أبحاث

الإعلام الإسلامي في ضوء نظرية النظم

العدد 10

مقدمة:
الإسلام نظام متكامل، يقوم على مبادئ ثابتة محددة بوضوح، يفهمها العامة ويجد المتخصصون فيها مجالات لا نهائية للتعمق والتأمل.. وبناء على هذه المبادئ تتحد الأهداف بالنسبة للفرد، ثم بالنسبة لمجموعات الأفراد التي تتدرج من الأسرة إلى الجيرة

إلى المجتمع المسلم إلى المجتمع الدولي (الذي يضم دولا إسلامية ودولا غير إسلامية) ثم إلى البشرية كلها كوحدة واحدة ولا بد من وجود وسائل لتحقيق هذه الأهداف، وقد حدد الإسلام بعض هذه الوسائل على وجه التخصيص، وترك البعض الآخر لاختيار الأفراد والمجتمعات من بين بدائل تختلف باختلاف المكان والزمان.
والمبدأ الهام هنا هو مراعاة الترابط بين المبادئ الإسلامية المقررة في القرآن والسنة، وبين الأهداف المطلوب تحقيقها، وبين الوسائل المختارة.
فإذا تأكدنا من ربط الأهداف بالمبادئ المقررة، أصبحت القضية تتلخص في اختيار الوسائل التي تحقق الأهداف بأحسن درجة ممكنة.
والناس كأفراد يولدون على الفطرة وتولد معهم نزعات الخير والشر، وقد سلحهم ربهم بالعقل الذي يهديهم إلى الخير. ولو عاش الفرد وحده لاخترع من الوسائل ما يشبع حاجاته ثم هدته فطرته إلى الله. وعندما يعيش الفرد مع جماعة، أصبح من الضروري تنظيم عملية إشباع الحاجات للأفراد في ظل الجماعة، ويتطلب ذلك أن يضحي كل فرد ببعض درجات الإشباع من أجل الجماعة، ويدفعه ذلك إلى السيطرة على شهواته.
ولكن بعض أفراد المجتمع قد لا يستطيع أن يحمل نفسه على الجهد المطلوب للتضحية من أجل الجماعة، ويحاول إشباع شهواته على حساب الآخرين، مما يهيئ الاصطدام بالآخرين من أجل هذه الغاية المادية. لذلك كان لا بد من وجود نظام يحدد لكل فرد حقوقه وواجباته، وقوة تحمي هذا النظام وتضمن تطبيقه وتقوم الشاذين عنه.
إلا أن القوة وحدها لا تجدي إذا لم يعنها جهاز لتوعية يعرف كل فرد حقوقه وواجباته، ويشرح له الأهداف والوسائل التي تعارف المجتمع عليها لكي يعيش المجتمع -والأفراد بالتبعية- في سعادة ووئام، بل ويدربه على تحقيق الأهداف واستخدام الوسائل. والنقطة الأخيرة يهملها كثير من النظم الإعلامية، فالإعلام ليس جهازا لتبليغ رسائل شفوية فقط، وإنما يجب أن تمتد وظيفته إلى تأكيد هذه الوسائل بالتطبيق العملي، وتوفير الجو المناسب للتطبيق.

كما أن الإعلام الإسلامي عملية مستمرة وليست مرحلية، فهي إذن تواكب وتصاحب التغيرات الاجتماعية، ومن أهم هذه التغيرات انتقال أفراد المجتمع من مرحلة من مراحل العمر إلى مرحلة أخرى، أو بعبارة أخرى التجديد المستمر لخلايا المجتمع التي تتمثل في أفراده (أرحام تدفع، وقبور تبلع)، لذلك كان على جهاز الإعلام أن يكيف وسائله لتعليم النشء بما يتناسب مع الظروف والتغييرات في نواحي المجتمع، ويتابع ذلك بوسائل تتدرج مع مراحل العمر المختلفة، أي يتخذ من المعلومات التي يبلغها إلى النشء مرتكزا للمعلومات التي يوفرها للأعمار الأخرى أو أساسا يبني عليه.

وهذا البحث في تقريره للمبادئ السابقة يستخدم إطارا نظريا مشتقا من النظرية العامة للنظم System Theory Approach التي تحدد مفهوم النظام ومقوماته، وعلاقته بالنظم الرئيسية (الأكبر) بالنظم الفرعية (الأصغر) ومدى تأثير النظم الفرعية بالبيئة الخارجية لها التي تحكم النظام الأكبر، ويستخلص من تحليل نظرية النظم مدلولات لتكوين إطار نظري للإعلام الإسلامي على أنه نظام فرعي للنظام الإسلامي العام، محكوم بأهدافه ومبادئه ويتم اختيار وسائل الإعلام الإسلامي في ضوء هذا التصور.

مفهوم نظرية النظم، وأهميتها في دراسة نظام الإعلام في الإسلام:

ظهرت في الأوساط العلمية الإدارية والاقتصادية نظرية جديدة تسمى نظرية النظم System Theory، ورغم أنها نظرية ناشئة لم تكتمل بعد من جوانبها المختلفة، إلا أنها لاقت اهتمام العلماء والمختصين حيث وجدت تطبيقات هامة في النواحي الإدارية والاقتصادية، وفي مجال نظم المعلومات ونظم الاتصال.

ولا تقتصر النظرية على المجالات الإدارية والاقتصادية ولكن جذورها تمتد إلى مختلف العلوم بل إن هدف النظرية تكوين إطار علمي عام يتخذ أساسا للعلوم التي عرفها الإنسان على اختلاف مجالاتها وتخصصاتها، ويؤمل أن يحقق العلماء، نتيجة لذلك، الترابط والتعاون بين العلوم المختلفة بحيث تستفيد منه ولو من حيث طرق البحث -من بعضها البعض خاصة بعد أن ظهرت فروع جديدة من العلم نتيجة تكامل البحوث بين فرعين قائمين من فروع العلم، مثل نشأة علم النفس الاجتماعي Social Psychology نتيجة تزاوج البحوث في علم النفس. وعلم الاجتماع، وكذلك علم النفس الصناعي نتيجة البحث في كل من علم النفس وعلم الإدارة الصناعية. ومن ذلك أيضا تطبيقات نظرية الآلة في العلوم الهندسية في إلقاء الضوء على مفهوم نظم المعلومات الإدارية management information systems

واهتمامنا في هذا البحث بنظرية النظم ينبع -كما سنرى بمشيئة الله- من أنها تساعد على إلقاء الضوء على صفة التكامل في هذا النظام العجيب الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه، وهو الإسلام هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى تساعدنا على فهم دور الإعلام في النظام الإسلامي، وتوجيهه الوجهة التي تحقق الأهداف المرجوة منه.

كما أن النتائج التي توصل إليها العلماء من وحي النظرية تتفق مع المبادئ التي نادى بها الإسلام من أربعة عشر قرنا. بل إن اللبنة الأساسية للنظرية، وهي ما يمكن أن تسميه النظرة الكلية للأمور Collective View ليست ببعيدة عن فكر الإمام أبي حامد الغزالي في الأحياء.

وسنسوق في السطور القليلة القادمة باختصار الفروض والاستنتاجات الأساسية لنظرية النظم وإيحاءاتها بالنسبة للإعلام الإسلامي.

يمكن تعريف “النظام” بأنه مجموعة من الأجزاء أو العناصر يرتبط بعضها مع البعض لتحقيق هدف معين، ويتضح من التعريف عدة حقائق:

أولا: يتكون النظام من عدة أجزاء أو عناصر، ويمكن اعتبار كل جزء أو عنصر نظاما فرعيا في حد ذاته. وبالتالي يضم النظام الواحد عدة نظم متداخلة. فالإنسان نظام (ربما كان من أعقد النظم وأبدعها تكوينا).

فمن الناحية الفسيولوجية يتكون الإنسان من عدة أجهزة يعد كل منها نظاما فرعيا له أهدافه ووظيفته، وله جزئياته، مثل الجهاز الهضمي، والجهاز العصبي والجهاز التناسلي.. وهكذا، فضلا عن أن النظام الفسيولوجي في مجموعه مرتبط بنظام نفسي ومعنوي معقد.

ومن الملاحظ في كثير من النظم أن النظم الفرعية تكون مستويات متداخلة كما يتضح من شكل (1). فالمجتمع نظام يتكون من عدة نظم فرعية، الفرد فيها هو المستوى الأول من تلك النظم (رغم أنه يمكن تقسيمه إلى نظم فرعية أصغر كما قدمنا، ويتوقف التفصيل من المستويات الأصغر من النظم على طبيعة النظام موضع الدراسة) والأسرة، والمسجد والمنشأة التجارية والصناعية، والنادي، والهيئة الحكومية… الخ تقع في المستوى الثاني إذ تضم عدة أفرادا، والمجتمع ككل يقع في المستوى الثالث إذ يضم هذه النظم جميعا.

وطبقا لهذا التقسيم يسمى النظام الذي يضم عدة نظم فرعية بالنظام الأكبر ويمثل هذا النظام الأكبر البيئة الخارجية Environment لكل من النظم الفرعية.

ثانيا: ترتبط الأجزاء أو العناصر أو النظم الفرعية مع بعضها البعض طبقا لنظام اتصال محدد. وهذا الارتباط هو الذي يعطي النظام صفة التكامل والتماسك. فإذا حدث خلل في نظام الاتصال انفرط عقد النظام ولم يحقق أهدافه، وقد يتلاشى، كما أن هذا الارتباط هو الذي يعطي للنظام قيمة أعلى من مجموع قيم أجزائه وفروعه.

ثالثا: النظام يعمل لتحقيق هدف معين يحكم نشاطه، ويحدد العلاقات بين أجزائه، بل هو سبب وجود النظام أصلا. وأهداف النظم الفرعية يجب أن تؤدي إلى تحقيق الهدف أو الأهداف العامة للنظام وإلا حدث انقسام وتشقق في بناء النظم ويمكن اعتبار أهداف النظم الفرعية وسائل لتحقيق الهدف، والأهداف العامة للنظام في مجموعة. ومن ناحية أخرى يمكن اعتبار الأهداف العامة للنظام قيودا على أهداف النظم الفرعية.

هذه بعض عموميات نظرية النظم التي تهمنا في البحث. ويجب الآن أن نتأمل في النظام الإسلامي على ضوء هذه العموميات.

طبيعة النظام الإسلامي وفقا لنظرية النظم:

أولا: يتكون النظام الإسلامي من نظامين فرعيين: الأول نظام فكري. والثاني نظام تطبيقي، أو بعبارة أخرى: يتكون النظام الإسلامي من عقيدة وشريعة. والنظام الفكري أو العقائدي في حد ذاته نظام متكامل متناسق تتفق نتائجه مع مقدماته، ويتأسس على التوحيد والإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والنظام التطبيقي أو التشريعي يحدد العلاقات بين الأفراد والجماعات بما يحقق الأهداف العامة للنظام، وبما يتفق مع المبادئ التي يقررها النظام الفكري العقائدي.

ثانيا: هناك ترابط وثيق بين النظام الفكري العقائدي والنظام التطبيقي التشريعي ويمكن اعتبار النظام الفكري نظاما أكبر والنظام التطبيقي نظاما أصغر. وبالتالي فإن النظام الفكري يمثل البيئة الخارجية للنظام التطبيقي بحيث يكون النظام التطبيقي محكوما بمبادئ النظام الفكري. وشكل رقم (2) يوضح هذه العلاقة.

والنظام الفكري في ذاته يتكون من مبادئ وعقائد كلية ثابتة بالنص القرآني أو نص الحديث، وهذه المبادئ تمثل النظام الأكبر لنظريات واجتهادات جزئية يستنبطها العلماء عن طريق القياس والمنطق، وهذه لا تتغير بتغير الزمان والمكان، وتتأثر بما وصل إليه علماء العصر من العلم والمعرفة وبناء على ذلك يمكننا تصور تركيب النظام الفكري في الإسلام كما يتضح من شكل (3).

فالقرآن هو المصدر الأساسي للفكر الإسلامي، ويلاحظ أنه لم يوضع في دائرة في شكل (3) إشارة إلى أنه ليس محددا بأي نظام فكري أعلى منه، إنما هو مستمد من الله الذي ينتهي إليه العلم (يعلم ما بين أيديهم وما خلفهم ولا يحيطون به علما)، ولذلك يعتبر القرآن “النظام الفكري الأكبر في الإسلام وليس هناك ما هو أكبر منه، إذ يستمد عظمته من خالق الأكوان العليم الخبير. وإن للقرآن لأسرار لا نهائية، لا يدرك منها البشر على مر الزمان والبحث إلا ما شاء الله لهم أن يدركوا، فالقرآن -كالكون- مجال للدراسة والبحث ليكتشف الإنسان من أسراره ما يستطيع.

وليس في ذلك التشابه بين الكون والقرآن غرابة فمصدرهما واحد، هو الواحد. وإن الفلاسفة يسمون مجالات البحث في الغيبيات التي لا تتجاوز المحسوسات باصطلاح “ما وراء الكون”، ويعتبرون “ما وراء الكون” النظام الأكبر الذي يحكم كل فروع العلم البشري، وقد هدتهم عقولهم وهداهم منطقهم إلى أن ما وراء الكون بلا شك نظام، وقد حاولوا اكتشاف قوانين هذا النظام فضلوا وأضلوا، وما لهم به من علم (إن يتبعون إلا الظن وإن الظن لا يغني من الحق شيئا). ونحن نرى أن حقيقة ما وراء الكون التي يبحثون عنها هي في القرآن المستمد من الحق الأكبر، مصدر الحقائق جميعا: من الله.

وأحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم تقرير وتفسير وتفصيل لما جاء في القرآن، فالرسول هو الرابطة بين الله والبشر. والفقه هو نتاج التفكير البشري: نتيجة البحث والدراسة، وهو نوعان:

1- فقه في القرآن والحديث وما ينتج عنهما عن طريق القياس أو الاستنباط أو الاستنتاج. وهو -بالإضافة على أنه يعمق فهمنا للقرآن والحديث- يضع الأحكام بالنسبة للأمور التي تجد والتي يحتاج فيها المسلمون إلى الرأي، والتي تتغير بتغير العصر.

2- فقه في القوانين الكونية والقواعد المهنية وهو مجال البحث والدراسة في العلوم الكونية على اختلاف مجالاتها.

وهذا التصور للنظام الفكري في الإسلام يجعلنا ندرك مغزى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: “تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا بعدي أبدا: كتاب الله وسنتي”. فإذا تعارض الفقه مع هذين ضل وأضل، وهذا ما نلمسه من دراسة تاريخ الفكر الغربي والشرقي.

وامتدادا لهذا التصور الذي ناقشناه، فإنه يمكننا النظر إلى النظام التطبيقي في الإسلام على أنه يتكون من مستويين:

الأول: السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم: وهي ما قرره من قواعد وأوضاع وإجراءات بالتنفيذ العملي (مثلا في الزواج والطلاق والشراء والبيع والحروب والعقود والمعاهدات… الخ).

الثاني: القواعد والإجراءات التي يضعها قادة المسلمين، والتي تسترشد بالسنة العملية للرسول صلى الله عليه وسلم، ثم تستحدث من وسائل التطبيق ما يتفق مع احتياجات العصر والظروف المحيطة بالتطبيق.

والخلاصة إذن: أن العلاقة بين النظام الفكري والنظام التطبيقي في الإسلام تتمثل في: أن النظام الفكري قاعدة يبنى عليها النظام التطبيقي كما يقام المبنى على أساس صلب. والعبادات التي فرضها الله على المسلمين من صلاة وصيام وزكاة وحج تساعدهم على توثيق صلتهم بخالق النظم جميعا، بالله الواحد القهار، ويساعدهم ذلك بالتالي على صيانة نظمهم الفكرية والتطبيقية من الانحراف. ويلقي هذا التصور ضوءا على الحكمة من استخدام الرسول صلى الله عليه وسلم لكلمة “بني” في حديثه الشريف: “بني الإسلام على خمس…”.. الحديث. فالإسلام إذن بناء فكري وتطبيقي أساسه عبادة الله (وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون).

ثالثا: هدف النظام الإسلامي: سعادة الفرد المسلم في الدنيا والآخرة. ويتضح ذلك من الآية الكريمة “ألا إن أولياء الله لا خوف عليهم ولا هم يحزنون، الذين آمنوا وكانوا يتقون، لهم البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، لا تبديل لكلمات الله، ذلك الفوز العظيم”.

وقد عبر الله في الآية عن السعادة “بالبشرى” إشارة إلى أنها سعادة مستقبلة متجددة يتطلع إليها المؤمن في حاضره عندما يفكر في مستقبله. وفي نفى الله في الآية الخوف والحزن عن أولياء الله حيث أنهما العاملان الرئيسيان اللذان يفسدان السعادة، فمن يطمئن إلى الله لا يخاف مخلوقا ولا يحزن على شيء فاته في الدنيا.

ونلفت النظر إلى قول الله في الآية “لا تبديل لكلمات الله” وفي ذلك تأكيد أنه ليس هناك سلطة أعلى من الله، وهذه قوانينه وسننه لها صفة الثبات والتكرار تماما كالقوانين الكونية المحسوسة للإنسان مثل تعاقب الليل والنهار. وهذه القوانين تحكم النظام الإسلامي بمعنى أنها تحدد أهدافه ووسائله. وقوله تعالى “ذلك الفوز العظيم” إشارة إلى أن البشرى في الحياة الدنيا وفي الآخرة، منتهى ما يهدف إليه المؤمن، وليس هناك فوز أعظم من ذلك.

من هذا التحليل نخلص إلى أن الإسلام نظام متكامل له مقوماته النظرية والعملية الصالحة للتطبيق في كل زمان ومكان.

ونريد أن نقرر هنا -بناء على ما سبق- أن الإعلام الإسلامي جزء من النظام الفكري الإسلامي، لا بد أن يكون له صداه في النظام التطبيقي وهذه رسالتنا في بقية هذا البحث.

مقومات نظام الإعلام الإسلامي:

إذا سلمنا أن الإعلام الإسلامي نظام قائم بذاته وجزء من النظام الإسلامي فإن ذلك يقودنا إلى التسليم بأن مقومات النظام الإعلامي الإسلامي طبقا لنظرية النظم خمسة:

1-  أهداف.

2-  أجهزة.

3-  نظام اتصال بين الأجهزة.

4-  قواعد وإجراءات التطبيق.

5-  نظام للرقابة على التطبيق.

والأهداف: أساس وجود النظام أصلا، ولا بد أن تكون هذه الأهداف محددة تحديدا دقيقا إذ أن أي خطأ في تحديدها يؤدي إلى أخطاء في تصميم بقية مقومات النظام. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لا بد أن تكون الأهداف مؤدية إلى أهداف النظام الأكبر، وهو النظام الفكري الإسلامي كما تصورنا سابقا. ولأهمية الأهداف لنظام الإعلام الإسلامي خصصنا لها مبحثا مستقلا فيما بعد.

والأجهزة: هي أجزاء النظام وعناصره الرئيسية، وتمثل -كما قدمنا- في حد ذاتها نظما فرعية لها مقوماتها الخاصة بها والمتفرعة عن النظام الأكبر. ويراعى في تصميم الأجهزة أن تكون محققة لأهداف النظام في مجموعه. ويتوقف تصميم الأجهزة على الوسائل الإعلامية المتاحة والمختارة لتحقيق الأهداف.

ولا بد أن تكون اختصاصات كل جهاز محددة ومعروفة وتتحدد كذلك العلاقة بينه وبين الأجهزة الأخرى حتى يتم التنسيق والتكامل بينهما، وحتى لا يغلب تحقيق الأهداف الفرعية لكل جهاز على تحقيق الأهداف العامة للنظام الإعلامي ككل. ونظام الاتصال بين الأجهزة يربطها جميعا بجهاز إداري أعلى يشرف على تحقيق الأهداف العامة.

وفي داخل كل جهاز لا بد من تحديد قواعد وإجراءات التطبيق به. والقواعد تمثل ترجمة لسياسات عامة لكل جهاز بحيث ترسم القرار المختار في حالة توافر ظروف معينة، حيث تكون القاعدة في شكل “إذا حدث كذا افعل كذا”. وإجراءات التطبيق ترسم الطرق والوسائل التفصيلية المنتظمة لتنفيذ القواعد المذكورة. ولا بد أن تكون قواعد إجراءات التطبيق مرتبطة بالنظام التطبيقي العام للإسلام. وينتج عن تنفيذ القواعد والإجراءات برامج محددة تفصيلية لكل جهاز توضع مقدما بوقت كافٍ قبل التنفيذ.

وفي زحمة التفاصيل أثناء التنفيذ، قد تغيب الأهداف العامة للنظام والأهداف الفرعية المحددة لكل جهاز عن الأذهان، وبالتالي ينحرف التنفيذ عن الخط المحدد له في البرامج، فلا بد إذن من وجود نظام يراقب عملية التنفيذ بصفة دورية منتظمة فيسجل الخطوات التنفيذية التي تتم أولا بأول، ثم يقارنها في كل مرحلة (كل شهر مثلا) بما كان محددا في البرامج الموضوعة مقدما، وأثر هذه الانحرافات على تحقيق الأهداف.

وبالتالي ينبه القائمين على إدارة كل جهاز والإدارة العليا للأجهزة إلى الانحرافات التي تؤثر على الأهداف تأثيرا ملموسا (تحدد قواعد الرقابة متى يكون الانحراف ملموسا، وبناء على ذلك يتقرر تضمينه تقرير الرقابة من عدمه) وقد يكون هذا التأثير موجبا (أي يعمل على تنفيذ الأهداف بصورة أحسن من المتوقع) أو سالبا (وهو الأعم -أي يعمل على إعاقة تحقيق الأهداف بالصورة المتوقعة والمحددة بالبرامج).

ويجب أن تعمل الإدارة العليا للأجهزة على مراقبة نظام الرقابة نفسه، بمعنى أن تتأكد من وقت لآخر أن نظام الرقابة يسير وفقا للتصور الذي وضع له من قبل، وأنه فعال، بمعنى أنه يحقق الأهداف المتوقعة منه، فأي خلل في جهاز الرقابة يضعف عملية التغذية المرتدة للمعلومات Feedback وهي تتلخص في أن النظام يزود نفسه بمعلومات عن مدى تحقيق الأجهزة التنفيذية فيه لأهداف النظام، فإذا ضعفت هذه العملية ظهرت ثغرات في التنفيذ تهدد كفاءة النظام، بل وتهدد وجوده أصلا.

أهداف نظام الإعلام الإسلامي:

يمكننا النظر إلى أهداف النظام الإعلامي الإسلامي على أنه تركيب Structure أو بناء يتكون من أهداف عامة يتفرع منها أهداف فرعية أو تفصيلية أما الأهداف العامة فنقترح أن تكون كالآتي:

(أ) توعية المسلمين في جميع مراحل العمر، وعلى اختلاف ثقافاتهم بتعاليم دينهم طبقا لما جاء في القرآن الكريم والسنة المطهرة وما تعارف عليه العلماء، وتنمية ثقافاتهم الدينية. ويلاحظ هنا أن “التوعية” بمثابة زرع تعاليم الدين الحنيف، و”التنمية” بمثابة تعهد هذا الزرع بالري وتوفير الجو الصحي له للنماء والزيادة حتى يؤتي ثماره الفكرية والعملية.

(ب) نشر الدعوة الإسلامية بين غير المسلمين، وترغيبهم في الإسلام بالأدلة والبراهين، والرد على من يجترئ منهم على الدين بالحجة المفحمة.

وتتفرع من هذين الهدفين العامين عدة أهداف فرعية نلخصها فيما يلي مبشرين بقدر الإمكان إلى الوسائل الرئيسية لتحقيق كل هدف.

1- تربية النشء المسلم على قواعد دينية صلبة: وذلك باستخدام وسائل مبسطة تساعد على ترغيب الطفل في الإسلام. ولا بأس من أن تكون المعلومات الدينية المقدمة إليه مغلفة بوسائل ترفيهية (كالأناشيد والمسابقات والتمثيليات والقصص)، وأهم ما يتم التركيز عليه في هذا المضمار هو القدوة الصالحة.

2- ترشيد برامج التعليم الدينية وغير الدينية في جميع المراحل وتوجيهها في الاتجاه السليم: ويحتاج ذلك إلى تكوين لجنة من كبار العلماء والمتخصصين في شئون التربية لهذا الغرض. ولا يكفي أن تصدر اللجنة توصياتها، بل تتكفل بالإشراف على تنفيذ التوصيات بالمدارس، وإعداد تقارير دورية عن تقدم البرامج في الاتجاه المطلوب. بل يجب أن تعقد اللجنة دورات تدريبية للمحاسبين تشتمل على نواح نظرية ونواح عملية (بالتدريب العملي على الطبيعة تحت إشراف اللجنة).

3- تحفيز النشء والشباب على الإقبال على العلوم الدينية وممارسة العبادات الإسلامية: ويمكن أن يكون ذلك عن طريق المسابقات العلمية والثقافية الدينية التي ترصد لها الجوائز القيمة، وفتح المجال أمام الشباب للتعمق والتخصص في العلوم الدينية، وإنشاء المعسكرات الصيفية والشتوية، وتدريب الشباب على ممارسة العادات الإسلامية وعلى العلاقات الاجتماعية النظيفة.

4- تشجيع البحوث والدراسات الإسلامية بصفة عامة بالداخل والخارج: ويراعى عنصر التكامل والتنسيق بين هذه البحوث حتى تغطي جميع المجالات النظرية والتطبيقية. ويتم التركيز في النواحي التطبيقية على ربط الإسلام بمتغيرات العصر.

ولا يقتصر تشجيع البحوث على البلاد العربية فقط، وإنما يمتد إلى غيرها من الدول الإسلامية. كما أنه يمكن الاستعانة بالبحوث العلمية ذات الصلة بالبحوث الإسلامية في الدول الأجنبية (مثل بحوث علم النفس، وعلم النفس الاجتماعي، وعلم الاجتماع، والعلوم الاقتصادية والسياسية) مع تطويرها من وجهة النظر الإسلامية.

5- تشجيع البحوث والابتكارات في وسائل الدعوة: فترصد الأموال لتمويل البحوث التي يقوم بها المتخصصون، ولتكريم الدعاة الذين يتفكرون في وسائل الدعوة أثناء ممارساتهم اليومية، والعمل على تعريف الدعاة الآخرين بهذه الابتكارات وبنتائج البحوث (عن طريق المؤتمرات والنشرات وما إلى ذلك). وهذا الهدف يرمي بصفة عامة إلى ابتكار وسائل للإعلام والدعوة أكثر كفاءة وأقل تكلفة.

6- توجيه البرامج في أجهزة الإعلام بما يخدم الإسلام: وهذا الهدف ذو شقين:

الأول: تنقية البرامج الإعلامية التي تبث للجمهور مما ينافي المبادئ والتعاليم الدينية.

والثاني: تصميم وتشجيع البرامج التي تعرف المواطنين بدينهم وتعمق العادات الإسلامية عندهم. ولا بأس من البرامج الترفيهية النظيفة، بل ويجب أن توجه التعاليم الدينية العامة في قالب مشوق من خلال بعض البرامج الترفيهية.

7- توجيه أجهزة الحكم لتطبيق شريعة الله ورسوله: ويتطلب ذلك أن تكون أجهزة الإعلام الإسلامي مستقلة عن الدولة، ولها كيانها الإداري والمالي المستقل. وعليها أن تراجع القوانين السارية وتقرر منها ما يتمشى مع الشريعة، وتوجيه الحكام إلى إلغاء ما لا يتمشى معها، بل وتنادي بذلك على أوسع نطاق بما يقنع الجماهير بضرورة التعديل هذا بالإضافة إلى مراجعة القوانين التي تصدر تباعا بنفس الطريقة، بل واقتراح تشريعات جديدة لإقامة جوانب مهملة من الشريعة، أو استجابة إلى متطلبات العصر.

8- نشر الدعوة بين الوثنيين واللادينيين والملحدين وأهل الكتاب: ويتضمن ذلك إنشاء مراكز للدعوة في عدة دول سواء كانت متقدمة أو متخلفة اقتصاديا، وتطوير المراكز الحالية الموجودة في الدول الأجنبية، وتدعيمها بالعناصر البشرية والكتب والأبحاث والوسائل الإعلامية الحديثة.

9- تدريب الدعاة للعمل بالداخل والخارج: ولا يكون التدريب بالبرامج التعليمية النظرية فقط وإنما يكون كذلك بالوسائل العملية، حتى يكون الداعية ملما بوسائل الإعلام الحديثة وقادرا على استخدامها. كما يجب أن تستفيد برامج التدريب من نتائج البحوث والدراسات في علم النفس، وعلم النفس الاجتماعي فيما يختص بمخاطبة الأفراد والجماعات ووسائل إقناعهم. وفيما يتعلق بالدعاة الذين يدربون للدعوة في خارج الدول العربية، فإنه من البديهي: ضرورة تدريبهم على إجادة لغة البلد التي سيعملون بها، بالإضافة على اتصالهم بمن سبقوهم في التجربة والاستفادة من خبراتهم.

10- توعية المسلمين المغتربين وتهيئة وسائل إقامة مجتمع مسلم لهم في المهجر: فالمسلمون المغتربون يحتاجون إلى تثبيتهم على الدين الحنفي أولا، ومساعدتهم على مواجهة التيارات المضادة في المجتمع غير المسلم الذي يعيشون فيه ثانيا، ومساعدتهم على تكوين مجتمع مسلم داخل المجتمع الأجنبي ثالثا، وتدريب بعضهم ليكونوا دعاة للإسلام في المجتمع الأجنبي رابعا، فالهدف إذن ذو شقين:

الأول: تثبيت وتوعية المجتمع المسلم المغترب.

والثاني: توسيع دائرة هذا المجتمع بالنسبة للمجتمع الأجنبي.

كل ذلك مع مراعاة وسائل التعايش السلمي مع المجتمع الأجنبي.

11- رفع مستوى تعليم اللغة العربية في الداخل، وتشجيع البحوث والدراسات فيها، ونشرها بين المسلمين وغير المسلمين في الخارج: حيث أنها لغة القرآن، ولا يتصور تقدم في العلوم الدينية بدونها. ويتضمن ذلك إجراء المسابقات بين النشء والشباب في قواعد اللغة.

خلاصة وتوصيات:

الإسلام نظام شامل متكامل، وهو يقيم نظامين فرعيين رئيسيين: نظاما فكريا ونظاما تطبيقيا. والنظام الفكري يستند إلى القرآن والحديث، والفقه بنوعيه: الديني والكوني، ويمثل القرآن الكريم النظام الأكبر للحديث، وكلاهما يمثلان النظام الأكبر للفقه بمعنى أن الفقه يلتزم بما جاء في القرآن والحديث ولا يتعارض معهما أو يحيد عنهما.

والنظام التطبيقي يدور في فلك النظام الفكري ويتخذه قاعدة له.

وهو يتكون من السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وما يتفق عليه العلماء والمتخصصون من تشريعات ولوائح وإجراءات للتنفيذ العملي تسترشد بالنظام الفكري ولا تحيد عنه.

والإعلام الإسلامي بشقيه: النظري والتطبيقي، يجب أن ينظر إليه على أنه نظام متكامل، وهو جزء لا يتجزأ من النظام الإسلامي نظريا وتطبيقيا، عقيدة وتشريعا. ولنظام الإعلام الإسلامي مقومات خمسة:

1- أهداف تحدد سير النظام وتوجهه وترتكز على نشر الدعوة بين المسلمين وغير المسلمين في الداخل والخارج، موجهة إلى جميع الأعمار والثقافات والبيئات بما يتفق مع ظروف كل منها وطاقاته، بالإضافة إلى ترشيد التعليم وتوجيه الحكام إلى إقامة شريعة الله، وتشجيع البحوث في العلوم الدينية وفي وسائل الدعوة وفي اللغة العربية، وتدريب الدعاة على كل ذلك باستخدام وسائل الإعلام الحديثة.

2- أجهزة تحدد اختصاصات كل منها بناء على تنظيم معين يضمن تحقيق الأهداف على خير وجه.

3- نظام اتصال بين الأجهزة، يحدد العلاقات بينها ويضمن كفاءة عملها.

4- قواعد وإجراءات التنفيذ، ينتج عن تطبيقها برامج محددة مقدما تغطي عمليات الإعلام المختلفة بما يضمن تحقيق الأهداف.

5- نظام للرقابة على التنفيذ، يسجل ما تحقق فعلا، ويقارنه بالبرامج الموضوعة، ويوجه نظر الأجهزة المختلفة لأي انحرافات ذات الأهمية حتى يقوموا لتصحيحها في الاتجاه الذي يحقق الأهداف.

ولقد استخدمنا نظرية النظم كإطار نظري للبحث ساعدنا في تحديد مفهوم النظام وعلاقة النظم الرئيسية (الأكبر) بالنظم الفرعية (الأصغر) كما ساعدنا في تحديد مقومات نظام الإعلام الإسلامي، وفي الربط بين النواحي النظرية والتطبيقية له، وفي ربطه بالنظام الإسلامي ككل.

وامتدادا لاستخدام نظرية النظم كإطار للتحليل يمكن استخلاص التوصيات الآتية:

1- عند حل المشاكل الإعلامية، لا يجوز النظر إلى المشكلة مستقلة عن بقية النظام، وإنما لا بد من أن يجري تحليل شامل، يربط المشكلة بمقومات النظام المختلفة (بالأهداف والأجهزة ونظام الاتصال وإجراءات التطبيق ونظام الرقابة) لتحديد جذور المشكلة وأسبابها الحقيقية، وبالتالي تستأصل من جذورها، ويكون العلاج ذا أثر طويل الأجل، وإلا كان محدود الأثر، وقد يخلق مشاكل أخرى أكبر من أحد جوانب النظام.

2- بما أن نظام الإعلام الإسلامي جزء من النظام الإسلامي العام، فإنه من غير المنتظر أن يحقق الإعلام الإسلامي أهدافه بالكامل إلا إذا كان النظام الإسلامي العام مطبقا تطبيقا شاملا على مستوى الفرد وعلى مستوى المجتمع. وليس معنى ذلك التوقف عن إصلاح أجهزة الإعلام إلى أن يتم تطبيق النظام الإسلامي العام، وإنما من الضروري أن يسعى كل فرد مسلم غيور على دينه نحو تحقيق الهدفين جنبا إلى جنب. فالإعلام الإسلامي سيكون وسيلة لتطبيق النظام الإسلامي الشامل، وعندما يكتمل تطبيق النظام الإسلامي يتطور الإعلام بحيث يأخذ شكله المتكامل الذي يحقق جميع أهدافه.

3- إن واقع الإعلام الحالي في الدول العربية وفي الدول الإسلامية بصفة عامة واقع مؤلم منهزم وللنهوض به قد لا يكون من المستطاع تنفيذ نظام الإعلام الإسلامي المقترح مرة واحدة (بسبب عدم تطبيق النظام الإسلامي الشامل كما قدمنا) فلا بأس من أن يكون التنفيذ مرحليا، ولكن لا بد أن يعم النظام الشامل أولا بحيث يمثل خطة للتنفيذ. وتراجع نتائج التنفيذ عند كل مرحلة من ارتباطها بالنظام ككل. ويتطلب ذلك إعطاء أولويات للتنفيذ تتفق مع الأهداف العامة للنظام.

والله نسأل أن يوفقنا ويوفق الأمة الإسلامية جمعاء إلى ما يحقق لها سعادة الدنيا والآخرة “إنما كان قول المؤمنين إذا دعوا إلى الله ورسوله ليحكم بينهم أن يقولوا سمعنا وأطعنا وأولئك هم المفلحون. ومن يطع الله ورسوله، ويخش الله ويتقه، فأولئك هم الفائزون”.

“إن الذين لا يرجون لقاءنا ورضوا بالحياة الدنيا واطمأنوا بها والذين هم عن آياتنا غافلون، أولئك مأواهم النار بما كانوا يكسبون. إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم تجري من تحتهم الأنهار في جنات النعيم، دعواهم فيها سبحانك اللهم، وتحيتهم فيها سلام، وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر