أبحاث

الإسلام والعلاج النفسي الواقعي

العدد 29

كان (( وليام جلاسر)) الطبيب النفساني الشاب, يعالج – منذ سنوات مضت – مريضا يبلغ من العمر أجد عشر عاما, اسمه (( آرون )). قد أمضى (( مع اثنين آخرين أكثر من سنتين تحت العلاج النفسي وقد فشلت كل محاولات هذا النوع من الطب للتأثير فيه وفشلت معه كل طرق المعالجة العادية, وازدادت تصرفاته سوءا يوم بعد يوم.

أخيرا وبتصرف محسوب قرر د. جلاسر أن يجرب معه طريقة مستنبطة من طرق العلاج النفسي العادي, فصارح الصبي مباشرة بسوء سلوكه, وطالبه بأن يغير منه تماما, وأن يقلع عن كل تصرف غير مؤدب وغير لائق تحت العلاج النفسي, كما أبلغه بأن علاجه نفسيا سيتعلق من الآن فصاعدا بمظاهر سلوكه الحالية وقد واجه د. جلاسر محاولات (( آرون )) الهرب, بطريقة صارمة مصرا على أن يتصرف بسؤوليه, وكانت النتائج مثيرة جدا, ففي أقل من سته أسابيع كان آرون قد تغير تماما وبعد ثلاثة شهور استغنى عن العلاج النفسي بكل ما فيه من عناء وذلك بفضل التوجية السليم ( جلاسر, 1965, ص 165 – 173).

إن هذه البداية, المستنبطة من التبصر المدرك لطبيعة الانسان –  والتي قاد إليها عجز العلاج النفسي التقليدي عن إعطاء أثره في الطفل المتمرد – قد استحدثت طريقة جديدة للعلاج النفسي عرفت باسم (( العلاج الواقعي)) ومنذ ذلك الحين, تطورت هذه الطريقة بعد أن خضعت لاختبارات, ثم طبقت عمليا, نالت القبول كبديل, لطرق العلاج النفسي التقليدي, قابل للتطبيق,

إن الشعور المتزايد ببطء نتائج العلاج التقليدي أو عدم فاعليته في كثير من الحالات انعكس على المعالجات الحديثة لتغيير سلوك الانسان, ومن بين الأعمال الجادة في هذا الصدد, ما قام به عالم له احترامه مثل (( ه. ابسنك ومثل (( وت. س. ساسز)) الذي سجل ملاحظاته في كتاب غزير المعرفة بعنوان (( أسطورة المرض العقلي )) وفي خلاصة هذا الكتاب الممتع ذكر ساسز ما يلي:

((إنه من المعتاد أن يعرف طب النفسي بأنه تخصص طبي متعلق بالدراسة وبالتشخيص ومعالجة الأمراض العقلية, وهذا المعني خادع عديم القيمة. إن المرض العقلي هو أسطورة, ومع ذلك فان أطباء الأمراض العقلية لا يهتمون بالأمراض العقلية ولا بمعالجتها, وعند ممارستهم الحقيقية للمهنة فإنهم يعالجون مشكلات الحياة الشخصية والاجتماعية والأخلاقية (ساسز 1974, ص.262).

وهكذا يكشف ساسز تطور المرض العقلي منذ بداية تعامله المبكر في (( شاركوت )) مع المرض المصابين بالهيستيريا, فهو يرجع الرابطة بين الاضرابات العاطفية ومرض العقل تاريخيا الى أسلوب تحكمي غير منطقي . واليوم فان فكرة الربط بين المرض العقلي , والقلق العاطفي قد غدت راسخة بصورة وطيدة لدرجة أن زملاء ساسز وجلاسر في المهنة يعتبرونهما مبتدعين. وفي معرض آخر يقول ساسز (( لقد حاولت أن أبرهن اليوم أن فكرة الشخص الذى لدية المرض العقلي مختله علميا, فهي تشترط الموافقة المهنية للمعقولية المبسطة – أي أن مشاكل الحياة التى تعرف اصطلاحا باسم (( الأمراض النفسية )) تكون في الأساس – ممائلة للامراض الجسدية, وعلاوة على ذلك, فان فكرة المرض العقلي يشوه أيضا مبدأ المسئولية الشخصية … وبالنسبة للفرد فان فكرة المرض العقلي تحول دون الموقف الاستعلامي نحو صراعاته التي تظهر فيها أعراضه أو تختفي في وقت واحد أما بالنسبة للمجتمع فان هذه الفكرة تحول دون اعتبار الأفراد الأسوياء ذوى أهلية للمسؤلية, وتدعو إلى معالجتهم كمرضى غير مسؤلين (ساسز 1974, ص262).

إن تمييز الاشخاص الذي يعانون حاليا من مشاكل الحياة ويتوهمون بأنهم مرضى عقل يخلق انطباعا خادعا لديهم بالتألم من المرض, وهذا يخلق حالة وهمية تبدو وكأنها في حاجه إلى تدخل طبي وذلك على عكس الحقيقة, وعلاوة على ذلك, فإن مثل هذه الحالة تعفي المريض تماما من أية مسئولية عن سلوكه وتشجعه على التمادي في عدم تحمل المسئولية, وواجه ساسز أيضا المسألة المتعلقة بالمسؤلية الأخلاقية في العلاج النفسي المألوف, فيكتب (( إن قوام الانسان هو في سلوكه الاخلاقي أساسا وإن محاولات تغير مثل هذا السلوك محكوم عليها بالفشل وعدم القدرة على الاتفكاك من مردود القيم الأخلاقية ومن هنا فان الابعاد الأخلاقية للنظريات النفسية وللعلاج النفسي طالما بقيت مختبئة وغير صريحة فان القيمة الأخلاقية العلمية سوف تكون محدودة جدا (ساسز 1974, ص250).

ويضيف ساسز قائلا:

في الحقيقة إن تمييز الأفراد الذين تستحوز عليهم مشاكل الحياة ويبدون كأنهم مرضى عقل قد أخر أساسا من إدارك الطبيعة السياسية والأخلاقية للظواهر التي يواجه فيها اطباء الأمراض العقلية أنفسهم)). (ساسز 1974, ص25).

غاية القول إن الدكتور جلاسر قد حفزه نجاحه في معالجة (( أرون)) بطريقة (( العلاج الواقعي)) بدلا من (( العلاج التقليدي)) إلى تسجيل أفكاره وتدوينها في كتاب بعنوان (( المجتمع الذاتي)) الذي تعرض فيه أيضا إلى تطويرمفهوم (( الأمراض العقلية)) حيث تناولها تحت ما أسماه بالمشاكل النفسية التي تعد مشاكل الحياة  واحدة منها.

يطلق جلاسر تعبير (( ذاتية النجاح)) على الشخص الذي يتعامل مع الآخرين بأسلوب مسئول ومثل هذا الشخص إنما يوفي بطريقة فعالة باحتياجاته الأساسية للتضامن الانساني بينما يطلق عبارة (( العجز الذاتي)) على الشخص الذي يعزف عن التعامل مع الأخرين حيث يعاني مثل هذا الشخص من وحدة عميقة. ووفقا لتحليل جلاسر, فانه من الصعب جدا أن يسلم هذا الشخص بأنه وحيد ولذا فانه يلجا تخفيفا لآلام الوحدة – إلى تطوير سلوكه المنحرف أو مرضه النفسي بما يؤدي إلى وقوعه فيما يسمي بالتورط الذاتي الذي يعكس آثار افتقاده إلى التعامل به مع الآخرين وهذا يعني انصرافه إلى التركيز على شئونه والاهتمام بسلوكه.

وهذا يعني كما يرى جلاسر أن العجز ينعكس في أنواع مختلفة من التصرفات تنشأ من عدم الاندماج مع الآخرين بما يؤدي إلى التورط الذاتي, ومن ذلك العجز المزمن, والمشكلات العقلية الجسمائية والجرائم ومسلك اللامبالاة والميل الجنسي الشاذ والعلاقة الجنسية غير المشروعة والعهر وتعاطي المخدرات وإدمان المسكرات.

إن السلسلة الكاملة للأمراض النفسية تتفاوت بين الكآبة (الياس) الحقيقية والسلوك (( المجنون )) التام والقاسم المشترك لكل هذه المدركات هو إخفاق الذاتية. وهذه المشكلات أو مجموعة الأعراض يمكن أن تعالج بمعالجة أسبابها وهذا يعني أنه يجب العمل على إغراء المريض بالاندماج مع شخص أو مع أشخاص موفقين ذوي إدراك للمسؤلية بحيث يشعرونه أنه محبوب فيقبل التشبة بخصالهم.

العلاجالواقعي:

وضع جلاسر طريقة في العلاج الواقعي على نحو مختلف تماما عما عليه الأمر في العلاج التقليدي من كل الأوجه الرئيسية وتقوم هذه الطريقة للمعالجة على الأسس التالية:

1.     إحاطة المريض بأشخاص يتميز سلوكهم تجاه الآخرين بالمسؤلية وذلك وسط مناخ يؤدي إلى حبهم له وحبه لهم.

2.     إشعاره بقيمته.

3.     ولكي يشعر المريض بقيمته يجب مساعدته على نهج القدر المقبول من السلوك, ذلك أن العجز عن الوفاء باحتياجاته الأساسية ينتج عن المشاكل النفسية. والصفة المميزة للأفراد الذين لديهم مثل هذه المشاكل هي أنهم ينكرون جميعا بدرجات متفاوته – حاجتهم إلى العلاج.

يستغني العلاج الواقعي عن البطاقات الشخصية التي تتعلق بماضي المريض لأنه على عكس الاعتقاد العالمي فلا شيء قد حدث له تقريبا في الماضي شيء واحد هام يشغله هو إلى أي حد يستطيع التأثير بين الحين والآخر فيه ولكنه بمجرد أن يتعلم كيف يفي بكل احتياجاته فان سلوكه سرعان ما يتغير ( جلاسر, 1965, ص15).

إن المرضى الذين يخضعون للعلاج الواقعي لا يسمح لهم بمناقشة سلوكهم المنحرف أو الشاذ والشئ الذي نبحث عنه هو السلوك الحسن الذي يصاحب دائما الحالة العاطفية الحسنة ونتائج هذا السلوك هي التي تحدد الطابع العاطفي, وبالتالي فإن المشاعر سوف تتغير آليا, بتغير السلوك, إن العاطفة والسعادة في العلاج الواقعي لا ينفصلان أبدا عن السلوك ( جلاسر, 1965 ص39) بقدر ما تكون علاقات المريض مع الآخرين الذين يمكنهم أن يؤثروا في مشكلة, متورطة, فإن المريض لا يستطيع أن يغيرها ولكن يمكنه فقط أن يتعلم أي الطرق أفضل ليعيش معهم أو بدونهم ( جلاسر, 1965 ص39) وبالتالي, فان العلاج الواقعي لا يسأل لماذا يسلك المريض سلوكا حسنا بأسلوب خاص؟ لكنه يسأل في الواقع (( ماذا يفعل))؟

يمثل العلاج الواقعي نوع من الدراسة تبدأ بالرابطة المتبادلة بين المريض والمعالج وفي مرحلة تالية فان المعالج يرفض السلوك غير الواقعي أو غير المسئول ولكنه ما زال يقبل على المريض ويحافظ على الروابط معه, بعد ذلك يتعلم المريض من المعالج طرقا أفضل لتحقيق متطلباته واحتياجاته ويجب على المعالج أن يتجاوب بدرجة كافية مع آلام المريض كما يجب عليه ألا يسمح لشيء بالتأثير على المريض بحيث تصبح موافقاته دليلا على عدم تحمله للمسؤلية إن مهمته هي أن يظهر للمريض أنه بمقدور الشخص أن يتحمل المسئولية حتى لو أن ذلك كلفة جهداًً كبيراًً, واذا كانت ثمة أحاسيس جديرة بالاحترام لذاتها لدى المريض, فانه يجب التصرف إزاءها بالأسلوب الصحيح.

الأسس الفعالة لواقع العلاج النفسي هي ما يلي:

1- الاندماج:

وهو الفهم الواعي والتعامل بمسؤلية مع الشخص المريض وذلك أمر أساسي وضروري. وعلى المعالج النفسي  – بصفة عامة – المثابرة مع مريضة طوال فترة العلاج لمساعدته في حل مشاكله.

2- السلوك الشائع:

بمعنى أن يعمل المعالج النفسي على ان يبلغ المريض مبلغ الادراك لسلوكه الذهني حتي يمكن دفعه لسلوك أكثر مسؤلية ومن ثم فان الاحاديث بين المعالج النفسي والمريض يجب أن تنصرف الى المواضيع والأمور المتعلقة بحياة المريض, فلا تنصب على موضوع تاريخي ويؤتي هذا الأمر بفهم وادراك لما هو أجدى في تغيير السلوك الحالي للمريض وقد يتم ذلك بمناقشة مبسطة تقنع المريض بمرضه وضعفه, ليتخلى عن مسئوليته تجاه سلوكه.

3- تقويم السلوك:

ويجب أن يتعلم المريض كيف ينتقد سلوكه ليرى ما إذا كان هذا السلوك يشكل الاختيار الأمثل المتاح الذى عليه أن يتعامل به في حياته الراهنة.

4- مسئولية السلوك الموجه:

يساعد المعالج النفسي المريض في تعلم الطرق الحديثة للتعرف, ويستمر معه حتي يبدي تحسنا ملموسا في تناول مشكلته.

5- التعهد:

يطلب من المريض أن يقدم الى المعالج النفسي تعهدا إما شفاهة أو كتابة باتخاذ إجراء قابل للتنفيذ. ومن شأن ذلك أن يعجل بكشف الصعوبات التى تواجه سلوكه الجديد ووفقا لرأى جلاسر, فان الناس ذوي الشخصيات الفاشلة يجدون صعوبة في صنع هذا التعهد, ويستلزم الأمر بالنسبة لمثل هؤلاء الاشخاص تعهدا يربطهم بمساعدة الآخرين ليكتسبوا بالمحاكاة شخصية ناجحة, وليمارسوا الاندماج مع الغير.

6- رفض الأعذار:

اذا لم ينفذ المريض تعهده, فعلى المعالج أن يرفض أعذاره, ولا يلتمس له الأسباب لعدم الوفاء بتعهده.

7- تجنب العقاب:

العقاب ينتج الألم, ويقوي الخوف والشعور بالوحدة والانطواء ويبعد المريض عن تقييم سلوكه. والمدح في الجانب الآخر حافز يعيطه المعالج النفسي بسخاء حين يؤدي المريض واجبة بطريقة مرضية.

التفاوت والاختلاف بين العلاج النفسي والواقعي:

فيما يلي مقارنة بين كل من نظام العلاج النفسي التقليدي والعلاج النفسي الواقعي  تبين مدى ما بينهما منة اختلافات جوهرية:

العلاج النفسي التقليدي

1.     يعتقد في أن المريض العقلي حقيقة واقعة.

2.     يراجع ماضي المريض لمنحه فرصة إدراك أصل المشاكل وسببها.

3.     يعمل على تحول المريض إلى اتجاهات المعالج النفسي الذي يرى أن ماضي المريض  يشترك في تكوين المشكلة وأن علاجه يسلتزم قيام المريض بالعمل على حلها.

4.     يتجنب أسئلة الصواب والخطا

5.     لا يهتم بتعليم وسائل للسلوك الأفضل.

6.     يختص بكشف عناصر الشعور غير الواعي المؤثرة على المريض.

7.     يهتم بالذات بمشاعر المريض.

العلاج النفسي الواقعي

1.     لا يقبل فكرة المرض العقلي ويرى أن المشاكل النفسية هي التي تكون وراء المرض.

2.     لا يرجع إلى ماضي المريض لعدم صلة ذلك بتنمية روح المسؤلية الراهنة لدية كأساس للعلاج.

3.     ربط المريض بالمعالج النفسي كظله وليس مجرد شخص مرافق حيث يقتضى الأمر إقامة علاقة وثيقة بينما.

4.     يؤكد على اخلاقية السلوك وعلى إذكاء وظيفة التعبير.

5.     يؤكد على تعليم المرضى أفضل الطرق للوفاء باحتياجاتهم.

6.     لايهتم إطلاقا بهذا اللاوعي طالما أن التغيرات في السلوك لا يمكن دفعها فقط بعمليات العقل الواعي.

7.     يهتم بالسلوك والفعل أكثر من الشعور.

تطبيقات العلاج النفسي الواقعي:

استخدم العلاج النفسي الواقعي بواسطة الدكتور جلاسر في مدرسة فينتورا للبنات في وادى سانتا كلورا بكالفيورنيا وبواسطة دكتور ج.ل. هارينجتون في مستشفي الأعصاب في غرب لوس انجلوس بنجاح ملموس للغاية.

وبتطبيق هذا العلاج على الأفراد في كل من المدرسة والمستشفي كان التركيز ينصب على تدريس مسئولية السلوك بدلاًً من عدم واقعية وعدم مسئولية السلوك التي يجهز بها المرضى أو يعلنون عنها, وربطهم بعزم ضرورات التعرف بطريقة مقبولة من خلال تنظيم الافصاح عن هذه التصرفات.

وفي هاتين المؤسستين كانت نسبة النجاح مرتفعة وسريعة, وكانت نسبة القبول أقل عما كان عليه الحال خلال استخدام الوسائل النفسية في العلاج.

ويستخدم العلاج النفسي الواقعي بنجاح ملموس أيضا في ممارسات فردية وفي المدارس العامة. وعلى عكس العلاج النفسي التقليدي, فان العلاج النفسي الواقعي لا يستلزم أن يكون المعالج طبيبا نفسانيا. ويمكن استخدام هذا العلاج بكفاءة بواسطة الممرضات والأطباء المساعدين والمدرسين والآباء, طالما أن قواعده ترتكز على الادراك والفطنة أكثر منها على الفكر الطبي المتخصص.

يرأس حاليا دكتور جلاسر معهد العلاج النفسي الواقعي في رقم 11633 سان فينسنت وليفارد لوس انجلوس.. كاليفورنيا90049 ويرحب بالاستفسارات والردود من أي شخص مهتم بهذا الموضوع.

وجهة نظر المسلم ورؤيته في العلاج النفسي الواقعي

إن الغرض من هذه الندوة هو تفهم النظرة الاسلامية إلى علم العقل. فمن الواضح ان النظرة الغريبة لهذا الحقل من المعرفة, بكل حتمية أفكار الفلسفة المادية, الآلية, وقصور التمويل على الاخلاقيات والمسئوليات, لا يتلاءم تطبيقها على المسلمين. فاليقين بهيمنة الله وحتمية. الوقوف للحساب بين يديه سبحانه وتعالى, عن كل الأفعال والنيات, ووجوب المداومة على حمده وشكره كل هذا هو بعض أطر النزعة الدينية للمسلم..

وفي رأيى أن العلاج النفسي الواقعي يعد مجالا بديلا فسيحا عن الطب النفسي يتلاءم استخدامه تماما مع المسلمين, إلا إنه يحتاج الى بعض التعديلات والاضافات اذا ما أريد استخدامه جيدا بواسطة أولئك الذين تقوم حياتهم على الايمان بالله.

ودعنا نلقي نظرة على أسس المقدمات المنطقية للعلاج النفسي كي نرى ما الذي يمكن قبوله منها حاليا وتلك التي تحتاج إلى تعديل لكي يتلاءم تطبيقها مع الاتجاه التقنيني للمسلمين:

أولا – أعتقد ان التمايز الكبير للعلاج النفسي الواقعي على العلاج النفسي التقليدي يتمثل في اقترابه من المشكلات العاطفية كقضايا حياة أكثر منها مرض عقلي أو عاطفي, وطالما بقي الانسان بمشاكله العاطفية, التي تنكد عليه حياته فليعلم أنه مريض, وانه في قبضة قوة خارجة عن إرادته لا يستطيع منها فكاكا ولا يملك لها دفعا والاحساس العميق بعدم القدرة على مواجهة المشاكل لدى أولئك الأشخاص الذين يقنعون بها ويرضون, إنما يدفعهم اليه في الواقع الخوف على انفسهم من تفاعل العقل معها. وأعتقد أن الخوف الذي يعاني منه هؤلاء الأشخاص غالبا ما يكون عرضا لمرض, وليس مجرد معضلة أو ورطه, ومن ثم فان الفرد الذي يعاني من مشاكل عاطفية, يجمع بين القناعه بالاضطراب الداخلي والشعور بأنه ضحية وكل ذلك قصور عليل يجر عليه نتائج وخمية ثم لا يلبث ان يقع فريسة للمرض, ويغدو في مواجهة الأمر لاحول له ولا قوة, ومن ثم فان مسئولية الفرد عن أفعاله تنتفي كما تنخفضقدرته على مساعدة نفسة درجة درجة إلى أن تصل إلى الصفر.

واذا كان العلاج النفسي الواقعي يوجه الجهد إلى التأكيد على الأخلاقيات والمسؤليات كما يعمل بعكس العلاج النفسي التقليدي على تقوية النية أو الضمير فاذا ما جاء سلوك المريض غير مسئول وانتابه – لذلك – إحساس بالاستياء من ذاته التي يحترمها نتيجة لما أصابها من الأذى بسبب سلوكه السئ, فالعلاج النفسي الواقعي يوحي إليه بالاحساس الذي يستحقه في إطار مجتمعه حتي يخلع عن نفسه غدم الرضا عن اللذات.

وفراق الجماعه من أبغض السلوك في شرعة الاسلام, ولا يجوز لمسلم أن يقترف إئمه, وبذلك يلتزم بدافع ذاتي بأن يسلك أقوم سبل التصرف فيشعر باحساس التقدير الداخلي للذات وهكذا فان مسئولية الأخلاق والسلوك هي رغبة ملحة من وجهة النظر الاسلامية. ويتعاظم هذا الأمر ويتعزز عندما يؤكد الاسلام على المسئولية الفردية أمام الله سبحانه وتعالى, فتزكو – بذلك – فكرة الاعتبار الشخصي في النفس وتلك هي الركيزة الأساسية التي يعتمد عليها العلاج النفسي الواقعي, أكثر من اعتماده على المعالج النفسي ذاته.

محاولة لعلاج مشاكل المسلمين في أمريكا

بزيادة أعداد المسلمين في هذه القارة فإن أعداد ذوي المشاكل العاطفية ستتزايد نسبيا بلا شك, وفي نفس الوقت فإن نمو المجتمعات الإسلامية سيكون لها أثرها في تخفيف حدة مشكلة الوحدة والعزلة التي تغذي المشكلات. وتلك مسئولية أعضاء هذه المجتمعات بوصفهم نواة المسئولية في البلد بما يمكنهم من تقديم بعض الخدمات الأساسية للمجتمع الإسلامي ومنها ما يلي:

1- المشورة للشباب:

فالشباب المسلم الذي قضى سنوات عمره في هذا القطر غالبا ما يعاني من شدة الإحساس بالعزلة نتيجة لمحاولتهم الحفاظ على شخصيتهم وممارستهم الاسلامية. وبصفة عامة فإنهم سيمرون ببحر من الصراعات الخطيرة عند محاولتهم الموازنة بين متطلبات مجتمعهم ومتطلبات دينهم. ويقتضي الأمر من كل شاب ذي إرادة ألا يتأثر عاطفيا وألا يسمح لمثل هذا الصراع بالتأثير في مفاهيمه الاسلامية. فهؤلاء الشباب في حاجه إلى كل المساعدة التي يمكن الحصول عليها ويجب علينا أن نسير خدمات المشورة لمن يطلبها وفي كل معسكر للشباب أو مؤتمر وحشد يجب أن يتوفر عدد من المحللين النفسيين ليعاونوا كل من يحتاج اليهم.

2- التحكيم والاصلاح بين الزوجين:

فكما نعلم جميعا أن مشكلات الزواج تمكن غالبا في تزايد الطلاق باستمرار بين المسلمين الذين يسكنون في هذا القطر. فزواج المسلم عرضه للعديد من الضغوط والتوتر والأنفعال الذي يسمى المجتمع الامريكي أن يضيفها في أى زيجة. وفي الوقت نفسه فإن المسلمين الذين تشوب زيجاتهم القلاقل يفتقدون إلى الأقارب الذين يشرع قيامهم بمهمة التحكيم بغية الاصلاح بين الزوجين المختلفين وعلى أعضاء هذه الجماعه سد هذا الفراغ والقيام بالواجب في التوفيق بينهما, المرأة للمرأة ناصحة ومرشدة وكذلك الرجل للرجل كلما أمكن.

3- مشكلات أخرى:

ومن بين المعضلات الأخرى التي يمكن أخذها في اعتبار هو رد اعتبار المسلمين الذين يمضون فترات في السجون والعمل على تهذيب سلوكهم فالعديد منهم قد اعتنق الاسلام في السجن وقد غير هذا الاعتناق منهم ولكن النمط القديم الذي قادهم للجريمة والفساد يجب معالجته وتغييره واعادة صياغته حتى لا يعود لحياة الجريمة والرذيلة وقد يكون هنالك أيضا عدد من المسلمين الذين لايدركون أن لديهم مشاكل, ولا يطلبون العون أو المساعدة التي يحتاجون إليها ومثل هؤلاء يدخلون في صنف الناس المشوشين بعنيف, وقد يكون هناك آخرون ممن لديهم مشكلات ثانوية بسيطة نسبيا ولكنهم في الحقيقة هم الذين يتلقون العلاج النفسي بنسبة تفوق عدد المصابين من المسلمين الذين هم في حاجه أشد الى مثل هذه الخدمات. ويمكن تدريب الافراد ذوي الإدراك في كل المجتمعات الرئيسية عبر البلاد على تقديم العلاج النفسي الى أولئك الذين في حاجه اليه فعلا. ولسوء الحظ فمنذ أصبح العلاج أو المساعدة النفسية على كل مستوى فانه مازالت تشوبه الشوائب. ومثل هؤلاء النفسانيين يمكن ببساطة تسميتهم بالمستشارين.

والمدخل الضروري لمثل هذا العمل يكون من خلال فهم الظاهرة النفسية. وقد يكون هناك مستوى مرتفع من الاشراف يتم عن طريق البريد أو التليفون. وفي الحالات التي لا يمكن علاجها بأي وسيلة أخرى يمكن تحويلها الى العلاج النفسي ومن ثم فلن نجد مسلما يذهب الى معالج نفساني غير مسلم طلبا للمساعدة.

((سبحان الله والحمد لله واله وأكبر))  هي من الشعائر التي توجه المسلم بكليته الى ربه, والرضا والقضاء والقدر ثمرة يقينه والقناعة كنزه, والدنيا ليست أكبر همه ولا مبلغ عمله ولا غاية سعيه, ولا منتهى أمله, وليس به وان دنا حسد على غيره مهما علا, بما علمه الاسلام ان المعطي هو الله وان العطاء والمنع عنده. تدبيره مقدور مقدر بحكمه بالغة. وكل هذه المعاني في خطة تكوين الاسلام للفرد وتهذيبه وتربيته من شأنها ان تغمر نفس المسلم بالرضا ومن شأنها – بالتالي – ان تقيه وطأة المشكلات العاطفية التي تقف بأسبابها وراء الأمراض النفسية والاسلام يحث المسلم على الكفاح والنضال والجود بالنفس وبذل كل غال في سبيل الله ليعافيه من آفة الأثرة التي تجره جرا الى التركيز على الذات, والاسلام يعلي من مقاصد المسلم ويشده شدا الى الافق الاعلى حيث رضا الله والآخرة لينزهه عن الصغار ويرقي بهمته الى الكمال, والاسلام يعرف المسلم أن ألد أعدائه نفسه التي بين جنبيه ونوازعها, ووساوس الشيطان وحبائله, ثم يحذره, ما يحضنا عليه من غواية وما يدفعان اليه من شرور تحصينا لنفسه – بعلم أمرها – من ذرائع المفسدة ودوافع المنكر وايحاءات السوء.

والاسلام يستحث المسلم على ذكر الله في كل أحواله: قياما وقعودا وعلى الجنوب, بأكثر مما يذكر أحبابه من آباء أو أبناء أو أموال ليربطه بالحقيقة الأزلية الباقية وليكف عنه وهم الارتباط بالظلال الحائلة وخبالات السراب الزائف, فيطمئن بما وقع له – من ثبات أمر لا يزول ولا يحول(( الذين آمنو وتطمئن قلوبهم بذكر الله, ألا بذكر الله تطمئن القلوب)) (13 – 28) والاسلام يطالب المسلم بأن يتوكل من غير تواكل وان يبذل واجبه في السعي قدر مكنته ليرد عن ضميره رهق التأنيب إذا نزلت به ضائقة (( فإذا قضيت الصلاة فانتشروا في الأرض وابتغوا من فضل الله )) (62 -10) كل هذه المقاصد الإسلامية التي ذكرناها إنما يندب إليها المسلمون جميعا فردا فردا رغم ملاحظ التجرد في جملتها وكأنها تخصا صنفا من الزهاد ذلك أن الإسلام لا يعرف درجات من الأوامر التعبدية تصح في حق فريق من المسلمين دون فريق .. وإذنا فتلك بعض معالم الصورة الحقة لكل مسلم في نظر الاسلام..

وكل ذلك – بما يجليه الى المسلم من رضا النفس والتحرر من القلق وذهاب الغل, وانكار الذات وكمال القصد, ويقظة الوجدان والضمير, وشفاف النفس والروح واطمئنان القلب, وسلامة السعي, والتزام الواجب – كل ذلك كفيل بحياة نفسية صافية لا تشوبها شائبة ولا يتهددها شيء أبدا من شائع الاسباب لعلل النفس على نحو ما فصلنا كما سبق – تفصيلا.

ولسنا – مع ذلك – نغالي فننفي امكانية وقوع مسلم في برائن المرض النفسي ذلك أننا أشرنا من قبل الى مكان حدوث ذلك لأسباب تتعلق بالتباين بين القيم والواقع الاجتماعي المختل, هذا فضلا عن إمكان تعرض المسلم غير المتخلق بالأخلاق الإسلامية لغوائل المرض النفسي وذلك للأسباب العامة التي شرحناها في المقلعة التحليلية من هذا البحث.

وأرى أن نجاح المعالج المسلم مع مريضه المسلم تتوقف على مدى قدرته – من خلال صلات المودة والثقة التي يمد حبالها بينه وبينه – ومدى توفيقه في ربط المريض بدستور الأخلاق الاسلامي, وطبع المفاهيم الاسلامية في نفسه, وصبغ سلوكه بها, فبذا, وبذا وحده يتاح للمعالج تطبيق جوهر نظرية العلاج الواقعي من خلال اطار اسلامي وبنجاح مكفول في غالب الأحيان.

وأعتقد حقيقة أن لب العلاج الواقعي يتمثل في دور المعالج نفسه وهو دور طويل الأمد يعتمد في نجاحه على مدى توثيق علاقة التفاهم وحسية الظن بين المعالج والمريض, ولذلك فان وجود المعالج المسلم هو الطريق الأفضل للتعامل مع المسلم المريض غير أن ذلك لم يكون ميسرا ومتاحا الا لعدد قليل جدا من المسلمين وعلينا أن نخطط من الآن لجعل العلاج النفسي الواقعي الاسلامي متاحا لكل من يحتاجه.

المعالجة الاسلامية لمشاكل العقل:

على المسلمين أن يستخدموا الوسائل النفسية الكثيرة التي يسرها الاسلام والتي تعد – على المدى البعيد كما أعتقد – أكثر فعالية وديمومة من أية طريقة أخرى. ورغم أن الإسلام بتعاليمه القويمة يعد أكبر ضمان للمسلم ضد الاضطربات العاطفية  التي تؤدي إلى المرض النفسي فإننا ندرك أن الصعوبات والمشاكل العاطفية التي يمكن للمسلم أن يقابلها أو يصادفها تكون في كثير من جوانبها نتيجة  للتناقض بين القيم الإسلامية والأحوال السائدة في المجتمعات التي تجافي بطبيعتها أخلاقيات الإسلام. إن المسلمين في أمريكا – مثلا – يعانون في كثير من الأحيان من تجربة عاطفية تجعلهم بمنأى عن الاندماج الاجتماعي, فالبعد عن بيئة الوطن وعن الإشباع العاطفي المألوف تشعرهم في كثير من الأحيان بالوحدة بدنيا وعاطفيا. وأن الصراع الباطني الذي يلقاه الشباب المسلم  عندما ينشأ في مجتمع غير مسلم يستلزم العمل للتغلب على تلك المشكلات والمصاعب التي تفرض انعزالهم عن المتباعدين عن هدى الله وذلك حتى لا يتعرضوا لضغوط نفسية وعاطفية غير مرغوب فيها وبذلك نوازن بين مقتضى ايمانهم, ومقتضى سلامتهم, كذلك نجد أن المسلمين المهاجرين والأقليات الاسلامية القاطنة على امتداد المعمورة – نجدهم يتعرضون للاضطهاد والتعذيب بتوجية ديكتاتوري, وقد يلاقون صعوبات كبيرة في تربية أطفالهم. ومثل هذه المواقف يمكن أن تؤثر بالضغوط النفسية في الأفراد المهيثين لذلك وهؤلاء يجب أن يفهموا المقاصد التربوية للاسلام عندما يحض على الصبر والتجلد في مواجهة النماذج المختلفة والمتنوعة.

وبالتالى فان الاسلام والاسلام وحده يستطيع أن يوفر في التحاليل النهائية العلاج والدواء لكل المشاكل العاطفية من خلال التعمبق الايماني, وخلق التوازن بين المواقف في ذهن المسلم. والمهمة الأساسية للمعالج المسلم الذى يعمل مع المرضى المسلمين هي – اضافة الى تعليمهم الأسباب العلمية لتحسين وضعهم في الحياة – أن يساعدهم على ازدياد التزامهم بقيم الإسلام وتعميق إيمانهم. وهنا يثور سؤال: كيف يحدث هذا؟ وأجيب أنه لا ضير من استخدام العلاج الواقعي. مع التعلايلات الضرورية التي تجعله ملائما ومطابقا لمفاهيم النظام الاسلامي وهذا التعديل ينصرف الى الوعي بأن المشكلات العاطفية تأتي نتيجة للطرق غير الملائمة في معالجة مشاكل الحياة وليست من الأمراض العقلية. والمريض نفسه دون غيره هو الذي يعهد إليه بمهمة تغير الصورة السلبية لأحواله بحيث يتحول عنها الى موقف ايجابي يستجيب لمعنى الحياة التى يتوخاها الاسلام ويرضاها.

ومن ناحية أخرى يغدو بالامكان معالجة كل هذه الصعوبات العاطفية في محيط اسلامي نقي, يفيد من الوسائل العلاجية النيرة التي يوفرها الاسلام, ذلك ان الاسلام قد أرسى نظاما خالدا لتربية المسلم تربية متكاملة, متوازنة كل التوازن فهو قد انتهج أسلوبا واقعيا شافيا, للتخفيف من وقع المشكلات على نفس الفرد, اذ وعد براحة غامرة ليس مكانها هذا العالم وأنذر ألا راحة لأحد في هذه الدنيا, وبهذا هيأ نفس المسلم لهذه الحقيقة وأعدها لتحمل كل الصعاب بتجلد وصبر, مهما كان عنتها, واثقة بالله سبحانه وتعالى متحلية بخلق الإباء الإسلامي فعبوديتها لله الواحد ولن تكون لأحد إلا الله وذلك – قطعا – هو سبيل التحرر من رق المشكلات التي تعرض لها مهما بلغت.

كذلك فان العلاج النفسي الواقعي يؤكد على الاحاسيس وهذا بذاته يتفق مع منهج النظام الاسلامي في هذا الجانب حيث يتوجه الداعية أو الواعظ الاسلامي بخطابه مباشرة الى العقل الذي يأخذ – كما هو معروف – بأزمة سلوك الفرد.

ومهما يكن من أمر فإنه من الصعب القبول باسقاط المسئولية عمن يعانون من مشاكل عاطفية واذا جاز التسليم باسقاط تبعة المسئولية عن بعض الافراد الذين يعانون من تلك المشاكل فان هذا الاستثناء لا يغير شيئا من حكمنا عن تلك النقطة في رأى جلاسر, وخصوصا اذا ما تعلق الأمر بالمجتمع الاسلامي طالما أن المسئولية هي أحدى مفاتيح الفكر الاسلامي, وذلك على نحو ما نرى من أمر العديد من المسلمين الذين يعيشون في هذا البلد, وخصوصا أولئك الذين لا يتقبلون مثل هذا النهج من الحياة الذي يتعارض – في المقام الاول – التمسك بالشخصية وبالممارسة الاسلامية. وغالبا ما يكون هؤلاء المسلمون غير قادرين على تلبية احتياجاتهم بالشكل المناسب بسبب ظروف الحياة غير المناسبة لقيمهم ومفاهيمهم.

واني لا أعتقد أن العلاج النفسي الواقعي يلتقي في ركائزه مع أسس اسلامية, من حيث عدم تعامل هذا العلاج وعدم اهتمامه باللاشعور المادي, ومن حيث انصرافه عن البحث في ماضي المريض, ذلك ان الماضي يرتبط بخصوصيات الشخص, وتلك لها كل الحرمة والصون في فكر الاسلام وهو ما يلتقي بديهة مع سليم الفطره سواء كان المريض مسلما أو غير مسلم. فليس من الحكمة أن يتعدى المعالج النفسي – تحت أي عذر – دوره الذي حددته نظرية العلاج الواقعي, الى كشف خصوصيات المريض, أو تعرية سره, وهو ما يعده الاسلام سترامستورا بين العبد وربه, وبعبارة واضحة فإن الذي يحاك في النفس من أحاديث, وما يرد على القلب من سئ الاحاسيس يجب ألا تكون محل جهر ولا موضع مناقشة.

قال أحد فقهاء المسلمين: ((… ومعلوم أنه لم يعط الانسان أمانة الخواطر ولا القوة على قطعها فانها تهجم عليه هجوم النفس, الا أن قوة الايمان والعقل تعينه على قبول أحسنها, ورضاه به, ومساكنته له, كما تعينه على رفع أقبحها وكراهته له, ونفرته منه)) وذات المعني روى عن رسول الله صلي الله وعليه وسلم, فقد قال نفر من صحابته رضوان الله عليهم: (( يا رسول الله, إن أحدنا يجد في نفسه ما لأن يحترق حتى يصير حممة (أى فحمة ) أحب اليه من أن يتكلم به فقال صلى الله عليه وسلم: أو قد وجدتموا؟ قالوا: نعم قال (( ذاك صريح الايمان )) وفي لفظ (( الحمد لله الذي رد كيد الوسوسة)) .

ومن ناحية أخرى فان الاسلام يلزم المسلم رجلا كان او أمراة باحترام خصوصيات وأسرار الآخرين مثلما يجب أن يحترم خصوصياته ومن ذلك مثال ما يكون بين الرجل وزوجه ويتعين على المعالج المسلم في ضوء ذلك – ألا يعول على خصوصيات المريض وألا يسعى وراءها.

وفي هذا المقام نرى من الأهمية بمكان مناقشة العلاقة بين المريض والمعالج من وجهة نظر العلاج الواقعي, ثم نعرضها على وجهة النظر الإسلامية. فالعلاقة التي يتطلبها العلاج الواقعي بين المريض والمعالج انما تأتي على النحو المطلوب اذا كان الاشخاص من نفس الجنس, وقد تنعكس النتائج الى النقيض اذا كان المريض من جنس والمعالج من جنس آخر, وهذا الجانب يتفق تماما مع الفكر الاسلامي ولبيان الأمر بجلاء أكثر, فإننا نعلم أن العلاقة التي يتطلبها العلاج الواقعي بين المعالج والمريض لابد ان تكون علاقة حميمة, وحينئذ فانه يتحتم أن يكون المعالج من نفس جنس المريض بالنسبة للمسلمين نظرا الى قيم العفاف الكامل التي يفرضها الإسلام عليهم وفي ضوء ما علمناه عن طبيعة العلاقة بين المريض والمعالج النفسي فهل يكون في مقدور معالج غير مسلم القيام بعلاج مريض مسلم؟

واذا لم يتوفر المعالج المسلم؟ هل يمكنه – كحل أخير – يناقش هذا المريض مشاكله مع معالج غير مسلم هل تفيده منافشة أموره مع معالج يجد صعوبة بالغة في فهم اطاره الاسلامي وقد يحمل وجهه نظر تتعارض تماما مع عقيدة الوجدانية الاسلامية؟ وماذا لو أعطاء مثل هذا المعالج مشورة لا تتناسب معه كمسلم؟

ويجب علينا أن نضع في الاعتبار الضيق المادي الذي تعانية القاعدة العريضة من الآن فتقوم بالاعلان عن رقم تليفون مخصص يستطيع المسلم الذي يعاني من ضائقة مادية الاتصال به حيث مرتكز الضائقات المالية الذي يوفد اليه فورا معالج نفسي مسلم مؤتمن يستطيع ان يقوده بسلام عبر ضائقته  أو يتولى توجيهه الى أقرب معالج نفسي أو مستشار يمنحه المساعدة الطويلة. ومثل هذا المشروع المأمول يمكن تمويله من رابطة علماء الاجتماع المسلمين . والحق أن الاخلاقيات الاسلامية لشعبنا تحول دون وقوع مثل هذه الضائقة على نحو ما يحدث عادة في المجتمعات غير المسلمة حيث تكون الضائقة بسبب الخمور والمخدرات والانتحار ومشكلات الزواج ومشكلات صغار السن من الشباب وضائقات أخرى.

وفوق كل ذلك فان رابطة علماء الاجتماع المسلمين لها واجبات ثقافية هي من أخص مسئولياتها فالمطبوعات المرتبطة بتناول المشكلات وخاصة تلك التي تتعلق بالشباب والزواج هي أشد ما يحتاج اليه شعبنا وهناك العديد من الضروريات البارزة في حقل التربية وعلى سبيل المثال تعليم المسلمين كيف يتفهمون واقع الاختلافات بين النظرة الواقعية ووظيفة الجنس الآخر ومساعدة المرأة على فهم وقبول دورها الذي وهبه الله لها في الحياة وتوجيه الرجال الى التصرف بأسلوب مرضى ومهذب مع زوجاتهم اقتداء بآداب الاسلام ثم تعليم الأبوين المسلمين بتعمق كيفية المواكبة المقبولة التي لا غبار عليها مع هذه الحضارة وماذا يمكن عمله اذا ما انحرف المسلم الحدث عن جادة الطريق وأمثلة أخرى غير ذلك كثيرة تتعلق بالمبادئ الاساسية للصحة العقلية بشعبنا المسلم الذي غالبا ما يجد نفسه في مواقع مفحمه بالاحباط والمشاكل من كافة الأنواع.

 

 

الخلاصة:

قد حددنا في هذا البحث المبادئ والأسس التي يسير عليها المحلل النفساني الارثوذ كسي والتي تلائم المسلمين بعد تطويرها كما ذكرنا – بحيث تشدد على المسؤلية الفردية وتؤكد على الفلسفة الاسلامية في الرضا بقضاء الله واستحضار عظمته بدلا من التردي في المشكلات أو العوارض ثم الجهاد المستمر مع النفس لبلوغ حالة الخضوع والاذعان الحقيقية مع مقاومة أية أحاسيس داخلية تقود الانسان الإتجاه المغاير, وإدراك أن السرور والألم في هذا العالم ليسا غاية القصد, وفضلا عن كل ذلك فإن تقوية الروبط والعلاقات الأسرية مع الأصدقاء والمجتمع الإسلامي مطلب أساسي وضروري.

ونؤمن يقينا أن هذا التقاريب يجب أن يسعى الى ايجاد صفة لمعاونة المسلمين الذين يعانون من اضطرابات عاطفية أينما كانوا في هذا الجزء من العالم, وذلك في اطار من الواقعية والاخلاقيات الاسلامية.

نسأل الله سبحانه وتعالي أن يأخذ بأيدينا لنحقق التزامتنا بما فيه خير الاسلام والمسلمين والله تعالى من وراء القصد وهو خير معين.

المراجع.

جلاسر, المجتمع الذاتي( الطبعة المراجعة ) هاربر وروي:

نيويورك, 1972.

جلاسر, العلاج الواقعي. هاربر وروي: نيويورك,1965.

ساسز, اسطورة المرض العقلي (الطبعة المراجعة ) هاربر وروي نيويورك, 1974.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر