أبحاث

تنمية الصحة النفسية

العدد 54

مقــدمـــة :

الصحة النفسية لا تعطي للفرد, لكنه يكتسبها بجده واجتهاده في عمل ما يربطه بربه, ويزكى نفسه, وينمي جسمه, ويحفظ حياته, ويوطد علاقته بالناس. فكل شخص بالغ عاقل مسئول عن تنمية صحته النفسية وزيادتها وحمايتها.
قال تعالى : ( وقد أفلح من زكاها ), فتزكية النفس رهن إرادة صاحبها, ونتيجة تصرفاته, وثمره أعماله. ولا شىء يمنحك الطمأنينة ـــ كما تقول هيلين كلير ـــ سوى نفسك, ولا شىء يجلب لك السعادة إلا أنت, (كازنيجي 1987 : 115) فسعادة الانسان تنبع من داخله, ولا تأتيه من خارجه.

وقد ناقشنا في مقال سابق مفهوم السعادة في الصحة النفسية وبينا علاقتها بحسن الخلق (مرسى 1987). ونتناول في هذا المقال كيف يحقق الإِنسان سعادته, من خلال جهوده في تحسين خُلِقه في المجالات الجسمية والنفسية والاجتماعية والروحية. فعليها تقوم صحته النفسية, وبها تنمو وتزداد, وسوف نناقش تحصيل السعادة واكتساب حسن الخلق, ونعرض أفكار ومشاعر الرضا والتفاؤل والصبر والحب والعفو والصدق والذكر, والاجتهاد في عمل الواجبات, وترك الانحرافات ومجاهدة النفس وتدريبها على الإِخلاص فى عمل الواجبات, ومحاسبتها على أعمالها أولا بأول, وتخفيف مشاعر الذنب والجزع عند الخطأ بالتوبة النصوح. فهذه الأفكار والمشاعر ناتجة عن عمليات نفسية ارادية تُنَشَّط أجهزة المناعة النفسية والجسمية, وتجعل الفرد يشعر بالصحة والسعادة, وتحميه من الأمراض والانحرافات.

تحصيل السعادة

اختلف الفلاسفة وعلماء النفس قديما وحديثا حول ماهية السعادة وكيفية تحصيلها. فأفلاطون جعلها في فضائل النفس (الحكمة والشجاعة والعفة والعدالة) بغض النظر عن سلامة البدن. فالسعادة العظمى في النفس وحدها. وهى لا تشعر بها في الحياة الدنيا مادامت في البدن بنجاساته وضروراته وحاجاته. فإذا فارقته عند الموت بعدت عن الجهالات, وصفت وخلصت, وقبلت النور الإِلهي. وهذا يعنى أن الإِنسان لا يسعد السعادة التامة إلا عندما تعود نفسه إلى عالم المثل, الذي تنعم فيه بالعلم والمعرفة (مسكويه, 1959 : 84).

أما أرسطو فقد اعتبر السعادة هبة من الله, تتكون من خمسة أبعاد هى :

(1)  صحة البدن على الثروة وحسن استخدامها.

(2)  الحصول على الثروة وحسن استخدامها.

(3)  النجاح في العمل وتحقيق الطموحات.

(4) سلامة العقل ورجاحة الفكر وصحة الاعتقاد.

(5) السمعة الطيبة والحصول على الثناء والتقدير والاستحسان من الناس.

ويقسم أرسطو السعادة إلى أربعة مراتب :

المرتبة الأولى :

سعادة النفس والجسم في طلب الملذات المحسوسة.

المرتبة الثانية :

سعادة النفس والجسم في طلب الملذات غير المحسوسة.

المرتبة الثالثة :

سعادة نحصل عليها من تحصيل العلم والمعرفة.

المرتبة الرابعة :

وهى أفضل مراتب السعادة, وتحصل عليها من عمل الخير المحض أى من عمل الخير لأنه خير. (مسكويه 1959 : 90).

وفي الصور الإِسلامية أهتم علماء المسلمين بماهية السعادة, وكيف يكون الإِنسان سعيداً في الدنيا والآخرة, واعتبروها في تحقيق التوازن بين مطالب النفس والجسم والروح, وبين مطالب الفرد والجماعة, ولا يتحقق هذا إلا إذا عمل الإِنسان في تحقيق الأهداف التي من أجلها خلق, وهى عبادة الله, وتعمير الأرض.

وهو لا يستطيع النهوض بها وحده, بل ينهض معه بها أناس كثيرون .. فترتبط سعادته بسعادة الناس من حوله, ويندفع إلى التعاون معهم, لتحقيق كماله الإِنساني.

ويتفق علماء المسلمين على أن السعادة في الدنيا مهما بلغت سعادة ناقصة, وفي الآخرة سعادة كاملة, لأن الدنيا دار عمل واجتهاد, لا يخلو فيها الإِنسان من التوترات والحسرات والآلام, أما الآخر فدار حساب, من فاز فيها, وحصل على السعادة, كانت سعادته خالصة نقية, لا يشوبها توتر, ولا ينقصها تحسر, فهى أعلى مراتب السعادة وأفضلها, فالسعداء في الآخرة في عيشة راضية, تعرف في وجوههم نضرة النعيم, يُسْقَوْن من رحيق مختوم, ختامه مسك, وفي ذلك فليتنافس المتنافسون.

ولا يتعارض الحصول على السعادة في الدنيا مع الحصول عليها في الآخرة بل يرتبط بها, ويؤدي إليها. لكن السعادة في الدنيا لا تصلح أن تكون غاية إنسانية لأنها سعادة ناقصة, لا ترقى إلى مستوى السعادة في الآخرة, التي يجب أن يجعلها الإِنسان غايته التى يسعى لها, فيسعد في الدنيا والآخرة. فالسعيد في الآخرة سعيد في الدنيا بعمله الصالح, وجبه للناس, وعبادته لربه. أما السعيد في الدنيا فقد يكون سعيدا في الآخرة إذا سعى لها سعيها وهو مؤمن. وقد يكون سعيدا في الدنيا فقط, وهى سعادة ناقصة زائلة, إما بزوال الإِنسان عنها, أو بزوالها عنه (ابن حزم, 1961). قال تعالى : ( من كان يريد حرث الآخره نزد له في حرثه ومن كان يريد حرث الدنيا نؤته منها وما له في الآخرة من خلاق )(1).

ويجمع علماء المسلمين على أن الإِسلام مصدر سعادتنا في الدنيا والآخرة, لأنه منهج حياة فاضلة, يعني بتحقيق التوازن في داخل الفرد وخارجه, ويدعو إلى تنميته جسميا ونفسيا وروحيا, ويأخذ بيده منذ ولادته, فينظم علاقته بربه وبنفسه وأسرته والناس والحياة. فالإِيمان بالله ينبوع الحياة الفاضلة والأخلاق السامية. (فرحان, 1983 : 17).

ولم يهتم علم النفس الحديث بماهية السعادة بقدر اهتمامه بكيف يكون الإِنسان مناهج وبرامج لتنمية الشعور بالسعادة وتخفيف مشاعر القلق والتوتر والشقاء في الحيــاة (كارنيجي, 1987). (Hoffman, 1977; Ammar, 1985; pearsall, 1987) وذهبوا إلى أن سعادة الإِنسان محصلة مشاعر الأمن والطمأنينة والكفاءة والاستحسان والتقدير والاستمتاع بالعمل والإِقبال على الحياة والإِيمان. وهذا يعني أن السعداء هم المتمتعون بصحة نفسية (نجاتي, 1984).

ويتفق كثير من علماء النفس على أربعة ركائز تقوم عليها سعادة الإِنسان هى :

(1)  سلامة الجسم, ومعافاته من الأمراض, وكفاءة أعضائه في القيام بوظائفها. فالعقل السليم في الجسم السليم, والجسم السليم في العقل السليم. فالتأثير متبادل بين صحتى النفس والجسم. فالتأثير متبادل بين صحتى النفس والجسم. وهذا يجعل سعادة الإِنسان في تنمية جسمه وحمايته ورعايته بالراحة والرياضة والتغذية والترويح, وتنظيم إشباع حاجتى الراحة, والنشاط (برنهارت, 1967) (pearsall, 1987).

(2) الثقة في النفس وتنميتها, وتحقيق كفاءتها في أعمال مفيدة, وحمايتها من الانحراف, وتزكيتها بإشباع حاجاتها بالقدر المناسب, وإلزامها بمسئولياتها في تنمية الحياة وتعميرها. فالسعادة في العمل والجد والاجتهاد, وليست في الفراغ والكسل, وفي الأعمال المفيدة الراقية, وليست في الأعمال الضارة الشريرة, وفي عمل الواجبات, وليست في التقاعس عنها, وفي الابتعاد عن الملذات المنحرفة, وليست في طلبها. فسعادة الإِنسان في أعمال إنسانية راقية, تحقق أهدافا نبيلة, وليست في تحقيق أهداف دنيا, ونحصيل ملذات حسية زائلة.

(Dicaprio, 1976, Johns, etal, 1976).

(3)  حب الناس والحرص على سعادتهم. فالسعادة مشاعر إنسانية وأعمال خيَّرة, فيها تضحية وإيثار, وثقة في الناس, ومودة لهم, واحترام متبادل. فحب الناس ـــ كما قال وليم جلاسر William Glasser  ـــ أكثر السعادة في الحياة. وسعادة الإِنسان في الحياة تتناسب ـــ كما قال الدكتور عبد العزيز القوصي ـــ تناسبا طرديا مع اتساع دائرة المجتمع الذي يرمي إلى إسعادة. فأقل الناس سعادة هو الذى يسعى إلى إسعاد نفسه, يليه في السعادة الذي يسعى إلى إسعاد أسرته وأولاده, ثم الذى يسعى إلى إسعاد أهله وأصحابه وجيرانه, وأكثر الناس سعادة هو الذى يسعى إلى إسعاد الناس جميعا (القوصي, 1975 : 101).

فالشخص السعيد قوى الشخصية, ناضج اجتماعيا, متزن انفعاليا, لا تتعارض نزعاته مع صالح الإِنسانية (برنهات, 1967)

(4)  الإِيمان .. فالشخص السعيد له دين يؤمن ويعتقد فيه, ويلتزم به فالدين يجعل حياتنا غنية مقنعة لها معنى, وإيماننا بالله إحدى القوى التي نعيش بواسطتها, وعندما نستسلم لإِرادة الله فينا, تتحقق سعادتنا, ولا نهتز أمام النوائب (مرسى, 1987).

فحب الله, وطاعة أوامره, وحفظ وصاياه, يجعل حياتنا على ما يرام. فالشخص لا يقلق ولا يضطرب (( وهو يؤمن بأن الله مدبر الأمور, وبرعايته ولطفه ينتهي كل شىء بأفضل ما يمكن )). فالإِيمان يمنحنا الرضا والأمل والشجاعة, ويحمينا من القلق والتوتر, ويجعل للحياة معنى ويزيد من سعادتنــا (كارنيجي, 1987 : 172).

*   *   *

ونلخص من مناقشة أراء الفلاسفة وعلماء النفس قديما وحديثا إلى أن السعادة تنبع من داخل الإِنسان, ولا تأتيه من خارجه. وهى ليست في تحصيل الملذات والشهوات الحسية بقدر ما هى في تحصيل الملذات النفسية والروحية, التي تبعث في النفس طمأنينة وانشراحا وراحة وصفاء. وهذه المشاعر لا يُحَصَّلُها الإِنسان بالصدفة, أو من ضربة حظ, بل هى ثمرة جهود منظمة, وسلوكيات إرادية هادفة إلى تنميته ككل متكامل : من مفس وجسم وروح, وإلى تقوية علاقته بالناس والحياة. وهذا ما يجعل سعادة الإِنسان في حسن الخلق, فالسعيد حسن الخلق, والشقى سىء الخلق.

اكتساب حسن الخلق

يقوم حسن الخلق على عمل الواجبات, والابتعاد عن الانحرافات. وهما ليسا بالأمر السهل لأنهما يتطلبان مجاهدة للنفس, حتى تقبل واجباتها, وتُحْسِن القيام بها, وتصبر على ما تكره من مسئوليات. قال الإِمام الغزالي … اهلم أن النفس في علاجها كالبدن في علاجه, فكما أن البدن لا يخلق كاملا إنما يكمل بالتربية والتغذية المناسبة. كذلك النفس تخلق ناقصة, قابلة للكمال, وإنما تكمل بالتربية والتزكية, وتهذيب الأخلاق, والتغذية بالعلم (الغزالي, 1967) وجعل ابن القيم .. رياضة النفوس بالتعليم والتأديب والتعويد على الفرح والسرور والصبر والشكر والإِقدام والشجاعة والعفو والإِحسان وفعل الخيرات. فلا تزال ترتاض بذلك شيئا فشيئا حتى تصير هذه الصفات عادات راسخة وملكات ثابتة. (ابن قيم الجوزية, 1970 : 171).

ومجاهدة النفس وحملها على تعلم مسئولياتهم في حسن الخلق, تختلف من شخص إلى آخر. فبعض الناس لا يجدون مشقة في تعلمها والقيام بها, وغيرهم يجدون مشقة, وآخرون يجدون مشقة كبيرة وذلك بحسب تكويناتهم النفسية, التى خرجوا بها من الطفولة.

فالأشخاص أصحاب الاستعدادات النفسية الصحية Healthy Psycho-dispositions  مهيأ لإِتيان الأفعال الحسنة, والأعمال الصالحة بسهول بسهولة ويسر, أكثر من أصحاب الإِستعدادات النفسية غير الصحية Unhealthy Psycho-dispositions  وتنمو هذه الاستعدادات من التفاعل بين المعطيات الوراثية وظروف التنشئة الاجتماعية فى الطفولة والمراهقة.

وقد يولد قلة من الناس بمعطيات فطرية, تجعلهم مهيئين لاكتساب حسن الخلق بسهولة ويسر, ولا يحتاجون إلى جهد كبير في تربيتهم. فكم من طفل يولد ـــ كما قال الغزالي ـــ صادقا سخيا كريما يشوشا راضيا, فهو موهوب في هذا المجال (الغزالي, 1967), ويأتي مسئوليا حسن الخلق بالفطرة. أما غالبية الأطفال فليسو حسنى الخلق بالفطرة, ويحتاجون إلى التربية الصالحة في البيت والمدرسة, لتنمية الاستعدادات النفسية الصحية التي تجلهم مهيئين لحسن الخلق في مراحل حياتهم التالية.

والاستعدادات النفسية الصحية التي تنمو في الطفولة والمراهقة لا تعمل أتوماتيكيا في الرشد, وتجعل الشخص حسن الخلق, لأن حسن الخلق يتطلب سلوكيات ارادية اختيارية, يأتيها الإِنسان بإرادته, وهو مسئول عن مجاهده نفسه, وإلزامها بعمل الواجبات, والابتعاد عن الانحرافات. وكل شخص مهما كانت استعداداته النفسية التي خرج بها من الطفولة والمراهقة, قادر على أن يكون حسن الخلق بجهده, ومثابرته على مجاهدة نفسه وضبطها والسيطرة على انفعالاته وشهواته. فكل نفس قابلة لاكتساب حسن الخلق. قال الإِمام الغزالي (( قد يظن البعض أن الخُلق لا يمكن تغييرها. وهذا ظن خاطىء, لأنه كل الأخلاق يمكن تعديلها, لكن بعض الطباع (أى الاستعدادات) سريعة القبول للصلاح وبعضها صعبة. ومع هذا يمكن إصلاحها بالرياضة النفسية لرد الشهوة إلى الاعتدال, الذى هو وسط بين الإِفراط والتفريط وحمل النفس على الأعمال الجالبة لحسن الخلق )). (الغزالي, 1967) فرياضة الفس وسيلة الإِنسان في تعويدها السلوكيات الحسنة, وتدريبهت على تصحيح أفكارها ومشاعرها.

« رياضة النفس »

تهدف رياضة النفس إلى جعلها تغكر في الحياة بطريقة منطقية واقعية, تنمي فيها أفكار ومشاعر السعادة, منها الرضا والتفاؤل والثقة والمحبة, والتسامح والألفة والعفو, وحسن الظن بالنفس والناس والحياة. فهذه الأفكار والمشاعر أساس الصحة النفسية, ومصدر السعادة, ومنبع الأعمال الجالبة لحسن الخلق. ويمتد تأثير هذه الأفكار والمشاعر إلى حفظ الصحة الجسمية والوقاية من الأمراض وسرعة الشفاء منها. فقد تبين من دراسات عديدة أنها تنشط أجهزة المناعة في الجسم, فتعمل بأقصى وسعها في مقاوة الأمراض. فمن دراسة في جامعة هارفارد قام بها دافيد ماكليلاند على طلبة من الجامعة شاهدوا أفلاما فيها مشاعر حب ومودة وصداقة, فوجد زيادة في نشاط جهاز المناعة ضد البرد  Immunoglobulin (IGA) وانتهى إلى أن أجهزة المناعة تعمل بكامل وسعها عندما يكون تفكيرنا واضحا, ومشاعرنا مفرحة, وانفعلاتنا سارة (Pearsall, 1987) وتأيدت هذه النتيجة في دراسة نيقولاس هول Nicholas Holl  بالمركز الطبي بجورج وشنطون, ووجد زيادة في خلايا المناعة لايمفيت Lymphocet  وفي نشاط الغدة التيموسية في إفرازها لهرمون تيموسين ألفا (أ) Thymosin Alpha 1, الذي يسهل عمل أجهزة المناعة في أفراز خلابا ((ت)), و ((ت)) المساعدة عند مرضى السرطان, الذين دربوا على تنشيط التحليل والتفكير المنظم زالمشاعر الطبية نحو الحياة. (الكيلانية, 1986).

ويتفق علماء النفس قديما وحديثا على أهمية ترييض النفس في تنمية أفكار ومشاعر السعادة, والتجارب معها, وتحويلها إلى عزم وإرادة وعمل, وفي التخلص من أفكار ومشاعر الشقاء والقلق. وافترض الإِمام الغزالي ـــ رحمة الله ـــ وجود جهازين للخواطر مسئولين عن أفكارنا ومشاعرنا, جهاز الإِلهامات : يولد أفكار ومشاعر السعادة, وجهاز الوساوس : يولد أفكار ومشاعر الشقاء (السخط والتطير والحقد والحسد والعداوة). وتهدف رياضة النفس إلى تنمية جهاز الإِلهامات, وقمع جهاز الوساوس بالتدريب على التفكير الصحيح, وتوليد الأفكار الطيبة والمشاعر السارة, والتعود على السلوكيات الجالبة لحسن الخلق. وتقوم هذه الرياضة على المداومة على ذكر الله, والسيطرة على الشهوات ومجالسة أهل الخير, والامتناع عن مجالسة رفاق السوء, والتخلص من الوساوس, فقمع جهاز الوساوس ينشط جهاز الإِلهامات, ويجعل الذهن مهيأ لاستقبال أفكار ومشاعر السعادة (الغزالي, 1967).

وافترض علماء المناعة النفسية في العصر الحديث وجود جهاز ب ـــ أ ـــ فيتر FITER System  ـــ A  ـــ B  يتكون من الاعتقادات Believing  والاتجاهات Attitudes  والمشاعر Feelings  والآمال Imaginations  والتفكير Thinking  والخبرات Experiences  والذكريات Remembers  ويعمل هذا الجهاز بأربعة أنماط : اثنان منهما يولدان أفكار ومشاعر الشقاء والقلق والتوتر هما : النمط الغضوب Hot style  يضم أفكار ومشاعر الغضب والسخط والعجلة والعداوة والحسد والحقد, والنمط اليئوس  Cold style يضم أفكار ومشاعر الذنب والعجز والانهزامية واليأس. وأما النمطان الآخران فيولدان أفكار ومشاعر السعادة وهما : النمط الصبور Warm style  يضم أفكار التحمل والصبر والشجاعة والعفة والحكمة, والنمط الودود Cool style  يضم أفكار التسامح والرضا والثقة والتفائل والمودة. وتهدف رساضة النفس إلى التحكم في عمل جهاز ب ـــ أ ـــ فيتر, وتحويل أفكاره ومشاعره من النمط الغضوب إلى النمط الصبور, ومن النمط اليئوس إلى النمط الودود ففي هذه الرياضة تطعيمات نفسية  Psycho- Vaccinations  تنشط جهاز المناعة النفسية.

المناعة النفسية Psycho-immunity  مفهوم فرضي, يقصد به قدرة الشخص على مواجهة الأزمات والكروب, وتحمل الصعوبات والمصائب, ومقاومة ما ينتج عنها من أفكار ومشاعر غضب وسخط وعداوة وانتقام, أو أفكار ومشاعر يأس وعجز وانهزامية وتشاؤم كما تمد المناعة النفسية الجسم بمناعة إضافية Superimmunity  تنشط أجهزة المناعة في الجسم. وهذا يجعل دراسة المناعة النفسية ومعرفة طبيعتها, وعوامل تنشيطها ضروريا في تنمية الصحة النفسية.

وتقسم المناعة النفسية إلى ثلاثة أنواع :

( أ ) مناعة نفسية طبيعية : وهى مناعة ضد التأزم والقلق, موجودة عند الإِنسان في طبيعة تكوينه النفسي, الذي هو محصلة التفاعل بين الوارثة والبيئة. فالشخص صاحب التكوين النفسي الصحي, يتمتع بمناعة نفسية طبيعية عالية ضد الأزمات والكروب, وعنده قدرة عالية على تحمل الإِحباط ومواجهة الصعاب وضبط النفس.

( ب ) مناعة نفسية مكتسبة : وهى مناعة ضد التأزم والقلق, يكتسبها الإِنسان من الخبرات والمهارات والمعارف التي يتعلمها من مواجهة الأزمات والصعوبات السابقة. حيث تعتبر هذه الخبرات والمهارات والمعارف تطعيمات نفسية, تنشط جهاز المناعة النفسي وتقويه. وهذا يجعل تعرض الإِنسان للإِحباط والصعوبات والعوائق المحتملة مفيدا في تنمية قدرته على التحمل, وضبط النفس, وفي اكتسابه الخبرت, التي تنشط المناعة النفسية عنده.

(جـ ) مناعة نفسية مكتسبة صناعيا : وهى تشبه المناعة الجسمية التي نكتسبها من حقن الجسم عمدا بالجرثومة المسببة للمرض, بعد الحد من خطورتها, وتبقي مناعتها مدة طويلة, وتسمى (( مناعة مكتسبة فاعلة )) (الكيلاني, 1986). وكذلك المناعة النفسية المكتسبة صناعيا يكتسبها الإِنسان من تعرضه عمدا لمواقف مثيرة للقلق والتوتر والغضب المحتملة, مع تدريبه على السيطرة على انفعالاته وأفكاره ومشاعره, وتعويده على طرد وساوس القلق والجزع والغضب وإبدالها بأفكار ومشاعر مفرحة في هذه المواقف.

وهذا ما يهدف إليه العلاج السلوكي بالغمر Flood therapy  والعلاج بالتحضين المنظم والعلاج بالتقليد وغيرها (عزب, 1981). ومع أن المناعة النفسية بأشكالها الثلاثة تعتمد على ما لدينا من أفكار ومشاعر لا تدخل تحت إرادتنا, فإننا نستطيع انميتها وتنشيطها من خلال تعديل طريقتنا في التفكير, وتحسين سلوكياتنا الإِرادية, وتعويد أنفسنا على القيام بالأعمال الجالبة لحسن الخلق. تعديل أعمالنا الإِرادية يؤدي ـــ كما قال وليم جيمس ـــ إلى تحسين أفكارنا ومشاعرنا التي ليست تحت إرادتنا ( كارنيجي, 1987).

تنشيط المناعة النفسية

يعتمد تنشيط المناعة النفسية على إرادة صاحبها, وعزمه على تصحيح طريقته في التفكير, وجهوده في تنمية أفكار ومشاعر السعادة, وطرد أفكار ومشاعر الشقاء واليأس, من خلال تجاوبه مع جهاز الوساوس, اللذين افترضهما الغزالي, أو  من خلال ضبط وتوجيه جهاز ب ـــ أ ـــ قيتر الذي افترضه علم المناعة النفسي.

وسواء أخذنا بفرض الإِمام الغزالي أو بفرض علم المناعة النفسي, فسوف نصل إلى العديد من العمليات النفسية الإِرادية, التي تنشط المناعة النفسية وتقويها, والتي يجب على كل شخص أن يدرب نفسه عليها, ويلزمها بها, حتى يتعود عليها, وينمو جهاز المناعة النفسي عنده, ويتمتع بالصحة النفسية والجسمية.

ومن الصعب حصر جميع عمليات تنشسط المناعة النفسية, فهى عمليات كثيرة متداخلة ومترابطة, يتعذر الفصل بينها. ونكتفي بمناقشة أهمها وأكثرها شيوعا وهى :

1ـــ الرضا وترك السخط.

2 ـــ التفاؤل وترك التشاؤم.

3 ـــ الصبر وترك الجزع.

4 ـــ الحب وترك العداوة.

5 ـــ العفو وترك الانتقام.

6 ـــ الصدق وترك الكذب.

7 ـــ الذكر وترك الغفلة.

8 ـــ عمل الواجبات وترك الانحرافات.

( 1 ) الرضا وترك السخط :

الرضا عملية نفسية سهلة, إذا كانت الأمور كما نريد, وصعبة إذا كانت على غير ما نريد, وعلى الإِنسان أن يُرضىَّ نفسه في كل الأحوال, حتى يحميها من مشاعر السخط والضجر والسأم والملل, والعجز والانهزامية. فالرضا عملية نفسية إرادية مصدر سعادة وعلامة صحة. وقد أشار رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ـ إلى أن اراضي لأغنى الناس بأفكاره ومشاعره الطيبة فقال : (( أرض بما قسمه الله لك تكن أغنى الناس ))(2). (( فالخير في الرضا ـــ كما كتب عمر بن الخطاب لأبى موسى الأشعري ـــ فإن استطعت أن ترضى وإلا فاصبر )) فالرضا فضل من الله يجعل الإِنسان نشطا نرتاحا في حياته اليومية. وقد اعتبره عبد الواحد بن زيد (( باب الله الأعظم, وجنة الدنيا, ومستراح العابدين )) (المقدسي, 1983 : 352).

ويشمل الرضا مجالات الحياة. فمن الرضا قبول الإِنسان لقدراته وإمكاناته وصحته ولون بشرته وطوله ومظهره. وثبوله لأسرته وممتلكاتها, فيرضى الزوج عن زوجته وأولاده, وترضي الزوجة عن زوجها وأولادها. فالرضا الأسرى مصدر تماسك الأسرة وترابطها وسعادة أفرادها.

والرضا عن العمل وتقبل مسئولياته وظروفه, من أهم عوامل الصحة والوقاية من الأمراض. فمن دراسة لبارماك على طلبة من الجامهة طلب منهم عمل أشياء مملة, لا يرغبون فيها, لاحظ عليهم السأم والتعب والإِرهاق والرغبة في النوم, وشكى بعضهم من الصداع وآلام في العيون والمعدة. ومن فحصهم طبيا وجد ارتفاع في ضعط الدم, وانخفاض في استهلاك الاكسجين في خلايا الجسم. وعندما أعاد بارماك التجربة وطلب من الطلبة عمل أشياء يحبونها, تغيرت حالتهم النفسية والجسمية وظهرت عليهم مظاهر الارتياح. (كارنيبجي, 1987), لذا كان على الإِنسان أن يرضى بعمله أو يُرضَّى نفسه به, فإن لم يستطع فعليه أن يغيره من أجل صحته النفسية والجسمية.

ويشمل الرضا أيضا تقبل الحياة, والاستمتاع بها ـــ في حدود ما أمر به الله ـــ واستحسان | ما | فيها من نعم وجمال وخير. فمن دراسة على أشخاص فرحين بالحياة, وجد زيادة في إفراز اللعاب ومواد أخرى في الجسم تساعد على الشعور بالارتياح (Pearsall, 1987). ووُجد في دراسة أخرى أن الفرح والضحك يقويان عضلات القلب, ويسهلان عملية الهضم, ويخفضان ضغط الدم, ويحميان من أمراض سكوسوماتية كثيرة (Hoffman. 1977). وفي دراسة ثالثة وُجد أن الشباب الراضين عن الحياة, المتقبلين لها, أكثر نضارة وحيوية وأقل عرضة للأمراض الجسمية (Hoffman 1977).

والرضا في الكروب والمحن والمصائب, يحتاج إلى جهد في ترضية النفس بها, باعتبارها أمور محتومة, لا تدخل تحت إرادتنا ولا نملك تغييرها, وهى نافذة رضينا أم لم ترضى. ((فالأمر هكذا ولا يمكن أن يكون غير ذلك)) كما جاء في مخطوط قديم في كاتدرائية أمستردام. وعلينا قبول الأمر الواقع والرضا به, والتكيف معه حتى لا نهدم حياتنا بالثورة والسخط (كارنيجي, 1987 : 83).

وقد أعطى الإِسلام للكروب والمصائب والنوازل معنى, وجعل للرضا بها هدفا. فاعتبرها امتحانا وابتلاء وقضاء من الله, وجعل في ترضية النفس بها عبادة. فمن الايمان الرضا بالقضاء خيره وشره.

والمصائب وإن كانت تؤلمنا وتؤذينا وتحرمنا, ففيها خير آجل أو عاجل, لا يدركه المصاب بها. قال تعالى : ( عسى أن تكرهوا شيئا وهو خيرا لكم وعسى أن تحبوا شيئا وهو شر لكم والله يعلم وأنتم لا تعلمون )(3) فالمؤمن يجد في المصائب والنوازل دليلا على حب الله له, فيرضى بها ويقبلها. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( ما قضى الله لمؤمن من قضاء إلا كان خيرا له)) وقال : (( إذا أحب الله قوما ابتلاهم فمن رضى فله الرضا ومن سخط فله السخط )). فمن يدرك هذا المعنى ويعيه, يجتهد في ترضية نفسه بالمصائب والنكبات, ويستقبلها بفرح واستبشار, يطرد عن نفسه السخط والجزع.

ومن أفضل درجات الرضا, رضا الإِنسان عن ربه, ففيه توكل على الله وثقة فيه, وطاعة لأمره, وتسليم بقضائه. فالرضا عن الله يشغل الذهن بأفكار ومشاعر السعادة, التي تعطي للإنسان قوة وأمنا وطمأنينة, لا يحصل عليها من أى مصدر آخر. فمن أحب أن يكون أقوى الناس فليتوكل على الله, ويرضى بما قسمه له كما قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ.

ولا يتناقض الرضا مع الطموح, والرغبة في التقدم, والتطلع إلى الأحسن, لأن الشخص الراضي عن الله وعن النفس والناس والحياة شخص نشيط مثابر, حريص على ما ينفعه وينفع الناس, مدفوع إلى التفوق في الدراسة إذا كان طالبا, وإلى الترقي والإِبداع وزيادة الإِنتاج إذا كان عاملا أو موظفا, راغب في الارتفاع بحياته الأسرية والاجتماعية. فالرضا ليس وقوفا عند القليل, وزهدا في الكثير من القدرة عليه. وليس عزوفا عن التقدم وانصرافا عن الزيادة في الخير. فكل شخص مطالب بتنمية نفسه, وتحسين حياته بالتنافس في عمل ما ينفعه في الدنيا والآخرة, فإذا نجح شكر ربه, وإذا فشل ثابر وجاهد من أجل النجاح بدون سخط أو ضجر, وإذا لم يوفق لا يلوم نفسه كثيرا على الفشل, ويستفيد منه في تغيير أهدافه, وتعديل سلوكياته, بما يناسب فشل في الدراسة زاد جهودة وثابر من أجل النجاح فإذا لم يوفق, غير مجال دراسته أو تحول إلى التدريب المهني بدون سخط ولا تذمر (Hoffman, 1977 : 123).

( 2 ) التفاؤل وترك التشاؤم

يقصد بالتفاؤل توقع النجاح والفوز في المستقبل القريب, والاستبشار به في المستقبل البعيد. وأعلى مراتب التفاؤل توقع الشفاء عند المرض, والنجاح عند الفشل, والنصر عند الهزيمة, ويتوقع تفريج الكروب ودفع المصائب وزوال النوازل عند وفوعها. فالتفائل في هذه المواقف عملية نفسية إرادية تولد أفكار ومشاعر الرضا والتحمل والأمل والثقة, وتطرد أفكار ومشاعر اليأس  والانهزامية والعجز.

فالمتفائل يفسر الأزمات تفسيرا حسنا, يبعث في نفسه الأمن والطمأنينة, وينشط أجهزة المناعة النفسية والجسمية. وهذا يجعل التفاؤل طريق الصحة والسلامة والوقاية من الأمراض (Pearsall, 1987) ويتفق علماء الصحة النفسية على ضرورة أن يعيش الإِنسان يومه متفائلا حتى في الظروف الصعبة, ولا يقلق على المستقبل. وفي أمريكا يطردون قلق التشاؤم بقانون الاحتمالات, فلكل مشكلة احتمالات في حلها, وعلى الإِنسان أن يجهز نفسه لأسوأ الاحتمالات, ثم يحاول تحسين هذا الأسوأ بهدوء وتعقل. ولكل مصيبة احتمال في حدوثها, فلا يقلق إذا كانت احتمالاتها قليلة. قال كارنيجي .. اكتشف 90% من عوامل تشاؤمي لن تحدث, فتفائلت. فمثلا كنت أخاف من أن أموت بصعق البرق, فعلمت أن احتمالات موتى بسببه 350000:1, وكنت أخاف أن أدفن حيا, فوجدت أن احتمالات حدوث ذلك 10:1 ملايين, وهكذا فإن تطبيق قانون الاحتمالات يجعلنا نتفاءل ولا نقلق. (كارنيجي, 1987 : 82).

ويعطي الإِسلام للتفاؤل معنى نفسيا وروحيا أفضل من المعنى الذى أعطاه قانون الاحتمالات. فتوقع أسوأ الاحتمالات يناقض التفاؤل, وتوقع المصائب التي تزداد احتمالات حدوثها تشاؤم. وقانون الاحتمالات لا يطرد الخوف من الإِصابة بالسرطان والإِيدز وحوادث السيارات والاغتصاب لأن احتمالات حدوثها في أمريكا كبيرة.

أما الإِسلام فقد جعل التفاؤل مرتبطا بالثقة في الله والرضا بقضائه, فلن يصيب الإِنسان إلا ما كتبه الله له, فلا يستبطء الرزق, ولا يستعجل النجاح, ولا يقلق على المستقبل. فكل إنسان لن يخرج من هذه الدنيا حتى يستوفى رزقه وأجله. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( واعلم أن الأمة إذا اجتمعوا على أن ينفعوك بشىء لم ينفعوك إلا بشىء قد كتب الله لك, وإن اجتمعوا على أن يضروك بشىء لم يضروك إلا بشىء قد كتب الله عليك ))(4). وهذا ما يجعل المؤمن متفائلا حتى في الظروف الصعبة, لأنه يتوكل على الله, ويثق في عدله, ويطمئن إلى حكمته. فتفاؤل المؤمن قائم على أساس (( لن يصيبنا إلا ما كتبه الله لنا)).

ولا يتناقض التفاؤل مع الاجتهاد والمثابرة في مواجهة الأزمات ومقاومة الصعوبات. فالمتفائل يأخذ بالأسباب, ويجتهد في تحصيلها, ويتوقع النجاح, لأنه لا يضيع أجر من أحسن عملا. والتفاؤل ليس تقاعسا, ولا تواكلا ولا كسلا مع توقع النجاح. فالسماء لا تمطر ذهبا ولا فضة كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

(3) الصبر وترك الجزع :

يقصد بالصبر تحمل الإِحباط دون قلق, ومواجهة المكاره دون جزع وتقبل المصائب دون هلع. وقد عرفه ابن القيم الجوزية (( بحبس النفس عن الجزع, وحبس اللسان عن الشكوى, وحبس الجوارح عن التشويش )) (ابن القيم, 1983 : 115).

ويتضمن الصبر الرضل والتفاؤل, فمن يصبر على ما يكره من المصائب يرضى ويحتسب, وينظر إليها نظرة تفاؤل, ويفسرها تفسيرا يبعث الثقة والأمل والتحمل. فقد تبين من دراسات كثيرة أن سبب الانهيارات النفسية والأمراض الجسمية في المصائب ليست من شدتها وقسوتها, لكن من عدم الصبر عليها وسوء التفكير فيها, والجزع منها (Pearsall , 1987).

ومن المصائب التي يتعرض لها الانسان, المرض وزوال الصحة, وفَقْد وهلاك الأموال, ولفشل في العمل أو الدراسة, والإِحباط في تحقيق الأهداف والحرمان من اشباع الحاجات, والتعرض للأذى من الناس. فالصبر في هذه المواقف عملية نفسية إرادية, يتم فيها تحويل أفكار ومشاعر اليأس والعجز والجزع والانهزامية عند المصيبة أو الكارثة إلى أفكار ومشاعر تحمل وتقبل ورضا وثقة وتفاؤل, قتتحول ردود أفعال اليئوسة Cold reactions  إلى ردود أفعال ودودة متفائلة Coll reactions  فمن يصبر ـــ كما قال الرسول عليه الصلاة والسلام : (( يُصبَّره الله, وما أعطى أحد عطاء خيرا وأوسع من الصبر ))(4).

وتقوم ديناميات تصبير النفس في النوازل والشدائد على الآتي :

1 ـــ الإِنسان هو الكائن الوحيد الذي يستطيع أن يُصَبَّر نفسه في النوازل, فالصبر من خصائص الراشدين العالقين. ولا يتصور من الحيوانات, ولا يطلب من الأطفال, ولا يتوقع من المتخلفين عقليا ولا من المجانين.

2 ـــ طبيعة الحياة الدنيا فهى دار عمل وتعب وشقاء, لا تأتي فيها الرياح بما تشتهي السفن دائما. فكل إنسان يتعرض للفشل والإِحباط, ويواجه الأزمات والكروب في النفس والأهل والمال والعمل, وعليه أن يعود نفسه على الصبر والتحمل في هذه المواقف. فالمصائب أمور لا نقدر على تغييرها, ولا يمكننا عمل شىء معها. فهى ناقذة لا محالة. والعقل مًنْ يتعامل معها بواقعية, ويتقبلها ويرضي بها, فيحمي نفسه من القلق والتوتر والاضطراب.

3 ـــ إدراك الإِنسان أن مصائب غيره أشد من مصائبه, فيرضي بها, ويصبر عليها. قال رجل فقير : (( كنت جزعا مهموما, لأني لا أملك حذاءً جديدا, وعندما شاهدت في الشارع رجلا بدون أقدام, حمدت الله, وذهب عني الجزع )) (كارنيجي, 1987).

4 ـــ ادراك الانسان لما حقق من نجاح في مجالات كان يمكن أن يفشل فيها, وما لديه من نعم كان يمكن أن يصاب فيها, فيعلم أن ما نجح فيه أفضل مما فشل, ما لديه من نعم أفضل مما أصابه, فيصبر ويرضى. فإذا كانت المصيبة خسارة في مال فيحمد الله أنها لم تكن في نفسه أو أهله, وإن كانت في مرض فيحمد الله أنها لم تكن في عقله أو في دينه.

5 ـــ وعى الإِنسان بالمعنى النفسي والروحي الذي أعطاه الإِسلام للمصائب والكروب, فقد اعتبرها ابتلاء من الله, وامتحانا لعباده, وجعل تصبير النفس عليها عبادة وتقربا إلى الله. وهذا ما يدفع المؤمن إلى تكريس جهوده للنجاح في هذا الامتحان, فيرضي بالكوارث, ويقبل المصائب, ويتحمل الاحباطات دون سخط أو قلق أو توتر أو حط من شأن الذات.

فتصبير النفس على ما تكره بدون إيمان بالله على الرضا بالعجز عن تغيير الأمر الواقع, وفيه استسلام للقدر المحتوم, بهدف تخفيف التوتر والقلق الناتج عن عدم الرضا والشعور بالعجز. أما تصبير النفس على ما تكره تعبدا وتقربا إلى الله فقائم على الرضا بقضاء الله, واستسلام لقدره, وطرد لمشاعر العجز والانهزامية, لأن المؤمن يعتقد أن أمره كله خير إن أصابته سراء شكر, فكان خيرا له, وإن أصابته ضراء صبر, فكان خيرا له(5) فإضافة البعد الروحي لعملية تصبير النفس تجعل لتحمل التعب والأذى والحرمان والآلام في المصائب والاحباطات أربعة أهداف سامية, تعطي للصبر تأثيرا نفسيا إيجابيا في تنمية الصحة النفسية عند الصابرين المحتسبين. ونلخص هذه الأهداف في الآتي :

أ ـــ الحصول على حب الله لأن الله إذا أحب قوما ابتلاهم(6).

ب ـــ الإِثبات العلمي لقوة الإِيمان بالله ففي الابتلاء بالمصائب تمحيص للإِيمان. قال تعالى : ( أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون, ولقد فتنا الذين من قبلهم فليعلمن الله الذين صدقوا وليعلمن الكاذبين) (7).

جـ ـــ محو الذنوب وحط الخطايا (( فما من مسلم يصيبه أذى شوكة وما فوقها إلا كفَّر الله له بها من خطاياه ))(8).

د ـــ الاستبشار بالثواب العظيم في الآخرة الذي ينتظر الصابرين في الدنيا. قال تعالى : ( ولنبلوكم بشىء من الخوف والجوع, ونقص من الأموال و الأنفس والثمرات, وبشر الصابرين, الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون, أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة, وأولــــئك هم المهتدون )(9).

( 4 ) الحب وترك العداوة :

يتفق علماء النفس على أن حب الإِنسان للناس نابع من حبه لنفسه, وحبه لنفسه نابع من حب الناس له, فالعلاقة بين حب النفس وحب الناس علاقة تأثير متبادل, فمنْ يحب نفسه يقدر على حب الناس, ومَنْ يحب يحبه الناس, ومَنْ يحبه الناس يحب نفسه وهكذا.

وحب الإِنسان لنفسه نوعان :

1 ـــ حب مرضى : فيه أنانية ونرجسية وغرور, وتكبر وعُجْب وعجب, وهو مصدر فساد, وشقاء, لأنه حب مبالغ فيه, وقد يكون رد فعل عكسي لمشاعر النقص وعدم الكفاءة, فيصبح حيلة نفسية دفاعية, تخفي مشاعر الذنب والقلق والعداوة تجاه الذات, ويكون دليلا على وهن الصحة النفسية.

2 ـــ حب صحي : وفيه رضا عن الذات, وتقبل لها, وثقة فيها, ويدفع إلى تنميتها وتزكيتها وحمليتها, ويدل على الصحة النفسية, لأنه مصدر حب ومنبع كل ثقة وتقبل.

وحب الإِنسان للآخرين أعلى من حبه لنفسه, لأن فيه عطاء وتضحية وغيرية. وهو نوعان :

1 ـــ حب طبيعي : وهو عملية نفسية لا إرادية فيه إشباع لدوافع وميول فطرية, تدفع الإِنسان نحو مَنْ يحب, مثل حب الآباء للأبناء وحب الأديب للأدب, والشاعر للشعر, وحب الجمال والخير وغيرها.

2 ـــ حب تَطبُّع : وهو عملية نفسية إرادية, يتم فيها ترضية النفس بالناس, وتنمية ثقتها فيهم, وتقبلها لهم, حتى تحبهم. وهو عملية سهلة إذا كان فيهم ما نحب, وصعبة جدا إذا كان فيهم ما نكره. ومن هذا الحب حب الزوج لزوجته, والأبناء للآباء, والصديق لصديقة, وحب الجيران والأهل والزملاء في العمل, وحب الناس جميعا. وأعلى من هذا كله حب الإِنسان لربه, لأنه منبع كل حب ومصدر كل عطاء.

وتعويد النفس على حب الآخرين مفتاح سعادتها وسعادة غيرها, ومصدر تماسك المجتمع, وتنمية الحياة. فمن يُحِبْ يُحَب, ويشعر بالأمن والطمأنينة والتقدير والاستحسان والكفاءة. فالحب المتبادل يشبع حاجات نفسية واجتماعية وجسمية للمحب والمحبوب. وذهب علماء المناعة النفسية إلى أن مشاعر المودة والمحبة تنشط أجهزة المناعة النفسية والجسمية, وتنمي القدرة على مواجهة الأزمات ومقاومة الأمراض.(Pearsall, 1987).

وسبق الإِسلام علم النفس الحديث في الدعوة إلى حب الإِنسان لأخيه, وأضاف إلى أبعاده النفسية والجسمية والاجتماعية بُعْداً روحيا. فجعل من الإِيمان أن يحب الإِنسان لأخيه ما يحب لنفسه(10) وشبه الرسول المسلمين في توادهم ومحبتهم كالجسم الواحد إذا اشتكى منه عضو, سهر الباقون على راحته وحمايته(11).

وجعل الإِسلام لهذا الحب هدفا, يدفع إلى الإِخلاص فيه, فربطه بحب الله وبالرضوان في الآخرة. قال الله تعالى في حديث قدسي : (( حقت محبتي للمتحابين فىّ, وحققت محبتي للمتواصلين فىّ, وحقت محبتي للمتناصحين فىّ, وحقت محبتي للمتزاورين فىّ, وحقت محبتى للمتباذلين فىّ. المتحابون فىّ على منابر من نور يغبطهم بمكانهم النبيون والصديقون والشهداء ))(12). ومن السبعة الذين يظلهم بظله يوم القيامة (( رجلان تحابا في الله, اجتمعا عليه, وتفرقا عليه ))(13). وقال عليه السلام : (( والذي نفسي بيده لا تدخلون الجنة حتى تؤمنوا ولا تؤمنوا حتى تحابوا. ألا أدلكم على شىء إن فعلتموه تحاببتم. أفشوا السلام بينكم ))(14).

ومن هلامات حب الإِنسان للناس أن يعيش معهم ويخالطهم, ويهتم بأمرهم, ويعمل من أجلهم, ويتعاون معهم, ويقضي حوائجهم, ويدفع عنهم الأذى. وأفضل من هذا أن يؤثرهم على نفسه, ويحسن إليهم, ولا ينتظر منهم جزاء ولا شكورا, فلا يغضب إذا جحدوا فضله, ولا يحزن إذا نكروا جميله, لأنه عمل ما عمل لهم ابتغاء مرضاة الله. قال تعالى في وصف الأبرار ( ويطعمون الطعام على حبه مسكينا ويتيما وأسيرا إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورا) (15). وهذا ما يجعل حب الانسان لأخيه الإِنسان حبا خالصا مستمرا في كل الظروف والأحوال. وقد جمع الرسول ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ كل علامات حب الإِنسان لأخيه الإِنسان فقال : (( أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس وأحب الأعمال إلى الله عز وجل سرور يدخله على المسلم أو يكشف عنه كربة أو يقضي عنه دينا ولإن أمشي مع أخي في حاجة أحب إلى الله من أن أعتكف في هذا المسجد (مسجد المدينة) شهرا ))(16).

وعظّم الإِسلام إخلاص الانسان في حبه لأخيه فيحبه لله وفي الله وجعل جزاء هذا حب الله له.

( 5 ) العفو وترك الانتقام :

يتعرض كل إنسان في تفاعله الاجتماعي للإساءة والظلم والجهالة والافك والبهتان من الآخرين, أو يتعرض للصد والمنع والإِحباط منهم, ويشعر بالإهانة وتهديد تقدير الذلت, وتتولد لدية مشاعر التوتر والقلق والظلم, وتثير فيه ردود فعل غاضبة Hot reactions  فيعتدي وينتقم ويحقد ويحسد, أو ردود فعل يائسة Cold reactions, فيعجز وينهزم ويقنط, وهى ردود فعل مؤلمة تؤذيه نفسيا واجتماعيا وجسميا (محمد ومرسي, 1986) (Pearsall, 1987).

وعندما يعفوا الإِنسان عمن ظلمه, ويصفح عمن أساء إليه, ويتسامح مع من اعتدى عليه, فإنه يقوم بعملية نفسية إرادية, تتضمن ضبط النفس, وتحويل مشاعر وأفكار العداوة والانتقام إلى مشاعر وأفكار مودة ومحبة نحو المعتدي أو الظالم, فتتحول ردود الفعل من النمط الغضوب إلى النمط الصبور المحتمل Warm style أو من النمط اليئوس إلى النمط الودود المسالم Cool style, وهى ردود فعل صحية, تُنَشَّط أجهزة المناعة النفسية والجسمية, فالعفو والصفح والتسامح تفيد صاحبها قبل أن تفيد من عفا عنهم, قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ (( مازاد الله عبدا بعفو إلا عزا ))(17).

ففي العفو طمأنينة ومودة, وشرف للنفس ورفعة لها عن ذل الانتقام, فالخبرة الدارجة في الحياة اليومية تثبت لنا أن ما انتقم أحد لنفيه إلا ذل (ابن قيم, 1982)(18).

ويقوم العفو عن الناس على التحمي والثقة بالنفس وبالناس, والحكمة وقوة الإِرادة. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( ليس القوى بالصرعة ولكن القوى من ملك نفسه عند الغضب ))(19).

ولا يمون امتلاك النفس عند الغضب إلا عند القدرة على الانتقام وعدم التجاوب مع أفكار ومشاعر (( رد العدوان بالعدوان )) والامتناع عن الحاق الأذى بالمعتدي.

ويتم العفو عن الناس على ثلاثة مستويات :

1 ـــ كظم الغيظ : عملية نفسية فيها غضب من الإِساءة, وامتناع إرادى عن الانتقام من المسىء, وتحويل مشاعر الغيظ إلى أفكار ومشاعر تحمل وتقبل. فكظم الغيظ ليس حبسا للغضب في النفس, لكنه إعلاء له, وتصريفه في ابتغاء مرضاة الله وهو هدف صحي نفسيا.

2 ـــ الصفح عن الإِساءة : عملية نفسية فيها تقبل إساءة المسىء وتحملها, فلا نغضب منها ولا نشعر بالإِهانة منها, ونصفح عنه دون توتر أو قلق, فالصفح عن الإِساءة أفضل نفسيا من كظم الغيظ.

3 ـــ الإحسان إلى المسىء : عملية نفسية أعلى من الصفح, وتقبل الإساءة والمسىء, لأن فيها عطاء, ومودة ومحبة للمسىء, وإحسان إليه, ودعاء له. فالإِحسان إلى المسىء عملية نفسية راقية لا يقدر عليها إلا من قوى إيمانه, وصفت نفسه, وسما تفكيره, وقد دعت إليه الأديان السماوية, فمن وصايا المسيح عليه السلام (( أحبوا أعداءكم, وباركوا من يلعنكم, وعاملوا من يكرهكم معاملة حسنة, وصلوا من أجل من يسىء إليكم, ويضطهدكم )).

وأعطى الإِسلام للعفو عن الناس معنى, وجعل له هدفا, فأمر به ودعا إليه وشجع عليه. قال تعالى : ( وسارعوا إلى مغفرة من ربكم وجنة عرضها السموات والأرض أعدت للمتقين الذين ينفقون في السراء والضراء والكاظمين الغيظ, والعافين عن الناس. والله يحب المحسنين )(20) وقال سبحانه أيضا : ( لا تستوى الحسنة ولا السيئة, ادفع بالتي هى أحسن فإذا الذي بينك وبينه عداوة كأنه ولى حميم )(21) وقال الرسول ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( ألا أنبئكم بما يشرف البنيان, ويرفع الدرجات ؟ قالوا نعم يا رسول الله. قال : تحلم عمن جهل عليك, وتعفو عمن ظلمك, وتعطي من حرمك, وتصل من قطعك ))(22) فالايمان ـــ كما قال الشيخ محمد الغزالي ـــ يقوم على السماحة والحلم وترك طلب الهلاك للمخطئين, والتخلي عن السعى للانتقام من المعتدين (الغزالي, 1970) لأن الإيمان ينزع من النفوس الغل والحقد, ويجعلها خينة لينة رقيقة, يسبق حلمها غضبها, وتغلب حكمتها انفعالاتها.

( 6 ) تحري الصدق وترك الكذب : لم يعد تحري الصدق في القول والعمل(23) دعوة دينية أخلاقية بل أضحت مطلبا نفسيا وجسميا واجتماعيا. بعد ما تبين من دراسات كثيرة أن تحري الصدق ينشط أجهزة المناعة الجسمية والنفسية, والكذب بثبطها ويضعفها. ودعا المعالجون النفسيون والأطباء والمرشدون التربويون إلى الصدق في القول والعمل, واعتبروه علامة جيدة على الصحة النفسية, بينما اعتبروا الكذب من عوامل وهن الصحة النفسية والجسمية. فصدق الإِنسان مع الله ومع النفس والناس عملية نفسية إرادية, تتضمن أفكار ومشاعر الشجاعة والكفاءة والثقة والرضا والحب والتفاؤل. أما كذبه فعملية نفسية إرادية تتضمن أفكار ومشاعر الذنب, والعجز وعدم الكفاءة, والتوتر والقلق وسوء الظن. وقد توصلت المدرسة السلوكية المعرفية  The Cogmitive behavior schoolإلى أن الصدق والأمانة والإِخلاص تخفف القلق والتوترات, وتزيل الاكتئاب. وبينت دراسات أخرى أن عدم الصدق في التعبير عن الانفعالات من العوالم المرتبطة بظهور السل والسرطان. ووجد تؤثر على الجسم, وتظهر في رسومات كشف الكذب Polygraphs lie Delector.

وانتهى بارسيل من دراساته في علم المناعة النفسية إلى أن الصدق صحة والكذب مرض وقال : (( تحروا الصدق وإن رأيتم الهلكة فيه, فعاقبته خير في كل الأحوال )) (Pearsall, 1987 :307).

والصدق من الناحية الاجتماعية يرفع صاحبه بين الناس, ويجعله موضع ثقتهم وحبهم وتقديرهم, ويعلي مكانته النفسية والاجتماعية, ويشبع له الكثير من الحاجات النفسية والاجتماعية, ويشعره بالأمن والكفاءة في علاقته بالناس. وهذا ما يجعل أهل الصدق والتصديق سعداء, وأهل الكذب والتكذيب أشقياء (ابن القيم, 1970 : 29).

ورفع الإِسلام مكانة الصدق بين الفضائل, وربطه بالإِيمان, وجعل في تحريه عبادة وأمر به, وحث عليه, ووعد الصادقين بالثواب في الدنيا والآخرة. مما جعل للصدق بُعْداً روحيا, يدفع إليه, ويشجع عليه في كل الأحوال ومع جميع الناس. فتحرى الصدق في القول والعمل تقربا إلى الله, يعطي الصدق قيمة أعظم من قيمته الاجتماعية والأخلاقية, ويبعث عليه في اليسر والعسر, مع الصديق والعدو. قال تعالى : ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وقولوا قولا سديدا, يصلح لكم أعمالكم, ويغفر ذنوبكم )(23) وقال : ( فلو صدقوا ما عاهدوا الله عليه لكان خيرا لهم )(25).

وقد بين رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ ديناميات العمليات النفسية التى يتضمنها الصدق, فقال : (( الصدق طمأنينة والكذب ريبة ))(26). وقال : (( عليكم بالصدق فإن الصدق يهدي إلى البر, وإن البر يهدي إلى الجنة. وما يزال الرجل يصدق, ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا ))(27). وقال عليه السلام : (( تحروا الصدق وإن رأيتم الهلكة فيه, فإن فيه النجاة ))(28). وعندما سئل ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ أيكون المؤمن جبانا, قال : نعم. قالوا : أيكون المؤمن بخيلا ؟ قال نعم. قالوا أيكون المؤمن كذابا ؟ قال : لا(29). فالكذب وما يؤدي إليه من نفاق وخيانة الأمانة, وإخلاف للوعد وغش في العمل, وغدر في العهود والمواثيق, وينقض الإِيمان.

( 7 ) الذكر وترك الغفلة

يهدف ذكر الله وشكره إلى تنمية أفكار ومشاعر الإِيمان, وتقوية صلة الإِنسان بربه, وإحساسه بوجوده معه, وتوكله عليه وقربه منه, ويرتبط ذكر الله وشكره بإشباع الحاجة المصدرية التي من إشباعها تشبع حاجات نفسية واجتماعية عديدة, بها تطمئن النفس, وتسمو الأفكار, وتعلو المشاعر, وتصلح الأعمال ( الذين آمنوا وتطمئن قلوبهم بذكر الله, ألا بذكر الله تطمئن القلوب )(30). وتذكير الإِنسان نفسه بربه, عملية نفسية إرادية, يتم فيها تحويل أفكار ومشاعر الغفلة والجحود بفضل الله, إلى أفكار ومشاعر حفظ الله وشكره. فيجده معه, ويزيد من فضله, فتصفو روحه, وتصح نفسه, ويقوى جسمه. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ لابن عباس رضى الله عنه : (( احفظ الله يحفظك احفظ الله تجده تجاهك ))(31).

وذِكْر الله وشكره في أداء العبادات والمعاملات التي فرضها على عباده : من صلاة وزكاة وصيام وحج وجهاد وقراءة قرآن, ودعاء وصلة رحم, وبر للوالدين, وإحسان إلى الجار, وحب للناس, ومساعدة للضعيف, ونصرة للمظلوم, وإخلاص في العمل ورضا بالقضاء, وصبر على البلاء, وعفو عن المسىء. فذكر الله وشكره في عمليات تنشط أجهزة المناعة النفسية والجسمية, فيها صحتنا وشفاؤنا, وحمايتها من الانحرافات والأمراض. وأخبر الرسول ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ أن سعادة الإِنسان في عبادة الله, وشقاءه في الغفلة عنه. فقال في حديث قدسي قال رب العزة : (( يا ابن آدم تفرغ لعبادتي أملأ صدرك غنى, وأسد فقرك. وإن لا تفعل ملأت يديك شغلا, ولم أسد فقرك ))(32) وبَيّن عليه الصلاة والسلام ما | يحدث ذكر الله في صلاة الصبح من انشراح للصدر, وصلاح للنفس. فقال : (( يعقد الشيطان على قافية رأس أحدكم إذا نام ثلاث عقد. يضرب على كل عقدة عليك ليل طويل فارقد, فإن هو استيقظ فذكر الله, انحلت عقدة, فإن توضأ انحلت عقدة ثانية, فإن صلى انحلت عقده كلها. فأصبح نشطا طيب النفس. وإلا أصبح خبيث النفس كسلان ))(33).

وأشار عليه الصلاة والسلام إلى تأثير الصلاة في إصلاح النفوس وتنظيفها من الانحرافات والذنوب, فقال لأصحابه : (( أرأيتم أن نهرا بباب أحدكم يغتسل منه كل يوم خمس مرات. هل يبقى من درنه شىء. فقالو : لا يبقي من درنه أى وسخه شىء قال : كذلك مثل الصلوات الخمس يمحو الله بهن الخطايا ))(34).

وعرف كثير من علماء النفس في الغرب الآن دور الإِيمان في إزالة القلق والتوتر, وما يحققه التردد على الكنائس من صحة في النفوس والأبدان, فأخذوا يعلمون ما يعلمه المسيح عليه السلام, وانقسموا في ذلك إلى فريقين : فريق مؤمن أخذ يدعو كالقساوسة إلى الإِيمان بالله من أجل التطهير والخلاص في الدنيا والآخرة. وفريق غير كؤمن جعل الدين والأخرة. وفريق غير مؤمن جعل الدين للدنيا Secularized religion  وأخذ يدعو إلى الإِيمان بالله من أجل الخلاص من جحيم الدنيا, واعتبروا الدين والكتب الدينية والصلاة في الكنائس مسكنات جيدة للقلق, ومنشطات ممتازة لأجهزة المناعة النفسية والجسمية (Williams, 1972:46). فهذا الفريق بالرغم من عدم قناعتهم بالدين, وافقوا الفريق الأول في الدعوة إلى الدين بعد ما |نتبين من دراسات كثيرة أن القابلية للإصابة بالأمراض عند الأشخاص الذين يذهبون إلى الكنيسة بانتظام أقل منها عند الأشخاص الذين لا يذهبون إليها : (Pearsall, 1987:310). أما المؤمنون من علماء النفس والأطباء النفسيين فقد توصلوا من دراساتهم أن الإيمان مصدر الصحة, ومن أهم عوامل الوقاية من الأمراض والانحرافات. من هؤلاء كارل يونج الذي استخلص من دراساته أن كل شخص مضطرب محروم من الطمأنينة التي يمنحها الدين للمؤمنين, ولن يشفى من اضطرابه إلا بالتدين, واستعادة الإِيمان الحقيقي. ومنهم اليكسيس كاريل الذي أشاد بدور الصلاة في الصحة النفسية والجسمية. فقال : (( التقيت كطبيب بمرضى كثيرين, فشل العلاج الطبي معهم, ولم يتخلصوا من أمراضهم وأحزانهم إلا بالصلاة. فالصلاة كالراديوم مصدر إشعاع للطاقة المولدة ذاتيا. فعندما نصلي نربط أنفسنا بالله, القوة الدافعية في الحياة, فنشعر بالارتياح عندما نخاطبه بخشوع في الصلاة, لأننا نشعر أننا في الطريق الصحيح )) (كارنيجي, 1987 : 175).

وقد عرف كثير من علماء النفس المسلمين أيضا ما يبعثه الإِيمان بالله في النفوس من طمأنينة, وما يحدث فيها من صلاح, فأخذوا يدعون إلى الإِسلام, ويحثون على ذكر الله من أجل السعادة في الدنيا والآخرة. فالإِسلام دين الرضا والتفاؤل, والتوكل, والصبر, والحب, والعفو, والمودة, وأوامر الله سبحانه, وحقه الذي أوجبه على عباده, وشرائعه التي شرعها لهم ـــ كما قال ابن القيم ـــ قرة العيون, ولذة القلوب, ونعيم الأرواح وسرورها, وبها سعادتها وفلاحها وكمالها, في معاشها ومعادها. بل لا سرور ولا فرح ولا لذة ولا نعيم إلا بذلك. (ابن قيم, 1983 : 31).

واتفق علماء الصحة النفسية المسلمين الآن على أن منهج الإِسلام في الحياة رسالة في الصحة النفسية, واعتبروا المساجد مؤسسات للصحة النفسية, وحثو على اعتيادها وتعميرها, ودعوا إلى الالتزام بمنهج الإِسلام في الحياة اليومية والأسرية, وفي العمل والشارع, ومع الجيران والأصدقاء, من أجل صحة النفوس, وسلامة الأبدان, وتماسك المجتمعات وسعادة الناس في الدنيا والآخرة. فأداء العبادات من صلاة وصيام وحج وزكاة استجابات تساعد على نضوج الشخصية وتنمية الصحة النفسية ( Baasher, 1985).

ومن يقرأ الابحاث التي قدمت إلى المؤتمر الدولي للصحة النفسية الذي عقدته الجمعية الإِسلامية الدولية للصحة النفسية, الذي عقد في لاهور بباكستان 1085, يلمس أن علماء النفس والطب النفسي المسلمين غدوا يدعون إلى ما يدعو إليه الدعاة والوعاظ من التزام بمنهج الله في العبادات والمعاملات, بعد أن أدركوا ما لذكر الله من تأثير في تنمية الصحة النفسية, وفي علاج انحرافاتها, وفي وقاية الفرد والمجتمع من كل ما يؤذية (Abou El-Azayem, & suef , 1985) فقد لاحظ الدكتور محمد شريف وهو سيكاتري باكستاني انخفاض حالات الاكتئاب في شهر رمضان وعندما عالج 64 مريضا بالاكتئاب علاجا طبيا, وقسمهم إلى مجموعتين : 32 مريضا أعطاهم العلاج الطبي فقط و 32 مريضا أعطاهم العلاج الطبي, وطلب منهم القيام بالليل من الساعة 2 إلى 4 صباحا, لصلاة التهجد وذِكْر الله, زقراءة القرآن, والدعاء والاستغفار. وبعد أربعة أسابيع وجد أن 78 % من المجموعة الثانية و 15% من المجموعة الأولى قد تخلصوا من الاكتئاب (Sharif, 1985). وفي دراسة ثانية أشرف عليها الدكتور جمال أبو العزايم ـــ وهو سيكاتري مصري ـــ على علاج 218 مدمن أفيون, عالج 138 حالة علاجا طبيا فقط, و80 حالة علاجا طبيا مع علاج نفس اجتماعي ديني في مسجد أبو العزايم. ومن متابعة هذه الحالات لمدة خمس سنوات تبين أن نسبة مَنْ أقلعوا عن الأفيون, وعادوا إلى ممارسة الحياة العادية في العمل والأسرة ومع الناس في مجموعة المسجد أعلى منها بكثير في المجموع التي عولجت طبيا فقط (Abou El Azayem & suef, 1985)  وقد أرجع أبو العزايم هذا إلى تنمية الإِيمان عند مجموعة المسجد عن طريق اعتيادهم الذهاب إليه وكثرة قراءة القرآن, والصلاة والدعاء. فالإِيمان بالله يعطي للإِقلاع عن المخدرات هدفا أقوى من مجرد المحافظة على الصحة. ويجعل له معنى إيجابيا, ويدفع إليه ويشجع عليه, ويخفف من مشاعر التوتر والقلق الناتجة عن الحرمان.

( 8 ) عمل الواجبات وترك الانحرافات :

إذا قام كل إنسان بواجباته, وحصل على حقوقه صح نفسيا وجسميا, وارتقى اجتماعيا. لكن النفس تميل بطبيعتها إلى تحصيل حقوقها أكثر مما تميل إلى أداء واجباتها, وتركها على هذا الحال يفسدها ويضعفها, ويقودها إلى الانحراف, ويخل بموازين الحياة, التي تقوم على الأخذ والعطاء, والعدل بين الواجبات والحقوق. فبقدر ما يأخذ الشخص من حقوق, يعطي واجبات, لأن واجباته حقوق لغيره عليه, وحقوقه واجبات على غيره له.

من هنا اقتضت الصحة النفسية التزام الإِنسان بعمل واجباته, وتعويد نفسه النهوض بها وعدم التقاعس عنها. فالنفس كالطفل إذا عود الخير نشأ عليه, وسعد به في الدنيا والآخرة. وإذا عود الشر وعلمه شقى وهلك.

وإلزام النفس بعمل الواجبات وترك الانحرافات عملية نفسية إرادية, تتضمن أفكار ومشاعر المسئولية والرضا والصدق والأمانة, وتدفع إلى الإِنجاز والتفوق, فيشعر الإِنسان بالكفاءة والجدارة, ويحصل على الاستحسان والتقدير, ويرضى عن نفسه وعن الناس وعن الحياة. وانشغال ذهن الإِنسان بعمل الواجبات, يطرد عنه أفكار الكسل والتقاعس, والغش والخداع والخيانة, أما إذا فرغ عقله من التفكير في واجباته, اندفعت إليه أفكار الانحرافات وانشغل بها.

فالطبيعة لا تقبل الفراغ كما هو معروف في الفيزيـــاء. (كارنيجــي, 1987 : 65).

وتحتاج مجاهدة النفس إلى الصبر ومثابرة, حتى تتعود على عمل الواجبات, وترك الانحرافات. والصبر في هذه المواقف أصح من الصبر في المصائب, لأن الأخير صبر على قضاء لا مفر منه : صبرنا أو جزعنا, أما الصبر على الواجبات وترك الانحرافات فصبر اختياري. فكل شخص حر في أن يعمل واجباته, أو يهمل فيها, ور في أن يحجم عن الانحرافات, أو يقبل عليها. وهو المسئول عن هذا الاختيار. والعقل من يجاهد نفسه, ويلزمها بواجباتها, ويبعدها عن الانحرافات التي تفسدها.

وواجبات الإِنسان في الحياة كثيرة, موزعة على مجالات الصحة النفسية الأربعة : النفسي والجسمي والاجتماعي والروحي, فعلى كل إنسان واجبات نحو نفسه والناس. ونحو الله, وعليه أن يلزم نفسه القيام بها, دون إفراط ولا تفريط. قال رسول الله ــ صّلى الله عليـه وسلم ــ : (( إن لبدنك عليك حقا, ولنفسك عليك حقا, ولزوجك عليك حقا, ولربك عليك حقا. فآت كل ذى حق حقة )).

وتتلخص أهم واجبات الإِنسان في الحياة في الآتي :

( أ ) واجبات نحو النفس : من هذه الواجبات الآتي :

1 ـــ المحافظة على حياته, والاستفادة من وقته في عمل ما ينفعه, وينفع الناس, ويرتقي بالحياة. فلا يؤجل عمل اليوم للغد, ولا يضيع وقته في أعمال تافهة.

فكل يوم ـــ كما قال حسن البصري ـــ خَلْق جديد, على علمنا شهيد, ولن يعود إلى يوم القيامة.

وكل أنسان سوف يحاسب على عمره, ويسأل عما عمله فيه. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( لاتزول قدما عبد يوم القيامة, حتى يسأل عن عمره فيم أفناه, وعن عمله فيم فعل فيه, وعن ماله من أين اكتسبه, وفيم أنفقه, وعن جسمه فيم أبلاه ))(35).

2 ـــ الاجتهاد في اختيار الزوجة ( أو الزوج ) المناسبة, واختيار العمل المناسب لقدراته وميوله, فاختيار الزوجة والعمل أهم قرارين يتخذهما الإِنسان في حياته, يقوم عليهما سعادته أو شقاوته في الحياة.

3 ـــ الاجتهاد في صحبة الصالحين, ومجالسة الجادين في الحياة, وملازمة المخلصين في أعمالهم, والابتعاد عن المفسدين والمستهترين والغشاشين, فلا ينكر أحد التأثير المتبادل بين الأصدقاء.

قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ (( الخليل على الدين خليله فلينظر كل منكم من يخالل ))(36).

وقال : (( إنما مثل الجليس الصالح والجليس السوء كحامل المسك, إما أن يحذيك وإما أن تبتاع منه وإما أن تجد منه ريحا طيبا. ونافح الكير : إما أن يحرق ثيابك وإما أن تجد منه ريحا خبيثة ))(37).

4 ـــ المحافظة على الصحة بإشباع حاجات جسمه بالقدر المناسب, وبأساليب مشروعة, فيتعدل في طعامه, وينظم نشاطه وراحته ونومه, ويحافظ على مظهره وحيويته, فصحة الجسم من صحة النفس (Maslow, 1970)(نجاتى, 1984).

5 ـــ حفظ صحة النفس وحمايتها وتزكيتها, بإشباع حاجاتها النفسية والاجتماعية والروحية, وفهم قدراتها وإمكاناتها ومواهبها, وتنمية أفكار ومشاعر السعادة, وطرد أفكار ومشاعر العداوة والشقاء, بالتجاوب مع الأولى, وعدم التجاوب مع الثانية. فكل إنسان يستطيع ضبط وتوجيه أفكاره ومشاعره اللا إرادية بالتحكم في سلوكياته الإرادية.

( ب ) الواجبات الاجتماعية :

تهدف أداء هذه الواجبات إلى ربط الإِنسان بغيره, وتنمية مشاعر المودة والمحبة, والثقة والتعاون بين الناس, وتحسين الحياة الاجتماعية. ومن هذه الواجبات الآتي :

1 ـــ تكوين الأسرة بالزواج, وإنجاب الأطفال, ورعايتها ووقايتها من الانحراف, وطاعة الوالدين, وصله الرحم, وحب الزوجة والأولاد, وتوفير سبل الحياة الكريمة لهم, والاجتهاد في إرضائهم, وتحمل أذاهم, والعفو عن أخطائهم, وسعة الصدر معهم. قال عليه الصلاة والسلام : (( خيركم خيركم لأهله وأنا خيركم لأهلي )).

2 ـــ مشاركة الناس أفراحهم وأتراحهم ومساعدتهم على تنمية أنفسهم, وحمايتهم من كل ما يهدد حياتهم وأموالهم وأعراضهم ودينهم وعقولهم, وعليه زيارة المريض, ومواساة المصاب, ومساعدة المحتاج, ونصرة المظلوم, ومنع الظالم من الظلم, ومعاونة المنكوب, وتشميت العاطس, واتباع الجنازة. قال البراء بن عازب (( أمرنا رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ بعيادة المريض, واتباع الجنائز, وتشميت العاطس, وإبرار المقسم, ونصر المظلوم, وإجابة الداعي, وإفشاء السلام ))(38).

ويتفق علماء النفس الحديث على أن سعادة الفرد وتمسك الجماعة مرهونة بقيام كل فرد بواجباته نحو الناس القريب والغريب, الجار والبعيد, البار والفاجر. سواء اعترفوا بفضله, أو جحدوا به, فعليه أداء الواجب من أجل الواجب, والعطاء حبا في العطاء, وفرحا به (كارنيجي, 1987).

أما الإِسلام فجعل لأداء الواجبات نحو الناس هدفا أسمى من حب الواجب, أو الفرح بالعطاء, فأمر بمخالطة الناس, وتحمل أذاهم, ومساعدتهم ابتغاء مرضاة الله حتى يخلص الفرد في أداء واجباته للناس. قال تعالى : ( الذي يؤت ماله يتزكى وما لأحد عنده من نعمة تجزى إلا ابتغاء وجه ربه الأعلى. ولسوف يرضى )(39).

وغلظ الإِسلام الإِهمال في أداء الواجبات الاجتماعية, وجعلها إهمال في الواجبات نحو الله. فقال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( إن الله يقول يوم القيامة : يا ابن آدم مرضت فلم تعدني. قال : يارب وكيف أعودك وأنت رب العالمين ؟ قال : أما علمت أن عبدى فلان مرض فلم تعده ؟ . يا ابن آدم استطعمتك فلم تطعمني. قال : يارب وكيف أطعمك وأنت رب العالمين. قال : أما علمت أنه قد استطعمك عبدي فلان فلم تطعمه ؟ أما علمت أنك لو أطعمته لوجدت ذلك عندي ؟. يا ابن آدم استسقيتك فلم تسقني. قال : يارب العالمين ؟ قال : استسقاك عبدي فلان فلم تسقه. أما إنك لو سقيته لوجدت ذلك عندي ))(40).

( جـ ) الواجبات نحو العمل :

تهدف أداء هذه الواجبات إلى إشباع الحاجة إلى الإنجاز والتفوق والشعور بالكفاءة, والاستمتاع بخيرات النجاح, والحصول على الأجر والمكافآت والترقي. فالعمل الجاد وسيلة الإِنسان لتعمير الأرض, وزيادة الإنتاج, وإرشباع الحاجات, وتحسين الحياة (johns, etal, 1976). ومن واجبات الإِنسان نحو العمل الآتي :

1 ـــ حسن اختيار العمل, باستشارة المرشدين المهنيين في المدرسة والجامعة ومراكز الإرشاد عند اتخاذ قراره في هذا المجال. فاختيار العمل غدا علما وفنا, له علومه وأدواته وتقنياته.

2 ـــ الحرص على اكتساب المهارات والخبرات, وتنمية القدرات والمعلومات التي تساعد على حسن أداء العمل, والإبداع فيه. فكل شخص مسئول عن الارتقاء بعمله, وزيادة إنتاجه, والابتكار فيه. ويخطىء من يحسن في أداء واجبات عمله الخاص, ويهمل في أداء عمله الحكومي فأمانة العمل واحدة, والإِخلاص فيه واجب في كل الأحوال والأوقات, لا فرق في ذلك بين عمل حكومي أو غير حكومي. ويخطىء من يلتحق بدورة تدريبية ولا ينتظم في حضورها, ويضع وقتها, فحضور التدريب أفضل وسيلة لتنمية المهارات, وزيادة الخبرات, وتجديد المعلومات في العمل.

3 ـــ المحافظة على وقت العمل, والالتزام بمواعيد الحضور والانصراف’ واحترام الوقت, وعدم إضاعته في غير مسئوليات العمل. فوقت العمل وأدواته وخاماته وأمواله أمانة عند من يعمل فيه, سواء حصل على حقوقه كاملة أو منقوصة, في حضور صاحب العمل أو في غيابه, وسواء كانت أموال العمل حكومية أو غير حكومية. فكل شخص مسئول عن أداء أمانته, حتى يكون من المكرمين الذين هم لأماناتهم وعهدهم راعون(41).

( د ) الواجبات نحو الله :

ويهدف أداء هذه الواجبات إلى إشباع الحاجة إلى الدين, وتنمية الإِيمان بعمل ما يرضى الله. وتتلخص الواجبات في الآتي :

1 ـــ الإِيمان بالله ولا نشرك به أحدا.

2 ـــ طاعته في عمل ما أمر بخ من عبادات ومعاملات.

3 ـــ الابتعاد عما نهى عنه من الفواحش ما ظهر منها وما بطن.

4 ـــ التوبة من الأخطاء والمعاصي التي نقع فيها فالإِنسان ليس معصوما.

قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ لمعاذ بن جبل : (( هل تدرى ما حق الله على العباد. قلت : الله ورسوله أعلم. قال : فإن حق الله على العباد أن يعبدوه لا يشركوا به شيئا. ثم قال : هل تدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟. قلت : الله ورسوله أعلم. قال لا يعذبهم ))(42).

وقد جعل الله طاعته في عمل ما أمر به من واجبات نحو النفس والناس والعمل والأسرة, ونهى سبحانه عن كل ما يؤذى الفرد والجماعة, ويفسد الحياة. وهذا يعني أن الإِسلام جعل أداء الواجبات في الحياة اليومية الدنيوية حقوقا لله على العباد, وأثاب عليها (( ففي بضع أحدكم صدقه )) و (( واللقمة تضعها في فم زوجتك صدقة )) واجتهادك في العمل وتحصيل العلم وقضاء حوائج الناس عبادة (مرسى, 1987).

سيكلوجية مجاهدة النفس

وتتضمن مجاهدة النفس في عمل الواجبات وترك الانحرافات في المجالات الجسمية والنفسية والروحية عمليتين رئيسيتين : تنشيط أفكار ومشاعر عمل الواجبات بإنفاذها, والتعود على أدائها, إضعاف أفكار ومشاعر عمل الانحرافات, أو التقاعس عن الواجبات, بعدم التجاوب معها فتخبو وتنطفىء. وتقوم هاتين العمليتين على الأسس الآتية :

1 ـــ معرفة النفس : وقدراتها وميولها وطموحاتها وسلوكياتها, وجوانب الضعف والقوة فيها. فمعرفة الإِنسان بنفسه, تجعله قادرا على تقبلها, والتعامل معها بواقعية, وتوجيهها إلى عمل ما يزكيها وينفعها, وإبعادها عما يفسدها وتكليفها ما تقدر عليه.

لذا يسعى المرشدون التربويون والمهنيون والمعالجون النفسيون في عمليات الإِرشاد والعلاج, إلى تنمية معرفة الفرد بنفسه. فمعرفة النفس ـــ كما قال الأستاذ الدكتور محمد عثمان نجاتي ـــ تساعد على ضبط شهواتها وأهوائها, ووقايتها من الغواية والانحراف, وتوجيهها إلى الطريق القويم, طريق الإِيمان والعمل والصالح, مما يهيىء صاحبها للحياة الآمنة والسعادة في الدنيا والآخرة (نجاتي 1980 : 19).

2 ـــ الإِخلاص في أداء الواجبات : فالإِخلاص عملية نفسية تنشط أفكار ومشاعر الصدق في العمل, والاستمتاع بأدائه, والرضا به, وتدفع إلى الدقة والتفوق.

والفرق بين الرياء والإِخلاص في أداء العمل, يمكن في الدافع لإتقان العمل, والحاجة إلى المراقبة. فالمرائي يعمل واجباته رغبة الأجر والمديح والثناء, أو خوفا من العقاب والذم والتوبيخ. فإذا أُعْطِى اجتهد وإذ مُنِعَ تقاعس, وإذا شعر بالخوف من العقاب نشط في الآداء, وإذا أمن العقاب تراخى وأهمل. فالرياء عملية نفسية تتضمن أفكار ومشاعر الكذب, والنفاق, وعدم الثقة في النفس والناس. والمرائي لا يعمل من نفسه, فهو في حاجة إلى مراقبة من الناس ومتابعتهم.

أما المخلص في أداء واجباته, فيعمل من أجل العمل, ويحب العطاء من أجل العطاء, ويقوك بواجباته إذا كان وحده أو مع الناس, ويؤديها سواءحصل على الثواب أو مُنِعَه. فهو يعمل من نفسه, ولا يحتاج إلى مراقبة من الناس ومتابعة منهم. وهذا يجعل الإِخلاص روح العمل, ومصدر الدقة فيه, ومنبع التفوق والابتكار فيه.

وتضع كل مهنة أخلاقيات تحكم سلوكيات في العمل حبا فيها, وتلزمهم بالإِخلاص في العمل حبا فيه, ورغبة في العطاء. وتترك المراقبة في العمل لضمير العامل, وتمسكه بأخلاقيات مهنته. وتلزم بعض المهن العاملين الجدد فيها, أداء قسم الإِخلاص في أداء واجبات العمل في كل الأحوال, مثل القسم الذي يؤديه الوزراء, ووكلاء الوزارات والقضاء والضباط والأطباء وغيرهم. ويعتبر هذا القسم رقيبا وملزما للعامل على الاخلاص في عمله, ومن يحنث في هذا القسم فقد خان شرف المهنة, وتعدى على أخلاقياتها.

أما الإِسلام فقد أمر بالإِخلاص في العمل لهدف أسمى من شرف المهنة, وأرقى من أخلاقياتها, فحث كل شخص على أداء واجباته بدقة, وابتغاء مرضاة الله, وطلب منه أن يتعهد نيته, ويجعل قصده من أداء واجباته نحو نفسه والناس والعمل والأسرة طاعة الله وتقربا إليه, فيكون إخلاصه فيها أقوى وأشد, فيتقن عمله, ويحافظ على وقته, لأن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه. ويحسن إلى الناس ولا ينتظر منهم جزاء, لأنه يحسن إليهم لوجه الله لا يريد منهم جزاء ولا شكورا.

فالإِخلاص عندما يكون لشرف المهنة وأخلاقياتها, لا يخلو من رياء ونفاق, ولا تسلم النوايا فيه من شوائب الغش والخداع, فيخرج بعض العاملين على أخلاقيات مهنتهم, ويحنثون في قسمهم, ولا يحافظون على شرفها, ولا يقومون بواجباتها من أنفسهم, خاصة إذا أمنوا العقاب, أو كان في تعديهم على أخلاقها مكافأة أكبر من أجورهم الرسمية. وهذا ما يجعل الإِخلاص للمهنة وشرفها في حاجة إلى مراقبة الرؤساء للمرؤوسين غي كل المستويات. فكثير من العاملين يحسنون العمل في حضور الرؤساء, ويتقاعسون عنه في غيابهم. ويدرك الخبراء في الإِدارة أن الرقيب في حاجة إلى رقيب, وفي حاجة إلى من يساعده, ويترتب على أخطاء الرقيب ومساعديه مساوىء كثيرة في العمل وفي المجتمع.

أما عندما يكون الإِخلاص في العمل لله, فإن العامل يعمل من نفسه, ولا يحتاج إلى مراقبة من أحد, لأنه يشعر بمراقبة الله له في كل مكان في السر والعلن, ويخلص في أداء واجبات عمله, وينتظر الثواب من الله في الدنيا والآخرة.

لذا كان من الضروري إعطاء العمل إلى العامل صاحب الدين, ففي اعتقاده بوجود إلـٰه ـــ كما قال الأستاذ الدكتور عبد العزيز القوصي ـــ يراقب ويتابع ويأمر ويتهى, ويحاسب على النوايا والسرائر, ما | يدفعه إلى الإخلاص في العمل, فلا يتساهل مع نفسه في أداء واجب, ولا يقف عندما يرضى الرؤساء والزملاء, ويعمل واجباته في حضورهم أو غيابهم, أثابوه أو منعوه, لأن غايته في الحصول على الرضا والثواب من الله (القوصي, 1975 : 105).

3 ـــ تقويم الجهود ومحاسبة النفس أولا بأول : وتصحيح مساراتها في أداء الواجبات, فلا يجعل أداء واجب يمنعه من أداء الواجبات الأخرى. فلا تطغي واجبات العمل على واجبات الأسرة, ولا تشغله واجباته نحو نفسه عن واجباته نحو الناس, ولا يُفْرِطُ في واجباته الجسمية, ويُفَرَّرط في واجباته الروحية.

ويتم تقويم الجهود ومحاسبة النفس في ضوء إمكاناتها وقدراتها, والواجبات المطلوبه منها, والظروف التي تحيط بها, فلا نقسو عليها, ولا نتساهل معها, فإن بقضائه, وإن أخطأت وعملت محرما أو ممنوعا أصلحناها, وأرجعناها عن خطأ. فالإنسان في عمله اليومي كالتاجر الذي يمسك بدفاتر محاسبة يومية وأسبوعية وشهرية وسنوية, ليعرف مسارات تجارته, ويقف على المكسب والخسارة, حتى لا يفاجأ بخسارة فادحة, لا يمكن تعويضها. فمحاسبة الإِنسان لنفسه, وتقويمه لجهوده, يوقفه على جوانب القوة والضعف والإِفراط والتفريط في واجباته, فيصلح أمر نفسه قبل أن يحاسبه الآخرون على أخطائة في الدنيا, وقبل أن يحاسبه الله عليها في الآخرة. قال سيدنا عمر رضى الله عنه : (( حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أعمالكم قبل أن تحاسبوا, وزنوا أعمالكم قبل أن توزن عليكم )).

4 ـــ عدم الإصرار على الخطأ والرجوع عنه : فعند تقويم الجهود ومحاسبة النفس قد نكون موفقين فنحمد الله ونشكره. فيه تتم الصالحات, ونثابر في طريق النجاح. وقد نكون مقصرين في بعض الواجبات أو مرتكبين لبعض الأخطاء, فنتوب عنها ونرجع عنها, ونصلح ما ترتب عليها.

وتتضمن التوبة ـــ كما قال الإِمام الغزالي ـــ علم وحال وفعل, أى معرفة ووجدان ونزوع, ففيها معرفة بالخطأ وأضراره, وندم وأسف على فعله, ورغبة وإرادة في تركه, وعزم وإصرار على عدم العـودة إليــه ثانية. (الغـــزالي, 1986 : 37). فالتوبة عملية نفسية صحية يتم فيها التخلص من مشاعر الذنب, وتحويل أفكارالعجز والتشاؤم, الحط من شأن الذات إلى أفكار ومشاعر كفاءة وتفاؤل, ورفع من شأن الذات, فيبعث في النفس تفاؤلا ورضا, وإقبالا على الحياة, ورغبة في الإصلاح وترك الأخطاء.

ويحرص المعالجون النفسيون على علاج مشاعر الذنب العصابي عند المجرمين والمجانين والمضطربين نفسيا, عن طريق تبصيرهم بأخطائهم وذنوبهم بموضوعية, فلا يلومون أنفسهم لوما زائدا, ولا يبالغون في تحقيرها, باعتبار أن أخطاءهم محتملة, يمكن الإقلاع عنها والتخلص منها.

واهتم القساوسة بتشجيع المخطئين والمذنبين على الاعتراف في الكنيسة بذنوبهم, والندم عليها, وتركها وعدم العودة إليها ويعتبرون جلسات الاعتراف من عوامل تخفيف قلق الشعور بالذنب. أما الإِسلام فقد جعل التوبة من الخطأ كالثلاة, فرض عين على كل مسلم, ورغَّب فيها, وذم من يستكثر ذنوبه ويستعظمها, ويقنط من رحمة الله. قال تعالى : ( قل ياعبدي الذين أسرافوا على أنفسهم لا تقنطوا من رحمة الله. إن الله يغفر الذنوب جميعا )(43) وقال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( لو أخطأ أحدكم حتى نلأ ما بين السماء والأرض ثم تاب تاب الله عليه ))(44).

فباب التوبة من الخطأ مفتوح دائما أمام المخطئين, لكى يتوبوا ويتخلصوا من التوترات ومشاعر الذنب العصابي Neurotic feelings of guilt  التى تُظْهر العصاب والذهان, وقد تدفع إلى الانتحار.

والتوبة التي تعالج الذنوب, وتخفف التوترات, ليست كلمات تقال, ولا حركات تؤدي, لكنها اخلاص في النية على ترك الخطأ, واقلاع فوري عنه, وعزم صادق على عدم العودة إليه. قال تعالى : ( الذين إذا فعلوا فاحشة أو ظلموا أنفسهم, ذكروا الله, فاستغفروا لذنوبهم, ومن يغفر الذنوب إلا الله, ولم يصروا على ما فعلوا, وهم يعملون, أولئك جزاؤهم مغفرة من ربهم, وجنات تجري من تحتها الأنهار خالدين فيها )(45).

وتتضمن التوبة النصوح, تحمل الإِنسان مسئولية الأضرار التي لحقت الآخرين بسبب خطئه, وتعويضهم عنها, وطلب العفو منهم (الغزالي, 1986). فتقبل المخطىء لمسئولياته, وسعيه إلى إصلاحها, تشعره بالكفاءة, والرضا عن نفسه وعن الناس. أما إذا كان الخطأ في حق الله, فيكفي تركه, والندم عليه, وعدم العودة إليه, والاجتهاد في عمل ما يرضي الله الذي يبسط يده بالليل ليتوب مسىء النهار, ويبسط يده بالنهار ليتوب مسىء الليل(46). ويبدل سيئات التائب حسنات وهو الغفور الرحيم(47).

وقد عظم الإِسلام التوبة, ورفع من شأن التوابين, وجعل توبتهم عملا تعبديا, يحبه الله, ويفرح به. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( الله افرح بتوبة عبده حين يتوب, من أحدكم كان على راحلته بأرض فلاة, فانفلتت منه, وعليها طعامه وشرابه, فأيس منها, فأتى شجرة فاضطجع في ظلها. وقد أيس من راحلته فبينما هو كذلك إذ هو بها قائمة عنده, فأخذ بخطامها. ثم قال من شدة الفرح, اللهم أنت عبدي وأنا ربك, أخطأ من شدة الفرح ))(48). وقد جعل الله باب التوبة مفتوحا أمام التائب, مهما تعددت أخطاؤه, وتكررت ذنوبه. ففي كل مرة يفرح الله بتوبته لأن فيها اعتراف من التائب بوجود إلــٰه غفور. قال رسول الله ــ صّلى الله عليــه وسلم ــ : (( إن عبدا أذنب ذنبا. فقال : رب أذنبت ذنبا فاغفر لي. فقال ربه : أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي. ثم مكث | ما | شاء ثم أذنب ذنبا. فقال : رب, أذنبت آخر فاعفره, فقال : أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به ؟ غفرت لعبدي. ثم مكث ما | شاء الله, ثم أذنب ذنبا, فقال رب أذنبت آخر فاغفره لي ـــ فقال : أعلم عبدي أن له ربا يغفر الذنب ويأخذ به, غفرت لعبدي ثلاثا فليعمل ما شاء ))(49) ما دامت توبته توبة نصوح.

المراجع

  • ابن حزم, على. كتاب الأخلاق والسير. مجموعة الروائع الإِنسانية لانسكو, السلسلة العربية. بيروت : اللجنة الدولية لترجمة الروائع, 1961.
  • ابن قيم, محمد بن أبى بكر. زاد المعاد فى هدى خير العباد ج3 مراجعة طه عبد الرؤوف طه. القاهرة : مكتبة الحلبي 1970م.
  • مدارج السالكين ( ج2). بيروت : دار التراث, 1982.
  • الروح. بيروت : دار المتب العلمية, 1982م ( أ ).
  • رسالة في أمراض القلوب. الرياض : دار طيبة, 1983.
  • ابن مسكويه, على أحمد بن محمد, تهذيب الأخلاق وتطهير الأعراق. القاهرة : مكتبة صبيح, 1959.
  • الغزالي, أبو حامد, احياء علوم الدين ج3. بيروت : دار المعرفة, 1967.
  • الغزالي, أبو حامد, التوبة. من احياء علوم الدين. القاهرة, 1986.
  • الغزالي, محمد. خلق المسلم. القاهرة : دار الكتب الحديثة, 1974م.
  • القوصى, عبد العزيز, أسس الصحة النفسية. القاهرة : النهضة المصرية, 1975.
  • الكيلاني, نجيب. قصة الايدز. بيروت : مؤسسة الرسالة, 1987.
  • المقدسى, أحمد عبد الرحمن بن قدامة. مختصر منهاج القاصدين. تحقيق شعيب عبد القادر الأرنووط. دمشق البيان, 1978.
  • برنهارت, ك. علم النفس في الحياة العلمية. ترجمة إبراهيم عبد الله محيي (ط3) بغداد : مطبعة العاني, 1967.
  • عزب. العلاج السلوكي. القاهرة الانجلو, 1981.
  • فرحان, اسحاق أحمد. التربية الإِسلامية بين الأصال والمعاصرة. عمان : دار الفرقان 1983.
  • كارنيجي, ديل. دع القلق وابدأ الحياة ( ترجمة ) بيروت. دار مكتبة الهلال 1987.
  • محمد, محمد عودة, ومرسى, كمال إبراهيم : الصحة النفسية في ضوء علم النفس والإِسلام (27). الكويت : دار القلم 1986م.
  • § مرسى, كمال إبراهيم, تعريفات الصحة النفسية في الإِسلام وعلم النفس. بحث نوقش في مؤتمر, إسلامية المعرفة ( قضايا المنهجية والعلوم الإِسلامية ) : الخرطوم, بجمهورية السودان في يناير 1987 وقُبِل للنشر بمجلة كلية الشريعة بجامعة الكويت, 1988.
  • نجاتي, محمد عثمان. القرآن وعلم النفس. القاهرة : دار الشروق, 1980.
  • نجاتي, محمد عثمان. مفهوم الصحة النفسية فى الإِسلام والقرآن الكريم والحديث الشريف نشرة الطب الإِسلامي 1984م, 3 (5) 507 ـــ 518.

Bon El – azayem. G&suef, M. Comparative evaluntary treatmeni of opium dependents. World Islamic Association for Mental Health (WIAMH) Cairo, 1985.

Ammar. S. The role of physicianto consolidate the Islamic Values during his duty in Tunisia (WIAMH) First International congress. 1985. 41- 44.

Baashet. T.A. The meaning of mental health. (WIAMH)First of international congress, 1985 : 12 – 17.

Dicaprio. N.S The good lif models for a healthy Personality. New Jersy : Prentic – Hall. 1976.

Hoffnan. N.S. A New World of health. New York : Hill, 1977.

Johns. E.B. Sutton, W.C & Cooly, B.A. Health for effective living (6th ed.) New york : Mcgraw Hill Co. 1976.

Maslow. A.H. Motivation and personality (2nd ed). New York Harper & Row publ 1970.

Pearsall. P. Super lmmunity. New York. MaGaw Hill Co., 1987.

Sharif. M. Tahjjad (per-dawn prayers) therapy in depression illness. WIAMH. First International congress. 1985. 47-50.

Williamson. R.C. Marriage and family relations (2nd ed.) New York : Wiley, 1972.

الهوامــش

(1) سورة أل عمران : 134.

(2)  الترمذى.

(3)  سورة البقرة : 216.

(4)  من حديث رواه الترمذي.

(5)  من حديث متفق عليه.

(6)  المؤمن أمره كلمة خير ـــ أن أصابته سراء شكر, فكان خير له, وإن أصابته ضراء صبر فكان خيراً له. (رواه مسلم في باب الزهد).

(7)  من حديث للرسول عليــه الصلاة والسلام رواه النرمذي.

(8)  سورة العنكبوت : 2, 3.

(9)  من حديث للرسول عليــه الصلاة والسلام متفق عليه.

(10)                    سورة البقرة : 155 ـــ 157.

(11)                    من الإِيمان أن يحب المسلم لاخيه ما يحب لنفسه. (رواه البخارى في باب الإِيمان).

(12)                    من حديث رواه البخاري.

(13)                    حديث في الجامع الصغير ورواه الترمذي أيضا.

(14)                    من حديث للرسول عليه الصلاة والسلام متفق عليه.

(15)                    رواه مسلم.

(16)                    سورة الانسان : 8, 9.

(17)                    من حديث متفق عليه.

(18)                    متفق عليه.

(19)                    مدارج السالكين ج2.

(20)                    رواه البخاري.

(21)                    سورة آل عمران : 134.

(22)                    سورة فصلت : 34.

(23)                    رواه الطبراني.

(24)                    الصدق نوعان : صدق الأقوال وهو الاخبار بالحقيقة ويسمى بصدق اللسان. وصدق الأفعال وهو الاخلاص في العمل بحيث يتسق الظاهر مع الباطن.

(25)                    ابن القيم : زاد المعاد في هدى خير العباد.

(26)                    سورة الأحزاب : 70.

(27)                    سورة محمد : 21.

(28)                    رواه الترمذى.

(29)                    من حديث رواه مسلم.

(30)                    رواه ابن أبى الدنيا.

(31)                    رواه مالك.

(32)                    سورة الرعد : 28.

(33)                    من حديث متفق عليه.

(34)                    الترمذى.

(35)                    متفق عليه.

(36)                    رواه البخاري ومسلم.

(37)                    رواه الترمذى.

(38)                    رواه البخاري.

(39)                    رواه البخاري.

(40)                    متفق عليه.

(41)                    سورة اليل : 18 ـــ 21.

(42)                    رواه مسلم.

(43)                    من تفسير ايات 32, 35 من سورة المعارج.

(44)                    من حديث متفق عليه.

(45)                    سورة الزمر : 53.

(46)                    رواه ابن ماجه.

(47)                    سورة آل عمران : 135, 136.

(48)                    من حديث رواه مسلم.

(49)                    من تفسير آية 70 من سورة الفرقان.

(50)                    رواه مسلم.

(51)                    رواه البخاري.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر