أبحاث

مشكلة المنهج فى دراسة مصطلح النقد العربى القديم

العدد 55- 56

مشكلة المنهج :

مشكلة المنهج هى مشكلة أمتنا الأولى.

ولن يتم تحليقنا العلمى ولا الحضارى إلا بعد الاهتداء فى المنهج للتى هى أقوم ، وبمقدار تفقهنا فى المنهج ورشدنا فيه يكون مستوى انطلاقنا كما وكيفاً . والأمر ما ألزم الله عز وجل الإنسان – مثلا قى المسلم – بهذا الدعاء ، سبع عشرة مرة فى اليوم (( اهدنا السراط المستقيم )) . (2) .

إن حرصنا على استقامة المنهج فى كل شئ ، ينبغى أن يكون فوق كل حرص .

وإن الجهود الذى نبذله من أجل تقويم المنهج ينبغى أن يكون أكبر من كل مجهود ؛ إذا العلم – كما هو معلوم – ليس هو القناطير المقنطرة من المعلومات يتم تكديسها وخزنها فى أدمغة بنى آدم ، وإنما هو صفه تقوم بالشخص نتيجة منهج معين فى التعلم والتعليم ، تجعله قادراً على ما لم يُعلم .

والعالم ليس هو الذى يحمل فى رأسه خزائن ومكتبات ، ولكنه الذى يعرف كيف يوظف ما فى رأسه وما فى الخزائن والمكتبات ، ومن أجل إضافة بعض الإضافات . حقا إنه لا بد من الاستيعاب أولا – وهو جزء من المنهج – ، ولكن المهم هو ما بعد ذلك من تحليل وتعليل وتركيب .

والناظر فى أحوال الأمة عامة ، والحال العلمية منها خاصة ، يلحظ بيسر أن مسألة المنهج لما تعط حظها من العناية والرعاية ، وأن كثيراً من الأموال والأوقات والطاقات تضيع بسب فساد المنهج .

وإذا جاز الترخيص فى شئ ، فإن البحث العلمى لا ينبغى أن يكون من ذلك بحال ؛ لأنه بمثابه القلب من جسد الأمة ، وإذا صلح صلح الجسد كله ، وإذا فسد فسد الجسد كله . والأمة دائما بخير ، مادام فيها بحث علمى حقا ؛ ينير ويشق لها الطريق ، ويحقق ويؤكد لها ذاتها التاريخية ماضيا وحاضرا ومستقبلا . وبغير المنهج القويم لا يمكن أن يستقيم للبحث العلمى سير .

إن الحال العلمية عندنا تشكو من عديد من الأمراض ، منها : التكديس بدل البناء ، والاستهلاك بدل التصدير ، والجمع بدل البحث ، والارتجال بدل التخطيط ، والفردية بدل الجماعية ، والتسرع ،بدل التأنى والتعميم بدل التدقيق ، والفوضى فى عدد من المجالات بدل الضبط .. ومرد ذلك كله – عند التأمل – إلى فساد المنهج . فهل ستولى هذه المسألة حظها من الاهتمام ، فنفكر ، قبل السير ، فى الهدف  من السير ، ومراحل السير ، وكيفية السير ؟ أم سنظل سائرين وكفى ؟ وحسبنا إننا نسير ؟

مشكلة المنهج فى دراسة النقد العربى :

لقد خلت على النقد العربى عشرات السنين ، وهو يُدرَسَ ويُدَرَس ، ويؤلف فى أعلامه ومعالمه ، وبيئاته واتجاهاته ، وظواهره وقضاياه ، وتاريخه وأسسه … ثم ظهرت فيه مؤخرا موجات من القراءات الجديدة له ، ضمن حملة القراءات المشنونة عليه  وعلى غيره .. فهل نستطيع – بعد كل ذلك وبكل ذلك – أن نزعم مطمئنين أننا قد فرغنا من ضبط قواعد فهم مصدر نقدى واحد ؟ وهى الخطوة الأولى الضرورية لأصدار أى حكم .

إننا يجب أن نعترف – من باب نقد النفس بالنفس – بأن ما أصدرناه من أحكام ، لا تزداد إلا تراكما مع الأيام ، فى حاجة إلى غربلة شاملة ! ذلك بأنا لم نأت البيوت من أبوابها – وإنما أبواب كل نص البحث علمى مصطلحاته – فقدمنا ، وما زلنا نقدم ، ما حقه التأخير ، وأخرنا ، وما زلنا نؤخر ، ما حقه التقديم ، وإذا كان عذر الأولين فى بداية القرن ، أن فى صنيعهم ضربا من مطابقة الدرس النقدى لمقتضى الحال ، نظرا للبدايات ، فما عذر الآخرين وقد بين الصبح لذى عينين ؟!

إن ألفاظ النص النقدى قديما وحديثا تتحدانا ، وإننا إذا أهملناها أوقعتنا فى كبائر ، كتلك التى أتاها بعض الدارسين المحدثين حين فسر كلمة ((مثل)) فى قول لأبى عثمان الجاحظ بالمعنى الشائع للمثل والأمثال اليوم (3) . وأكبر الكبائر – لا شك – أن نظن أننا يمكن أن نفهم النقد – وما نحن له بفاهمين – دون اقتحام عقبة المصطلحات .

لقد كان علينا وما زال – إذا أردنا السير بشئ من الاستقامة المنهجية فى دراسة هذا النقد ، بعد مرحلة التقارير عن الرحلات التى هى الطابع كل بداية – كان علينا وما زال :

1- أن نخرج نصوصه موفاة حقها من التوثيق والتحقيق والتكشيف .

2- وأن ندرس ألفاظه دراسة علمية منهجية .

3- ثم يأتى من بعد ذلك الدراسة للمحتوى بشروطها العلمية ، ومن جوانبها المختلفة ، وتأتى القراءات له بمختلف الألوان والنظارات .

فهل أنجزنا يا ترى خطوة من تلك الخطى على وجهها الصحيح ؟

هل نصوص النقد العربى الآن ماثلة أمامنا كاملة غير منقوصة ؟ وهل ما أخرجناه منها قد وفيناه حقه ؟ ؛ ما خبر النقاد الذين لم تصلنا كتبهم ووصلتنا نصوص لهم فى القرون التالية ؟ وما شأن عديد الكتب يقام عليها الدرس تلو الدرس ، دون توثيق ولا تحقيق كا فيين ؟ ؛ ما خبر فحولة الأصمعى ؟ ولمن هى قواعد الشعر المنسوب إلى ثعلب ؟ وهل حال بديع ابن المعتز أو عيار ابن طبا طبا بالحال التى ترضى ؟ ولماذا اعتمدنا على ((العمدة)) غير الصالحة للاعتماد فى عدد من نصوصها سنين عددا ؟ ولماذا ولماذا ؟؟ ….. كل ذلك يجلى حقيقة صارخة ، هى أن المكتبة النقدية – كغيرها من المكتبات للأسف الشديد – لا تزال نصوصها غير معدة الإعداد العلمى الذى يسمح بإقامة دراسات عملية عليها حقا ، فى اطمئنان .

إن ذلك الإعداد ، وما لابد منه له ، خطوة كان يجب أن تقطع أولا ، وإن الدراسة العلمية المنهجية لألفاظ النصوص المعدة هى الخطوة الثانية (( لا يقدم – ولا ينبغى أن يقدم – عليها تاريخ ولا مقارنة ، ولا حكم عام ولا موازنة ؛ لأنها الخطوة الأولى للفهم السليم الذى عليه ينبنى التقويم السليم ، والتاريخ السليم )) (4) .

فهل تمت تلك الدراسة أيضا لتلك الألفاظ ؟ وهل ما تم منها تم وفق متطلبات المنهج ؟ .

واقع الدراسة المصطلحية للنقد العربى

إننا إذا رجعنا إلى المكتبة المصطلحية الحديثة ، منقبين عن الكتب التى خصصها اصحابها لدراسة المصطلحات النقدية والبلاغية عند العرب ، فإننا سنفاجأ – لا محالة – بالفقر الشديد الذلا يعرفه هذا الجناح من المكتبة ، كما سنفاجأ بحداثة سن الجناح ؛ فما أحسب أن عمر أول مؤلف فى هذا الميدان يجاوز عشرين سنة .والذى وصل إلى خبره من المطبوع أو المرقون هو :

1- رسالة  الدكتور أحميدة النيفرالمقدمة فى باريس لنيل دكتوراه السلك الثالث بعنوان : (( مفردات البلاغة والنقد الأدبى عند قدامة بن جعفر (نقد الشعر) رقنت سنة  1970.

2- مصطلحات بلاغية ، للدكتور أحمد مطلوب . طبع 1972 .

3- مفاهيم الجمالية والنقد فى أدب الجاحظ ، للدكتور ميشال عاصى . طبع فى يناير  1974.

4- مصطلحات نقدية أصولها وتطورها إلى نهاية القرن السابع للهجرة ، للأستاذ خير لله على السعدانى ، رسالة ماجستير نوقشت فى يونيو   1974

5- معجم البلاغة العربية ، للدكتور بدوى طبانة . تاريخ مقدمة الطبعة الاولى :     20 /3/  1975.

6- مصطلحات نقدية وبلاغية فى كتاب – البيان والتبين للجاحظ ، لصاحب هذا العرض . رسالة دبلوم الدراسات العليا نوقشت فى يونيو 1977،ثم طبعت سنة 1982 .

7- المصطلحات النقدية والبلاغية فى كتاب نقد الشعر لقدامة بن جعفر ، دراسة لغوية تاريخية نقدية ، للأستاذ إدريس الناقورى . رسالة دبلوم الدراسات العليا نوقشت فى مارس 1981 ، ثم طبعت سنة  1982 بعنوان :(( المصطلح النقدنى فى نقد الشعر ، دراسة لغوية تاريخية نقدية )) .

8- معجم مصطلحات البلاغية وتطورها ، للدكتور أحمد مطلوب . طبع الجزء الأول سنة  1983، وطبع الجزء الثانى سنة 1986.

ذلك كل ما انتهى إليه علمى مما صدر فى الموضوع  (6). والغلب وجود غيره مدوناً أو مطبوعا فى جهات مختلفة من أنحاء العالم … لكن قلة التنسيق أو انعدامه بين مراكز البحث العلمى – ولا سيما الجامعات – يجعل التتبع التام متعذراً (7) ، كما يجعل الدروس عرضة لأن يدرس مرات كثيرة .

وإذا نظرنا إلى تلك الكتب من حيث المنهج المعتمد فيها ، فإنه يمكن تصنيفها إلى ما يلى :

المنهج التاريخى فى دراسة مصطلح النقد العربى :

أ- صنف آثر المنهج التاريخى ، وهو نتاج ما يمكن تسميته ب (( المدرسة العراقية )) . ويمثله ثلاثة كتب : مصطلحات بلاغية ، ومعجم المصطلحات البلاغية وتطورها ، ومصطلحات نقدية أصولها وتطورها إلى نهاية القرن السابع للهجرة .

والحاجات العلمية التى جاءت كتب هذا المصنف لتسدها هى :معرفة التطورات التى عرفتها دلالة بعض المصطلحات ، (( ليكون تاريخ تطورها – كما يقول الدكتور أحمد مطلوب – أمام الدارسين . وهذا هو الهدف الذى سعينا إليه )) (8)

ولا شك أن هذا الهدف فى غاية الصحة والسمو ، إذا من منا لا يحب أن يكون أمامه تاريخ تطور المصطلحات فى البلاغة والنقد ؟ من منا لا يحلم بالمعجم التاريخى للنقد ، والمعجم التاريخى لغير النقد ؟ لكل سؤال الأسئلة هو : من منا يقدر وحده علميا على إنجاز ذلك ؟ ثم هل يجوز منهجيا وعلميا البدء بذلك ؟

أقول : (( منهجيا )) ؛ لأن رصد التطورات يقتضى عقلا العلم بالمتطور فى كل خطوة من خطوة سيره ، ولتحصيل ذلك العلم لابد كم دراسة خاصة لكل خطوة من تلك الخطى ، بل لكل مكون من مكوناتها مؤلفا أو مؤلفا . فهل فعل ذلك قبل التاريخ للمصطلحات ؟

وأقول ((علميا )) ؛ لأن تلك الدراسات ، وذلك الرصد للتطورات ، لن تكون نتائجه علمية بالمعنى الصحيح للكلمة ، إلا إذا استوفى شروط الدراسة العلمية ، وأولها – لا شك – الاستيعاب التام للمادة ، ولا سبيل إليه هنا بغير الإحصاء .

فهل فهرست فعلا جميع أماكن ذكر المصطلح ، فى جميع المصادر ، ولدى جميع المؤلفين ، وعبر جميع القرون ؟ ثم إن فهرست باحصاء أمين ، فهل خضع كل نص للتحليل والتعليل اللازمين ؟ ، وهل تم تركيب الصور الجزئية للدلالة المستنبطة من النصوص فى كل مؤلف ، قبل تركيب الصورة الكلية لتاريخ كل مصطلح ؟ .

إن المنهج التاريخى فى دراسة المصطلحات مهم جدا ، اذا جاء فى إبانه وبشروطه ، والا فلا سبيل منهجيا وعلميا إلى اعتماد نتائجه .

يقول أستاذ جيلنا فى النقد بالمغرب :

الدكتور أحمد الطرابلسى فى تقديم له (( إن من العبث فى مجال دراسة مصطلحاتنا النقدية والبلاغية ، وتحديد مدلولاتها التطاول منذ البداية نحو عمل معجمى شامل ، يتناول المؤلفين السابقين كلهم والعصور جميعها … إن المعجم الشامل الذى نطمح فى وجوده ذات يوم ، لا يمكن أن يكون سوى نتيجة لبحوث جزئية عديدة ، يتصدى كل منها لمجموعة آثار أحد أعلام النقد والبلاغة ، أو لأثر واحد من آثاره ، ودراسة ما فى هذه الآثار بمجموعتها ، أو هذا الأثر بمفرده ، من مصطلحات نقدية وبلاغية ، دراسة تتصف بالعمق والمنهجية العلمية ، وتتوخى إضاءة محتوى هذه المصطلحات وتتبع نشأتها وتطورها .

ومن نافلة القول التأكيد على ما تتطلبه هذه البحوث من صبر على التنقيب ، ومقارنة بين النصوص ، وتلمس للمحتوى الصحيح لكل مصطلح بالوقوف عند حدود النصوص والوثائق المدروسة ، وتجنب الانجراف وراء بعض المفاهيم الطارئة والمتأخرة )) (9) .

المنهج الوصفى فى دراسة مصطلح النقد العربى :

ب – وصنف آثر المنهج الوصفى .

ويمثله – مع تفاوت – ثلاثة كتب أيضا ؛مفردات البلاغة والنقد الأدبى عند قدامة ابن جعفر (نقد الشعر) ، ومفاهيم الجمالية والنقد فى أدب الجاحظ ، ومصطلحات نقدية وبلاغية فى كتاب البيان والتبين للجاحظ .

والحاجة العلمية التى جاءت هاته الكتب لتسدها هى معرفة الواقع الدلالى للمصطلحات النقدية والبلاغية فى كتاب بعينه ، أو عند كاتب بعينه ، وما أحسن ذلك أيضا إذا بشروطه من : (10) .

1- إحصاء لكل النصوص التى وردت بها المصطلحات فى الكتاب أو الكتب المدروسة ؛ إحصاء لا يهمل مستعملا من مستعملات المادة الاصطلاحية اسما كان أم فعلا ، ومفردات كان أم مركبا … ولا يرصد فقد المواد القطعية الاصطلاحية ، ولا استعمال القطعى الاصطلاحى أو الظاهر الاصطلاحى ، وإنما يتعداه – احتياطيا – إلى ما ضعفت اصطلاحيته ، وربما رصد من الاستعمال حتى بعض ، وليتم تصور وتصوير المصطلح فى حجمه الحقيقى ، وليتحدد موقعه وعلاقاته فى الكتاب المدروس .

2- دراسة المواد الاصطلاحية بالمعاجم اللغوية فالاصطلاحية ؛ دراسة تبتدئ من أقدم ما اعتمد عليه منها مسجلة أهم ما فيه ، وتنتهى بأحداث ما اعتمد عليه مها مسجلة أهم ما أضاف ، دراسة تضع نصب عينيها مدار المادة علامه ؟ومأخذ المستعمل اصطلاحيا ممه ؟ وشرح المصطلح – وتذوقه بعد ، ليسهل تصحيح الأخطاء التى قد يكون جبلها الإحصاء قبل .

3 – دراسة مصطلحات تلك المواد بالنصوص المحصاة ، دراسة تصنيف نصوص كل مادة حسب المستعمل منها اصطلاحيا ، وتتفهم نصوص كل مصطلح نصا نصا ، تفهما لا يدرس نصا ما أو استعمالا اصطلاحيا بمعزل عن نظائره ، ولا يتبين مصطلحا من المصطلحات بمنأى عن أسرته ، أو عما يأتلف معه ويختلف ؛ فالتضاد والترادف ، والاقتران والتعاطف ، والتقابل والتناظر ، والعموم والخصوص ، والإضافة والإطلاق …. كل أولئك ضرورى المراعاة عند التفهم ، وكل ذلك مما به يتكون المفهوم ويتحدد .

دراسة تصنيف نتائج التفهم حسب معانى كل مصطلح إن تعددت ، وحسب خصائص وعلاقات كل معنى ، تم تحدد معنى أو معانى المصطلح تحديدا يراعى كل نصوص المعنى ، مقارنة له بتحديدات الدارسين .

4 – عرض لنتائج ذلك فى صورة دراسة مصطلحية تراعى – فيما ينبغى أن تراعى :

– ذكر العلاقات التى ترتبط المصطلح بسواه ، والفروق التى تفصله عن سواه ، ولا سيما التضاد والترادف ، والتقابل والتناظر ، والعموم والخصوص ، .

– عرض الضمائم التى قد تكون لها هى كذلك صفات وعلاقات ، لكن هل تم وصف الواقع الدلالى فى كتب فىكتب هذا الصنف بالشروط التى تجعل نتائجه صالحة للاعتماد فيما بعد ؟ هل يستطيع الباحث المصطلحى فى مرحلة تطبيق المنهج التاريخى – أن ينطلق من تلك النتائج وهو شبه مطمئن ؟ .

إن ذلك ما كان ينبغى ان يكون ، ولكنا إذا أخذنا مثالا من (( مفاهيم الجمالية والتقد فى أدب الجاحظ )) فإننا نجد ذلك متعذرا ؛ لان صاحبه وإن تهدى إل شئ من الوصف بحصره الموضوع فى مؤلف ، فإنه لم يهتد – للأسف – إلى منهج يمكن أن يطمأن به إلى نتيجة ؛ وذلك لأسباب أهمها :

1- أنه اعتمد على ((العثور)) بدل الإحصاء ، أى الانطلاق مما عثر عليه وهو يقرأ ، (11) مما فوت عليه كثيرا من النصوص المبرزة لجوانب قد تكون هى الأهم فى المفهوم ، وعددا من المصطلحات التى تعبر بالنسبة إلى غيرها حلقات أساسية .

2 – أنه ألغى الدراسة اللغوية ؛ مما أوقعه فى اعتبار ما ليس بمصطلح مصطلحا كالبهر مثلا (12) .

3- أنه لم يدرس (( المفاهيم)) دراسة مصطلحية تجعلها محددة المعانى والخصائص والعلاقات والضمائم ، فضلا عن أنه أقتحم نفسه فى مقارنات لما يأت أوانها .

إن دراسة المصطلحات ينبغى أن تكون أولا وقبل شئ دراسة مصطلحية تهدف أول ما تهدف إلى تكوين (( بطاقة هوية )) مفصلة للمصطلح وما لم يدرك الفرق بين دراسة مصطلحى اللفظ والمعنى مثلا وقضية اللفظ والمعنى ، فإن المنهج لن يستقيم .

ومع أن اعتماد المنهج الوصفى فى هذه المرحلة من دراسة المصطلحات يعد ضربا من الرشد ، فإنه يحتاج عند التطبيق إلى قدر غير يسير من الضبط والأمانة لتكون نتائجه مرشحه للاعتماد .

المنهج الوصفى التاريخى فى دراسة مصطلح النقد العربى

ج – وصف أثر الجمع بين المنهج الوصفى والمنهج التاريخى . ويمثله كتاب (( المصطلح النقدى فى نقد الشعر ، دراسة لغوية تاريخية نقدية (( جاء فى مقدمة الكتاب بين قوسين ، بعد كلمة مناهج ، (( طبيعة هذا المنهج وصفى تاريخى )) (13)

وقد كان ممكنا تصور هذا المنهج المزدوج فى مساحة زمنية تسمح بتطبيق شقيه معا على الوجه الذى يضمن لنا أن تكون نتائجها معا علمية . أما والمسافة بضعة قرون ، والنصوص النقدية فى معظم تلك المسافة غير مجموعة ولا موثقة ، وما طبع من مصادر القرن الثانى والثالث كثير متسع – وحسبك بكتب الجاحظ وحدها اتساعا – ، وكله لما يدرس الدراسة الوصفية تقريبا … فكيف يتصور – والحالة هاته – أن يكون النتائج علمية ؟ ، أو أن يكون تطبيق المنهج الوصفى التاريخى ممكنا ؟

إن الاقتصار على المنهج الوصفى هو ما كان أولى بهذا الكتاب الذى قام هو عنوانه الأصلى على دراسة (( الاصطلاحات النقدية والبلاغية فى كتاب نقد الشعر ….)) ولو أنه وفى المنهج الوصفى حقه ، وأحصى كل الاصطلاحات النقدية والبلاغية الموجودة بكتاب ((نقد الشعر)) فعلا ، ودرسها كلها كما هو مقتضى العنوان ، وعرضها العرض المصطلحى بعد الدرس المصطلحى – لو أنه فعل ذلك لكان ربما اغنى المصطلحين عن العودة إلى (( نقد الشعر )) زمانا (14) .

الخاتمة

إن مشكلة المنهج فى دراسة مصطلحات النقد العربى وغيره من فنون ثقافتنا الأخرى ينبغى أن تواجه من قبل المصطلحيين بحزم ، وأن التنسيق بين مراكز البحث المصطلحى ينبغى أن يتم ، وبأسرع ما يمكن ، حفظها لطاقات الأمة وأوقاتها وأموالها ، وأن الجهود الفردية والجماعية فى ميدان المصطلح ينبغى أن تتقوى وتتكامل لتصب فى اتجاه واحد هو تذليل العقبة الكأداء : عقبة إنجاز المعجم التاريخى للمصطلحات الذى هو خطوة من أهم الخطى فى الطريق إلى المعجم التاريخى للغة العربية . وغنى عن البيان أن أقوال : إن انجازنا لذلك المعجم سيؤدى إلى حل كثير من المعضلات فى مختلف المستويات ماضيا وحاضرا ومستقبلا . وغنى من البيان أن أقول أيضا : إن ذلك الإنجاز فوق طاقة الأفراد ، فلتتأسس له مجموعات البحث فى المصطلحات بكل الجامعات حسب التخصصات بكل الجامعات حسب التخصصات على غرار ما فعلت شعبة اللغة العربية وآدابها فى العام الماضى بفاس ، ولنحذر غاية الحذر من الدراسات التى تشبهه شعر الزبرقان فى رأى ربيعة بن حذار : (( كلحم أسخن : لا هو أنضج فأكل ، ولا ترك نيئا فينتفع به  (15).

الهوامش

(1) ينطلق العرض من أن بين (( المصطلح النقدى )) و(( المصطلح البلاغى )) عموما وخصوصا مطلقا ؛ فكل مصطلح بلاغى هو مصطلح نقدى ، وليس كل مصطلح نقدى مصطلحا بلاغيا . ولذلك اكتفى فى العنوان بأعمهما ، وإن كان الحديث عنهما معا .

(2) سورة الفاتحة الآية :6 .

(3) قال مؤيدا دعوى ابن المعتز فى أن البديع لم يكن معروفا لدى العلماء باللغة والشعر القديم ، (( ويتضح صدق دعوى ابن المعتز فيما نقرأ عن الجاحظ من مفهوم البديع إذا قول 🙁 قوله ) هم ساعد الدهر (( إنما هو مثل ، وهذا الذى تسمية الرواه البديع …) فهذا معناه أن كلمة البديع فى عهد الجاحظ كان يقصد بها المثل السائر والأمثال كثيرة فى الشعر العربى . وهو ما حمل الجاحظ على القول باقتصار البديع على العرب ) ( الأسس الجمالية) . 151 –   152

وللتفضيل ينظر مصطلح المثل فى ( مصطلحات نقدية وبلاغية … ص  212  –   220 .

(4) مصطلحات نقدية وبلاغية ص 13

(5) العنوان فى أصله الفرنسى  Vecabulaire de la Rhetorique et de la Critique litteraire ches

QUDAMA b . DJAFAR

( Naqd – ash – shir)

(6) واضح أن كتبا كثيرة لم تدخل فى الحساب ، وإن كان يوجد بها العديد من المصطلحات النقدية والبلاغية عند العرب مشروحا ضربا من الشرح ، أو مدروسا ضربا من الدراسة ، لكون أصحابها لم يخصصوها لذلك .

مثل : معجم مصطلحات الأدب إنكليزى فرنسى عربى الصادر فى يناير 1947 لمجدى وهبة ، ومعجم المصطلحات العربية فى اللغة والادب الصادر سنة 1974 لمجدى وهبة ، وكامل المهندس ، والمعجم الأدبى الصادر سنة   1979لجبور عبد النور . أما كتب الأقدمين وكتب الاصطلاحات المعاصرة لدى العرب أو الغرب فعدم دخولها أوضح من أن ينبه عليه .

(7) وذلك من صور النقص التى تلاحق الباحثين مهما اجتهدوا . ولو أن قومنا أحدثوا – وفى مكنتهم ذلك – سجلا عاما لتسجيل الرسائل الجامعية ، مزودا وموصولا بالحواسيب والمطاريف الضرورية ، لا تسجل رسالة فى أية جامعة إلا من بعد إذنه ، لو أنهم فعلوا ذلك أو شبيها به لهان الخطب ، ولو التزامته الجامعات على الأقل بإخبار بعضها بعضا بالجديد متى جد ، لأمكن التتبع إلى حد . ولكن ..ز

(8) مصطلحات بلاغية ص 7 . وينظر أيضا مصطلحات نقدية اصولها وتطورها … ص 1- 3

(9) مصطلحات نقدية وبلاغية ص 10.

(10) ينظر تفصيل ما هو آت من الشروط فى مصطلحات نقدية وبلاغية ص 15- 19 .

(11) جاء فى المفاهيم ص  114، آخر الحديث عن مصطلحات الأدب عند الجاحظ (( هذه إجمالا هى أبرز ما استطعنا العثور عليه من آراء الجاحظ فى الأدب بصورة عامة )) .

(12) المفاهيم ص 54-  55.

(13) المصطلح النقدى فى نقد الشعر ص  15.

(14) أما كتاب ( معجم البلاغة العربية ) للدكتور بدوى طبانة فإنه لم يطبق اى منهج من المناهج السابقة ؛ لأنه إنما قصد أن يكون مجتمعا لبحوث البلاغة وفنونها ومصطلحاتها ، بما من شتاتها المتفرق فى عشرات الأسفار )) (ص 8) وهو هدف حسن ليس من قبيل ما نحن فيه .

(15) الموشح ص 156.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر