أبحاث

علم الأخلاق والحديث الشريف والمحدثون

Deontology, The Noble Hadith, and Hadith Scholars - العدد 172 /173

مقدمة:

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتمِ النَّبيين مُحمَّدٍ المبعوثِ رحمةً للعالمين (يتمم مكارم الأخلاق) وهو المخاطب بقوله (سبحانه): (وَإِنَّكَ لَعَلَى خُلُقٍ عَظِيم)([1])، وعلى آله وصحبه ومَن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وبعد:

فإذا كان علم الأخلاق يقوم بالحُكمِ على أفعال الإنسان الإرادية، ثم تقعيدِ المبادئ القويمة المستنِدة إلى مُثل عُليا (سماوية أو بشرية)، وكان علم الحديث يقوم بالحكم الأخلاقي على الرُّواة، ثم الكشف عن مضامين الأحاديث لتطبيقها (ومنها المضامين الأخلاقية)، مع لزوم الاستناد لنصوصِ الحديث المرتبطةِ بآيات القرآن، وفهمِ الصحابة والتابعين والعلماء لمعانيها، فإنه بذلك يظهر التقارب بين العِلمين، ويصحّ التساؤل عن: مدى إمكانية صياغة فكر أخلاقي بسبب درس علم الحديث؟

وهذا هو ما سَعتِ الدراسة لتحرير القول فيه بعد بيان أهم المصطلحات المستعملة فيها، من خلال الآتي:

أولاً: بيان أنّ علم الحديث (عبر علاقته بعلم الأخلاق، وعبر منهج المُحدِّثين في كتبٍ مثل: مكارم الأخلاق، والجرح والتعديل، وجوامع السنة وشروحها)، يسمح بنشوء فكر أخلاقي.

ثانيًا: استخلاص نماذج للأفكار الأخلاقية النظرية والعملية من درس علم الحديث على امتداد عصوره؛ فننظر كيف جاء في نصوص الحديث وعبارات علمائه تناولُ المسائل الأخلاقية، وقد كان ذلك من خلال المسائل الآتية:

– طبيعة الأخلاق: المفهوم، والاصطلاحات ذات الصلة كالآداب والخير والبرّ.

– الأخلاق بين الفطرية والاكتساب.

– الفعل الأخلاقي: مقدماتُه (البواعث والدوافع، والنية)، وتقييمه (بين المثالية والنفعية)، ومراحلُه (الإلزام والمسئولية والجزاء).

– نظرية (الفضيلة): طبيعتها، وتمييزها عن الرذيلة، وشروطها.

– ثمّ تطبيق تلك الأفكار النظرية عبر منظومة الأخلاق العملية، ببيان: أقسامِها، وخصائصِها، وبحثِ نماذج من الفضائل والرذائل مثل: الإخلاص والصدق والصمت والغِيبة، من حيث التعريف والضابط والتفسير والغاية والثمرة، ومن خلال تطبيقاتٍ حديثيةٍ في التربية الأخلاقية والقيم الحضارية كالعلم والوقت والعمل ونبذ التعصب، تمتد فائدتها لزماننا.

ثالثًا: تقييم الفكر الأخلاقي للمحدثين عبر إبراز أهم سماته العامة؛ من حيث طريقة البحث والتناول، ومجمل الآراء.

رابعًا: تقديم مقترحات لإثراء الدرس الأخلاقي الحديثي المعاصر، بعد ذكر نتائج البحث.

* * *

أهم المصطلحات الواردة في الدراسة:

الأخلاق: مفردها الخُلُق، وهو: صفةٌ مستقرةٌ في النفس فطريةٌ أو مكتسبة، ذاتُ آثارٍ في السلوك الإراديّ للإنسان، قابلةٌ للحمدِ كالعطاء عن جودٍ، أو للذّمِ كالإمساكِ عن شحّ. ويمكن تمييز الأخلاق وآثارِها، عن الغرائز وغيرها من صفات نفسية، بالنظر – مثلاً- للأكل عند الجوع بدافع الغريزة، والذي لا يُحمد أو يُذم في باب السلوك الأخلاقي، لكن الشَّره الزائد عن حاجة الغريزة مذموم؛ لأنه أثر لصفة في النفس مذمومة، أو خلق مذموم هو الطمع المفرط. وعكس ذلك هو أثر لخلق محمود في النفس يُسمَّى القناعة.

والأخلاق من قبيل المشترك الإنساني، فيلتقي البشر- بأصل الفطرة- على استحسان المحمودِ واستنكار المذموم منها([2]). لكن مذاهب النظر لعلم الأخلاق متفاوتة؛ بين قولٍ بمعياريته – على مرونة تفاصيله في الزمان والمكان- والقول بوصفيته؛ شأنه شأن علوم العادات([3]).

وعلم الأخلاق يؤول في النهاية إلى إصدار أحكام قِيمية؛ أي تقعيد المبادئ بحسب القيمة الأخلاقية؛ المعتدل منها والأمثل، فيمكن القول إنه العلم الذي “يبحث جملة القواعد التي ترسم لنا طريق السلوك الحميد، وتحدد لنا بواعثه وأهدافه”([4]).

وتأتي موضوعات علم الأخلاق وقضاياه تحت قسمين:

علم الأخلاق العملي: الذي يبحث في أنواع الفضائل أو الأخلاق العملية التي يجب أن نتحلى بها، مثل الإخلاص والصدق والأمانة والشجاعة والعدل.

وعلم الأخلاق النظري: الباحث عن المبادئ الكلية والقضايا والأفكار الجامعة التي تُشتَقُّ منها تلك الفضائل، كالبحث في الخير الأسمى، والواجب، والسعادة، والفضيلة([5]).

ويُعَدّ علم الأخلاق من فروع الفلسفة العملية أي المتعلقة بالخير الذي يفعل([6]) وإن جاء في بحوث نظرية، مما يجعله مختلفًا عن التربية الأخلاقية، التي هي طرق عملية وتوجيهية محضة للتقويم السلوكي([7]).

أما الحديث الشريف – السنة النبوية- فهو: “ما أُضيفَ إلى النبي r قولاً، أو فعلاً، أو تقريرًا ]لقول أو فعلٍ، أو ………….

 

————————————————————————————–

(*) مدرس مساعد بقسم الفلسفة الإسلامية بكلية دار العلوم بجامعة القاهرة.

([1]) سورة القلم: 4.

([2]) انظر: عبد الرحمن حنبكة: الأخلاق الإسلامية وأسسها، دار القلم، دمشق، ط5، 1999م، ص10، 11، 16.

([3]) انظر: أبو اليزيد العجمي: الأخلاق بين العقل والنقل، دار الثقافة العربية، القاهرة، ط1، 1988م، ص19.

([4]) السابق، ص20.

([5]) انظر: محمد عبد الله دراز: كلمات في مبادئ علم الأخلاق، ط1952م، القاهرة، ص16، 17.

([6]) أما الفلسفة النظرية فهي المتعلقة بالحقّ الذي يُعتقَد، ومنها العلم الإلهي. انظر: جودة القط: الأخلاق الإسلامية والفكر الأخلاقي في المذاهب الوضعية، مطبعة الحسين، القاهرة، ط1، 1995م، ص8.

([7]) وأما فلسفة التربية فهي بحث نظري كذلك. انظر: كلمات في مبادئ علم الأخلاق، ص39-40.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر