يشتمل القرآن الكريم على آيات من الإعجاز في مجال العلوم الطبية . وهي نماذج فريدة توضح كيف أن القرآن الكريم قد سبق المعارف البشرية . فقد تنزلت هذه الحقائق سابقة الزمن بأربعة عشر قرنا ولم يتمكن أحد من فهمها إلا بعد الاكتشافات الحديثة في الطب وعلوم الحياة ، تلك المكتشفات التي صارت ممكنة بعد استحداث الوسائل الجديدة في الفحص وأساليب التشخيص .
وقد قام كثير من علماء المسلمين بجمع هذه الآيات ونشرها مع بعض التفاسير في ضوء المعلومات العلمية الحديثة (1) . وفي رأيهم أن ذلك يخدم قضية اليقين والإيمان بالله .
وقد أجري بعض الباحثين دراسات مقارنة بين القرآن الكريم والكتب السماوية الأخرى فيما يتعلق ببعض القضايا مثل خلق الإنسان . وقد بنيت تلك الدراسات على ما ورد في القرآن الكريم من حقائق علمية ليس لها نظير في الكتب الأخرى ، ومن ذلك الدراسات الرائدة التي قام بها الدكتور موريس بوكاي . (2)
ومن جانب أخر فبعض الفقهاء المسلمين لا يتحمسون للمضي قدما في هذا المجال ، فهم لا يشجعون تفسير الآيات الكريمة بنظريات وقوانين دائمة التغير للعلوم الطبيعية . وهذه الآيات في نظرهم لا يقصد بها إرساء حقائق علمية بل إنها تحمل رسالة إلي المسلمين تدعوهم إلي التدبر والاستكشاف ودراسة الخليقة الرائعة للخالق العظيم . وهم بذلك لا يوافقون على أن يستخلصوا من النص القرآني أكثر مما يحلمه المعني اللفظي ببساطة . (3)
وعلى الرغم من هذا التباين في وجهات النظر حول مجال تفسير هذه الآيات فإن هناك إجماعاً على أن معجزة القرآن ليست مرتبطة بتلك الآيات التي تلمس العلوم الطبيعية .
إن مادة القرآن الكريم أكبر من أن يحتويها مجال محدود من المعرفة . إنه كتاب الهداية الحق الداعي إلي بناء أمة الإسلام التي تقيم رسالة الله في الأرض . وقد وضع القرآن الكريم الخطوط العريضة للتشريع في مختلف مجالات الحياة دون الدخول في التفاصيل .
والقرآن بذلك يقر المفاهيم الصحيحة ويضع الإنسان على الطريق السوي في حياته الدنيا .
وفي ضوء المناقشة السابقة ما هو موقع جوانب الإعجاز العلمي للقرآن الكريم في مناهج التعليم الطبي ؟
لماذا يجب أن تتضمنها هذه المناهج ؟
وأين يجب أن توضع موضع الدراسة ؟
هناك اعتبارات كثيرة تسوغ تضمين الآيات المتعلقة بالطب وعلوم الحياة في التعليم الطبي : –
1 – تشكل الآيات المتعلقة بالطب وعلوم الحياة أغلبية بين الآيات المرتبطة بالعلوم الأخرى .
2 – ترتبط العلوم الطبية ارتباطا مباشراً بقدرة الله تعالي في خلق أفضل مخلوقاته وهو الإنسان . والمسلم مطالب بأن يتدبر في خلقه ليستشعر نعمة الله عليه إذ سواه في أحسن تقويم .
( سنريهم آياتنا في الأفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) ( فصلت 53 ) .
3 – الطب من العلوم التطبيقية التي وصفها الإسلام بالعلوم النافعة . لذا فدراستها العمل بها نوع من العبادة طالما اقترنت بالنية الصالحة . وكان رسول الله صلي الله عليه وسلم دائما يحذر من أنواع المعرفة التي لا تحمل خيرا للبشرية حيث يقول :
” اللهم إني أعوذ بك من علم لا ينفع “
4 – يعتبر فهم التصور الإسلامي للحياة ضرورياً لأداء واجبات معينة مطلوبة من كل مسلم نحو نفسه ونحو أخيه المسلم ونحو المجتمع ونحو الحياة بأشكالها سواء كانت أدمية أو حيوانية . وهذا يشكل جانبا أساسيا في ثقافة الطبيب المسلم الذي يتعامل مع الحياة البشرية . لذلك فإن نظرة الإسلام للحياة والخلق والمرض والعلاج يجب أن تكون مفهومة بوضوح لأي مسلم يدرس الطب أما الموقع الذي يجب أن تدخل فيه هذه الآيات فإننا نلخص مقترحاتنا بشأنه فيما يلي : –
1 – يجب أن يكون إدخال الآيات القرآنية في المنهج الطبي جزءاً من خطة عامة لأسلمه العلوم أو الصياغة الإسلامية للمعارف و هذه الخطة ذات عنصرين :
أ – العنصر الأول : هو دراسة الآيات مع تفسيرها في موقعها المناسب مرتبطة بدراسة الموضوع المتعلق بها . فمثلا تدرس آيات المتعلقة بالمحيض مع مقرر علم التوليد وهكذا .
ب – والعنصر الثاني : هو أن المنهج الطبي يجب أن يركز على الصلة بين دراسة الجسم البشري وقدرة الله في خلقه وتنظيم وظائفه وأحكامها . ولا بد أن يوضع طالب الطب في الموقف العقائدي الحق الذي يتطلبه منه إسلامه عندما يواجه هذه الحقائق . ويلزم تنقية التعليم الطبي من تلك الأفكار التي تنسب الخلق إلي الطبيعة . وحيثما أمكن يجب الاستشهاد بأية كريمة أو حديث شريف لتعزيز المعلومات العلمية المتعلقة بهما .
والهدف النهائي هو بناء إيمان أقوي بالله عز وجل يتوازي مع نمو المعلومات الطبية . وهذا الاتجاه يجب أن يكون صيغة مميزة للتعليم الطبي في البلاد الإسلامية .
2 – ومع ذلك فإن خطة أسلمة المناهج الطبية التي سبق ذكرها لا تعدو أن تكون عناصر قليلة متفرقة في المراحل الأولي للتعليم الطبي . ومع أنها قد تلبي حاجة المؤمن إلا أنها تظل غير كافية لتكوين قدر شامل من الثقافة والمعلومات الإسلامية التي تلزم الطبيب المسلم .
ولتحقيق هذا الغرض فإذا تقترح أن تتضمن المرحلة الأخيرة للمنهج الدراسي مقرراً في الطب الإسلامي يشتمل على ما يلي : –
أ – موضوعات متخصصة تتناول نظرة الإسلام الممارسة الطبية . وهذه تشمل فصولا عن الإسلام والطب الوقائي ، والإسلام والعلاج الطبي ، ونظرة الإسلام للمرضي وللمريض وزائره ونظرته للميت .
وهذه الموضوعات يجب أن تحتوي كل الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة المرتبطة بها ، وتصاغ بطريقة توضح النظرة الإسلامية المتميزة للطلب ، حتى يمكن أن تنعكس على مفاهيم الطبيب وسلوكه .
ب – دراسة الفقه الإسلامي اللازم الطبيب المسلم في ممارسته لمهنته ، سواء كان ذلك لسلوكه الشخصي أو لإرشاد مرضاه . وهذا يمكن أن يشمل الأحكام التي تنظم الرخص الشرعية للعبادة في حالات المرض ، والضوابط التي تحكم الإنعاش الصناعي والرعاية المركزة ، وزرع الأعضاء والجراحة التصويبية ، ومشاكل الخصوبة والإنجاب وهندسة الوراثة وغيرها من الإجراءات المستحدثة في الطب وعلوم الحياة .
ج – آداب مهنة الطب من وجهة النظر الإسلامية . وهذا العلم يدرس في كليات الطب على أسس وضعية لا تخلو من الشطط والانحراف . والإسلام يحتوي على ثروة في القواعد السلوكية قادرة على إقامة مدرسة تربوية مهنية تربي الطبيب على القيم الرفعية التي تهتدي بها في عمله المهني .
وهذا المقرر المقترح في الطب الإسلامي يمكن أن تكون علامة مميزة للتعليم الطبي في البلاد الإسلامية . ولاشك أنه سينعكس بالخير على مفاهيم الخرجين وسلوكهم بطريقة ترقي بالعلاقات الإنسانية السائدة في المجتمع وبخدمات الرعاية الصحية . ومن حسن الطالع أن جامعة الملك عبد العزيز قد أخذت الخطوة الأولي بإنشاء قسم الطب الإسلامي تابع لمركز الملك فهد للبحوث الطبية وهذا القسم في طريقه لجمع المادة العلمية اللازمة لهذا المقرر الدراسي . وهو بتعاون في هذا المجال تعاوناً وثيقاً مع منظمة الطب الإسلامي في الكويت والمراكز الأخرى في مختلف بقاع العالم الإسلامي .
المراجع
1 – دياب أ . ه . قرقوزا .
مع الطب في القرأن الكريم . مؤسسة علوم القرآن دمشق 1980 .
2 – بوكاي ، م .
أصل الإنسان والكتب المقدسة في ضوء العلم الحديث . مجلد أعمال المؤتمر العالمي الثاني للطب الإسلامي . الكويت 1982 ص 53 – 95 .
3 – محرم ، م . ر .
بدعة تفسير القرآن بالعلم . المسلم المعاصر 1980 عدد 22 ص 125 – 134 .
