أبحاث

مدرسة المنار بين التحدي والاستجابة “مرحلة جماعة الإخوان المسلمين”

العدد 131

اتفق كثير من المؤرخين أن قانون التحدي والاستجابة هو أحد أهم محركات التاريخ في كافة العصور، ومن ثم من الاهمية أن نحاول أن نفهم من خلاله حركة التاريخ الإسلامي، وخاصة في القرنين التاسع عشر والعشرين،
حيث عانت الأمة الإسلامية من تحديات في كل مقدراتها السياسية والفكرية والاجتماعية، بل والعقائدية  كذلك، ويمكن اعتبار مدرسة المنار نموذجا في الاستجابة لهذه التحديات في مستوياتها المختلفة .

تشكلت الحالة الأولى للمنار في فكر الأفغاني لمواجهة حالة الاستبداد في الحكم السائد في الدولة العثمانية، ومواجهة حالة تمدد النفوذ الأجنبي في العالم الإسلامي، ثم تطورت على يد محمد عبده لتعمل على اصلاح حالة الفكر الديني بشكل عام للتحول من حالة الجمود والتخلف التي صبغت أغلب مناحي الحياة الفكرية والعقلية في المشرق، ومواجهة حالة التشكيك في قابلية الإسلام لمواجهة الغزو الفكري والتربوي والتشريعي في المنطقة الإسلامية، ثم اتجهت جهود مدرسة المنار وعلى رأسها محمد رشيد رضا لدعم اتجاهات محمد عبده وأضاف اليها دعم سبل التواصل بين العاملين للإسلام في كل مكان.

ثم تأتي مرحلة حسن البنا وجماعة الإخوان المسلمين لتفعيل كثير من أفكار مدرسة المنار  بين الناس وليس بين الصفوة، وتحويل مدرسة المنار الفكرية لحالة مدرسة شعبية، فتجذرت المدرسة في العالم الإسلامي، وتحولت لاستحقاقات تطالب بها الشعوب، ومن ثم فقد تحولت أفكار المنار من حالة رد فعل واستجابة لتحديات، لحالة فعل تمثل حالة تحدي في ذاتها لواقع يصنعه الغرب على الأرض الإسلامية .

ومن ثم تمثل سطور هذا البحث دراسة لجماعة الإخوان المسلمين كامتداد طبيعي لمدرسة المنار، وفق التحديات التي واجهتها سواء في تطوير لأفكار المؤسسين لها، أو تحديات خارجية سواء من أحوال الأمة الإسلامية، أو في تحديات وافدة، وقدرتها على الاستجابة لكل تحدي، في محاولة لتوضيح نسق الاستجابة التاريخية بما حولها من حالة رد الفعل لحالة الفعل .

أوضاع العالم الإسلامي (في الربع الأول من القرن العشرين):

منذ القرن السابع عشر تعرض العالم الإسلامي برمته للخطر الخارجي في صورة أعتى مما عرف في أي وقت مضى، فلقد عادت أوروبا مزودة بحضارة وقوة جديدة لتطوق العالم الإسلامي، وبدأ العالم الإسلامي يتهاوى ركنا بعد ركن ويتداعى بصورة غير مسبوقة([1]).

وقد بدأ الغزو الاستعماري للعالم الإسلامي بالجنوب الشرقي، فسقطت جزر الهند الشرقية (إندونيسيا) في القرن السابع عشر، وضاعت الهند ما بين القرنين السابع عشر والثامن عشر، وكذلك الملايو، ومع القرن التاسع عشر جاء دور الشمال الأفريقي ممثلا في العالم العربي، فسقطت الجزائر وتونس ومصر والسودان، وفي نفس الوقت كانت روسيا القيصرية تتوغل في الدول الإسلامية الآسيوية حتى القوقاز وتخوم إيران، ومن الجنوب كانت دول أوروبا الغربية تكتسح الدول الإفريقية الإسلامية في تكالبها المشهور([2]).

ولم تحمل السنوات الأولى من القرن العشرين خيرا للعالم الإسلامي، فقد شهدت هذه الفترة تسوية العديد من المنازعات بين الدول الاستعمارية، فكان الاتفاق الإيطالي الفرنسي في 10 يوليو 1902م، والذي كان بمثابة الضوء الأخضر لإيطاليا لتتقدم تجاه طرابلس الغرب وبرقة([3])، وتم الاتفاق الودي في 8 إبريل 1904م والذي كان أساسه تبادل مصر والمغرب وتسوية كل الخلافات الاستعمارية بين بريطانيا وفرنسا، ثم التسوية التي قامت بها بريطانيا مع روسيا في أغسطس 1907م بما يتعلق بفارس وأفغانستان والتبت([4]).

ونتيجة للاتفاقيات الاستعمارية في هذه الفترة، تضيع ليبيا ومراكش والشام والعراق، وما لم يقع في قبضة الاستعمار من العالم الإسلامي خضع لضغوطه ونفوذه، بينما تقلص الإسلام في البلقان حتى كاد ينحسر عنه تماما([5]).

ومن كشف الخسائر هذا يتضح أن العالم الإسلامي بأجمعه قد سقط تحت طرقات الاستعمار عدا شمال اليمن وقلب الجزيرة العربية، لا لأنه مهد الإسلام بقدر ما كان لفقره، وكذلك تستثني هضبتا إيران والأناضول ولو أنهما لم ينجوا من مناطق النفوذ والتقسيم، ومن هنا فقد كان التحدي بالنسبة للعالم الإسلامي مسألة حياة أو موت، وأعاد إلى الأذهان ذكرى الصليبيات، ولم يحاول الاستعمار الأوروبي من جانبه أن ينكر هذا، ابتداء من اللنبي في القدس حين أعلن أنه “الآن انتهت الحروب الصليبية”، إلى جورو في دمشق حين أطلق شماتته المعروفة “لقد عدنا يا صلاح الدين”([6])، وكان رد الفعل الطبيعي أن تلتهب الحماسة الدينية حتى تصبح النبرة الإسلامية والدعوة لوحدة المسلمين هي الشعار المضطرم في طول العالم الإسلامي وعرضه، وصار تخندق حركات التحرر والكفاح وراء خط الدفاع الأخير – وهو الإسلام- أمرًا بديهيا، لا سيما وأن الإسلام نفسه كعقيدة تعرض حينذاك لحملات غير مسبوقة من التشهير والقذف من جانب المستشرقين وغير المستشرقين([7]).

وقد كان أثر أوضاع العالم الإسلامي في نفس مؤسس جماعة الإخوان المسلمين بالغا، فيقول حسن البنا (1906-1949م)([8])، في المؤتمر الخامس لجماعة الإخوان المسلمين عام 1939 “ثم كانت في مصر وغيرها من بلدان العالم الإسلامي حوادث ألهبت نفسي وأهاجت كوامن الشجن في قلبي، ولفتت نظري إلى وجوب الجد والعمل، وسلوك طريق التكوين بعد التنبيه، والتأسيس بعد التدريس..”([9]).

ويتابع ليوضح موقف الجماعة من هذه الأوضاع فيقول “نعتقد أن كل دولة اعتدت على أوطان الإسلام دولة ظالمة لابد أن تكف عدوانها ولابد من أن يعد المسلمون أنفسهم ويعملون متساندين على التخلص من نيرها”([10]). ويطالب أفراد الجماعة في النهاية “أن تبينوه للناس، وأن تعلموهم أن الإسلام لا يرضى من أبنائه بأقل من الحرية والاستقلال فضلا عن السيادة وإعلان الجهاد، ولو كلفهم ذلك الدم والمال، فالموت خير من هذه الحياة، حياة العبودية والرق والاستذلال…”([11]).

أما مسألة سقوط الخلافة في 3 مارس عام 1924، فعلى غير المتوقع لم يكن لانهيار الدولة العثمانية وسقوط الخلافة بها أثر كبير في تأسيس الجماعة، مع أن العمل على إعادة الخلافة على رأس منهاجهم واعتبار ذلك من الواجبات الإسلامية التي يجب العمل للوصول إليها، وقد خلصنا لهذه النتيجة من المقدمات الآتية:

أولا: أن مؤسس الجماعة لم يذكر نبأ سقوط الخلافة في تركيا إلا في ثلاثة أسطر فقط في مذكراته المعروفة باسم “مذكرات الدعوة والداعية”([12])، وذلك في معرض الاستشهاد على أن ما فعله مصطفي كمال باشا من دفع الأمة التركية بعيدا عن الدين في كل مظاهر الحياة صار قدوة لغيره([13]).

ثانيًا: أن حسن البنا أورد في كتاباته عن عوامل التحلل في كيان الدولة الإسلامية، أن من أسباب هذا التحلل انتقال السلطة والرياسة إلى غير العرب من الفرس والديلم تارة والمماليك والأتراك تارة أخرى، معللا ذلك بعدم استطاعتهم فهم الإسلام والقرآن لصعوبة إدراكهم لمعانيه([14]).

ثالثا: في معرض رد حسن البنا على خطاب يسأل عن مقصد المرشد العام في المؤتمر الخامس عن الخلافة أنها حورت ثم ألغيت بمن يقصد بذلك، رد حسن البنا أنه قصد التحوير الأول منذ صارت ملكا عضوضا (أي وراثيا) وعلق على الخلافة العثمانية بقوله “أما خلافة آل عثمان فلم تكن شرعية بالمعني الكامل فكثير من الشروط كان مفقودا منها وإنما تقبلتها الأمة بحكم التغلب وسايرت الخلفاء فيها حتى لا تثار الفتنة، ومعلوم أن هناك طائفة من المؤمنين لم تسلم بحكم آل عثمان حتى في أوج سلطانها وهم أهل اليمن ولازال الحال عندهم على ذلك إلى الآن، والإخوان المسلمون حين يعلمون للخلافة يلاحظون تماما وجوب توفير الشروط التي تحفظ كرامتها ووقارها وتجعلها حكما إسلاميا حقيقيا، لا صورة تمثيلية لا غناء معها، وإن طال الزمن فلابد في النهاية من النصر”([15]).

ومن هذا التعليق نخرج بنتيجتين:

1-  أن حسن البنا لم يكن يري في الخلافة العثمانية الخلافة الشرعية، والدارس لكتاباته سوف يجد أنه لم يذكر كلمة الخلافة مقرونة بالدولة العثمانية، إلا في هذا التعليق فقط، وكان يعبر عنها دائما بالدولة العثمانية.

2-  إيمان حسن البنا بأن الخلافة يجب أن تكون على النمط الأول من القوة، بمعنى أنه كان يتجه ببصره دائما للخلفاء الراشدين كنموذج أمثل للخلافة ولا يتعداهم إلا للخليفة الراشد عمر ابن عبد العزيز([16]).

اليقظة الإسلامية:

لكي نتحدث عن اليقظة الإسلامية، لا بد أن نتعرف على الغفلة الإسلامية.. متى.. وكيف.. ولماذا..؟ وبهذا تتضح الصورة، ولكن هذا الحديث سوف يأخذ السياق بعيدا عن هدفه، لذا فاستعارة عبارات أحد المفكرين حول هذا الأمر مقارنا بين حال الأمة الإسلامية وأوروبا قبيل مطلع القرون الحديثة قد يبرز الصورة أمامنا، يقول “وبدأ الميزان يشول فارتفعت إحدى الكفتين شيئا ما، وانخفضت الأخرى شيئا ما، ارتفعت كفة أوربا بهذه اليقظة الهائلة الشاملة التي أحدثتها الهزائم القديمة والحديثة، وانخفضت كافة المسلمين بهذه الغفلة الهائلة الشاملة التي أحدثها الغرور بالنصر القديم وبالنصر الحديث وفتح القسطنطينية، وكذلك شال الميزان وكانت فرحة محسوسة في جانب، وكانت غفلة لا تحس من جانب، تاريخ طويل مضى وغاب وتاريخ طويل سوف يأتي، ثم لا يعلم إلا الله متى يكون غيابه”([17]). ثم يعرض لتطور الأوضاع وتقدم الأوروبيين ويعلق على الوضع بقوله: “صارت أوروبا قوة تمدها فتوح العالم الجديد بما يزيدها بأسا وصرامة.. ولا أقول شال الميزان، بل أقول بطل عمل الميزان، وصار في الأرض عالمان: عالم في دار الإسلام مفتحة عيونهم نيام، يتاخم من أوروبا عالما أيقاظًا عيونهم لا تنام”([18]).

إذن كان العالم الإسلامي في غفلته عندما تعرض لطرقات الاستعمار الأوروبي، وكان على اليقظة ألا تواجه جيوشا وأسلحة فحسب، بل تواجه أيضًا علما متطورا وفكرا جديدا، وأساليب حديثة في شتى نواحي الحياة، فكان أن تحول العالم الإسلامي خلال القرن التاسع عشر إلى خلية عارمة تذخر بالحركات الدينية والتيارات السياسية، تضع الضغط والتأكيد على الوحدة الإسلامية الكبرى أساسا، وتتخذ بوصلتها ماضي الإسلام البطولي، وتمحورت الحركات حول تيارين أحدهما هو العمل الديني – السياسي، والآخر الفكر الديني – السياسي([19]).

كانت ثقافة مؤسس جماعة الإخوان من الاتساع بحيث تابعت أكثر ما كتبه أصحاب الفكر الديني السياسي ومخالفوهم، وأغلب ما كتب عن العمل الديني – السياسي – أو بعبارة أخرى ما اصطلح على تسميته بالحركات الإصلاحية في العالم الإسلامي سواء ما كتبه أنصارها أو أعداؤها([20])، فإذا أضفنا مساحة ممارساته العملية قبل تأسيس الجماعة، يمكن بذلك أن تتحدد المؤثرات الفكرية في نشأة الجماعة فيما يلي:

1-    الصوفية.

2-    السلفية.

3-    الجامعة الإسلامية.

وبطبيعة الحال فإن المؤسس كان تأثره انتقائيا لحد كبير بالإضافة إلى أن هذه المؤثرات لم تكن ذات شكل واحد، أو بعد واحد، فقد كان احتكاك حسن البنا ببعض أشكالها أكثر من غيرها مما جعلها صاحبة التأثير الأكبر على الرجل، فمثلا كان تأثره بالصوفية من خلال اتصاله بالطريقة الحصافية([21])، وهي طريقة التزمت الحدود الشرعية إلى حد كبير، وكان أبرز سمات مؤسسها إنكاره على مشايخه ومعاصريه كثير من سلوكيات الطرق الصوفية، وكذلك التزامه بمنهج الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهكذا كان الأمر بالنسبة للسلفية ولدعوة الجامعة الإسلامية، وكان هناك من استطاع أن يمزج هذه الثلاثة وينتشر في كثير من بقاع العالم الإسلامي، مثل الحركة السنوسية([22])، التي نجحت في تحقيق انتشار واسع على امتداد المنطقة من الغرب حتى الجزيرة العربية، وقد كان للحركة بمصر أكثر من خمس عشرة زاوية، منها إثنتان بمحافظة البحيرة التي بها مسقط رأس حسن البنا([23])، وقد سلكت الطريقة السنوسية أسلوب الإصلاح التدريجي ومهادنة القوى المناوئة إلى أن يتم استجماع أسباب القوة التي تؤهل للنصر عند حدوث الصدام، وهذا ما ظهر بعد ذلك في سياسات جماعات الإخوان في المجتمع المصري، وكذلك نرى أن السنوسية اعتمدت المنهجية التي تعتمد الإحياء الروحي والأخلاقي للمسلمين قبل الدخول إلى ساحة الجهاد السياسي والعسكري، وهو ذات المنهاج الذي سارت عليه جماعة الإخوان([24]).

ونستطيع أن نلاحظ المؤثرات- السالفة الذكر- في مناهج الجماعة بصورة واضحة إذا ما استعرضنا رسائل وكلمات المؤسس المعتمدة في مناهج الجماعة فنجد:

أولا- الصوفية:

اجتزأ مؤسس الجماعة من الصوفية جانب التربية والسلوك، وابتعد بجماعة الإخوان عن الجانب الفلسفي جملة وتفصيلاً وعن كثير من أشكال الممارسة الاجتماعية للطرق الصوفية، وكان له رأي أعلنه على صفحات جرائد ومجلات الإخوان (وهذا له تفصيل في غير هذه السطور)، ولأن البنا نفسه تشبع بالصوفية ثقافة وممارسة خلال فترة من حياته، أقرت مناهج الجماعة أساليب الصوفية في التربية الروحية، فكانت الأوراد اليومية الجماعية الثابتة وتقررت رسالة المأثورات لهذا الغرض، كما تقررت أوراد قرآنية للأفراد، سواء استماع أو حفظ أو تلاوة([25])، وكذلك تقرير نظام الاعتكاف ليلة في الأسبوع بنظام محدد، وقد كان الإخوان يطلقون عليه اسم “نظام الكتائب”([26])، وكان “نظام الأسر” بكل تفاصيله يخدم بالدرجة الأولى الناحية الروحية والإيمانية بالإضافة لما يضفيه من جو عام بالترابط بين الأفراد([27])، وقد عبر حسن البنا عن الصوفية في النسيج الإخواني باسم “الحقيقة الصوفية” قائلا “لأنهم يعلمون أن أساس الخير طهارة النفس، ونقاء القلب، والمواظبة على العمل، والإعراض عن الخلق، والحب في الله، والارتباط على الخير”([28])، هذا بالإضافة إلى ما اكتسبه حسن البنا من خلالها من مقدرة على الانتشار بين التجمعات المختلفة في مختلف الأوساط الاجتماعية سواء في الريف أو المدن([29])، ولكن الأمر لم يتوقف عند حد الاجتزاء بل أضاف إليه أمرا جديدًا مزجه بالتربية الروحية وكان له أكبر الأثر على مسيرة الجماعة، وهو العسكرية، فظهر للوجود ما نستطيع أن نطلق عليه الصوفية العسكرية والعسكرية الصوفية، وكان هذا المزيج من نصيب أفراد مخصوصين جمعهم ما يسمى “بالنظام الخاص”، فنجده يقول في رسالة التعاليم في معرض عرض مراحل الجماعة “التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة في هذه المرحلة – صوفي بحت من الناحية الروحية، وعسكري بحت من الناحية العملية، وشعار هاتين الناحتين دائما “أمر وطاعة” من غير تردد ولا مراجعة ولا شك ولا حرج”([30]). ويؤكد على مسألة الطاعة والدعوة فيها (أي في هذه المرحلة) خاصة لا يتصل بها إلا من استعد استعدادًا حقيقيا لتحمل أعباء جهاد طويل المدى كثير التبعات وأول بوادر هذا الاستعداد كمال الطاعة”([31]).

ثم يتعرض للمرحلة الأخيرة “التنفيذ: والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل في سبيل الوصول إلى الغاية، وامتحان وابتلاء لا يصبر عليهما إلا الصادقون، ولا يكفل النجاح في هذه المرحلة إلا “كمال الطاعة” كذلك([32])، وقد كان لهذا الرباط آثار مختلفة سواء في سياسة الإخوان مع غيرهم، أو بين الإخوان أنفسهم وخاصة بعد اختفاء حسن البنا من مسرح الأحداث([33]).

ثانيا – السلفية:

قد كان احتكاك حسن البنا مع السلفية عن طريقين، أولهما القراءة والاطلاع للإنتاج الفكري لرموزها في العصر الحديث، وعلى رأسهم محمد بن عبد الوهاب (1703- 1791م)([34])، ثانيها احتكاكه المباشر بأصحاب الفكر السلفي في مصر من أمثال محب الدين الخطيب، ومحمد رشيد رضا وغيرهم، وقد صاغ حسن البنا السلفية بالطريقة التي تلين بعض مواقفها المتشددة، خاصة فيما يتعلق بترتيب العبادات المطلقة مثل الأذكار والأدعية المأثورة أو زيارة قبور الصالحين أمثال الحسين والسيدة زينب التي استمر في زيارتها([35])، بل كان يحتفل في الفترة المبكرة للجماعة، مثل الصوفية، بالمولد الحسيني([36])، والخروج في المولد النبوي من السيدة زينب في موكب([37]).

وقد صاغ حسن البنا سلفية الإخوان بهذه العبارة “دعوة سلفية: لأنهم يدعون إلى العودة بالإسلام إلى معينه الصافي من كتاب الله وسنة رسوله”([38]).ويفصل في معالجة أمور العقيدة وما يتعلق بمشروعية زيارة القبور مع عدم الاستعانة بالمقبورين أو النذر لهم، ويحض على مقاومة البدع سواء من تشييد القبور وسترها وإضاءتها والحلف بها، أو من إدعاء معروفة الغيب والتمائم والودع والرمل وكافة ما كان من هذا الباب، ولكن بشرط ألا يتسبب إنكار منكر إلى شر أكبر منه([39])، وكذلك يذهب في قضايا التوحيد إلى مذهب السلف وإن كان لم يحمل على مخالفيهم مثل غيره([40])، ومع ذلك حاول البنا الهجرة للجزيرة العربية وكان ذلك عقب تخرجه من دار العلوم، وفكر مرة ثانية بعد تكوين الجماعة([41]).

ثالثا: الجامعة الإسلامية:

ارتبطت فكرة الجامعة الإسلامية في العصر الحديث، برجل واحد، هو جمال الدين الأفغاني([42]) (1839-1879) خاصة في مصر حيث كان تلميذه ووريثه الفكري الشيخ محمد عبده([43]) (1849-1905)، وإن كان نحي بها نحوا مختلفا، ولكنه كان اختلاف الأسلوب لا اختلاف الغاية أو الهدف، وكان احتكاك حسن البنا مع هذا التيار من خلال ثلاثة طرق أولا: والده الذي اتصل برجال العروة الوثقى([44])، منذ شبابه في الإسكندرية أثناء تلقيه العلم وعمله في إصلاح الساعات مع أحد رجالها، ثانيا: من خلال مطالعاته لفكر هذا التيار وكتابات مؤيديه الصحفية، ومن خلال الكتب، وكذلك كتابات مخالفيهم، ثالثا: كان الاتصال المباشر برموز هذا التيار، وعلى رأسهم تلميذ الشيخ محمد عبده وكاتب سيرته، الشيخ محمد رشيد رضا([45]) (1865-1935م)، والذي كان له اتصال وثيق بحسن البنا قبل وبعد تأسيسه لجماعة الإخوان([46])، وقد تبني حسن البنا سياسة وسطا بين طريقة محمد عبده والأفغاني في العمل في البداية، ثم رسم للإخوان طريقتهم الخاصة في العمل للوصول لهذا الهدف، فكان الأفغاني يؤثر العمل السياسي والعمل على إصلاح النظم السياسية، أما محمد عبده فقد اتجه إلى تربية الأفراد على أساس أنهم يستطيعون إصلاح حال الأمة إذا ما أحسن تنشأتهم([47])، وقد صاغ حسن البنا هذه الفكرة في منهاج الجماعة بشكل توافقي بحيث لا يوقف أحد الأمرين الآخر، فيجعل نقطة البدء تكوين الأفراد وتنشأتهم تنشأة إسلامية على معنى الإسلام الشامل لجميع نواحي الحياة، وينتهي بالخلافة الإسلامية التي تجمع تحت سلطانها جميع أراضي الدولة الإسلامية السابقة، وقسم الأمر إلى مراحل يقوم بها الأفراد بأنفسهم لأنفسهم وللجماعة، وأخرى يقوم بها الأفراد مجتمعين تحت راية الجماعة، فجعل إصلاح الفرد نفسه واجبا على الفرد في ظل برامج الجماعة، وكذلك تكوين البيت المسلم ثم جعل إرشاد المجتمع وتحرير الوطن وإصلاح الحكومة حتى تكون إسلامية تجب على الفرد وعلى الجماعة، وكذلك إعادة الكيان الدولي للأمة الإسلامية والوصول لأستاذية العالم بنشر دعوة الإسلام فيه واجب الجماعة متحدة وكل فرد فيها باعتباره عضوا في الجماعة([48])،ومراحل الجماعة في الوصول إلى هذه الأهداف هي التعريف، بمعني نشر مبادئ الإخوان بين الناس، ثم التكوين: باصطفاء الأفراد للقيام بأمر الدعوة وتربيتهم وتكوينهم وفقا للأهداف السابقة ثم التنفيذ وهو عمل الجماعة على تحقيق الأهداف المنوطة بالجماعة بالشكل المذكور آنفا([49]).

يأتي رأي حسن البنا المقرر في فكر الجماعة واضحا في هذا الشأن حيث يقول: “فالإسلام والحالة هذه لا يعترف بالحدود الجغرافية ولا يعتبر الفوارق الجنسية الدموية، ويعتبر المسلمين جميعا أمة واحدة، ويعتبر الوطن الإسلامي وطنا واحدا مهما تباعدت أقطاره وتناءت حدوده، وكذلك الإخوان المسلمون يقدسون هذه الوحدة ويؤمنون بهذه الجامعة”([50]). ويقرر أن الرابط السياسي لهذه الجامعة هو الخلافة ولكن لابد أن يسبقها ترتيبات من تعاون تام ثقافي واجتماعي واقتصادي بين الشعوب الإسلامية كلها، يلي ذلك تكوين الأحلاف والمعاهدات وعقد المجامع والمؤتمرات بين هذه البلاد([51])، ثم بعد هذا التمهيد تكون الخطوة النهائية” ثم يلي ذلك تكوين عصبة الأمم الإسلامية، حتى إذا تم ذلك للمسلمين نتج عنه الاجتماع على “الإمام” الذي هو واسطة العقد، ومجتمع الشمل، ومهوى الأفئدة، وظل الله في الأرض”([52]).

أثر انتشار المظاهر الغربية في المجتمع المصري:

انتشار الفكر الغربي:

كان تدفق الأفكار الغربية إلى الثقافة والفكر السائد في مصر موجَها إلى حد كبير في الفترة الأولى من نشاط حركة الاقتباس عن الغرب، وهي فترة محمد علي (1805-1848م)، وقد بدأت بالتركيز على النظم العسكرية والعلوم التطبيقية بصورة أساسية، ولكن تدريجيا نشطت حركة الترجمة التي عملت على نقل أفكار المجتمع الغربي بالشكل الذي أوضحها وفسرها الأوروبيون ذاتهم([53])، وكذلك كان انتقال بعض الشوام إلى مصر واستحداثهم لأساليب مثل الصحافة الحرة والمسرح وغيرها في نقل أفكار الغرب ونقد الأوضاع القائمة أثره الفعال في العقلية المصرية([54])، وقد سارت مسيرة التغيير بشكل توفيقي دون صدام لفترة ولكن اختلطت المسألة مع وقوع مصر تحت نير الاحتلال البريطاني، فكان الاختلاط بين التوفيق الفكري، وبين الحس الوطني ومقاومة العدوان الأجنبي، بحيث أن ناتج هذه المؤثرات مس كلا الشكلين، لذا عانت الحياة الفكرية في مصر من وجود تيارين أحدهما يصر على الحفاظ على الشكل التراثي رافضا للعدوان الغربي فكريا وعسكريا، وآخر ارتبط بالفكر الغربي ورأي أن العقلية التقليدية هي سبب الوقوع في قبضة الاحتلال، لذا رأى نبذها واستبدال العقلية الغربية المنتصرة بها([55]).

فتحت مصر أبوابها للفكر الغربي بعد أن تأسست الجامعة المصرية عام (1908) وذلك من خلال مدرسيها الأجانب والمناهج الغربية التي تدرس فيها([56])، وبذلك ازدهرت الثقافة المصرية التي عرفت تشارلز داروين، ونيتشه، وأوجست كونت، والقصاصين الروس، ودعاة المذهب النفعي، وكذلك فرويد وجوستاف لوبون من مفكري فرنسا المعاصرين فضلا عن قدمائهم من أمثال روسووفولتير ومونتيسيكو، وكان الممثلون لهذا الفكر الجديد في مصر أحمد فتحي زغلول، وأحمد لطفي السيد، ثم من بعدهم توفيق الحكيم وطه حسين وعباس العقاد([57]).

وكانت ثورة 1919م، وما تبعها من أحداث انتهت بصدور دستور 1923م، من خلال لجنة الثلاثية([58])، وما استقر من نظام سياسي من مجالس نيابية ونظام انتخاب وأحزاب بداية لفترة تاريخية جديدة، كما أنها كانت إعلانا لانتقال النظام السياسي قلبا وقالبا للشكل المقرر في الغرب([59])، وكان ذلك بعد أن انتقل كل من النظام العام للتعليم ومناهجه([60])، والنظام القانوني أيضًا للشكل المستقر في الفكر الأوروبي الغربي([61]).

وبدا واضحا أن مصادر جديدة للوعي تكونت واستقرت، فأصبح المصري يتلقى ثقافته من نظام تعليمي لا يرتبط بالشكل الديني مثلما كان في السابق، وصارت الصحافة تقدم له الوجه السياسي للأمة، وهي تعرض المشاكل والحلول في الأغلب من منظور لا يرتبط بالدين من قريب أو بعيد، وظهر زعماء يدين لهم المصري أينما كان بالولاء، هؤلاء الزعماء ارتبطوا بالفكر الأوروبي وأصبح سعيهم يتجه إلى تمثل القيم والأساليب الأوروبية بشكل واضح([62]).

على الرغم من انسحاب الفكر الإسلامي من الساحة المصرية، والمد المستمر للفكر الغربي، لم يكن هناك صدام واضح على السطح، لكن أنصار الفكر الغربي بدءوا يتحولون إلى مهاجمة “الإسلامي” بشكل سافر، سواء في نظمه أو عقائده، على الرغم من أن هذه الأمور صارت حبيسة سطور الكتب ولا تمثل أكثر من أمور دراسية أزهرية بالنسبة لواقع الحال في المجتمع المصري، ومن ثم لم يجد أصحاب التيار الإسلامي وعلى رأسهم الأزهر مناصا من الدفاع إن لم يكن عن الإسلام فليكن عن أرزاقهم ومكانتهم الاجتماعية([63])، فكان كتاب “اليوم والغد” لسلامة موسى وكتاب “الخلافة وسلطة الأمة” الذي ترجمه عن التركية متصرف اللاذقية السابق عبد الغني سني، ثم كان كتاب الشيخ علي عبد الرازق، “الإسلام وأصول الحكم” وهو محور معركة مازالت أحبار المطابع تسيل فيها حتى الآن، وكذلك كتاب طه حسين “في الشعر الجاهلي” الذي كان محاضرات ألقاها على طلبة السنة الأولى في كلية الآداب خلال عام دراسي سابق على تاريخ صدوره في عام 1926م([64])، وهكذا بدا واضحا لأصحاب الاتجاه الإسلامي أن عملية التحول غير مقصود بها تطوير نظم حديثة بقديمة أو فتح آفاق جديدة للمجتمع من خلال استحداث أو بالأدق استبدال أساليب الإدارة والحكم والتعليم التي صارت غير قادرة على الاستجابة للمتغيرات الجديدة المطلوبة زرعها في المجتمع، بل صار المطلوب –سواء بوعي أو بلا وعي- القضاء على تراث الأمة وعقيدتها.

وإزاء هذه الصورة كان حسن البنا من الشباب الذين اصطدموا بما أسماه “مظاهر التحلل والبعد عن الأخلاق الإسلامية” وكذلك “ما كان ينشر في بعض الجرائد من أمور تتنافى مع التعاليم الإسلامية ومن جهل بين العامة بأحكام الدين”([65])، ثم يصف حالة التحلل الفكري التي أصابت المجتمع القاهري بعد الحرب العالمية الأولى “اشتد تيار موجه نحو التحلل في النفوس وفي الآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي فكانت موجة إلحاد وإباحية قوية جارفة طاغية لا يثبت أمامها شيء”([66]). وعن الجامعة المصرية يقول “وكان للبحث الجامعي والحياة الجامعية حينذاك في رؤوس الكثيرين صورة غريبة، مضمونها أن الجامعة لن تكون جامعة علمانية إلا إذا ثارت على الدين وحاربت التقاليد الاجتماعية المستمدة منه، واندفعت وراء التفكير المادي المنقول عن الغرب بحذافيره وعرف أساتذتها وطلابها بالتحلل والإنطلاق من كل القيود”([67])، ويصف الحالة الفكرية “وظهرت كتب وجرائد ومجلات كل ما فيها ينضح بهذا التفكير الذي لا هدف له إلا إضعاف أثر أي دين أو القضاء عليه في نفوس الشعب لينعم بالحرية الحقيقية فكريا وعمليا في زعم هؤلاء الكتاب والمؤلفين وجهزت “صالونات” في كثير من الدور الكبيرة الخاصة في القاهرة يتطارح فيها زوارها مثل هذه الأفكار، ويعملون بعد ذلك على نشرها في الشباب في مختلف الأوساط”([68])، وكان لا بد من رد من جانب المعسكر الإسلامي على حد تعبيره، ونفث بهذا الهم لبعض من كان يتردد عليهم من أمثال محب الدين الخطيب والشيخ الدجوي ومازال بهم حتى توصلوا لإصدار مجلة “الفتح” الإسلامية([69])، وإن كان حسن البنا لم ير في ذلك أمرًا شافيا فكان تحركه هو بعد قليل لتكوين جماعة “الإخوان المسلمون”.

المظاهر الغربية في الجانب الاجتماعي:

تغير وجه مصر من الناحية الاجتماعية خلال القرن التاسع عشر والربع الأول من القرن العشرين تغيرا جذريا، فمنذ الصدمة التي تلقاها النظام الاجتماعي على يد الحملة الفرنسية حيث كان قبلها نظاما  مستقرًا في شكله تسيطر عليه صفوة عسكرية ممثلة في المماليك([70])، بدأ هذا الشكل في الزوال تدريجيا مع قيام محمد علي بمذبحة القلعة، ثم استيلائه على الأوقاف المخصصة للمشايخ وترتيب رواتب لهم، وإنشائه التعليم المدني بجوار التعليم الأزهري، وإدخاله المشروعات الصناعية الكبيرة، فأوجد طبقة العمال بجوار الفلاحين وطوائف الحرفيين في الشكل القديم([71])، وكانت حركة التمصير لكافة مؤسسات الدولة من الجيش إلى الوظائف الرئاسية بالمحليات حتى وصل المصريون لمنصب مديري المديريات، وكذلك توليهم القضاء منذ عام 1855م([72])، ودخول الأقباط إلى نسيج المجتمع دون تمايز عن سائر أفراد، فكان إسقاط الجزية عن أتباع الأديان الأخرى عام 1855، وتدريجيا بدأ دخولهم إلى كافة المؤسسات، فدخلوا الجيش وتولوا القضاء ودخلوا إلى المجالس النيابية، وإقرار قبول أبنائهم بالمدارس الأميرية، وتوافق ذلك مع التوسع في إرسالهم بالبعثات العلمية بشكل أوسع من ذي قبل([73])، كان لهذه المتغيرات المتتابعة أثرها في إعادة تشكيل المجتمع، سواء من حيث طبقاته أو علاقاته الاجتماعية بشكل لم يحدث بمصر منذ عدة قرون.

ثم تعرضت مصر بعد الحرب العالمية الأولى لمؤثرات ذات تأثير مباشر على تقاليد المجتمع، فقد وفدت مع الجيوش الأجنبية مجموعات غير قليلة من أجناس أخرى تخصصت في الترفيه عن الجنود، وباسم الترفيه انتشرت بارات الخمر ونوادي القمار ودور البغاء، وبعد أن وضعت الحرب أوزارها ورحل الجنود الأجانب، استمرت وسائل الترفيه منتشرة في أنحاء مصر تعمل عملها بين طبقات المجتمع المصري وذلك لاختفاء العنصر الذي قامت من أجله([74]).

ومن جانب آخر جذبت هذه الجيوش عددًا كبيرا من الفلاحين للعمل معهم في المدن، فحدث نوع من الهجرة الداخلية للعمل بصورة أو بأخرى مع هذه الجيوش، ومع انتهاء الحرب تحول قدر غير قليل منهم إلى نطاق العمل فاتسعت بالتالي الطبقة العمالية، وعاد البعض للريف، ولكن كانوا جميعا قد تأثروا بالجنود الأجانب وأساليبهم في الترفيه عن أنفسهم، فنقلوه بدورهم لمن انضموا إليهم سواء من العمال أو الفلاحين.

وعلى مستوى الطبقة الثرية (الأعيان)، كان الاتجاه لمحاكاة المجتمعات الأوروبية، من الاختلاط بين الجنسين والاحتفال برأس السنة الميلادية، واتباع الأساليب الغربية في المأكل والملبس وحتى في معاملة كل جنس للجنس الآخر، وصار من لا يتقن هذه الأساليب متهم بالتخلف والرجعية([75])، ودعم ذلك بدء رسوخ قدم السينما المصرية التي شجعت هذا الاتجاه ورسخته في المجتمع بسبب الإقبال الجماهيري عليها([76]).

وعبّر حسن البنا عن هذه المتغيرات بقوله “وفي هذه الفترة التي قضيتها بالقاهرة اشتد تيار موجة التحلل في النفوس والآراء والأفكار باسم التحرر العقلي، ثم في المسالك والأخلاق والأعمال باسم التحرر الشخصي، فكانت موجة إلحاد وإباحية قوية جارفة طاغية…”([77]).

وفي هذا الإطار تجدر الإشارة إلى بحث للشيخ على عبد الرازق وهو محاضرة ألقاها الشيخ في الجامعة الأمريكية عام 1932م، والبحث بعنوان “الدين وأثره في حضارة مصر الحديثة” ويذكر في مقدمة بحثه أنه “ربما كانت الحضارة المصرية الحديثة متصلة بالحضارة المصرية القديمة ودينها إلى حد ما، وبالحضارة الأوروبية الحديثة ودينها كذلك، وربما تكون متأثرة بأديان ومبادئ أخرى، ولكنها على كل حال ترجع في آخر أمرها إسلامية وتخلص مصرية لا ينبغي أن تكون إلا كذلك، أن تعتبر حضارة مصرية إسلامية..”([78]). وهو يقسم بحثه إلى ثلاثة محاور هي:

1-    هل الحياة الدينية تتغير في مصر وتتطور.

2-    وإذا كانت تتطور وتتغير فما هي الأسباب التي تؤثر في ذلك.

3-    ما هي طبيعة هذه التغيرات ومدى أثرها ومقدار خطرها([79]).

ويخلص في المحور الأول إلى أن قبول الأجيال الجديدة لمظاهر مثل الخمارات والمراقص والسينما وغيرها مما ينافي الإسلام وقد كان الآباء يرفضونها لتعارضها مع الإسلام دليلا على تطور أثر الدين على المجتمع([80]). وفي المحور الثاني يذكر أن الغزو الغربي للشرق وتفوق الغرب في العلم والقوة جعله يسعى لبسط سلطانه على الشرق، والشرق أصبح مولع باتباع الغرب لأن الضعيف ينظر إلى القوى ويتأسى به، ومظاهر ذلك في مصر متعددة فمثلا “مصر جرت منذ العصور الأولى على أن يكون الحكم فيها شرعيا يرجع إلى أحكام الإسلام والأوضاع الإسلامية وكان المصريون يفزعون من أن يحتكموا إلى غير قوانين الإسلام، لأن الحكم بغير ما أنزل الله كفر صريح في القرآن، ولكن القوانين قد أصبحت تؤخذ أحيانا من قوانين أوروبا ولا يري المصريون حرجا في أن يحتكموا إليها..”([81]). وينتهي في محوره الأخير إلى أن الإسلام قوى في ذاته، وأنه مهما كانت التغيرات فلن يتأثر الإسلام في جوهره، بل إن بعضها قد أنقذه مما كان يشوبه، وينهي البحث بقوله: “إن الحضارة الحديثة في مصر تهيئ المستقبل القريب الباسم لدين الفكر الحر، ودين الحكم العادل، ودين العلم الصحيح، ودين الحرية والمساواة، دين الإسلام”([82]). والباحث يعتقد في هذا البحث بعمومه وفي عبارته الأخيرة بصورة خاصة مذهبا يخالف ما ذهب إليه الشيخ في كتابه “الإسلام وأصول الحكم”.

وقد كان احتكاك حسن البنا مع البعثات التبشيرية مبكرا في حياته، فقد نزلت إحدى هذه البعثات ببلدته المحمودية واستقرت بها، وعملت على التبشير بالمسيحية في ظل التطبيب وتعليم التطريز وإيواء الصبية من بنين وبنات، وقد كوّن البنا مع آخرين جمعية الحصافية الخيرية “لتعمل على مكافحتها وإبطال دعواها إلى المسيحية([83])” ومما لا شك فيه أن البنا قد استفاد من طريقتهم فيما بعد عندما أسس فروعا لجماعته، فكانت تعمل في أنشطة مماثلة وتلجأ لأساليب قريبة منهم، وقد كان للجماعة دور في مكافحة هذه الإرساليات بطرق مختلفة، ولكن لم يكن منها على أي حال العنف.

عملت العوامل السابقة كتحديات تعمل على إيقاظ وتنشيط أصحاب التيار الإسلامي بصورة عامة في مصر، فكانت الاستجابة ممثلة في الجمعيات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين([84])، والمجلات الإسلامية مثل مجلة الفتح، وتحول كتابات بعض المفكرين للكتابة الإسلامية مثل محمد حسين هيكل، ولكن يضاف للعوامل المذكورة بالنسبة لجماعة الإخوان عوامل خاصة بمؤسس الجماعة،ولدراسة استجابة الجماعة للتحديات السابق ذكرها،لابد من دراسة استجابة مؤسسها لها، وذلك من حيث أن قيام الجماعة ومسيرتها في مراحلها الأولى ارتبطت به شخصيا، ومن ثم فلا مناص – في ظل واحدية التأسيس والقيادة والتوجيه- أن تدرس المؤثرات التي انفرد بها الرجل، ودفعت به للقيام بهذا العمل، والسير به في خصوصية وتميز عن سائر التجمعات المعروفة في هذا الوقت.

ومن جانب آخر، إن وصف البناء الفكري لجماعة الإخوان المسلمين بشكل نظري أو طرح محدد المعالم من خلال كتاباتهم وحسب، يكون في ظن الباحث شكلا غير دقيق من أشكال التوصيف، والبحث وراء الممارسات المختلفة للجماعة سواء في الجوانب الاجتماعية أو الاقتصادية أو السياسية، قد لا يصل بالبحث إلى الحقيقة، لما قد يعترى هذه الممارسات من مناورات هي من ضرورات السياسة، أو الاصطدام بأشكال قانونية تضطر لأن تتلبسها حتى ترى النور، أو الإحجام لعدم وجود فرصة مواتية، وهذا لأن الجماعة لم ترتض لنفسها منذ البداية أن تكون جماعة فكرية، فتتفرغ للتنظير الفكري، كما لم تقنع بأن تنفذ أفكار الآخرين دون أن تضعها في إطارها الخاص بها، والإصرار على خاصية التميز الفكري والحركي عما عداها، لذا وجب البحث فيهما معا بما يحقق ما يمكن من مصداقية التوصيف.

أولا: الإطار المرجعي لفكر جماعة الإخوان المسلمين:

يكاد يجمع كل من كتب عن الجماعة على وصفها أنها “حركة إسلامية” وهذا هو الوصف الذي حرصت الجماعة على ترسيخه حتى صار مسلمة بديهية عند الأكثر الأعم من الباحثين، وقد كان هذا الوصف الذي أصر عليه مؤسس الجماعة في كتاباته، وكذلك كتابها ومفكروها، وإن الباحث لن يخرج عن هذا الخط، وإن كان يبقى تعريف بمضمون هذا الوصف الذي ميزهم عن غيرهم.

يصف حسن البنا دعوة الإخوان بقوله “دعوتنا دعوة أجمع ما توصف به أنها إسلامية”([85])، وهذا ما تم إقراره في قانونها ونظامها الأساسي في مختلف المراحل، فنرى في بيان جماعة الإخوان عام 1937م تحت عنوان نظام الجمعية: “ولجمعية الإخوان المسلمين نظام إداري خاص بها أقرب ما يشبه به أنه مدرسة شعبية عامة منهجها كتاب الله ومبادئ الإسلام الصحيح”([86])، وكذلك القانون الأساسي للجماعة والذي تم إقراره بصورة نهائية في 21 مايو 1948م، وفيه “مادة (2) – الإخوان المسلمون هيئة إسلامية جامعة تعمل لتحقيق الأغراض التي جاء من أجلها الإسلام الحنيف”([87]). وتأكيدًا لهذا المبدأ طالب أحد مفكرى الجماعة كل من يتهم الإخوان، أن يحاسب الجماعة في ضوء الإسلام، فحيث خالفت الإسلام في شيء وجب عليها التوبة([88]). ولكن ما هو مفهوم الإسلام الذي تريد أن تتحاكم إليه الجماعة؟ لم يترك مؤسس الجماعة مناسبة إلا وأكد فيها هذا المفهوم، فإنه يشرح ذلك بقوله “نعتقد أن الإسلام معنى شامل ينتظم شؤون الحياة جميعا، ويفتي في كل شأن منها ويضع له نظاما محكما دقيقًا”([89])، ويوجه اللوم لهؤلاء الذين تمسكوا بجزء من الإسلام وصوروه على أنه الدين كله، أو نصوا على الاحتراز من جانب من جوانبه، مثل الطرق الصوفية والجمعيات الإسلامية مثل جمعية الشبان المسلمين، التي نصت مع غيرها من الجمعيات الإسلامية على أنه لا شأن لهم بالسياسة([90])، بل إن حسن البنا لجأ إلى تعبير “إسلام الإخوان المسلمين” وذلك ليضع إطاره الذي يميزه عن الجمعيات الأخرى، والطرق الصوفية، وغيرهم من أنصار المجتزئين من الإسلام أو المضيفين إليه ما ليس منه([91])، ويضعه في صدر مبادئه التي يلتزم بها أعضاء الجماعة، وأول بند في ركن الفهم في رسالة التعاليم([92])، خلاصته هو الأخذ بالإسلام كله دون اجتزاء أو احتراز.

ولكن ما هي المصادر التي اعتمدتها الجماعة؟ وبالتالي ما هو موقفها من التراث الفكري والفقهي للمسلمين؟ سارت الجماعة في مسألة المصادر على عادة الحركات الإصلاحية في النظر مباشرة إلى الأصول الأولى([93])، فكان القرآن الكريم  للجماعة هو الكتاب الجامع، جمع الله فيه أصول العقائد وأسس المصالح الاجتماعية، وكليات الشرائع الدنيوية([94])، ويفهم القرآن الكريم  طبقا لقواعد اللغة العربية من غير تكلف ولا تعسف([95])، ثم سنة رسول الله r فهي مبينة الكتاب وشارحته، ويرجع في فهم السنة النبوية إلى رجال الحديث الثقات([96]).

أما التراث الفكري والفقهي، فقد تحفظت تجاهه، ففي مجال النظم الإسلامية اعتبرتها آراء تحمل لون العصور التي أوجدتها والشعوب التي عاصرتها([97])، لذا وجب على الأمة أن تعود في فهم الإسلام إلى فهم الصحابة والتابعين الأوائل، وأن تقف الأمة عند هذه الحدود حتى لا تقيد الأمة نفسها بغير ما يقيدها الله به، وتلتزم لون عصر لا يتفق مع عصرنا([98])، وعلى هذا الوجه فإن الإخوان يرون أن الإسلام كدين جاء لكل الشعوب والأزمان، جاء أكمل وأسمى من أن يعرض لجزئيات هذه الحياة وخصوصا في تفريعات الحياة الدنيوية البحتة، إنما يضع القواعد الكلية لكل شأن من الشؤون([99])، أما بالنسبة للأفراد، فإن الجماعة تدعو إلى فتح باب النظر في أدلة الأحكام لمن توفرت فيه القدرة العلمية، وهي بذلك تنادي بالاجتهاد ولكن بشروطه المعتبرة عند أهل التخصص([100])، وحتى لا تقع الأمة في الفوضى الفقهية ألزمت كل من ليس له قدرة الاجتهاد أن يتبع إماما من أئمة الفقه، اتباعا مبصرا، فيتعرف ما استطاع – الأدلة التي أدت إلى الحكم عند إمامه([101])، وبعد ذلك كله تقرر الجماعة قاعدة “نعتقد أن الإجماع على أمر واحد في فروع الدين مطلب مستحيل، بل هو يتنافى مع طبيعة الدين”([102]). واستكمالا لهذا الاعتقاد يقررون “والخلاف الفقهي في الفروع لا يكون سببا في التفرق في الدين، ولا يؤدي إلى خصومة ولا بغضاء ولكل مجتهد أجره”([103]). والإخوان يرون أن هناك اعتبارا يجب النظر إليه بجانب استكمال القدرة العلمية للوصول إلى درجة الاجتهاد، فيوجهون الأنظار لما أبداه الإسلام من عناية بعلاج النفس الإنسانية، وهي مصدر النظم ومادة التفكير والتصوير، فعمل على زجرها عن الجور والعدوان وتطهيرها من الهوى والغرض وهدايتها إلى الكمال والفضيلة، وقد كانت النفوس التي صاغها الإسلام في صحابة رسول الله r مثالا يحتذى، ولهذا فإن طبيعة الإسلام تساير العصور والأمم ولا تأبي أبدًا الاستفادة من كل نظام صالح لا يتعارض مع قواعده الكلية وأصوله العامة([104]).

وفي ظل هذه المرجعية الفكرية، كان دأب مؤسس الجماعة أن يضبط ألفاظ الخطاب الإخواني في هذا الإطار، وكان يقظا لاختلاف المفاهيم في الساحة الفكرية فيقول “قد تتحدث إلى كثير من الناس في موضوعات مختلفة فتعتقد انك قد أوضحت كل الإيضاح وأبنت كل الإبانة، وإنك لم تدع سبيلا إلى الكشف عما في نفسك إلا سلكتها، حتى تركت من تحدثهم على المحجة البيضاء وجعلت لهم ما تريد بحديثك من الحقائق كفلق الصبح أو كالشمس في رابعة النهار كما يقولون، وما أشد دهشتك بعد قليل حين ينكشف لك أن القوم لم يفهموا عنك ولم يدركوا قولك”([105]).

ويذكر البنا أن السبب في ذلك إما أن المقياس مختلف بين الأطراف المتحاورة أو أن القول في ذاته ملتبس غامض وإن اعتقد صاحبه أنه واضح مكشوف([106])، وواقع الأمر أنهما الأمران معا، فعلى الرغم أن الإخوان جعلوا مقياسهم هو القرآن الكريم  وميزانهم هو الإسلام، فقد كانت الحياة الثقافية المصرية قد تلبست بروح الثقافة الأوروبية، ومن ثم فإن المقياس جد مختلف، بل قد نصل إلى القول أن المقياس نفسه – وليس القول فقط- الذي التزم به الإخوان غامض على كثير من المثقفين المصريين في هذه الفترة([107])، ولم يكن هذا الوضع خافيا على مؤسس الجماعة فإنه يعرض لذلك قائلا “يستخدمون الألفاظ التي تداولها المؤرخون لمسميات ذلك العصر – عصر النهضة الأوروبية – فيقولون رجال الدين والسلطة الروحية…، ولعل هذا اللبس اللفظي هو الذي جعلهم يتورطون في تشبيه النظم الإسلامية بغيرها من النظم وواجبنا أن نرفع عن أعينهم حجاب الوهم، ونوضح لهم هذا العبث اللفظي، وخداع العناوين التي وضعها مؤرخو أوروبا لذلك العهد([108])، ورغم هذا حاولت الجماعة أن تصل إلى تصورات فكرية مشتركة مع الأفكار الأخرى([109])، هذا من ناحية، وفي نفس الوقت أن تعيد تقديم الإسلام مستخدمة الألفاظ والمصطلحات السائدة، وذلك بعد أن تحدد مدلول هذا اللفظ بما لا يتنافى مع إطارها المرجعي([110]).

الثوابت الفكرية وأهداف جماعة الإخوان:

المقصود من الثوابت هو الأطر الفكرية التي اعتمدتها الجماعة للتعامل مع المواقف المختلفة لكل مجال من المجالات التي شاركت فيها بنشاط أو رأي، أما الأهداف فهي التي اجتهدت الجماعة للوصول إليها، سواء بوضع المناهج والخطط العملية لذلك، أو أرجأت ذلك إلى حين.

أولا: الثوابت في البناء الفكري:

1- مجال الفكر والثقافة:

أدركت الجماعة منذ البداية خطورة هذا المجال، سواء على مستوى الفكر الإسلامي المعاصر أو مستوى الهوية الثقافية للأمة، فعلى مستوى الفكر الإسلامي وجهت الجماعة جهدها إلى نفي نقاط الخلاف في الأمور الفرعية، والترويج لقاعدة “نتعاون فيما اتفقنا عليه ويعذر بعضنا بعضا فيما اختلفنا فيه”([111])، وقد اجتهدت الجماعة في وضع صياغات توفيقية في الأمور التي اختلفت فيها التجمعات الإسلامية الموجودة بمصر، وقد نشرت الجماعة هذه الصياغات تحت عنوان “آراء واقتراحات مرفوعة إلى شيخ الأزهر وهيئة كبار العلماء وإلى رجال الجماعات الإسلامية والفكر الإسلامي”، وذلك في أغسطس عام 1942 في مجلة الإخوان المسلمين النصف شهرية، ثم اعتمدت في تربية أعضاء الجماعة تحت اسم “الأصول العشرين” ووضعت بكاملها في رسالة التعاليم تحت ركن الفهم، وفيها محاولة غير مسبوقة في مضمار التوفيق بين الصوفية والجمعيات الإسلامية من أمثال الجمعية الشرعية وأنصار السنة المحمدية ورجال الأزهر([112])، وقد نجحت هذه المحاولة في جذب عناصر من هذه الاتجاهات، بالإضافة إلى إيجاد علاقة تعاون مع بعض الممثلين لهذه الاتجاهات مثلما كان مع الجمعية الشرعية والشبان المسلمين، ومع الأزهر في بعض الأوقات، وكذلك مع بعض الطرق الصوفية([113]).

وفي مضمار الفكر الإسلامي – أيضًا- عملت الجماعة على فض الاشتباك بين السنة والشيعة، فاشتركت في تأسيس جمعية التقريب بين المذاهب، وقد كان على رأسها أحد علماء الشيعة([114])، وكان فتح الباب لبعض علماء الشيعة للكتابة في مجلات الإخوان، وإن كانت هذه المحاولة لم تلق نفس القدر من النجاح، إلا أنها أوجدت صلة وثيقة بين الشيعة الإثنا عشرية والإباضية والزيدية وبين الجماعة([115])، وقد كان الإطار الفكري الذي كان نبعا لممارسات الجماعة هو ضرورة التوحد في مواجهة الأخطار المحيطة بالأمة، فإن كان ذلك بعيد المنال فلا أقل من التعاون الوثيق في ظلال قاعدة التعاون في المتفق عليه المذكورة أنفا.

أما على مستوى الهوية الثقافية للأمة، فقد عاصرت الجماعة المعارك الفكرية الشهيرة والتي اشتهرت باسم معارك القديم والجديد([116])، وقبل ظهورها بسنوات قليلة كانت معركتا “الإسلام وأصول الحكم” و”في الشعر الجاهلي” وهما الكتابان اللذان ألهبا معارك ما زال دخانها يصل إلينا حتى الآن([117])، فما بال من عاصر زمانا أقرب إليها، ونشأ في أحضان المعسكر المهاجم.

توجه نظر الجماعة إلى أن الجميع يعمل من أجل إزالة الأوضاع الاستعمارية السياسية والعسكرية، ويتبنى في نفس الوقت الاستعمار الفكري والثقافي والاجتماعي بشغف([118])، بل ويدافع عنه، وليس الأمر مجرد استحداث أساليب علمية في العلوم التطبيقية، بل هي رغبة وصلت إلى المطالبة باتباع نهجهم في الحياة كلها، خيره وشره، حلوه ومره([119])، والأدهى – من وجهة نظرهم – أن الأمر تعدى مجرد التمني إلى اتخاذ خطوات عملية في هذا الاتجاه، والأغرب أن القائمين على هذا، المشمرين للسواعد لإنفاذه في الأمة، مصريون ومسلمون في الأغلب الأعم، لذا كان هناك موقف فكري عام، ومواقف فكرية تفصيلية يري الباحث أن من الأهمية إثباتها.

في ضوء المرجعية الفكرية للإخوان، يكون مطلب الجماعة أن تسود الفكرة الإسلامية حتى تؤثر في كل الأوضاع وتصبغها بصبغة الإسلام مطلبا منطقيا، وعلى ذلك يجب أن يكون منهج التفكير استقلاليا يعتمد على أساس الإسلام، فعقيدته ونظمه ولغته وحضارته هي ميراث الأمة وصبغتها، فلغتها عربية، وأسماؤها إسلامية، والأزهر أقدم جامعة في قلبها تحوطه وترعاه، ومن هنا ألزم الإسلام العقل البشري لونا من ألوان التفكير، وهو الجمع بين الإيمان بالغيب والانتفاع بالعقل، وذلك لأن بني الإنسان يعيشون في عالمين فعلا لا في عالم واحد، فالإسلام يقرر حقيقة العالم الغيبـي، ويوضح صلة الإنسان بالله رب الكائنات جميعا، وبالحياة الآخرة بعد هذه الحياة، ويجعل الإيمان بالله أساس صلاح النفس، ويصف ذلك العالم الغيبـي المجهول وصفا يقربه إلى الأذهان ولا يتنافى مع بديهيات العقول، وهو مع هذا يقرر فضل هذا العالم المادي وما فيه من خير للناس لو عمروه بالحق وانتفعوا به في حدود الخير، ويدعو إلى النظر السليم في ملكوت السماوات والأرض، ويعتبر هذا النظر أقرب إلى معرفة الله([120])، وبناء على هذا فإن التعارض بين الشرع والعقل مستبعد، وإن حدث فإنه لن تصطدم حقيقة علمية صحيحة بقاعدة شرعية ثابتة، ويؤول المظنون منهما ليتفق مع القطعي، فإن كانا ظنيين فالنظر الشرعي أولى بالاتباع حتى يثبت العقلي أو ينهار([121]).

وينظر مؤسس الجماعة إلى حركة التاريخ ولصعود وهبوط الحضارات في هذا الضوء، فالأمر لا يخرج عن كونها سنة من سنن الله في حياة الأمم([122])، ويري أن قيادة الدنيا في وقت ما شرقية بحتة، ثم صارت بعد ظهور اليونان والرومان غربية، ثم نقلتها النبوات الموسوية والعيسوية والمحمدية إلى الشرق مرة ثانية، ثم غفا الشرق غفوته الكبرى ونهض الغرب نهضته الحديثة، وورث الغرب القيادة العالمية،ولكنه بدأ يجور ويطغى، ومن ثم لم يبق إلا أن تمتد يد شرقية لتنهض بالأمة تحت راية القرآن، وتتسلم قيادة العالم من جديد([123])، وهذا التداول ليس هكذا، فالأمة تقوى متى حددت غايتها وعرفت مثلها الأعلى، ورسمت منهاجها وصممت على الوصول إلى الغاية وتنفيذ المنهاج ومحاكاة المثل الأعلى مهما كلفها ذلك من تضحيات([124])، وهذه الشروط لا تتعلق بدين الأمة أو جنسها، ومن ثم متى نسيت أمة غايتها، وضلت عن منهاجها، وتجاهلت مثلها الأعلى، وآثرت الإغراق في الترف والمتعة والقعود عن الواجب، فإنها لا تزال تضعف حتى تتجدد أو تبيد([125])، وفي الإسلام غناء لهذه الأمة، ففيه تتوفر شروط النهضة ورصيد التجربة التاريخية، بالإضافة إلى أنه صار جزءا من وجدان الأمة([126]).

الجانب الثاني، هو موقف حسن البنا من التجديد في الأدب العربي، والأمر عنده أن التطوير والتجديد ضرورة في ضوء تطور الأمة، فيجب أن يتلاءم مع روح العصر ويستفيد من تجار الأمم العصرية، ولكن هذا لا يعني بحال ما أخذ به المحدثون من الإسراف في التقليد للغرب، سواء ما تستر بحرية البحث والفكر ليهدم العقائد وقواعد الأخلاق، أو الزراية بالإسلام وتراثهم الأدبي، ففي هذا المنحى هدم لا تجديد([127])، ومن ثم اقترح أسسا يسير عليها التجديد، وذلك أن يكون الابتكار في المعاني والموضوعات، بحيث يرتبط الأدب بالحياة وخدمة الأخلاق الفاضلة، وتمجيد السلف، ويكون الأدب بذلك صلة بين العقول والعواطف ورابطة بين الشعوب الناطقة بالعربية.

أما مجال الفنون، فالفن عند الإخوان هو الذي يصور جمال هذا الوجود، والفنان هو المخلوق الحساس والمرآة الصافية التي تنعكس عليها آمال هذا الوجود وآلامه، ومن ثم فإن للفن رسالة سامية سواء من خلال لوحة، أو قطعة موسيقية أو قصة سينمائية أو مسرحية، فهو يؤدي رسالة تهذيبية تهدي إلى البر والهدي، ولا يكفي أن يكون ترجمان الحاضر بل هو يرسم صورة المستقبل المنشود، ويسمو بالإنسانية إلى أفقها الأعلى أما دعوى “الفن للفن” أو “الجمهور يريد” أو حرية الفن” في التعبير بلا ضوابط أو قيود”، فكل هذا مستورد من صورة الفن في الغرب، والفن لا بد أن يرتبط بالبيئة وبأخلاق مجتمعه وقيمه، فدور الفن والفنان في مصر يجب أن يكون خلاف دورهما في أوروبا، والدور المنوط بهما في مصر هو بعث الأمة وإحيائها، وزفرة الفنان الملهم الذي يئن أو يبتسم لأداء رسالة الفن تكتب لفنه الخلود([128]).

2- المجال الاجتماعي:

في هذا المجال لابد من الإجابة على عدة أسئلة، منها يتكون الإطار الفكري للمجال الاجتماعي:

أولا: ما هو المجتمع عند الجماعة؟ هل هو المجتمع المصري؟ أم العربي؟ أم الإسلامي؟ الإخوان ينظرون إلى التقسيمات السياسية الحديثة على أنها صنيعة الاستعمار، ومن ثم فإنهم يتوجهون إلى الأمة المصرية باعتبارها الأقرب ولكنهم لا يعترفون بهذه الحدود السياسية([129])، وهم يرون أن العالم العربي هو مستقر الحضارة الإسلامية، “وذل العرب ذل للإسلام”، والعالم العربي هو كل الشعوب الناطقة بالعربية([130])، واستخدام لفظ الشرق عندهم غالبا يحمل معنى العالم الإسلامي فهم يتصلون به، ويناصرون قضاياه([131])، ويعملون في اتجاه ينمي هذا الشعور، وهو شعور “القومية الإسلامية” كما أطلقوا عليه، فالإسلام جنسية ووطن([132])، وبالتالي فإنهم يتوجهون في حديثهم إلى المجتمع الإسلامي في العالم الإسلامي، وترى حسن البنا يقول: “ونحب أن يعلم قومنا – وكل المسلمين قومنا..”([133])، ويكون حرصه الدائم على نشر فروع الجماعة خارج القطر المصري، والعمل على تعارف العاملين للإسلام من  خلال المنشورات الصحفية المختلفة للإخوان([134]).

ثانيا: ما هو موقف الجماعة من هذا المجتمع؟ وما هو موقف الجماعة من غير المسلمين الذين يعيشون فيه من أبنائه أو من الأجانب؟

إن المتابع لكتابات الجماعة في هذا النطاق يجد تعبيرات غاضبة تجاه المسلمين، فإنهم ينظرون للمجتمع الإسلامي على أنه في واد، والتعاليم الإسلامية في واد آخر، سواء في قوانينهم أو عاداتهم أو بيوتهم، وكثير من مظاهر الحياة تتجه بهم بعيدًا عن التعاليم السماوية([135])، ولكنهم في مواجهة ذلك حاولوا أن يضبطوا مصطلحاتهم فعبروا عن ذلك على لسان حسن البنا بقولهم “الفرق بيننا وبين قومنا بعد اتفاقنا في الإيمان بهذا المبدأ (يقصد العمل لنصرة الإسلام والالتزام به) أنه عندهم إيمان مخدر نائم في نفوسهم..”، أما عند الإخوان “إنه إيمان ملتهب مشتعل قوى يقظ في نفوس الإخوان المسلمين”([136])، لذلك فالإخوان يقولون: “لعزيز علينا جد عزيز أن نرى ما يحيط بقومنا ثم نستسلم للذل أو نرضى بالهوان أو نستكين لليأس، فنحن نعمل للناس في سبيل الله أكثر مما نعمل لأنفسنا، فنحن لكم لا لغيركم أيها الأحباب ولن نكون عليكم يوما من الأيام”([137]). وحتى لا يتركوا بابا للتأويل تم النص في أصول فهم الإسلام على “لا نكفر مسلما أقر بالشهادتين وعمل بمقتضاها وأدى الفرائض برأي أو معصية – إلا إن أقر بكلمة الكفر أو أنكر معلوما من الدين بالضرورة، أو كذب صريح القرآن، أو فسر على وجه لا تحتمله أساليب اللغة العربية بحال، أو عمل عملا لا يحتمل تأويلا غير الكفر”([138]).

أما غير المسلمين في المجتمع فقد إلتزم الإخوان معهم أسلوب حسن المعاملة، وضم حسن البنا ثلاثة من أقباط مصر لهيئة سياسية استشارية كونها للجماعة([139])، وحاولوا أن يقنعوا الجميع أن الإخوان ملتزمون بالقاعدة القرآنية ﴿لاَ يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُم مِّن دِيَارِكُمْ أَن تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ([140]).

وعملوا على إسكات بعض الكتاب المسيحيين الذين طعنوا في الجماعة وشككوا في أفكارها بمراسلة بطريرك الأقباط ليعمل على إسكات الفتنة([141])، كما فتحوا صفحات مجلاتهم للمسيحيين يكتبون فيها ردًا على الطاعنين([142]) وإن كان الأمر لم يخل من بعض المقالات الإخوانية المستفزة التي تذكر بالحروب الصليبية، أو تشير إلى إسلام أحد النصارى بعد مقارنته بين الأديان([143])، ولا يعتقد الباحث أن الجماعة استطاعت أن تزيل الشكوك الكامنة في صدور المسيحيين المصريين أو غير المصريين، وليس ذلك بسبب الخوف من قواعد في الشريعة الإسلامية، أو مبادئ إخوانية، ولكن الرصيد التاريخي هو العامل الأساسي في هذه الشكوك.

ثالثا: موقف الإخوان من العرف العام والتقاليد الاجتماعية، يري الإخوان أن كثيرا من مظاهر الحياة الاجتماعية قد تغيرت، وان الطبقة التي ينتمي لها كبار رجال الدولة وموظفيها تتجه في عاداتها ومظاهر حياتها اتجاها أوروبيا، وأبناؤهم في مدارس “أعجمية يقصد مدارس الإرساليات الأجنبية أو ما شابه”، وهم وزراء وحكام المستقبل، والشعب ينظر إلى هؤلاء ويقتدي بهم، وكل هذا يمثل احتلالا اجتماعيا هو أشد في تأثيره من الاحتلال العسكري، وذلك لأن الأخير لابد زائل طال الزمن أو قصر، أما الأول فقد أنبت و ترعرع في نفوسنا وأرواحنا([144])، وفي مواجهة ذلك يؤسسون مبدأ “العرف الخاطئ لا يغير حقائق الألفاظ الشرعية، بل يجب التأكد من المعاني المقصود بها، والوقوف عندها، كما يجب الاحتراز من الخداع اللفظي في كل نواحي الدنيا والدين، فالعبرة بالمسميات لا بالأسماء”([145])، وهذه الكلمات تنسحب أيضًا على كافة المظاهر الاجتماعية، سواء كانت وافدة أو موروثة مثل الزار وخروج النساء وراء الموتى بالعويل والصراخ وما شابه ذلك([146])، وعلى ذلك يجب على الأمة أن تعمل على أن تكون كل المظاهر الاجتماعية مما يتفق وآداب الدين ويساير تشريع الإسلام وأوامره([147]).

أسباب تدهور أوضاع العالم الإسلامي في فكر الإخوان المسلمين:

تحلل الجماعة الأسباب التي أدت إلى تدهور أوضاع العالم الإسلامي – بما فيه مصر بطبيعة الحال- للعناصر الآتية:

‌أ. الخلافات السياسية والعصبية وتنازع الرياسة والجاه.

‌ب.  الخلافات الدينية والمذهبية والإنصراف عن الدين كعقائد وأعمال إلى ألفاظ ومصطلحات ميتة، والولع بالجدال والمناظرات وإهمال كتاب الله وسنة رسوله r والجمود والتعصب للأراء.

‌ج. الإنغماس في ألوان الترف والنعيم، والإقبال على المتعة والشهوات.

‌د.    انتقال السلطة والرياسة إلى غير العرب من الفرس والديلم تارة، والمماليك والأتراك تارة أخرى، وهم لم يتذوقوا طعم الإسلام الصحيح لصعوبة إدراكهم لمعانيه.

‌ه. إهمال العلوم العملية والمعارف الكونية وصرف الأوقات وتضييع الجهود في فلسفات نظرية عقيمة وعلوم خيالية سقيمة([148]).

‌و.    غرور الحكام بسلطانهم والانخداع بقوتهم وإهمال النظر في التطور الاجتماعي للأمم من غيرهم حتى سبقتهم في الاستعداد وأخذتهم على غرة.

‌ز. الانخداع بدسائس المتملقين من خصومهم والإعجاب بأعمالهم ومظاهر حياتهم والاندفاع في تقليدهم فيما يضر ولا ينفع([149]).

يضاف إلى هذه الأسباب بعض الظواهر التي لازمت المدنية الغربية الحديثة وانتقلت إلى العالم الإسلامي وأبرزها:

1-    الإلحاد والشك في الله، وإنكار الروح ونسيان الجزاء الأخروى والوقوف عند حدود الكون المادي المحسوس.

2-  الإباحية والتهافت على اللذة، وإشباع شهوتي البطن والفرج والإغراق في الموبقات إغراقا يحطم الأجسام والعقول، ويقضى على نظام الأسر في المجتمع.

3-  الأثرة في الأفراد، فكل إنسان لا يريد إلا خير نفسه، وفي الطبقات، فكل طبقة تتعالى عمن سواها وتود أن تحظى بالمغانم دونها، وفي الشعوب، فكل أمة تتعصب لجنسها وتنتقض غيرها وتحاول أن تلتهم من هي أضعف منها([150]).

4-    الربا والاعتراف بشرعيته واعتباره قاعدة التعامل، والتفنن في صوره وضروبه، وتعمقه بين الدول والأفراد([151]).

وقد أورث هذا كله في الأمم الإسلامية داء متشعب المناحي كثير الأعراض، فهي مصابة من ناحيتها السياسية بالاستعمار من جانب أعدائها، والحزبية والخصومة والفرقة من جانب أبنائها، وفي ناحيتها الاقتصادية بانتشار الربا بين كل طبقاتها، واستيلاء الشركات الأجنبية على مواردها وخيراتها، وهي مصابة من ناحيتها الفكرية بالفوضى والمروق، والإلحاد يهدم عقائدها ويحطم المثل العليا في نفوس أبنائها، وفي ناحيتها الاجتماعية بالإباحية في عاداتها وأخلاقها والتحلل من عقدة الفضائل الإنسانية التي ورثتها عن أسلافها، وبالتقليد الغربي يسري مناحي حياتها، وبالقوانين الوضعية التي لا تزجر مجرما ولا تؤدب معتديا ولا ترد ظالما، ولا تغني يوما من الأيام غناء القوانين السماوية، وبفوضى في سياسة التعليم والتربية تحول دون التوجيه الصحيح لنشئها ورجال مستقبلها وحملة أمانة النهوض بها، وفي ناحيتها النفسانية بيأس قاتل وخمول مميت وجبن فاضح وخنوثة فاشية تكف الأيدي عن البذل وتقف حجابا دون التضحية([152]).

أما الإسلام فقد صار أمره مجرد مظاهر خادعة فالمساجد الشامخة لا يعمرها إلا الفقراء والعاجزون، وأيام تصام كل عام تكون موسما للتعطل والتبطل، والطعام والشراب ومظاهر فارغة من مسابح وملابس، ولحي ومراسم وطقوس وألفاظ وكلمات، وما لهذا نزل القرآن وأرسل رسول الإسلام([153]).

وتقرر الجماعة أن الحضارة الغربية بمبادئها المادية قد انتصرت على الحضارة الإسلامية  بمبادئها الجامعة للروح والمادة معا في أرض الإسلام نفسه، وفي حرب ضروس ميدانها نفوس المسلمين وأرواحهم وعقائدهم وعقولهم، كما انتصرت في الميدان السياسي والعسكري ولا عجب في ذلك فإن مظاهر الحياة لا تتجزأ، والقوة قوة فيها جميعا، والضعف ضعف فيها جميعا كذلك، وإن كانت مبادئ الإسلام ظلت قوية جذابة في ذاتها، وستظل كذلك لأنها الحق، ولأنها من صنع الله ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ([154]).

وفي نظرة أكثر خصوصية، يصف الإخوان الحال في مصر بالعبارات الآتية:

“فالإم وصلت إليه الحال في وطننا العزيز.. مطالبنا الوطنية لم نصل فيها إلى شيء، وروح الشعب المعنوية محطمة.. والشقاق والخلاف يملك نفوس القادة والزعماء.. والجهاز الإداري أفسدته المطامع الشخصية، وسوء التصرفات وضعف الأخلاق والمركزية القاتلة والإجراءات المعقدة.. والقانون قد ضعف سلطانه على النفوس والأوضاع لكثرة ما اقتحم عليه من تحليل واستثناءات.. واشتد الغلاء وكثر المتعطلون لقلة الأعمال وانخفض مستوى المعيشة  إلى حد لا يكاد يتصوره إنسان، والأخلاق قد انتهى أمرها – أو كاد- وعصف بها الجهل والفقر.. وانتشرت الرذائل ومظاهر الانحلال الخلقي في كل مكان… والأفكار مبلبلة([155])، ولهذا تنفذ لمصر كثير من المبادئ الجديدة تكافح في سبيل استيلائها على النفوس المصرية والقلوب المصرية أشد الكفاح.. فالشيوعية جادة في فرض تعاليمها على أبناء هذا المجتمع، والديمقراطية الاستعمارية الهزيلة تحاول من جانبها أن تقاوم هذا التيار، ويتوسطهم قوم دعوا للاشتراكية ويقف بين هؤلاء جميعا وبين أمتنا الإسلام العتيد”([156]).

وسبب هذا الوضع الذي صارت إليه مصر عند الجماعة – أن مصر تعرضت للغزو الأوروبي بجيوشه السياسية ثم العسكرية، ثم بقوانينه ونظمه ومدارسه ولغته وعلومه وفنونه، وإلى جانب ذلك بخمره ونسائه ومتعه وترفه وعاداته وتقاليده، ولم يجد الغزاة منا إلا صدورا رحبة وأدوات طيعة تقبل بلا تمييز، فبدلا من الوقوف عند الإفادة من المعرفة والعلوم وأسباب القوة، أسلمنا لهم قيادتنا وأهملنا عن جهل ديننا، فقدموا لنا الضار وحجبوا النافع من بضاعتهم وزاد من سوء الأمر تفرق الأمة شيعا وأحزابا، فلا نتبين هدفا ولا نجتمع على منهاج([157]).

شروط النهضة (الاستجابة) عند الإخوان:

استخدمت الجماعة مصطلح “النهضة بديلا عن” الإصلاح” في التعبير عن وسائل العلاج لهذا الوضع المتردي سواء للأمة الإسلامية أو الأمة المصرية، وقد وضعت الجماعة شروطا لازمة للنهضة وعلى رأسها عودة المسلمين إلى إسلامهم كما جاء به رسول الله r وهذا الأمر في ذاته هو جماع الشروط التي وضعوها للنهوض بالأمة([158])، وهي في إيجاز:

أولا: في الجانب المعنوي: إعادة بناء ثقة الأمة بالله وبدينها وبنفسها في مواجهة طغيان موجة الانهزام أمام الحضارة المادية، وتوطيد الفضائل في النفوس وتربيتها على معاني الكفاح والصبر والتضحية، وأن نعرفها أن القوى (الغرب) لن يظل قويا، والضعيف (الشرق المسلم) لن يدوم ضعفه([159]).

ثانيا: الجانب الفكري: إطلاق العنان للعقل للتفكر في أسرار الكون وإدراك حقائقه وسنة الله فيه، وجعل القلب المؤمن والعقل المفكر صنوان، فالعقل الإنساني هو مناط التكليف الرباني وعماد العقيدة الإسلامية، ولكن يجب أن يظل العقل خاضعا لثوابت الشريعة، مقرا بقصوره أمام خالق الكون ومدبر الأمر فيه، وهذا عند الجماعة لا يوقف عجلة العلم بل يرشدها، والإسلام يجعل طلب العلم فريضة والأخذ بأسباب القوة العلمية واجب شرعي([160]).

ومن جانب آخر تنادى الجماعة بإعادة قراءة التراث ونقده (والتراث عندهم هو ما  تركه السلف من مؤلفات في شتى العلوم من تفسير للقرآن الكريم وعلوم الحديث واللغة والأدب والتاريخ والتصوف والفقه وغيرها..)، وطالبوا العلماء بأن يعملوا لإعادة صياغة الكتب القديمة وتصنيف الجديد الذي يفي بحاجة العصر([161])، ومن هذا المنطلق تعتبر الجماعة أن من الشروط اللازمة للنهضة توحيد ثقافة الأمة، فلا يكون بعضها أزهريا تراثيا فقط وبعضها مدنيا غربيا بعيدًا عن الدين، فلابد من وضع صياغة واحدة مشتركة بين الثقافتين([162]).

ثالثا: الجانب السياسي: الاستقلال عن الاستعمار فلن يسمح الاستعمار، بأي محاولة للنهضة، لذا لا بد من مناجزته بكافة الوسائل وعلى رأسها الجهاد المسلح، والاستقلال ليس مجرد إخراج عساكره من البلاد ولكن التخلص منه اقتصاديا واجتماعيا وسياسيا، ولتحقيق هذا لابد من وحدة الأمة، وزوال كافة عوامل الفرقة من حزبية أو عصبية، ولم شمل البلدان الإسلامية بالتدرج تحت قيادة واحدة([163])، وهذه القيادة لابد أن تكون متمثلة لرسول الله r واعية بدورها في إحياء الأمة، ومواصفات القائد أن يكون رجلا سليم الفطرة طيب النفس، ذكي الفؤاد، خلق لغيره لا نفسه، وأعد ليكون مصلحا كريما، فهو رقيق الحس رقيق الشعور ثائر العاطفة يقظ العقل بعيد الآمال كبير المطامع في الإصلاح، طموح إلى المجد، كل همه أن يكون نافعا لغيره أو أن يدفع الضرر عمن سواه([164])، وأخيرًا عودة الحكم الإسلامي الصحيح للبلاد الإسلامية([165]).

خطة التغيير عند الإخوان المسلمين:

إن النتيجة الطبيعية لدراسة أفكار الجماعة وتصوراتها عما هو قائم في المجتمع المصري وما يجب أن يقوم فيه تقودنا إلى أن الجماعة تريد أمرًا أعمق من مجرد الإصلاح لبعض نواحي أو مجالات ترى فيها خللا، وأن الجماعة تريد أن تصل إلى شكل آخر للمجتمع وللدولة وللوضع الدولي للعالم الإسلامي، ولهذا يعتقد الباحث أن إطلاق وصف “التغيير” على خطة الجماعة بصورة عامة أدق من وصف “الإصلاح”.

نستعرض أولا أوصاف المجتمع المنشود عند الإخوان، أو مدينتهم الفاضلة التي يعرضها مؤسس الجماعة قائلا:

1-    إنهم أخوة متحابون، لأن كتاب الإسلام يناديهم ﴿إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ([166]).

2-    وهم متساوون في الحقوق والواجبات، لأن نبي الإسلام يقرر لهم “أنه لا فضل لعربي على أعجمي إلا بالتقوى”([167]).

3-    وهم سعداء في بيوتهم وأسرهم، لأن دستور الإسلام حدد حقوق كل فرد من أفراد الأسرة وواجباته وبناها على العدل والإنصاف.

4-  وهم فاضلون في أخلاقهم أصحاء في أجسامهم، لأن رسولهم يناديهم في وضوح وجلاء “بعثت لأتمم مكارم الأخلاق”([168])… والمؤمن القوى خير من المؤمن الضعيف”([169]).

5-  وهم جادون في كسب عيشهم مهتمون بدراسة الكون الذي يحيط بهم يتمتعون بما أحل الله لهم من طيبات الحياة ومباهجها، لأن دينهم حبب إليهم الكسب والعمل، ونهاهم عن القعود والكسل، ويقول الرسول r: “ما أكل أحد قط خيرًا من أن يأكل من عمل يده”([170]).

6-    وهم منصفون في معاملاتهم لا يبغي بعضهم على بعض ولا يظلم أحد منهم أحد.

7-    وهم عارفون بحقوقهم واقفون عند حدودهم، لأن دينهم فصل واجب الحاكم والمحكوم، وبيَّن جزاء الظالم وحق المظلوم، وجعل لكلٍ حدًا يقف عنده ويقول الرسول r: “يا أيها الناس إن لكم معالم فانتهوا إلى معالمكم وإن لكم نهاية فانتهوا إلى نهايتكم”([171]).

8-  وهم مشتركون في الخيرات متعاونون على درء المؤذيات، بعضهم لبعض ظهير في اجتياز سبيل الحياة واحتمال ما يعترض الناس فيها من آمال وآلام، ويقول r: “حب لأخيك ما تحب لنفسك وأكره له ما تكره لها”([172]).

9-  وهم بعد ذلك كله مستعدون لحماية أنفسهم ومبادئهم بعلمهم وقوتهم، مستعدون لأن يعلموا كل إنسان القيام بواجبه بالشدة إن لم يقبل اللين وبالقوة إن لم يرضخ للحق، وبالسيف والسنان إن أبي الحجة والبرهان”([173]).

من الواضح أن الرجل تمثل مجتمع المدينة في عهد رسول الله r، وهذا المجتمع “الحلم” لدى الجماعة يؤكد أنهم ليسوا مجرد حركة إصلاحية لبعض جوانب المجتمع ولكنهم جماعة تسعى لتغيير الواقع بأسره من سلوكيات الأفراد إلى نظامه السياسي والقانوني.

والسؤال الذي يفرض نفسه هو موقف الجماعة من النظام القائم، أو بالأصح من النظم التي لا ترى رؤيتهم أو لا تلتزم بالإسلام الذي ينادون به؟

لم يكشف الإخوان عن رأيهم صراحة في مبتدأ عهدهم، ثم أظهروا تدريجيا اعتراضهم على السياسات الحكومية، ثم أعلنوا في عام 1938م في رسالة المنهج “لا يؤيد الإخوان أية حكومة تقوم على أساس الحزبية وهم يعتقدون أن كل حكومة تقوم على غير الأصول والقواعد الإسلامية لا يرجى منها صلاح ولا تستحق تأييدًا ولا مناصرة، ولهذا يطالبون دائما بالتعديل الذي يحقق نظام الحكم الإسلامي بكل مظاهره، والإخوان مع هذا يرون من واجبهم التعاون مع الحكومة التي يأنسون منها استعدادًا صادقا لتأييد منهاجهم والعمل على تحقيقه”([174])، ويظل هذا الموقف فترة من الزمن تستكمل الجماعة فيها معالم القوة الذاتية والانتشار الجماهيري، وتحدد الموقف في فترة لاحقة في ثلاثة نقاط:

1-    اعتبار جميع الحكومات المصرية مقصرة في تنفيذ أحكام الإسلام وأحكام الدستور.

2-    العمل الدائب في سبيل تصحيح هذا الوضع الخاطئ بالطرق الدستورية.

3-  بذل النصيحة لها، في نقد ومعارضة نزيهة عن الغاية إذا أساءت، وفي تشجيع ومعاونة إذا أحسنت من غير ممالأة ولا تأييد حتى يتم التغيير المنشود([175]).

ولكن الجماعة في نفس الوقت – ولكي تصل إلى التغيير المنشود – كانت تربي أعضاءها بمنهاج شديد الصرامة قوامه الصوفية من الناحية الروحية، والعسكرية من الناحية النظامية([176])، وكان الأعضاء تتم صياغة شخصياتهم وفق هذا المنهاج بصورة متدرجة بحيث ينمو فيهم حب الطاعة للأوامر والشعور بأنها طريقهم إلى رضوان الله، وبهذا الطريق تخفت الأصوات المناقشة للأوامر – فضلا عن المعارضة، ومن جانب ثان بدأ حسن البنا بوضع بذرة الاستعلاء بأفراده وأتباعه عن المجتمع، فيشرح نداء الجماعة “الله غايتنا” قائلا: “إذا وقف المال حائلا دون هذه الغاية فإن الأخ المسلم الذي يهتف من قلبه “الله غايتنا” مستعد لبذل المال في سبيل الله، وإذا وقف الأهلون والأبناء حائلا دون هذه الغاية فإن الأخ المسلم الذي يهتف من قلبه “الله غايتنا” على أتم استعداد لمفارقة هؤلاء الأهل والأبناء في سبيل الله، لا بل لمجاهدتهم وقتالهم إن وقفوا في طريق دعوة الله، وإن نبت الأوطان بالأخ المسلم وقلاه أهلها وضايقوه في دينه وأخذوا عليه مسالك دعوته فهو مستعد لمفارقة هذه الأرض غير نادم عليها ولا آسف لفراقها في سبيل الله، وإذا ما احتاجت الدعوة يوما إلى الدماء قدم في سبيلها روحه ودمه، وما أرخصه في سبيلها من فداء”([177])، ومن ثمرة هذه التربية أن يفكر الإخوان في الهجرة من مصر إلى بلد إسلامي آخر ينطلقون منه، وتكون رحلة الحج الأولى للمرشد الأول لاستطلاع الأحوال بدول العالم الإسلامي لتحقيق هذه الخطوة إلى الدولة التي يرون فيها “الملجأ المنيع والركن الشديد والخصوبة المأمولة”، ولكن الرحلة تثمر تصورًا جديدًا، فمصر – على علاتها- هي أصلح مكان لدعوة الإخوان ولانطلاقها ولتحقيق أهدافها([178]).

وتعلن الجماعة عن موقفها الصريح في عام 1948، فيما أعلنته من معركة المصحف وهدفها الأول هو “التميز أولا فلابد أن يمتاز أهل الحق من أهل الباطل… وما طال عمر الباطل إلا حين يمتزج به ستار من الحق أو يمتزج هو بعناصر من الحق “ثم يعلن “إذا قصر الحاكم في حماية هذه الأحكام – أي الأحكام الإسلامية – لم يعد حاكما إسلاميا، وإذا أهملت شرائع الدولة هذه المهمة لم تعد دولة إسلامية، وإذا رضيت الجماعة أو الأمة الإسلامية بهذا الإهمال ووافقت عليه لم تعد هي الأخرى أمة إسلامية مهما ادعت ذلك بلسانها…”([179]).

والتبعة تقع على الحكام أولا والعلماء ثانيا والأئمة والهيئات أخيرًا، وبعد أن أعلن الإخوان ونصحوا يرون أنه “ليس بعد النصيحة والبيان إلا المفاصلة والجهاد”([180]). وتتأكد هذه المعاني في الدراسة التي نشرها الإخوان في عام 1951 لعبد القادر عودة تحت اسم “الإسلام وأوضاعنا السياسية”، الذي يعلن فيها صراحة أن من أعرض عما أنزل الله لأنه يفضل عليه غيره من أوضاع البشر فهو “كافر قطعا”، وهنا يجب أن نقرر أن هذا الاتجاه أورث إشكالا فكريًّا وعقائديًّا مازالت الساحة الإسلامية تعاني منه رغم أن المرشد الثاني أدخل على مسار هذا الفكر داخل الجماعة تغييرًا جوهريا في كتابه “دعاة لا قضاة”، الذي يدور حول أمرين أن الإخوان جماعة للدعوة وليسوا دولة، وأن أعضاءها دعاة وليسوا قضاة، وبالتالي إطلاق الأحكام بهذه الصورة ليست مهمتهم بأي حال.

والسؤال الثاني الذي يحتاج إلى إجابة هو كيفية تغيير النظم الحاكمة للدولة؟ ثم هل هناك بدائل جاهزة للتنفيذ عند الجماعة؟

لا يمكن الاعتقاد أن الجماعة اعتمدت خطة للتغيير لا تتغير طوال الفترة موضوع البحث، ولكن الأرجح أنها غيرت من هذا المنهج في ضوء المتغيرات المحيطة بها والقوة التي توفرت لها، ولذا نرى أنها طوال السنين العشر الأولى من عمرها تعتمد أسلوب تغيير العرف العام، ومحاولة تكوين رأي عام يساند المطالب التي تتقدم بها الجماعة للحكومات والهيئات المختلفة([181])، وبدأ الاقتناع لدى الجماعة يزداد بأن هذه الطريقة لن تجدي خاصة بعد فشلهم في إقناع على ماهر في وزارته عام 1939م بأن تعلن الحكومة أنها حكومة إسلامية استثمارًا للأوضاع الدولية من اشتعال الحرب العالمية الثانية والأوضاع الداخلية من حكومة مؤيدة من الشعب والبرلمان والملك – على حد تقييم الجماعة للموقف العام([182])، وفشل الإخوان في إقناع رئيس الوزراء أن هذا هو السبيل الوحيد لوقف تدخل الإنجليز للإطاحة بالحكومة التي رفضت انضمام مصر للحلفاء في الحرب، وكان حادث 4 فبراير 1942 الشهير، الذي أرغمت فيه إنجلترا الملك على تغيير الحكومة القائمة بحكومة وفدية، وكان في ذلك نهاية لهذه المحاولة.

بدأت الجماعة في حوالي هذا التاريخ تدخل إلى مجال جديد، وهو إعداد القوة المسلحة([183])، ولم يكن استخدام القوة بعيدًا عن فكر الجماعة، ولكن إعداد القوة المسلحة والتحرك بين صفوف القوات المسلحة المصرية والشرطة بدأ متزامنا مع نهاية محاولتهم مع وزارة على ماهر([184])، ويبدو أن التدخل الإنجليزي المسلح لفرض إرادته على البلاد أفرز قناعة لدى الجماعة أن الأمر لكي يصل لغايتهم لابد له من قوة مسلحة مستعدة للعمل في خدمة مبادئ الجماعة، أو تتبنى أفكارهم على أقل تقدير، وقد تزايد هذا الشعور الذي يُغذى بأزمات ومحن مع كافة الحكومات([185]) ونظرة الجماعة لمجموع السياسيين الذين يتداولون السلطة على أنهم تربوا في أحضان الأجانب ونمت وترعرعت نفوسهم وعقولهم بعيدا عن الإسلام، وأكثر من ذلك ارتبطت مصالحهم الاقتصادية ومناصبهم العالية وثرواتهم بالسفارة البريطانية والشركات الأجنبية، فكيف يعمل أمثال هؤلاء على تخليص البلاد ممن هم سبب نعمتهم([186]).

على الرغم من تزايد الإيمان بأهمية القوة لمساندة الحق في أدبيات الإخوان وظهور أعمال الجهاز المسلح للجماعة([187])، وتكوين أقسام إدارية داخل تنظيمات الجماعة لتنظيم الأعضاء من القوات المسلحة والشرطة([188])، وصدور قرار الجماعة بالاشتراك في حرب فلسطين واستعدادهم لدفع عشرة آلاف متطوع([189])، وإعلان الجماعة لمعركة المصحف للوصول إلى الدستور الإسلامي أو “التميز قبل المفاصلة”([190])، بدأ في الأفق توجس من جانب حسن البنا من تزايد المساحة التي يشغلها هذا الإيمان في عقول ونفوس أعضاء الجماعة، فإذا به يجتمع بقيادة الجماعة الموسعة الممثلة في الهيئة التأسيسية للجماعة في أغسطس 1948م، ليتناقشوا في موقفهم من انتخابات 1950م، والخروج بقرار تكليف اللجنة السياسية بالجماعة باستطلاع الرأي داخل الجماعة حول خوض هذه الانتخابات([191])، والباحث لا يذهب إلى الرأي القائل بدلالة هذا على إيثار الرجل للعمل السلمي في إطار الشرعية القائمة([192])، فيكاد يكون من المستحيل أن يزهد الرجل في فرصة الوصول لتغيير الأوضاع القائمة للصورة المنشودة، ولكن الأمر الذي بدأ حسن البنا يخشاه أن القوة التي تساند الحق الذي تعتقده الجماعة أصبحت خارج سيطرته([193])، ومن ثم فإن استخدام هذه القوة – وهي على هذا الوضع- لا يمكن تصور مدى الشرور التي يمكن أن تتداعى على الجماعة والمجتمع وعلى صورة الإسلام الذي تحمله الجماعة من جرائه.

وقد أوضح مؤسس الحركة خطوات الدعوة في ثلاث مراحل:

1-  التعريف: وهي مرحلة نشر الفكرة بين الناس، ونظام الدعوة في هذه المرحلة نظام الجمعيات الإدارية، ومهمتها العمل للخير العام ووسيلتها الوعظ والإرشاد تارة، وإقامة المنشآت النافعة تارة أخرى.

2-  التكوين: باستخلاص العناصر الصالحة لحمل أعباء الجهاد وضم بعضها إلى بعض، ونظام الدعوة في هذه المرحلة صوفي بحت من الناحية الروحية وعسكري بحت من الناحية العملية.

3-    التنفيذ: والدعوة في هذه المرحلة جهاد لا هوادة معه، وعمل متواصل من أجل الوصول إلى الغاية([194]).

ومنذ مؤتمر الجماعة الرابع عام 1937 في المنصورة وأسيوط قررت الجماعة أن يتميز أعضاء الجماعة، بمعنى آخر أن يكون عضو الجماعة إخوانيا فقط ولا ينتمي إلى أي حزب أو هيئة أو جمعية أخرى سواء كانت قريبة من فكر الإخوان أو بعيدة، وأن يعمل أعضاء الجماعة على صياغة أنفسهم وبيوتهم وفق مبادئ الجماعة([195])، وقسموا الناس أمامهم إلى ستة أصناف: مسلم مجاهد أو مسلم قاعد، أو مسلم آثم، وذمي معاهد، أو محايد أو محارب، ولكل واحد من هؤلاء حكمه في ميزان الإسلام، ويكون على أساسها الولاء أو العداء([196]).

وعلى ذلك فإن خطه التغيير عند الجماعة تطورت على النحو التالي:

الخطة الأولى:

العمل على تكوين رأي عام يناصر أفكار الإخوان ومبادئهم، ويكون مساندًا للمطالب التي توجه بها الإخوان للحكومات على هيئة مشروعات إصلاحية، ومقترحات لإعادة بناء المجتمع المصري، وقد سارت الجماعة على هذا النهج حتى عام 1940([197]).

الخطة الثانية:

هي الاستمرار في الخطة الأولى ولكن يضاف إليها أمران، أولا محاولة الوصول للمجلس التشريعي للمحاولة في تغيير النظم المخالفة لتصوراتهم بالطرق القانونية والدستورية، وقد حاولوا ذلك في عام 1942م وفي عام 1945م ولكنهم – على حد تقييمهم للموقف في المرتين – منعوا من الوصول بسبب تدخل الإنجليز، الأمر الثاني كان بدء تكوين قوة مسلحة تعمل على بذر الخوف في نفوس الإنجليز بالدرجة الأولى وحماية الدعوة من أعدائها إجمالا([198]).

الخطة الثالثة:

وهي استثمار للانتشار الجماهيري لأفكار الجماعة، وذلك بدفع الجماهير للمطالبة بتطبيق مبادئ الإخوان، وإعادة تشكيل نظم البلاد وفق تصوراتهم وكانت البداية لذلك إعلان معركة المصحف في مايو 1948م([199])، وعلى جانب آخر استخدام القوة المسلحة لمنع الإنجليز محاولة فرض إرادتهم على البلاد مثلما حدث في 4 فبراير 1942م، ويعتقد الباحث أن في هذا النسق يمكن فهم العبارة التي ترددت في أكثر من مكان أثناء حرب فلسطين أن المعركة الحقيقية للمحاربين في فلسطين إنما هي في مصر([200]).

وهذه الخطط الثلاث من الممكن أن تكون مراحل تطورت فيها خطة الجماعة بحسب الظروف داخل الجماعة وخارجها، أو أنها كانت مراحل مرتبة بحيث تنتقل الجماعة من مرحلة لأخرى بعد استكمال عدتها للمرحلة الجديدة.

ومما سبق فإن استخدام الإخوان للقوة يعتبر أمرًا طبيعيا في ظل منهجهم، فهم يعلنون أن القوة شعار الإسلام في كل نظمه وتشريعاته ولكنهم يرون أنه قبل استخدامها يجب أولا تجميع مادتها في العقيدة والإيمان، والوحدة والارتباط، ثم الساعد والسلاح، ثم يجب أن تكون حسابات استخدامها دقيقة لتحقيق الهدف المنوط باستخدامها بأقل الأضرار([201])، وهم عند استخدامها سيكونون صرحاء فسينذرون أولا، وينتظرون بعد ذلك ثم يتقدمون في كرامة وعزة ويحتملون كل نتائج موقفهم هذا بكل رضاء وارتياح([202])، وفي اعتقاد الباحث فإن معركة المصحف كما أعلنها الإخوان كانت هي النذير، وأن مقتل البنا وحل الجماعة واعتقال أفرادها كان رد النظام القائم على هذا الإنذار – أو هكذا يظن الباحث أن الإخوان فهموا –، وكان ترتيب استخدام القوة، سواء كان من صنع الجماعة أو بمشاركتهم أو بعلمهم، فقد كان لابد للجماعة أن تتجه صوب هدف التغيير الكامل لهذا النظام، وقد كان الشكل الذي تم في 23 يوليو 1952 هو أقرب الأشكال أو يكاد ينطبق على فلسفة الجماعة في استخدام القوة بشكل محدد وعدم اللجوء للثورة الهوجاء مثلما كان في الثورة الفرنسية والبلشفيه أو حتى المصرية في عام 1919م، لأنها من التجربة التاريخية – وهو الرصيد الذي تعامل الإخوان مع مفهوم الثورة من خلاله – تؤدي إلى تدمير البلاد، وإيذاء العباد، ونهايتها غير معلومة.

مشروعات الجماعة للنهوض بالمجتمع المصري:

قام بعض الباحثين بمعالجة هذا الموضوع من جوانب مختلفة، وقدموا فيه تصورات الجماعة حول المجالات المختلفة وكيفية النهوض بها، وسوف يعرض الباحث للمبادئ الأساسية التي اعتمد عليها الإخوان عند رسم تصوراتهم لكل مجال، مع ذكر المشروعات أو التصورات التي صارت جزءا من نظام المجتمع والدولة المصرية، والاقتصار على المجالين السياسي، والفكري الثقافي، بما يوضح الاستجابة الإخوانية لما تواجه من تحديات :

أولا: المجال السياسي:

لم يحظ مجال من مجالات الفكر والنشاط الإخواني بالدراسة بمثل ما حظى المجال السياسي، سواء من خصومهم أو مؤيديهم، أو من الإخوان أنفسهم، أو من الباحثين مصريين وغير مصريين، ولكن –في رأي الباحث – الدراسة التي نشرها الأستاذ/ إبراهيم زهمول في كتابه “الإخوان المسلمون – أوراق تاريخية” أجدرهم بالاهتمام وكذلك الدراسة التي نشرها الأستاذ/ إبراهيم البيومي غانم في دراسته لرسالة الماجستير وموضوعها “الفكر السياسي للإمام حسن البنا”.

وأهمية الأولى أنه أظهر مشروع الدستور الإسلامي الذي وضعه الإخوان في عام 1952. وقواعد الحكم عند الإخوان ثلاثة (وفقا للدستور المقترح) هي كالتالي:

أولا: مسؤولية الحاكم، فالحاكم مسؤول بين يدي الله وأمام الأمة، وهو أجير لهم وعامل لديهم فما هو إلا تعاقد بين الأمة والحاكم على رعاية المصالح العامة.

ثانيا: وحدة الأمة، فلا تصور الفرقة في الشؤون الجوهرية، أما الخلاف في الفروع فلا يضر، وما كان من المنصوص عليه فلا اجتهاد فيه، وما لا نص فيه فقرار ولي الأمر يجمع الأمة عليه.

ثالثا: احترام إرادة الأمة تتمثل في حقها في مراقبة حاكمها وحقها عليه أن يشاورها([203])، ويعتبر مشروع الدستور هو التصور السياسي الكامل للجماعة([204]).

أما الدراسة الثانية حول فكر حسن البنا السياسي، فقد حددت الدراسة الهوية السياسية للأمة عند الرجل، وبالتالي فهي وجهة نظر الجماعة في هذه القضية ومفهوم الدولة وشكلها من خلال 1030 مقال هي مجموع ما كتبه البنا بالإضافة لرسائله ومذكراته، وأهميتها أنها تابعت رد الجماعة ومرشدها على الشبهات التي أثيرت حول فكر الجماعة السياسي.

أما المشروعات التي تقدمت بها الجماعة وتحولت إلى واقع في نظام الدولة فهي:

1-  المطالبة بإلغاء دستور البلاد، والعمل على وضع دستور جديد للبلاد، وقد بدأ هذا الاتجاه من إعلان معركة المصحف عام 1948، ثم بالإعلان الواضح في بيان الجماعة بعد قيام ثورة يوليو 1952، وذلك في 2 أغسطس 1952م([205])، وقد تم إلغاء دستور البلاد في 10 ديسمبر 1952م، وتكوين لجنة وطنية لوضع مشروع دستور جديد في تاريخ لاحق عام 1953م([206]).

2-  إلغاء الأحزاب والنظام الحزبي واستبدال هيئة قومية واحدة به تكون هي الهيئة السياسية الوحيدة في البلاد، وقد تم إلغاء الأحزاب وحلها في 17 يناير 1953، وقبل أن ينتهى هذا الشهر أعلن عن إنشاء هيئة التحرير في 23 يناير 1953م([207])، وذلك كمنظمة سياسية بديلة للأحزاب السياسية.

3-  إلغاء الملكية وإعلان الجمهورية، وقد كان هذا المطلب في غاية الوضوح في الدراسة التي نشرها الإخوان في أول ديسمبر 1952 تحت عنوان “أملكية أم جمهورية؟”، للدكتور محمد طه بدوي عضو الشعبة القانونية بالجماعة، وقد ألغيت الملكية وأعلنت الجمهورية في 18 يونيو 1953م([208]).

4-  المطالبة بمحاكمة كل من تسبب في الفساد الذي انتشر في المجتمع، سواء كان بتسهيله للملك القيام بإفساد الحياة السياسية، أو كان ذلك بنفوذه السياسي أو استغلال النفوذ الوظيفي ممن تولوا مناصب عامة، وكان هذا المطلب في بيان الجماعة حول “الأوضاع الراهنة، السابق الإشارة إليه([209])، وقد صدر مرسوم قانون في 22 ديسمبر 1952 بمحاكمة المسؤولين عن استغلال النفوذ من الموظفين العموميين أو أعضاء البرلمان أو كل شخص كان مكلفا بخدمة عامة، والعقوبات هي الحرمان من الحقوق السياسية وتولى وظائف الشركات ورد الأموال، وهذه العقوبات هي عين ما طالب به الإخوان([210]).

5-  بالنسبة لوضع مصر الدولي، كان موقف الإخوان أن مصر ليست مضطرة للانضمام لأي من الكتلتين سواء الشرقية أو الغربية، وقد كان ذلك على لسان حسن البنا، وكذلك المرشد الثاني للجماعة حسن الهضيبي([211])، وقد كانت مصر من المؤسسين لحركة عدم الانحياز التي ظهرت عام 1961م في مؤتمر بلغراد([212])، هذا غير الاهتمام بقضايا التحرر الوطني في العالم، وهو الأمر الذي حرصت عليه الجماعة طوال مسيرتها في نطاق العالم الإسلامي([213]).

6-  كان من تأثير انتشار الإخوان أن تكونت جماعة “الأمة القبطية” في 11 سبتمبر عام 1952 وقد انتشرت بسرعة بين شباب القبط حتى بلغت عشرات الآلاف في مختلف أنحاء مصر، وقد أعلنت أن غرضها الاهتمام بالشئون الكنسية والقبط دون الدخول في الأمور السياسية، وقد انتهت الجماعة في إبريل 1954 بعد قيامها باختطاف البابا يوساب الثاني وإجباره على التنازل عن الكرسي البابوي ومحاولتهم استخدام العنف تجاه المسلمين([214]).

7-  نستطيع أن نضيف لذلك موقف الحكومة من القضية الوطنية واستجابتها لمبدأ إلغاء المعاهدة 1936 ووقف المفاوضات وحمل السلاح في مواجهة الإنجليز وتنظيم حركة الفدائيين، وتم ذلك فيما بين الحكومة الوفدية والجماعة في عام 1951م، وذلك استجابة لما طالبت به الجماعة منذ عام  1946م في المؤتمر العام لرؤساء مراكز الجهاد([215]).

8-  إلغاء البوليس السياسي (أو القسم المخصوص) وقد كان هذا أحد بنود إعلان الجماعة حول إصلاح الأوضاع الراهنة السابق الإشارة إليه، وقد تم الإلغاء بعد أيام قليلة من قيام الثورة، ولكن النظام الأمني للبلاد احتاج لإدارة بديلة تراقب نشاط الأجانب والنشاط الصهيوني وغيره، فتم تأسيس إدارة المباحث العامة في 19 أغسطس 1952([216]).

9-  وفي نطاق آخر، قد كان قيام بعض أفراد الجهاز في الجماعة باغتيال بعض الشخصيات التي احتدمت خصومتها مع الجماعة ذريعة لبعض التيارات الإسلامية – فيما بعد – أن تنتهج هذا الأسلوب ضد الخصوم، وإن كانت الجماعة أعلنت عن معارضتها لهذا النهج([217]).

المجال الفكري والثقافي:

على الرغم من أهمية هذا الجانب فإن الباحث يعتقد أنه لم يفز بما يستحقه من الاهتمام، وقد كان أول من أشار إلى تميز الإخوان وتفردهم بمهاجمة الاستعمار الثقافي هو ريتشارد ميتشيل في الجزء الثاني من دراسته عن الإخوان([218])، وقد ذكر حسن البنا أن منابع الثقافة في مصر هي المدارس والنظام التعليمي والصحف والمطبوعات والسينما والمسرح والإذاعة اللاسلكية([219]).

والتعامل مع هذه المنابع يكون بالصورة الآتية:

1- الصحف والمطبوعات والسينما والتمثيل والإذاعة، يجب أن تراقب كل هذه النواحي مراقبة فعالة منتجة، وينص القانون على عقوبات زاجرة ولتصادر الصحف الماجنة والخليعة، وتوضح مناهج الإذاعة بدقة وأحكام.

وقد فرضت الرقابة على السينما والتمثيل في أواخر عام 1952 ثم انتقلت الرقابة إلى مصلحة الاستعلامات عام 1954م([220])، أما الإذاعة المصرية فقد خضعت لمجلس أعلى من وزارة الشئون الاجتماعية والداخلية والخارجية والمواصلات والمعارف العمومية ومصلحة التلغراف والتليفونات، وزالت عنها الهيمنة البريطانية اعتبارا من 4 مارس 1947، وعند إنشاء وزارة الإرشاد القومي في نوفمبر 1952 ضمت الإذاعة إليها([221])، أما الرقابة على الصحف فقد فرضت عليها في فترات متقطعة ولكن شبه مستمرة لأن رفعها كان لفترات قصيرة، ولكن لم يكن فرضها لأسباب أخلاقية إنما كان لأسباب في الغالب سياسية([222]).

وأما المطبوعات ذات الصبغة الإسلامية سواء الصحفية منها أو الدراسات البحثية أو الكتب الفكرية الإسلامية فقد عملت الجماعة على تنشيط هذا الاتجاه بنفسها، فكانت الصحافة الإخوانية الشهرية والأسبوعية، والمرة الوحيدة التي كان للتيار الإسلامي صحيفة يومية كانت على يد جماعة الإخوان في عام 46 حتى 1948م([223])، وقد قدم الإخوان مجموعة من الدراسات التي تعمل على شرح جوانب الفكرة الإسلامية بشكل معاصر، ومن أمثلة ذلك.

– مجموعة رسائل حسن البنا – وهي حوالي سبع عشرة رسالة.

– الإسلام والأوضاع الاقتصادية، محمد الغزالي.

– الإسلام والمناهج الاشتراكية، محمد الغزالي

– الإسلام وأوضاعنا القانونية، عبد القادر عودة.

– القرآن والذرة، الدكتور محمود حامد.

– المسألة المصرية، أنور الجندي.

– انهيار الحضارة الغربية، أنور الجندي.

– مصر في عهد آدم، لبيب البوهي([224]).

هذا بخلاف ترويجهم للكتابات الإسلامية للكتاب المعاصرين([225]) والقدماء والتي يرون فيها تعبيرا عن الإسلام الذي ينادون به، وقد قدم الأستاذ/ محمد فتحي شعير دراسة مستفيضة حول هذا بعنوان وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين، “هذا بخلاف ما وضعته الجماعة من برامج تثقيفية لأفرادها في مستوياتهم المختلفة بدءًا من المجموعات الصغيرة في أسفل السلم التربوي الإخواني المعروفة بالأسر([226])، وانتهاء بالدعاة المعتمدين للجماعة الذين نظمت لهم الجماعة “مدرسة الدعاة”([227])، التي تطورت بعد ذلك إلى كلية الدعاة، وهذه المناهج كانت تتعامل مع ما يقرب من نصف مليون مصري كتقدير متوسط بين الإحصاءات المختلفة حول عدد أعضائها([228])، وقد قام الباحث أحمد ربيع عبد الحميد في دراسته للماجستير وموضوعها “الفكر التربوي وتطبيقاته لدى جماعة الإخوان المسلمين” بجهد مشكور في دراسة وتحليل مناهج الجماعة التربوية([229])، وسوف يتعرض البحث لتطور البرامج الثقافية لأعضاء الجماعة لاحقا.

أما المدارس والعملية التعليمية، فقد قامت الجماعة بتأسيس عدد كبير من المدارس في كثير من نواحي مصر، حاولوا فيها تطبيق آرائهم في العملية التعليمية من تقريب بين الثقافات الفاعلة في المجتمع، فهناك الثقافة الدينية بالمدارس الأزهرية، والثقافة المدنية بالمدارس الحكومية، والثقافة الغربية في المدارس الأجنبية، وكانت آراؤهم  في هذا الشكل أنه يورث تشتتا في ثقافة الأمة وتنافرًا بين أبنائها، وكذلك يرون تشجيع الناحيتين العملية والاستقلالية ما أمكن والبعد عن النظريات المجردة، والتفريق بين البنين والبنات سواء في الأماكن التعليمية أو في المناهج الدراسية([230])، وقد اجتهد الإخوان في تطبيق هذه التصورات من خلال مؤسساتهم التعليمية التي انتشرت مع ازدياد انتشار فروع الجماعة المسماة بالشُعَب والتي وصل تقديرها إلى أكثر من ألفي شُعْبَة([231])، ونجحوا في جعل مادة الدين أساسية في جميع الصفوف الدراسية([232]).

ومن جانب آخر أخذت الجماعة تستحث أصحاب التخصص في العلوم المختلفة على البحث الإسلامي، والبحث الإسلامي المقارن، وتأسيس جمعيات الدراسات مثل جمعيات الدراسات الإسلامية للاقتصاد والسياسة والمال بكلية التجارة بجامعة فؤاد الأول، واستضافتها في المركز العام([233])، كذلك دعوة المتخصصين لإلقاء المحاضرات المتخصصة بالمركز العام للإخوان، ومن هذه المحاضرات:

–   الاقتصاد الإسلامي، دكتور محمد عبد الله العربي.

–   إصلاح القرية، دكتور محمد عبد الله العربي.

–   التكافل الاجتماعي في الإسلامي، الشيخ محمد أبو زهرة.

–   وسائل تنمية الثروة الزراعية، الدكتور محمد عبد الله الزوني.

–   الصناعات الكيماوية وأثرها في النهضة بثروة البلاد، الدكتور حسن إبراهيم بدوى.

–  التأمين في ضوء الإسلام، ندوة مفتوحة اشترك فيها : عبد الوهاب خلاف، أحمد عنان، عبد الله فكرى أباظة، محمد يوسف موسى، محمد عبد الله دراز، محمد أبو زهرة… وغيرهم، واستمرت الندوة ثلاثة أسابيع وكانت تعقد في لقاء الإخوان الأسبوعي يوم الثلاثاء([234]).

هذا بالإضافة إلى تنظيم مكتبات مفتوحة سواء لأعضاء الجماعة أو غيرهم في شعب الجماعة في أنحاء القطر([235]).

البرامج الدراسية في جماعة الإخوان:

تنقسم البرامج الدراسية التي قررتها الجماعة لأعضائها إلى قسمين:

1-    برامج دراسية إجبارية لجميع الإخوان.

2-    برامج دراسية خاصة لإعداد دعاة الفكر الإخواني في المجتمع المصري.

أولا: البرامج الدراسية الإجبارية:

وقد أكدت الجماعة أنه لابد لكل عضو من دراسة منتظمة طويلة الأمد وعميقة الغور لمصادر الإسلام من القرآن والسنة النبوية والسيرة وهدى السلف، وأن يحرص على الإطلاع على القديم والحديث من الدراسات والمراجع بما يجعل صورة الحياة الإنسانية كما يريدها الإسلام واضحة في ذهنه([236])، وحددوا المحاور الرئيسية لهذه الدراسة كما يلي:

1-    دراسات قرآنية، وتشمل أحكام التلاوة وأسباب النـزول، والتفسير.

2-  دراسات في الحديث النبوى، تشمل دراسة نصوص من أحاديث الرسول r وعلم مصطلح الحديث ورجاله (الجرح والتعديل) مع حفظ أربعين حديثا على الأقل.

3-    دراسة سيرة الرسول وتاريخ الصحابة والسلف وتاريخ الأمم والشعوب.

4-  دراسة رسالة في أصول العقائد، ورسالة في فروع الفقه وتاريخ التشريع الإسلامي بحيث يكون ملما بقواعد العقائد وفروع الأحكام وأسرار التشريع.

5-    دراسة قواعد اللغة العربية دراسة تمكنه من التحدث بها.

6-  دراسة  واقع الحياة العملية، وتحليل عللها ونتائجها مع دراسة عميقة للمجتمعات الإسلامية ومشكلاتها، وأن يحرص العضو على تثقيف نفسه في الشئون العامة بحيث يكون قادرًا على الحكم عليها.

7-    أن يدرس التيارات المعادية للإسلام سواء فكريا أو سياسيًا مثل الماسونية والشيوعية والملل الحديثة مثل القاديانية والبهائية.

8-    أن يكون حريصا على الإكثار من المطالعة في رسائل الإخوان وصحفهم ونشراتهم.

9-    أن يتبحر في علمه وفنه ليكون قمة فيه([237]).

ثانيا: البرامج الدراسية لإعداد دعاة الفكر الإخواني:

وهذه البرامج لا ينتسب إليها الأعضاء بذاتهم بل يجب ترشيحهم من خلال شعبهم ويوافق عليهم المركز العام، وهي تعمل على استكمال الإعداد العلمي لأشخاص يمثلون الجماعة أمام الشُعَب، ويشرحون فكر الجماعة له، ويكسبون له الأنصار والمؤيدين وكانت لائحة المنهاج الثقافي المنشورة في مارس 1940 بمجلة التعارف هي أول برنامج في هذا الإطار، وهي تدور في المواد الدراسية الآتية:

1-    القرآن، علومه وتفسيره.

2-    السنة وعلومها.

3-    العقائد والمذاهب الفكرية.

4-    الفقه وأصوله، وتاريخ التشريع ورجاله.

5-    الفلسفة وعلم النفس والأخلاق والتربية.

6-    علم الاجتماع والخدمة الاجتماعية مع دراسة تطبيقية على مصر.

7-    السيرة النبوية والتاريخ الإسلامي ممتدًا حتى الوقت الحاضر.

8-    فن الخطابة علميا وعمليا.

وقد ضمت قائمة المراجع المصاحبة لهذه المواد 138 كتابا، يقرأ الفرد قدر طاقته منها ولكن بحد أدنى الإلمام بالملخص الوارد بمقدمة كل مادة، وكذلك ليس المطلوب الدراسة في كافة الفروع دفعة واحدة، ولكنه يتخير أربعة منها كحد أدنى للدراسة، وقد اعتمدت اللائحة بعض الملاحظات الأساسية للدراسة منها:

–  الدراسة ذاتية، بالإضافة لمحاضرات المرشد العام العامة والتي تتعلق بشرح بعض المواد، فهي تطبع وتوزع على الدارسين.

–  الاستفادة بمكتبة المركز العام، والعمل على استكمال مكتبات الشعب لتكون عونا للدارسين.

–    على الدارس أن يعمل على إعداد بحث في مادة يدرسها في هذا البحث يسجل الدارس خلاصة قراءاته في المراجع المذكورة بالمنهاج، وتتم مناقشته من خلال لجنة امتحان لمعرفة مقدرته على الاستنتاج والمقارنة.

–  فترة الدراسة من يناير حتى منتصف أكتوبر من كل عام.

–  الامتحان في النصف الثاني من أكتوبر، والمرشد العام هو رئيس لجنة الامتحان وهو الذي يعين الممتحنين في كل مادة.

–  القرآن والحديث يكون الامتحان بجانب البحث بطريقة الاستظهار الشفهي.

–    إذا نجح الطالب أخذ درجة علمية (ممتاز – جيد جدًا – جيد – متوسط) أو تعيد اللجنة إليه بحثه ليتقدم به في موعد لاحق، والمجازون يعتبرون من الدعاة الرسميين للإخوان([238]).

ويلاحظ على المراجع المعتمدة في اللائحة:

1-    أنها جمعت بين كتب التراث والكتب المعاصرة خاصة في العقيدة والأخلاق.

2-  اعتمدت على مجموعة من المؤلفات المترجمة خاصة في مجال الاجتماع، هذا وإن كان يدل على عدم رفض الإخوان للفكر الغربي بصورة مجملة، يدل أيضًا على خواء المكتبة العربية في هذا الوقت لدراسات في هذا المجال.

3-    الإحاطة ببعض الكتابات ذات الطابع التجديدي أو للكتاب المعروفين في هذا الاتجاه مثل محمد عبده والكواكبي.

4-    محاولة الإحاطة بأغلب العلوم النظرية المتاحة، وتأكيد البعد الإسلامي فيها جميعا.

5-  أما نظام الدراسة فكان ينمي الذاتية في القراءة والبحث، والمهارات الذاتية للأفراد من خلال الخطابة والكتابة للبحوث والاستظهار الشفهي للقرآن والحديث.

وقد تطورات المدارس التثقيفية الإخوانية داخل الجماعة، ونصت اللائحة الداخلية عام 1951 على أن ينشأ في دائرة كل مكتب إداري مدرسة للدعاة على الأقل، ويقوم قسم نشر الدعوة بوضع برامج لهذه المدارس ويكون المدرسون من بين الإخوان أو أصدقائهم من ذوي الكفايات العلمية([239])، وقد كانت أول مدرسة للدعاة بالمركز العام في إبريل 1953م، وقد سارت على منهج قريب من لائحة المنهاج السابقة وكان نظام الدراسة يومين في الأسبوع في كل يوم محاضرتان، ومدة كل مرحلة ثلاثة أشهر، ويعقد امتحان في نهاية كل مرحلة، وكان يقوم بالتدريس فيها نخبة من ذوي الكفايات العلمية مثل سيد قطب، والشيخ محمد أبو زهرة، والشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ سيد سابق، وسعيد رمضان، وعبد القادر عودة وغيرهم([240]).

يضاف لما سبق أسلوب آخر اعتمدته الجماعة لإعداد مجموعات من الطلبة والعمال والموظفين إعدادًا سريعا، وذلك عن طريق تنظيم محاضرات علمية منتظمة ومركزة بالمركز العام، والهدف إعداد إخوان يستطيعون التعبير عن الأفكار الإسلامية لدى الإخوان في محيطهم، وكان موعد المحاضرات يوم الجمعة من كل أسبوع، وكان المحاضرون فيها غالبا هم ذات المدرسين في مدرسة الدعاة، وبعض الضيوف مثل د. عبد الله العربي، ود. يوسف موسى، ود. محمد ضياء الدين الريس، وهذا غير المحاضرات العلمية والثقافية العامة التي كانت تنظم من خلال أقسام الجماعة المختلفة([241]).

من التطور السابق لنظم الدراسة وإعداد الدعاة عند الجماعة يمكن ملاحظة أن الإخوان لم يلتزموا بالمستوى الذي اعتمده المرشد الأول لممثلي فكر الجماعة أمام الجماهير، وهذا يعكس أن الجماعة اتجهت إلى التوسع الأفقي على حساب العمق الثقافي لأفرادها، وقد تزايد هذا الاتجاه في الفترة من نهاية عام 1951م إلى 1954م([242])، وقد أثر هذا الأسلوب على مستوى تحقيق الجماعة لهدف “الفرد المسلم” مما سيؤثر بالتالي على سائر الأهداف، كما سمح هذا الوضع لأفكار جديدة أن تخترق النسيج الفكري للجماعة مما سيكون له أثره في المستقبل سواء على الإخوان أو التيارات الإسلامية في مصر.

الهـوامش

(1) جمال حمدان، العالم الإسلامي المعاصر، كتاب الهلال، القاهرة، 1993 صـ175.

(2) جمال حمدان، المرجع السابق، ص 175-176.

(3) بييررنوفان، تاريخ العلاقات الدولية 1805-1914م، دار المعارف، القاهرة، 1980، ترجمة دكتور جلال يحيي، صـ641.

(4) نفسه، صـ642.

(5) جمال حمدان، نفسه صـ 176.

(6) المرجع السابق، صـ176، سواء صحت هذه المقولات عن هؤلاء القادة الغربيين أو لم تصح، فقد كان لانتشارها أثره في نفوس أصحاب التوجه الإسلامي بل وفي المسلمين بصورة عامة.

(7) نفسه، صـ177.

(8) ستأتي ترجمة للمؤسس في هذا الفصل صـ36.

(9) حسن البنا، مجموعة الرسائل، دار الشهاب، بيروت، بدون تاريخ، صـ150.

(10) نفسه، صـ184.

(11) المصدر السابق، صـ185.

(12) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، دار الشهاب، بيروت، بدون تاريخ صـ35.

(13) حسن البنا، نفسه، صـ53، مجلة النذير الأسبوعية، العدد (11) السنة الرابعة، 1936.

(14) حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة بين الأمس واليوم، صـ131.

(15) مجلة “النذير الأسبوعية” العدد (4) السنة الثانية، 22 من المحرم 1358هـ.

ص 15، لوثروب ستودارد، حاضر العالم الإسلامي، دار الفكر العربي، بيروت، الطبعة الرابعة، 1973جـ 1 صـ 390 ترجمة عجاج نويهض، تعليق الأمير شكيب رسلان.

(16) سوف يتعرض البحث لرأي الجماعة في النظام السياسي، ونظرتهم للخلافة بالتفصيل في الفصل الثاني ويراجع في هذا المثال: حسن البنا، المصدر السابق، صـ213.

(17) محمود محمد شاكر، رسالة في الطريق إلى ثقافتنا كتاب الهلال، القاهرة، 1987، صـ66، تعرض العديد من المفكرين لهذا الأمر لاستقصاء بداية الانحسار للحضارة الإسلامية وفي هذا أنظر أيضًا:

– أبو الحسن الندوي: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، دار نهر النيل، القاهرة، 1989.

– شكيب أرسلان: لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم، دار الفكر، دمشق، 1980م.

– مالك بن نبي: وجهة العالم الإسلامي، دار الفكر، دمشق، 1981م.

(18) محمود شاكر: مرجع سابق، صـ76.

(19) جمال حمدان: مرجع سابق صـ178.

(20) إبراهيم البيومي غانم، الفكر السياسي للإمام حسن البنا، الدار الإسلامية، القاهرة 1992، الملحق الأول دراسة تحليلية لمكتبة حسن البنا الخاصة.

(21) الطريقة الحصافية: أسسها الشيخ حسنين الحصافي، في العقد الثامن من القرن التاسع عشر الميلادي الموافق العقد الأخير من القرن الثالث عشر الهجري وقد كانت مزيجا انتقائيا من خلال ستة طرق صوفية عاصر الشيخ أربابها (إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، هامش، صـ171، عن المنهل الصافي في مناقب السيد حسنين الحصافي لعلي الجعفراوي، صـ30، 31).

(22) الحركة السنوسية: مؤسسها هو محمد بن علي السنوسي (1800-1859) بدءها بالزاوية البيضاء بالقرب من “درنا” بليبيا، وعرفت الفروع باسم الزوايا البيضا ونشرت في كثير من الأقطار الإسلامية كانت الزاوية تكون مجتمعا صغيرا له شكل تنظيمي متميز وتعمل الزاوية على الاكتفاء الذاتي من الناحية الاقتصادية، وللحركة مناهج تربوية لأفرادها ويلتزم أفرادها بأوامر السنوسي التي تصل للأفراد من خلال شكل تنظيمي هرمي (لوثروب ستودارد، المرجع السابق، ص 295-300) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ 174).

(23) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ174؛ لوثروب ستودارد، المرجع السابق صـ295-300 جـ1.

(24) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ175.

(25) حسن البنا، مجموعة الرسائل، صـ333- 359.

(26) محمود عبد الحليم، أحداث صنعت التاريخ، دار الدعوة، الإسكندرية 1979 جـ1، صـ150-160.

(27) حسن البنا، نفسه صـ284؛ محمود عبد الحليم، نفسه صـ256.

(28) حسن البنا، نفسه، صـ156.

(29) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ172.

(30) حسن البنا، نفسه صـ274.

(31) نفسه، صـ274.

(32) حسن البنا، المصدر السابق، ص 274.

(33) لمزيد من التفاصيل حول توابع وآثار هذه التربية راجع:

– عبد العظيم رمضان، الإخوان المسلمون – الجهاز السري – روزاليوسف، القاهرة، بدون تاريخ.

– أحمد عادل كمال، النقط فوق الحروف – الجهاز السري – الزهراء للأعلام العربي، القاهرة، 1987م.

– محمود الصباغ، حقيقة الجهاز الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين دار الاعتصام، القاهرة 1989م.

– محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون – أحداث صنعت التاريخ رؤية من الداخل جـ1، جـ2.

(34) محمد بن عبد الوهاب: ولد بالعينية من نجد بالجزيرة العربية من أسرة اشتهرت بالعلم، حفظ القرآن وتفقه على المذهب الحنبلي منذ صباه، قام برحلات لعدة أقطار إسلامية فأنكر على المسلمين، ما يقومون به عند الأضرحة والقبور، والاستسلام لكثير من الطقوس التي تنافي جوهر التوحيد، فقام بدعوته التي عرفت باسم السلفية وناصرته أسرة آل سعود وهم أمراء الدرعية بنجد، واستطاع بهم أن يفرض دعوته على الجزيرة العربية، حتى أسقط دولتهم محمد علي سنة 1818، (لوثروب ستودارد المرجع السابق، صـ295-300، عبد الرحمن الرافعي عصر محمد علي دار المعارف، القاهرة، 1982، صـ118-152، محمد فتحي عثمان السلفية في المجتمعات المعاصرة – دار القلم، الكويت، 1981صـ31-61).

(35) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ173.

(36) وثائق الأمن العام محفظة (7أ) سري سياسي رقم 1553 بتاريخ 5 يونيو 1940.

(37) محمود عبد الحليم، المصدر السابق، جـ1، صـ109.

(38) حسن البنا، المصدر السابق، صـ156؛ إبراهيم البيومي غانم: المرجع السابق صـ173.

(39) حسن البنا، نفسه، صـ268-271؛ محمد فتحي عثمان، المرجع السابق، صـ122-130.

(40) حسن البنا، نفسه صـ290-331؛ محمد فتحي عثمان، المرجع السابق صـ130.

41) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية صـ81-82؛ محمود عبد الحليم، المصدر السابق، صـ99.

(42) جمال الدين الأفغاني: ولد في أسد أباد بالقرب من كابل عاصمة أفغانستان ووالده السيد سفدر الذي رد نسبه إلى العالم المحدث على الترمذي المتوفى (279هـ- 892م)، صاحب كتاب السنن، استطاع جمال الدين أن يستوعب العلوم الإسلامية الشرعية بالإضافة إلى الحساب والفلك والطب وهو في سن الثامنة عشر وأتقن العديد من اللغات مثل الفارسية والفرنسية والعربية والإنجليزية والتركية، تولى رئاسة وزراء أفغانستان وهو في سن السابعة والعشرين، طاف بكثير من البلاد الإسلامية وبعض  الدول الأوروبية، عرف بدعوته إلى الجامعة الإسلامية وإصلاح أداة الحكم في العالم الإسلامي واستقر بمصر في فترات متقطعة وكان لنشاطه بها أثر كبير خاصة بعد أن انضم إليه الشيخ محمد عبده، وأصدرا من باريس بعد نفيهما جريدة العروة الوثقى، وكان لدعوته آثار في مختلف أرجاء العالم الإسلامي، وتوفى باستامبول عام 1897م، ودفن في ضريح الشيخ بها. (عبد العالم الصعيدي، المجددون في الإسلام، مكتبة الآداب، بدون تاريخ، صـ490-496).

(43) محمد عبده خير الدين المصري: ولد بمحلة نصر بمديرية البحيرة، تعلم وحفظ القرآن عن طريق الكتاب ثم أرسله أبوه إلى الجامع الأحمدي بطنطا ليستمر في التعليم الأزهري إلا أنه هرب منه عدة مرات حتى نزل على خال أبيه الشيخ درويش الذي استطاع أن يرغبه في العلم، وتابع بعد ذلك تعلمه في الأزهر، كان اتصاله بجمال الدين الأفغاني نقطة تحول في حياته وعرف بثورته ورغبته في الإصلاح حتى تم نفيه مع جمال الدين ثم اختار لنفسه طريقة في الإصلاح تخالف طريقة أستاذه، فكان أن عمل في إصلاح الأزهر وإعادة تفسير القرآن وعرض الإسلام بطريقة تصلح من فكر المسلمين سواء من العلماء أو العامة مما كان له أثر بالغ في الفكر الإسلامي المعاصر (عبد المتعال الصعيدي، المرجع السابق صـ530-538، فتحي يكن، الموسوعة الحركية، مؤسسة الرسالة ببيروت، 1983م، صـ174-178، مصطفي عبد الرازق، تقديم مجلد مجموع مجلات العروة الوثقى صـ17-29).

(44) العروة الوثقى: هي جمعية سرية أسسها جمال الدين الأفغاني من عناصر مختلفة من مسلمي العالم الإسلامي، وقد كان هدفها الأساسي العمل من أجل تحقيق الوحدة الإسلامية، وخطوتها الأولى السعي لتحرير مصر والسودان من الاحتلال البريطاني، وقد كانت مجلة العروة الوثقى لسان حال هذه الجمعية (محمد رشيد رضا، مجلة المنار، المجلد الثالث، صـ455، فتحي يكن، الموسوعة الحركية، مرجع سابق صـ23).

(45) محمد رشيد رضا: ولد في بلدة قلمون بالقرب من مدينة طرابلس اللبنانية على شاطيء البحر الأبيض، تلقي فيها تعليمه الأولى، ثم دخل المدرسة الرشيدية في طرابلس، ثم استبدل بها بعد عام المدرسة الوطنية الإسلامية وكان أسسها أحد علماء لبنان الأزهريين الذين يميلون للإصلاح وهو الشيخ حسن الجسر وأخذ عنه كثيرا من العلوم، وبعد أن استكمل عدته العلمية قصد مصر ليصاحب الشيخ محمد عبده، بعد أن التقى به مرتين في لبنان، فنزل مصر عام 1898م، وصاحب الشيخ محمد عبده، وهو  الذي أصدر مجلة المنار لتنقل للعالم الإسلامي فكر محمد عبده من خلال تفسيره للقرآن واستمر في تفسير القرآن على منهاج أستاذه وكان له أثر فكري لا يقل عن تأثير شيخه، وإن كان اختلف مع أستاذه في بعض المسائل لميله لمدرسة ابن تيمية السلفية ( عبد المتعال الصعيدي، المرجع السابق، صـ539-544، فتحي يكن، المرجع السابق، صـ121).

(46) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، صـ62؛ إبراهيم البيومي غانم، صـ162، محمد عبد الحليم، المصدر السابق صـ245.

(47) لمزيد من التفاصيل حول منهج كل من جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده: إبراهيم يونس محمد مصر وفكرة الجامعة الإسلامية صـ 103-133، رسالة دكتوراه غير منشورة كلية الآداب، جامعة الإسكندرية؛ عام 1988، لوثرب استودارد المرجع السابق، جـ1، صـ287.

(48) حسن البنا، المصدر السابق، صـ271-273.

(49) نفسه، صـ274.

(50) حسن البنا، مجموعة الرسائل، صـ176.

(51) نفسه، صـ178.

(52) حسن البنا، مجموعة الرسائل، ص 179.

(53) أحمد عبد الرحيم مصطفي، تطور الفكر السياسي في مصر الحديثة، معهد الدراسات والبحوث العربية، القاهرة، 1973، صـ13-15.

(54) نفسه صـ16، محمد البهي، الفكر الإسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي، مكتبة وهبة، القاهرة 1970 صـ155 وما بعدها؛ حول بداية المسرح بمصر انظر يونان لبيب: الجوق المصري – دراسة بالأهرام بتاريخ 7/7/1994.

(55) أحمد عبد الرحيم مصطفى، المرجع السابق، صـ17؛ محمد البهي المرجع السابق، صـ160.

(56) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ75، وكذلك الهامش وبه أسماء الأساتذة الأجانب والمناهج القائمين بتدريسها.

(57) أحمد عبد الرحيم مصطفي، المرجع السابق، صـ47-50، محمد البهي المرجع السابق صـ155 وما بعدها.

(58) عبد الرحمن الرافعي، في أعقاب الثورة المصرية – مكتبة النهضة المصرية، القاهرة، 1951جـ 1 صـ 62، طارق البشري المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية الهيئة العامة للكتاب، القاهرة 1980م، صـ17 من المراجعة لأعضاء لجنة الدستور يلاحظ خلو اللجنة من أصحاب التوجه الإسلامي اللهم إلا شيخ الأزهر وآخر هو الشيخ محمد خيرت في مقابل بطريرك الكنيسة الأرثوذكسية وكان إشراكهما أقرب إلى التقليد الرسمي لا تعبيرا عما يمثله أي منهما من توجه.

(59) أحمد عبد الرحيم مصطفي: المرجع السابق صـ49، صـ64-72.

(60) لمزيد من التفاصيل حول نشأة التعليم المدني وتطوره منذ عهد محمد علي انظر: عبد الرحمن الرافعي، عصر محمد علي صـ397-407؛ أنور عبد الملك، نهضة مصر: الهيئة العامة للكتاب، القاهرة، 1971م، صـ155-176، صـ361-393.

(61) طارق البشري، المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية، صـ30، رحلة التجديد في التشريع الإسلامي مقال في مجلة العربي الكويتية، مارس 1979.

(62) H.A. GIBB: WHITHER ISLAM, P.P. 332-339.

– محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية في الأدب المعاصر، مكتبة الآداب، القاهرة، 1980، جـ 2، صـ182، وما بعدها، لوثروب ستودارد، المرجع السابق، جـ 4، صـ4.

(63) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية، صـ49: 56، زكريا سليمان بيومي المرجع السابق، صـ60-64.

(64) محمد محمد حسين، المرجع السابق، صـ 212- 285.

(65) حسن البنا، المصدر السابق، صـ50.

(66) حسن البنا، نفسه، صـ53.

(67) نفسه.

(68) نفسه.

(69) نفسه، صـ58.

(70) عمر عبد العزيز عمر: دراسات في تاريخ مصر الحديث، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية 1983م، صـ183.

(71) محمد فؤاد شكري وآخرين: بناء دولة مصر محمد علي، مطبعة جامعة القاهرة 1958م، صـ237، وما بعدها، طارق البشري، المرجع السابق، صـ28-30.

(72) نفسه.

(73) نفسه، صـ29-33.

(74) نفسه.

(75) أحمد محمد شاموق: كيف يفكر الإخوان المسلمون، دار الجيل، بيروت، 1982، صـ52، محمد محمد حسين، المرجع السابق، صـ186-188.

(76) أحمد محمد شاموق، المرجع السابق، صـ53، محمد محمد حسين: المرجع السابق، جـ2 صـ186.

(77) خليل صابات، وسائل الاتصال نشأتها وتطورها، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1987، صـ624.

(78) على عبد الرازق: الدين وأثره، بدون دار نشر، القاهرة 1933، صـ151.

(79) نفسه.

(80) نفسه، صـ153.

(81) نفسه، صـ155.

(82) نفسه، صـ162.

(83) حسن البنا، المصدر السابق، صـ24.

(84) تأسست جمعية الشبان المسلمين بالقاهرة بشهر ديسمبر 1927، واقتصر نشاطها على الشئون الاجتماعية والثقافية والدينية والرياضية، وإن كان النشاط الأخير قد غلب عليها. وقد رأسها الدكتور يحيي الدرديري (إسحق موسى الحسيني، الإخوان المسلمون الكبرى الحركات الإسلامية في العصر الحديث، دار بيروت للطباعة بدون تاريخ صـ185)  – لمزيد من التفاصيل يراجع كتاب “الطريق” للدكتور يحيي الدرديري.

(85) حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة دعوتنا، صـ16.

(86) بيان موجز للإخوان السملمين، مجلة جريدة الإخوان الأسبوعية العدد (4)، السنة الخامسة 1356هـ/ 1937م.

(87) من تراث الحركات الإسلامية، قانون النظام الأساسي لهيئة الإخوان المسلمين العامة.

(88) سعيد حوي، المدخل إلى دعوة الإخوان المسلمين، صـ264، بدون دار نشر 1979م.

(89) حسن البنا، رسالة دعوتنا-صـ16.

(90) نفسه، حسن البنا، كلمة في أغراض جمعية الإخوان المسلمين، مجلة جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (7) السنة الأولى 1352هـ/1934م، مجيد خدروي، الاتجاهات السياسية في العالم العربي، الدار المتحدة للنشر، بيروت، 1985م، صـ82-83.

(91) حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة المؤتمر الخامس، صـ152، إبراهيم البيومي، المرجع السابق، صـ207-219.

(92) حسن البنا، مجموعة الرسائل، رسالة التعاليم، صـ268.

(93) حسن البنا، رسالة المؤتمر الخامس، صـ154، أحمد محمد شاموق، المرجع السابق، صـ68.

(94) حسن البنا، رسالة دعوتنا، صـ16.

(95) حسن البنا، رسالة التعاليم، صـ268.

(96) نفسه.

(97) حسن البنا، المؤتمر الخامس، صـ155.

(98) نفسه.

(99) حسن البنا، المؤتمر الخامس، صـ155.

(100) حسن البنا، رسالة التعاليم، صـ269.

(101) نفسه.

(102) حسن البنا، رسالة دعوتنا، صـ24.

(103) حسن البنا، رسالة التعاليم صـ269.

(104) نفسه، صـ155.

(105) حسن البنا، مجموعة الرسائل – إلى أي شيء ندعو الناس، صـ31.

(106) نفسه، صـ31.

(107) طارق البشري، الحركة السياسية في مصر 1945-1952. دار الشروق، القاهرة، 1983، صـ25-39.

(108) حسن البنا، مقال السبيل إلى الإصلاح في الشرق – مجلة الفتح، إبريل، 1929، إبراهيم البيومي المرجع السابق، صـ195-205.

يظهر هذا اللبس في تشبيه كثير من الكتاب الغربيين للتطور التاريخي للشريعة ودور علماء الإسلام بما حدث في أوروبا من دور الكنيسة ورجال الدين، لمزيد من التفاصيل – ليورنارد بايندر، الثورة العقائدية في الشرق الأوسط، ترجمة خير حماد دار القلم، القاهرة 1966، صـ62، وما بعدها.

صلاح عيسي، مقدمة كتاب “الإخوان المسلمون” لريتشارد ميتشيل، صـ15؛

– Mortimer, Edward: Faith And Power, Vintage Boors, New York, 1982, PP, 31-56.

(109) سيأتي تفصيل لذلك في الفصل الثالث.

(110) تفصيل ذلك سيرد في هذا الفصل.

(111) حسن البنا، من خصائصنا – كلمات خالدة، مجلة الدعوة – السنة الثانية العدد 75-12 يوليو 1952- هذه القاعدة وضعها في الأصل محمد رشيد رضا ولكن الإخوان أدخلوها في نسيجهم الفكري.

(112) حسن البنا، مجموعة الرسائل – رسالة التعاليم، صـ266.

(113) محمود عبد الحليم، المصدر السابق، صـ135-141.

(114) هو الشيخ تقي الدين قمي من علماء الشيعة بإيران.

(115) محمود عبد الحليم، المرجع السابق، جـ2، صـ357، وينبه فيها الكاتب إلى أن حسن البنا تعاون مع أحد علماء الشيعة لتأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية في محاولة لفتح باب مغلق منذ قرون وهو التفاهم بين الشيعة والسنة، وقد علمت من حديث مع أحد قادة الإخوان أن الإخوان ضمت في بعض الدول العربية عناصر من الإباضية والشيعة الزيدية، وقد التقى حسن البنا في مكة بآية الله كاشاني عام 1948م، ودار بينهما حوارات عديدة وكان الاتفاق أن يلتقيا في العام التالي لولا اغتيال حسن البنا – وحول علاقات الإخوان بالإباضية ورأى البنا فيهم – مجلة الشباب – من أدب الخوارج- العددان الرابع والخامس من السنة الأولى مارس 1948.

– الإباضية، فرقة من الخوارج، وهم أصحاب عبد الله بن إباضة الذي خرج على الدولة الأموية، ويقولون أن دار مخالفيهم من أهل الإسلام دار توحيد إلا معسكر السلطان فإنه دار بغي، ومرتكبو الكبائر مسلمون – (الشهر ستاني، الملل والنحل – القسم الأول، مكتبة الأنجلو المصرية القاهرة، 1956م، صـ21، محمد أبو زهرة، تاريخ المذاهب الإسلامية، دار الفكر العربي، القاهرة، بدون تاريخ، صـ78).

– الزيدية، فرقة من الشيعة، وهم أتباع زيد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب الذي تتلمذ على مدرسة المعتزلة وتابعهم وكذلك من اقتدوا به، وقتل في عهد الدولة الأموية، وقالوا بجواز إمامة المفضول مع وجود الفاضل، واقتربوا في فقههم  من أهل السنة (الشهرستاني – نفسه صـ137 وما بعدها).

– الإمامية – الإثنا عشرية، وهم القائلون بالنص على إمامة علي بن أبي طالب وقد نصوا أن الأئمة الإثناعشر ينتهون بمحمد القائم المنتظر، وقد افترقوا لعدة مذاهب فيما بينهم (الشهر ستاني المرجع السابق صـ150 وما بعدها، – محمد أبو زهرة، نفسه، صـ44).

(116) محمد محمد حسين، الاتجاهات الوطنية، جـ2، صـ195.

(117) نفسه، محمد عمارة، الإسلام وأصول الحكم، دار الشروق، القاهرة، 1987م.

(118) حسن البنا، مقال لابد أن نستكمل استقلالنا الاجتماعي والاقتصادي والثقافي وإلا فما ثمرة الاستقلال السياسي، مجلة جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (7) السنة الخامسة.

(119) طه حسين، مستقبل الثقافة في مصر، مطبعة المعارف، القاهرة، 1939، صـ45.

وهذه العبارة المنصوص عليها في الكتاب تعبر عن مضمون توجه فكري موجود في المجتمع المصري، في هذا المضمون محمد محمد حسين، المرجع السابق، جـ2، صـ195-274.

(120) حسن البنا – دعوتنا في طور جديد، صـ111.

(121) حسن البنا، التعاليم، صـ270.

(122) إبراهيم البيومي غانم، الفكر السياسي لحسن البنا، صـ208.

(123) حسن البنا، رسالة نحو النور، صـ60.

(124) حسن البنا، من سنة الله في تربية الأمم مقال جريدة مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية عدد (7) السنة (4)، 1936، إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ208.

(125) نفسه.

(126) سيد قطب، المستقبل لهذا الدين، مجموعة مقالات بمجلة الإخوان المسلمون عام 1953م، ثم جمعت في كتاب بهذا العنوان ومضمونه كله حول ذلك الموضوع.

(127) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ107.

(128) حسين محمد يوسف: مقال الفنون الجميلة والإسلام، مجلة التدبير، العدد (32)، السنة الأولى 1357هـ/1938م، عبد العزيز كامل: مقال الإسلام كدعوة عالمية – الفن – مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (149)، 1366هـ/ 1947م، أحمد أنس الحجاجي: مقال هذه الفنون في السينما والإذاعة والأغاني، جريدة الإخوان المسلمين، العدد (2) السنة الأولى 1946.

(129) حسن البنا، مجموعة الرسائل – المؤتمر الخامس – صـ176، دعوتنا في طور جديد، صـ113.

(130) نفسه.

(131) نفسه.

(132) حسن البنا، رسالة التعاليم، صـ268.

(133) حسن البنا، دعوتنا، صـ10.

(134) محمد فتحي على شعير، وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة، 1985، صـ 431.

(135) حسن البنا، القرآن والدستور مقال بمجلة النذير العدد (31) السنة الأولى 1357هـ، وكذلك العديد من المقالات تعبر عن نفس المضمون على سبيل المثال –لابد أن نستكمل استقلالنا الاجتماعي والثقافي.. سبق الإشارة إليه.

(136) حسن البنا، رسالة دعوتنا، مجموعة الرسائل، صـ14.

(137) نفسه.

(138) حسن البنا، المصدر السابق، صـ271.

(139) محمد حامد أبو النصر، حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر، صـ36.

(140) حسن البنا، رسالة نحو النور صـ69، سورة الممتحنة آية 8.

(141) رسالة من الجماعة إلى بطريرك الأقباط، الإخوان المسلمين اليومية 14 مايو 1946 – العدد (8) السنة الأولى.

(142) زكريا سليمان بيومي: المرجع السابق، صـ312، 313.

(143) نفسه.

(144) حسن البنا، لابد أن نستكمل استقلالنا الاجتماعي.. مقال سبق الإشارة إليه، إلى أي شيء ندعو الناس، صـ47.

(145) نفسه.

(146) حسن البنا، رسالة التعاليم، صـ270.

(147) حسن البنا، إلى أي شيء ندعو الناس، صـ60.

(148) حسن البنا: مجموعة الرسائل – رسالة بين الأمس واليوم صـ3132، إبراهيم البيومي غانم: الفكر السياسي للإمام حسن البنا صـ213.

(149) المصدر السابق.

(150) المصدر السابق.

(151) نفسه.

(152) حسن البنا: مجموعة الرسائل –دعوتنا صـ26، إبراهيم البيومي غانم: المرجع السابق، صـ215.

(153) حسن البنا: مجموعة الرسائل – تحت راية القرآن صـ97.

(154) نفسه صـ140 سورة الحجر ـ آية (9).

(155) حسن البنا: مجموعة الرسائل – مشكلاتنا في ضوء النظام الإسلامي صـ191.

(156) المصدر السابق.

(157) حسن البنا، المؤتمر السادس صـ24، 25.

(158) حسن البنا: مجموعة الرسائل – إلى الشباب صـ83، إبراهيم البيومي: المرجع السابق صـ241.

-Taylor, Alan R, The Islamic Question Middel East Political, Westview Press, London, 1988, P.P. 54-57.

(159) حسن البنا، وظائف الأمة الناهضة، جريدة الإخوان المسلمين السنة الأولى العدد 31، 1352هـ، عثمان عبد المعز رسلان: التربية عند الإخوان المسلمين دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1990م، صـ197.

(160) حسن البنا:تفسير القرآن الكريم  – المنار الجزء السابع المجلد، 35 – إبريل 1940، إبراهيم البيومي نفسه صـ246.

(161) حسن النبا: المؤتمر الإسلامي الأول منذ أحد عشر سنة، جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد الممتاز أغسطس 1948.

(162) حسن البنا: مستقبل الثقافة في مصر – مذكرة لوزير المعارف، مجلة النذير العدد (6) الثانية صفر 1358هـ.

(163) حسن البنا: موقف العالم الإسلامي السياسي اليوم – المنار، العدد (10) المجلد (35) سبتمبر 1940.

(164) حسن البنا: دعوتنا في كتاب الله – من وظائف القائد، جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (9) السنة الرابعة، يونيو 1936م.

(165) حسن البنا: مجموعة الرسائل – تحت راية القرآن، صـ104.

(166) سورة الحجرات آية: (10).

(167) رواه أحمد بسند رجاله الصحيح ورواه الطبراني والبزار بألفاظ مقاربة (مجمع الزوائد للهيثمي جـ 3، صـ269، جـ8، ص 87).

(168) رواه أحمد والبيهقي والحاكم من حديث أبي هريرة (تخريج العراقي لأحاديث الإحياء، إحياء علوم الدين للغزالي جـ2، صـ155).

(169) رواه ابن ماجه بتمامه (سنن ابن ماجه ترقيم محمد فؤاد عبد الباقي حديث رقم 79).

(170) رواه البخاري (في كتاب البيوع باب كسب الرجل وعمله بيده).

(171) لم أقف عليه.

(172) رواه الشيخان وأصحاب السنن بلفظ “لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه” (جامع الأصول ج1، ص239)، ورواه الطبراني في الكبير والأوسط بلفظ قريب.

(173) حسن البنا: مقال إلى العمل أيها الإخوان المسلمون فإن العالم ينتظركم جريدة الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد (28) السنة الأولى 1352هـ، إبراهيم البيومي: المرجع السابق صـ332.

(174) نحن والحكومات: سلسلة مقالات بجريدة الإخوان المسلمون اليومية وهذه الفقرة ورد بها أنها منقولة من رسالة المنهج – العدد (51) السنة الأولى 2 يوليو 1946.

(175) المصدر السابق.

(176) حسن البنا: رسالة التعاليم، صـ274.

(177) حسن البنا: في صميم الدعوة – الله غايتنا – مجلة النذير، العدد (27) السنة الأولى، 1357هـ- 1938م.

(178) محمود عبد الحليم، المصدر السابق صـ99-102، وقد كان لحسن البنا محاولتان للهجرة بمفاهيمه وتصوراته إلى الدولة السعودية، ثم محاولة أخرى لليمن وكان الأمر في كلا المحاولتين شخصيا، خاصة الأولى التي واكبت تأسيسه للجماعة (حسن البنا مذكرات الدعوة والداعية صـ81-82، صـ115-116).

(179) حسن البنا معركة المصحف: الإخوان المسلمين اليومية العدد (791) السنة الثالثة 1948م.

(180) عبد القادر عودة، الإسلام وأوضاعنا السياسية صـ64.

(181) هذه الخطة أعلنتها الجماعة ومؤسسها في كثير من الكتابات مثال:

– بيان جماعة الإخوان عام 1934 – سبق الإشارة إليه.

– حسن البنا: رسالة دعوتنا في طور جديد صـ122.

– عبد العزيز كامل: رسالة نحو جيل مسلم – من مطبوعات الإخوان أغسطس 1954.

(182) محمود عبد ا لحليم: المصدر السابق جـ1، صـ311-313.

(183) نفسه صـ256.

(184) حول علاقة الإخوان بالجيش والشرطة: أنظر:

– صلاح شادي: صفحات من التاريخ.

– حسين أحمد حمودة: أسرار حركة الضباط الأحرار والأخوان المسلمون.

(185) محمود عبد الحليم: المصدر السابق، مجموعة مقالات نحن والحكومات بجريدة الإخوان المسلمون اليومية 1946، سبق الإشارة إليها.

(186) حسن البنا: رسالة تحت راية القرآن صـ105.

مقال جول بيان صدقي باشا – جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (136)، السنة الأولى، 12 أكتوبر 1946.

(187) عن تفاصيل عمليات الجهاز الخاص المسلح انظر: أحمد عادل كمال: النقط فوق الحروف. محمود الصباغ، حقيقة التنظيم الخاص ودوره في دعوة الإخوان المسلمين.

(188) صلاح شادي صفحات من التاريخ، صـ44.

(189) محمود عبد الحليم: المصدر السابق صـ412.

(190) إبراهيم البيومي غانم: المرجع السابق، صـ394.

(191) المصدر السابق.

(192) هذا الرأي هو ما ذهب إليه الباحث إبراهيم البيومي غانم في بحثه.

(193) تفاصيل هذه الأزمة في رواية محمد حامد أبو النصر، حقيقة الخلاف بين الإخوان المسلمين وعبد الناصر صـ87.

(194) حسن البنا: التعاليم صـ274.

195) محمد عبد الحليم: المصدر السابق.

(196) حسن البنا: التعاليم صـ275.

(197) محمود عبد الحليم: المصدر السابق، إبراهيم البيومي غانم المرجع السابق، صـ377 – حسن البنا: رسالة المؤتمر السادس صـ19، سبق الإشارة إلى نص بيان المرشد العام عام 1948 حول الإخوان والانتخابات.

(198) محمود عبد الحليم: المصدر السابق، أحمد عادل كمال: المصدر السابق.

(199) بيان الهيئة التأسيسية السابق الإشارة إليه.

(200) جمال عبد الناصر: فلسفة الثورة صـ 15، تقرير للمخابرات البريطانية بمكتبة جمال عبد الناصر بمنشية البكري رقم 659 لسنة 1948 وقد حصل عليه الباحث من د. جمال معوض شقرة المدرس بكلية الآداب جامعة عين شمس.

(201) حسن البنا: المؤتمر الخامس صـ169.

(202) المرجع السابق، صـ170.

(203) حسن البنا: مجموعة الرسائل نظام الحكم صـ209.

(204) نفسه.

(205) نص بيان “حول الأوضاع الراهنة” مجلة الدعوة العدد (77) السنة الثانية 2 أغسطس 1952.

(206) طارق البشري: الديمقراطية ونظام 23 يوليو 1952 – 1970 كتاب الهلال القاهرة، 1993، صـ192.

(207) نفسه.

(208) إبراهيم زهمول: المرجع السابق، صـ42، أحمد عطية الله، القاموس السياسي، صـ495.

(209) بيان الإخوان حول الأوضاع الراهنة – مجلة الدعوة العدد (77) السنة الثانية.

(210) إبراهيم زهمول: المرجع السابق، صـ206.

(211) حسن البنا: حديث مع المراسل الحربي الأمريكي بمجلة جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية يناير 1946، العدد (87)؛ حسن الهضيبي حديث مع مجلة الجامعة العربية 28 فبراير 1952.

(212) أحمد عطية الله – القاموس السياسي، دار النهضة العربية القاهرة، 1980، صـ975.

(213) كان بمطبوعات الجماعة الصحفية باب ثابت عن قضايا التحرر في العالم الإسلامي كما استضافت العديد من الشخصيات المعروفة في هذا الشأن، إبراهيم زهمول المرجع السابق، صـ274 – وما بعدها، محمد فتحي شعير: وسائل الإعلام المطبوعة دعوة الإخوان المسلمين صـ 433-437، وقد اشترك عدد من أفراد التنظيم الخاصة للجماعة – الذين تصالحوا مع قادة ثورة 23 يوليو – مع الدولة في دعم حركات المقاومة في العديد من الدول الشقيقة، وذلك باستثمار علاقاتهم وخبراتهم في هذا الميدان، من لقاء مع الأستاذ/ محمد عروق – مدير إذاعة صوت العرب الأسبق بالإسكندرية، 20/2/1992.

(214) سميرة بحر: الأقباط في الحياة السياسية المصرية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1984، صـ 156.

(215) نص بيان الجماعة في جريدة الإخوان المسلمين اليومية السنة الأولى العدد (26) بتاريخ 2 يونية 1946، زهير مارديني اللدودان الوفد والإخوان دار إقرأ، بيروت عام 1984م، صـ214-215، إسماعيل كامل الشريف: المقاومة السرية في القناة، وهذا الكتاب كان على وشك الظهور في يوليو 1952 ولكن توقف بسبب أحداث الثورة ثم جهز للطبع عام 1953 ولكن تمت مصادرته، وقد ظهر أخيرًا في أكتوبر 1954م، لإظهار معارضة الجماعة للمعاهدة.

(216) أحمد عطية الله: القاموس السياسي، مرجع سابق، صـ1400.

(217) من الجدير بالذكر أن المذكرات الشخصية لمجموعة من قيادات الجماعة آنئذ تكشف خلافا بينهم حول هذه العمليات وإن كان الموقف الرسمي معارضا لها، والخلاف يدور حول مدى تأثير الظروف التاريخية من احتلال بريطاني وتحرك صهيوني مسلح وغير ذلك مما يعطي هذه العمليات مبرر كاف من وجهة نظرهم، ولكن يظل التساؤل حول مدى موافقة هذا الأسلوب للإطار المرجعي للجماعة وهو الإسلام، انظر قائمة المذكرات الشخصية صـ301-302.

(218) ريتشارد ميتشيل: أيديولوجية الإخوان المسلمين – ترجمة منى أنيس – عبد السلام رضوان صـ142 – 143، إبراهيم زهمول: المرجع السابق، صـ410.

(219) ورد في أكثر من موضع في كتابات الإخوان على سبيل المثال:

– مذكرة الإخوان إلى رئيس الوزراء – وقد أعيد نشره في جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد (59) السنة الأولى، 11 يوليو 1946.

– مذكرة الإخوان إلى وزير المعارف وفضيلة شيخ الأزهر، مجلة النذير، العدد (6) السنة الثانية صفر 1358م.

(220) خليل صابات: مرجع سابق، صـ369.

(221) المرجع السابق، صـ416.

(222) نفسه صـ178.

(223) محمد فتحي شعير: المرجع السابق، صـ325.

(224) قد أورد محمد شوقي زكي في كتابه الإخوان المسلمون في المجتمع المصري قائمة بمطبوعات المركز العام للإخوان فقط بعدد 114 كتاب وكتيب بخلاف بعض الدراسات المتخصصة.

(225) محمود عبد الحليم: المصدر السابق، جـ1، صـ302.

(226) محمود عبد الحليم: نفسه، جـ1، صـ256.

(227) ملحق رقم (2) بهذه الرسالة، صـ225.

(228) إسحق موسى الحسيني: الإخوان المسلمون – كبرى الحركات الإسلامية  الحديثة صـ31.

(229) هذه الدراسة منشورة، ولكن الباحث لم يتعرض – أو ربما لم يصل إليه – لمنهاج مدرسة الدعاة الإخوانية رغم أهميته.

(230) نحن “الحلقة رقم 9″، جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد (59) السنة الأولى، 11 يوليو 1946.

(231) إسحق موسى الحسيني: المرجع السابق، صـ31.

(232) طارق البشري: المسلمون والأقباط في إطار الجماعة الوطنية صـ272-273.

(233) الإعلان عن الاجتماع، مقال مجلة الدعوة العدد (58) السنة الثانية بتاريخ 25 مارس 1952 – كما تزايدت نسبة الرسائل العلمية في كلية الحقوق بجامعة فؤاد الأولى التي اتجهت إلى الدراسات المقارنة مع الشريعة الإسلامية منذ عام 1941، انظر العيد المئوي لحقوق القاهرة 1980.

(234) محمد شوقي زكي: المرجع السابق، صـ 184-185، إبراهيم زهمول: المرجع السابق، صـ188-189.

(235) نفسه، صـ182.

(236) عبد العزيز كامل: نحو جيل مسلم، رسائل المركز العام صـ 27- 34، كذلك نظام الأسر نشأته وأهدافه صـ27 وما بعدها، عثمان عبد العز رسلان: التربية السياسية عند جماعة الإخوان، صـ451، 452.

(237) حسن البنا: مجموعة الرسائل – رسالة التعاليم صـ277، عثمان عبد المعز رسلان: المرجع السابق، صـ452.

(238) اللائحة الداخلية للجماعة، مادة 5، 6 صـ23.

(239) نفسه.

(240) عثمان عبد المعز رسلان: المرجع السابق، صـ502.

(241) عثمان عبد المعز: المرجع السابق، محمد شوقي زكي: الإخوان المسلمون في المجتمع المصري، صـ176.

(242) حسن دوح: مصدر سابق .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر