أبحاث

انفتاح الإسلام على الثقافات الأخرى

العدد 44

إن الإنفتاح علىٰ ما هو خارج الذات استعداد فطري لضرورته لتلبية الحاجات البيولوجية الأولية, وكذالك الحاجات النفسية الأولية كالحب والعطف, وأول ذلك بحث الطفل عن ثدي أمه. ويتسع ميدان الإِنفتاح ويعمق الأخذ والعطاء بتقدم السن والخبرة.

والأمم ـــ وِمِثلها في ذلك مثل الطفل والحيوان ينتابها الإنغلاق والتقوقع والتجمد كوسيلة دفاع في بعض المواقف, وهذا مسلك فطري, ودافع النجاة من المخاطر فطري كذلك. وقد يكون الإِنغلاق, ومنه الإنحسار والهرب, مكتسباً بمرتبة عالية من التفطن والخبرة, كما فعل خالد ابن الوليد في غزوة مؤتة.

وقد تأتي نوبات الإِنغلاق والتقوقع ـــ وقد أتت فعلاً في التاريخ الإِسلامي ـــ عند إحساس الأفراد والأمم بالاكتفاء الذاتي الحقيقي والمزيف ـــ وغالباً ما يكون مزيفاً ـــ وقد سبق كل كارثة أصابت العالم الإِسلامي حالة من حالات الشعور المزيف بالأمان والتفوق, وكان ذلك قبل هجمة الصليبيين وقبل هجمة المغول, وقبل الحملة الفرنسية, وقبل نكسة ستة 1967 حين قال قائد القوات المسلحة المصرية في أحد الاحتفالات السابقة علىٰ النكسة : نحن نملك أقوىٰ قوة ضاربة في الشرق الأوسط.

معالم بارزة في تاريخ الانفتاح الإِسلامي علىٰ الثقافات الأخرىٰ

كان القرآن الكريم ـــ ولا يزال ـــ نافذة علىٰ الأمم والتاريخ منذ أوائل نزوله, فقد أطلع العرب والعالم علىٰ حضارات سبقت واندثرت, وعلىٰ أمم معاصرة انشأة الإِسلام, فارس والروم, وساق من قصصهم وحياتهم ما فيه عبرة لأولي الألباب, وحكىٰ أنواعاً من سلوك الأمم وعاداتها وتقاليدها وفساد مناهجها, فحكىٰ عن قوم نوح وأصحاب الرس وثمود, وعاد وفرعون وإخوان لوط, وأصحاب الأيكة وقوم تبع, وما أصابهك من سنن الله من الظالمين والطاغين, وعبرّ القرآن الكريم عن بعض القوانين الإِجتماعية, وترك للإِعتبار استنتاج غيرها بعد ذكر العناصر التي تؤدي إلىٰ استنتاجها.

وجاءت الأخبار الموثقة بأصح الأسانيد عن النبي ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ وانفتاحه علىٰ الثقافات الأخرىٰ, وعدم التحرج من الأخذ منها, فقد روىٰمسلم في صحيحه عن جدامة بنت وهب الأسيدة في كتاب الرضاع, أنها سمعت رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ يقول : لقد هممت أن أنهىٰ عن الغيلة حتىٰ ذكرت أن الروم وفارس يصنعون ذلك فلا يضر أولادهم, (والغيلة وطء المرضع).

وروىٰ البخاري في كتاب العلم عن أنس بن مالك, قال : كتب النبي كتاباً أو أراد أن يكتب, فقيل له : إنهم لا يقرؤن كتاباً إلا مختوماً, فاتخذ خاتماً من فضة, نقشه محمد رسول الله, كأني أنظر إلىٰ بياضة في يده.

ولما هاجر النبي ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ إلىٰ المدينة أخذ نساء المهاجرين من أدب نساء الأنصار, فقد روىٰ الشيخان عن عبد الله بن عباس في سؤاله عن المرأتين اللتين قال الله تعالىٰ فيهما : { إن تتوبا إلىٰ الله فقد صغت قلوبكما } فقال عمر في قصته عن ذلك :.. وكنا معشر قريش نغلب النساء. فلما قدمنا علىٰ الأنصار إذا قوم تغلبهم نساؤهم, فطفق نساؤنا يأخذن من أدب الأنصار, فصخبت علىٰ امرأتي فراجعتني, فأنكرت أن ترجعني. قالت : ولم تنكر أن أراجعك؟ فوالله إن أزواج النبي ليرجعنه ..

ولم يكن حفر الخندق للدفاع معروفاً عند العرب, لكنه كان من فنون الفرس, وكان الذي أشار بحفره سلمان الفارسي, فقال : يارسول الله إنا كنا بفارس إذا حوصرنا, خندفنا هلينا, فأمر رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ بحفره, وعمل فيه بنفسه.

ولم يكن العرب يعرفون العبرانية, فأمر رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ زيد بن ثابت أن يتعلمها فتعلمها ومما يدل علىٰ أنهم لم يكونوا يعرفون العبرانية ما ورىٰ البخاري في كتاب التوحيد عن ابن عمر قال : أتىٰ النبي ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ برجل وامرأة من اليهود قد زنيا, فقال لليهود : ما تصنعون بهما ؟

قالوا : نسخَّم وجوههما ونُخزيهما. قال : فأتوا بالتوراة فاتلوها إن كنتم صادقين. فجاءوا فقالوا لرجل ممن يرضون : ياأعور اقرأ فقرأ حتىٰ انتهىٰ إلىٰ موضع فيها, فوضع يده عليه. قال : ارفع يدك فرفع يده فإذا فيه آية الرجم تلوح. فقال : يا محمد إن عليهما الرجم, ولكنا نكاتمه بيننا, فأمر بهما فرجما.

وعن تعلم زيد بن ثابت للعبرانية روىٰ ابن سعد في الطبقات عن زيد بن ثابت, قال : قال لي رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : إنه يأتيني كتب من أناس لا أحب أن يقرأها أحد, فهل تستطيع أن تتعلم كتاب العبرانية أو السريانية؟ فقلت : نعم فتعلمتها في سبع عشرة ليلة.

ومضىٰ المسلمون في هذا الانفتاح الشامل حتىٰ نقلوا كتب اليونان والرومان والفرس إلىٰ العربية في أواخر عهد بني أمية والدولة العباسية.

وتلىٰ ذلك الانفتاح فترة انغلاق واكتفاء ذاتي وتقوقع طويلة, كانت تتخللها فترات صحو متفرقة الأماكن والأزمنة. كان المسلمون سكرىٰ بما أحرزوا من تقدم وتفوق حوّله المتصوفة إلىٰ سكر ونشوة بتفوق المكانة والمنزلة عند الله في الدار الآخرة, بل نشوة في الدنيا لو غرفها الملوك لجالدوهم عليها بالسيوف. كان يقال ذلك في الوقت الذي كانت خيول المغول تطحن بلاد الإِسلام وتستولي علىٰ بغداد في الوقت الذي استقر فيه الصليبيون في الشام وفلسطين وكوّنوا فيها ممالك صليبية أسراً مللكة.

كانت الدولة العباسية قد تمزقت, فقامت في داخلها دويلات كانت تنهض وتزدهر فترات صغيرة, ثم ينتابها الوهن والضعف والانهيار, وانشغلت بالحروب فيما بينها وبين الدولة الأم.

ثم اجتالت الجميع النوازل من الحروب الصليبية مدة القرنين السادس والسابع الهجريين ( من 489 هـ إلىٰ 691 هـ ) ( من 1096م إلىٰ 1291م ).

وعاصرت الهجمة المغولية الهجمة الصليبية, فقد أنفذ جنكيز خان رسله  سنه 612 هـ إلىٰ علاء الدين شاه ملك خوارزم, ثم تلا ذلك عنفوان الهجمة المغولية فأطبقت علىٰ المسلمين من الشرق بينما كانت الحملات الصليبية متجهة إلىٰ مصر لأنها مركز المقاومة, ومن أهم الحملات الصليبية علىٰمصر حملة جان دي برين التي هاجمت دمياط سنة 616 هـ في الوقت الذي كان فية جنكيز خان يطبق بجيوشه علىٰ دولة خوارزم بقيادة علاء الدين, ثم بقيادة ابنه جلال الدين, ثم قضوا عليه سنة 628 هـ, وسقطت بغداد في يد المغول سنة 656 هـ, وضغط المغول في اتجاه مصر, وانتصر المسلمون في معركة عين جالوت.

كان علىٰ المماليك بقيادة خليل بن قلاون أن يواجهوا الصليبيين المستقرين في باقي ممالكهم في فلسطين, والمغول الذين استقروا في دمشق, فأوقع الهزيمة بالمغول وأبعدهم تهائياً عن بلاد الشام وأخذ من الصليبيين عكا آخر معاقلهم.

لم يفق المسلمون من سكرتهم بهذه المحن بل استمر بهم الهُوىُّ إلىٰ القاع من التخاف والعيش في الخرافات والكرامات والخوارق وازدهار الطرق الصوفية طيلة القرونالتي تعاصر فيها التخلف الإِسلامي مع أواخر التخلف الأوروبي, واستمرت أوروبا في نهضتها ونحن مازلنا في طريقنا إلىٰ القاع من التخلف في العهد العثماني طيلة القرون من العاشر إلىٰ الثالث عشر الهجريين.

الانفتاح الإِسلامي في العصر الحديث

جاءت الحملة الفرنسية علىٰ مصر والمسلمون في القاع التخلف الذي ليس بعد عمقه عمق يمكن أن تصل إليه المجتمعات, ولم يم اكتشاف هذا القاع وعمقه واتساعه إلا بالحملة الفرنسية, كما لم تعرف الهوة بيننا وبين اسرائيل في العلم والصناعة إلا بالنكسة سنة 1967 م.

وأعطانا الجبرتي صوراً مبكية لما قبل به علماؤنا العلماء الفرنسيين وما قاموا به من أفعال استعراضاً للعضلات وتخويفاً وإرهاباً, ومنها بعض التفاعلات الكيماوية البسيطة التي تعتبر بها ألوان السوائل, وأعطانا الدكتور زكي نجيب محمود في مقاله: (تلك هي القضية) بأهرام 5/6/1405 (25 /2/ 1985) صورتين أخريين, أولا هما إيقاف المشايخ صفاً واحداً يمسك أحدهم بيد التالي له ومس الواقف الأول بسلك مكهرب فسرت رعشة الكهرباء في أجسام الجميع. أما الصورة الثانية فهي سؤال أحد الشيوخ للعلماء الفرنسيين : هل في علمكم الجديد ما يجعل إنساناً موجوداً في بلاد الغرب في وقت واحد ؟ فأجابوا بالنفي. فرد هو قائلاً : لكن ذلك ممكن في علومنا الروحانية, ومهما كانت الصورتان مختارتين لخدمة هدف المقال, فإنهما ليستا كل ما حدث.

نهضة محمد علي

أن نهوض محمد علي بمصر وانفتاحه علىٰ علوم الغرب هو بدء النهوض الحقيقي الذي بم ترض عنه أوروبا فوأدته في المهد. أما الحملة الفرنسية فلم يترتب عليها أي عمل إيجابي, لا شعبي ولا حكومي في اتجاه الانفتاح, علىٰ عكس ما يرىٰ الدكتور زكي نجيب محمود في مقاله : ( تلك هي القضية ) من عزو الانفتاح وبدء التقدم إلىٰ الحملة الفرنسية, فإن الخلفية التي كانت وراء نهضة محمد علي قد تكونت لديه قبل مجيء الحملة الفرنسية بسنين طويلة من بدء أن كان جندياً بسيطاً في الجيش العثماني.

إن الانفتاح الإِسلامي بعد طول انغلاق وتقوقع لبضعة قرون متطاولة ( من 5 إلىٰ  12 هـ) لم يبدأ مجسماً ومجسداً بإجرائات رسمية وبعوث إلا علىٰ يد محمد علي, وإنها وإن كانت قسرية إرغامية, إلا أنه لم يكن ينفع إلا هذا, ولا يناسب إلا هذا.

ومنذ بدأت النهضة الحقيقية انقسم الناس إزراء هذا الانفتاح إلى ثلاثة فرقاء :

1 ـــ فريق الرافضين للانفتاح ولما يجيء من أبوابه جميعاً. ومن المفارقات المضحكة أن هؤلاء الرافضين للانفتاح علىٰ علوم الغرب وتقنياته هم أسرع الناس إلىٰ التمتع بمنتجاتها.

2 ـــ فريق قابل لكل ما هب علينا من أبواب الانفتاح من تيارات مادية ومعنوية إلىٰ درجة الانمياث فيها, وقد دعا الدكتور طه حسين في كتاب : ( مستقبل الثقافة في مصر ) إلىٰ الانسلاخ كلية من الثقافات الشرقية إلىٰ الثقافات الغربية.

3 ـــ فريق منهجي لا أرىٰ إلا أنهم من الذين عناهم الرسول ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ كما روىٰ البخاري في صحيحه عن معاوية, وقال سمعت رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ يقول : لا تزال من أمتي أمة قائمة بأمر الله لا يضرهم من كذَّبهم ولا من خالفهم حتىٰ يأتي أمر الله وهم علىٰ ذلك.

هذه الطائفة موجودة في كل المواقف التي وقفتها أمتنا إزراء الأحداث الكبرىٰ, تقوّم المعوج وتهدي إلىٰ المنهج كلما صرفتنا عنه الصوارف من داخل أو من خارج.

وكانت بين الفرقاء معارك طاحنة طليلة القرنين الثالث عشر والرابع عشر الهجريين ( 19 , 20 م) فكان منها معارك بين الرافضين والقابلين, وبينهما وبين المنهجيين, وكانت طائفة الحق بين شقي الرحىٰ, فمن جهة كان عليهم مواجهة الانمياثيين ومواجهة المقلّدين, تنعىٰ علىٰ الأولين اندفاعهم وتهورهم غير المحسوب وانهيارهم أمام حضارة الغرب, وعلىٰ الآخرين جمودهم علىٰ استمرار صب حياتنا في قوالبها.

وقد كانت هذه الطائفة  ممثلة في الجبرتي نفسه من أول يوم رأينا فيه تخلفنا رأىٰ العين بذوبان سيوف المماليك وخيولهم المزركشة علىٰ حرارة مدافع الفرنسيين أمام الأهرام. قال الجبرتي في مذكراته ناعياً علىٰ المسلمين قراءتهم البخاري للنصر علىٰ الفرنسيين :أكان نبيكم يحارب الأعداء بقراءة القرآن أم بالعمل بما فيه ؟ وكان منهم محمد عبده وجمال الدين والشيخ عليش ورشيد رضا وشكيب أرسلان ومحب الدين الخطيب ومصطفىٰ صادق الرافعي, ولم يكن لهم منبر في مثل ارتفاع منبر دعاة الانمياث ولا صحافة في مثل قوة صحافتهم.

وكان النصر في هذه المعارك لدعاة الاستغراب فيما يبدو في وسائل الإِعلام, وكان دفاع التراثيين أقل مما يجب في مستواه, ووقعوا في فخ جعل المعركة بين السفور والحجاب ـــ القابلين للمناقشة والجدال ـــ بينما كانت في حقيقة الأمر بين التبرج والتحشم غير القابلين للجدل.

وقد وصف الدكتور زكي نجيب محمود ذلك الانتصار في أخطر مقال له في السنين الأخير بأهرام 23 رمضان 1304 هــ (3 /7/1983 ) بعنوان : ( إسلامنا يكفينا ولكن كيف ؟) قال : كنا ننظر إلىٰأعلام تلك المرحلة أي خلال النصف الأول من هذا القرن ( الميلادي) فيأخذنا غير قليل من الجزع إذ نلمح في هؤلاء الاعلام شياً من الإِسراف في التباهي بثقافة الغرب و حضارته مما أدىٰ يومئذ إلىٰ العيش في مناخ كاد المواطن فيه أن يخفي مصريته وعروبته و إسلامه حتىٰ لا يتهم بالجلافة والتخلف, ولا أظن أحداً منا قد نجا من تلك التبعية العمياء القاتلة. نعم كان الصوت الأعلىٰ لأصحاب هذه الثقافة المتفوقة عند الغرب, وكان الشعور بالنقص هو نصيب من درس الكنز الموروث مكتفياً به, وهو موقف فيه هزل المريض وضعف الذليل.

لقد نجا الفريق المنهجي من هذه التبعية العمياء القاتلة, ولم يخفوا مصريتهم ولا عروبتهم ولا إسلامهم, ولم يرهبهم أن يرميهم بعض فئات المجتمع بالجلافة والتخلف, بل كان لسان حالهم حين يعظون وينصحون ويوقظون من منابرهم المنخفضة : اللهم أهد قومنا فإنهم لا يعلمون.

ومضىٰالدكتور زكي يقول في مقاله ذاك : وكنت لفترة طويلة واحداً من أولئك الذين ضلوا سبيل الحق حتىٰ أراد الله لي رؤية أهدىٰ إ . هـ.

إن الفريق المنهجي كان من أول يوم متمتعاً بهذه الرؤية الأهدىٰ, فلم يضلوا سبيل الحق في هذا الصدد, ولم ينبهروا كما انبهر غيرهم.

ولقد أراد الله هذه الرؤية الأهدىٰ مؤخراً لجميع دعاة الاستغراب, فلم يعد منهم أحد إلا أقل القليل ـــ ضحية الدعوة للاستغراب المطلق, وصار الجميع ممن كان رافضاً علىٰ طول الخط ومن كان قابلاً علىٰ طول الخط علىٰ يقين من أن المعاصرة لا تنافي التراثية, ولا تقابلها تقابل تضاد ولا تناقض, وأن في التراث علماً وجهلاً وحضارة وتخلفاً شأن كل تراث في العالم علىٰ مدىٰ التاريخ, بل إن الجهل في تراثنا أقل بمئات المرات من الجهل في تراث غيرنا من الأمم. وعلىٰ يقين أيضاً بأن في الجديد الغربي علماً وجهلاً, ونوراً وظلاماً.

انتهىٰ جميع الفرقاء الآن إلىٰ الأخذ من التراث والترك, والأخذ من الغرب والترك بمنهج, وأسدل الستار علىٰ فصل من فصول الرواية بزيارة الشيخ الشعراوي لتوفيق الحكيم, ولعل زيارة يقوم بها الدكتور زكي للشيخ الشعراويقد مهد لها الدكتور في مقال له في الأهرام بعنوان : ( خلاف الراي لا يفسد للود قضية ) لينسدل الستار علىٰ آخر فصل من تلك الرواية الكابوس.

لكن يوجد للآن فئة قليلة تنفخ في الرماد الخامد لعلها تجد جذوة فيها روح لينفخوا فيها, وذلك بإثارة قضية المعاصرة والتراث وجعل المعاصرة مرادفة للعقل والمنهج وجعل التراث مرادفاً للخرافة, وفيما يبدو فإن بقاء بعض الحياة المترنحة في المعركة ليس سييه المعاصرة ولا التراث فهما قد اصطلحا, وصارا كياناً واحداً, ولكن السبب لمن تكون له القيادة القادمة من الفرقاء, وهذه هي القضية الآن, ففي كلا الفريقيين أناس لا يرضون بهذا الصلح لعل انتصار فريقهم يمهد السبيل إلىٰ دور يقومون فيه بقيادتنا إلىٰ محاذير الاستغراب أو محاذير الانغلاق.

إن الفكر الإِسلامي الآن أصبح بهذا الإِجماع محصناً عن الانسياق إلىٰ محاذير دعوة كلا الطرفين اللذين كانا متناقضين, وهو يريد أن ينطبق إلىٰ تحقيق معاهدة الوفاق والتناصر وما تقتضيه من عمل متواصل وتأصيل لمناهج المرحلة المقبلة.

والمنهج للمستقبل يتمثل بعضه كما يبدو لي في الآتي :

1 ـــ ولوج باب الاجتهاد في الفقه الإِسلامي الذي أقنعنا أنفسنا ردحاً طويلاً من الزمن بأنه مغلق, وإن كنا لا ندري من أغلقه ولا متىٰ أغلق. ويمكن أن ينظر إلىٰ هذا الإِغلاق المزعوم أنه كغ ذاتي فرضه العلماء علىٰ أنفسهم لاعتقادهم أنهم غير أهل له, ولم يحظروه علىٰ غيرهم, وربما كان هذا حكمة وبراً بالأجيال المقبلة, إذ عرفوا قدرهم ظناً أو يقيناً فلزموه.

2 ـــ تنمية منهج لتحقيق التراث يتجاوز ما هو متعارف في مناهج التحقيق المستقرة من الاكتفاء بالوصول في الكتاب المحقق إلىٰ أصح النصوص باستعراض المتاح منها وتصحيح بعضه البعض.

3 ـــ تنمية منهج لنشر التراث بعد تحقيقه, وذلك :

أ ـــ إما باختصار الكتب الكبيرة والاقتصار علىٰ ما يوظف منها في حياتنا, ويفيدنا في مستقبلنا, ويصلح هذا المنهج لكتب السنّة التي فيها الكثير من الأحاديث الضعيفة والموضوعة. ولا حاجة إلىٰ التأكيد علىٰ احتياج تخليص السنة من الضعيف والموضوع إلىٰ أقسىٰ المناهج صرامة واحتياطاً.

ب ـــ وإما بالتعليق والشرح والتصحيح في الكتب الصغيرة والمتوسطة.

أما جانب علوم العصر التي قطع فيها الأوروبيين والأمريكيون واليابانيون مراحل كبرىٰ فإن المناهج المتخذة الآن صالحة إلىٰ حد كبير, ويجب المضي فيها بأقصىٰ ما نستطيع, ويجب أن تخصص الدول الإِسلامية أكبر قدر من الدعم لعملية الترجمة لهذه العلوم إلىٰ اللغة العربية واللغات الأخرىٰ السائدة في العالم الإِسلامي, وعلىٰ الأصوات المعارضة لتعريب العلوم أن تلزم جانب التعقل, فإن نقل العلوم إلىٰ اللغة العربية أمر بالغ الأثر في دفع التقدم خطوات إلىٰ الأمام, وإن فيما رد به المؤيدون للتعريب حجج المانعين كفاية لكل منصف.

وقد سبق في التاريخ الحديث سابقتان يستفاد من إيجابياتهما ويتخلص من سلبياتهما. أولاهما قيام الدولة في عصر محمد علي من تكليف المبعوثين بالتأليف والترجمة فيما درسوا وطبعه علىٰ نفقة الدولة, والثانية مشروع الألف كتاب الذي لم يظفر فيه العلم بنصيبه الواجب.

هذا بعض ما يجب في جانب العلوم الطبيعية والرياضية. أما في جانب العلوم الاجتماعية مثل الاقتصاد والسياسة والأخلاق وعلم النفس وعلم الاجتماع فإن الأمر فيها جد مختلف, فأن العلوم المادية تتحقق فيها الموضوعية بشكل كامل, بينما الباحث في العلوم الاجتماعية لا يمكنه أن يتخلص من خلفيته ومسلماته وعقائده مهما ادعىٰ الموضوعية, ومن ثم فإن العلوم الاجتماعية يجب أن يعاد فيها النظر بصفة جذرية وشاملة.

علىٰ أن بعض الباحثين المسلمين قد رأوا في طريقة تناول العلوم المادية ضرورة لتصحيح منطلقاتها الشكلية التي لا تؤثر في مسار البحث, ومن ذلك انطلاق العلوم من منطلق مادي بحث, والقول بأنه يلزم من ذلك إنكار ما فوق الطبيعة, وهذا إلزام لفكرنا بما لا يلزم, فإن العلم لا يتعرض لما وراء الطبيعة لا بنفي ولا إثبات, وحسناً فعل, ولو لم يفعل ما تقدم, وليس من المنهج القول بأن ما ليس معي فهو عليَّ. ومن ثم فإن البحوث التي تقترب من منطقة الغيب لم تنته إلا إلىٰ فروض ونظريات لم يرق شيء منها إلىٰ القوانين العلمية, مثل بدء الخلق وبدء الحياة وتكون السماوات والأرض وخلق الإِنسان.

ونحن كمسلمين نؤمن بأن ما جاء في كتاب الله تعالىٰ وصحيح السنّة عن هذه الأمور حق لا ريب فيه, وكل ما يطلبه كون الإِنسان مسلماً من الباحث في الطبيعة والرياضيات بكل تشكلاتها في المادة الميتة والحية, هو الاعتقاد في أن خالقها هو الله تعالىٰ بما فيها من مادة وبما يحكمها من قوانين باطراد ونظام, قال فيهما الباري في كتابه : (ما ترىٰ في خلق الرحمن من تفاوت ) وقال : ( سنة الله ولن تجد لسنة الله تبديلاً ), ولا يلزمنا هذا أي تغيير مهما كان في خطوات المنهج العلمي, ولا تغيير ما وصلت إلية البشرية من مساعدات الحواس مثل المجاهر والمقربات وأدوات القياس والكشف, ويبدو لي أن هذه المناهج هي مما يشاء الله لكي نحيط بشيء من عمله في قوله تعالىٰ : { ولا يحيطون بشيء من عمله إلا بما شاء } علىٰ أن هذا بحث آخر طويل نكتفي بالإِشارة إلىٰ مداه الواسع العميق. إن العلوم الإِنسانية كما نمت ووضعت لها المناهج في الغرب تحتاج إلىٰ يقظة إذ لم نلاقها إلىٰالآن علىٰ المستوىٰ الشعبي والجامعي بما يجب أن تتلقىٰ به, بل نجد علماءنا في الجامعات انساقوا في تيارها الحظر, فلكل مدرسة من مدارس علم النفس ومدارس علم الإِجتماع كليات أو أقسام في كليات إسلامية تدرسها وتدرس مبادئها وتروج لها, وتعتز بالانتساب إليها.

فمثلاً المدرسة الإِجتماعية الفرنسية تقتصر بعض الكليات علىٰ دراستها دون غيرها من المدارس. وهذه المدرسة تلح علىٰإلغاء كل دور للمصلحين في التقدم البشري, وترجع حركة المجتماعات إلىٰ ما أسموه العقل الجمعي, وتلغي كل أثر للأنبياء, وتجازف المدرسة علىٰ لسان دوركيم في كتابه : ( قواعد المنهج في علم الاجتماع ) بأن الجريمة والانحرافات هي أمور سوية وليست خاضعة لأي تقويم بالحسن أو بالسوء, ويقول الدكتور محمود قاسم مترجم الكتاب في أحد تعليقاته عليه : فمن ذلك أنه يرىٰ أن الجريمة ليست ظاهرة معتلة أي شاذة بل هي ظاهرة سليمة لأنها توجد في جميع الأنواع الإِجتماعية مهما اختلفت أشكالها وصورها, ويقول دوركيم في ذلك :

وسنطلق إسم الظواهر السليمة علىٰ تلك الظواهر التي تشكل بصور يعم وجودها المجتمع, وسنطلق علىٰ الظواهر النادرة اسم الظواهر المرضية أو المعتلة ـــ فعنده إذن قوم لوط وقوم شعيب أسوياء, أما لوط وشعيب فهما ظاهرتان معتلتان. ويقول : ومن ثم تكاد الجريمة أن تكون هي الظاهرة الوحيدة التي تنطوي بصفة لا تقبل الشك علىٰ جميع أعراض الظاهرة السليمة.

ومدرسة التطور قد مات المبدأ إلىٰ جميع الميادين الإِنسانية وكان قد بدأ في الحياة العضوية.

وهناك فلسفة التاريخ والجدلية المادية في تفسيره, وبلغ من جرأة التابعين لها أن يحاول درس التفسير المادي للتاريخ علىٰ القرآن الكريم, ومما بنوا علىٰ ذلك أن القوة التي دفعت بالإِسلام إلىٰ الظهور هي البورجوازية التجارية في مكة وغيرها من المدن. وقد سألني طالب بإحدىٰ كليات التجارة سؤالاً قال عنه إنه في الأنثروبولوجيا. فطلبت منه الكتاب المقرر رسميا, ولشد كا كانت دهشتي حين رأيت الكتاب في التصور الشيوعي للإِصلاح الإِجتماعي والإِقتصادي, بينما عنوان الكتاب في الأنثروبولوجيا.

وعلم النفس الفرويدي الذي تهاوىٰ في الغرب علىٰ يد السلوكيين والتجريبيين, لا تزال موجته عندنا في ارتفاع, ونرىٰ المحللين النفسيين المسلمين لا يكتفون باستخدام التحليل النفسي في علاج مرضاهم بل يعملون أيضاً علىٰ نشر نظريته الفلسفية. يقول الدكتور مصطفىٰ زيور في تقديم كتاب نطور الشعور الديني عند الطفل والمراهق .. وهكذا فإنه كان من المستحيل للبشرية أن تكون قد علافت تطور الشعور الديني قبل اكتشاف فرويد للتحليل النفسي. ويقول د . مليجي : ولكنه ( أي طفل ) بإتملمه المرحله الأوديبية المعروفة واكتشاف نقاط ضعف أبيه لا يستطيع أن يفعل أي شيء إلا أن يفيض تلك الصفات مثل كمال المعرفة والقوة إلىٰ كائن جديد أعلىٰ هو الله.

وهناك ما يسمىٰ بعلم النفس البيولوجي الذي يرجع الدوافع الفطرية إلىٰ حاجات بيولوجية, والذي ألّف في وقت من الأوقات كتاب في علم النفس للثانوي في مصر علىٰ أساسه, والذي اعتمد علىٰ مشاهدات سائحين وسائحات في مجتمعات متخلفة, للتدليل علىٰ عدم فطرية دافع التملك وفطرية شيوعية الملك.

كما توجد في ساحة التأثير في حياة المسلمين الأيديولوجيات الشرقية والغربية التي نتطوح ـــ بفعل عوامل لا تخلو من تأثيرات خارجية ـــ في أحضان هذه مرة وفي أحضان تلك أخرىٰ.

من لهذا كله ؟ إن العلماء والمفكرين في أنحاء العالم الإِسلامي مدعوون إلىٰ التفطن له وتناوله بمناهج عملية راقية لرفع ما فيه من زيف ولتصحيح حياتنا التي أصبحت كالمرقعة لا يستبين أصل نسيجها.

إن الأزهربعد تطويرة مدعو أكثر من أي هيئة إسلامية حكومية أو اهلية إلىٰ الإِسهام في تنقية حياتنا من تأثيراتالعلوم الاجتماعية التي ازدهرت في الغرب بمناهج متأثرة بعقائده وتراثه.ويوجد الآن في مصر قلة تدعو إلىٰ الرجوع عن تطوير الأزهر والعودة به إلىٰ الاقتصار علىٰ العلوم الإِسلامية المبثوثة في الحواشي والشروخ المتأخرة. إن تطوير الأزهر قد جاء تعبيراً صادقاً عن روح الإِسلام الذي لم يغفل أبداً كتابه الخالد العلوم المادية ولا منهجها, وحاء استكمالاً لرسالته, وللضرورات الآتية :

1 ـــ القضاء علىٰالازدواجية الثقافية التي عانينا منها طويلاً في التعليم والحياة, ومن الذي كتبوا ضد الازدواجية من يهاجم أكبر خطوة في محوهاتمت في هذا العصر, وعلىٰ الجامعات المدنية أن تقوم بواجبها في القضاء علىٰ الازدواجية الممقوته بتضمين مناهجها قدراً معقولاً من الدراسات الدينية.

2 ـــ إخراج الداعية الطبيب والداعية المهندس والداعية عالم الأجناس الذي يستطيع أن يقوم بالدعوة الإِسلامية بكفاءة وخبرة وفن, اقتداءً بما يفعل الدعاة للأديان الأخرىٰ, فلم يكن المبشرون في أنحاء العالم ممن اقتصروا في دراستهم علىٰ ما في الكليات اللاهوتية, بل كان منهم أطباء وجماعو حشرات وزلط وحجارة.

وقد جزعنا وفجعنا بما تصرف به المسلمون حكومات وشعوباً إزاء انفتاحنا علىٰ العالم, وانفتاح العالم علينا في أعقاب الحرب الثانية, فقد تقاعسوا عن إرسال البعثات للتبشير بالإِسلام في أنحاء الأرض, ولئن اقتضت السياسة الخارجية للحكومات الإِسلامية القصد في إرسال بعثات الدعاة وإقامة المراكز الإِسلامية اكتساباً للأصوات في المحافل الدولية, فإن الشعوب الإِسلامية لا تجد ما يغتفر لها قصورها في هذا السبيل.

3 ـــ إدخال علوم الغرب وحضارة الغرب من باب إسلامي, والخروج إلىٰ علوم الغرب وحضارته من باب إسلامي كذلك.

4 ـــ مواجهة طوفان الأفكار والمباديء التي دخلت إلىٰ عقولنا وحياتنا عن طريق العلوم الإِنسانية.

مشكلة الحكم الإِسلامي أو تقنين الشريعة الإِسلامية

هذه المشكلة ثمرة كبرىٰ من ثمرات الانفتاح غير المنهجي الذي مكن لمفاهيم العلوم الإِنسانية الغربية وتطبيقاتها من عقولنا وحياتنا. فلما جاءت الأهدىٰ كنا قد ابتعدنا كثيراً عن تراثنا وكشفه وتنميته وتقنيته, فاتسم تناولنا للمشكلة عند كثير بالسطحية والتبسيط. وقد برزنا العجز عن حسن التمهيد وعن إكمال التصور لكيفيات التطبيق بإطلاق شعارات يسلمون بها علىٰ إطلاقها مع أنها عند العارفين مقيدة بما نستطيع نحن أن نقوم به, وإطلاقها معناه إلا يكون لنا عمل وأن المعجزات ستتوالىٰ كل شيء. لن تتوالىٰ المعجزات عنا شيئاً, وقد انتهىٰ زمنها, ولن يعود تحت أي ظرف, فعملنا وحده هو الذي فيه النجاة وهو نصرنا لله.

لم ينشر حتىٰ الآن في الفكر الإِسلامي اجتهاد موفق يخفف من هذا التبسيط, ويدفع إلىٰ شيء من تقدير المشاكل, ويخرج العامة من خدرهم الغيبي في انتظار تعليق لافتة الحكم الإِسلامي علىٰ دور الحكومات الإِسلامية ليأتينا رزقنا رغداً من كل مكان, وتحل مشاكلنا تلقائياً, ويتفجر البترول وتنفتح نفوسنا للعمل وبذل الجهد والإِنتاج, وتنصلح أخلاقنا, ولقد غذي هذا الخدر بقدر مبالغ فيه من التبسيط في الصحف وبخاصة الصحف الدينية, وعلىٰ المنابر وفي مناقشات الناس.

ومن نتائج هذا أن نرىٰ في المقابل المتوجسين خيفة, الذين ينفرون من الاقتراب من الموضع برمته, إما علنا بمختلف الحجج, وإما خفية خوف مصادرة المشاعر العامة. وقد تحرك بعض الكتابات الحماسية والتشنجات والانتفاضات غير المسئولة التي استباحت الدماء المخاوف من المزاولات التي مارسها الحكم الثيوقراطي في أوروبا ضد المصلحين وضد المشتبه في ولائهم للكنيسة ولأهل الأديان الأخرىٰ.

ولهؤلاء وأولئك نقول : إن الفكر الإِسلامي المتعمق ليعرف أن المشاكل التي يواجهها سواء في طور التمهيد له, أو في طور الممارسة الفعلية, متشابكة ومعقدة ويؤثر بعضها في بعض ويتأثر به, كما تتبادل التأثير مع مشاكل أخرىٰ خارج الحدود.

إن تعقد المشاكل لا يرجع فقط إلىٰ تشابكها وتبادل التأثير فيما بينها, ولكن له أسباباً كثيرة متشابكة هي الأخرىٰ, وبعضها ضارب في أعماق التاريخ, ويرجع أيضاً إلىأن التعامل معها لا تنهض به جهة واحدة ـــ هي الحكومة في رأي أغلب الناس ـــ بل لابد من تعاون أكثر جهة داخلية, وتعامل صعب مع قوىٰ خارجية. إن هذه المشاكل كالربا والتأمين وغيرهما لا ينطلق التعامل معها من منطلق : الحلال بيّن والحرام بيّن, ولكن من منطلق أنها من الأمور المشتبهة التي لا يعلمها كثير من الناس.

إن الفكر الإِسلامي في اجتهاد في تناول مشكلات المجتمع لا يعتبر آراء المجتهدين نصوصاً دينية ينزلها منزلة آيات القرآن الكريم أو الصحيح من الأحاديث النبوية, فإذا أصاب اجتهادنا كان بها وإلا فإن الخطأ يقع في اجتهادنا, ونستبدل غيره به بلا حرج.

يخطيء من يظن أن تناول الفكر الإِسلامي لمشاكل المجتمع وعلاجها علاجاً إسلامياً ينطلق من يمين أو يسار, فتحكيم الأيديولوجيات المسبق خطأ منهجي, وإنما يبدأ الفكر الإِسلامي من المشكلات نفسها ليعالجها بالعلم والموضوعية ومراعاة ظروف المجتمع.

ويخطيء من يظن أن الممارسات الإِسلامية السابقة في إدارة شئون المجتمع صالحة بكل تفاصيلها وأسمائها ومسمياتها بحيث لا يحتاج الأمر إلا إلىٰ نقلها بحذافيرها من بطون الكتب وتحويلها إلىٰ قوانين.

ويخطيء من يظن أن الحلوا الإِسلامية لمشكلات المجتمع هي بالضرورة لصالح طوائف دون طوائف, أو تمهد لتسلط طوائف, فذلك أبعد ما يكون عن طبيعة الإِسلام بحيث يجد من يريده مقاومة إسلامية مرتكنة إلىٰ نصوص الدين من قرآن وسنة.

وهنا نقول إن الفكر الإِسلامي الحديث ملتزم بكل ما التزم به النبي ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ والخلفاء الراشدون من بعده إزاء المواطنين جميعاً, ومن أي جنس وأي دين, وهو في هذا يستبعد أي تفسيرات متأخرة أو مزاولات تتنافىٰ مع هذا الالتزام.

هذه إطالة علىٰ الانفتاح الإِسلامي علىٰ الثقافات, أو جولة فيه, وإشارة إلىٰ بعض مناهجه في المراحل المقبلة, ولله ولي التوفيق.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر