Uncategorized

مدخل لصياغة مفهوم التوجيه الإسلامي للعلوم

الموضوع الذى يهتم هذا البحث بدراسته يدور حول صياغة مفهوم (( التوجيه الإسلامى للعلوم ))، ثم تطبيق هذا المفهوم على علم السياسة الذى يمثل مجال التخصص والاهتمام الأساسى للباحثة، 

وبداية نقرر أنه على الساحة الإسلامية نجد عدة تعبيرات تشير بدرجة أو بأخرى إلى محتوى هذا المفهوم ، أحدها هو المستخدم فى عنوان هذا البحث وهو (( التوجيه الإسلامى للعلوم ))، 

       هذا بالأضافة الى عدد من التعبيرات الأخرى منها: (( أسلمة المعرفة ))، (( أسلمة العلوم ))، (( أسلمة المناهج ))، (( صياغة العلوم من منظور إسلامى )) ، أو (( إقامة نظريات إسلامية أو رؤية إسلامية، أو الخط الإسلامى للعلوم ))(1) وغير ذلك من تعبيرات وصياغات تدور حول مفهوم (( الإسلامية )) أو (( الأسلمة )). الهدف إذن يتحدد فى البيان الواضح لمفهوم (( التوجيه الإسلامى للعلوم ))، والبحث فى مدى مطابقته أو اختلافه عن التعبيرات الأخرى المستخدمة فى هذا المجال، وهل يشيرون جميعا إلى حقيقة واحدة أو ظاهرة واحدة؟. والبحث فى المفاهيم يعنى أساسا بالصياغات الفكرية المجردة. ولقد أردنا أن نضيف إلى هذا البحث المفاهيمى المجرد ناحية تطبيقة؛ لأن التطبيق يزيد من توضيح المفهوم من حيث المعنى وإمكانية الممارسة الفعلية، فحددنا لنا هدفا إضافيا يتمثل فى تطبيق هذا المفهوم على علم السياسة. أما عن المنهج الذى سنتبعه من أجل بناء مدخل لصياغة هذا المفهوم: فهو يعتمد على تحليل جزئيات هذا المفهوم، ثم من خلال المتابعة النقدية للكتابات السابقة فى هذا المجال نحاول أن ننتقل من التحليل إلى التركيب والتجميع مرة أخرى من أجل تقديم تصورنا لصياغة هذا المفهوم. أما عن التقسيم فقد حاولنا فيه- بقدر المستطاع- الوفاء بمتطلبات الهدف والموضوع، وحيث إن البحث كله يدور حول هذا المفهوم فهو- من ثم- ينقسم إلى مدخل له، وصياغة له، وتطبيق له. فأجزاؤه إذن ثلاثة هى: المدخل- الصياغة- التطبيق.                

أولا: المدخل

الحاجة إلى التوجيه الإسلامى للعلوم

فى البداية استرعى انتباهنا تساؤل هام، وهو لماذا طفت على السطح فى الآونة الأخيرة كتابات كثيرة، وحديث كثير عن (( الأسلمة)) (2)؟ ولماذا فى هذا التوقيت على وجه الخصوص(3)؟ أو بمعنى آخر: التوجيه الإسلامى للعلوم… لماذا؟؟

فى الواقع إن هذه الدعوة يرجعها البعض إلى الرغبة فى الوصول إلى حالة من الوفاق والتواؤم مع الواقع الذى يعيشه الإنسان المسلم فى العصر الحالى؛ حيث انقسم المسلمون إزاء هذا الواقع المعاصر إلى فريقين: فريق يعيش منعزلا يمارس حياته اليومية وهو متقوقع لا يكاد يشعر بالتطورات المتلاحقة فى كافة مجالات الحياة، وفى مجال العلم والتكنولوجيا، وأمثال هؤلاء لا يكادون يشعرون بمشكلة أو أن الأمر لا يعنيهم، والفريق الثانى انخراط فى هذه التطورات والتحم معها، وهؤلاء أيضا انقسموا إلى اتجاهين: اتجاه رأى أن مواجهة هذه التطورات تتطلب منه الانسلاخ عن دينه، وما يرتبط به من قيم ومفاهيم، وأن عليه اعتناق قيم ومفاهيم الحضارة الغازية السائدة. وأمثال هؤلاء ظنوا أنهم بذلك تخلصوا من مشكلة الملاءمة، وأصبحوا متوافقين مع أنفسهم. وبقى الاتجاه الأخر، ويضم هؤلاء الذين حاولوا التوفيق بين قيم ومفاهيم الحضارة الغازية، مع الاحتفاظ فى نفس الوقت بقيم ومفاهيم الدين، فى محاولة منهم لإيجاد نوع من (( التعايش ))، على الرغم من الصعوبات التى يلاقونها فى هذا السبيل، حيث يعانون مما يعرف فى علم النفس (( بالتنافر المعرفى))(4)، وهو ما يجعل الإنسان يعانى من حالة (( تمزق داخلى ))    نتيجة معايشته لواقع قد يتفق أحياناً ويتناقض أحياناً أخرى مع معتقداته ومفاهيمه. ولقد زاد من الأحساس بهذا التناقض والتنافر ما يسمى (( بثورة المعلومات )) والتقدم المتلاحق فى وسائل الأتصال والإعلام؛ حيث أصبح هؤلاء الذين كانوا بمعزل عن هذه التيارات والحوارات- أصبح هؤلاء- فى قلب هذا التناقض بعد أن كانوا فى شبه عزلة عنه. فعن طريق كافة وسائل الأعلام والاتصال أدخلت الجماهير العريضة فى عمق هذه المشكلة. (( وبدخول هذه الأعداد الكبيرة من المسلمين فى قلب المعركة أصبح التناقض الفردى تناقضا جماعيا، وأصبح المسلم يعيش مشكلة حقيقية ))(5).

1- تحديد المشكلة:(6)

إن إلقاء نظرة على الأبعاد التاريخية لمفهوم (( التوجيه الإسلامى للعلوم )) سوف تساعدنا على تحديد المشكلة التى تستدعى الدعوة إلى التوجيه الإسلامى للعلوم. ونستطيع القول إنه حينما بدأت دعوة الإسلام وانتشرت ثم استقرت دعائم الدولة الإسلامية، وبدأت فى الأتساع قامت العلوم التى أطلق عليها (( العلوم الشرعية أو الإسلامية ))، وهى التى تهتم بالقران الكريم والسنة النبوية مثل: علوم القرآن، وعلوم الحديث، والسيرة النبوية، وعلوم الفقه وأصوله. و هذه نشأت أصلا لخدمة الكتاب والسنة، وكان تطورها وفقا لمناهج علمية مستقأة من القرآن والسنة(7)، وكانت هذه المناهج دعامة أساسية للحضارة الإسلامية ولعلومها المختلفة(8)، ولما حدث احتكاك المسلمين بالحضارات والثقافات الأخرى كان لابد من مواقف يتناول العلوم والثقافات الوافدة بالتمحيص، حيث تم استيعاب ما لا يخالف الشرع داخل إطار الحضارة الإسلامية أما ما يخالف الشرع فقد تم استبعاده. هنا نلاحظ أن مفهوم العلم لدى علماء الحضارة الإسلامية كان منصبا على العلم النافع المتصل بحياة الناس، ولهذا مارسوا الاجتهاد من أجل أن يقدموا حلولا مستقاة من الشرع لما يواجهه الناس فى ممارساتهم المعيشية، ومما يحقق المصلحة المتوافقة مع الشرع. فالعلم إذا اقترن أيضا بتحقيق النفع والخير، واقترن أيضا بالعمل والتطبيق(9). ونلاحظ هنا أن العالم المسلم سواء ظهر نبوغه فى مجال الطب أو الرياضيات أو اللغة أو التاريخ أو العمران لم تكن تنفصل لديه المعرفة الفقهية الشرعية عن المعرفة العلمية أو بمعنى آخر كان جامعا للمعرفة بعلوم الدين وعلوم الدنيا، وأمامنا الكثيرون من علماء الحضارة الإسلامية كان الواحد منهم متفقها فى الدين فهو عالم وفقيه، وأيضا نابغا فى الطب أو الرياضيات أو غيرها، وكان للمعرفة العلمية الشرعية (10)مركز الصدارة والتوجيه لدرجة أن وصف العالم أو العلماء(( ارتبط أصلا بالعالم الفقيه الدارس للشرع وعلومه))(11). ولما جاء عصر الركود وانقطع الاجتهاد وبدأت بلاد المسلمين تتعرض لموجات متلاحقة من ((الغزوالفكرى))(12)حدث الانفصال بين المعرفة بالشرع وعلومه وبين المعرفة بالعلوم الأخرى، وهذا الانفصال أوجد حالة من الأزدواجية أصبحنا نعانى منها، وينبغى لنا أن نخرج منها حتى نستعيد هويتنا الإسلامية، وحتى نستعيد التوجيه الإسلامى للعلوم؛ نستطيع القون إذن أن مفهوم (( التوجيه الإسلامى للعلوم )) يمثل عمقا أصيلا فى التراث والحضارة الإسلامية.

أما عن عملية الأزدواجية التى يعيشها الإنسان المسلم سواء كان فردا عاديا أو معنيا بالعلم الأسلامى ذلك التقسيم الذى يجعل هناك نوعين من التعليم (13): الأول خاص بالعلوم الشرعية حيث ينظر إليها على أنها علوم دينية لا صلة لها بالحياة، وهناك نوع آخر من التعليم وهو التعليم المدنى أو العلمانى(14)، وهو الذى صرف إليه لفظ العلم نفسه. وهذا التقسيم قد حالة من الأزدواجية فى الشخصية العلمية للعالم المسلم المتغرب عن ثقافته الإسلامية، هذا بالإضافة إلى أثر الاستعمار والإعجاب بالثقافة الغازية(15). كل هذا جعل شخصية العالم المسلم المتغرب عن ثقافته الإسلامية شخصية تعانى من أزمة ثقة فى الذات، وأزمة فى الشعور بالانتماء والأصالة. أين هذه الشخصية من شخصية علماء المسلمين الأوائل الذين كانت لا تنفصل عندهم المعرفة بالشرع عن المعرفة بالعوم المختلفة من طب وفلك ورياضيات وغيرها، وأيضا اقترنت عندهم المعرفة العلمية بالعمل والتطبيق النافع. ونحن عن طريق التوجيه الإسلامى للعلوم نريد القضاء على هذه الأزدواجية.حتى تستعيد الشخصية العلمية الإسلامية أصالتها وتكاملها وتجمع ما بين العلم بالعلوم الشرعية والعلم بالعلوم الحديثة ( رأى بعلوم الدين وعلوم الدنيا )، كما تحرص على التطبيق النافع لهذا العلم بالعمل بأحكام الشرع والعمل النافع بعلوم الدنيا. نريد العالم المسلم فى أى فرع من فروع العلم والمعرفة عالما تقيا مؤمنا تدعم معرفته العلمية من إيمانه بالله، ويدعم إيمانه بالله من معرفته العلمية؛ قال تعالى: ﴿إنما يخشى الله من عباده العلماء ﴾( فاطر: 28 ).

 وحتى نتابع هذه المشكلة علينا أن نميز بين ما يطلق عليه (( العلوم الطبيعية ))، وبين ما يطلق عليه (( العلوم الأجتماعية )) أو (( الإنسانية(16) )). ونبدأ بالأخيرة لأن هذه العلوم تعتمد جامعاتنا فى تدريسها على مناهج مستمدة أساسا من الثقافة الغربية ومدركاتها، الأمر الذى يجعل الطالب المسلم الدارس لهذه العلوم يقع فى حيرة مصدرها التناقض بين ما تدعيه هذه العلوم من منهج لا يعترف بالوحى كمصدر للمعرفة، وبين ما يحتوى عليه الإسلام من معرفه متميزة ترجع إلى مصدرين: العقل والوحى(17). ولم يقتصر اقتباس هذا المنهج المنكر للوحى على العلوم الطبيعية وحدها، وإنما إمتد تطبيقه على العلوم الاجتماعية ( الإنسانية ) الأمر الذى جعل هذه العلوم بمناهجها الغربية قاصرة عن أن تعبر عن الإنسان المسلم الفرد، أو المجتمع الإسلامى عموما فى جميع ظواهره وعلاقاته الاجتماعية والاقتصادية والسياسية وغيرها. ومن هذا المنطلق فإن هناك مشكلة حقيقية فى التعامل مع هذه العلوم سواء من ناحية المنهج وأسلوب التناول، أو من ناحية التطبيق وآثار هذا التطبيق.

2- تأصيل المشكلة:

 منذ أواخر القرن الثامن عشر الميلادى تقريبا، والعالم الأسلامى كله ((مقتلع النوافذ والأبواب (18)))فى وجه الحضارة الغربية، وفى وجه كل ما هو غربي، سواء كان يتعلق بالعلوم أو الثقافات أو المناهج أو الفنون الأداب، وحتى الأذواق والعادات الغربية قد تسربت بدرجات متفاوتة. وقد عمل الغربيون فى سبيل نشر ثقافتهم على إنشاء مدارسهم التعلمية داخل أو بجوار كنائسهم التنصرية، وقد شهدت الحواضر الإسلامية فى بيروت والقاهرة وبغداد والموصل والإسكندرية وإسطنبول وغيرها من حواضر المسلمين صورا متكررة لهذا الوضع، وقبل أن ندخل فى صميم موضوعنا ينبغى توضيح قضيتين أساسيتين: 

القضية الأولى: قضية الغزو الفكرى:

 هل الغزو الفكرى قضية حقيقة أم هو وهم من الأوهام؟

لقد وجدت للإجابة على السؤال إجابتان تزعم كل منهما فريق من أبناء أمتنا. الأولى تدعى أنه لا يوجد ما يسمى بالغزو الفكرى، وأن المحذرين منه واهمون، وهم يتجاهلون طبيعة العصر وروحه والتطور الهائل الذى شهدته وسائل الأتصال والمواصلات، أنه لم يعد بإمكان الحواجز الجغرافية ولا الحدود السياسية أن تقف وتتصدى للتأثيرات العالمية الآتية من كل صوب ومن كل مكان. أما الأجابة الثانية لهذا السؤال فتزعمها فريق آخر يرى أن الغزو الفكرى قضية حقيقة، ومعركة دائرة مستمرة، وأن القول بالحضارة الإنسانية الواحدة والمنهج العلمى الواحد(19)ماهى إلا دعوة تستتر وراءها رغبة الغرب فى السيطرة والسيادة، وأنها تفرض التبعية للنموذج الحضارى الغربي. وموقفنا من هذه القضية هو الموقف الوسط الذى لا ينكر انتقال التأثيرات الثقافية والحضارية من وطن إلى آخر وأن هناك دائما ما هو عام ومشترك فى الفكر الإنسانى، ولكن هناك دائما أيضا حقيقة التمايز الحضارى والثقافى(20).

القضية الثانية: موقفنا من الفكر والحضارة الغربية (21):

ونقصد من ذلك أن نحدد المراحل التى مر بها تعاملنا مع الغرب وفكره وحضارته لنعرف فى أى مرحلة نعيش الآن وما هى متطلبات هذه المرحلة؟ ويمكننا القول إن تعاملنا مع الفكر والحضارة الغربية عموما قد يمر بمراحل ثلاثة (22)

* المرحلة الأولى: مرحلة الصدمة الأولى:

 ويمكن تسميتها أيضا بمرحلة الانبهار بما لدى الغرب من تفوق فى شتى المجالات(23)، وبدأت البعثات من أبناء المسلمين تولى وجهها شطر الجامعات والمعاهد الغربية تنشد ما لدى الغرب من فكر وثقافة وحضارة، حيث أصبح الإنسان المسلم مهزوما من الداخل، ومهيا لتلقى البديل الغربي، وفاقدا للثقة فى ميراثه الحضارى والثقافى، وتم وضع (( الإسلام كله فى قفص الاتهام )) (24)حيث عزا أليه البعض المسئولية عن تخلف المسلمين. فى هذه المرحلة كان المجاهدون من أبناء هذه الأمة يبذلون قصارى جهدهم من أجل مجاولة إثبات أن الإسلام لا يناقض العلم، ولا الحضارة، وكانت المقولة التى يحاولون التأكيد عليها هى أن: (( الإسلام صالح لكل زمان  ومكان ))، وذلك فى محاولة لاستعادة التوازن أمام هذه الحضارة الغازية.

* المرحلة الثانية: مرحلة المراجعة- التوفيق- البحث عن الذات:

وهى المرحلة التالية للمرحلة السابقة لصدمة الأولى، بدأت محاولة التوقف لالتقاط الأنفاس، ومراجعة المواقف، والبحث عن الذات والهوية. وفى هذه المرحلة انتشر أسلوب الموازنة والمقارنة من أجل تحقيق أهداف مختلفة، قد يكون منها ما يمكن أن نسميه محاولة (( تطبيق العلاقات بين المسلم والفكر والثقافة الغربيين (25)، ومن ناحية أخرى فإن البعض كان يهدف من وراء ذلك إلى البحث فى الذات عن شئ مشابه لما لدى الغرب حتى يستطيع القول بأنه إذا كان العرب يمتاز عنا بشئ إلا أن لدينا مثله بشكل من الأشكال؛ ولذلك شاعت فى تلك المرحلة كتابات مثل التى تتحدث عن الديمقراطية فى الأسلام(26)، أو حقوق الإنسان فى الأسلام، أيضا حقوق المرأة فى الإسلام.. وما شاكل ذلك.

* المرحلة الثالثة: مرحلة الصحوة(27)– اكتشاف الذات:

تلك هى المرحلة التى نعيشها الآن أو نعيش جزءا منها، ففى هذه المرحلة ظهر الوعى بالذات وبمزايا الإسلام وتفوقه فى عقيدته، ومنهجه على سائر المستوردات الأخرى.. وفى هذه المرحلة أيضا بدأت تنكشف عيوب الحضارة والمناهج الغربية وقصورها عن التعامل مع الواقع الإسلامى، وأصبحنا أمام التحدى الحضارة فإما إثبات الذات واستعادة الهوية، وإما الذوبان والانصهار داخل الحضارة الغازية. وأهم متطلبات هذه المرحلة لا تتمثل فى إعادة طرح مقولا أن (( الإسلام صالح لكل زمان ومكان ))، أو أن لدينا ما يشابه ما لدى الغرب؛وإنما ما تتطلبه هذه المرحلة هو صياغة، وتقديم البديل الإسلامى(28)، لكل ما قدمه الغرب وتطبيق وتنفيذ هذا البديل ونجاحه حتى يمكن استئناف العطاء الإسلامى للإنسانية ووصل حاضر هذا الأمة بماضيها وتطلعها إلى المستقبل وهى تقف على أرض صلبة وهذا لا يتحقق إلا من خلال جعل السيادة فى العقول للفكر الإسلامى والتوجيه فى العلوم للتوجيه الإسلامى حتى تستعيد الأمة (( شخصيتها المميزة وعقليتها الإسلامية ونفسيتها الإسلامية المطمئنة ))(29)، فحين يتم تقديم البديل الإسلامى وتبدأ وتصاغ عقليتها وفقا لهذا التوجيه حينئذ يثبت أن الصحوة الأسلامية هى  (( صحوة حقيقية لا تعقبها كبوة ))(30).

وبرغم ما يلوح فى الأفق بين الحين والأخر من ضباب وغيوم فإن الحقيقة التى ما تفتأ تحاول أن تؤكد نفسها كل يوم أننا نعيش الآن مرحلة انبعاث حضارى إسلامى جديد، مرحلة بدايات (( العالمية الإسلامية الثانية ))(31)، ويعد التوجيه الإسلامى للعلوم هو أحد علامات وإرهاصات هذه المرحلة.

ثانيا: الصياغة مفهوم التوجيه الإسلامى للعلوم

مدلول الصياغة(32) يشير فى إحد معانيه إلى تناول الشئ من مادته الأصلية، أو الأولية لجعله فى صورة أو شكل مقبول يصلح للأستعمال فى الغرض الذى صيغ من أجله، وصياغة المفهوم(32) قد تكون ذاتية أى مصدرها ذات الباحث وكيفية إدراكه للمفهوم؛ أو قد تكون إفتراضية أى مصدرها ذات المفهوم، وكيفية تعبير المفهوم عن نفسه. وفى كل الأحوال فإن الباحث هو الذى يقوم ببنائها وتنسيق ألفاظها وتربيتها، وهنا يثور تساؤل يتعلق بمضمون الصياغة، وهل يرجع إلى ذات الباحث أم ذات المفهوم أم إلى كل منهما، أيضا يثور تساؤل حول كيفية الوصول بالصياغة إلى الدقة المطلوبة فى التعبير عن المفهوم الذى نحن بصدده(34).                                                       هذا من حيث الضياغة أما من حيث المفهوم فإنه يعنى(( الوسيلة الرمزية التى يستعين بها الإنسان للتعبير عن المعانى، والأفكار المختلفة بغية توصليها لغيره من الناس ))(35). والمفهوم بذلك يشكل (( وحدة اللغة العلمية ))أى اللبنة الأولى فيها، ويسهل الاتصال والتفاهم بين مجموعة الباحثين الذين يشتركون فى موضوع معين. ونلاحظ أن المفهوم يتطور ويتغير بتغير معطيات الواقع، وأيضا وفقا للسياق العام للمجتمع(36). ويعتبر المفهوم وحدة تصورية مبدئية فى بناء أى نسق نظرى، وهناك صلة قوية بين المفهوم، والتعريف(37)، إذ ((يعتبر التعريف معادلا للمفهوم وشارحا له ))، وإذا كان المفهوم (( رمزا لمتغير واقعى، فإن وظيفة التعريف هى الرمز والتحديد(38)معا ))(39). ولصياغة المفهوم متطلبات مثل: الدقة، والموضوعية؛ إلا أنه حتى مع حرص الباحث على توخى أكبر قدر ممكن من الدقة والموضوعية، إلا أنه تظل احتمالات الخطأ والتحيز واردة. ويعتبر السياق الاجتماعى بالأضافة إلى اللغة مصدرين أساسيين للتحيز فى صياغة المفهوم، وفى عدم الاتفاق حول بعض المفاهيم، وعلينا أن نعى كليهما كمصدرين للخلط يؤديان إلى غموض بعض المفاهيم مما يؤدى إلى تداخل دلالاتها مع دلالات مفاهيم أخرى، ويعد هذا عائقا جوهريا أمام انتقال الفكر، وقد يلجأ فى سبيل تلافى هذا العيب إلى بناء المصطلحات بغرض إبعاد الغموض عن المفهوم، ومحاولة إيجاد لغة مشتركة تتخذ أساسا للحوار والتخاطب والفهم بين أهل العلم الواحد(40).     ومن أجل محاولة تجنب هذه الأخطاء والتحيزات فإنه ينبغى البحث عن طبيعة المكونات البنائية(41). للمفهوم. بمعنى البحث عن الخصائص الأساسية للشئ الذى يبغى تعريفه أو تحديد مفهومه، ثم البحث عن طبيعة العلاقة بين هذه الخصائص، هذا بالأضافة إلى تحديد معانى الكلمات الداخلة فى بنائه، وعلاقة هذه الكلمات ببعضها البعض فى بناء الجملة أو العبارة(42).

والمفاهيم تختلف فى درجة تجريدها، وهى تنقسم إلى نوعين رئيسيين: مفاهيم بسيطة، ومفاهيم مركبة.. وهى تلك التى تحتوى على عدد من المفاهيم البسيطة(43). ومفهوم التوجيه الإسلامى للعلوم هو من نوع المفاهيم المركبة التى تحتاج إلى عملية تحليل تهتم بفك هذا المفهوم المركب إلى أجزائه(44). ويساعد المفهوم على تحديد الخصائص البنائية والوظيفية للموضوع الذى يرمز له، حيث تشير الخصائص البنائية إلى المادة التى يتكون منها، أما الخصائص الوظيفية فإنها تشير إلى الوظيفة، أو مجموعة الوظائف التى تؤديها. على هذا فمن الممكن أن ينصب تحديدنا للمفهوم على الجانب البنائى أو الجانب الوظيفى أو كليهما معا.

إذن صياغتنا لهذا المفهوم سوف ترتكز على ثلاث مرتكزات: تحليل جزئيات، ثم تحديد خصائصه البنائية، ثم تحديد خصائصه الوظيفية. 

 1- تحليل جزئياته:

يتركب هذا المفهوم من جزئيات ثلاث: (( التوجيه ))- ((الإسلامى ))-(( للعلوم))، وسوف نتناولها تباعا. فيما يتعلق ((بالتوجيه ))- ((الإسلامى ))- فهو فى المعنى اللغوى من وجه: أى انقاد واتبع. ويقال: قاد فلان فلانا، فوجه أى انقاد واتبع، ووجه إلى الشئ توجه، بمعنى ولى وجهه إليه. ووجه الناس الطريق: وطئو حتى استبان أثره لمن يسلكه. والوجهة: الجانب والناحية والموضع الذى تتوجه إليه وتقصده (45). ويحدد معجم ألفاظ القرآن الكريم معنى الكلمة وجهه توجيها، فيقال: وجهه لكذا أى جعله ناحيته وصوبه. قال تعالى: ﴿إلى وجهت وجهى للذى فطر السموات والأرض حنيفا ﴾(الأنعام: 79) أى: جعلت وجهى مستقبلا الذى فطر السموات والأرض خالصا له. أيضا توجه نحو الشئ: أى قصده، قال تعالى: ﴿ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربى أن يهديني سواء السبيل ﴾( القصص: 22)(46).

 فالتوجيه إذن هو الإرشاد والقيادة للشئ الموجه والتوجيه كلمة لابد أن يتبعها تحديد للجهة أو الوجهة التى تم التوجيه إليها، ومن هنا تأتى كلمة (( الإسلامى )) لتحدد للتوجيه وجهته وصفته. والواقع أن هذه الجزئية المتعلقة بـ (( الإسلامى )) تحتاج إلى تحديد دقيق، وذلك لكثرة استعمالها فى وصف أشياء كثيرة قد لا تمت للإسلام بصلة.     و (( الإسلام )) من أسلم: أى انقاد- أخلص الدين لله، ودخل فى دين الإسلام، وأسلم أمره لله أى فوضه ورضى بحكمه. والإسلام هو الانقياد والاستسلام لله تعالى، ثم خص استعماله بالدين الذى أرسل الله به محمداً ﷺوبهذا المعنى وردت كلمة الإسلام فى قوله تعالى: ﴿اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتى ورضيت لكم الإسلام دينا ( المائدة: 3 ). وقوله تعالى: ﴿ومن يبتغ غير الإسلام دينا فلن يقبل منه وهو فى الآخرة من الخاسرين            ( آل عمران: 85 )(47)ووصف شئ بأنه (( إسلامى )) يحتاج إلى تحديد، لأن كلمة (( إسلامى )) قد تستخدم كوصف لأشياء لا ينطبق عليها هذا الوصف، وإنما تكون بمثابة أسماء مثل من اسمه جميل، وليس هو بجميل، أو زكى وليس هو بزكى. إذن ما هو أساس الوصف أو معيار الحكم على إسلامية شئ، أو وصفه بأنه إسلامى. إن ذلك معناه هو أن يكون هدفه وغايته، وسلوكه ومنهجه متطابقا ومتواقفا وغير متناقض مع ما جاء فى الكتاب والسنة، أما ما خالف ذلك فإنه يكون منسوبا إلى الإسلام دون أن يكون متطابقا معه. ويحدد كتاب المعهد العالمى للفكر الإسلامى(48) مفهوم (( الإسلامية )) (( بأنها )) شعار راشد، يحدد الوجهة، ولا يترك غبشا (( فى الرؤية أو مجالا للدرس والتضليل ))….. وهى (( تعنى بالضرورة المعاصرة والتحديث الدائب المستمر، ولكن باتجاه إسلامى ونحو أهدافاإسلامية، وقيم إسلامية، وهداية ربانية )). إذن فالتوجيه الإسلامى يعنى الإرشاد والقيادة للشئ الموجه بما يتفق مع ما جاء فى الكتاب والسنة، وبما لا يخالفهما فى المنهج والسلوك والهدف والغاية. تبقى بعد ذلك جزية – العلوم – وهى جمع مفرده: علم. فما هو العلم؟ وما المقصود به؟ وما اختلافه عن (( المعرفة ))؟ فى المعنى اللغوى: العلم: (( إدراك الشئ بحقيقته، وهو اليقين ونقيضه الظن، وهو نور يقذفه الله فى قلب من يحب.. وقيل العلم يقال لإدراك الكلى والمركب.. والمعرفة تقال لإدراك الجزئى أو البسيط ))(49)، وفى معجم ألفاظ القرآن الكريم: العلم هو (( إدراك ذات الشئ، وهو حينئذ يتعدى لمفعول واحد مثل: ﴿لا تعلمونهم الله يعلمهم ، وإن كان العلم حكما على شئ بإثبات أو نفى يتعدى لمفعولين مثل: ﴿فإن علمتموهن مؤمنات … ومنه علمت الشئ: عرفت علامته، وما يميزه ونقيضه الجهل ))(50). والمعرفة تفترق عن العلم استعمالا فى أن العلم يستعمل فيما يدرك بواسطة كسب أو بلا واسطة، و (( المعرفة تستعمل لما يدرك بواسطة من الكسب فقط ولهذا لا يقال: الله عالم…، والمعرفة تقال فيما يدرك بآثاره ولا تدرك ذاته، والعلم يقال فيما تدرك ذاته، ولذا يقال عرفت الله، ولا يقال علمته كذلك، والعارف فى متعارف القوم، هو المختص بمعرفة الله ومعرفة ملكوته وحسن معاملته، وفى هذا العلم، وخلاف المعرفة الإنكار، وخلاف العلم الجهل ))(51). هذا عن معنى العلم فى لغتنا فإذا نظر إليه فى المصطلح فإنه يمكن تعريفه بشكل عام بأنه: ((جهد إنسانى منظم فى محاولة لفهم ما يجرى حولنا فى العالم  ( العلوم الطبيعية )، امتد فيما بعد لمحاولة فهم ذواتنا نحن ( علم النفس )، والعلاقات التى تربط بيننا فى التجمعات الإنسانية ( العلوم الاجتماعية ) فى إطار من علاقات الأسباب والنتائج. وهذه، ولا شك، مظلة واسعة تجمع تحتها حشدا من الأساليب فى التحليل والتنظير والتطبيق، بينها كثير من أوجه الشبه والفروق المهمة(52). والواقع أن كلمة (( العلم )) تطلق مجازا على ما ينبغى أن يسمى (( المعرفة العلمية )) حيث يقصد منها فى معناها العام أنها (( لفظ كل لا يدل على موضوع معين، أو علم محدد بالذات يقدر ما يعنى عدة خصائص أو صفات مشتركة فى كل نشاط عقلى إنسانى، حين ينصرف بشكل منظم إلى محاولة فهم وتفسير موضوعات معينة، متبعا فى سبيل ذلك خطوات تبدأ من الملاحظة الدقيقة، ومستخدما منهجا يتفق مع طبيعة موضوع البحث، وهادفا إلى الوصول إلى قوانين عامة تفسر اطراد الظواهر المعنية(53).

وهنا نوضح أن كلمة العلم التى يقابلها لفظ Scienceفى اللغة الإنجليزية هى العلم القائم على التجربة الذى هو المعرفة العلمية بينما العلم فى تراثنا الإسلامى هو دائرة أوسع من ذلك، تضم بداخلها المعرفة، ومن داخلها المعرفة العلمية التى هى Science(54)، فالمعرفة العلمية إذن هى الشق المادى لمفهوم العلم فى الإسلام وهو الذى يحصله الإنسان بنفسه مستخدما العقل والحواس والتجارب، أما الشق الثانى للعلم فهو العلم الغييى الذى يحصل عن طريق الوحى(55).

ومن أجل تعريف (( المعرفة العلمية )) نحدد أهم خصائصها التى نوجزها فيما يلى: دقة الصياغة للمفاهيم العلمية، والمنهجية، والموضوعية، ويضاف إلى ما سبق أيضا ما يعرف بالتراكمية والثورية، والتكاملية والنسقية(56).   ومن بين هذه الخصائص سوف نتناول (( الموضوعية )) بشئ من التفصيل وذلك لتساؤل هام يدور حولها فيما يتعلق بالمفهوم الذى نتناوله فى هذا البحث. ويدور هذا التساؤل حول: هل هناك تناقض ما بين التوجيه الإسلامى للعلوم، وقضية الموضوعية العلمية؟؟.

وفى الواقع أن الموضوعية يقصد بها ألا يكون لأهواء الباحث وميوله الشخصية تأثير على إدراكه للحقائق العلمية، ومن ثم فإنها تعنى إمكانية استعادة النتائج العلمية والتثبت من صحتها لدى أكثر من باحث، إذ تم إجراء التجارب تحت نفس الظروف وعندما ترقى هذه النتائج إلى درجة الحقائق العلمية فإن الموضوعية تعنى أنه يمكن إدراك هذه الحقائق لدى أكثر من باحث بنفس الطريقة أو بطرق مختلفة(57).

 فدلالة الموضوعية إذن تعنى بما (( يمكن الاشتراك فى إنجازه، وسلوك نفس الطريق لبلوغ نتائجه. أو هى ما يؤسس خلال العمل المتفق عليه بين الباحثين ))… فهى من ثم (( ليست إلغاء للذات، بل هى الاتفاق بين الذوات )) حيث يكون (( الموضوعى )) هو (( المشترك بالنسبة لأذهان متعددة، وما يمكن نقله من واحد لآخر ))(58).

 هل تعنى الموضوعية إذن أن العلماء الملتزمين بالمنهج العلمى الذى يعتمد (( الموضوعية )) لا يختلفون فيما بينهم اختلاف الفقهاء الذين يكثرون من ترديد عبارة ( فى المسألة علميا )(60)واحدا، وأن من يريد أن يتصف بالعلمية ينبغى عليه اتباعه. فى الواقع أن قضية (( الموضوعية )) تكمن وراء ذلك الهجوم والاستنكار لدعوة التوجيه الإسلامى للعلوم، أو لما يسمى بأسلمة العلوم، (( لأن المستنكرين يظنون أنها متناقضة مع الموضوعية لأنها من وجهة نظرهم لن تكون إلا شكلا من أشكال التزمت الدينى أو التطرف الدينى الذى ظهر على الساحة الاجتماعية والسياسية، ويحاول الآن أن يمتد إلى الحقائق الموضوعية العلمية فيلونها بلون الدين. ومن ثم فإن هذا التوجيه الإسلامى للعلوم- ومن وجهة نظر هؤلاء- شبيه بما فعله عالم الأحياء (( السوفيتى )) لايسنكو حين عمد إلى أن يجعل علم الأحياء متوافقا مع الأيديولوجية الشيوعية، فاستغل منصبه الإدارى فى إنكار بعض الحقائق المتعلقة بعلم الوراثة، ومنع نشر أى دراسة تخالف نظرياته. مما ترتب عليه تدهور هذا العلم فى بلاده حتى اضطرت الدولة الشيوعية إلى تصحيح هذا الوضع بالسماح للعلماء بنشر نظرياتهم وآرائهم المخالفة لما فعله لاينسكو(61).       أو أن هذه الدعوة- من وجهة نظرهم- لن تضيف جديدا، وأنها مجرد تسمية إسلامية لمحتوى لا يختلف عما قال به الغربيون، وأن الآخذين بها لن يفعلوا أكثر من اقتباس ما يقوله الغربيون ثم يضيفون عليه التسمية الإسلامية، فهى من ثم من وجهة النظر هذه- دعوة لا لزوم لها، وتحصيل حاصل.

وفى الواقع أن الرد على هذه الآراء يعمد أولا إلى قضية (( الموضوعية )) ذاتها، وهل هى حقيقة مائة بالمائة، أو أن ما يتصف (( الموضوعية )) هو الذى يحوز أكبر قدر منها، لأن الموضوعية الكاملة صعبة المنال، وأن العلوم القائمة على المنهج العلمى المتصف (( بالموضوعية )) هى فى واقع الأمر وجهات نظر فى العلم تحقق لها السيادة والذيوع والانتشار لأسباب متعددة، ذلك لأن العلوم سواء كانت الطبيعة أو الإنسانية العالم فيها هو الإنسان، وهو لا يستطيع أن يتخلى تماما عن أطر أيديولوجية أو اعتقادية يبدأ منها.

تفصيل ذلك:أنه إذا كان المقصود بالموضوعية هو أن يقبل العالم على بحثه بعقل مجرد تماما خاليا من أية أفكار أو ميول أو اعتقادات فهذا شرط مستحيل التطبيق لطبيعة الإنسان، الذى لا يكف (( لحظة واحدة وهو يقظان من حديث مع نفسه، أو حديث مع غيره، وكل من الحديثين صادر عن أفكار واعتقادات ))، فكيف يتخلى عن ذلك والقضية التى يبحثها قد تستغرق منه شهورا أو سنين(62)، كما أن هذا الوضع إذا تصورنا إمكانية حدوثه فإنه يكون سببا فى عدم حصول العلم؛ لأن العلم وإن قام على المشاهدة والتجربة إلا أنه لابد وأن يسير البحث فيه فى ضوء سؤال أو افتراض، فالباحث لابد وأن يبدأ بفكرة يصوغها فى صورة سؤال، افتراض، ثم يشاهد من الطبيعة أو المجتمع ما يكون مرتبطا بهذه الفكرة، ويجرى بعد ذلك التجربة التى تقود إلى نفى أو إثبات هذه الفكرة(63). بناء على ذلك فإن (( المنهج العلمى ليس تسجيلا محايدا للملاحظات والوقائع، بل ثمة قوانين ونظريات متعددة علينا أن نبتكرها لتفسيرها والتنبؤ بها، كما أن علينا أن نختار من بينها… وبعبارة (( أبنشتين )) (( رغم أن الإدراك الحسى هو وحده الذى يتيح لنا المعلومات عن العالم الخارجى أو الفيزيائى بصورة غير مباشرة، فإننا لا يمكن أن نفهم هذا العالم إلا بواسطة وسائل فكرية ))(64). ولأن (( التراكمية )) صفة من صفات العلم؛ لأن الجديد المكتشف يضاف إلى القديم الذى سبقت معرفته فمعنى هذا أن الباحث لا يستطيع أن يجرد ذهنه من المعلومات والمعارف السابقة الخاصة بمجال بحثه، وإلا حدث نمو وتراكم فى العلم. وأما إذا كان المقصود (( بالموضوعيى )) هو الاستعداد لقبول دلائل المشاهدة ونتائج التجربة بدون أية تحيزات سابقة، والأمانة فى نقل ما يشاهد وما يجرب، حتى وإن خالف معتقدات سابقة ومستقرة: فهذا أمر محبذ وهو يمثل المثل الأعلى للمنهج العلمى. ولكن هل هذا المثل الأعلى هو المطبق بالفعل فى ممارسات العلماء الواقعية؟ إن مراجعة كتابات مؤرخى العلوم وفلاسفتها من الغربيين(65) تظهر (( أن العلماء الغربيين كانوا )) دائما يضعون أنفسهم- عن وعى منهم أو غير وعى- فى داخل أطر أيدلوجية، ويتأثرون ببيئاتهم الاجتماعية وحقبهم التاريخية))(66). وإن هذه الأطر لا تختلف من عصر إلى عصر، ومن بيئة إلى بيئة فحسب، بل إن هناك اختلافات بين العلماء داخل الإطار الواحد، وفى نفس العصر الواحد، فهناك اختلافات فى طريقة التناول، واختلافات فى دلالات التجارب وغير ذلك(67). وإذا كنا نقول بتعذر الموضوعية إلا أننا لا ننكر وجود حقيقة موضوعية نسعى إلى إدراكها، وما نود الوصول إليه هو أن العلم موجه، ليس محايدا أو موضوعيا مائة بالمائة كما هو شائع، وقد شهدت السنوات التى سبقت نشوب الحرب العالمية الثانية (( بدايات خجولة فى الغرب تقترب من الاعتراف بأنه قد ترتب على العلم نتائج أخلاقية ))(68). وقد ذكر فى هذا الصدد ما حدث بشأن تطوير أسلحة الدمار الشامل، ولا يعرف بالضبط ما الذى يمكن عمله فى مواجهة (( حشد يتزايد يوما بعد يوم من المشاكل والمخاطر الكونية التى كان لتطبيق الإنجازات العلمية دور أساسى فى ظهورها ))، ومن ثم فإن ما جاء من تأكيد على صفات موضوعية العلم وحياده وعدم اشتغاله بإصدار الأحكام الأخلاقية، ومهما سيق من شواهد وأمثلة تاريخية للدلالة على أن عطاء العلم يستخدم للخير والشر معا، إلا أن ذلك لا يعفى رجل العلم من مسئولياته باعتبار أنه هو الذى أخرج هذا العطاء. (( ولقد قيل فى الرد على دعاوى الحرص على الموضوعية والحياد: إن إسهام العلم فى الأخلاقيات يتجاوز نظرته الفاحصة فى الفروض الأساسية، وكشفه عن حقائق لم تكن معروفة أو مرتبطة فى الذهن بموضوع الحكم الأخلاقى، إلى ما هو أعمق وأخطر فاتباع النهج العلمى سوف يدخل فى دائرة البحث ظواهر كثيرة لم تدخل فيه قبلا (( فمن المسلم به اليوم أن التمييز الحاد بين العمليات الذهنية، والعواطف والمشاعر- والذى يقبع وراء تأكيد موضوعية العلم وحياده- أمر لا يمكن تبريره، إذ أن كل الأفعال تنطوى على المشاعر والفكر معا. وهكذا تصبح المشاعر عنصرا فى الموقف أو التفكير العلمى ))(69)، ومن ثم فإن دعوى موضوعية العلم وحياده الأخلاقى أصبحت محل نظر فى ضوء تعاظم المخاطر المحيطة بالعلم اليوم، والتى تؤكد أهمية التطلع إلى المستقبل دون أن نتوقع عونا كبيرا من خبرات الماضى حين لم يكن العلم يملك هذا الأثر الذى نلمسه اليوم على المجتمع البشرى، والذى يظهر فى تسخير نتائجه بسرعة فى والخير والشر معا ومن ثم أصبحت السيطرة الأخلاقية أو التوجيه الأخلاقى للعلم ضرورة ملحة حيث أصبح العلم اليوم قوة اجتماعية واقتصادية وسياسية بالغة التأثير(70).

ولكن هل يعنى ذلك أنه يجوز لكل إنسان أن يقول ما يشاء بحسب دينه ومذهبه وهواه. لا بالطبع فإن (( الموضوعية )) ممكنة، والعلم يسعى إلى إدراكها، والتوجيه الإسلامى يعنى إطارا للوصول إلى الموضوعية خير من أطر أخرى، فالإطار الإسلامى يساعد على إدراك حقائق ومؤثرات وتفسيرات، لها نتائج نافعة فى حياة الناس، لا يمكن إدراكها عن طريق الأطر الإحادية، أو التى تنحى الوحى عن إطار المعرفة العلمية، فالدعوة إلى التوجيه الإسلامى للعلوم هى إذن دعوة لا تتناقض مع الموضوعية، وإنما هى دعوة إلى (( أن يفكر العالم ويشاهد ويجرب ويستنتج، وهو مؤمن بالله، وبأن محمدا رسول الله وأن القران كلام الله، لأن هذه نفسها حقائق موضوعية عنده دليل عقلى على صحتها(71)، إنها إيمان يقوم على علم ﴿فاعلم أنه لا إله إلا الله ( محمد: 19 ) ﴿وليعلم الذين أوتوا العلم أنه الحق من ربك فيومنوا به فتخبت له قلوبهم ( الج: 54 )، ومن ثم فإن التوجيه الإسلامى للعلوم يرسى مبدأ هاما، وهو (( أن معرفة الإنسان بقوانين الطبيعة لا تغنى عن الإيمان بخالق الطبيعة))(72). والعلوم فى الغرب موجهة توجيها غريبا نحو تحقيق المثل والقيم العليا للحضارة الغربية، وهى قيم تمجيد القوة، والاستكبار، والعلوم فى الأرض، والتمايز العنصرى على باقى البشر. ولذلك وجهت هذه الحضارة تفوقها العلمى والتكنولوجى نحو بناء أسلحة الدمار ونحو مزيد من التفوق فى القوة التى تهدد بيئة الإنسان، وحياته على الأرض بالدمار الشامل، ولا تحقق رسالة الإنسان الأولى فى الاستحلاف والعمران. والدعوة إلى التوجيه الإسلامى للعلوم تعنى تحقيق المثاليات والقيم الإسلامية وتوحيد الخالق عز وجل، العبودية له وحده، والاعتراف لبنى البشر بالمساواة فى الإنسانية، ومن ثم يوجه التفوق العلمى والتكنولوجى نحو تحقيق مهمة الإنسان الأولى فى الأرض، وهى مهمة الاستخلاف التى تقوده إلى عمران الأرض ونمائها، بدلا من خراب الأرض وتدميرها.

ومن ثم فإن (( الموضوعية ))  فى الإطار العلمى الوضعى موضوعية قاصرة بينما الموضوعية فى الأطار الإيمانى الإسلامى موضوعية متكاملة؛ لأنها تجمع التكامل بين الوحى والعقل فى إطار منهجى واحد. ويبرز ذلك بشكل تطبيقى من خلال أمرين: الأول من حيث المنطلق فى طرح الفروض وخاصة فى العلوم الإنسانية؛ لأن الإطار التصورى المسبق لكل فرض أو نظرية يتأثر بالسياق الحضارى والاجتماعى، والأمر الثانى هو من حيث توظيف المعرفة العلمية حيث تؤثر القيم والمبادئ الخلقية فى حسن أو سوء استخدام هذه المعرفة سواء فى العلوم الطبيعية أو الإنسانية(73).

وبعد أن تناولنا تحليل جزئيات مفهوم (( التوجيه الإسلامى للعلوم )) نعود فنركب هذه الجزئيات من جديد، ويمكننا القول إن التوجيه الإسلامى للعلوم يعنى الإرشاد والقيادة للعلوم وفقا لمعايير وقيم ومنهاج الإسلام كما وضح فى الكتاب والسنة. وسوف يزداد هذا المفهوم اتضاحا بعد أن نتناول خصائصه البنائية ثم خصائصه الوظيفية كما يلى:

2- الخصائص البنائية للمفهوم:

تعنى الخصائص البنائية للمفهوم بالمادة الأساسية التى يتكون منها المفهوم، وتحديد هذه الخصائص يعتمد على ركنين أساسيين هما: الفهم، والإيمان، فالفهم عامل مهم جدا فى تحديدها، إذ قد يتحسسن الفرد حقيقة ما، ويكون لديه ركن الإيمان بها، ولكن يعوزه منطق الفهم والقدرة على التعبير عنها، فيلزم الصمت وتتغلب عليه الصياغات المضادة، ويظل كذلك لائذا بإيمانه ملتزما بالصمت حتى يتوافر له الفهم والقدرة على التعبير، وحتى نستطيع الفهم علينا أولا أن (( نتحسس )) خصائص هذت المفهوم ويلى (( التحسس ))، (( الخاطرة ))، ثم (( الفكرة )) ثم (( التحاجج )) (74). ولقد تبلور التحاجج حول هذا المفهوم فى موقفين أساسيين نستطيع من خلال استعراضهما أن تقف على الخصائص البنائية التى تعنى بالمادة الأساسية التى يتكون منها هذا المفهوم.    

الموقف الأول:  

ويعبر هذا الموقف عن نظرته فى توصيفه للبنية الأساسية لهذا المفهوم، على أن هذا التوجيه الإسلامي هو (( هوجة للأسلمة ))(75)بدأت بالعلوم الإنسانية، ثم لم تلبث أن امتدت إلى العلوم الإنسانية، ثم لم تلبث أن امتدت إلى العلوم الكونية- الطبيعة- ويعبر هذا الموقف عن نفسه بهذا القول: (( إذا كنا نفهم محاولة البعض أسلمة العلوم الإنسانية، فإننا نظن أن الجهد المبذول فى أسلمة العلوم الكونية جهد متهم ))(76). ونلاحظ هنا أن الإشارة إلى عملية الأسلمة بأنها (( هوجة ))(77)إنما يحمل فى مضمونه الإشارة إلى أنها عملية فجائية، كما أنها مؤقتة لا تلبث أن تخفت حدتها، وتختفى فجأة كما انبثقت وثارت وهاجت فجأة. وقد يصل الرفض بالبعض لهذه الأسلمة درجة تجعلهم يقولون (( لا نريد أن نسمع شيئا عن أسلمة المعرفة )) أو (( إسلامية المعرفة ))(78)هذا بلإضافة إلى ما تتناوله بعض الأقلام والأقوال بالسخرية والاستنكار للقول بأن هناك ما يمكن أن يسمى (( بكيمياء إسلامية )) أو (( طبيعة إسلامية )) أو (( هندسة إسلامية )) إلى ما شابه ذلك(79). ويؤيد هذا الموقف نفسه بضرب عدد من النماذج لبعض ما كتب فى إطار هذه (( الأسلمة )) ومنها:

النوذج الأول: وهو الطلاء الظاهرى للعلوم(80)بمعنى إلحاق كلمة (( الإسلامى )) بأى علم، دون أن يعبر ذلك عن مضمون حقيقى يتعلق بالإسلام، وهذا النموذج هو ما يطلق عليه أحيانا بالنموذج (( التزيينى ))(81)أى اتخاذ الطلاء الإسلامى- إذا جاز لنا التعبير- مجرد زينة يزين بها الباحث كلامه فيكتب نفس ما يكتب فى العلم الوضعى ولكن مع إضافة بعض الآيات والأحاديث هنا وهناك فقط من أجل إكساب المظهر الإسلامى، ويبقى المضمون الوضعى كما هو، وقد يفعل الباحث ما هو أخطر من هذا، وهو أن ينتقى من الإسلام ما يؤكد فكرة غريبة موجوده فى علم معين وهو فى تزيينه هذا قد يلجأ إلى التزييف بأن ينتقى من الإسلام نصا ويتجاهل النصوص الأخرى المرتبطة به.. هذان الفعلان يسيئان إلى عملية الأسلمة ويبعدانها عن مضمونها الحقيقى.

أما النموذج الثانى: فهو يتمثل فى تلك المحاولة التى تبذل من أجل إثبات سبق الأسلام إلى بعض ما يكتشفه العلم الحديث، وذلك عن طريق القول بالاشارات العلمية فى بعض الآيات القرآنية والأحاديث النبوية، ومن ذلك إثبات سبق القرآن إلى القول بحقائق علمية، لم يكشف عنها العلم الحديث إلا مؤخرا، وهو ما يعرف أحيانا باسم (( التفسير العلمى للقرآن )) أو (( الإعجاز العلمى للقرآن ))، ولهذا النموذج عدة محظورات: الأول منها أن العلم الكونى هو متغير باستمرار، وأن ما يثبت صحته اليوم قد يصبح خطا فى الغد، ثم إن القرآن ليس فى حاجة إلى ذلك الفعل، فالقرآن ليس فى حاجة إلى ذلك الفعل، فالقرآن جاء ليكون كتاب هداية، وليس ليكون كتاب كمياء أو فيزياء (82) ومن ثم يرى معارضوا هذا التفسير أن المحاولات المبذولة فيه وإن كانت حسنة المقصد- إلا أنها (( فى غاية الخطورة حيث إنها تضع الإطار الذى نتكلم فيه موضع شك وسخرية(83)، وإن هذا العمل ينطوى على خطأ منهجى يتمثل فى محاولة تفسير الظواهر الطبيعية بمنهج التفسير اللغوى (84).

 وفى الرد على الساخرين من عملية الأسلمة، فإن هناك نقطة أساسية نلفت النظر إليها، وهى أن البعض من هؤلاء الساخرين يدفعهم إلى هذا الموقف الرغبة فى الحفاظ على مكانتهم التى اكتسبوها فوق أرضية العلم الوضعى، وهم من ناحية أخرى يفتقدون القدرة أو الرغبة فى تعويض ما ينقصهم من ثقافة شرعية تكمل معرفتهم الوضعية، ومن ثم فهم ابتداء يرفضون حتى السماع لهذا المفهوم أو محاولة تفهمه. ومن ناحية أخرى فإن التوجيه الإسلامى للعلوم الكونية- الطبيعية- يتعلق أساسا بأخلاقيات العلم، وسلوكيات تطبيقه، فلابد أن نفرق بين العلوم ذاتها، وبين توجيه العلوم بمعنى أن (( نوجه استخدام العلم إسلاميا، وأن نكتبه بطريقة إسلامية(85)، أما من حيث العلوم الطبيعية أو الكونية نفسها فإن بها سننا كونية ثابتة والله تعالى قال فى كتابه العزيز: ﴿أعطى كل شئ خلقه ثم هدى ﴾  ( سورة طه: 50 )، ويضيف البعض أن التوجيه الإسلامى بالنسبة للعلوم الكونية يعنى أن يكون تفسيرها إسلاميا، ويدلل على ذلك بأنه ليس صحيحا أن علم الكمياء محايد، أو علم الطب، أو علم الفيزياء؛ لأن هناك نظريات مثل التى تقول إن المادة لاتفنى ولا تستحدث، وكذلك نظريات قدم العالم وأبديته وأزليته، كلها فى حاجة إلى تفسير إسلامى، ويذكر فى هذا الصدد قول جابر بن حيان: (( لا تعلموا الكمياء إلا لرجل ترضون دينه وخلقه )) ؛ لأن (( الكيمياء وأستاذ الكيمياء يصل إلى تفاعلات إن لم يكن عنده دين وخلق سيدمر الدنيا))( 87). ومن هنا يأتى معنى علم كيمياء موجه إسلاميا، أو علم طب موجه إسلاميا؛ لأن الهدف من الطب ليس خدمة جسد الإنسان فقط، ولكن رعاية روحه أيضا. ومن ثم فإن التوجيه الإسلامى لمثل هذه العلوم يعنى أن ننهى مقولات أن الطبيعة فعلت كذا وكذا، وهى تلك المقولات التى ترد فى إطار العلم الوضعى؛ لأن (( الطبيعة نفسها مفعولة فاعلة ))(88)، أى توجيه استخدام العلم بما يتفق وقيم الإسلام، ورسالة الإنسان فى الاستخلاف. هذا فيما يتعلق بالتوجيه الإسلامى للعلوم التجريبية- أو الطبيعية- الكونية- التى بها قدر كبير من الموضوعية. أما العلوم الإنسانية فالميدان فيها كبير لعملية الأسلمة، أو التوجيه الإسلامى حيث يقل قدر الموضوعية فيها، وتظهر التحيزات التىتنبع من السياق الحضارى العام، الذى ينتمى إليه الإنسان الذى يعد الموضوع الأساسى لهذه العلوم. والخلاصة: أن هناك قدرا مشتركا عاما، وهو الذى يتعلق بالسنن والقوانين الثابتة بالعلم أو المعرفة، وهناك فلسفة العلم، وهى التى توصف (( بالإسلامية ))، وهى (( التوجيه الإسلامى للعلوم ))(89)، أما فيما يتعلق بموضوع التفسير العلمى للقرآن، أو ما يعرف بالإعجاز العلمى للقرآن، فإن المؤيدين له قد ساقوا العديد من الحجج للرد على المحظورات السابقة منها أن القرآن به إشارات علمية، ووجود هذه الأشارات هو نوع من الإعجاز من ناحية أنه إخبار بالغيب (90). وأنه لا ينظر فى ذلك إلا للحقائق العلمية الثابتة، وليس إلى النظريات أو الفروض التى لم تثبت صحتها بعد (91). أيضا هذا الإعجاز العلمى هو أمر وارد طالما أن رسالة الإسلام هى للناس كافة فى كل زمان ومكان، ومن ثم فإن كان إعجاز القرآن بالنسبة للعرب هو فى فصاحته وبيانه، فإنه بالنسبة لغير العرب هو فيما يحتويه من إشارات علمية من باب الإخبار بالغيب (92). وفى الموضوع تفصيل كبيير لا يتسع له المقام (93).          والواقع أن التخوف من الحديث عن الإشارات العلمية الواردة فى القرآن الكريم بدعوى الخوف من قيام التعارض بين النص وبين العلم. إذا ما تغيرت النظرية العلمية أو تم اكتشاف جديد يلغى اكتشاف سابق أو يعدل منه، قد يمكن التحكم فيه عن طريق النظر فى أن هذا التعارض هو أمر غير حقيقى، وهو فى حالة حدوثه يعنى أحد شيئين: إما خطأ فى فهم النص، إما خطأ فى النظرية أو الفرض العلمى، أوخطأ فى فهم النص، ومن ثم يتم إعادة النظر حتى يزول هذا التعارض الظاهرى(94).

نتقل الآن إلى الموقف الثانى من التحاجج حول هذا المفهوم لنستكمل فهمنا للخصائص البنائية له والتى تبين جوهر عملية الأسلمة تشكل المادة له.

الموقف الثانى:وهو موقف المؤيدين لهذا المفهوم ونعرض بهذا الصدد للتصور الذى قدمه د. جمال الدين عطية، وهو الذى يحدد خصائص عملية الأسلمة فى عدد من الخطوات، هى:

– التوفيق بين الجزء الثابت اليقينى من العلوم، وبين ما يرد من نصوص دينية تتعلق به بهدف إثبات عدم التعارض(95).

– ثم الجانب المتعلق بمقاصد الشريعة، ونجد فى هذا الشأن أن علماء المسلمين قد أبانوا أو فصلوا فى مقاصد الشريعة، وحاولوا فى كل علم أن يحددوا مقاصد الشارع فيه، ومن ذلك ما جاء فى بيان مقاصد الشريعة فى الأموال، وفى العقوبات وغيرها(96). وقياسا على ذلك نستطيع أن نتحدث عن مقاصد كل علم بحيث نجعل مقاصد كل علم بحيث نجعل مقاصد الشريعة هى الحاكمة والمواجهة لباقى العلوم.

 ثم التوفيف بين الأحكام التكليفية الواردة فى الشريعة وبين النشاط الإنسانى الذى يخخضع لكل علم، ففى كل علم توجد بعض القوانين أو الحقائق الموضوعية، وهى تلك التى تمثل القدر المشترك من العلم الوضعى أو الطبيعى، ولكن هناك أيضا الجانب التكليفى- نقصد المعيارى- وهو الذى يكون فيه الاختلاف والتباين، وهو مجال عملية التوجيه الإسلامى والأسلمة حيث (( توجد طائفة من التوجيهات- إذا صح التعبير- تؤثر على الجانب الوضعى ))(97)، ومنطقة الأحكام التكليفية هى المنطقة المشتركة التى نجدها فى كل علم، وهى تختلف فى حجمها من علم إلى علم، ويعد الحد الأدنى الذى يمكن أن تصل إليه هذه المنطقة المشتركة (( منطقة القيم والضوابط الشرعية للعلوم ))- هو ما يمكن أن نعبر عنه بأخلاقيات العلم (98). وهذا موجود فى كل علم سواء كان من العلوم الطبيعية أو الأنسانية. وهنا يثور تساؤل يتعلق بكيفية الوصول إلى بيان هذه الأحكام التكليفية، وهى التى تمثل نقطة الجمع أو المنطقة المشتركة بين كل علم وبين الشرعية. ويقترح د. جمال الدين عطية وسيلة لذلك، وهى ما يعبر عنه فى علم المكتبات (( بالتكشيف ))، وذلك وفقا لمواصفات معينة. وقد عرفنا تكشيفا لنصوص القرآن والسنة يقوم على أساس ألفاظ القرآن أو ألفاظ الأحاديث، ولكن ما يقترحه د. جمال الدين عطية هو نوع آخر من التكشيف يقوم على أساس رؤوس موضوعات تؤخذ من واقع المصطلحات العلمية فى كل علم، وهو عمل يمكن أن يتعاون فيه فريق عمل مكون من ثلاثة: أحدهم تخصصه شرعى، والأخر متخصص فى العلم الذى يبحث فى موضوعه، والثالث متخصص فى علم المكتبات، ويوزع العمل بين الثلاثة على أساس أن يقدم العالم الشرعى المراجع المعتمدة فى تفسير القرآن ومراجع الحديث وكتب التراث، ويقوم العالم المتخصص فى موضوع العلم المعين بعملية التكشيف نفسها، ثم يقوم المتخصص فى علم المكتبات بالصياغة النهائية مستخدما البطاقات التى سجلها العالم المتخصص فى مادة علمه وبعضها فى الصورة الشكلية الخاصة بعلم المكتبات(99)، والواقع أن هذه الأقتراح له وجاهته ويحتاج إلى أن يخرج إلى حيز التنفيذ الفعلى لنرى ماذا يمكن أن يقدمه فى هذا الصدد، ولقد بقى لنا حتى يكتمل التصور الذى نقدمه لصياغة مفهوم التوجيه الإسلامى للعلوم أن نتناول خصائصه الوظيفية.

3- الخصائص الوظيفية للمفهوم:

تبين الخصائص الوظيفية للمفهوم الجانب الوظيفى له، أو ما يتوقع منه أن يتم إنجازه وتحقيقه من خلاله. ونستطيع بهذا الخصوص أن نحدد ثلاث خصائص وظيفية أساسية له:

أ- وهذه الوظيفة جوهرها تحقيق الاستمرارية التاريخية، والتواصل العلمى بين تراثنا الحضارى وواقعنا المعاصر. فقد شاركت الحضارة الأسلامية وعلماؤها قديما مشاركة فعالة فى الفكر والعلم، وكان لعلماء هذه الحضارة فضل السبق والريادة. ولا نذكر هذا من أجل القيام بعملية تعويض تتمثل فى التغنى بالماضى لتعويض إخفاق الحاضر، وإنما نريد أن نصل ما انقطع من عطائنا العلمى وحضورنا وشهودنا العالمى. ولذلك فإن التوجيه الإسلامى للعلوم يعنى فى جانبه الوظيفى تعديل مسار العالم والباحث المسلم فى نقطة البداية فى بحثه العلمى أو علمه إذ بدلا من أن ينشدها فيما يقدمه الغرب من عطاء، فإن عليه أن يبدأ فى البحث فى التراث بداية ثم ينظر بعد ذلك فى معطيات الآخرين. وتلك البداية الأصلية نرجو عن طريقها تحقيق الوصل لما انقطع من حضارتنا(100)، ومساعدة العالم المسلم أيا كان موضوع تخصصه على الإحساس بارتباطه العضوى بتراثنا الإسلامى وأنه غير مبتور أو مقطوع الجذور.

ب- ناحية وظيفية أخرى فى غاية الأهمية تتمثل فى حل المشكلات، والإجابة عن العديد من التساؤلات التى تواجه العالم المسلم المعاصر، وهو يمارس عمله أو عمله. ونضرب لذلك مثلا بحالة الطبيب المسلم الذى يواجه العديد من المواقف ويريد أن يعرف فيها أين الحلال وأين الحرام، وما هى وجهة النظر الإسلامية الأخلاقية أو الشرعية فى الاختبارات المتاحة أمامه فى قضايا، مثل إطالة الحياة بوسائل صناعية فى الوقت الذى يكون المريض قد مات فعليا ( عقليا )، ولم يمت بيولوجيا، أو قضايا أخرى مثل أطفال الأنابيب وقضايا نقل وزرع الأعضاء البشرية(101). بل إن هناك فى هذا المجال قضية هامة تحتاج إلى الطرح من خلال هذا المفهوم، ألا وهى قضية الهندسة الوراثية، وقضايا أخرى مثل قضية المشاركة العلمية فى الأعمال البحثية الخاصة بأسلحة الدمار الشامل(102)، وغير ذلك مما يحتاج إلى توجيه إسلامى يوضح جانب الحق والصواب والحلال فيه.

جـ – وأخيرا بعد التوجيه الأسلامى للعلوم بمثابة فلسفة العلوم الإسلامية وللإسلام مساهمة فعالة لابد وأن نقدمها فى هذا المجال رغبة منا فى الانفتاح على العالم وليس الانعزال عنه حتى نكون مشاركين فيه مشاركة فعلية بالحضور والمساهمة الفعالة(103).

 أما بخصوص التساؤل الذى أثرناه فى مقدمة البحث حول التعبيرات المختلفة المستخدمة للإشارة إلى محتوى هذا المفهوم فهى تدور حول نفس الجوهر، وتعبر عن نفس الظاهرة، وهى التى تعرف بالأسلمة أو الإسلامية فوجدنا كتابات تتحدث عن أسلمة المناهج والعلوم (104)، وإسلامية المعرفة، وكذلك التوجيه الإسلامى للعلوم ويعد هذا التعبير الأخير أكثر وضوحا فى الدلالة على جوهر هذه العملية المعنى بالجانب القيمى والمعيارى لتطبيق نتائج العلم وآثاره، واختيار موضوعات ومجالات البحث، وتوجيه أخلاقيات ممارسته نحو الوجهة التى تكفل للإنسان الخير والسعادة فى الحياة الدنيا والآخرة.      

ثالثا: التطبيق التوجيه الإسلامى لعلم السياسة

ليس هنا موضع مناقشة هل السياسة علم أم فن، وما هى الأتجاهات المختلفة حول ماهية علم السياسة أو مدى علمية الدراسات السياسية. فقد ألف فى هذا كتب وأبحاث ودراسات عديدة(105). ولكنه يظل من الضرورى إعطاء امحة موجزة حتى يتسنى لنا مناقشة التوجيه السياسى لعلم السياسة. وأول ما نلاحظه بهذا الصدد أن الدراسات التى تتعلق بالسياسة عموما (( تجمع بين صفتين وهما: والقدم والحداثة ))(106)، فمنذ وجد الأنسان، وعاش فى مجتمع أو جماعة: وقد بدأ يهتم بما يعتبر سياسى وخاص بشئون الجماعة، ولا زال هذا الموضوع الذى يتعلق بحياة الإنسان فى جماعة، وما يتعلق بهذه الحياة، سواء من تصورات وممارسات هو الشاغل للفلاسفة والمفكرين، وأيضا للإنسان العادى. وهناك ملاحظة أخرى تتعلق بأن السياسة كمعرفة وعلم يتعلق بالإنسان تتعرض فى مفهومها وممارساتها وغايتها ومنهجها إلى اختلاف الثقافات وتنوع البيئات، مما يؤدى بالتالى إلى اختلاف المفاهيم والنظريات، الأمر الذى لابد وأن ينعكس فى بروز مدارس واتجاهات فكرية وسياسية متعددة(107)

وإذا اقتصرنا على السياسة كعلم ودراسة نلاحظ أن المشتغلين بها ترجع خلفيتهم الثقافية وتتنوع ما بين دارسى القانون والتاريخ، كذلك الفلسفة والآداب والاجتماع، وهذا بالتالى ينعكس على أسلوب تناولهم للموضوعات السياسية، والتى قد تصل إلى حد عدم الاتفاق على الوحدة الأساسية التى تشكل موضوع هذا العلم، وهل هى (( الدولة )) أم (( السلطة ))(108)، هذا بالإضافة إلى التدخل الحادث بين ما يعتبر من صميم علم السياسة، وما يعتبر من صميم علوى أخرى كالتاريخ، والقانون، والاجتماع، والفلسفة، والإدارة وغيرها. الأمر الذى يضيف صعوبة أخرى تتعلق بتحديد ذاتية علم السياسة وحدوده واستقلاله عن غيره من العلوم الاجتماعية الأخرى(109)                       والواقع أن هذه المشكلات والصعوبات التى تواجه علم السياسة، بالإضافة إلى ما يميزها وينبع من خصوصية هذا العلم إلا أن العلوم الأجتماعية والإنسانية الأخرى تشاركه فى كثير منها، وقد يرجع ذلك بصفة أساسية إلى ما يواجه العلوم الاجتماعية- على وجه العموم- وعلم السياسة- على وجه الخصوص- من تداخل العوامل الكمية مع العوامل الكيفية، وما يترتب على ذلك من صعوبة الفصل- وأحيانا مجرد التمييز- بين الأحكام الموضوعية objective، والأحكام القيمية Normative(110). فالظواهر السياسية شآنها شأن الظواهر الاجتماعية هى ظواهر إنسانية تخضع لتدخل الإنسان بما يمثله من إرادة وفكر، وبما يترتب على ذلك من خلافات واختلافات بين البشر. من أجل كل ما سبق تعتبر الحاجة إلى التوجيه الإسلامى لعلم السياسة حاجة ماسة، ولا سيما إذا كان هذا العلم فى الواقع العربي والإسلامى فى نظرياته وتطبيقاته يخضع لهيمنة مدركات علم السياسة الغربى، وذلك على الرغم من اختلاف المدخل والمحتوى، واختلاف المجتمع والتطبيق. المتتبع لنشأة المفاهيم والنظريات السياسية الغربية وتطورها يلحظ كيف أنها حصيلة شاملة للمجتمع والفكرة والحضارة الغربية، وهذا هو الذى يجعل تطبيقات وممارسات هذه السياسة تأتى بثمارها إذا ما طبقها المجتمع الغربي، ولا تأتى بنفس الثمار إذا ما حاولنا نحن تطبيقها. وإذا كان من أهم خصائص المعرفة العلمية الدقة فى تجديد المصطلحات والمفاهيم فإن هذا ينطبق أيضا على (( السياسة )) فهى كعلم تحتاج لهذه الدقة فى المفهوم والمصطلح. وهذا فى حد ذاته يشير أيضا إلى مدى الخلاف والتباين المبدئى الذى يجعل من التوجيه الإسلامى لعلم السياسة حاجة ماسة وملحة. وبداية نقول إنه إذا كانت هناك مسلمة تتمثل فى أن (( السياسة )) مرتبطة وجودا وعدما بوجود المجتمع ( الجماعة ) ، وإذا كانت المجتمعات تختلف فيما بينها تبعا لعنصرى الزمان والمكان، إذن السياسة نفسها تحمل قدرا معينا من النسبية والذاتية. إلا أنه لا ينبغى أن يفهم من ذلك عدم وجود قواعد عامة تحكم العلميات السياسية، وإلا لم يكن فى الإمكان الحديث عن علم السياسة(111). ويتجه وضع تعريف (( السياسة )) إما إلى اللغة بتحديد المعنى اللغوى(112)، أو إلى المصطلح بتحديد المعنى الاصطلاحى، وفى اللغة العربية فإن كلمة سياسة لها دلالات كثيرة يرجع بعضها إلى عامل اللغة، والبعض الآخر إلى عامل الاستعمال الجارى فى الحياة العادية، ثم يرجح البعض الآخر إلى الحداثة النسبية للكتابات باللغة العربية فى مجال الدراسات السياسية(113). بل إن الأمر يتعلق أيضا بالاختلاف حول أصل الكلمة نفسها، وهل هى عربية الأصل(114)، وأن معناها هو (( القيام على الشئ بما يصلحه ))، والسياسة: فعل السائس. يقال: هو يسوس الدواب إذا قام عليها، والوالى يسوس رعيته(115)، والسياسة أيضا هى (( الرياسة ))، وهى ترويض الأمر وتذليله(116)، وبذلك فإن معناها فى اللغة يتطابق مع معناها فى المصطلح الذى يقصد به ظاهرة السلطة والحكم. ونلاحظ فى استعمالات الكلمة فى تراثنا العربى الإسلامى(117) معنى هاما تشير إليه هذه الكلمة، وهو أن السياسة تعنى (( الإصلاح )) فإنها تناول للأمر بما يصلحه وليس بما يفسده، وهى كما قال (( التهانوى )) فى (( كشاف اصطلاحات الفنون )) إن السياسة مصدر أساس الوالى الرعية أى مرهم ونهاهم.. فالسياسة إصلاح الخلق بإرشادهم إلى الطريق المنجى فى الدنيا والآخرة.. والسياسة المدنية من أقسام الحكمة العلمية وتسمى بالحكمة السياسية، وعلم السياسة، وسياسة الملك، والحكمة المدنية، وهو علم يعلم منه أنواع الرياسة، والسياسات الاجتماعية المدنية وأحوالها، وموضوعه المراتب المدنية، وأحكامها، والاجتماعات الفاضلة والردئية، ووجه استيفاء كل واحد منها، وعلة زوالها، ووجه انتقاله ))(118).

 ونلاحظ فى هذا التعريف دقته وشموله للإصلاح والإرشاد من أجل توخى المنهج فى الدنيا والآخرة، وهو شمول لا يعرفه مصطلح السياسة فى علم السياسة الغربي، وذلك لتكامل المعرفة الإسلامية التى تجمع بين الوحى والعقل. ونلاحظ أيضا أن (( السياسة )) فى تراثنا العربي الإسلامى هى فن وصناعة، وأنها على رأس العلوم. ويعبر عن ذلك الإمام فخر الدين الرازى فى كتابه (( نهاية العقول فى دراسة الأصول )): إن علم السياسة هو (( تاج العلوم )) ؛ لأنه (( علم الرياسة ))، وهو.. من أصعب الصنائع، ولا يصير الإنسان عالما فيه إلا بعد أن يمارس ويشاهد ويتعلم من غيره ))(119). كذلك ذكر المقريزى فى خططه أن السياسة (( من ساس الأمر سياسة بمعنى قام به )) … (( فهذا أصل وضع السياسة فى اللغة، ثم وسمت بأنها القانون الموضوع لرعاية الآداب والمصالح، وانتظام الأحوال. والسياسة نوعان: سياسة عادلة تخرج الحق من الظالم الفاجر، فهى من الأحكام الشرعية، وقد صنف الناس فى السياسة الشرعية كتبا متعدة، والنوع الآخر سياسة ظالمة فالشريعة تحرمها(120). والواقع أن هذه التعريفات وأمثالها هى بعض من كثير نستطيع أن نشير إليه فى الكتابات العربية التراثية، فالأمر له تفصيل كبير لا يتسع له المقام، وإنما نود الإشارة إلى نقطة هامة تتعلق بذلك التمييز الذى وضعه التراث الإسلامى، وهو ذلك التمييز بين (( السياسة الشرعية )) و (( السياسة العادلة )) وبين غيرها. وهذا ينقلنا إلى مفهوم (( السياسة الشرعية ))، والواقع أن هذا المفهوم قد اختلف المراد منه فى استخدمات الفقهاء وغير الفقهاء؛ فالفقهاء أرادوا منه- والتعبير هنا للشيخ الفقيه العلامة المحقق الأستاذ عبد الوهاب خلاف- مفهوما يوسع به على ولاة الأمر فى (( أن يعملوا ما تقضى به المصلحة مما لا يخالف أصول الدين وإن لم يقم عليه دليل خاص )). وبناء على ذلك يكون مفهوم السياسة الشرعية منصرفا إلى العمل بالمصالح المرسلة، لأن هذه الأخيرة هى التى لم يقم دليل من الشارع على اعتبارها أو إلغائها. أما عن غير الفقهاء فقد استخدموا تعبير (( السياسة الشرعية )) ليشتروا به إلى معنى أكثر عمومية من سابقه، وهو على صلة بالدلالة اللغوية له، وهو (( تدبير مصالح العباد على وفق الشرع ))(121)، وإذا كان المعنيان سواء الذى أراده الفقهاء أم غيرهم- يشتركان فى العمل من أجل المصلحة بما لا يخالف الشرع، أو وفقا لمقتضى الشرع: فإن السياسة الشرعية كعلم له موضوع، وغاية يوصل إليها يعرفه الشيخ خلاف بأنه: (( علم يبحث فيه عما تدبر به شئون الدولة الإسلامية من القوانين والنظم التى تتفق وأصول الإسلام، وإن لم يقم على كل تدبير دليل خاص. وموضوعه النظم والقوانين التى تتطلبها شئون الدولة من حيث مطابقتها لأصول الدين وتحقيقها مصالح الناس وحاجاتهم. وغايته الوصول إلى تدبير شئون الدولة الإسلامية بنظم من دينها، والإبانة عن كفاية الإسلام بالسياسة العادلة، وتقبله رعاية مصالح الناس فى مختلف العصور والبلدان ))(122).

 وإذا كان التراث الإسلامى قد عبر عن (( السياسة )) كعلم تحت مسمى (( السياسة الشرعية ))((123)، فإنه قد عبر عنها أيضا تحت مسمى (( العلم المدنى ))(124)كما ظهر لدى الفلاسفة المسلمين. فإذا نظرنا إلى الفارابى مثلا نجده يذكر السياسة تحت مسمى (( العلم المدنى )) وأنه صنفه ضمن العلوم العلمية، وعرفه بأنه هو الذى (( يفحص عن أصناف الأفعال والسنن الإدارية، وعن الملكات، والأخلاق، والسجايا، والشيم، التى عنها تكون تلك الأفعال والسنن.. وأن هذه لا تتأتى إلا برياسة.. وأن تلك الرياسة لا تتأتى إلا بمهنة وملكة… والسياسة هى فعل هذه  المهنة ))(125). كذلك يطالعنا تعبير (( السياسة المدنية ))(125)، كذلك يطالعنا تعبير (( السياسة المدنية))(126)كعنوان لإحدى رسائل الفارابى، ومن خلال هذه الرسالة يتضح أن معنى السياسة عنده يدور حول تدبير الأمور والتعامل معها من منطلق الحكمة والمصلحة التى تقضى بإصلاح ما فسد، والمحافظة على ما هو سليم. ونلاحظ هنا أن استعمال كلمة (( سياسة )) إلا من باب الأشتراك فى الأسم فقط دون المعنى. والسياسىة الفاضلة هى التى يحقق السائس عن طريقها نوعا من الفضيلة لا يمكن تحقيقه إلا بها؛ فتلك هى الفضيلة العظمى التى تنال عن طريقها السعادة فى الحياة الدنيا وفى الآخرة. وبذلك يرتبط معنى السياسة بالدين من ناحية وبالأخلاق من ناحية أخرى (127)، وهكذا نرى أن (( السياسة )) فى تراثنا العربي الإسلامى كانت معنية بالسياسة الشرعية- العادلة- الفاضلة، وأنه كان يحدد لها هدف أسمى شامل لخيرى الدنيا والآخرة؛ ذلك عن طريق إصلاح الناس وإرشادهم إلى الطريق المنجى فى الدنيا والأخرة(128). وإذا قارنا هذه التعريفات بالتعرتفات الحديثة لعلم السياسة المتأثرة بالمفاهيم والمدركات الغربية، نجد أن علم السياسة فى مرحلة مبكرة من تطوره كان يدور حول التدبر والتأمل فى المشاكل المرتبطة بالسلطة، وهو فى هذه المرحلة كان مرادفا (( للفلسفة السياسية )). وهو فى هذا المعنى كان يتجه إلى التأمل من أجل وضع تفسير للعلاقة بين الحاكم والمحكوم فى إطار نظرة شاملة للحياة الإنسانية عموما، ومن ثم فهو كان معنيا بما ينبغى أن يكون لا بما هو كائن بالفعل(129).

 أما فى المرحلة التالية فقد اتجه علم السياسة إلى دراسة الظواهر السياسية، ومحاولة تفسير القواعد التى تحكم حركة هذه الظواهر من حيث المكان والزمان فى شكل ما يسمى (( بالقوانين السياسية )). ونلاحظ هنا أن ما يعرف باسم (( القوانين السياسية )) هى مجرد فروض لتسهيل البحث العلمى فهى بهذا المعنى تعبر عن (( إمكانية حدوث نتيجة معينة لو تدخل عامل معين بخصوص افتراض معين )). وإذا كان لقوانين الظاهرة السياسية أنواع منها  (( قوانين التطور ))(130)فإننا نجد فى تراثنا العربي الإسلامى محاولات بهذا الخصوص، ونذكر فى هذا الصدد- على سبيل المثال- ما قدمه كل من الفارابي وابن خلدون.

 وفى خلال هذه المرحلة التى كانت تسعى فيها الدراسات السياسية إلى تأكيد علميتها قدم أحد علماء السياسة المعاصرين، وهو دافيد ايستون تعريفا لعلم السياسة بأنه (( علم الإسناد الإكراهى للقيم فى الجماعة(131)، وفى هذا دعوة مرة أخرى إلى تعريف علم السياسة بأنه (( علم الدولة )) أو (( علم السلطة )). ونجد أن هذا التعريف يشير بطريقة واضحة إلى الوظيفة العقيدية للدولة التى هى أحد المهام الرئيسية لعلم السياسة بمفهومه الإسلامى(132). وهنا نلاحظ أن أحد سمات هذه المرحلة وهنا نلاحظ أن أحد سمات هذه المرحلة هو الاهتمام بالعملية السياسية نفسها، وبصنع القرار السياسى الرشيد، بمعنى توفير أفضل البدائل فى حالة تعدد الخيارات المتاحة، ومحاولة التحكم فى مسار الحركة السياسية. ومن ثم فإن الإغراق فى جانب المفاهيم والتصورات المتعلقة بكتابة الفقهاء عن (( السياسة الشرعية )) ، أو الفلاسفة عن (( السياسة الشرعية ))، أو الفلاسفة عن (( السياسة المدنية )) أو (( الفاضلة )) . يحقق فائدة محدودة لأنه سيظل هناك جانب مفتقد، وهو المتعلق بممارسة العملية السياسية نفسها، وهو فن وعلم ممارسة الحكم وكيفية إدارة العملية السياسية، وممارسة العلاقات مع المحكوم من جانب الحاكم، وهذا هو (( السوس )) الذى هو جوهر تعريف الساسة- كما سبق وذكرنا- وذلك من أجل الوصول إلى عائد متمثل فى الانقياد والطاعة، وممارسة العلاقة مع الحاكم من جانب المحكوم، من أجل ضبط سلوك القيادة والرقابة عليها والوصول إلى عائد متمثل فى سلامة الممارسة السياسية للقيادة وضمان عدم انحرافها، ولذلك فإن الاقتصار على الجانب المفاهيمى النظرى المجرد يقلل من فائدة هذا الجهد العلمى فى مجال التوجيه الإسلامى لعلم السياسة. ويمكننا أن نثرى استفادتنا من التراث الإسلامى فى هذه الناحية إذا نظرنا له بشكل أوسع بكثير من مجرد الاقتصار على النصوص المكتوبة للفقهاء أو للفلاسفة فتوسع دائرة اهتمامنا لتشمل كل ما يمكن أن نسميه بالأدبيات السياسية، حيث سنهتم أيضا بالخطب والحوارات والنصائح السياسية، ونعتنى بدراسة عملية صنع السياسية نفسها واتخاذ القرارات وتوزيع القوة السياسية والموارد السياسية بين فئات المجتمع المختلفة، وحيث تكون إحدى مهام علم السياسة من المنظور الإسلامى هى المساعدة على تقديم المشورة لصانع القرار، وهى مهمة يعبر عنها علم السياسة الغربي بمهمة خبير السلطة(133). وتقديم المشورة هو أحد العمليات السياسية الهامة فى الإسلام وهى عملية (( الشورى ))(134)وإذا كانت الاتجاهات الحديثة فى علم السياسة الغربي أصبحت تجمع ما بين الاهتمام بالجانب الإمبريقى ( empirical((135)والسلوكى من ناحية، والجانب القيمى المعيارى(Normative  )(136)   من ناحية أخرى، فإنه- من وجهة نظرنا- يظل الجانب القيمى المعيارى فى حاجة إلى مزيد من الاهتمام الواعى من جانب المتخصصين فى العلوم السياسية. وإذا كنا قد أوضحنا أن هناك علم سياسة معاصر تهيمن عليه المفاهيم والمدركات الغربية، وهناك علم سياسة عرفه التراث العربي الإسلامى باسم (( السياسة الشرعية ))، وباسم (( العلم المدنى )) فكيف يمكن أن ننظر فى الاثنين لنخرج بتوجيه إسلامى لعلم السياسية آخذين فى الاعتبار الاتجاهات الحديثة فى علم السياسة.

وفى ضوء ما سبق وقدمناه حول مفهوم التوجيه الإسلامى للعلوم فإنه يمكننا أن نحدد ثلاثة أبعاد للتوجيه الإسلامى لعلم السياسة، أو بمعنى آخر للمدرسة الإسلامية فى علم السياسة(137).

البعد الأول:ويتعلق بغاية ومهمة علم السياسة فى ضوء المقاصد الشرعية لهذا العلم.

البعد الثاني: صياغة الفروض التى تمثل مجالات للبحث فى علم السياسة فى ضوء السنن الواردة فى القرآن الكريم والسنة النبوية، وفى ضوء التجربة التاريخية الإنسانية والإسلامية. 

البعد الثالث: الكشف عن القيم والمبادئ التى تحكم الممارسة السياسية بما يعنى تقدم النظرية السياسية الإسلامية المعيارية ( القيمية ).

وفيما يتعلق بالبعد الأول فإن تحديد المقاصد الشرعية لهذا العلم لابد وأن تنطلق من تصور شامل للكون، والإنسان يحدد مركز الإنسان فى هذا الكون والمهمة الأساسية المنوطة به(138)، وهى كما أوضحها القرآن الكريم مهمة الاستخلاف وعمارة الأرض (139) . وهنا يبرز مقصود (( الخلافة )) التى عرفها شكل الحياة السياسية الإسلامية بعد عصر الرسول- ص- وهو مقصود شرعى يتحدد فى (( حراسة الدين وسياسة الدنيا به ))(140). والخلافة هنا هى  مفهوم ومقصود شرعي، وليس شكلا معنيا بالذات.

 وبناء على ذلك تتحدد غاية هذا العلم فى مساعدة الإنسان الذى يعيش مواط  ضمن جماعة سياسية على الوصول إلى الخير الأسمى الذى خلق من اجله، وهى نفس الغاية بالنسبة للجماعة السياسية فى علاقتها بغيرها من الجماعات السياسية… أليست هذه نظرة أصيلة للإسلام تقوم على وحجة الكون وتوحيد الخالق علجهود ز وجل، والمصلحة الإنسانية المشتركة، ومن هذه النظرية الأصلية المنبثقة من جوهر الإسلام تتحدد وظيفة الدولة والمجتمع السياسي. وتحدد غاية وأهداف مختلف الجهود  والتنظيمات الدولية المختلفة(141). أما عن البعد الثانى فهو يحتاج إلى جهد كبير من أجل تكشيف (( النصوص القرآنية ونصوص السنة النبوية لتوضيح السنن الاجتماعية والسلوكية ذات الصلة بالسياسة عموما، وصياغتها فى شكل علاقات ارتباطية، مع مراعاة أهمية الاهتمام بدراسة الواقع البشرى، وخبرات التاريخ الإنسانى. وعلينا أن نستفيد من منهج ابن خلدون الذى استطاع عن طريقة أن يصوغ علاقة ارتباطية بين الظلم وبين زوال النعمة، وانهيار الدولة حيث قال: إن (( الظلم مؤذن بخراب العمران(142)وهناك أسئلة أخرى كثيرة لا يتسع لها المقام.

ويلاحظ فى هذا البعد أنه لايتم وضع النص نفسه كفرض يكون محل تجربة وفحص، ولكن نضع فهمنا للنص(143)، بما يعنى إمكانية تعديل هذا الفهم أو رفضه إذا ما أثبت البحث خطأ، مع مراعاة أن أمور السياسة لا يصح فيها القياس على الأشباه والنظائر، فلكل موقف ملابساته، ولكل تجربة خصوصيتها(144) . ومن ثم ينبغى مراعاة فروق الزمان والمكان وملابسات كل موقف، وطنا فى سلوك الرعيل الأول من الصحابة والخلفاء الراشدين سابقة فى ذلك حيث تلاحظ (( روح المبادرة والتفاعل وحسن المأخذ فى فكر الصدر الأول ))(145). أما بخصوص البعد الثالث فإذا تبينا مفهوما للنظرية السياسية يقوم على اعتبار أنها قيم وممارسة(146)، فإن تقديم النظرية السياسية الإسلامية يعنى القيام بالتنظير فى جانبين:

– جانب القيم والمبادئ المستمدة من الأصول التشريعية الثابتة حيث نستطيع أن نبلور النظرية السياسية الإسلامية فى: العدالة، الحرية، المساواة، وحيث نستطيع أن نصوغ المبادئ السياسية وحيث نستطيع أن نصوغ المبادئ السياسية من خلال مبدأ الشورى، ومبدأ الأمر بالمعروف، والنهى عن المكنر.

 – ثم جانب الممارسة السياسية بمعنى دراسة الحركة ذاتها فى تفاعلها مع مشكلات الوجود السياسى، والاجتماعى وظواهره، بما يعنيه ذلك من تقديم صياغة للتطور السياسى من منظور إسلامى. ويمكننا أيضا القيام بتقويم الحركة السياسية على ضوء ما قمنا به من تنظير للجانب الأول المتعلق بالقيم والمبادىء. وعن طريق هذا البعد نستطيع أن نبلور معيارا أو معايير منظرة بطريقة علمية للبحث فى (( إسلامية )) ظاهرة ما، وفى (( إسلامية )) الحركة و الممارسة السياسية على وجه الخصوص(147).                                                                        وهناك قضايا كثيرة تحتاج إلى بذل المزيد من الجهد من خلال هذا البعد، ونستطيع أن نذكر على سبيل المثال لا الحصر:

– قضية المفاهيم والمصطلحات، حيث تواجهنا صعوبات كثيرة نتيجة لهيمنة مدركات ومصطلحات علم السياسة الغربي، هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى لعدم وجود البدائل الجاهزة مما يجعل الباحث إما مضطرا أو عاجزا عن الاختيار، فلا يجد له مناصا من تبنى المفهوم والمصطلح الغربي عند القيام بدراسة أو بحث ما(184).

– قضية المؤسسات: وهى أيضا من القضايا الهامة التى تواجه علم السياسة بمنظوره النموذجى التاريخى للخلافة ومؤسساتها المختلفة. والدور المنتظر من الباحثين فى هذا المجال هو محاولة تطوير مؤسسات لها أصول مرتبطة بهذا النموذج، وتعبر فى نفس الوقت عن ذاتية المجتمعات الإسلامية، وتستطيع أن تواكب تطورات العصر ومتطلباته، حيث نجد أن معظم المجتمعات الإسلامية، تتبنى نظما ومؤسسات وأشكالا للحكم مقتبسة من مجتمعات أخرى، وتظل تعانى من كثرة التغيير وعدم الاستمرارية. وهنا نشير إلى أن (( الخلافة )) هى مفهوم  وكتطلبات أساسا، وليست شكلا معينا من أشكال الحكم وعلى ذلك فمن الممكن تحقق معناها من خلال نظم وأشكال ومؤسسات ذات مسميات مختلفة.

– قضية قواعد الحركة السياسية فى الداخل وفى الخارج، وبمعنى آخر السياسة الداخلية والسياسة الخارجية، وقضية العلاقات الدولية الإسلامية(149).

– السياسات العامة(150)للدولة الإسلامية، وما يتعلق بها من قضايا أخرى.

– قضية الأقليات(151)والعلاقة بغير المسلمين، سواء كانوا من مواطنى الدولة الإسلامية أم غير ذلك، وكذلك وضع الأقليات الإسلامية فى الدول غير الأسلامية.

– ثم قضية الأمن(152)بمفهومه الشامل العسكرى والاقتصادى والاجتماعي والبيئى.

– وتأتى على رأس هذه القضايا قضية الحكم: إسناد السلطة وأساس شرعيتها، وكيفية ممارساتها وحقوقها وواجابتها، ثم الرقابة على السلطة، ثم انتقال السلطة انتقالا سليما شرعيا، دون استخدام العنف. ويثور بهذا الصدد تساؤل وهو: هل الأولوية تعطى لقضايا الاقتصاد الإسلامى؟ أم لقضايا الحكم والسياسة؟ وفى الواقع أن هناك ترابطا وثيقا بينهم، ولكن إذا تذكرنا أن مفكرينا وضعوا السياسة على رأس العلوم واعتبروها (( رئيسة الصناعات ))(153). فما هذا إلا لتأثيرها وقدرتها على إحداث التغييرات الأخرى. ولكن يلاحظ أن الواقع العملى يظهر أيضا أثر الاقتصاد، وتأثيره على أمور المجتمع والسياسة. ومن هنا لابد من النظرة الشاملة المتوازنة.

وقبل أن نختم تناونا لهذه الجزئية نود أن نشير إلى نقطة تتعلق بالتوجيه الإسلامى لتدريس العلوم السياسية. الواقع أن هذا الموضوع يتعلق بمشكلة أوسع وأعمق تتعلق بتدريس العلوم السياسية عموما، فإن تدريس هذه العلوم بوجه عام بعد حديثا فى البلاد العربية الإسلامية، فحتى نهاية الخمسينات من هذا القرن لم تكن هناك كليات أو أقسام مستقلة لتدريس العلوم السياسية، وكان تدريس بعض مواد هذه العلوم يتم فى إطاركليات أخرى تدرس القانون والتجارة والفلسفة(154). وكان من الطبيعى أن تنشط حركة الترجمة، والأخذ من علم السياسة الغربى، واقتباس مفاهيم ومدركات علم السياسة الغربي على مقررات الدراسات فى أقسام العلوم السياسية الناشئة كان مرحلة مصاحبة للنشأة، وطغى خلال هذه المرحلة تبنى بحث المشكلات التى ظهرت فى علم السياسة الغربى، والحلول التى قدمت فى هذا الصدد.  

وإذا كنا نمر حاليا بمرحلة صحوة إسلامية تشمل كافة المجالات، فإن آثار هذه الصحوة قد شملت بالفعل تدريس العلوم السياسة، وإذا اقتصرنا على الإشارة إلى قسم العلوم السياسية بكلية الاقتصاد- جامعة القاهرة، فإننا نجد أنه من فترة ليست ببعيدة كان يتم تدريس الفكر السياسى الإسلامى ضمن محتوى مقرر تطور الفكر السياسي للفرقة الثانية(155)، وبعد التطور الذى خضعت له مقررات الدراسة بالكلية(156) أصبح للفكر السياسي الإسلامى مقرر مستق ( اختيارى )(157) يحمل اسمه سواء على مستوى مرحلة (( البكالوريوس )) أو السنة التمهدية للدراسات العليا(158). والسؤال هو هل تقتصر آثار هذه الصحوة على مجرد الاهتمام بتدريس الفكر السياسي الإسلامى ضمن محتوى مقرر تطور الفكر السياسي أو كمادة مستقلة؟ أم أن آثار هذه الصحوة لابد وأن تمتد توجيها إسلاميالا لتدريس العلوم السياسية عموما؟ فى الواقع إننا لا نعدم أن نجد اجتهادات تمثل جهودا فردية بهذا الصدد، والأمر مازال فى حاجة إلى مزيد من الجهد المتواصل.

الخاتمة:  

وبعد… فقد حاولنا من خلال هذا البحث أن نجتهد ونقدم حصيلة جهدنا ليخضع للمناقشة، ولتكون خطوة يتلوها خطوات. ولا نداعى أننا قد وفينا أو قدمنا الإجابات الشافية.. ونود أن نختم تناولنا لهذا الموضوع بالتعليق على بعض الجاذير والمخاوف التى قد يصرح أو يهمس بها فيما يتعلق بالمفهوم محل البحث.

وهذه المحاذير والمخاوف تتبلور فى ناحيتين أساسيتين:

الأولى: أن ربط العلم- العلوم عموما- بقيم دينية يعنى ربط المتغير بالثابث، وهذا قد يرد مردودا سلبيا على الثابت، حين يتضح خطأ المتغير وحاجته المستمرة إلى التغيير والتطوير.

والثانية: هى المخاوف من أن يضع هذا التوجيه قيودا على العالم إذا أصبحت هناك قيود معيارية تحد من انطلاق البحث العلمى فى أحد اتجاهاته، حيث يخشى من أن إقامة نوع من التوجيه الدينى قد يعنى إقامة نوع من الهيمنة الدينية على توجه الباحثين فى العلوم المختلفة، ومن ثم الحكم الدينى على أعمالهم مما قد يعيد بصورة أو بأخرى ما حدث فى العصور الوسطى الأوربية من محاكمة للعلماء لمخالفتهم للكتاب المقدس(159). فى الواقع أن الرد على هذه المخاوف أو المحاذير ليس بعسير فمن المعلوم أن تراثنا العربي الإسلامى يجمع بين الاعتقاد فى الأصول الثابتة وبين الأجتهاد فى الفروع اجتهادا يتغير مع تغير المكان واختلاف الزمان. فالإسلام منهج إلهى ربانى من حيث الأصول وممارسة إنسانية من حيث التطبيق. وبالتالى فإن خطأ التطبيق لا يعود إلى الإسلام ذاته بل هو يعود إلى الممارسة الإنسانية التى أفرزت هذا الخطأ. هذا فيما يتعلق بالناحية الأولى من هذه المخاوف أو المحاذير.

أما من الناحية الثانية من المعلوم أيضا أن تراثنا العربي الإسلامى لم يعرف ذلك الصراع الذى عرفه التراث الغربي بين الدين ومعطيات العلم، ولكن قد يرد على هذا الرد بأنه إذا لك يكن تراثنا قد عرف مثل هذا الصراع فإن هذا لايمنع من أن يعرفه حاضرنا وواقعنا بشكل أو بآخر، والخوف هو أن يخطىء التوجيه، وينحرف عن مساره، وتكون النتيجة أننا بدلا من أن نشق طريقا للتخلص من إخفاقات الواقع المتسم (( بالتخلف ))، نكون شققنا طريقا للتخلص من إخفاقات الواقع المتسم (( بالتخلف ))، نكون شققنا طريقا آخر لمزيد من (( التخلف ))، والبعد عن التفاعل الإنسانى مع العالم من حولنا. وفى واقع الأمر أن هذه المخاوف والمحاذير يحسمها تحديد المقصود بالضبط من هذه العملية التى يعبر عنها بمسميات متعددة. وهذا يعنى أساسا ضبط المفهوم وهو ما حاولنا أن نساهم بجهدنا فيه من خلال هذا البحث، ثم تحديد الهدف أو الأهداف التى نسعى إليها وأن يكون هناك عملية متابعة وتقويم مستمرة حتى لا يضل التطبيق عن مسار الهدف وحتى لا تساق العملية إلى تحقيق نتائج غير المقصودة منها، وحتى لاينطبق عليها كما قال البعض مقولة (( الحق الذى يراد به باطل ))، وأن نحذر فى نفس الوقت من الجدل العقيم الذى يستنفذ الجهد، ويعوق الجهد المسيرة، فهذا المحذور يجب علينا أن نأخذه بقدر من التأمل والعناية، وألا نكون غافلين عنه إذا كنا نريد أن نأخذ هذه القضية أو العملية بالجدية التى تليق بها، وألا يكون الأمر شعاراً حماسيا أو (( هوجة )) كما أطلق عليها البعض.

 وهذه المخاوف والمحاذير لعمل مبعثها الأساسي- من وجهة نظرنا- مبعث نفسى يعود إلى حالة من ضعف الثقة: فأما الثقة بالدين فلا خلاف على أنه الدين الكامل الخالد. وأما الثقة بالنفس فهى بالفعل منشأ هذه المخاوف والمحاذير، فنحن بالفعل فى مسيس الحاجة إلى إجراء مصالحة مع أنفسنا لرأب التصدع الحادث فى (( الشخصية الإسلامية )) فنحن فى حاجة إلى بناء الهوية الإسلامية، والشخصية، الإسلامية للعالم المسلم، الشخصية المتوافقة التى تعيش سلاما داخليا لا تناقض فيه، نحن فى حاجة إلى القضاء على حالة الأزدواجية ومواجهة حالة النفاق الفكري سواء التبريرى أو الانتهازى. ونحن فى حاجة إلى أن نربى أنفسنا وحياتنا الشخصية، وأن نسوس أنفسنا به، وأن نكون مسلمين بالفعل والتحقيق. والسؤال هو أيهما تسبق الأخرى: عملية تربية النفس وبناء الثقة أم عملية التوجيه الإسلامى للعلوم؟ فى الواقع أن العمليتين تخدمان بعضهما البعض. فهذا التوجيه على رأس أهدافه هو هذه الهوية الإسلامية، وهذا التصالح فى الشخصية الإسلامية، وهذا القضاء على حالة الأزدواجية. كما أن عملية بناء الثقة وتربية النفس على الإسلام لابد وأن تقود إلى هذا التوجيه الإسلامى للعلوم. فالعمليتان يجب أن تسيرا معا، فكلتاهما تخدم الأخرى وتحقق هدفها فهما عمليتان متكاملتان.

والله نسأل أن يجعل هذا العمل خالصا لوجهه وأن يجعل فيه النفع والخير…

                       الهوامش

(1) راجع: د. جمال الدين عطية، (( إسلامية المعرفة )) ، ( القاهرة، المعهد العالى للفكر الإسلامى، 1990 )،         ص 1.

(2) انظر تفصيلا لهذا فى كتاب المعهد العالمى للفكر الإسلامى: (( الوجيز فى إسلامية المعرفة )) ، ط1، ( القاهرة: المعهد العالى للفكر الإسلامى، 1987 )، ص 212، 213 وما بعدها.

(3) انظر تفصيلا حول بعض الموتمرات والندوات الدوالية التى تعبر عن ظاهرة الاهتمام بدراسة الإسلام والحركات الإسلامية المعاصرة فى: د. منى أبو الفضل، (( نحو تأصيل لمفهوم الأمة فى الأسلام )) ، ( القاهرة: شركة الطوبجى للطباعة، 1982م )، ص 93.

(4) انظر: د. حسن رجب، (( إسلامية المعرفة ))، ( القاهرة: المعهد العالمى للفكر الإسلامى، 1990 )، ص 11.

(5) المرجع السابق، نفس الصفحة.

(6) انظر: د.أحمد يوسف، (( تحديد المشكلة البحثية ))، ندوة تصميم البحوث فى العلوم الاجتماعية  ( جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 8 ع 9 ديسمبر 1991 )، ص ص 3- 8.

(7) راجع: د. غازى عناية، (( عناصر المنهج العلمى فى القرآن والسنة ))، ندوة قضايا المنهجية فى الفكر الإسلامى، ( الجزائر: جامعة الأمير عبد القادر بقسنطينة، 9- 12 سبتمبر 1989م ).

(8) راجع: د. جمال الدين عطية، (( الاستفادة من مناهج العلوم الشرعية فى العلوم الإنسانية ))( قطر: سيمينار – وزارة التربية – 29/ 11/ 1988 ).

(9) راجع تعريف العلم للإمام الغزالى، وتميزه للعلم النافع والعمل به فى الغزالى ( أبو حامد ) (( إحياء علوم الدين ))، ( القاهرة: دار إحياء الكتب العربية، 1957م )، 10، ص3 وما بعدها.

(10) انظر تفصيلا لتعريف الشريعة فى: د. عبد الكريم زيدان، (( المدخل لدراسة الشريعة الإسلامية ))( الإسكندرية: دار عمر بن الخطاب، 1969 ) ص 38.

(11) انظر: (( إحياء علوم الدين ))، مرجع سابق، ج1، ص 33 حيث يقول الغزالى فى لفظ العلم: (( وقد تصرفوا فيه أيضا بالتخصيص حتى شهروه فى الأكثر بمن يشتغل بالمناظرة مع الخصوم فى المسائل الفقهية وغيرها، فيقال هو العالم على الحقيقة، وهو الفحل فى العلم، ومن لا يمارس ذلك، ولا يشتغل به: يعد من جملة الضعفاء  ولا يعدونه فى زمرة أهل العلم )) .

(12) انظر مزيدا من التفصيل عن (( الغزو الفكرى )) فى: د. على عبد الحليم محمود، (( الغزو الفكرى وأثره فى المجتمع الإسلامى المعاصر ))، ( الكويت: دار البحوث العلمية، 1979م )، ص 127- 141. 

(13) انظر وقارن: د. محمد ياسين عريبى، (( التعليم والثقافة والبحث العلمى فى العالم الإسلامى الواقعوالمستقبل ))، ندوة العالم الإسلامى والمستقبل، ( القاهرة: مركز دراسات العالم الإسلامى ومركز البحوث والدراسات السياسية بجامعة القاهرة، 13- 16 أكتوبر 1991)، ص 14- 16.

(14) يقصد (( بالعلمانى )) أو (( المدنى )) أنه غير دينى. انظر: (( المعجم العربي الأساسي ))، (تونس: المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم، 1989 )، ص 861.

(15) راجع: ماجدة على صالح، (( الاستعمار الجديد فى المنطقة العربية ))، رسالة ماجستير غير منشورة  ( جامعة القاهرة: كلية الأقتصاد والعلوم السياسية، 1984م )، ص ص 183- 297.

(16) كلمة (( علوم )) تطلق على (( مجموعة مسائل فى موضوع معين )) ويقال علوم طبيعية، وهى التى تختص بدراسة الطبيعة، وعلوم إنسانية وهى تختص (( بدراسة تصرفات الناس وسلوكهم أفرادا كانوا أو جماعات )). 

(17) راجع (( تعريف إسلامى )) للمعرفة بأنها (( كل معلوم دل عليه الوحى والحس والتجربة )) فى: د. طه جابر العلوانى، (( الأزمة الفكرية المعاصرة ))، ط1 ( الولايات المتحدة الأمريكية: المعهد العالمى للفكر الإسلامى، 1989 )، ص 19، 20.

(18) المرجع السابق، ص1.

(19) راجع رأى فاير آيند- أحد علماء فلسفة العلم المعاصرة- فى أن المعرفة أمر نسبى، وأن التسليم بوجود طريقة واحدة (( صحيحة )) لفهم ما يجرى حولنا يؤدى بنا إلى جمود الفكر. انظر: paul fegerabend k., Against  Methed. Out line of Anarchistic Theary of Knowledge, ( London: NLB; Atlantic Highlands: Humanitoridn press,1975).                                                                                       

(20) راجع: د. طه جابر العلوانى، مرجع سابق، ص ص 3-6 .

(21) نقصد بذلك معطيات الغرب سواء فى الجانب المعنوى أو الجانب المادى.

(22) رجعنا فى هذه المراحل إلى د. طه جابر العلوانى، مرجع سابق، ص ص 7- 10.

(23) عبر الجبرتى عن ذلك بوصفه ما شهده من تجارب علمية أثناء زياته لمقر بعثة العلماء الفرنسيين الذين اصطحبهم نابليون معه بأنه (( مما لا يسعه عقول أمثالنا )) أنظر: د. أسامة الخولى (( العلم والعطاء العلمى ))، المستقبل العربي، السنة (8)، العدد (77) (يوليو ) 1985م، ص 14.

(24) انظر: د. طه جابر العلوانى، مرجع سابق، ص 7.

(25) المرجع السابق، ص 8.

(26) من أمثلة هذه الكتابات انظر: د. عثمان خليل، الديمقراطية الإسلامية، ( القاهرة: المكتب الفنى للنشر، اكتوبر 1958م ). عباس محمود العقاد، الديمقراطية فى الإسلام، ط، م، ( القاهرة: دار المعارف، ( د. ت )).

(27) هناك كثير من الكتابات التى صدرت عن الصحوة الإسلامية، وجهات نظر متعددة. انظر على سبيل المثال د. يوسف القرضاوى (( الصحوة الإسلامية بين الجحود والتطرف ))، ط 2 ( القاهرة: دار الشروق، 1984م )  د. محمد محمود ربيع (( آراء فى الصحوة الإسلامية ))، ( القاهرة: عالم الكتب: 1985م ).

(28) راجع: د. يوسف القرضاوى، (( الحل الإسلامى ضرورة وفريضة ))، ( القاهرة: مكتبة وهبة، 1977م ).

(29) د. طه جابر العلوانى، مرجع سابق، ص 12.

(30) المرجع السابق، ص 12، 13.

(31) راجع: محمد أبو القاسم حاج محمد: (( العالمية الإسلامية الثانية: جدلية الغيب والإنسان والطبيعة ))( بيروت: دار المسيرة، 1399 هـ ).

(32) المعنى اللغوى للكلمة من صاغه- صوغاً: صنعه على مثال مستقيم- والمعدن سبكه، والكلمة اشتقها على مثال- والكلام: هيأه ورتبه. والصياغة عمل الحلى من ذهب وفضه ونحوها. ويقال كلام حسن الصياغة: جيد محكم. انظر: المعجم الوسيط طه 3( القاهرة: معجم اللغة العربية 1985م )، ج 1، ص 548، 549.

(33) المفهوم من فهمه- فهما: أحسن تصوره- وجاد استعداده للاستنباط، ويقال أفهمه الأمر: أحسن تصويره له  ( والفهم ) مجموع الصفات والخصائص الموضحة لمعنى كلى ويقابله الماصدق. انظر: المرجع السابق،                   ج 1 ص73.

(34) راجع وقارن: حسن عباس حسن،(( الصياغة المنطقية للفكر السياسي الإسلامى: دراسة مقارنة فى الأصول والمقومات ))، ورسالة دكتوراة غير منشورة، ( جامعة القاهرة: كلية الأقتصاد والعلوم السياسية، 1980 )،  ص 41 وما بعدها. 

(35) انظر: د. فاروق يوسف، (( مشكلات وحالات فى مناهج البحث العلمى ))، ( القاهرة: مكتبة عين شمس، 1978 )، ص 9.

(36) انظر د. على ليلة، (( المفاهيم ومشكلة التعريف ))، ندوة تصميم البحوث فى العلوم الاجتماعية، ( القاهرة: مكتبة عين شمس، 1978 )، ص7.

(37) يعتبر التعريف معادلات للمفهوم وشارحا له. وقد يكون من المفيد الإشارة إلى أنواع التعريفات وهى تتقسم إلى ثلاثة أنماط أنماط رئيسية: التعريفات الأسمية، والتعريفات الواقعية أو الحقيقية، والتعريفات الإجرائية، هذا بالإضافة إلى التعريفات النظرية التى تقدمها مختلف النماذج النظرية. لمزيد من التفصيل، راجع: المراجع السابق، ص 16 وما بعدها.

(38) اهتم علماء الحضارة الإسلامية بتحديد الألفاظ، وأقروا لذلك فصولا كاملة فى مقدمة مؤلفاتهم. انظر مزيدا من التفصيل فى. المرجع السابق، ص 10، وانظر على سامى النشار،(( المنطق الصورى منذ أرسطو حتى عصورنا الحاضرة ))، ط 4 ( دار المعارف بمصر، 1966 ) ، ص 190 وما بعدها.   

(39) انظر. د. على ليلة، (( المفاهيم ومشكلة التعريف ))، مرجع سابق، ص7.

(40) المرجع السابق، ص 10، 11.

(41) لمزيد من التفصيل حول مفهوم (( لبناء )) راجع. د. أحمد أبو زيد، (( البناء، والبنائية- دراسة فى المفهومات ))، المجلة الاجتماعية القومية، المجلد (27) العدد (2)، مايو 1990، ص 124، 125. وانظر أيضا: د. ليلة، البنائية والوظيفية فى علم الاجتماع والأنثربولوجيا: المفاهيم والقضايا، ( دار المعارف بمصر، 1983م )، ص 312 وما بعدها.

(42) انظر: د. على ليلة،(( المفاهيم ومشكلة التعريف ))، مرجع سابق، ص 6، 10.

(43) انظر: د. فاروق يوسف، (( مشكلات وحالات فى مناهج البحث العلمى ))، مرجع سابق، ص 9.

(44) انظر فى معنى التحليل: المرجع السابق، ص 13.

(45) انظر: (( المعجم الوسيط ))، مرجع سابق، ج 2، ص 1057.

(46) انظر. (( معجم ألفاظ القرآن الكريم ))، ط مجمع اللغة العربية، ( القاهرة: دار الشروق 1981 )، ص712 ، 713.

(47) انظر: (( المعجم الوسيط ))، مرجع سابق، ص 75، 76.

(48) انظر: (( الوجيز فى إسلامية المعرفة ))، مرجع سابق، ص 75، 76.

(49) انظر: (( المعجم الوسيط ))، مرجع سابق، ج 1، ص 647.

(50) انظر: (( معجم ألفاظ القرآن الكريم ))، مرجع سابق، ص 433، 433.

(51) المرجع السابق، ص 420.

(52) راجع د ج أسامة الخولى، مرجع سابق، ص 4.

(53) انظر: د. أحمد فؤاد باشا،(( فلسفة العلم بنظرة إسلامية ))، ط 1، ( دار المعارف بمصر، 1984 )، ص 37.

(54) انظر تعقيب د. عدنان محمد زوزور فى سيمنار كلية الشريعة- جامعة قطر: (( نحو فلسفة إسلامية للعلوم ))،

( من منشورات المعهد العالمى للفكر الإسلامى بالقاهرة، 5/11/ 1987 )، ص 40.

(55) انظر: د. أحمد فؤاد باشا، مرجع سابق، ص 38.

(56) راجع تفصيل هذه الخصائص فى: المرجع السابق، ص ص 38- 52.

(57) انظر وقارن: د. أسامة الخولى، مرجع سابق، ص 5، د. أحمد فؤاد باشا، مرجع سابق: ص 44، 45.

(58) انظر: د. صلاح قنصوه، (( الفروض فى العلوم الاجتماعية ))، ( المسلم المعاصر )، السنة (13)، العدد (250)، ( ديسمبر 1987م ) ص 5.

(59) انظر: د. جعفر شيخ إدريس، (( إسلامية العلوم وموضوعيتها )) ، ( المسلم المعاصر )، السنة ( 13)، العدد (250)، ( ديسمبر 1987م ) ص 5.  

(60) راجع وقارن: د. أسامة أمين الخولى، مرجع سابق، ص 7، 8 وانظر أيضا: paul Feyeraberd, Op.Cit.,P.18.

(61) انظر: د. جعفر شيخ إدريس، مرجع سابق، ص.

(62) المرجع السابق، ص 6، 7.

(63) المرجع السابق، ص7.

(64) انظر: د. صلاح قنصوه، مرجع سابق، ص 9.

(65) انظر وقارن: د. فؤاد زكريا، التفكير العلمى، سلسة عالم المعرفة، ( الكويت المجلس الوطنى

John Ddesmond Bernal, Science in History, ( london: watts, 1954). John Desmond Beral. the social Function of Science, (Combridge: MIT Press, 1939).

(66) انظر: د. جعفر شيخ إدريس، مرجع سابق، ص 7.

(67) المرجع السابق، ص ص 8- 14.

(68) انظر: د. أسامة أمين الخولى، مرجع سابق، ص 21.

(69) المرجع السابق، ص 22.

(70) المرجع السابق، ص 23.

(71) انظر : د. جعفر شيخ إدريس، مرجع سابق، ص 16.

(72) انظر: د. نيفين عبد الخالق، (( إشكالة التراث والعلوم والسياسة ))، بحث مقدم إلى ندوة العلم السياسية فى الوطن العربي )) التى نطمتها الجمعية العربية للعلوم السياسية فى قبرص 4- 8 فبراير 1985 م.

(73) راجع: د. جمال الدين عطية، (( إسلامية المعرفة ))، مرجع سابق، ص22، 23.

(74) راجع، حسن عباس حسن، مرجع سابق، ص 43.

(75) انظر التفصيل فى د. سيد دسوقى، مرجع سابق، ص 3 وما بعدها.

(76) المرجع السابق، ص 3.

(77) كلمة (( هوجة )) من هاج أى اضطرب وثار، وهى حالة انفعالية تظهر فى صورة حركات اندفاعية راجع: (( المعجم الوسيط ))، مرجع سابق، ج 2، ص 1043، (( المعجم العربي الأساسى )) ، مرجع سابق، ص 1281.

(78) راجع: د. حسن رجب، (( إسلامية المعرفة ))، مرجع سابق، ص 11.

(79) راجع: د. جمال الدين عطية، (( إسلامية المعرفة ))، مرجع سابق، ص 9.

(80) د. حسن رجب، مرجع سابق، ص 14.

(81) د. جمال الدين عطية، (( إسلامية المعرفة ))، مرجع سابق، ص 24، 25.

(82) د. حسن رجب، مرجع سابق، ص 14.

(83) المرجع السابق، نفس الصفحة.

(84) انظر: د. جمال الدين عطية، (( نحو فلسفة إسلامية لعلوم ))، مرجع سابق، ص 15.

(85) د. سيد دسوقى، (( إسلامية المعرفة ))، مرجع سابق، ص 31.

(86) المرجع السابق، ص 18.

(87) د. عبد المعطى بيومى، (( إسلامية المعرفة ))، ( القاهرة: المعهد العالمى للفكر الإسلامى، الموسم الثقافى الثالث، 1410- 1990 ) ص 27.

(88) المرجع السابق، نفس الصفحة.

(89) راجع د. محمد الشرقاوى (( إسلامية المعرفة ))، ( القاهرة: المعهد العالمى للفكر الإسلامي الموسم الثقافى الثالث، 1410 هـ – 1990 ) ص33.

(90) انظر: د. عبد الستار محمد على نويز، (( نحو فلسفة إسلامية للعلوم )) سيمنار: كلية الشريعة، جامعة قطر، مرجع سابق، ص 30.

(91) انظر تعليق د. محيى الدين قره داغى، فى المرجع السابق، ص 36.

(92) المرجع السابق، ص 37.

(93) أضاف د. حسن عبد الظاهر إلى هذا الموضوع ملحوظة خاصة بالفرق بين الإعجاز والمعجزة، فالإشارات العلمية الموجودة فى القرآن الكريم لم يتحد بها الرسول على أساس أنها معجزة، ولكن وجودها فى القرآن، واكتشافها فيما بعد فى شكل حقائق علمية هو فى حد ذاته إعجاز. انظر تعليق د. حسن عبد الظاهر، المرجع السابق: ص 39.

(94) راجع فى دعوى التعارض بين العقل والنص والموقف منها: ابن أبي العز الحنفى، شرح العقيدة الطحاوية، ( بيروت- دمشق، المكتب الإسلامى، 1984م )، ص 201، 354.

(95) انظر: د. جمال الدين عطية، (( نحو فلسفة إسلامية للعلوم )) سينمار كلية الشريعة، جامعة قطر مرجع سابق، ص 16، 20. وراجع الخلاف بين د. جمال الدين عطية، د. عبد الستار محمد على نوير حول مسألة نفى التعاريض بين نصوص القرآن وبين حقائق العلم الثابتة فى: المرجع السابق،         ص 30.

(96) انظر التفصيل فى: محمد الطاهر بن عاشور مقاصد الشريعة الإسلامية، ( ط الشركة التونسية للتوزيع، ( د. ت )، ص 175.

(97) انظر: د. جمال الدين عطية، (( نحو فلسفة إسلامية للعلوم ))، مرجع سابق، ص 20.

(98) المرجع السابق، ص 21.

(99) المرجع السابق، ص 27، 28.

(100) انظر وجهة نظر فى مسألة الاقتطاع الحضارى والاستمرارية التاريخية فى: د. فؤاد زكريا، (( الصحوة الإسلامية فى ميزان العقل ))، ط1 ( بيروت: دار التنوير، 1985م )، ص 15، 42 وما بعدها.

(101) انظر مزيدا من التفصيل فى: د. أحمد شرف الدين، (( الإجراءات الطبية الحديثة وحكمها  فى ضوء قواعد الفقه الإسلامى ))، المسلم المعاصر، العدد (31)، مايو 1982 م، ص 139- 160.

(102) راجع: د. حسن رجب، إسلامية المعرفة، مرجع سابق، ص 15.

(103) راجع: المرجع السابق، ص ص 14- 16.

(104) انظر على سبيل المثال: أنور الجندى، (( أسلمة المناهج والعلوم والقضايا والمصطلحات المعاصرة ))، ( القاهرة دار الاعتصام، 1986م ). د. حمدي أبو الفتوح عطيفة، (( أسلمة مناهج العلوم المدرسية )) ( المنصورة دار الوفاء، 1986م ).

(105) يمكننا أن نحيل بهذا الصدد إلى عدد من المصادر على سبيل المثال لا الحصر انظر د. بطرس غالى، د. محمود خيرى عيسى، (( المدخل فى علم السياسة ))، ( القاهرة: مكتبة الآنجلو، 1971). د. محمد نصر مهنا د. عبد الرحمن الصالحى، (( علم السياسة بين التنظير والمعاصرة، ( الإسكندرية: منشأة المعارف 1985م ).

(106) انظر: د. إبراهيم شلبى، السياسية فى اللغة والعلم، سلسلة بحوث سياسية )) (25)، ( جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية ))، فيراير 1990 )، ص 2.

(107) انظر مزيدا من التفصيل فى: د. محمد نصر مهنا، د. عبد الرحمن الصالحى، مرجع سابق، ص ص 264- 274.

(108) انظر مزيدا من التفصيل فى: د. بطرس غالى، د. محمود خيرى عيسى، مبادئ العلوم السياسية، ( القاهرة: الأنجلو المصرية، 1962 – 1963م ) ص 16 وما بعدها.

(109) انظر مزيدا من التفصيل فى: د. إبراهيم شلبى، مرجع سابق، ص 3.

(110) المرجع السابق، ص 4.

(111) انظر مزيدا من التفصيل فى: د. عبد الرحمن خليفة، فى علم السياسة الإسلامى، ( الإسكندرية دار المعرفة الجامعية، 1990 )، ص 36 وما بعدها. 

(112) انظر تفصيلا عن الدلالة اللغوية للكلمة عند الكتاب الأنجلو سكسون والكتاب الفرنسيين فى: د. إبراهيم شلبي مرجع سابق، ص 5، 7. وانظر أيضا: J. Freund, Lʼessense du politque,( Psris: editions Sirey, 1965), pp. 12Roger H.H.Soltau,  Animtroduction to palitics, ( London: Longmans, 1963), p.l.

(113) راجع التفصيل فى: د. إبراهيم شلبى، مرجع سابق، ص 10، 11.

(114) راجع فى تفصيل هذا الخلاف: المجع السابق، ص ص 12 – 21.

(115) ابن منظور، لسان العرب المحيط، ( بيروت: دار لسان العرب، ( د. ت )، المجلد (2)،  ص 239.

(116) السيد محمد مرتضى الزبيدى، تاج العروس، ( بنغازى: دار ليبيا للنشر والتوزيع، 1966م) المجلد (4)، ص 169.

(117) انظر فى تفصيل معنى (( التراث )) : د. نيفين عبد الخالق، (( إشكالية التراث والعلوم  السياسية )) مرجع سابق، ص 1. وما بعدها.

(118) انظر: التهانوى ( محمد على الفاروق )، (( كشاف اصطلاحات الفنون ))، نقلا عن: د. إبراهيم شلبى، مرجع سابق، ص 22.

(119) انظر النص فى: د. عز الدين فودة، مذكرات فى مبادئ علم السياسة، ( جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1973 / 1974م )، ص 8.

(120) انظر النص فى: د. عز الدين فودة، مذكرات فى مبادئ علم السياسة، ( جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1973 / 1974م )، ص 8.

(121) انظر: د. عبد الوهاب خلاف، السياسة الشرعية، ( القاهرة: دار الأنصاب، 1977 )، ص4.

(122) المرجع السابق، ص 5.

(123) هناك العديد من المؤلفات التى حملت هذا الأسم نذكر منها: ابن تيمية فى مؤلفه، السياسة الشرعية فى إصلاح الراعى والرعية، ابن قيم الجوزية فى مؤلفه: الطرق الحكمية فى السياسة الشرعية، ونحيل بهذا الصدد إلى رسالة ماجيتسير جعلت من السياسة الشرعية موضوعها، انظر: محيى الدين محمد محمود (( السياسة الشرعية فى ضوؤ جوهر مفهوم السياسة فى العصر الحديث )) ، رسالة ماجستير غير منشورة ( جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1990 ).

(124) انظر: الفارابي، إحصاء العلوم، ( القاهرة: دار الفكر العربي، 1949 )، ص ص 102 – 103.

(125) المرجع السابق، نفس الصفحات.

(126) انظر: الفارابي، السياسة المدنية، ( بيروت: المطبعة الكاثوليكية، 1964م ). 

(127) راجع: Dunlop ( D.M. ), AL- Farabi: fusul Al- Madani: aphorisms of the statesman, ( Cambridge: 1961). P.16.

(128) انظر: محمد عبد المعز نصر، مهرجان الغزالى، ( دمشق، 1961م )، ص 451.

(129) انظر: د. حامد ربيع، أبحاث فى النظرية السياسية، ( جامعة القاهرة: كلية الأقتصاد والعلوم السياسية، 1970م )، ص 9.

(130) المرجع السابق، ص 81.

(131) المرجع السابق، ص 111.

(132) انظر: المرجع السابق، ص 81. وانظر مزيدا من التفصيل فى: حامد عبد الماجد، الوظيفة العقيدية للدولة الإسلامية، رسالة ماجستير غير منشورة، ( جامعة القاهرة: كلية الأقتصاد والعلوم السياسية، 1989م ).

(133) راجع فى مفهوم خبير السلطة. د. حامد ربيع، أبحاث فى النظرية السياسية، مرجع سابق، ص 66 وما بعدها.

(134) راجع: قحطان عبد الرحمن الدورى، الشورى بين النظرية والتطبيق، ( بغداد: مطبعة الأمة، 1974م.

(135) انظر مزيدا من التفصيل فى: د. ودودة بدران ( محرر )، البحث الأمبريقى فى الدراسات السياسية، جامعة القاهرة، مركز البحوث والدراسات السياسية، 1991 ).

(136) راجع فى الخلاف بين أنصار النظرية القيمة الإمبريقية: د. السيد عبد المطلب غانم، (( التنظير فى علم السياسة، فى (( اتجاهات حديثة فى علم السياسة ))، ( جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسة ))، فى: (( اتجاهات حديثة فى علم السياسة ))، ( جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 1987 )، ص ص 17 – 19.

(137) طالعنا عدة مؤلفات تتحدث عن علم سياسة إسلامى، وعن إسلامية العلوم السياسية، ومن قبل كانت لنا محاولة فى علم للسياسة من منظور إسلامى، انظر: نيفين عبد الخالق مصطفى، (( أبو نصر الفارابى: دراسة تحليلية لفكرة السياسى- دراسة فى الفكر السياسى الإسلامى ))، رسالة ماجيستر غير منشورة، ( جامعة القاهرة: كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، 1977م )، ص 298- 310. وانظر ايضا: د. عبد الرحميد أبو سليمان (( إسلامية المعرفة وإسلامية العلوم السياسية ))، المسلم المعاصر، العدد (31)، مايو 1982م ص ص 19 – 46. د. سيف الدين عبد الفتاح،                (( بناء علم سياسة إسلامى ))، ( جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، يونيو 1988 د.  عبد الرحمن خليفة، فى علم السياسة الأسلامى، ( الإسكندرية: دار المعرفة الجامعية، 1989 ). ويمكننا القول إن هناك بالفعل مدرسة إسلامية فى علم السياسة تتبلور،وتتشكل، ويظهر نتائجها فى العديد من رسائل الماجيستير والدكتوراة المناقشة بقسم العلوم السياسية- بكلية الاقتصاد والعلوم السياسية- جامعة القاهرة وقد أشرنا إلى العديد منها فى هوامش هذا البحث.

(138) سبق وأن قدمنا تصورنا حول هذا الموضوع. راجع: د. نيفين عبد الخالق مصطفى، (( إشكالية التراث والعلوم السياسية ))، مرجع سابق: ص 7.

(139) انظر. المرجع السابق، ص 8، 9.

(140) ذلك تعريف لبن خلدون، وقد عبر كثير من الفقهاء عن معنى مشابه للخلافة كما نجدها عند الماوردى والتفتازانى والرازى وعضد الدين الإيجى وغيرهم. انظر على سبيل المثال: ابن خلدون، مقدمة ابن خلدون، تحرير. على عبد والواحد وافى، ( القاهرة: ط لجنة البيان العربي، 1987 – 1962 )، ج2 ، ص 688.

(141) راجع: د. عبد الرحميد أبوسليمان، مرجع سابق، ص 54.

(142) انظر: ابن خلدون، مرجع سابق، ج2، ص 849.

(143) راجع: د. جمال الدين عطية، (( نحو فلسفة إسلامية للعلوم ))، مرجع سابق، ص 26.

(144) أشار ابن خلدون من قبل إلى اختلاف القياس الفقهى عن مجالات السياسة التى لا يؤدى فيها القياس على الأشباه والنظائر نفس الدور الذى يؤديه فى مجال الفقه. انظر. ابن خلدون، مرجع سابق، ج 2ص ص 743 – 744.

(145) انظر مزيدا من التفاصيل فى: عبد الحميد أبو سليمان، مرجع سابق، ص 23.

(146) راجع فى هذا المعنى: د. حامد ربيع، (( سلوك المالك فى تدبير المالك )) ( القاهرة: دار الشعب، 1980 ) ج1، ص 154- 158.

(147) راجع تجربتنا بهذا الخصوص فى رسالتنا للدكتوراة. د. نيفين عبد الخالق مصطفى، (( المعارضة فى الفكر السياسى الأسلامي )) ، رسالة دكتوراة منشورة، ( القاهرة: مكتبة الملك  فيصل الإسلامية، 1985 ).

(148) كان لنا موقف من هذا الموضوع انظره فى. المرجع السابق، ص ص 7- 66.

(149) يجرى المعهد العالمى للفكر الإسلامى مشروعا بحثيا ضخما عن العلاقات الدولية فى الإسلام، جامعة القاهرة ونترقب صدور هذا العمل قريبا بإذن الله.

(150) راجع فى مفهوم السياسات العامة: أمانى قنديل: (( تحليل السياسات العامة كأحد مداخل دراسة النظم السياسة ))، مرجع سابق، ص ص 103 – 144.

(151) انظر وقارن: نيفين عبد المنعم سعد، (( الأقليات والاستقرار السياسي فى الوطن العربي ))، رسالة دكتوراة، ( جامعة القاهرة: كلية الأقتصاد والعلوم السياسية، 1987 ).

(152) انظر وقارن: مصطفى محمود منجود، (( الأبعاد السياسية للأمن فى الأسلام ))، رسالة دكتوراة، ( جامعة القاهرة: كلية الأقتصاد والعلوم السياسية ) 1990.

(153) هذا التعبير للفارابي، انظره فى: الفارابي، (( تحصيل السعادة ))، ( طبعة مجلس دائرة المعارف، حيدر آباد الركن – الهند، 1345هـ )، ص 25.

(154) راجع مزيدا من التفصيل فى: د. عبد المنعم سعيد ( محرر )، (( تدريس العلوم السياسية    فى الوطن العربي ))، ( جامعة القاهرة: مركز البحوث والدراسات السياسية، 1990 ).

(155) راجع بهذا الصدد توصيف مواد قسم العلوم السياسية فى: دليل الطالب، ( جامعة القاهرة: كلية الأقتصاد والعلوم السياسية، 1991 / 1992)، ص45. أنظر أيضا. د. حورية مجاهد، (( الفكر السياسي من أفلاطون إلى محمد عبده ))، ( القاهرة: مكتبة الأنجلو المصرية: 1986 ).

(156) راجع: دليل الطالب، مرجع سابق، ص1 ، 2.

(157) اشتركت الباحثة فى تدريس مقرر الفكر السياسي الإسلامى للفرقة الثانية بقسم العلوم السياسية، خلال الفصل الدراسي الأول للعام الدراسي الحالى: وقد لاحظت الباحثة مدى إقبال الطلبة والطالبات على اختيار المقرر حيث اختاره حوالى 86% من مجموعة المتقدمين للاختيار النهائي للمادة الاختيارية. وكان الحضور منتظما والاهتمام واضحا.

(158) انظر: دليل الطالب، مرجع سابق، ص ص 17، 23.

(159) راجع مزيدا من التفاصيل فى: حامد سليمان، (( ألغام فى طريق الصحوة الإسلامية ))، ط 1( القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1990 )، ص ص 32- 34.

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر