أبحاث

صورة الإسلام في الخطاب الغربي

Image of Islam in the Western Speech - العدد 108

في الحديث عن «صورة الإِسلام» وأمتــه وحضارتـه في الخطاب الغربي, لابد من التقـديم بين يدي هذا الحديث بعدد من المقدمات :

أولهـا : أننا لسنــا بــإزاء «صورة» واحدة؛ لأن الغرب ليس كتلة واحدة صماء, ومن ثم فإننا لسنــا بـإزاء خطاب غربي واحد فيما يتعلق بالإِسلام.

وهـذا الموقف الذي يميز بين القوى والتيارات وألوان الخطاب عم الإِسلام, في الحضــارة الغربيــــة, ليس مجرد «ضرورة مصلحية» يقتضيها البحث عن الأصدقـــاء, وتجنب تكثير الأعداء ــ وهي ضرورة مشروعية ومطلوبـة ــ وإنما هو موقف نـابع من «العـدل» الذي يعلمنا إياه ويفرضه علينا القرآن الكريم.

ونحن نقول للذين يسطحون القضايا العميقــة, ويبســطون الأمور المعقدة والمركـبة, عندما يرددون عبـارة : « إن الكفــر ملـــة واحدة » .. نقــول لهم : ولكن الإِسلام لا يضع كل عالم الكفــر في سلة واحدة, ولا في مرتبـة واحدة, وإنمــا ميز الإِســلام بين المشــركين  وبين الكتــابيين .. بل إن الإِســلام لم يضع المشركين جميعًا في سلة واحدة. وإنما ميز بين المحــاربين منهم وبين المعاهدين الذين لم ينقضــوا المسلمين شيئًا من العهود التى تعـاهدوا معهم عليهــا, فدعــا إلى قتــال المقــاتلين من المشــركين, ودعا إلى الوفاء بعهود المعاهدين من المشركين .. بل وميّز الإِســلام بين شـرك الجـاحد للحق الذي يعرفـــه, وبين شـــرك الجــاهل, فـإذا استجار هذا المشرك الباحث عن المعرفة, فعلـى المسلمين إجارتـه وتقـديم المعرفة إليـه, ثـم آمنًــا إلى مأمنــه, وتركه لضمــيره, دونمــأ إكراه ( وَإنْ أَحَدٌ مِنَ الْمُشْــركِينَ اسْــتَجَارَكَ فَــأَجِرْهُ حَتَّى يَسْمَعَ كَلاَمَ الله ثُمَّ أَبْلِغْهُ مَأْمَنَهُ ذَلِكَ بِأَنَّهُم قَوْمٌ لاَ يَعْلَمُون ) (التــــوبة : 6).

بل لقــد ميّز الإِســلام بين الدهريين, الذين استبدلوا الدهر بالخالق, سبحانه وتعالى, وبين المشركين الذين لم يجحدوا وجـود الخـالق وخلقــه للخلق, لكنهم أشركوا مع الخالق الوسائط التى زعموا أنها تقربهم إليه زلفى ! وتحدثت آيات الــقرآن الكريــم عن هــذا التنوع في أصنــاف المشــركين, فصاغت المنهاج العلمي في دراســة الواقع, والموقف العادل في التعامل مع الآخرين.

وكذلك صنع المنهاج الإِسلامي في التعامل مع الكتــابين, فميز بين اليهود – الذين هم أشد الناس عداوة للذين آمنوا – وبين النصاري – الذين هم أقرب مودة للمؤمنين – .. ثم هو لم يضع جميع النصاري في سلة واحدة, وإنمـا ميّز بين الموحديــن منهـم, الذين يتعبدون على شريعة عيسى, عليه السلام, وإذا سمعوا ما أُنزل إلى الرســول ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ, ترى أعينهم تفيض من الدمــع ممـا عرفـوا من الحق .. يميّز الإِسلام بين هؤلاء النصاري, وبين النصـاري الذين عبدوا المســيح وأمـه والأحبــار والرهبــان من دون الله, فوصفوا في القرآن بصفات الكفـر, بل وبالشرك أيضاً ..

وكذلك صنع المنهاج القرآني مع فصائل ومذاهب اليهود .. فمع حديثه عن عداوتـهم الأشــد للمؤمنين, نجد القرآن يبلغ قمــة العدل عندمــا يقول : إنهم ( لَيْسُوا سَوَاءً مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمةٌ يَتْلُونَ ءَايَاتِ اللهِ ءَاَنَاءَ اللَّيْلِ وَهُمْ يَسْجُدُونَ(113) يُؤْمِنُوتَ باللهِ واَلْيَوْم الآخِر وَيَــأْمُرُونَ بِــالمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَّن الْمُنْكَرِ وَيُسَــارِعُونَ الْخَيْرَاتِ وَأُلَئِــكَ مِنَ الصَّــالِحينَ (114) وَمَــا يَفْعَلُوا مِنْ خَـيْرٍ فَلَنْ يُكْفَرُوهُ وَاللهُ عَلِيمٌ بـالْمُتَّقيِن ) (آل عمران : 113 ـــ 115) بينما منهم الذين لا يتناهون عن منكر فعلوه ( لُعِنَ الَّذِيـنَ كَفَرُوا مِـنْ بَنِي إسْــرَائِيلَ عَلَى لِسَان دَاوُدَ وَعيِسَى ابْن مَرْيَمَ ذَلِكَ بما عَصَوْا وَكــانُوا يَعْتدٌونَ (78) كَـانُواَ لاً يَتَنَاهَوْنَ عَنْ نُنْكَرٍ فَعَلُوهُ لَبئْس مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ ) (المائدة : 78, 79).

ويؤكد القرآن الكريـم هـذا المنهاج العادل في التعامل مع الآخرالكتابي عندما يستخدم حرف التبعيص «من» للتمييز بين فرقائهم ومذاهبهم, فيقول : ( مِــنْ أَهْـلِ الْكِتـــاب ) (آبل عمران 199) .. وعندما يتحدث عن ( طَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الْكِتَاب ) (آل عمران : 69) أو ( كَثِـيرٌ مِـنْ أَهْـلِ الْكِتَــاب ) (البقرة : 109) .. دونما إطلاق أو تعميم ..

ومع اشـــتراك الفرس والروم – يوم ظهر الإِسلام – في التجبر والظلم والهيمنة والاستعمار, وإعلان الإِسـلام عن سعيه لتحرير الأرض من استعمارهم  وتحرير الضمــائر من تجبرهم وإكراههم, إلا أن الإِسلام لم يسوّ بين هذين الطاغوتين – الفرس والــروم ــ وبين المجوس ــ الفرس ــ وعندمــا يتحدث عن خزن المسلمين لتغلب الفرس على الروم, وفرحهم يـوم يـأذن الله بانتصــار الروم النصــارى على الفرس المجوس : ( الم (1) غُلِنتِ الرُّومُ (2) فِــي أَدْنَى الأَرْضِ وَهُمْ مِنْ بَعْدِ غَلَبهمْ سَــيَغْلِبُونَ (3) فِي بضْعِ سِــنِينَ للهِ الأَمْرُ مِـنْ قَبْلُ وَمِـنْ بَعْدُ وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ الْمُؤْمِنُونَ (4) بنَصر اللهِ يَنْصُرُ مَـنْ يَشَــاءُ وَهُوَ الْعزِيزُ الرَّحِيم ) (الروم 1 ــ 5).

ففي إطار قوى التجبر والهيمنة هناك أيضاً فروق, لا يغفلها منهاج الإِسلام في رؤيـة الآخرين, وفي العلاقات مع هؤلاء الآخريـن .. ولقد جــاء فقهاء الإِسلام وفلاسفته, انطلاقًــا من هذا المنهاج القرآني, فميزوا أصنـاف الكفر ودرجاتـه .. فهنـاك كفر جحود للحق الذي عرفــه الجاحدون .. وهنــاك كفر جهل وتقصير .. وهناك كفر من بلغتـه الدعوة .. وكفر من لم تبلغه الدعوة .. أو بلغته مشوهة, ودون إقـامة الحجة عليها وإزالة الشبهات عنها .. وفي ذلك يقول حجــة الإِسلام أبو حامد الغزالي ( 450 ـــ 505 هــــــــ ــ 1085 ـــ 1111م) : « إن أكثر نصارى الروم والترك في هذا الزمان تشملهم الرحمة إن شــاء الله تعالى, أعنــى الذين هم في أقاصى الروم والترك, ولم تبلغهم الدعوة, فإنهم ثلاث أصناف :

صنف لم يبلغهم اســـم محمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ, أصلاً, فهم معذورون.

وصنف بلغهم اسم ونعته وما ظهر عليــه من المعجزات, وهـم المجــاورون ابلاد الإِسلام والمخالطون لهم, وهم الكفار الملحدون.

وصنف ثالث بين الدرجتين, بلغهم اسم محمد ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ, ولم يبلغهم نعته وصفته, بل سمعوا أيضاً منذ الصبــا أن كذاًبا مُلبساً اسمخ محمد ادعى النبوة, كما سمع صبياننا أن كذاَبا يقال له المقفع(1) بعثه الله تحــدى بالنبوة كاذًبا. فهؤلاء عندى في معنى الصنف الأول ( الذين لم يبلغهم اســم الرســول ) فإنهم مع أنهم يمعوا اسمه, سمعوا ضد أوصافه, وهذا لا يحرك داعية النظر في الطلب »(2).

بـل وتحدث الفقهاء, أيضًـا, عن « كفر النعمـة » الذي هو مغاير « لكفر الاعتقاد » .. وقالوا بوجود « كفر دون الكفر » وبكفر « المقولــة » دون كفر « القـائل » الـذي قد يكون لديــه تأويل حتى ولو كان فاسداً .. فلم يضعوا كل ألولن الكفر في ســـلة واحدة ولا في فســطاط واحد .. كما يصنع الذين يبسطون أمور التعامل مع الآخرين.

ولقد وضع علماء مدرسة الإِحياء والتجديد الحديثة, في بلادنـا, وقـادة التحرر الوطنى, الذين انطلقوا من هذا المنهاج الإِسلامي, لتحرير بلادنا من الغزوة الاستعمارية الغربيـة الحديثة .. وضعوا هذا المنهاج الإِسلامي ــ الذي بل يضع كل الآخر في ســـلة واحدة ــ فى الممارسة والتطبيق, وهن يتعاملون مع الاستعمار الغربي لعالم الإِسلام, ومع الخطاب الغربي الذي كان يمهد ويبرر لهذا الاستعمار.

فجمــل الدين الأفغاني ( 1245 ــ 1314هـ ــ 1838 ــ 1897م) قد تحدث عن هذا المنهــاج في المقـال الافتتـاحي لمجلة ] العـروة الوثقـى [ التى صدرت ] سنة 1300 هـ سنة 1883م [ لسان حال لجمعية العروة الوثقى ــ التى تكوّنت عقودهـا وخلاياهـا في الشرق الإِســـلامي ــ وذلك عندما تحدث عن تحالف هـذه الجمعيــة مع الأحرار الأوربيين في البلاد الاستعمارية  ذاتها .. فقال : « ولما كـانت بدايتهم تستدعى مساعدة من يضارعهم في مثل حالهم, رأوا أن يعقـدوا الروابط الأكيـدة مع الذين يتململون من مصــابهم, ويحبون العدالــة العامة, ويحابون عنها من أهل أوربا »(3).

ولقد ســارت الحركات الوطنية في بلادنــا على هذا المنهاهج .. فوجدنـا مصطفى كامل باشا ] 1291 ـــ 1326 هـ ـــ 1874 ـــ 1908م [ بـاعث الوطنية المصرية ضد الاحتلال الإِنجليزي, وداعية الجامعــة الإِســلامية, وزعيم الحزب الوطني ـــ يتحالف مع القوي الحرة والليبرالية في فرنسا وأوروبا, بل ويراهن على التناقضات بين الاستعمار الفرنسي والاستعمار الإنجليزي في جلب التأييد لإجلاء الإنجليز عن مصر.

وعلى درب مصطفي كامل باشا ســار خليفته في زعامة الحزب الوطني ـــ بمصر ـــ محمد بك فريـد ] 1248 ـــ 1338 هـ ـــ 1868 ـــ 1919م [ الذي لم يكتف بالتحالف مع الدولة العثمانية, والحركان الوطنية الإِسلامية, وإنما تحالف أيضاً مع الاشتراكيين الأوربيين, وشارك في مؤتمرات التي عقدوها .. بل وراهن على التناقضات بين الألمان وبين الإنجليز في هذا الميدان.

وعلى نفس الدرب سارت حركات التحرر الوطني المعاصرة في بلادنا عندما استفادت كثير منها من التناقضات التي قامت إبـان الحرب البادرة بين العسكر الاشــتراكي وبين المعسكر الرأسمالي, ســواء أكانت هذه الاســتفادة في التسليح .. أو في التصنيع .. أو في دعم قضايانا بالمحافل الدولية ..

ذلك هو المنهاج الإِسلامي في المظر إلى الآخر ـــ كل آخر ـــ في التعامل معه, ومع الخطاب الصادر عنه .. فالبلاغ القرآني القائل : ( لَيْسُوا سَوَاء ) هو عنوان المنهاج الإِسلامي في هذا المقام.

والمقدمة الثانية :

هى أن الخطاب الغربي عن الإِسلام وأمته وحضارته, ليس مجرد « مقولات نظرية », ولا تعبيرات عن صور ذهنية مجردة, وإنما هو بناء فكري مركب, نما عبر تـاريخ الاحتكاك العنيف بين الغرب والشرق, واحتلال أرضه, ونهب ما فيها من ثروات .. فهو خطاب تبريري لتسويغ ممارسات لا أخلاقية, تجسدها الإِمبريالية والاستعمار في أرض الواقع .. وهذا الخطاب الغربي عن الإِسلام وأمته وحضارته, تتوجه به الدوائر الاستعمارية الغربية إلى العقل الشـــرقي, لتغريب عقول شريحة من نخب مفكرينا ومثقفينا, الذين يتبنون هذه الصورة الغربية عن الإِسلام وحضارته, فيصبحون بيننا « عملاء حضاريين » بالتبعية للمركز الغربي على النحو الذي تحدث عنـه جمــال الدين الأفغـاني عندما قال :

« إن المقلدين لتمـدن الأمم الأخرى ليسـو أرباب تلك العلوم التى ينقلونها. ولقد علمتنا التجارب أن المقلدين من كل أمــة, المنتحلين أطوار غيرهــا, يكونون فيها منافذ لتطرق الأعداء إليها وطلائـع لجيوش الغــالبين وأربـاب الغــارات, يمهدون لهم الســبيل, ويفتحون لهم الأبواب, ثم يثيتون أقدامهم »(4).

كما يتوجه الغرب الاستعماري بهذه الصورة التي صنعها ويصنعها للإِسلام وحضارته إلى شعوبه هو, كي يــبرر أمامهــا ســلوكه العدواني الاســـتعماري ضد الشـــعوب التي يستعمرها, وكي يخيف شـــعوبه من الإِسلام, فيجرهــا إلى التضحيــة في معاركه الفكرية والقتالية ضد الإِسلام وعالمه.

والآن وبعد نمو الوجود الإِسلامي في المجتمعات الغربيـــة بأوربا وأمريكــا وأسـتراليا غدا المسلمون في تلك البلاد يعانون معاناة مضاعفـة من آثار ذلك الخطــاب, حتى لقد أصبحوا محرومين من مميزات الليبرالية الغربية, وامتيازات الحريــات والحقوق المدنيــة, وغـدوا متهمين لمجرد أنهم مسلمون, ومحرومين من أبسط ثوابت وضوابط وشروط العـدالة في المحاكمـات أمـام القضاء ـــ إذ يحــاكمون ويدانون « يأدلــة ســرية » لا يعلمون عنها شيئاً !! بل وغدوا ضحايا لاعتداءات وإيذاءات ماديـة ومعنوية, زادت في أمريكا بعد قارعة 11 سبتمبر سنة 2001م, وأكثر من 1600%  عما كانت عليــه قبل هذه القارعة ـــ كما رصدت ذلك منظمات أمريكية لحقوق الإِنسان(5). حتى ليوشك الخطاب الغربي, والممارسات الغربية أن تدخل المسلمين ـــ لمجرد أنهم مسلمون ـــ في دورة جديدة من دورات « محـــاكم التفتيش » التي نصبها الغرب للإِسلام والمسلمين عقب ســقوط « غرناطة » واقتلاع الإِسلام من الأندلس ] 897 هـ ـــ 1492م [ !.

فنحن إذن ـــ بــإزراء خطــاب غربي عن الإِسلام, له آثـار كارثيـة في أرض الواقع … ولسنا بإزاء مجرد أفكار نظرية, وصور ذهنية سلبية عن الإِسلام …

 

والمقدمة الثالثة :

هي أن نزعة « المركزية الغربية » التي لا تعترف بالآخر غير الغربي ـــ الديني منــه والثقافي والحضاري ـــ بل ولا تعترف بالغربي الأبيض إذا كان مسلماً, كما هو حالها إزاء الأوربيين المسلمين ـــ في ألبانيا .. والبوسـنة .. والسنجق .. وكوسوفا .. ومقدونيا .. وتركيا .. ــ إن هذه « النزعة المركزية الغربية » تلعب دوراً محوريَّا في تراكــم ثقافة هذا الخطاب الغربي عن الآخر فيـه التـبرير لإلغاء هذا الآخر « كـــأمر واقـع » فــإن عـدم الاعتراف بشرعيته ومشروعيته وحقه في الوجود المســتقبل والمتمـيز يزكي دائماً وأبداً السعي إلى إلغائه وطي صفحته من الوجود .. فالعرب الليبرالي الرآسمالي ظل لأكثر من سبعين عاماً يعترف بالشمولية الشيوعية « كـأمر واقــع », ولكنــه لم يعترف بشرعيتها ومشروعيتها وحقها في الوجود المستقل والمتميز؛ ولذلك ظل موقفـه الدائـم هو موقف الساعي إلى إسقاطها وطي صفحتها من الوجــود, وعندما تحقق له ذلــك اعتــبر هـــذا الانتصار « نهاية التاريخ » !

ولقد لعبت هذه « النزعة المركزيـة » نزعة عدم الاعتراف بشرعية ومشروعية الوجود الحر والمستقل والمتميز للآخر ـــ لعبت الــدور المحوري في التعبئة الفكرية والماديــة لإلغــاء وجود هـذا الآخر, ولتبرير ورائـة ما في حوزتـه من أوطان وثروات !!

بل لقــد استعان الغـرب ـــ في سبيل تـأكيد « نزعتــه المركزيـــة » هذه ـــ بالنظريــات العلميــة الزائفــة, مثـل الداروينية, التي زعمت أن الصراع هو قـانون العلاقـة بين الأحيــاء, وأن البقاء للأقـوى؛ لأن الأقـوى هو الأصلـح .. فـانطلق الغرب الاستعماري من هذا الزيق لتـبرير إلغائــة لثقافات وحضارات الأمم والشعوب التي ابتليت باستعماره لبلادهـا بحجـة أنهــا الضعيفــة, وأنـه الأقوى .. فلها الفنــاء, ولــه وحده ولحضارته البقاء !! وفي سبيل تكريس هذا الزيـف الغربي, بلـور الغرب علمًا سماه « علـم الأنثروبولوجيا الاجتماعيــة  والخاص بدراسات « المجتمعات البدائية » التي هي ـــ في عرف الغرب ـــ المجتمعات غــير الغربيــة, فهي بدائيــة وهو المتقدم وهي الضعيفـــة وهو الأقوى .. فلها الإِبادة, ولـه البقاء بحكم هــذا الـزيف الذي جعلـه الغرب « علمًـا » !! والذي توجه « بخطابــه » إلى شـــعوبه … وإلى شعوبنا أيضاً !

وفي الموقــف الغربــي مـن الآخــر الإِســلامي تنهض هذه « النــــزعة المركزيـة » بالدور المحوري في اخـتراع الصور الغربية عن الإِسلام, وفي إذكـاء روح العداء الغربي للحضارة الإِسلامية, وفي التبرير لحروب الغرب ـــ الفكرية .. والقتاليــة ـــ ضد عـالم الإِســلام وأمتــه وحضارته.

وإذا كـانت المواجهــة التاريخية والحديثـة والمعـاصرة إنمـا هي قائـمة بين « المشــــروع الغربـي » الــذي ينفي « المشـــروع الإِسلامي » فـإن هذا النفـي الغربـي للإِسلام وحضـارتـه لــه جـذور عميقــة في تصــورات الثقافـة الغربيـة عن الإِسلام, وهذه الجذور الرافضـة والنافية الآخـر الإِسلامي حيــة وفاعلــة ـــ بل ونامية ـــ حتى هذه اللحظات.

نجد ذلك في « المشـــروع الكنسـي » الغربي الذي أعلن ـــ بلسان البروتستانت في « مؤتمر كولورادو سنـة 1978م ـــ ضرورة اختراق الإِسـلام, لتنصير كل المسلمين ! .. كمـا أًعلن هذا « المشــروع الكنسـي » ـــ بلسان الكاثوليك ـــ ضرورة أن تصبح إفريقيا نصرانية سنة 2000م, فلما خاب الرجا غير الصالح أجّلوا التـاريخ إلى سـنة 2025م ! وتعبر عن هذا « المشـروع الكنسـي » حتى فرنسـا العلمانيــة ـــ بلسان رئيســها الأسبق « فلؤي جيســكار دي ســتان » عندمـا أعلن اســـتحالة قبول تركيا في الاتحاد الأوربي لأنها مسلمة, والاتحاد الأوربي « نادي مسيحي » ! ..

أما « لسان » الغرب الأرثـوذكسي, فلقد مارس هذا النفي للإِسلام, بالمجازر والمقــابر الجماعيــة, على ألاض البلقـان والشيشــان, كما تمارسه الصهيونيــو ـــ وهي امتــداد غربـي ـــ متحالفـــة مع الصليبية الغربية ـــ على أرض فلسطين !

بل إن كنـائس الغرب ــــ التي خانت نصرانيتها ـــ لا تستحي عندما تعلن هذا النفي للإِسلام, حتـى في المؤتمرات التي « تحــاور » فيها رموز الإِسلام في عقر دار الإِســلام !! ففي « مؤتمر الحـوار الإِسلامي المسيحي » الذي عقد بالقاهرة ـــ بدعـوة من « المنتدى العالمي للحوار » ـــ بجدة ـــ و « مؤتمر العــالم الإِسلامي » والـذي انعقــدت جلســـاته في فنــدق « شـــيراتون هليوبوليس » في 28. 29 أكتوبـر ســـنة 2001م ـــ رفض ممثل الفاتيكان, نـائب الأمين العام للمجلس البـابزي للحوار بين الأديــان, القس « خالد أكاش » وممثل « مجالس الكنائس العالمي » الدكتور « طــارق متري » رفضا التوقيع على البيان الختامي للمؤتمر؛ لأنه وضع الإِسلام ـــ مع اليهودية والنصرانية ـــ تحت وصف « الأديان الســماوية الربانية », وقـالا : « إن وصف الإسلام كديـن سمــاوي وربــاني, لا يـزال محل خلاف لم يحسم بعد » !!

ولقـد علق الدكتـور يوســف القرضاوي وكان مشاركاً مع شيخ الأزهر في هذا المؤتمر ـــ على هذا الموقف فقـال : « إنني أســتغرب من توجس بعض رجـال الدين المسيحي من وصف الإِسلام بالربانية والسماوية. وإذا كان الفاتيكان والكنائس العالميــة لا تعترف بالإِسـلام كدين سماوي فلماذا نجتمع إذن ؟! وإذا لم يقـر رجــال الدين المسيحي والفاتيكـان بـأن الإِسلام دين رباني فلا داعي من اللقاء والحوار »(6).

إنهم يعــترفون بالإِســلام « كـأمر واقـع » ويصنفونــه ضمن « الديانات الوضعية », غير السماوية وغير الربانية, وذلك لتـبرير السعي الكنسي الدائب لتنصير المسلمين, وطي صفحة الإِسلام من الوجـود, انطلاقًـا من « النزعــة المركزيــة » التي لا تعترف بالآخرين ـــ فتسعى إلى إلغائهم, بضمير مستريح.

كذلـك نجد هـذا النفــي للآخر, والرفض لمشـــروعية وجوده المتمــيز والمســتقل في « المشـــروع الحضاري » الغربي, الـذي لا يعــترف بالتعدديــة الحضـاريــة العالميــة .. وإن اعــتراف بالحضارات غير الغربية « كأمر واقع » فهو يسعى ـــ بالتغريب وعولمة نموذجه الحضـاري, إلى إلغــاء هذه التعدديــة الحضارية, والانفراد الغربي بالعالم كله, وفي سبيل ذلك يستخدم « نزعة صدام الحضـــارات .. وصراع الثقافــات » كحتميــة مزعومـة ـــ لتبرير سيادة هذه النزعة المركزية على النطاق العالمي.

وفيما يتعلق بالنفي الغربي للإِسلام ـــ على وجــه الخصوص ـــ يكفي أن نشير إلى كلمات المستشرق الفرنسي « جــاك بيرك » ] 1910 ـــ 1995م [ التي يقول فيها : « إن الإِسلام الذي هو آخر الديانات السملوية الثلاث, والذي يدين به أكثر من مليار نسمة في العالم, والذي هو قريب من الغرب جغرافيَّا, وتاريخيَّــا, وحتى من ناحيـــة القيم والمفــاهيم, قد ظل, ويظل حتى هذه الســاعة, بالنســـبة للغرب : ابـن العم المجهول, والأخ المرفوض, والمنكــور الأبـدي .. والمبعـد الأبـدي .. والمتهم الأبدي .. والمشتبه فيه الأبدي »(7).

لقد قــال « جــاك بــيرك » هذا الكلام, المعبر ـــ وهو الخبير في الثقافة الغربية .. وفي الإِسلام معًا ـــ عن النفي الغرب للإِسلام وحضـارتـه وأمتــه, كموقف ثــابت ودائم .. وقدم هـذه الصورة للإِســلام في الثقافــة الغربيــة والحضارة الغربية والممارسات الغربية, قبل قارعـة سبتمبر سنة 2001م بسبع سنوات وكأنـه كان يصف « طوفان » ثقـافـة الكراهية السوداء التي انهالت على الإِسلام وأمته وحضارته عقب سبتمبر سن 2001م !

فنحن أمام موقف ثابت ودائم من قبل المشــروع الكنســي الغربي .. والمشروع السياسي والحضـاري الغربي وهو موقف ينفي الآخر الإِسلامي, ليبرر العدوان الاستعماري والهيمنة الحضارية على عالم الإِسلام.

تلـك هي المقدمــات التي رأيناهـا ضروريــة بين يدي الحديث عن صورة الإِســـلام في الخطــاب الغربي .. وهي مقدمــات تؤكـد على ضرورة التمييز في الخطاب الفربي بين الحق والباطل, بين الصــواب والخطـــأ, بين الإِنصـــاف والـتزييف, وذلك كثمــرة للتميــيز في الغرب بين « الإِنســان الغربي » وبين « مشروع الهيمنة الغربي », فالمشكلة هي مع المشروع الغربي بشقيه, السياسي الاستعماري, والكنســي التنصيري .. على وجه الحصر والتحديد .. وليست هناك مشكلة مع الإِنسان الغربي, على وجه الإِطلاق.

التاريخ الصانع للصورة :

إن « الجــدل » بين « الواقــع » وبين  « الفكـر » هو حقيقة علمية لا تنفرد بها بعض الفلسفات الاجتماعية الغربية, بل لقد سبق الإِسلام إلى تقرير هذه الحقيقة فيما غرفناه من العلاقة بين آيات القرآن الكريم ومناسـبات نزولها, والعلاقـة بين الأحاديث النبوية « وأسباب ورود » هذه الأحــاديث .. وهـذا « الجــدل » بين « الواقــع » وبين « الفكـر » هو ممــا تكاد تلمسه العقول في الدراسات الاجتماعية لنشأة الأفكار وتطورها.

ولقد كان « واقع » الاستعمار الغربي للشــرق منبعًا أصيلاً لكثير من الصور الزائفة التي عـادت لتزكى ولتبرر ـــ في المخيلــة الغربية ـــ نزعــة الاســتعمار والاستعلاء والاحتواء والاستغلال.

ولأن تـاريخ الاســتعمار الغربي للشرق سـابق على ظهور الإِسلام, فلقد صنع الغرب الروماني والبيزنطي للنصرانيـة المصرية والشرقية, ولثقافة الشــرق وحضـارته الصور الزائفــة التي بررت القهر والاضطهاد والإِبـادة التي مارســـها الرومان والبيزنطيون عشــرة قرون ضد الشــرق والشـــرقيين من « الإِسكـندر الأكــبر » ] 356 ــ 323 ق.م [ في القرن السابع للميلاد.

ولأن الإِسلام هو الذي حــرر ـــ بفتوحاته ـــ أرض الشرق من الاستعمار والاستغلال الروماني البيزنطي, وحرر ضمـائـر الشرقيين من الاضطهاد والقهر الديني والحضاري, فلقد بدأت الصورة الغربية المعادية للإِسلام وحضارته وأمتـه ودولتـه وعالمه تتبلور في الثقافـة الغربيــة الدينية والمدنية, منذ ذلـك التاريخ, لقد كـانت الحضارة الشـرقية, بنصرانيتها اليعقوبية هي « العدو ـــ الــبربري ـــ الهجمي » بنظر الرومــان البيزنطيين … فلما أصبحت الحضارة الشرقية إسلامية أصبحـت هـي العدو الجديــد, الـذي حلت صورته محل صورة العدو القديم .. تمامــاً كمـا صنع الإعلان الغربي عقب سقوط الشيوعية ـــ في العقد الأخير من القرن العشــرين ـــ عن أن الإِسلام هو العدو الـذي حل محل إمبراطورية الشر الشيوعية !

لقد بدأ العـداء الغربي للإِسلام منذ ظهور الإســلام وتحريره الشــرق والشرقيين من هيمنة الرومان .. وفي هذا المقـام يقول الكـاتب والقــائد الإنجليزي « جلوب باشا » ] 1807 ـــ 1986م [ كلمته التي توقظ النيام :

« إن تاريخ مشكلة الشرق الأوسط إنما يعود إلى القرن السابع للميلاد » !!

ومنذ ذلك التــاريخ تولت محاولات الغرب إعادة اختطاف الشــرق من الإِسلام :

فكانت الموجـه الاستعمارية الصليبية التى دامت قرنين ] 489 ـــ 690 هـ 1096 ـــ 1291 م[ والتي شـارك فيها الغرب كلــه, بقيــادة الكنيســة الكاثوليكية, وتمويـل المدن التجاريــة الأوربيــة, وســيوف أمراء الإِقطاع الأوربيين, ولقد انتهت هذه الموجــة بالهزيمة على يد الفروسـية الإِسلامية التي اقتلعت قلاعهــا, وهدمت حصونـها, وأزالت كل آثارها.

ثم جاءت الموجه التترية زاحفة على الشرق الإِسلامي, بدعوة من الصليبيين الأوربيين ـــ الذيـن تحــالفوا مع الوثنية التترية ضد التوحيد الإِسلامي ـــ ! ولقد هددت هذه الموجة التترية ـــ التي كان يقود جيوشــها نصــارى نسـاطرة ! ـــ هددت الوجود الإِسلامي ذاتــه, ثم كـانت هزيمتها الساحقة على يدي الفروسية الإِسلامية في « عين جالوت » ] 658 هـ ـــ 1260م [ ثم انتهت بانتصار الإسلام في عقول وقلوب التتار, فدخلوا الإسلام, وتحولوا إلى سيوف في معارك هذا الدين !

ومنذ سقوط غرناطة ] 897 هـ ـــ 1492 م[  ونجاح الصليبية الأوربيـة في اقتلاع الإســلام وحضارتـه المشــرقة وثقافتــه السمــحة من الأندلس, بدأت مرحلــة جديدة في هذه الحرب الغربية على الإِسلام وأمته وحضارته وعالمه, بدأت مرحلــة الالتفــاف حول العالم الإِسلامى ـــ مرحلــة التطويق ـــ مروراً بســواحل إفريقيــا الغربيــة والجنوبيــة ووصولاً إلى الأطراف الإِسلامية في الجنوب الشرقي لآسيا ـــ الفلبين والهند وأندونسيا ـــ وذلك تمهيداً لضرب قلب العالم الإِسلامي ـــ الوطن العربي ـــ بحملة « بونـــابرت » ] 1769 ـــ 1821 م [ على مصر ] 1213هـ ـــ 1798م [.

وإبـان هذه المرحلة ـــ مرحلة الغزوة الاســـتعمارية الحديثـة ـــ تميز التحدي الغربي عن الحقبة الصليبية الأولى بالغزو الفكري, المصــاحب لاحتلال الأرض ونهب الثروات … أي بصناعة الصورة الغربية للإِسلام وحضارته وأمته, تلك الصورة التي نمت مكوناتها لتزكي وتبرر للغرب نفي الآخر الإِسلامي, ولتشحن الشعوب الأوربية بالعــداء للإِسلام, حفزاً لها على مواصــلة الغزو والاحتلال لبلاد الإِسلام.

وخلال هذه القــرون ـــ من طمع الغرب باستعادة الشرق من الإِسلام ـــ تبلور الخطــاب الغربي حول الشرق, على النحو الذي يخدم تحقيق هذه الاستراتيجية الاستعمارية الغربية, وهو خطــاب متنوع ومتكــامل في ذات الوقت .. متنوع بتنوع الدوائر الصـادر منهــا .. ومتكــامل لتحقيق هذه الاستراتيجية الغربية الواحدة, ومتنوع كذلك بتنوع الجمهور الـذي يتوجه إليه هذا الخطاب.

فالغرب الكنسي اللاهوتي له خطاب ديني يسعى به إلى تنصير المسلمين .. زحتى الدوائــر العلمانيـــة في النظم السياسية الغربية ـــ بما فيها العلمانية الغرنسية المتطرفة ـــ تدعم هذا المشروع الكنسـي التنصيري وخطابـه اللاهوتي؛ لأنــه يصب ــــ بالنهايــة ــ في تحقيق اســتراتيجية إلحاق الشرق بالغرب, وهيمنة الحضارة الغربية ـــ المسيحية بمعنى من المعــاني ـــ على حضــارة الإِسلام .. ومن هنا كان دعم حكومات فرنســا العلمانيــة لمدارس الإرســاليات التنصيـريــة في المشرق العربـي, لأنهــا ـــ وفق عبارة قناصل الحكومــة الفرنسية : « تســتهدف جعل ســوريا ] أي الشام الكبــير [ حليفاً أكثر أهمية من مستعمرة ! وتـأمين هيمنـة فرنســا على منطقـة خصبـة ومنتجــة ! وتحويل الموارنـة إلى جيـش متفــان لفرنـسا في كل وقت! وجعل البربريـة العربيــة ] كذا [ تنحي لا إراديَّا أمام الحضارة المسيحية لأوربا »(8).

فالهدف الاستراتيجي الـذي يجتمع هليه الغرب الاستعماري ـــ الكنسي منه والسياسي ـــ هو إعــادة اختطاف الشرق من الإِسلام, والتوسل إلى ذلك بتشويه صورة الإِسلام, أو طي صفحة وجود هذا الإِسلام !

والغـرب السياســي ـــ القــائد لهذه المواجهـة بعد إزاحة الكنيسة عن مركز القيادة ـــ لـه خطـاب سياســي وثقــافي وحضـاري يســـعى إلى تغريب الشــرق واحتلال عقل النخب من أبنائه, لتأييد احتلال الأرض ونهب الـثروات عندما يصبح الغرب ونموذجـــه الحضـــاري والقيمي هو قبلــة عقول هذه النخب من المفكرين والمثقفين.

ومع توجـيــه هذا الخطــاب الغربي ـــ الثقافي منــه واللاهوتي ـــ في الأساس إلى عقول المسلمين الشرقيين .. فلقد توجهـوا بــه كذلك إلى الرأي العــام الغربي, لإِقناعــه بضرورتـه, ولكسب تأييده لمراميه ولإِشراكه في الإنفاق عليه, والنهوض بتبعاته, والحرب في سبيله.

وإذا كــــان طمــع الغــرب الاستعماري ـــ السياسي والكنسي ـــ قد شمل العــالم كلــه, وليس فقط عــالم الإِسلام, فلقد تمـيز الخطاب الغربي للعالم الإِسلامي عن خطابه للحضارات غيـر الإِسلامية, بسبب تميز الإِسلام ودوره في هذه المواجهــة التاريخيــة بين الغـرب والإِسلام, فالإِسلام ليس مجرد حضارة متميزة عن الحضارة الغربية ـــ كما هو الحال مع الحضارات الأخرى : الصينية والهنديـة واليابانيـة ـــ وإنما هو ـــ مع هذا التمـيز ـــ حضارة عالمية, وليست محلية كتلك الحضارات, ومن ثم فهو المنافس الأول والأخطر للحضارة الغربية على النطاق العالمي, بل وفي عقر دار الحضارة الغربية ذاتها.

ومن هنا كان إحياء الغرب وإنعاشه لذاكرة شعوبه بذكريات :

ـــ الفتوحـات الإِسلامية الأولى التي حررت الشـرق من هيمنة الغرب ـــ في القرن السابع الميلادي ــ بعد عشرة قرون من القرن الحضــاري ـــ الإِغريقي والروماني والبيزنطي ـــ للشرق.

ـــ وذكريات الوجود الإِسلامي في الأندلس ـــ والذي استمــر ثمانية قرون ] 92 ـــ 897 هـ / 711 ـــ 1492م [ وهو الوجـود الذي كـاد أن يدخل كل جنوب أوربا ووسطها في دائرة الإِسلام لــولا الهزيمــة الإِســلامية في معركـة « بــلاط الشــهداء » ] 114هـ ـــ 732م [.

ـــ وذكريـات الهزيمة الصليبيــة أمام الفروسية الإِسلامية, وفشل الحملات الصليبية في إعادة اختطاف الشرق والقدس من الإِسلام, رغم استمرار هذه الحملات قرنين من الزمان ] 489 ـــ 690هـ / 1069 ـــ 1291م [.

ـــ وذكريـات المطــاردة العثمانيــة للتحدي الأوربي على أرضه, وفيهـا تم فتح القسطنطينية ] 857هـ ـــ 1453م [ ثـم أوغلت هذه المطــاردة على أرض البلقـان حتى وصلت إلى أســوار « فينا » فــي ] 935هـ ـــ 1529م [ وفـــي ] 1094هـ ـــ 1683م [.

ـــ وذكريـات السيطرة الإِسلامية على البحار الكبرى للكرة الأرضية ـــ الأبيض والأحمر والعرب والأسود ـــ لأكثر من عشرة قرون, كان ظهر هذا الكوكب. كان المشروع الغربي ـــ السياسي منه والكنســي ـــ حريصاً دائماً وأبداً على إنعاش ذاكرة الشعوب الغربية بذكريات « خطــر العالميـــة الإِســـلامية » على استراتيجيته, ةذلك لتأجيج حماس تلك الشــعوب في معركـة الغرب لاســتعادة الشرق مرة أخرى من الإِسلام.

وفي كـل مفردات هـذا الخطــاب الغربي ـــ اللاهوتـى منــه والسياســي والثقــافي والتعليمي والإعلامـي ـــ كان الغرب حريصاً علـى توجيــه أمضى أسلحته وأخطرها إلى الإسلام ـــ الدين والثقــافــة والحضارة ـــ باعتيـاره النموذج الـذي حرر الشــرق من الرومان ومن الصليبيين, والطــاقــة والمقاومــة لكـل محاولات هيمنة الغرب على الشرق من جديد ..

ولقد أثمـرت تراكمــات مفردات هذا الخطــاب الغربي, الخاص بالشــرق الإِســـلامي, أثمـرت مخزوناً من « ثقـافــة الكراهيــة الســـوداء » التي شــاعت وترسـبت, بل وتكلســت في كثــير من ميــادين الثقافـــة واللاهـوت والتعليــم والإِعلام بأوربا وأمريكا. وهو المخزون الداعــم للمشــاريع الغربيــة لاستعمـار الشـرق, والذي تطفح بـه منـابر الثقافة والإِعلام والنتصير الغربية إبان الأزمـات الحادة في علاقـة الغرب بالإِسلام, على النحو الذي رأينــاه ونراه بعد « قارعــة 11ســبتمبر سنـة 2001 م » في الولايات المتحدة الأمريكية.

وفي هذا الميدان يستطيع العقل المسلم أن يتـــابع ويعي دلالات المواقـف والأفكــار, التي غدت مكونات أساسـية في ثقافـة الخطاب الغربي حول الإِسلام والحضــارة الغربي حول الإِسلام والحضــارة الإِســـلامية, وهي مواقف وأفكـار رصدها وانتقدهـا علماء غربيون منصفون .. ذلك من مثل :

ـــ تصوير نبي الإِســـلام ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ باعتبــاه المنشـق الكاثوليكي الأكبر الذي اختطف الشــرق من الغـرب الرومــاني, ومن الكاثوليكيــة !! وكمــا يقـول المفكـر الألمــاني « هوبــرت هـــيركومر » في دراسته عـن ] صورة الإِســلام في الأدب الوسـيط [ : « فإن الأوربيين ادعو أن رسول الإِسلام كان في الأصل كاردينالاً كاثوليكَّيــا, وتجاهلتـــه الكنيســة في انتخابات البابا, فقـام بتأسيس طائفـة ملحدة في الشرق, انتقاماً من الكنيسـة, واعتـبرت أوربـا المســيحية ـــ في القرون الوســـطى ـــ محمداً المرتــد الأكــبر عن المسيحية, تاذي يتحمل وزر انقســام نصف البشرية عن الديانة المسيحية(9)»! وتصوير الكاثوليكيـــة الأوربيــة ـــ بلســان فيلســوفها الأكبر « تومــا الأكويـــني » ] 1225 ـــ 1274م [ ـــ رسـول الإِسلام ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ بأنــه هو « الذي أغوى الشــعوب من خلال وعوده الشـهوانية .. وقــام بتحريف جميع الأدلــة الواردة في التوراة والأنــاجيل من خلال الأســاطير والخرافـات التي كـان يتلوها على أصحابه, ولم يؤمن برســالة محمد إلا المتوحشون من البشر, الذين كـانوا يعيشون في البادية (10)».

ـــ وتصـــوير البروتستــانتيـــة الأوربيـــة ـــ بلســان رائدهــا الأول « مــارتن لوثر » ] 1483 ـــ 1546م [ ـــ للقـرآن الكريــم « بأنــه كتــاب بغيض وفظيــع وملعون, وملـيء بالأكــاذيب والخرافـات والفظـائع » وحديثــه عن أن « إزعاج محمــد, والإِضرار بالمسلمين, يجب أن تكـون هـي المقــاصد من وراء ترجمــة الـقرآن, وتعــرّف المســيحين عليـه ! » وأن « على القساوسـة أن يخطبوا أمـام الشـعب عن فظائع محمد, حتى يـزداد المسيحيون عــداوة لــه, وأيضـاً ليقوى إيمــانهـم بالمسيحية, ولتتضتعف جســارتهم وبســالتهم في الحرب ضد الأتــراك المسـلمين, وليضحوا بـأموالهم وأنفسهم » في هذه الحروب (11) !!

ـــ تصوير الغرب للمســلمين ـــ في الثقافـة الشعبية الأوربيــو, ومن خلال الملاحم الشعبية, مثل « ملحمة رولاند » سنـــة 1100م ـــ بــأنهم « الجنس الحيوانــي الحقــــير .. والكــلاب والخنازير » !! وأنهـــم « يعبدون أصنام الثالوث : « أبوللــين Apollin » و « تير فاجــانت Tervagant  » و « حـــوميت (محمد)  Mohamet» !!(12).

وهي الأوصاف المزيفــة والكاذبـة, التي لا تزال تجترهــا حتى الآن « أفلام هوليـوود », « والأعمــال الأدبيــة » التي يفوز أصحـابهــا بجوائز « نوبــل » في هذه الأعوام !!

ـــ ووضـــع دانـــتي ] 1295 ـــ 1321م [  ـــ صـــاحب « الكوميديـــا الإلهيــة » رســول الله ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ, وعلي بن أبي طالب, كرم الله وجهه « في الحفرة التاســعة في ثـامن حلقــة من حلقــات جهنــم, وقد قطعت أجسـامهم وشوهت أجسـادهم في دار السـعير؛ لأنهم كانوا في الحياة الدنيا ـــ ] بكذبه وافترائه [ ـــ أهل شجار وشـقاق »(13).

ـــ وحديـث « جوتــة » ] 1749 ـــ 1832م [ عن القرآن الكريـم, باعتبــاره « الكتاب الذي يكرر نفسه تكرارات لا تنتهي فيثير اشمئزازنا دلئماً, كما شرعنا في قراءته » !

ـــ وحديث المستشــرق الألمـاني « تيــودور نولدكــه » ] 1836 ـــ 1930م [ في كتابــه ـــ ] من تــاريخ القـرآن [ عن « لغــة القرآن المتراخيــة والركيكـة .. وتكراراتـه التي لا تنتهي, والتي لا يستحي الرسـول من استخدام الكلمــات نفسـها فيها, والـبراهين التي تعوزهــا الـدقــة والوضـوح, والتي لا تقنع إلا المؤمنــين من البدايــة بالعـاقبـة النهائية, والقصص التي لا تقدم إلا قليلاً من التنوع, والتي كثيراً مــا تجعل آيات الوحــي أقــرب إلى الملل والســـأمة .. فأســلوب الثرآن فيــه عيوب كثيرة, وعيوب غير موجودة في القصــائد العربية القديـمة ولا في أخبــار العرب, وأفكــاره ضحلة, وساذجة, وبدائية » !!

ـــ أما « توماس كارليل » ] 1795 ـــ 1881م[ الــــذي تحـــدث عن رسول الإسلام ـــ صّلى الله عليــه وسلم حديثاً إيجابياًّ, حتى جعلـه ـــ كزعيـــم مصلح, وليس كنبي ورسـول ـــ أول العظمــاء المائـة ـــ فإنه هو القائل « محمد شـيء, والقــرآن شيء غير الشعور بالــواجب يمكن أن يحمـل أي أوربي على قــراءة القـرآن .. إنــه خليط طويل وممل ومشــوش .. جاف .. وغليظ باختصار, هو غباء لا يحتمل »(14).

هذه هي صـورة الإسلام .. وقرآنـه .. ورســوله .. وصورة المســلمين وحضارتهم, التي شــاعت في الثقافــة الغربية, وفي الخطاب الغربي عن الشرق الإسلامي, منـذ ظهور الإسلام وحتى العصر الحديث, والتي كونت الأصول والجذور لثقافة الكراهيـة السوداء, التي تستكن حيناً, وتطفوا أحياناً, إبـان الأزمـات بين الغرب والإسلام.

حـدث هـذا ويحــدث بينما يؤمن المســلمون ويقدســون كـل الكتب والشــرائع والنبوات والرســالات, لا يفرقون بين أحد من رسل الله, ويتلون آيــات القرآن التي تقــول عن التوراة والإنجيل إن فيها هـدى ونور !

ولقد ســمعت الغزوة الاستعمارية الأوربيــة الحديثــة ـــ كي تؤبـد احتلالهــا لعـالم الإســلام, ونهبهـا لثرواتـه ـــ إلى تجريد الإِســلام من شمولــه للدنيــا مع الآخرة, ومن مرجعيته للدولة والسياسة والاجتمـاع مع منظومـة القيم والأخلاق الحاكمــة لسلوك الأفراد .. سعت إلى فك الارتبـاط بين شــريعته الإلهية وبين حركــة الواقع في المجتمعـات الإسلامية التي اســتعمرتها هـذه الغزوة, وذلك لتلحـق هـذا الواقــع بالقــانون الوضعـي الغربي العلماني, حتى لا يبقي للإسلام إلا ملكوت الســـماء والغيب والدار الآخرة, كمــا هو حـال النصرانيــة المهزومة أمام العلمانية الغربية ـــ وسعت هذه الغزوة كذلك إلى فك الارتباط بين الإســلام وبين العربيــة ـــ لغــة القرآن الكريـم ـــ وذلك لتغريب اللســان, مع تغريب الفق،ه والقانون, وكـان خطـاب الاســـتعمار الفرنســـي في هذا الميدان نموذجًّيا, فلقد أعلن فلاسفته ومنظوره : « أن الأسلحة الفرنسية هي التي فتحت البـلاد العربيــة, وهذا يخولنــا اختيــار التشــريع الذي يجب تطبيقــه في هذه البلاد ! ويجب فصل الدين الإسلامي عن القــانون المدني, وحصــر الإِســلام في الاعتقـــاد وحـده .. والحيلولـــة دون اندمــاج العــادات والأعراف في الشــرع الإسـلامي, لتيســير دمجهــا في القــانون الفرنســي بدلاً من القانون الإسلامي » !

« كذلـك يجب الفصـل بين الإســلام والاســتعراب, فالعربيــة هي رائــدة الإســلام؛ لأنها تُعلَّـم من القرآن, وإذا ســادت الفرنســـية بدلاً من العربيــة, وأصبحت لغـة تفاهـم, فلـن يهمنـا كثيراً أن تضم الديانة الإسلامية الشعب كله, وأن آيات من القرآن يتلوهـا رجـال بلغة لا يفقهونهــا, كمــا يقيم الكــاثوليك القداديس باللغات اللاتينيــة والإغريقيـة والعبرانية »(15)

فــالمطلوب ـــ في خطــاب الغـزوة الاستعمارية الغربيــة الحديثة ـــ هو تجريد الإسلام من خصوصياته ومقومـات تميزه عن النمــوذج الحضــاري الغربـي؛ وذلك بتغريب الفقــه والقـانون بالعلمانيــة بعد تغـريب الواقـع, لعزل الشـــريعة عن الحيــاة .. وتغريب اللســان في بلاد الإِسلام, لعزل القرآن عن الحياة وإلحاق المسلمين بالثقافــة الغربية, ومنظومـة قيمها ..

والدارس لواقـــع بلاد المغرب العربي ـــ تونس والجزائر والمغرب ـــ حتى بعد ما يقرب من نصف قـرن من الاستقلال السياســي ـــ يدرك حجـم الكارثــة التي أحدثهــا « التغريب الفرنكفونـي » في ميادين اللغة والثقافة والتعليم والإعلام, بل والقيم أيضاً, حتى هذه اللحظات.

وفي واقعنا المعاصـر :

ولم تكن مقـاصد الخطــاب الغربي ـــ خطـاب الهيمنــة ـــ الموجــه إلى العالم الإسلامي المعـاصر, بـأفضل كثيراً من خطـاب الغـزوة الاســتعمارية في العصر الحديث .. بل ربمــا كـان الأمر أسـوأ في كثير من مفردات هذا الخطـاب ..

فالخطاب الكنسي اللاهوتي, الذي طمـح ـــ بل وطمـع ـــ إلى تنصـــير كل المســلمين, قد تحدث عن الإسلام في وثائق « مؤتمر كولـورادو سنة 1978 » فقال :

« إن الإســلام هو الديــن الوحيـد الذي تنــاقض مصـادره الأصليــة أســس النصرانيــة, والنظام الإِســلامي هو أكثر النظـم الدينيــة المتناســقة اجتماعيَّــا وسياسيًّا. ونحن بحاجة إلى مئات المراكز لفهــم الإسلام, ولاختراقــه في صدق ودهاء ! ولذلك لا يوجد لدينا أمر أكثر أهميــة وأولويــة من موضوع تنصــير المســلمين, فعلى مديـري إرســاليات أمريكــا الشــمالية والقــادة المنصرين الآخرين أن يكتشفـوا ويوطدوا أســاليب جديدة للتعاون والمشـاركة مع كنائس العـالم الثالث وعلمها المنظم للوصول إلى المسـلمين, لقد وطدنـا العزم على العمل بالاعتمــاد المتبــادل مع كل النصــارى والكنائس الموجودة في العالم الإسلامي .. إن نصـارى البروتســتانت ـــ في الشرق الأوسط وإفريقيا وآسيا ـــ منهمكون بصــورة عميقــة في عمليــة تنصــير المســلمين .. ويجب أن تخرج الكنائس القومية من عزلتها, وتقتحم بعزم جديد ثقافات ومجتمعات المسلمين الذين تسعى إلى تنصــيرهم, وعلى المواطنــين النصــارى في البلدان الإسلامية وإرساليات التنصير الأجنبية العمـل معاً, بروح تامة, من أجل الاعتماد المتبادل والتعاون المشترك لتنصــير المســلمين .. إذ يجب أن يتم كسب المسـلمين عن طريق منصرين مقبولين من داخل مجتمعاتهم. ويفضَّل النصـارى العـرب في عمليـة التنصير. إن تنصير هذه البلاد ســوف يتم من خلال النصــارى المنتمين إلى الكنيســة المحليـة, ويتم ذلك بعد تكويــن جاليــة محلية نصرانية قوية »(16).

وبعد هـذا التخطيط لاختراق الإسلام في « صدق ودهــاء » تحدث قساوسة بروتوكولات التنصير هذه عن ضرورة صنـاعــة الكـوارث في بلاد الإســلام لإحداث الخلل في تـوازن ضحايـا هذه الكوارث باعتبــار ذلك هو الشــرط الضروري لتحول هؤلاء الضحايـا من الإســلام إلى النصرانيــة ! معتبرين ذلك « نعمــة » كــبرى و « معجزة » تهيــئ لهم تنصير المسلمين ! فقالوا :

« لكــي يكــون هنـــاك تحول إلى النصرانيــة, فلابـد من وجود أزمـات ومشـاكل وعوامل تدفع الناس ـــ أفراداً وجماعات ـــ خـارج حالــة التوازن التي اعتادوهــا ! وقـد تـأتي هذه الأمـور على شــكل عوامل طبيعبة, كالفقر والمرض والكوارث والحروب, وقد تكون معنوية كالتفـرقـــة العنصريــة, أو الوضـع الاجتمــاعي المتدني .. وفي غيــاب مثل هـذه الأوضـاع المهيئــة فلن تكـون هناك تحولات كبـيرة إلى النصرانيــة ! ولذلك فــإن تقديــم العـون لـذوي الحاجــة قد أصبح أمراً معمًّا في عملية التنصير ! وإن إحدى معجزات عصرنا, أن احتاجات كثـير من المجتمعات الإســلامية قد بدلتموقف حكوماتهأل التي كـانت تنـاهض العمل التنصيري, فأصبحت أكثر تقبلاً للنصارى !! »(17).

ولقد كشف هذا الخطـاب التنصيري عن المقاصد الحقيقية من وراء ما يسمونه « الحوار بين الأديان » فـإن بهذه المقاصد هـي التمهيد للتحول القســــري ـــ نعم القســـري ـــ إلى النصرانيــة .. وبنص عبـاراتهم يقولون : « إن بيانـات مجلس الكنائس العالمي, التي تشدد على « حرية الإقنــاع والاقتنــاع » لا تـلزم المجلس !! فـالحوار ـــ عند مجلس الكنــائس العالمي ـــ ليس بديلاً عن تحويل غير النصارى إلى النصرانيــة, وهذه البيانات عن « حرية الإقنـاع والاقتنــاع » لا تعني تخلي المجلس عن موقفــه المناصرة « للجهود القسرية والواعيــة والمعتمـدة والتكتيكية لجذب النـاس من مجتمع ديني مـا إلى آخر .. إنـه بينمــا يوافق المنصــرون على أن التحول لديــن آخر لا يجب ولا يمكن أن يتم بالقوة, فإنهم مـا زالوا يشـعرون أيضاً بأننا ينبغي « أن نجــبرهم على الدخول » فى النصرانية »(18).

وإذا كان هـذا هـو الخطـاب الكنسي البروتســـتانتي, إزاء الإســـلام, فـإن خطـاب الكاثوليكية الغربية يقطر, هو الآخر بالعداء للإسلام.

فالمونسـنيور « جوزيبـي برنارديني » يصرح ـــ بحضرة بابا الفاتيكـان يوحنا بولـس الثاني ـــ في سنـة 1999م فيقول : « إن العالم الإسلامي سبق أن بدأ يبسط سـيطرته بفضل دولارات النفط. وهو يبني المساجد والمراكز الثقافية للمسلمين المهاجرين في الدول المسيحية بما في ذلك روما عاصمة المسيحية, فكيف يمكننا ألا نــرى في ذلك برنامجًــا واضحًــا للتوسع, وفتحـاً جديداً(19)».

وفي نفـس التـــاريخ, يتحــدث الكاردينال « بول بوبار » مسـاعد بابا الفاتيكــان ومسـئول المجلس الفاتيكــاني للثقافــة إلى صحيفــة « الفيجــارو » الفرنسية, فيقول : « إن الإسلام يشكل تحدياً بالنسبة لأوربـا وللغرب عموماً, وإن المرء لا يحتاج إلى أن يكون خبيراً ضليعًــا لكـي يلاحظ تفاوتــاً متزايداً بين معدلات النمو السـكاني في أنحاء معينة مـن العــالم, ففي البلــدان ذات الثقافـة المسيحية بتراجع النمـو السكاني بشكل تدريجي, بينما يحدث العكس في البلدان الإسـلامية الناميــة, وفي مهد المســيح, يتســاءل المسيحيون بقلق عما سيحمله لهم الغـد, وعمــا إذا لم يكن موتهـم مبرمجاً بشــكل مــا ؟! إن التحدي الذي يشكــله الإسلام يكمن في أنه دين وثقافة ومجتمع وأسلوب حياة وتفكير وتصرف, في حين أن المسيحيين في أوربا يميلون إلى تهميش الكنيسة أمام المجتمع, ويتناسون الصيام الذي يفرضه عليهم دينهم, وفي الوقت نفسه ينبهرون بصيام المسلمين فس شهر رمضان (20)».

ويمضـي هـذا الخطــاب الكنســي الكاثوليكي لـيرفض التعايش بين الإسـلام والمســيحية في أوربـا فيقول الكـاردينــال « جــاكوموبيقي » أســـقف مدينــة « بولونيا » ــ بإيطاليا ــ في رسالته يوم 13 ـــ 9 ـــ 2000م داعيــاً إلى اســـتئصال المسلمين من أوربـا : « فإما أن تتحول أوربـا إلى مسـيحية فوراً, وإلا ستكون إسلامية مؤكـداً »(21).

هذا هو الخطاب الكنسي الغربي إزاء الإسلام, وتلك هـي صورة الإسلام في هـذا الخطــاب البروتســـتانتي منــه والكــاثوليكي في الواقع المعــاصر الذي نعيش فيــه, والســابق على « ثارعــة ســـبتمبر سـنة 2001م » التي ألمت بأمريكـا.

أمـا خطـاب المشــروع السياســي والحضــاري الغربي إزاء الإسلام, فلقد بدأته أمريكــا عقب الحرب العالمية الثانية ـــ عندمــا ورثت الإمبراطوريــات الاســـتعمارية القديمــة : الإنجليزيــة والفرنسية ــ بمحاولة استغلال الإسلام في حربها الباردة ضد الشيوعية, وبعبارات الشهيد سيد قطب ] 1324 ــ 1386هـ 1906 ـــ 1966م  [ : « إن الإسلام الذي يريـده الأمريكــان, وحلفـاؤهم في الشـرق, ليس هو الإسلام الذي يقاوم الاســتعمار, وليس هو الإسلام الذي يقـاوم الطغيـان, ولكنــه فقط الإسلام الذي يقاوم الشيوعية. أنهم لا يريدون للإسلام أن يحكم, ولا يطيقون من الإسلام أن يحكم؛ لأن الإسلام حين يحكم سينشئ الشعوب نشأة أخرى, وســيعلم الشــعوب أن إعداد القوة فريضة, وأن طرد المستعمر فريضة, وأن الشــيوعية كالاستعمار وبـاء, فكلاهما عـدو, وكلاهمــا اعتــداء, الأمريكــان وحلفاؤهـم إذن يريدون للشرق« إسلاماً أمريكانًّيــا » يجوز أن يســتفتى في منع الحمـل, ويجوز أن يســتفتى في دخول المرأة البرلمــان, ويجوز أن يستفتى في تواقص الوضوء, ولكنـه لا يستفتى أبداً في أوضاعنا الاجتماعية أو الاقتصادية أو نظامنـا المــالي, ولا يســـتفتى أبداً في أوضـاعنــا السياســية والقوميــة, وفيما يربطنا بالاستعمار من صلات, فالحكم بالإســلام, والتشــريع بالإســلام, والانتصار للإسلام لا يجوز أن يمسـها قلم ولا حــديث, ولا اسـتفتاء »(22) في الإسلام الأمريكـاني !

هذا هو نوع « الإسلام الأمريكاني » الذي أرادت أمريكــا « اســتغلاله » في حربهـا البــاردة ضد الشــيوعية كمــا استغلت النصرانيــة أيضاً. وأنشــأت, لذلك « مجلـس الكنـائس العالمي » في ذات التاريخ :

فلما تعاظم مد اليقظة الإسلامية ــ في سبعينيات القرن العشرين, عقب سقوط نمــاذج التحديـث على النمط الغربي اتخذت أمريكـا ــ ومن ورائهـا الغرب ـــ من الإســلام المجــاهد إســلام اليقظــة والصحــوة عدوًّا, حتـى قبـل قارعــة ســبتمبر سنــة 2001, وحتى عندمـا كـانت كل الحركــات الإســلامية التي يســمونها « أصولية ومتطرفـة » تقف مع امريكا في خندق واحد إبّــان الجهــاد الأفغاني ضــد الاتحــاد الســـوفيتي والشيوعية, في ثمانينيات القرن العشرين !

وفي ذلك التــاريخ كتب الرئيس الأمريكي « ريتشــارد نيكسون » ـــ وهو مفكـر اســتراتيجي ـــ عن هذه اليقظــة الإِســلامية التي يقودهــا من أسمــاهم « الأصـــوليون الإســلاميون » الذين هم ـــ كمـــا يقول ـــ : « مصممون على استرجـاع الحضـارة الإسـلامية السـابقة, عن طريـق بعث المـاضي, ويهدفون إلى تطبيق الشـريعة الإسلاميـة, وينادون بأن الإِســلام دين ودولـة, وعلى الرغم من أنهم ينظرون إلى المـاضي فـإنهم يتخذون منــه هدايــة للمســتقبل, فهــم ليســوا محافظين, ولكنهم ثوار » !

ودعـا « نيكسون » وإلى اتحـاد الغرب ــ الأمريكي والأوربي والروسـي لمواجهة هـذا البعث الإِســـلامي, وإلى « تحديد الخيار الـذي تختـاره الشـعوب المسـلمة !! ليكون « تموذج تركيا العلمانية المنحازة نحو الغـرب, والســــاعية إلى ربط المســلمين بالغرب سياسيًّا واقتصاديًّـا, وذلـك حفاظـًا على مصــالح الغرب في الشرق .. لأن أكثر مـا يهمنا في الشـرق الأوســـط هو الفظ وإســرائيل, وإن التزامنــا نحو إسرائيل عميق جداًّ, فنحن لسـنا مجــرد حلفــاء, ولكننــا مرتبطون ببعضنا بـأكثر مما يعينــه الــورق ! نحن مرتبطون معهـم ارتباطًــا أخلاقيًّــا, ولن يســتطيع أي رئيس أمريكي أو كونجرس أن يسمح بتدمير إسرائيل » !

ولقـد أفصح « نيكسون » عن الموقف الأمريكي والغــربي الـذي اتخذ الإسـلام والمسلمين عـــدوًّا, عند قال : « إن الكثــــيرين من الأمريكيين قد أصبحوا ينظـرون إلى كـل المســلمين كـــأعداء, ويتصـــور كثــير من الأمريكيين أن المسلمــين هـم شعوب غير متحـضرة, ودمويـون, وغير منطقيين, وليس هناك صورة أسـوأ من هذه الصـورة ـــ حتى بالنســبة للصين الشـــيوعية ـــ في ذهن وضمــير المواطن الأمريكي عن العــالم الإسلامي, ويحــذر بعض المراقبين من أن الإســلام والغرب متضــادان, وأن الإســلام ســوف يصبح قــــوة جيوبوليتيكية متطرفـة, وأنــه مع التزايد السكاني والإمكانات المـادية المتــاحة, ســوف يؤلف المسلمون مخاطر كبيرة, وأنهـم يوحـدون صفوفهم للقيــام بثورة ضد الغـرب, وسوف يضطر الغرب إلى أن يتحـد مع موســكو ليواجـــه الخطـر العدواني للعالم الإسلامي(23)».

تلك هي صـورة الإسلام في الخطـاب الاسـتراتيجي الأمريكي ـــ والغربي ـــ في ثمانينــات القرن العشــرين ـــ إبّـان شـهر العســل بين أمريكــا والغرب وبين كل الحركــات الإسلامية ـــ والدول الإسلامية ـــ إبّان الجهــاد المشــترك ضد الشيوعية في أفغانســتان ـــ وقبل « قارعــة سـبتمبر 2001م بنحو خمسـة عشر عـامـاً !

فلمــا سقطت الشــيوعية ـــ سنة 1991 ـــ وأعلن الغرب أن الإسلام هو العـدو الذي حل محل امبراطوريتهــا الشــريرة عللت مجلـة ] شئون دوليـة [ الصــادرة في « كمــبردج » بانجلـترا ـــ في يناير ســنة 1991م سبب سـرعة هذا الإعلان الغربي ـــ أن الإسلام هو العدو ـــ فقالت : « لقـد شـعرت الكثيرون ـــ في الغرب ـــ بالحاجـة إلى اكتشـاف تهديد يحل محل التهديد السوفيتي وبالنسـبة إلى هذا الغـرض فـــإن الإســلام جـاهز في المتنـاول, فالإســلام من بـين الثقـافات الموجودة في الجنوب هو الهـدف المباشر للحملة الغربية الجديدة, ليس لسبب سوى أنـه الثقافة الوحيـدة القـادرة على توجيه تحدًّ فعلي وحقيقي للثقافـه الغربية؛ ذلك أن النظـريــة التي يعتنقهــا علمــاء الاجتماع, والتي تقول : إن المجتمع الصناعي والعلم الحديث يقوض الإيمان الديني ـــ مقولــة العلمنــة ـــ صالحة على العموم, فالتأثير السيكولوجي للدين قد تنــاقص عمليًّــا في كل المجتمعــات, وبدرجــات متفاوتة وأشـكال مختلفة .. لكن عــالم الإسلام قد مثل استثناء مدهشاً وتامَّا جدًّا من هذا, فلم تتم أي علمنــة في عـالم الإسلام, إن سـيطرة الإسلام على المؤمنين بـه هي ســيطرة قويــة, وهي بطريقــة مـا أقوى الآن ممــا كــانت من 100 ســنة مضت, إن الإسلام مقـاوم للعلمنة نوعــاً ما, والأمر المدهش هو أن هذا يظل صحيحاً في ظل مختلف النظم السياســية … وأن وجود تقـاليد محليــة اللإسلام قـد مكّن العـالم الإسلامي من أن يفلت من معضلة تقليد العلمانيـة الغربيــة, وأن عمليــة الإصلاح الذاتي, استجابة لدواعي الحداثة, يمكن أن تتـم باسـم الإيمان المحلي, وذلك هو التفسير الأساســي لمقاومــة الإسلام تامرموقـة للعلمنــة, وإن أوربيين كثيرين يتســاءلون : عمــا إذا كــان يمكن جعل الإسلام يقبل بقواعد المجتمع العلمــاني, مثلمــا فعلت المسيحية بعد صراعــات كثيرة وطويلـة ومؤلمــة ؟ أم أن رسوخ الإسلام في المجال السياسي والاجتماعي يجعله يرفض القبول بالمبدأ المســيحي / الغربي الذي يميز بين ما لله وما لقيصر, وبمــا لا يســمح لمعتنقيــه أن يصبحوا مواطنين خاضعين للقانون بصورة يعول عليها في ديمقراطية علمانية ؟ ».

فتخيير الإســلام بين العلمنــة, أي التحـول إلى صورة شــرقية للنصرانيــة الغربيـة, يقف عند الشـعائر والعبادات فيتنــازل ـــ بذلك ـــ عن خصوصياتـه ومميزاته, فاتحـا الطريق أمـام تغريب العقل المسلم, وهيمنــة العولمـة الغربية على دنيا المسلمين. إن تخيير الإسلام للمسلمين بين هذه التبعيـة الفكرية وبين أن يكونوا العدو الـذي توجــه إليهم آلــة الحرب وحملات الإعلام التي كــانت موجهـة للشــيوعية وأحزابها وحكوماتهــا, هو أمر سابق على « قارعــة ســبتمبر سنة 2001م » .. وســابق على الانشـقاق الذي يحــدث بين الجمـاعات الإسلامية والراديكـاليــة وبين أمريكــا, فنحن بـإزاء موقف قديـم وثابت وأصيل في المواجهة بين الغرب والإسـلام, وكمـا قــال « جلـوب باشـا » : « فـإن تاريخ مشـكلة الشـرق الأوسط ـــ أي مشكلة الغرب مع الشـرق ـــ إنمـا يعود إلى القرن الســابع للميلاد » أي إلى ظهور الإسلام وتحريره الشـرق من هيمنـة الغرب, وبقـائـه القـوة الشـرقية المجــاهدة ضد محاولات اختطـاف الغرب للشرق من جديد, وليست القضية هي قضية « قارعــة سبتمبر » في القرن الواحد والعشرين ! بعد قارغة سبتمبر سنة 2001م.

في ضوء هذا الذي قدمنـاه عن تزييف « المشـروع الغربي : السياسي والكنسـي » لصـورة الإسـلام, وبـدء هذا التزييف مع بـدء ظهور الإسلام وتحريره للشرق من هيمنة الغرب الرومــاني البيزنطي .. نجد أن مقاصد الغرب من وراء هذا التزييف :

أ ـــ تغريب عقول مفكرينـا ومثقفينـا, ليتبنـوا نموذجـــه الحضــاري بـدلاً من النـموذج الإســلامي, فنصبح المركزيــة الغربية هي قبلتنا, طواعيـة وتطوعـاً !

ب ـــ وتضليل شعوبه الغربية لتنخرط في المواجهة مـع الإسلام, دعمـاً لمشروع الهيمنة.

ج ـــ وإراحـة ضميره, عندمـا يصدق الصـورة التي زيفهـا للإسـلام ـــ باعتباره نمطـاً من الفكر البدائي والمختلف, تؤمن به شعوب بدائيـة ومتخلفـة, يحول بينهـا وبين التقـدم ـــ بمعنــاها الغربي ـــ فيقتنع الضمـــير الغربـي عندئــذ ـــ بمنطق الداروينيـة ـــ أنه صاحب رســالة تنويرية وتقدميــة وتحضيريـة عندما يحـارب خصوصياتنا الحضـارية, ويعـادي مميزاتنا القيميـــة, ويعمل على إبـــادة البنـى الموروثــة لثقافتنــا الإســــلامية .. فهو الأقــوى, وبمنطق الداروينيــة, فهو الأصلح للبقاء في هذا الصراع الحتمي !! وذلك وصولاً إلى تحقيق الهيمنة على عالم الإسلام, ونهب ثرواته, الذي هو المقصد الأعظم لمشروع الهيمنة الغربي.

في ضوء هـذا الذي قدمناه حول هذا الموضوع ـــ الذي هو موضوع الساهة, كما هو موضوع التــاريخ ـــ نفهم كيف أن طوفـان ثقافــة الكراهيــة الســوداء للإســـلام وأمتـــه وحضـارتـه, الذي تفجرت ينابيعه الأمريكيــة والغربية في وجوهنا, عقب « قارعــة سبتمبر سـنة 2001م » لم يكن من « إنشــاء » هذه القارعــة, ولا كانت أسبابه « جماعات العنف العشــوائي » التي ترفع رايــات الإســلام .. وإنمـا كـان هـذا الطوفـان « تصعيداً حــادًّا » لموقف تـاريخي قديم, و « كشــفاً » عن مخزون مكنـون, وضع الغافلين منـا واللاهـين عن الحقــائق في موقف الذين تحدث عنهم القرآن الكريم عنـدما قـال : ( لَقَدْ كُنْتَ فِي غَفْلَـةٍ مِنْ هَذَا فَكَشـــفْنَا عَنْكَ غِطَــاءَكَ فَبَصَرُكَ الْيَوْمَ حَديِد ) (ق : 22).

وإذا كــان اســتعراض وقــائع هذا الطوفــان ـــ بل والبركـان الـذي تفجرت حممه قي وجه الإسلام وأمتــه وحضـارته وعالمـه : ســلاحاً يقتل, وحصــاراً يخنق, وحملات نفسية وفكرية وثقافيــة ودينية وإعلامية, وتهديـداً ووعيداً ـــ إذا كـان اسـتعراض وقـائع هذا الطوفـان والبركان يحتاج إلى دراسـة مطولـة ومتخصصة (24) فإننا نختار نمـاذج شــاهدة على أن هذه الحرب التي أعلنهـا الغرب على الإسـلام ـــ تحت اســم « الأصولية الإِسـلامية » أو « الراديكـاليـة الإســلامية » أو « الإرهـاب الإســـلامي » وفي بعض الأحيــان على الإسـلام وقرآنـه ورسـوله ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ مباشرة وفي صراحـة ووقاحـة ـــ إنمــا هي حرب المشروع الغربي ـــ السياسـي والحضـاري والكنسـي ـــ وليست مجـرد تعصب كـاتب هنـا أو حماقــة أديب هنـاك .. ونختــار نمــاذج شــاهدة من كلمــات القيــادات المسـئولة, المعبرة عن أركـان النظــام الأمريكـي والغربي ومشـروع الهيمن،ة الذي يعلنون عنــه الآن عندمــا يكتبـون ويقولون : إن القـرن الواحد والعشـــرين إنما هو قرن الإِمبرياليــة الأمريكية والإِمبراطورية الأمريكية دونما منافس أو شريك !

إنهـا حـرب معلنــة ـــ وليس مؤامرة سرية تدبر في الخفاء ـــ على « الإسلام المقــاوم » لمشــروع الهيمنة الأمـريكي الغربي, وليست حربـاً على الإســلام الذي يقف عنـد الشعــائر والعبادات وتقصير الثـياب, وإطالة اللحى, وفقه الغناء والموسـيقي والدخان والتصوير ! ولا الإســلام الـذي يغـرق في بحــار الدروشـات والشعوذات والخرافات !

وهـذا الإســلام المقـاوم للهيمنـة هو الذي يســمونه « الأصوليــة الثوريــة » وتعريفهـم لهـا ـــ حتى لا يخدعنــا مخـادع ـــ قـد حــدده الرئيس الأمريكي الأســـبق ورجـل الاســـتراتيجية « ريتشـــارد نيكســـون » عندمــا وصف هـؤلاء الأصوليين الإسلاميين الثـوار بـأنهم : « هم المصممون على :

ــ اســـترجاع الحضــارة الإســلامية السابقة عن طريق بعث المـاضي.

ــ والذيـن يهدفون إلى تطبيق الشـريعة الإسلامية.

ــ وينادون بأن الإسلام دين ودولة.

ــ وعلى الرغــم من أنهــم ينظرون إلى المــاضي, فـإنهم يتخـذون منــه هدايــة للمستقبل, فهم ليســوا محافظين, ولكنهم ثوار(25)» !

وإذا كانت هـذه هي « الأصوليــة الإسـلامية الثورية » التي أعلنت أمريكـا ـــ والغرب ـــ الحرب عليهـا, عقب « قارعـة ســبتمبر », فإنها هي بعينهــا الإسـلام الشــامل والمقــاوم لمشـــروع الهيمنة الأمريكــي ـــ الغربي .. وهـي البعث الإسـلامي, على وجه الدقة والتحديد .. وليست « جماعات العنـف العشـوائي » بحال من الأحـوال.

وإذا نحـن تجاوزنـا ـــ مجــاراة للبعض ـــ عن دلالات وصف الرئيـس الأمريكـي « بوش ـــ الصغير » هذه الحرب بأنهــا « حملـة صليبيـة » وقبلنـا ـــ تجــاوزاً ـــ ما يقولــه هذا البعض من أن هذه العبارة هي « زلـة لسـان » ! فإننـا نقـدم هنـا نماذج « للتصريحات ـــ الحيثيـات » الصادرة من أعمــدة السياســة والإدارة والفكـر الاســتراتيجي, للمشــروع الأمريكـي والغربي, والتي تشـــهد على أن هذه الحرب إنمــا هي معلنــة ضد الإسـلام, أو داخل الإسلام, والإسلام المقاوم للهيمنة على وجه الخصوص والتحديد.

فوزيــر العــدل ـــ نعــم العــدل ! ـــ الأمريكي « جون أشكرروفت » لم يكتفٍ بــالحديث عن حرب الحضــارة ضـد البربريـة, والخــير ضد الشـر, والمدنيـة ضد التخلف ـــ كمت صنع آخرون ـــ وإنما ذهـب ليتفوق على غـلاة القساوســة المنصرين, فيـب إلــه العالمين, الذي يؤمن بــه مليــار ونصف المليــار من المسلمين .. فقال : « إن المسيحية دين أرســل الرب فيـه ابنـه ليموت من أجل الناس, أمان الإسلام فهو دين يطلب الله فيـه من الشخص إرسال ابنه ليمــوت من أجل هذا الإلــه (26)».

والســـناتور الأمريكـي « جوزيـف ليبرمـان » الـذي كـان مرشـحاً ديمقراطيًّا لمنصب نـائب الرئيس في الانتخابـات الأمريكية سنة 2000م ومرشح الرئاسة القادمـة يعلن : « أنـه لا حل مع الدول العربيـة والإسـلامية إلا أن تفـرض عليهـا أمريكــا القيـم والنظم والسياســات التي أغلنتهـا أمريكــل عند اســـتقلالها لا تنتهـي عند الحدود الأمريكية بل تتعداهـا إلى الدول الأخرى »(27)!!.

ووزيـرة الخارجية الأمريكيـة السابقة « مـادلين أولبرايت » تعلن : « أننـا معشـر الأمريكيين, أمـة ترتفع قامتهـا فوق جميع الشــعوب, وتمتد رؤيتهــا أبعـد من جميع الشـــعوب(28)» فتتحدث إلى الشــعوب الإسلاميـة بلغــة النازية التي سـبق وعانت منها.

والزعيـم « الديني ـــ السياسي » « بات روبرتســون » مؤسس جماعـة التحالف السياسي المسـيحي ـــ التي تسيطر على الكونجــرس الأمريكــي, والحــزب الجمهـوري, والإدارة الأمريكية, والأب الروحي للرئيس بـوش الصغـير, الذي ولد ـــ بوش ـــ على يديه ولادته المسيحية الجديدة, بعد انحرافـه الذي استمر حتى ســن التاســعة والثلاثين يعلـن « بـات روبرتســون » : « أن الدين الإسلامي دعا إلى العنف .. وأنـه بالنظر إلى المعنى الحقيقي لآيات قرآنية, فـإن أســامة بن لادن أكثر وفـاء لدينــه الإســلامي من آخرين .. وأن أمريكــا بحاجة إلى إنذار ضـد خطـر المســلمين الذيـن يكرهون أمريكا ويحاولون تدمــير إسرائيل, وأننا في هذه الحرب إنما نعــــلي كلمــة الله الـذي يقف معنــا, مع الحق, في هذا الصراع الديني الذي نخوضـه, ويحيــطنا بعنايته »(29).

والمستشــرق الأمريكي الصهيوني « برنــارد لويس » وهو مـن أعمدة المشـيرين على صـانع القـرار الأمريكـي يـقوب, في كتابـه الـذي أصدره بعد قارعـة سبتمبر بعنوان ] مـا هو الخطأ في العلاقـة بين الإسلام والغرب ؟ [ : « إن إرهاب اليوم هو جزء من كفـاح طويل بين الإسلام والغرب, فانظام الأخلاقي الذي يستند إليـه الإسـلام مختلف عما هو في الحضـارة اليهودية ــ المسيحية (الغربية) وآيــات القرآن تصدق على ممارســة العنف ضــد غير المسلمين, وهــذه الحــرب هي حرب بين الأديــان (30)» !! « وتوني بلير» رئيس وزراء إنجلترا, يعلن في 17 ســـبتمبر سنة 2001 م ـــ أي بعد ستة أيــام من قـارعة سبتمبر ــ أن هـذه الحرب التي أعلنهــا الغـرب على الإسـلام « هي حرب المدنيــة والحضـارة ] في الغرب [ ضد البربرية ] في الشرق [» ! أما « مارجريت تاتسـر» رئيسة وزراء إنجلترا السابقة, فإنهـا تكتب عن « تحدي الإرهــاب الإســلامي الفريـد, الذي لا يقف عند أسـامة بن لادن, بـل ويشمل حتى الذين أدانـوا هجمات الحادي عشر من سبتمبر ـــ على امريكــا ـــ والذين انتقدوا بشدة أسامة بن لادن وطالبان, لكنهم « يرفضــون القيــم الغربيــة, وتتعارض مصــالحهم مع مصالح الغرب » فالذين يرفضون القيم الغربية, وتتعارض مصـالحهم مع المصــالح الغربيــة, تصفهم « تاتشــر » بــأنهم « أعــداء أمريكــا وأعداؤنا » وتشبههم بالشيوعيـة, وتدعو الغـرب إلى معــاملتهم كمــا عــامل الشيوعيـة !! (31)».

ورئيس وزراء إيطاليـــا « ســـيلفيو بيرلســكوني » يعلن في 26 سبتمبر سنة 2001م أن الحضــارة الغربيــة أرقي من الحضــارة الإســلامية, ولابد من انتصـار الحضـارة الإســلامية, ولابد من انتصـار الحضـارة الغربية على الإِســلام, الذي يجب أن يهزم؛ لأنه لا يعرف الحرية ولا التعدديــة ولا حقـوق الإنســان, وأن الغرب ســـيواصل تعميم حضـارته, وفـرض نفسـه على الشعوب, وأنـه قــد نجح, حتى الآن, في تعميم حضــارتــه وفــرض نفســه على العالم الشيوعي وقسم من العالم الإسلامي »(32).

وغــير أعمـدة النظــم والسياســة والإدارة في أمريكـا وإنجلترا وإيطاليا نجد وزير الدخلية في ألمانيا « أوتو شيلي » يبلغ الحـد الـذي يصف فيــه « عقيدة الإسلام بأنهـا هرطقة وضلال»(33).

أمــا وزير خارجيـة ألمانيـا « يوشــكا فيشر » فإنه يعلن ـــ في محاضرة « حول آفاق السياسة الدولية إثر اعتداءات 11 سـبتمبر » أمام طلبة جامعـة « فراي » ـــ ببرلين ـــ شــكوكه في « قدرة الإسلام على التطور» ! ويتســاءل : « هل يوجـد طريق إسلامي إلى الحداثــة ـــ بمعناها الغربي ـــ ثم يصف الأصوليــة الإســلامية ـــ الرافضة للحداثة والقيم الغربية ـــ بأنهـا « التوتاليتاريـــة الجديــدة »(34) ـــ أي الديكتاتورية والشمولية الجديدة ـــ !!»

أمــا أســاطين الفكــر الاســتراتيجي الأمريكي, المشيرين على صـانع القرار, والذين توضع نظريــاتهم في الممارسة والتطبيق ـــ من مثـل « فرانســـوا فوكويامــا » الـذي أعلن أن « الليبراليــة الرأسماليــة المنتصـرة على الشــيوعية هي نهاية التـاريخ التي يجب تعميمها وقبولها في كل الفضــاءات العالميــة ». ومن مثل « صموئيل هنتنجتـون» الكاشف عن الموقـف الغربي في نزعــة صـدام الحضـارات, والـذي أشــار على صانع القـرار الأمريكـي بتحييد الحضــارات العالميــة حتى يفــرغ مـن مصـادمـة ومصـارعة الإسـلام, فإن المشـروع الغربي للهيمنـة يضع نظريات هؤلاء المفكرين في الممارسـة والتطبيق, ونراها رأي العين, وتلمسـها حواسـنا في طوفان التصريحـات والقرارات التي توالت وانهـالت عقب « قارعـة سـبتمبر», وفي المواجهة الحادة التي قـام بهـا الغرب ضد الإسـلام, والحروب والمحاصرات والتهديد والوعيد, الـذي يمثل هذا الكـابوس القائم قي عالم الإسلام.

أمـا أســاطين الفكـر الاســتراتيجي هـؤلاء .. فلقد كــان لهم فضيلــة « الصراحة العارية » في التعبير عن حقيقة هذه الحرب ومقاصدهـا.

فهي ليست حربـاً على « جماعات العنف العشـوائي » الإسـلامية, ولا على مـا يســمي « بالإرهــاب » وإنمـا هي « حـرب داخـل الإسـلام » لتغيير طبيعته وخصوصيته « وحتى يقبل الحداثة بمعناها الغربي » أي القطيعـة مع خصوصيتــه وماضيــه « فيصبح علمانيًّـا يقبل المبدأ المسيحي : دع ما لقيصر لقيصر وما لله لله » فيقف عنـد مــا لله في ملكـون السماء والدار الآخرة, وخلاص الروح ويـترك دنيـا العـالم الإســـلامي وثرواتـه للهيمنة الأمريكية والغربية !

وبعبـارات « فوكوياما » «فـإن الحداثة الـتى تمثلهــا أمريكـــا وغيرهــا من الديمقراطيــات المتطورة ســـتبقى القوة المســـيطرة في السياســـة الدوليــة, والمؤسسـات ستســتمر في الانتشــار عـبر العـالم .. وهذه القيـم والمؤسسـات تلقى قبـولاً لـدى الكثير من شـعوب العالم غير الغربيـــة, إن لم نقــل جميعهــا .. لكن السـؤال الذي نحتاج إلى طرحه هو : هل هنـاك ثقافات أو مناطق في العـالم ستقـاوم, أو تثبت أنهــا منيعــة على عمليــة التحديث » بهـذا المعني الأمريكي والغربي ؟

ثـم يجيب « فوكويـامــا » على هـذا التسـاؤل الذي طرحـه فيقول :

« إن الإســلام هو الحضـارة الرئيسية الوحيـدة في العالم التي يمكن الجدال بأن لديهـا بعض المشــاكل الأساســية مع الحداثـة, فالعــالم الإســلامي يختلف عن غيره من الحضـارات في وجه واحد مهم, فهو وحده قد ولَّد تكراراً خلال الأعوام الأخيرة حركـات أصوليـة مهمة, ترفض لا السياسـات الغربيــة فحسـب, وإنما المبدأ الأكثر أساسية للحداثة : التسـامح الديني والعلمانيــة نفسهــا .. وإنــه بينمـا تجد شعـوب آسيـا وأمريكـا اللاتينية ودول المعســـكر الاشتراكي الســابق وإفريقيـا الاســتهلاكية الغربيــة مغريــة, وتود تقليدها, لو أنهـا فقط استطاعت ذلك, فـإن الأصوليين المسلمين يرون في هذه الاســـتهلاكية دلــيلاً على الانحــلال الغربي ».

فـالرفض الإســلامي ليس فقط لظلـم السياسات الأمريكية والغربية وإنما هو للتبعيـة لمنظومــة القيم الغربيـة؛ ولذلك يعلن « فوكويامـا » أن هذه الحرب التي أعلنتهـا أمريكــا والغـرب على الإســلام المقـاوم, ليست حرباً على « جماعات العنـف العشــوائي » ولا علـى هذا الذي سموه « إرهابــاً » وإنمــا هي حرب على الإســلام الرافض للحداثــة الغربيـة والعلمانية والاستهلاكية الغربية, يعلن ذلـك في صراحتـة عاريــة يحمد عليهـا فيقول :

« إن المسـألة ليست ببسـاطة حرباً على الإرهـاب, كمـا تظهرهـا الحكومة الأمريكية بشكل مفهوم ] ؟! [ وليست المســألة الحقيقية ـــ كمـا يجـادل الكثيـر من المســلمين ـــ هي السياســة الخارجيــة الأمريكية في فلسطين, أو نحو العراق, إن الصراع الأسـاســـي الـذي نواجـهـه لسـوء الحظ أوسـع بكثير, وخو مهم, ليس بالنســبة إلى مجموهــة صغيـرة من الإرهــابين, بـل لمجموعــة أكــبر من الراديكــاليين الإسلاميين, ومن المسلـمين الذيـن يتجاوز انتمــاؤهـم الدينس جميع القيــم السيـاســية الأخرى, إن الصـراع الحــالي ليس ببســاطة معركــة ضد الإرهــاب ولا ضد الإِســلام كدين أو حضــارة, ولكنــه صــراع ضـد العقيدة الإســلاميـة الأصوليــة التي تقف ضـد الحداثــة الغربيــة. وإن التحــدي الذي يواجـه الولايـات المتحدة اليـوم هو أكثر من مجرد معركـة مع مجموعـة صغيرة من الإرهـابيين, فبحـر الفاشـية الإســلامية الذي يسبح فيـه الإرهابيون بشـكًل تحديًّا أيديولوجيًّـا هو في بعض جوانبــه, أكثر أساســية من الخطر الذي شــكلته الشيوعية !! ».

ثم يتحدث « فوكوياما » عن « التطور الأهـم » الذي يجب أن يحدث للإسلام ذاتــه, والـذي يجب أن يتم داخـل الإسلام, لتعديـل الإســلام حتى يصبح قابلاً للحداثة الغربيـة والعلمانيـة الغربية والاســـتهلاكية الغربيــة فيقول : « إن التطـور الأهـم ينبغي أن يـأتي من داخل الإســلام نفسـه, فعلــى المجتمع أن يقرر فيمــا إذا كـان يريد أن يصــل إلى وضع سلمي مع الحداثة, خاصـة فيما يتعلق بالمبدأ الأسـاسي حول الدولـة العلمانية » أم لا ؟! (35).

فالقضــية ـــ في التحليل الأعمق ـــ ليست  « إرهــاب » جماعـات العنف العشوائي ولا هـي قارعـة سبتمبر سنة 2001م ولا حتى السياســة الخارجيـة الأمريكية المعـاديــة لقضـايا المسلمين العادلـة, فكل ذلـك تجليات للصراع بين المشـروع الغربي وبين الـنزوع الإسلامي إلى التمـايز الحضـاري والاستقلال القيمي والثقـافي, والذي يرفض الهيمنـة الغربية التي تفـرض حداثتهــا وعلمانيتهـا على العالم بما في ذلك عالم الإسلام.

وحتى لا يخلط الوهــم  بين « هـذه الحداثـة الغربيــة » التي تقيم قطيعة معرفية كـــبرى مــع المــوروث الديــني وبين « التجديد الإسـلامي » الذي يستصحب الثوابت ويطور في المتغيرات نسـوق كلمتين لاثتـين من دعاة هـذه الحداثة في بلادنا.

أولاهمــا كلمــة « هاشــم صالح » المتخصص في ترجمة وتسويق المشروع الحداثي للدكتور محمد أركون .. فلقد كتب ـــ عقب قارعة سبتمبر ـــ داعياً إلى انتهاز فرصــة الهجمــة الغربيــة على الإســلام, لتبني الحداثــة الغربيـة, التى أحلت وتحــل « الديـن الطبيعي » محل « الديـن الإلهي » !! فقـال : « إننـا يجب أن نلتحق بفولتير « 1734 ـــ 1778م » وتصوره الطبيعي عن الدين والأخلاق فـالدين الحقيقي هو الدين الطبيعي, وإن العبرة هـي بأعمال الإنســان وليس بمعتقـداتـه, أو حتى صلواته وعباداته, ولابد من تـأويل جديد لتراثنا يختلف عن تـأويل الأصوليــة, بـل وينقضـه, تـأويل يكشف عن تاريخية النصوص التأسيسية, ويحـل القــراءة التاريخيــة محـل القـراءة التبجيلية لهذا التراث »(36).

أما الكلمـة الثانية فهي للدكتور على حرب, والذي قال عن حداثـة مشروع أركون وهـاشـم صالح : « إنهــا القول بمرجعيــة العقـل وحاكميته .. وإحلال سـيادة الإنســان وسيطرتـه على الطبيعة مكــان إمبريالية ذات الإلهيــة وهيمنتهـا على الكون (37)».

فـالعدو ـــ عند المشروع الأمريكي ـــ هو الإســلام المقاوم للعلمانيـة الغربية والحداثة الغربية والاستهلاكية الغربية أي الإســلام المقــاوم للمســخ الغربي والأمريكي.

والعدو ـــ عند الحداثيين الذين يحملون الأسمــاء المسـلمة ـــ ليس الإمبرياليــة الأمريكية وهيمنتهـا, وإنمـا « إمبرياليــة الذات الإلهيـة وهيمنتهــا على الكون », ولا حول ولا قوة إلا بالله !!

هــذه هـي حقيقـــة الموقف الـذي نواجهـه الآن.

صحيح أنــه يشــبه « الكـابوس », خصوصاً إذا رأينـاه في ضوء حــال الأمـة ـــ حكـاماً ومحومين ـــ وفي ضوء نجاح الغرب في استغلال مشكلة الأرثوذكسية الروسية مع المسلمين الشيشان, ومشكلة الهندوســية الهنديــة مع المســلمين في مشــمير, ومشــكلة الكونفشيوســـية الصينيـة مع المســلمين في تركســتان الشرقية, نجاح الغرب فى استغلال هذه المشـكلات لإقامــة تحالفـات ـــ بعض أطرافها متعاون وبعضهـا صـامت ـــ في هذه الحرب الغربية على الإســلام, حتى ليتذكر المحلل للموقف الراهن مشـورة « صموئيل هنتنجتون » ســنو 1993 م على صــانع الـقرار الأمريكـي, بتحييد الحضــارات الأخرى, وبـدء صدام الحضارات أولاً بالإسلام !.

إننا أمـام هذا « الكابوس » في موقف شــبيه بموقف المســلمين يـوم غزوة الأحـزاب عندما تحــالفت كـل أطراف الشـرك ـــ رغم ما بينها من تناقضـات ـــ مع اليهود ـــ رغم ما بينهم وبين الشـرك والوثنية من تناقضـات, تحالفوا جميعـاً ضد الدولــة الإســلامية الوليـدة, والدين الإسلامي الجديد, حتى لقد زغت من الصحابة الأبصــار, وبلغت القلوب الحناجر. وزلزل المسلمون زلزالاً شديداً من هـول هذا « التحــالف ـــ الكابوس », بل وظنوا بالله الظنون ! (  إذْ جَـاءُوكُكْ مِنْ فَوْقِكُمْ وَمِـنْ أَسْـــفَلَ مِنْكُـمْ وَإدْ زَاغَـتِ الأَبْصَــارُ وَبَلَغَــت الْقُلُوبُ الْحَنَاجرَ وَتَظُنُّونَ باللهِ الظنُونَا (10) هُنَـالِكَ ابْتُلِيَ الْمُؤْمِنُونَ وَزُلْزِلُوا زِلْزَالاً شَــديِداً ) (الأحزاب : 10 , 11).

أو لكـأننا أمام الحلف « الصليبـي ـــ التتري » الذي اجتــاح فيــه التتر ودمروا مشرق العالم الإســلامي, وهددوا بقية الوجـود الإســلامي في مصر والمغرب يوم أعلنوا ـــ بعد دمارهم لبغداد والمشرق ـــ : « لقـد فتحنا بغداد, وقتلنا فرسانهـا, وهدمنا بنيانهـا, وأسـرنا ســكانهـا » ثم وجهوا التهديد لمـن بمصر قائلين : « إنهم إن كانوا في الجبال نسفناها, وإن كانوا في الأرض خســـفناها »!! وأرســال « هولاكــو » ] 1217 ـــ 1265م [ إنذاره إلى الملك المظــفر « قطز » ] 658 هـ ـــ 1260 [ قائلاً فيه : « لقد فتحنا البلاد, وقتلنـا معظم العبــاد, فأي أرض تؤويكــم, وأي طريــق ينجيكم, وأي بلاد تحميكــم ؟! فمـا لكـم من ســيوفنا خلاص, ولا مهابتنا مناص, ونحن مــا نرحم من بكـى, ولا نـرق لمن اشتكي ! فخيولنـا ســوابق, وســهامنا خوارق, وســيوفنا صواعق, وقلوبنــا كالجبــال, وعددنـا كالرمــال, فمن طلب حربنـا نـدم, فــاتعظوا بغيركم, وسلموا إلينا أمركــم, وعليكـم بالهرب, وعلينا بالطلب, ولقد أعذر من أنذر » حتى لقـد حســب النــاس يؤمئذ « أن القيامة قد قامت »(38).

فــما كــان من العلــماء والأمـراء والخــاصة والعـامـة إلا أن نفـروا للجهـاد, فكـــــان نصــــر الله في « عين جــالوت » ] 658هـ / 1260م [ وانهـزم التتـار لأول مرة في تـاريخهـم, ثـم دخلت دوبتهـم وقبائلهـم بعد ذلك في الإسلام.

والآن .. مت العمـل ؟؟

مــا العمـل أمــام هذا « التحــلف ـــ الكــابوس », الذي جمع على الإســلام وأمتـه حضــارتـه « أحـزاب القرن الواحد والعشـــرين » كمــا اجتمعت عليهــا الأحزاب في تاريخهـا القـديم والوسيـط ؟! حتى أصبح الإسلام ــ بنظرهم ــ متهمـاً .. والمسلمون يعاملون كمــا كـانوا من قبل في « محاكـم التفتيش ».

صحيـج أن أمتنـا في موقغ شــبيه بموقفهــا يوم غزوة الأحـزاب ] 5هـ ـــ 627 م [ ولكن دون أن تكون لهـا القيادة النبويــة, ولا جنـد الجيــل الفريــد الـذين صنعهم على عينه رسول الله ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ.

لكن .. هـل نحـن اليوم أقــل من المماليـك أمام التتار ؟!

إننـا نملك المنهــاج الإِســلامي, الـذي تعامل المسـلمون علـى هـديه ووفـق سننه مـع حصــار غـزوة الأحــزاب, ومع حمـلات الصليبيــين .. والتتـار, المنهج يقول : إن هذه التحـديـات الشرســة التي تواجــه الإســلام اليوم إنمـا هي التعبير عن أننا بـإزاء ظاهرة صحية, واســنا بإزاء حالـة مرضية .. إننا بـإزاء أمة تستيقظ, لتنفلت بدينهـا وحضـارتهــا وعالمهــا من المــأزق الحضــاري الـذي يــأخذ منهــا بالخنــاق. مــأزق الوهن أمــام التخلف المـوروث والهيمنــة الغربيــة, ومـا هـذه التحديات الشرســة إلا محاولات الغرب لإجهــاض يقظة أمـة الإِسلام, وإلا فلو كـانت أمتنــا ميتــة وميئوســاً مـن إحيائهـا وحياتها, لما تداعت عليـها كل أحزاب العصــر, ولما ضربوهــا بـهذه القســوة « فــالضـرب في الميـت حــرام » كمــا يقولون, وهو لا يســتـأهل مـا يبذل فيه من جهـد, ولا مــا ينفق عليــه من أمـوال ! .. وإذا كان هنــاك من يشك أو يشـكك في هذه الحقيقة فليعد قراءة هذا الذي كتبه المفكـــرون والاستراتيجيون الغربيــون ـــ والـذي أوردنــاه ـــ عن أن هذه الحرب إنما تُشن على أمتنـا لأنها الوحيـدة على النطــاق العالمــي العصيــة والمســتعصية على الانصياع للتغريب, والقـبول بالحداثــة الغربيــة, ةالعلمانية الغربية, والاستهـلاكية الغربيـة, والقيم الغربيــة, اعتصـامـاً بخصوصياتهــم الإسـلامية, واستمسـاكـاً بمنهـاج الإسلام .. فنحن نُضرب لأننا نقـاوم ما يريـده بنا ولنـا جــبروت « أحـواب القـرن الواحـد والعشـرين » !

وهـذا « المنهج : السنة والقـانون » هو الذي اهتـدى به المؤمنون يوم الأحزاب, وتحدث عنــه القرآن الكريـم عندما أشـار إلى هـؤلاء الذيـن زاغت عنهـم الأبصــار وبلغت قلوبهــم الحنـاجر, وظنـوا بالله الظنون وزلزلوا زلـزالاً شـــديداً, فقـال : ( وَلَمًّـا رَأَى الْمُؤْمِنُـوَنَ الأَحْـزَابَ قَالُوا هَذَا مَـا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ وَصَـدقَ اللهُ وَرَسُـــولُهُ وَمَــا زَادهُـمْ إِلاَّ إيمَانًــا وَتَسْـلِيمـاً ) (الأحزاب : 22).

إن هذه الحرب المعلنــة ضـد الإســلام من قبل مشــروع الهيمنــة الغربي, منذ ظهور الإسلام وحتـى هذه اللحظـات هي ســنة إلهيــة من سـنن الابتلاء والاختبار والتدافــع بـين الحق والبــاطل, وليس لهـا تبديــل ولا تحويـل, ولـن تقف عنـد نهـايـات هـذا الطور الـذي نواجهـه الآن ( ولا يَزَالُــونَ يُقَـــاتِلُونَكُـمْ حَتّـى يَرُدُّوكُــمْ عَن دِيِنكُـمْ إن استَطَاعُوا ) (البقرة : 217),( يُريَــدُونْ لِيُطْفِئوا نُورَ اللهِ بأفْوَاخِهِمْ وَاللهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرهَ الْكَـافِرُونَ ) (الصف : 8), ( يُريــدُونَ أَنْ يُطْفِئـوا نُــورَ اللَّــهِ يأَفْوَاهِهِمْ وَيَأْبَى اللَّـهُ إلاَّ أَنْ يُتِمَّ نُورَهُ وَلَوْ كَرِهَ الْكَـافِرُون ) (التوبة / 32).

وإذا كان الله, سبحانه وتعالي, قد حفظ دينه, فـإن إقـامـة هـذا الدين هي مهمـة المؤمنين بــه .. وكذلـك إعمال السـنن الإلهيــة في التدافع الحضــاري والفكري, لا يتـم إلا بواســطة الذين ينهضون بوضع هذه السنن ـــ بعد فقهها والوعـي بهــا ـــ في الممارســة والتطبيق بــأرض الواقــع المعيش, وليـس فقط بالأمــاني, وعلى الألســنة والأوراق ( لَيْسَ بِأَمَــانِيّكُـمْ وَلاَ أَمَــانِيَّ أَهْـلِ الْكِتَـابِ مَنْ يَعْمَلْ سُـوءًا يُجْزَ بهِ وَلاَ يَجدْ لَـــهُ مِنْ دُون اللَّــهِ وَلِيًّـا وَلاَ نَصَيِراً ) (النسـاء : 123), لذلك فنحن ـــ أمام هذا الكــابوس ـــ بـإزاء عدد من الخيارات.

أولهـا : خيار الاسـتســلام, يأسـاً وقنوطـاً مـن روح الله ونصـره .. وهو خيـار بائس, ينسـى أصحابه أننا لسـنا بـإزاء شــيء جديد غير مسبوق في تاريـخ الإسلام والمسلمين, وإنما أمام دورة من دورات التدافــع والصــراع, واجهــت أمتنــا أســوأ منهـا, وتعاملت مع ما هو أشــد منها, فكــان تـاريخ الشــرق الإســلامي, دائمــاً وأبداً, مقـبرة الغزاة والامبراطوريـات .. من الرومــان وحتى الامبراطوريـات الغربية الحـديثة ..

وذلك فضلاً عن أن هـذا اليأس الذي لا يقـرأ أهلــه ولا يعون سـنن التـاريخ يخرجهم ـــ والعيــاذ بـالله ـــ من حظـيرة الإيمان بحقيقـة الإسـلام ( إنَّـهُ لاَ يَيْئسُ مِنْ رَوْحِ اللَّـهِ إلاَّ الْقَوْمُ الْكـَافِرُون ) (يوسف : 87).

والخيــار الثـاني : هو خيـار « العنف العشــوائي » وهـو خيـار يحــرم قضـايانا العادلة من أصدقاء كثيرين حتى في إطار الشــعوب الغربيــة وتيــارات الفـكر الغربي .. فضلا عن أنـه يسيء إلى حقيقة الجهـاد الإســـلامي, نـاهيكم عن عدم جدواه أمــام شراســة التحديــات التي تواجههــا أمتنــا في هـذا المنعطف من منعطفـات المواجهـة بـين الفرعونيــة والقارونية الأمريكية وبين الإسـلام .. بل لربمـا أعطى هـذا العنف العشـوائي بعض الذرائع لهذه الفرعونيـة كي تسـتر بعضاً من مقاصد الكالحة واستبدادها القبيح.

أما الخيار الثالث : فهو خيار المقاومة الإســلاميـة لهذه التحديات الغربيــة ـــ بالمعنى الشـامل للمقاومة ..

ونقطــة البدايـة في هذه المقـاومة هي إرادة الصمود الـتي هـي المعيــار الحقيقي والفـارق الجوهـري بين النصر والهزيمـة, فهنـاك أمم انكســرت إرادتـهـا في الحروب والمواجهـات, فلم يعوضهـا عن انكسار الإرادة وفرة أســباب الـقوة الماديــة ـــ كاليابان مثـلاً ـــ وهناك حــالات تتعاظم فيهــا إرادة الصمـود كلمــا تعاظمت شراسة التحديات ـــ والحالة الإسلامية نموذج جيد لهذا النوع والحمد لله.

وبعـد إرادة الصـمود تلزمنــا الإدارة التي ترمم وترتب البيت العربي الإسلامي في إطــار الحـد الأدنــي الـذي يعظّـم الإمكانـات العقديــة والفكريـة والبشرية والمادية الهائلة التي تملكهـا أمتنـا.

وهـذا الاجتماع العربـي الإســلامي على هذا الحد الأدني من التضامن, ليس لمحـاربـة أمريكــا والغـرب, فنحن لا نريد ذلك, ولا قِبـل لإمكاناتنــا بمثـل ذلك, وإنمـا نريد هذا الحـد الأدنى من التضـامن لتحسين أوراقنا ومواقع أقدامنـا أمام هـذه التحديــات ولتمكيننـا من التدافـع الذي هو حــرك يعـدل الموازيـن, ويغــير المواقف, ويحسَّــن الأوضــاع, ويزيل الخلل الفــاحش, ويكثّر الأصدقــاء, ويقلل الأعـداء, أو يحيد بعضـهم, دون أن يبلغ حـد الصــراع والقتــال ( ادْفَعْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ فَإذَا الَّذِي بَيْنَكَ وَبَيْنـهُ عَدَاوَةٌ كَـأَنَّـهُ وَلِـيٌّ حَمِيمٌ ) (فصلت : 34).

إننـا نريـد المقاومــة, بمعنأهــا العام, والجهـاد بمعنـاه الشــامل .. وليس القتال أو الحرب, بمعناهمـا الخاص .. وصدق رسـول الله ـــ صّلى الله عليــه وسـلم ـــ إذ يقول : « لا تتمنوا لقـاء العدو, واسـألوا الله العـافيــة’ فإذا لقيتموهـم فاثبتوا, وأكثروا ذكـر الله » رواه الدارمي.

وإن تحقيق الحد الأدنى مـن التضـامن والتكامل والتكـاتف والتسـاند بين دول وإمكانـات العالم الإســلامي بدءاً ببعض الدول المحورية ـــ هو الإغداد والاستعداد الذي يحقق الردع للأعداء, فلا يطمعون في أن يبلغ الغــي والتجــبر الحدود القصوى, وفي ذلـك بدايـة التغيير لاتجاه الخـط البيـاني في معادلــة العلاقــة بين الإسلام وأمته وحضـارته وبين التحديات الشرســة الـتي فرضهـا ويفرضهــا علينا مشروع الهيمنة الغربية هذه الأيام.

تلك هي حذور المواجهــة التي تعيشهـا أمتنــا الآن, وهـذه هـي حقيقــة صورة الإسـلام في الخطاب الغربي .. وهذا هو المخــرج من المــأزق الـذي يــأخذ منــا بالختاق, والذي تزيغ منـه الأبصار وتبلغ القلوب الحنــاجر, ويزلزل الكثــيرين منــا زلزالاً شديداً؟

وعلينــا أن نتذكر دائمــاً وأبـداً إذا قصرت بنا الهمم عن التأسـس بصحـابة رسول الله ـــ صّلى الله عليــه وسلم ـــ , يوم الأحزاب, فحرام أن تقصر بنا الهمم عن التأسي بالمماليك أمام التتار.

والله نســأل أن يهيئ لنــا من أمرنـا رشـداً. وأن يهـدينا إلى الأخذ بسنته في التدافع والنصر, إنـه سـبحانه وتعالى خير مسئول وأكرم مجيب.

***

الهوامش

(1)  الإشــارة إلى عبد الله بن المقفع ] 106 ـــ 142هـ, 724 ـــ 759م [ كان في الأصـل مجوسيَّا ـــ مزدكيَّــا ــ فأسلم, وألف وترجم في الفلسفة .. وقتل بتهمة الزندقة.

(2)  ] فيصل التفرقة بين الإسلام والزندقة [ ص 23, طبعة القاهرة سنة 1907م.

(3)  ] الأعـمال لبكامـلة [ ج،2 ص 342 دراسـة وتحقيق : د. محمد عمـارة, طبعة بيروت, سنـة 1981م.

(4)  ] الأعـمال الكاملة [ ص 195 ــ 197 دراسـة وتحقيق : محمد عمارة. طبعة القاهرة سنة 1968.

(5)  في التقرير السنوى لمكتب التحقيقات الفيدراليــة ـــ بالولايات المتحدة الأمريكية ــ أن الاعتداءات على المسلمين في أمريكـا كانت سنة 2000م 28 حالـة, وارتفعت سـنة 2001م إلى 2000 جريمة, أي بنســبة 1600% ــ صحيفـة « الأهــرام » القـاهرة في 27 / 11 / 2002م .. وفي تقـرير المنظمة الأمريكيـة لحقوق الإنسـان أن النسـبة قد ارتفعت إلى 1700% ..

(6)  صحيفة « الأسبوع » القـاهرة في 5 / 11 / 2001م وصحيفة « العالم الإسـلامي » مكة في 16 / 11/ 2001م وصحيفة « عقيـدتي » القاهرة في 6 / 11 / 2001م.

(7)  من حديث جاك بيرك في 27 / 6 / 1995م, انظر : حسونة المصباحي « العـرب والإسلام في نظر المستشرق الفرنسـي جاك بيرك » صحيفة « الشرق الأوسط » لندن في 1 /  11 / 2000م.

(8)  من مراسلات القناصل ــ أرشيف وزارة الخارجية الفرنسية ــ باريس ــ سنوات 1840 ــ 1842 ــ 1848 ــ 1897 ــ 1898م, انظر كتابنا ] هل الإسلام هو الحل؟ [ ص 22, طبعة القاهرة, سنة 1995م.

(9)  ] صورة الإسلام في التراث الغربي [ ص 32, 24, ترجمة : ثابت عيد. طبعة القاهرة, سنة 1999م.

(10)   المرجع السابق. ص 32, 33.

(11)   المرجع السابق. ص 21.

(12)   المرجع السابق. ص 18, 25.

(13)   المرجع السابق. ص 24.

(14)   ترجم هذه النصوص عن الألمانية : ثابت عيد, ضمن ملف ــ تحت الطبع ــ عن « تقييمات غربية لأسلوب القرآن ».

(15)   محمد السمـاك ] الأقليات بين العروبة والإسلام [ ص 57 ــ 59. طبعة بيروت, سنة 1990م.

(16)   ] التنصير : خطة لغزو العالم الإسلامي [ ــ الترجمة العربية لوثائق مؤتمر كولورادو ــ ص 452, 22, 23, 789, 790, 53, 56, 4, 5, 627, 630, 383, 843. طبعة مركز دراسات العالم الإسلامي ــ مالطا ــ سنة 1991م.

(17)   المصدر السابق. ص 242, 826, 827, 469, 364, 147.

(18)   المصدر السابق. ص 770.

(19)   صحيفة « الشرق الأوسط » في 13 ــ 10 ــ 1999م.

(20)   صحيفة « الشرق الأوسط » في 1 ــ 10 ــ 1999م.

(21)   صحيفة « العالم الإسلامي » في 6 ــ 10 ــ 2000م.

(22)   من كتاب ] أمريكا في الداخل [ والنقل عن : د. جابر قميحـة « سيد قطب والإسلام الأمريكاني » صحيفة « آفاق عربية » القاهرة 27 ــ 12 ــ 2001م, والدكتــور جـــابر ينقل عـن مجلـــة « الرســـالة » ســــنة 1951.

(23)   ريتشـرد نيكسون ] الفرصـة السانحة [ ص 28, 140, 141, 152, 153, 138, 139: ترجمة : أحمد صدقي مراد طبعة القاهرة سنة 1992.

(24)   انظر دراستنا عن « الهجمة الأمريكية على الإسلام » بكتابنا ] في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام [ طبعة القاهرة, سنة 2003م.

(25)   ] الفرصـة السانحة [ ص 140.

(26)   صحيفة « الشرق الأوسط » في 21 ــ 2 ــ 2002م.

(27)   صحيفة « الأهرام » في 16 ــ 1 ــ 2003م.

(28)   صحيفة « الأهرام » في 30 ــ 10 ــ 2001م.

(29)   صحف « الشرق الأوسط » 3 ــ 2 ــ 2002م و « الحياة » ــ لندن ــ في 26 ــ 2 ــ 2002م. و « الأهرام » في 11 ــ 12 ــ 2003م.

(30)   صحيفة « الأهرام » في 2 ــ 3 ــ 2002م, 3 ــ 3 ــ 2002م ــ والأهـرام ينقل عن مقـال « زخـاري كــاربيل » في « النيوز ويك » الأمريكية ــ بتاريخ 14 ــ 1 ــ 2002م.

(31)   صحيفة « الشرق الأوسط » في 14 ــ 2 ــ 2002م.

(32)   صحيفة « الحياة » في 30 ــ 9 ــ 2001م.

(33)   صحيفة « الأهرام » في 2 ــ 3 ــ 2002م.

(34)   صحفية « الشرق الأوسط » في 26 ــ 4 ــ 2002م.

(35)   « النيوزويك » ــ العدد السنوى ــ ديسمبر 2001م ــ فبراير سنة 2002م.

(36)   صحيفة « الشرق الأوسط » في 26 ــ 12 ــ 201م.

(37)   صحيفة « الحياة » في 18 ــ 11 ــ 1996م.

(38)   المقريزي ] كتاب السلوك لمعرفة دول الملوك [ جـ 1 ق 1 ص 427, 428. تحقيق : د. محمد مصطفى زيادة, طبعة القاهرة, سنة 1956م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر