً مشابهاً.

وسنحاول فيما يلي تلخيص أبرز أفكار الرجلين في نقاط رئيسية تجعلنا ندرك سبب المخاوف الرسمية الشيعية مما تركه المفكران:

(أ) باقر الصدر والاقتصاد الإسلامي:

يهدف باقر الصدر إقامة منظومة كاملة باسم الاقتصاد الإسلامي تقوم هيكلتها على عناصر ثلاثة:

  1. مبدأ الملكية المزدوجة.
  2. تحديد الحرية الاقتصادية.
  3. مبدأ العدالة الاجتماعية.
  • ففي خصوص المبدأ الأول يعتبر باقر الصدر أن المجتمع الإسلامي – خلافا للمجتمعات الرأسمالية والاشتراكية – لا يقر بشكل واحد للملكية فلا هو يتفق مع الرأسمالية في أن الملكية الفردية هي الأصل ولا مع الاشتراكية في أن الملكية العامة هي الأساس بل يتبنى أشكالا مختلفة للملكية في وقت واحد فهناك الملكية الخاصة والملكية العامة وملكية الدولة ويعتبر أن لكل شكل من هذه الأشكال حقل خاص يعمل به ولا يعتبر شيئا منها شذوذ أو استثناء أو علاجا مؤقتاً.
  • يعتبر أن العمل هو الأساس الرئيسي للملكية الخاصة وإن كل الثروات التي لم تتدخل يد البشرية فيها انشاء وتركيبا كالأرض الزراعية والمعادن والثروات الطبيعية فلا يجوز بحال أن تدخل في الملكية الخاصة ويجيز من هذا أن كل من أحيى أرضا ميتة أصبحت من حقه ما لم يعمل فيها بناء على النصوص الشرعية التي تجعل للفرد الخلافة في الأرض والتي تخضع الملكية لمتطلبات هذه الخلافة.
  • العدالة الاجتماعية في نظر باقر الصدر تقوم على أساس الكفاية فيجب على الدولة الإسلامية أن توفر للفرد الكفاية كمّاً ونوعاً بحسب ظروف المجتمع ويدخل في ذلك سائر الحاجات السائدة في المجتمع الإسلامي تبعاً لمستوى المعيشة العام، فالمال يجب أن يكون متداولا بين عموم أفراد المجتمع أي أن يعيش الجميع مستوى واحداً من المعيشة مع الاحتفاظ بدرجات داخل هذا المستوى الواحد فالاختلاف ليس طبقياً قائماً على تناقض كلي بل هو تفاوت في الدرجة فقط.
  • أن مبدا تدخل الدولة في الحياة الاقتصادية أساسي لكن الاختلاف في مساحة هذا التدخل ويعتبر باقر الصدر أن هذا التدخل ضرورة لملء ما سماه منطقة الفراغ في التشريع وهذه المنطقة حتمية في رأيه لأنها تشكل ضمانة صلاحية التشريع الإسلامي بشكل متواصل يتناسب مع الظروف الحياتية المتطورة فبما أن التشريع نظرية صالحة لجميع العصور كان لابد لإعطاء الصورة هذا العموم والاستيعاب أن ينعكس تطوّر العصور فيها ضمن عنصر متحرك هو عنصر منطقة الفراغ وبيد الحكومة أن تكيفه وفق الظروف والأدلة التشريعية.

ولقد وجد هذا المشروع انتقاداً شديداً من قبل اليساريين العرب بتهمة أنه يهدف إرضاء أوسع الجماهير الممكنة دون اعتناء بمعقولية الانتاجية وسلامة الدورة المالية وأنه يقوم في جزء هام منه على المساعدات المالية والتسهيلات البنكية رغم ما تؤدي اليه من تضخم رهيب تصعب السيطرة عليه.

لكن هذا لم يقلل من أهمية المشروع باعتبارها مرحلة جديدة في الفكر الاجتماعي الإسلامي بهدف الخروج من طور الشعارات العامة والدخول في طور بناء الدولة الإسلامية. لكن هذا التوجه سوف يقابل باستمرار بفكر ديني محافظ ومرتبط ببناء اجتماعي طبقي حريص أشد الحرص على مصالحه وامتيازاته.

(ب) علي شريعتي والتشيع الأحمر

يتفق مؤرخو الثورة الإيرانية على اختلاف مشاربهم على أن ((شريعتي)) كان من خلال كتبه ومحاضراته وبحوثه أحد الرموز البارزة الذين أقاموا الجسر بين الأطروحات الدينية والجيل الجديد من أبناء الجامعات وأبناء الطبقة الوسطى فعن طريق ما تركه هو وباقر الصدر (اقتصادنا – فلسفتنا) وبنى صدر (الاقتصاد التوحيدي) استوعب المثقفون الشبان خاصة الأطروحات الدينية خاصة في المجال الاجتماعي والسياسي وفي فترة كانت إيران تمر فيها بتحولات اجتماعية هامة بدأت مع حركة محمد مصدق في الخمسينات ثم دعمها النظام الحاكم طيلة الستينات والسبعينات بمزيد من الانفتاح على الغرب وتحطيم مؤسسة الجيش وإعطاء حصانة خاصة للرعايا الأمريكان مع تعميق التغييرات الهامة في البنية الاجتماعية والاقتصادية لإيران صاحَب هذا انحسار كبير للحركة اليسارية والشيوعية الإيرانية مما أتاح للأطروحات الدينية أن تصبح عنوانا للتمسك بالأصالة وسياجاً يحمي الاستقلالية وأيديولوجية معبئة في الكفاح الوطني المناهض للسيطرة الأجنبية.

هكذا وجد شريعتي أو ((معلم الثورة)) كما يُِدعى من قبل أنصاره مجالاً رحباً للتحرك على الصعيد الأيديولوجي الفكري خارج كل التنظيمات السياسية التقليدية.

ومن يطالع جملة أفكاره يلمس مدى الاتفاق المنهجي الذي يجمع بينه وبين باقر الصدر في ضرورة طرح قراءة جديدة للإسلام – عقيدة وشريعة – تحتل فيها المسألة الاجتماعية بعدا رئيسياً على عكس ما كان يدعو اليه قسم من الجهاز الديني الشيعي الراغب في المحافظة على ((حياة)) المؤسسة الدينية وعدم تورطها في النزاعات السياسية والاجتماعية – ونستعرض فيما يلي أهم مواقف ((شريعتي)) فيما أسماه هو بنفسه التشيع الأحمر المناهض للتشيع الأسود الداعي للاستسلام والتبعية.

  • إن المعركة المثارة بين الشيعة والسنة هي معركة مثارة من أجل إلهاء المسلمين عن معركة الإسلام ضد الاستعمار والإسلام ضد الصهيونية – إنها معركة تطرح قضية اغتصاب ((فدك)) (أرض كانت لفاطمة يعتبر الشيعة أن أبا بكر انتهكها منها) لتلهي المسلمين عن اغتصاب فلسطين.
  • في مؤلفه ((اسلام شاسى)) (معرفة الإسلام) يشرح شريعتي مسيرة الإسلام الأولى فيرى أن الإسلام الذي جاء مكملاً للرسالات الأخرى ومتواصلاً معها كان دين الفقراء والمستضعفين لقد كان ثورة المضطهدين والعبيد ضد السادة من قريش وأغنياء الجزيرة. فهو دين يهتم بالدنيا والآخرة ويمنح تصوراً شاملاً للحياة الاجتماعية والاقتصادية. إنه يشكل ايديولوجية جديدة تماماً قادرة على تحرير الرازحين تحت حكم الأكاسرة والقياصرة وخلف المستبدين والطواغيت.
  • أما التشيع فهو عنده مسألة اجتماعية أساساً إنه حصيلة الصراع داخل قريش ذاتها بين الفقراء والعبيد والمستضعفين الذين تمسكوا بالإسلام منذ البداية سلاحاً لتحررهم وانعتاقهم وبين سادة قريش وأغنيائهم الذين حاربوا الإسلام منذ البداية ولم ينتموا اليه إلا مرغمين. لقد قضى عليّ 23 سنة في جهاد المستكبرين ومن أجل إعداد ثورة و 21 عاماً بعد وفاة الرسول سكت خلالها على الخلفاء الثلاثة من أجل وحدة المسلمين ثم كرس السنوات الخمس الأخيرة من حياته في محاولة تطبيق العدالة.
  • إن كان شريعتي يتحدث عن الإسلام بأنه دين المستضعفين وأن الله هو رب المستضعفين فإنه لا يختصر الإسلام في صراع طبقي أي كنضال طبقة ضد أخرى إن الإسلام بدأ كصراع طبقي وحركة كان الفقراء أساسها لكن أفقها كان إنسانياً وعالمياً. إن المستضعفين قاموا بالثورة من أجل البشرية لا من أجل الطبقة لذلك فلابد من مقاومة كل عودة لتحكم طبقة معينة. إنه بذلك يرفض الصيغة الاشتراكية الحديثة للثورة وللصراع الطبقي ويفسر الانقسامات الاجتماعية عبر التاريخ بأنها بين قطبين: قطب يمثله ثلاثي: الملك والذهب والمسبحة، وقطب يمثله ثنائي الله والناس في إطار مجتمع لا طبقي عبّر عنه القرآن بمصطلح الأمة.

إن شريعتي يناضل من أجل مجتمع لا طبقي – هو الأمة – يتحرر فيها المستغِّل والمستغَّلويرتقي الإنسان ليصبح ((خليفة الله)) بعد أن تزول مظاهر الشرك في المجتمع بإقامة نظام اجتماعي قائم على العمل وملكية الشعب وقائم على الأخوة التي هي أهم وأعلى من مفهوم المساواة.

إن مشروع ((شريعتي)) يمكن تلخيصه في أمرين رئيسيين:

  1. إحياء الإسلام كنظرة للعالم – أو أيديولوجيا – تحدّد موقفا من القضايا المعاصرة وتضع أسسا ومعايير لبحثها.

وأهم القضايا التي يركز عليها ((شريعتي)) هي: الاستعمار – الديمقراطية – الاشتراكية – التخلف – التغرُّب – انحلال القيم الأخلاقية.

  1. أن هدف هذا الإحياء هو إقامة مجتمع الأمة حيث يمتزج الشعب بالقيادة فلا ليبرالية ضائعة ولا دكتاتورية متسلطة ولا قائد شبه إله – إنه المجتمع الذي يقوم على أساس الكتاب والميزان والحديد حيث استمرارية القيادة مرهونة بالالتزام بالمبادئ وبعملها نحو إزالة الفروق والمراتب ونحو توحيد البشر على جميع الأصعدة.

هذه هي محاولة ((شريعتي)) التي تمثل مع محاولة باقر الصدر الاقتصادية عملاً متكاملاً هما بمثابة الوجهين لمسألة واحدة هي التنظير للتحرر الاجتماعي للإسلام الحديث. ولقد وجدت محاولة الرجلين الأثر الذي أراداه بالخروج خارج الفضاء الشيعي مما حقق انتشاراً لكتبهما في صفوف عدد من المثقفين السنة غير أن هذا لايجب أن يخفى عنا محدودية هذا الانتشار بالنظر لاختلاف الإطار المرجعي الشيعي في قضايا رئيسية عن الإطار السني (الامامة– الاجتهاد).

لكن أهمية المحاولة الشيعية تكمن في فتحها لأبواب أغلقت أثر ما حرره قطب وعودة والسباعي، ومثل هذا المسعى يحرص عليه عدد من الكتاب الإسلاميين العرب من مثل فهمي هويدي وفتحي عثمان وحسن حنفي وهي محاولات – على اختلافاتها في بعض الجوانب تقترح المواصلة بالفكر الاجتماعي الإسلامي من المواقع التي توقف عندها في الستينات مستفيدة من انتشار ظاهرة ((الصحوة الإسلامية)) التي كادت أن تعم البلاد العربية والتي تبدو في أشد الحاجة إلى تنظير يحولها من المد العنيف إلى الانتماء الواعي إلى قضايا الإسلام المعاصرة ومن أبرزها وأهمها قضية العدل الاجتماعي.

خلاصة:

لقد اقترن مصطلح((العدل)) الذي ظهر في الفكر الإسلامي مع فلسفة المعتزلة الدينية (القرن 2هـ/9م) بالله. وتركّز على أبعاد كل التصورات التي تنافي الاعتقاد بعدله. لكن مسألة العدل وإن كانت فرعا عن التوحيد فإنها جائت أثر مواجهة لقضية عملية وسياسية. لقد اهتز الضمير الإسلامي من جراء الاجراءات السياسية الدامية بين الصحابة والتابعين منذ منتصف القرن الأول واستمر بعد ذلك على أشد ما يكون وكان السؤال: هل كل ما حصل ويحصل أمر اجباري لا حيلة للإنسان فيه؟ أم أنه اخيار من الإنسان وتعبير عن قدرته؟ وكان جواب المعتزلة باثبات حرية الإرادة الإنسانية وتنزيه الله عن الظلم والاكراه لأنه عدل حكيم لا يأمر بالقبح ولا ينهى عن الحسن.

طرح قضية العدل في القديم كانت مرتبطة بالله لكنها كانت استجابة لأوضاع إنسانية وصراعات سياسية. وفي العصر الحديث فإن اشكالية العدل أصبحت مقترنة بالإنسان أساسا لمواجهة التحديات السياسية والاجتماعية الحادة التي عرفها المسلمون طيلة هذين القرنين. إن محرك مسألة العدل ظل واحداً في الماضي والحاضر لكن طرق التعبيرعنه اختلفت ففي حين ارتبط موضوع العدل بالله في القديم نظراً لأولوية التوحيد في تلك المجتمعات ونظراً للتركيبة الاجتماعية والفكرية لها، نجد أنفسنا اليوم نربط بين العدل ومشاكل الإنسان المادية والاجتماعية أساسا نظراً للتحولات التي طرأت على فهمه للدين من ناحية وعلى تعقيد بنيته الاجتماعية والاقتصادية من ناحية أخرى.

بذلك سوف يقع التركيز على مشاكل المال وتوزيع الثروة والاصلاح الزراعي وما شابهها من قضايا طيلة المراحل الثلاث الحديثة للفكر الاجتماعي الإسلامي وهو ما يعبّر عن وعي نامٍ بروح العصر والتفاعل مع هذه الروح حسب ما تمليه العقيدة الإسلامية.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر