أبحاث

نحو إعداد الشباب المسلم لمواجهة التحديات العلمية والحضارية بالإسهام في أسلمة العلوم الكونية

العدد 97

مقدمة :

أيقنت المجتمعات المتقدمة، أو التي تسعى بوعي وإصرار نحو التقدم، أن الدعامة الأساسية في تحقيق نهضتها ومواصلة تقدمها يجب أن تقوم على تأصيل ثقافتها وتعزيز قيمها بما يجعل سلوك الفرد فيها متوافقًا مع الإطار الفكري الذي يحكم حركتها ويحدد أهدافها فالعلاقة جد وثيقة بين تنمية الإنسان حضاريًّا وبين انتمائه فكريًّا وعقائديًّا.

وتتوقف الحصيلة الحضارية _ بطبيعة الحال _ على درجة استيعاب الإنسان لعلوم عصره وحسن استخدامه لها وفق مقومات ثقافته ومنهج تفكيره، وفي إطار القيم والمعايير والضوابط التى يرتضيها المجتمع أساسًا لتوجيه السلوك ورسم خطى التقدم والرقي.

ولقد ظهر مصطلح «أسلمه العلوم» أو « إسلامية المعرفة»، في الفكر الإسلامي المعاصر ليقصد به _ في إطاره العام _ إقامة العلاقة السليمة بين العلوم النقلية التي مصدرها الوحي، والعلوم العقلية التي مصدرها الكون والإنسان، وذلك وفق منهجية إسلامية رشيدة، تلتزم تعاليم الإسلام، وتتمثل مقاصده وقيمه وغاياته، دون أن تعطل عمل العقل أو تعوق حرية البحث والتفكير. ويأتي في مقدمة الخصائص الأساسية لأسلمة العلوم من حيث هي مشروع حضاري، أنها تسهم في تكوين العقلية العلمية القادرة على تقديم الطاقة والزاد لإزكاء الصحوة الإسلامية المعاصرة وإنجاح مسيرتها نحو النهضة المنشودة.

والدراسة الحالية تحاول أن تقدم تصورًا عامًّا لإعداد الشباب المسلم القادر، فكريًّا وعمليًّا، على مواجهة التحديات العلمية والحضارية بالإسهام في أسلمة العلوم الكونية وتقنياتها، بحيث يفاد منها فيما يعمر الحياة وينفع الناس ويعمق الإيمان بالله سبحانه وتعالى على هدى وبصيرة.

الإطار الفكري لأسلمة

العلوم الكونية

أ) المقصود بمصطلح «أسلمة العلوم»:

إن قضية «المصطلحات» بصورة عامة كثيرًا ما تثير بعض الإشكاليات التي يطول النقاش والجدل بشأنها على الرغم من شيوع مقولة «لا مشاحة في المصطلح»، أي : لا مجادلة فيما تعارف العلماء عليه لغة وشرعًا وعرفًا واصطلاحًا، بوضع اللفظ إزاء المعنى.

ويزيد هذه القضية تعقيدًا أصحاب النزعة اللفظية Verbalists الذين يميلون نحو الصيغ والألفاظ، دون عناية بالحقيقة والموضوع، فيسرفون في تغليب اللفظ على حساب المعنى، ويصبّون اهتمامهم على الاستدلالات اللفظية. ويوجد في مقابل هؤلاء من يحملون الألفــــاظ أكثر من معانيها، فيسرفون _ من ناحية أخرى _ في تشويه الحقيقة، بعيدًا عن لب الموضوع. ولا شك أن كلا الاتجاهين يؤثر تأثيرًا سلبيًّا على لغة الحوار وآلياته وأهدافه، خاصة إذا ما انصرف الذهن إلى المصطلحات حسب دلالاتها في ثقافة بعينها، أو اقتصر التفكير على معنى بعينه دون اعتبار باقي المعاني. ذلك أن غياب «الفقه» السليم لأي مصطلح من شأنه أن يضيع الوقت والجهد في البحث عن «كلمة» أو «عبارة» جامعة مانعة، يتفق الكل على ضرورتها لأداء مدلول معين في بنية النسق المعرفي المميز لعلم من العلوم، أو ثقافة من الثقافات. والواقع بطبيعة الحال يقتضى ملاحظة أن لكل لغة عقلها وإطارها الفكرى الذي يعطى لمفاهيمها دلالات وظلالاً لا يمكن أن تتطابق مع لغة أخرى. وبالنسبة للثقافة الإسلامية ولغتها العربية يكون المصطلح إسلاميًّا إذا كان مستمدًّا في لفظه ومعناه من الأصول الإسلامية، أو كان لا يتعارض في لفظه ومعناه مع الأصول الإسلامية(1).

ولقد ظهر مصطلح «أسلمة العلوم» أو «إسلامية المعرفة» في الفكر الإسلامي المعاصر مرادفًا للمصطلح الأجنبي ( Islamization of knowledge) الذي انبثق حديثًا عن عدد من المؤتمرات الإسلامية المعنية بقضايا إصلاح مناهج الفكر الإسلامي، وبحث العلاقة بين الإسلام والمعارف التى توصل إليها الإنسان عن عالمه الداخلي والخارجي، وكوّن منها ثقافته التي تفرعت عنها أغصان الحضارة على مراحل تاريخية متعاقبة.

والمقصود بأسلمة العلوم، أو إسلاميتها، في إطارها العام :   إقامة العلاقة الصحيحة بين «الإلهي» و«الإنساني» في العلوم والمعارف، وفق منهجية إسلامية رشيدة، تلتزم تعاليم الوحي، وتتمثل مقاصده وقيمه وغاياته، دون أن تعطل عمل العقل، أو تعوق حرية البحـــث والتفكير، ابتغـاء مرضاة الله _ سبحانه وتعالى _ في الدنيا والآخرة، وتحقيق إرادته، بإعمار الحياة وترقيتها إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

ويتميز هذا المذهب في المعرفة بأنه يعتمد كلاًّ من «كتاب الوحي» و«كتاب الكون» مصدرًا لإدراك الحقائق في كل من المصدرين ؛ لأنها _ أي الحواس وتجاربها _ إن نهضت بمهام الإدراك لحقائق الكون في عالم الشهادة، فلن تفي بإدراك الحقائق في عالم الغيب، كما أخبر بها «كتاب الوحي» ممثلاً في القرآن الكريم وبيانه النبوي.

فإذا كان الله _ سبحانه وتعالى _ هو الذي خلق الإنسان، ونفخ فيه من روحه، ومنحه قدراته العقلية والحسية، وملكاته الإدراكية، وهو الذي خلق الكون والحياة، وبث فيهما الظواهر والموجودات، وأودعهما السنن والنواميس التي تنظم حركتهما، وهو الذي سخر هذا كله للإنسان المستخلف في الأرض ؛ لكي يكشف عن هذه السنن والنواميس ليفيد منها في إعمار الأرض، ويستدل بها على قدرة الخالق الواحد جل وعلا، وإذا استهدينا، فضلاً عن هذا كله، بما أخبر به الله سبحانه وتعالى في قرآنه الكريم من تعليم آدم عليه السلام الأسماء كلها لكي يمارس مهمته في هذا العالم، عرفنا أن النشاط المعرفي للإنسان لابد أن يتشكل في إطاره الإيماني الصحيح، لكي ينسجم مع الناموس الإلهي. ويكون من المنطقي أن تسلم المعرفة بهذه الحقيقة الكبرى، أي أن تكون «إسلامية» بهذا المعنى الواسع الذي يضع الأمر في نصابه من نطاق الملكوت الإلهي وسننه ونواميسه، خاصة وأن المعرفة التي يمتلك «الآخر» مقومات إنتاجها وآليات نشرها « وتسويقها» أصبحت بعيدة في توجهها عن هذا التصور الإسلامي لطبيعتها ومنهجيتها وغاياتها. وربما لهذا السبب فضل البعض استخدام مصطلح «التوجيه الإسلامي للعلوم» بمعنى إعادة صياغتها وفق منهج الإسلام وروحه، بعد أن كانت مصوغة بشكل يغفل هذا المنهج أو لا يدرك وجه ارتباطه بها.

وهنا يقتضي فقه «أسلمة العلوم» أن يحتل التأصيل الإسلامي للعلوم أهمية خاصة، بمعنى أن يكون الإسلام ومنهجه وتصوراته الكبرى عن الإنسان  والكون والحياة بمثابة «الأصل» الذي ترد إليه العلوم في منطلقاتها ومنهجياتها وصياغتها، مع الإفادة من إسهامات المسلمين الأوائل، بالقدر الذي ثبتت به لبعض أعمالهم قيمة علمية مستمرة إلى اليوم، دون صدود عن إسهامات غيرهم من القدماء والمحدثين والمعاصرين من غير المسلمين، ما دامت قابلة للاندماج في منظومة التصور الإسلامي الرشيد.

وهكذا، يمكن لعملية «أسلمة العلوم» من حيث هي مشروع حضاري، أن تسهم في تكوين العقلية العلمية القادرة على تلبية حاجات الأمة الإسلامية، وأن تقدم لها الطاقة والزاد : الفكري والعملي ؛ لتحقيق التغيير الحضاري المنشود(2).

ب) خصائص العلم في التصور الإسلامي :

الأصل في معنى لفظ «العلم» عند العرب هو الإدراك العميق لحقيقة الأشياء(3). وهو معنى مطلق غير مقيد بتصنيف بعينه، مثل إضافات : الطبيعة أو الإنسانية أو النقلية أو التجريبية أو العقلية، فهذه كلها صفات تعبر عن موضوعات العلم والطرائق التى يحصل بها. والإنسان يولد في هذه الدنيا لا علم له بشىء من هذا الكون على الإطلاق، فيدعوه الإسلام إلى العلم، ويحثه على تحصيل المعرفة والاستفادة من تطبيقاتها وتقنياتها، وسائله في ذلك كل ما منحه الله من ملكات إدراكية. قال تعالى : {وَاللَّهُ أَخْرَجَكُمْ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِكُمْ لاَ تَعْلَمُونَ شَيْئًا وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصَـارَ وَالأَفْئِدَةَ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُون} (النحل : 78).

والعلوم التي يحث الإسلام على تحصيلها والاستفادة منها تشمل كل علم نافع يهدف إلى تكوين الإنسان الصالح، ويزيد من صلته بالله سبحانه وتعالى، ويمكنه من القيام بواجبات الخلافة عن الله في الأرض، سواء كان هذا العلم دينيًّا أوكان دنيويًّا، نظريًّا أو تجريبيًّا، فرضًا عينيًّا أو كفائيًّا، مادام أنه في خدمة الدين الإسلامي ولصالح الحياة والإنسان. وهذا ما نفهمه من إطلاق لفظ العلم في قوله تعالى : {وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا} (طه : 114). ومن إطلاق معنى الأمر الإلهي في أول ما نزل من آيات القرآن الكريم ليشمل فهم وتدبر وقراءة كلمات الله القرآنية في كتابه المسطور وكلماته الكونية في كتابه المنظور، حيث قال عز من قائل : {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ خَلَقَ الإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَم عَلَّمَ الإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ} (العلق :1 -5). وقد ورد دعاؤه عليه الصلاة والسلام : «اللهم إني أعوذ بك من أربع : من علم لا ينفع، وقلب لا يخشع، ونفس لا تشـبع، ودعاء لا يسمع»(4). ومقياس النفع لهذا ليس ذلك المعيار الفردي الذي نراه في الفلسفة «البراجماتية»، وخاصة عند «وليم جيمس»، وإنما هو مصلحة الأمة وإقامة أمر الدين، فمصلحة الأمة وقيام أمر الدين أمران لا ينفصلان(5).

وتأكيدنا على شمولية المفهوم الإسلامي للعلم نورده هنا لإظهار مدى القصور في المفهوم الشائع عن العلم في مختلف الفلسفات الوضعية، والذي يقصد به تلك الخصائص أو الصفات المشتركة في كل نشاط عقلى إنساني حين ينصرف بشكل منظم إلى محاولة تفسير وفهم موضوعات معينة، وغالبًا ما ينصرف الذهن حينئذ بصورة كلية إلى ما يطلق عليه «العلم الطبيعي» Natural Science الذي يعول أساسًا على الملاحظة والتجربة بغرض التوصل إلى قوانين عامة تفسر اطراد الظواهر المعنية بالبحث والدراسة(6). ذلك أن المعنى الإسلامي للعلم مرتبط بإرادته سبحانه وتعالى التى شاءت أن تبين لنا استمرارية السنن الكونية لنراقبها وندركها وننتفع بها في حياتنا الواقعية، بعد أن نقف على طبيعة  علاقاتها ونستدل بها على قدرة الخالق ووحدانيته، مصداقًا لقوله تعالى : {سَنُرِيهِمْ ءَايَاتِنَا فِي الآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِــهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُـــمْ أَنَّهُ الْحَقُّ} (فصلت: 53)، وهذا من شأنه أن يجعل الطريق مفتوحًا دائمًا أمام تجدد المعرفة العلمية وتطورها، على أن تظل العلاقة بين إرادة الله سبحانه وتعالى واطراد سنته واضحة جلية لما تفسحه من مكان لتفسير كل ما لا يقوى العقل البشري على استيعابه من قضايا الغيب والمعجزات. وإذا ما شاء الله أن يوقف استمرارية نظام السنن الكونية الثابتة، فإن هذا في كتاب الإسلام يعني اقتراب قيام الساعة ويؤذن بانتهاء الحياة على الأرض، على نحو ما جاء في قوله تعالى: { فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَر وَخَسَفَ الْقَمَرُ وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ يَقُــولُ الإِنْسَانُ يَوْمَئِــذٍ أَيْنَ الْمَفَر} (القيامة: 7 -10).

ويعني هذا التصور الإسلامي أن الله سبحانه وتعالى هو الحق المطلق، وهو مصدر كل الحقائق المعرفية الجزئية التى أخبر بها في قرآنه الكريم، أو أمرنا بالبحث عنها واستقرائها في وحدة النظام بين الظواهر الطبيعية والإنسانية باعتبارها مصدرًا للثقة واستخلاص الحقائق. وعلى هذا الأساس يكون العلم الإسلامي شاملاً للعلوم الكونية التي يظهرها الله سبحانه وتعالى على أيدي من يشاء من عباده عن طريق البحث المنهجي السليم في عالم الشهادة، وشاملاً كذلك للعلم الغيببي الذي أخبرنا به في القرآن الكريم وعلى لسان نبيه الأمي الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام. ومن ثم يكون لدينا مصدران رئيسيان للمعرفة، تنقسم العلوم على أساسهما إلى قسمين رئيسيين : يشمل أولهما تلك العلوم التي لا يمكن للمسلم أن يتلقاها إلا من مصدر رباني، وهي العلوم المتعلقة بالعقيدة والقيم والتصور العام للوجود والنفس الإنسانية ونظام المجتمع. بينما يشمل القسم الثاني علوم البحث في ظواهر الكون والحياة، وهي التي يهتدي الإنسان إليها بمداركه البشرية التي أنعم الله بها عليه ليبصر طريق المعرفة ويفتح مغاليق الحضارة. على أن تظل العلوم الكونية في عالم الشهادة دنيوية بعلاقتها مع الأشياء، وتعبدية في نفس الوقت لصلتها بالخالق الواحد(7).

من ناحية أخرى، يأتي تأكيدنا على شمولية المفهوم الإسلامي للعلم للرد على ما ذاع في عهود التخلف، وما تردد على ألسنة علماء مسلمين في مجال الحديث عن العلم الذي ينبغي على الأمة الإسلامية أن تُعلمه أبناءها بحيث تمت التفرقة بين ما هو فرض عين وما هو فرض كفاية. فالواجبات الكفائية تتطلب من الدولة أن توفر العدد الكافي من المؤهلين للنهوض بها كأحسن ما يكون الأداء بحيث يستمر تحقيق المصلحة العامة على أسس ثابتة. وفرض الكفاية يأخذ هذه التسمية قبل أن يُختار الشخص المناسب ويتحدد الجهد المطلوب، أما بعد الاختيار والتحديد فإنه يتحول إلى فرض عين، وعلى من كلف به أن يستفرغ الوسع لإتمامه(8). إن الأمة العاجزة عن استخراج بركات الله من الأرض التى سخرها الله للإنسان، لن تؤدى رسالة الله، والأمة العاجزة عن تجنيد مواهب المسلمين لإعزاز المسلمين أمة تلقي بأيديها إلى التهلكة(9).

فالعلم في الإسلام إذن يتناول كل موجود، وكل ما يوجد فمن الواجب أن يعلم، فهو علم أعم من العلم الذي يراد لأداء الفرائض والشعائر ؛ لأنه عبادة أعم من عبادة الصلاة والصيام، إذ كان خير عبادة لله أن يهتدي الإنسان إلى سر الله في خلقه، وأن يعرف حقائق الوجود في نفسه ومن حوله.. والعلم الذي أمر به القرآن هو جملة المعارف التي يدركها الإنسان بالنظر في ملكوت السماوات والأرض وما خلق الله من شىء… ويشمل الخلق هنا كل موجود في هذا الكون ذي حياة أوغير ذي حياة(10). قال تعالى : {أَوَلَمْ يَنْظُرُوا فِي مَلَكُوتِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَمَا خَلَقَ اللَّهُ مِنْ شَيْء} (الأعراف: 185). وقال عز من قائل :{إنَّ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآَيَاتٍ لأُولِي الأَلْبَابِ الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَى جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذَا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ رَبَّنَا إِنَّكَ مَنْ تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ رَبَّنَا إِنَّنَا سَمِعْنَا مُنَادِيًا يُنَادِي لِلإِيمَانِ أَنْ ءَامِنُوا بِرَبِّكُمْ فَآمَنَّا رَبَّنَا فَاغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَكَفِّرْ عَنَّا سَيِّئَاتِنَا وَتَوَفَّنَا مَعَ الأَبْرَار رَبَّنَا وَءَاتِنَا مَا وَعَدْتَنَا عَلَى رُسُلِكَ وَلاَ تُخْزِنَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّكَ لاَ تُخْلِفُ الْمِيعَاد} (آل عمران: 190 – 194).

بهذه الآيات البينات، وما جرى مجراها في القرآن والسنة، تقررت فريضة التفكير العلمي وتأكدت مكانة العلم النافع بمعناه المطلق في الإسلام، وتبين أن العقل الجدير بهذا الخطاب الإلهي هو العقل الذي يستطيع ببراهينه واستدلالاته أن يعصم الضمير ويدرك الحقائق ويميز بين الأمور ويوازن بين الأضداد ويتبصر ويتدبر ويحسن الإدراك والرواية. فهذا هو أبو عبد الله القزويني، أحد علماء المسلمين المبرزين، يوصى في كتابه «عجائب المخلوقات وغرائب الموجودات» بإعادة النظر في عجائب صنع الله، وكان مسترشدًا بقوله تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوج} (ق : 6). فالمراد من النظر التفكير في المعقولات والنظر في المحسوسات والبحث عن حكمتها وتصاريفها ؛ لتظهر لنا حقائقها فإنها سبب اللذات الدنيوية والسعادات الأخروية، وكل من أمعن النظر فيها ازداد من الله هداية ويقينًا، ونورًا وتحقيقًا، والفكر في المعقولات لا يتأتى إلا ممن له خبرة بالطبيعيات والرياضيات، بعد تحسين الأخلاق وتهذيب النفس، فعند ذلك تنفتح له عين البصيرة ويرى في كل شىء من العجائب ما يعجز عن إدراك بعضها. ليس المراد من النظر _ فيما يقول القزويني _ تقليب الحدقة نحو السماء، فإن البهائم تشارك الإنسان فيه، ومن لم ير من السماء إلا زرقتها، ومن الأرض إلا غبرتها، فهو مشارك للبهائم في ذلك وأدنى حالاً منها وأشد غفلة، كما قال تعالى : {لَهُمْ قُلُوبٌ لاَ يَفْقَهُونَ بِهَا وَلَهُمْ أَعْيُنٌ لاَ يُبْصِرُونَ بِهَا وَلَهُمْ ءَاذَانٌ لاَ يَسْمَعُونَ بِهَا أُولَئِكَ كَالأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُون} (الأعراف : 179).

ومن الخطأ البالغ أن يقال عن مصدر العلم في القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة : إنه لم يرتد آفاق الوجود لكي يحددها في صورتها النهائية، حتى وإن طلب القرآن الكريم من المؤمنين ألا يتجاوزوا حقائقه، فإن حقائقه كافية بذاتها لكي تمنح الفكر الإنساني الحقيقة التى لا مرد لها. ولم يحاول المسلمون في أوائل عهد القرآن أن يتجاوزوا الحدود التي رسمت لحقائق لا يستطيع العقل أن يرتادها، ثم ما لبثوا أن بحثوا في الحقائق التي للعقل مجال للبحث فيها، فارتاضوا رياضة وأبدعوا علمًا نظريًّا وتجريبيًّا وشيدوا حضارة ومدنية(11).

لكن أخطر ما واجه المعرفة البشرية في تاريخها هو ذلك الخلط لمصادرها والخطأ في تناول مناهجها، حيث دنست الفطرة الحنيفة المؤمنة بالله والموحدة له عندما كان يراد اقتحام عالم الغيب بالوسائل التي لا تصلح إلا لعالم الشهادة. وكان من نتائج هذا الخلط أن ظهرت النظريات والمذاهب الوضعية التي تجاهلت وجود القوة الخالقة والمسيرة لظواهر الكون والحياة، وأحالتها إلى مسميات خيالية كالطبيعة والقوة الذاتية والعقل والغريزة والمصادفة وغيرها ؛ مما لا يتفق مع التصور الإسلامي. وما ظهور «العلمانية» في الغرب، لتضع حدًّا فاصلاً بين العلم والدين، ولتحصر اللاهوت الكنسي في جانب محدود من العلاقة بين الفرد وربه، إلا أحد الأمثلة لهذه الفلسفات الخابطة في الظلام، والتى انتقلت عدواها إلى الفكر الإسلامي في عهود الاستعمار للدول الإسلامية، وتركت آثارها الضارة التي تعاني الأمة من ويلاتها حتى اليوم؛ ذلك لأن التصورات والمذاهب والفلسفات الوضعية التي يضعها البشر لأنفسهم، بمعزل عن هدى الله، تحتاج دائمًا إلى التطور في أصولها، والانقلاب أحيانًا عليها كلها حين تضيق عن البشرية في حاجاتها المتطورة. أما التصور الإسلامي _ بربانيته _ فهو يخالف في أصل تكوينه وفي خصائصه تلك الفلسفات الوضعية ؛ لأن الذي وضعه يرى بلا حدود من الزمان والمكان، ويعلم بلا عوائق من الجهل والقصور، ويختار بلا تأثر من الشهوات والانفعالات، ومن ثم يضع للكينونة البشرية كلها، في جميع أزمانها وأطوارها، أصلاً ثابتًا تتطور هي في حدوده وترتقي وتنمو وتتقدم دون أن تحتك بجدران هذا الإطار(12).

ج) أسلمة العلوم الكونية ضرورة حضارية :

إن الأخذ بالمفهوم الإسلامي للعلم _كما أسلفنا _ يجعلنا نسلم بأن إسلامية العلوم الكونية حقيقة واقعية، وأن التوجيه الإسلامي لهذه العلوم ضرورة حضارية ؛ ذلك أن العلوم الكونية إسلامية بطبيعتها، لأن مادة البحث التي تعرض لها هي كل ما خلق الله سبحانه وتعالى في عالم الشهادة، ولأن واجب البحث فيها مطلب إسلامي من أجل تعميق الإيمان بالخالق الواحد على هدى وبصيرة، ولعمارة الكون بالحياة إلى ما شاء الله. هذا بالإضافة إلى أن هذه العلوم _ بشهادة المنصفين من مؤرخي العلم والحضارة _ قد نشأت وتأسست، أو شهدت تطورًا وازدهارًا، على أيدي علماء الحضارة الإسلامية بفضل توجهاتهم الإسلامية الرشيدة(13).

أما قولنا بأن التوجيه الإسلامي للعلوم الكونية بخاصة، والعلوم بعامة، ضرورة حضارية ؛ فذلك لأن إسلامية المنهج العلمي، أو أسلمته، من شأنها أن تحفظ للعلوم الكونية موضوعيتها، وأن تخلع عليها من خصائص الإسلام ما يجعلها صالحة للتطبيق في كل زمان بما يحقق الخير للإنسان أينما كان. وإن إدراك المسلمين الأوائل لهذا المعنى بكل أبعاده الإيمانية كان السبب الأول لتقدمهم ورقيهم، بعد أن وجدوا في مبادئ الإسلام كل مقومات الازدهار العلمي والحضاري، وهدتهم تعاليم الدين الحنيف إلى أصول المنهج العلمي السليم وحثتهم على اتباعه.

وعندما انتقلت العلوم الإسلامية إلى أوروبا لم تأخذ النهضة الأوربية سوى الجانب المادي من المنهج الإسلامي، وتركت جانبًا الإيمان الذي يوجهها نحو الله تعالى ؛ ولذا فإن العلم في الحضارة المادية الحديثة والمعاصرة، بتخليه عن الإيمان والسمو الروحي، قد اعتبر قيمه حقيقة مطلقة في حد ذاته، وبالغ الناس في تقديسه وتمجيده على أساس أنه هو القوة القادرة على تحقيق الجنة الموعودة للإنسان على الأرض، فأنصار هذه النزعة العلمية المتطرفة Scientism يردون كل شىء إلى العلم، ولا يسلمون إلا بالمنهج العلمي والحقيقة العلمية. كذلك أصبح التطور الكمي للعلم والتقنية غاية في حد ذاته، ونشأت النزعة التقنية المتطرفة  Technocracy التى يرمى أنصارها من التقنيين والخبراء الفنيين إلى فرض سيطرتهم باعتبارهم الأحق في هذا العصر بإدارة المجتمع واتخاذ القرارات الكبرى بشأنه. وأمام هذا التطرف العلمي والتقني – وفي مقابله – ظهرت حركات عقلية جديدة تدعو إلى «اللا علمية Antiscience وتحارب الانغماس الأعمى في ماديات الحضارة الصناعية، وترفع صيحات التحذير من اطراد التقدم العلمي والتقني بدون النظر إلى صلته بمعنى الحياة الإنسانية والذي سوف ينتهي بالإنسان إلى القضاء على حضارته. بل إن بعض هذه الحركات المناهضة لتقديس العلم والتقنية أخذت تدعو إلى الهروب من الحضارة المادية المعاصرة بكل ما فيها من مظاهر خادعة، ورفعت شعارات العودة إلى الفطرة(14).

وإذا تأملنا واقع الفكر الإنساني في مرحلتيه الحديثة والمعاصرة، فإننا نجد العديد من القوميات والأيديولوجيات التى تحاول عن طريق العلم أن تثبت قدرتها على تقديم رؤية شاملة لهذا الواقع الإنساني، وتسعى جاهدة إلى استبعاد أي إدراك يخالف إدراكها الخاص، مؤكدة ميزتها بالاستناد إلى العلم في بناء نسق فكرى يبدو وكأنه نتاج منطقي للمعرفة البشرية. لكن هذه الأيديولوجيات في حقيقتها لا تخلو أبدًا من معتقدات يغلب عليها روح التعصب، وتكتنفها نزعة الذاتية والمصالح الخاصة، ويكفي شاهدًا على ذلك ما نراه من تصارع بين أيديولوجيات ومذاهب فلسفية عديدة تسلقت على قوانين نيوتن وآراء دارون واحتمالية هيزنبرج ونسبية أينشتين وغيرها.

من هنا كانت أهمية الدعوة إلى توجيه العلوم بصورة عامة، والعلوم الكونية وتقنياتها بصورة خاصة، توجيهًا إسلاميًّا باعتباره ضرورة حضارية لضمان مواصلة التقدم العلمي والتقني مع الحفاظ على إنسانية الإنسان. وإذا كان هناك من يرى أن الصراع الأيديولوجي بين البشر سوف  يخلي مكانه مستقبلاً للتقدم العلمي والتقني، مستشهدًا بما يحدث في العالم الآن من تقارب بين أكثر الأيديولوجيات تعارضًا(15) فإننا نرى أن التوجيه الإسلامي للعلوم هو السبيل الوحيد لتحقيق مستقبل حضاري أفضل للإنسانية، تراعى فيه مصلحة الإنسان في كل زمان ومكان، بغض النظر عن فوارق اللون والجنس والموطن والعقيدة ؛ ذلك لأن المنهج الإسلامي هو وحده المؤهل لأن يكون موضع تأمل عميق في عقلية إنسان العصر، وتهيئته لاستيعاب كل ما تأتي به حضارة العلم والتقنية في المستقبل القريب أو البعيد. وليس هناك من شك في أن هذا التصحيح الإسلامي لواقع الفكر المعاصر سوف يكون له أجل الأثر في تصحيح وجهة العلوم لدى عقلاء العالم ومفكريه، إذا ما درسوا الإسلام في حقائقه واستفادوا منه في إصلاح حضارتهم، وعندئذ يكون التفكير العلمي لدى البشر قد استعاد طبيعته الحقة بوصفه بحثًا موضوعيًّا نزيهًا في مختلف فروع المعرفة عن الحقيقة الخالصة، يعلو على كل ضروب الهوى والتحيز، ويزن كل شىء بميزان واحد سبق له أن أنقذ أمبراطوريات كبرى متهافتة من الفناء، هو ميزان الإسلام بكل ميزاته وخصائصه التى قامت عليها قواعده الاعتقادية والعملية.

وإذا كان ما حدث في الغرب من انزواء لعلوم الدين في أركان الكنيسة يتعلق بالصراع بين الكنيسة والعلماء، فإنه من الخطأ أن يسود الاعتقاد بأن الانفصال بين العلم والدين شرط من شروط قيام الحضارة، أو أن العلم بفروعه المختلفة لا يمكن إلا أن يكون «علمانيًّا»(16). ولقد أدى هذا الاعتقاد الخاطئ في بلاد المسلمين إلى حالة من الركود العلمي شلت في ظلها كل مقومات الإبداع والابتكار في مختلف مجالات النشاط الإنساني(17)، ولم يعد أمامنا الآن سوى الأخذ بالمنهج العلمي الإسلامي الذي سبق لأسلافنا أن صنعوا به حضارة من أطول وأعظم الحضارات التى عرفها التاريخ(18)، فمثل هذا المنهج الرباني المتكامل هو الأقدر على إذكاء روح الصحوة الإسلامية الحضارية.

ويبقى أن نؤكد في هذا الخصوص على أن عملية التوجيه الإسلامي للعلوم بعامة، والعلوم الكونية بخاصة، لابد لها _ لكي تؤتي ثمارها كعامل حضاري _ أن تتم في إطار نظرية عامة للإسلام يستعين بها المسلمون علي تغيير واقعهم وتطويره بمعايير الإسلام وأدواته في التغيير والتطوير، وينظرون من خلالها النظرة الإسلامية لقضايا الكون والحياة ويواجهون بها كل ضروب التحدي الوافد والموروث، وتكون في الوقت نفسه بيانًا لتعريف غير المسلمين بالإسلام وخصائصه التى تعلق عليها البشرية آمالها في الخلاص من حالة القلق الذى تعاني منه حضارتهم المادية التعيسة(19).

د) دور معاهد التعليم في توجيه العلوم إسلاميًّا :

يدلنا استقراء الآثار الحضارية على أن الإنسان إنما خرج إلى نور التاريخ بعد أن غدا قادرًا على التفكير، وأصبح مدركًا لأهمية العلم ومواصلة التحصيل المعرفي  في صنع التقدم وفهم المزيد من أسرار الكون والحياة، ومن ثم كانت بداية مشواره الطويل نحو تشييد الحضارات المتعاقبة التى جاءت ثمرة لتطور التفكير وإبداعات العقل في مختلف مجالات النشاط الإنساني. وإذا كانت المعرفة في حد ذاتها تمثل لدى الإنسان حاجة عقلية ملحة تدفعه دفعًا إلى التماس الحقيقة في كل مظهر من مظاهر الوجود، فإنها في الوقت نفسه  تستمد قيمتها من حصيلة مردها للمجتمع البشري. وتتوقف هذه الحصيلة _ بطبيعة الحال _ على درجة استيعاب الإنسان لعلوم عصره، وحسن استخدامه لها وفق مقومات ثقافته ومنهج تفكيره، وفي إطار القيم والمعايير والضوابط التي يرتضيها المجتمع أساسًا لتوجيه السلوك ورسم خطى التقدم والرقي.

لهذا نجد أن المجتمعات المتقدمة، أو التى تسعى بوعي وإصرار نحو التقدم والمدنية، قد أدركت جوهر العلاقة الوثيقة بين تنمية الإنسان حضاريًّا وبين انتمائه فكريًّا وعقائديًّا. وأيقنت هذه المجتمعات أن الدعامة الأساسية في تحقيق نهضتها ومواصلة تقدمها يجب أن تقوم على تأصيل  ثقافتها وتعزيز قيمها بما يجعل سلوك الفرد فيها متوافقًا مع الإطار الفكري الذي يحكم حركتها ويحدد أهدافها. وعادة ما يقع العبء الأكبر في هذا الصدد علىعاتق المؤسسات التربوية والتعليمية التي تضطلع بتدريس مناهج محددة في مراحل التعليم العام، والتي يكون لها أكبر الأثر في البناء الحضاري لمجتمعاتهم(20). هذا هو ما تأخذ به دول كثيرة في أوروبا الشرقية وأوروبا الغربية على حد سواء، وفي اليابان والصين وكوريا وإسرائيل وغيرها، بصرف النظر عن مدى نضج وصواب الاتجاهات الفكرية أو المذاهب الفلسفية والعقائدية المطروحة في هذا المجتمع أو ذاك.

وتخضع العملية التعليمية، حتى في أكثر الدول تقدمًا للفحص والمراجعة بصورة مستمرة بغرض الكشف عن مواطن القوة للاستزادة منها، والتعرف على مواطن الضعف للتخلص منها، والوقوف على المستوى الحقيقي لكفاية الأداء والقدرة على بلوغ الأهداف مع الحفاظ على الجمع بين تحديث الثقافة الذاتية وتأصيلها في نفوس النشء. ويكفى أن نسوق المثال على ذلك بما جاء في ديباجة التقرير النهائي للجنة تقييم مؤسسات التعليم النظامي في الولايات المتحدة الأمريكية من أنه : «لو قامت (قوة معادية) بفرض أداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي لاعتبر ذلك مدعاة للحرب، ولكن ذلك يحدث الآن من خلالنا نحن الذين سمحنا به. لقد بددنا هدرًا المكاسب التى حصلنا عليها في رفع مستوى التحصيل التعليمي لطلابنا بعد التحدي الذي واجهناه بإطلاق القمر الصناعي (سبوتنيك)(*) . إن هذا التدني في قبول تلك المستويات من التعليم عمل بلا تفكير وعملية نزع لسلاح التعليم»(21). وعندما يقترح هتشنجر Hichinger، أحد أعلام التربية الأمريكيين، تصورًا لإصلاح التعليم يقضي باعتبار المدرسة الثانوية المخطط لها بعناية فائقة في أوروبا مثالاً يجب أن يحتذى في أمريكا، فإنه يواجه باعتراضات شديدة على أساس أن هذا التصور لا يلبي حاجات طلاب التعليم العام في أمريكا من الأقليات التى تنتمي إلى أصول ثقافية مختلفة ؛ ولهذا فهو لا يخدم مواقع العمل في الثقافة الأمريكية المعاصرة التى تتسم بالتقدم العلمي والتقني، فضلاً عن أنه يعكس ظلال الثقافة الغربية بوجه عام، ويحرم الأمريكيين من التعرف على ثقافات الأمم التى تؤدي فيها أمريكا دورًا ما، قل أو كبر(22).

وإذا ما انتقلنا الآن إلى استعراض سريع لواقع التعليم العام في الأمة العربية والإسلامية، فإن النشرات الإحصائية توضح لنا أن جهدًا ملحوظًا يبذل في تعميم التعليم وتوسيع رقعة انتشاره، لكن الدراسات التحليلية والتقويمية تؤكد لنا _ مع الواقع الملموس _ أن هذا التطور الكمي لا يواكبه تطور نوعي يفي باحتياجات الأمة ويقيلها من عثرتها. وأن الفجـوة واسعة بين الهدف والتطبيق(23). وتعزي الدراسات العالمية المقارنة هذا العجز الذي يصيب نظام التعليم العام في دول العالم الثالث عمومًا إلى أن كثيرًا من الدول النامية قد غدت معرضًا عالميًّا كبيرًا لأشتات من النماذج والفلسفات التعليمية الوافدة من كل أنحاء العالم الصناعي، وأنها تحاول تطبيقها كما هي، أو مرتدية شعارات التجديد والتطوير في بيئة تختلف عن بيئاتها الأصلية(24).

يتضح مما سبق أن فلسفة التعليم العام التي تأخذ بها مجتمعات العالم المتقدم، وتتلخص في اعتباره أهم أداة لتأصيل الهوية الثقافية وتجديدها، تكاد تكون غائبة منهجًا وتطبيقًا في أغلب مجتمعات العالم الإسلامي، حتى وإن كانت هدفًا ينص عليه في الاستراتيجيات وفي توصيات الندوات والمؤتمرات. أما غياب المنهج العلمي السليم في فلسفة التعليم العام فيمكن أن نستدل عليه من خلال ما يغمر ساحة الفكر العربي والإسلامي من جدل ونقاش حول المفاضلة أو التوفيق بين ثنائيات الألفاظ والصيغ التى تطرح من حين لآخر، مثل الأصالة والمعاصرة. والتجديد والتقليد، والإبداع والاتباع، والإسلامية والعلمانية، وغيرها. وكيف يمكن الاتفاق على منهج محدد الخطوات والغايات في وسط ثقافي وفكري باهت الهوية لا يزال في حاجة إلى اسم ونسب ؟.

إن الحوار بين المفكرين لا يزال مستمرًّا في سبيل إقرار أبسط مبادئ التفكير العلمي الذي يصنع التقدم، بينما نجد التقدم نفسه عند الآخرين يركب الآن صاروخًا ومكوك فضاء ويسافر نحو الشمس والقمر والكواكب البعيدة!!. وأما عن غياب التطبيق السليم لأهداف التعليم العام، فيكفي شاهدًا عليه أن يكون تدريس مادة «التربية الإسلامية» في كثير من البلدان الإسلامية أمرًا ثانويًّا أو هامشيًّا، وأن يأتي تقويمها _ على أحسن الفروض _ في مستوى واحد مع التربية الفنية والتربية الموسيقية والتربية الرياضية وغيرها، فينظر إليها الطلاب على أنها من قبيل تحصيل الحاصل(25).

والآن، إذا ما أردنا أن نستفيد من تجارب المجتمعات المتقدمة في اعتبار التعليم العام أداة لتأكيد الهوية الثقافية وتجديدها، يكون علينا أن نعول على ثقافتنا الإسلامية وليس على ثقافة الغير، وأن ننطلق من التصورات والمعتقدات والقيم التى يؤمن بها أبناء أمتنا الإسلامية لتكون زادهم الحقيقي في العمل والكفاح من أجل حياة أفضل. ويقيني أن هذا هو ما يجب أن يمثل حجر الزاوية في فكر الصحوة الإسلامية المعاصرة التى تؤمن بدور العلم في صنع التقدم وتدعو إلى الأخذ به بنية ونهجًا، على أن يبدأ الإصلاح بإعادة نظر شاملة وفورية في جميع المناهج الدراسية لتنقيتها من أي مفاهيم غير إسلامية وإعادة صياغتها بعد تحديد أهدافها ومحتواها وأساليب تدريسها وتعلمها وعملية تقويمها في ضوء التصور الإسلامي المستند إلى كتاب الله الكريم وسنة نبيه الأمين. إن المنهج الإسلامي قد احتضن حضارة المسلمين الأولى، ولا يزال قادرًا على ابتعاث حضارة جديدة إذا ما أدركنا الحاجة الماسة إلى إحياء تراثنا الإسلامي وتنقيته وتوسيع دائرته وترشيد العقول المفكرة به في إطار الإلمام الواعي بحقائق الواقع المعيش، وباحتياجات الأمة وآمالها، وباتجاهات الفكر العالمي وفلسفاته التقليدية والمعاصرة، دون انبهار بنماذج غربية أو شرقية.

والموضوع على هذا النحو متصل في جانبه التربوي بمعاني التربية الإسلامية وغاياتها في كل أوجه نشاطها، فالتعليم في أية أمة من الأمم _ بحكم بنائه وتوجيهه _ يمثل الوجه الأهم من أوجه التربية والجزء الأعظم من قوتها الدافعة، والوسيلة الأمثل لضمان بلوغ غاياتها. ويتفق المفكرون الإسلاميون وعلماء التربية الإسلامية(26) على أن غاية التربية الإسلامية العليا هي بلوغ الكمال الإنساني ؛ لأن الإسلام نفسه يمثل بلوغ الكمال الديني، مصداقًا لقوله تعالى : {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِينًا} (المائدة: 3). ويأتي في مقدمة خصائص الكمال الإنساني الذي تنشده التربية الإسلامية إعداد الإنسان الصالح العابد لله حق عبادته والجدير بحمل الأمانة والبحث عن الحقيقة وإعمار الحياة في الأرض.

ولا يتسع المجال هنا لعرض كل ما يتعلق بغايات التربية الإسلامية في تنشئة الشخصية الإسلامية المتكاملة التي تفهم معنىعبادة الله تعالى بأنها أوسع وأشمل من مجرد إقامة الشعائر، وتنطلق في تفكيرها وأعمالها من مُسَلَّمِةَ التوحيد الإسلامي الذي يعمق في الإنسان معنى الربانية كأساس لكل خصائص التصور الإسلامي في تحقيق المنهج الإلهي على الأرض، ولكن يجب إيضاح أن التربية الإسلامية والتعليم هما من مهمة النبوة التى كلف بأدائها سيد المرسلين، مصداقًا لقوله سبحانه وتعالى : {يَتْلُو عَلَيْهِمْ ءَايَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ } (آل عمران: 164)، وقول رسوله الأمين : « إن الله بعثني معلمًا وميسرًا»(27). ولنا في أسلافنا الذين تربوا على الإسلام أسوة حسنة، لأنهم أدركوا أن الاهتمام بالعلم قضية تعبدية بالدرجة الأولى، وليست مجرد الحصول على شىء من القوة الغاشمة أو التسلط الظالم في هذه الدنيا، فالذين يعيشون ويعملون في كنف الإيمان بالخالق الواحد هم الذين يستطيعون _ أكثر من غيرهم _ مواصلة الترقي في السلم المعرفي إلى غايته القصوى بإدراك حقيقة الوجود الإنساني في هذا الكون كما أرادها رب العالمين، ومن ثم فهم القادرون _ أكثر من غيرهم _ على جنى كل ثمار المعرفة التى حصلوها دون أن يسيئوا استخدامها في غير موضعها.

وإذا ما قبلنا ذلك التوضيح لواقع التعليم العام في العالم الإسلامي، فإننا لن نجد صعوبة في الوقوف على السبب الحقيقي لتخلف الأمة الإسلامية وتدهور مستوى التعليم في مدارسها وجامعاتها، على كثرتها ووفرة إمكاناتها. فلن يكون لهذا التعليم دور مؤثر في ابتعاث النهضة الحضارية المنشودة إلا إذا تحددت أهدافه في «تأصيل الثقافة الإسلامية وتجديدها في ضوء المعاني الربانية لغايات التربية الإسلامية، وإلا إذا استحدثت صيغة جديدة للتطوير والإصلاح، تستند في سياستها إلى المنهج الإسلامي القويم وتؤمن بدور العلم والتقنية في ربط المجتمع الإسلامي بواقع الحياة المعاصرة، وهذا يتطلب في المقام الأول إسهام العلماء والمفكرين الإسلاميين في بناء المدرسة العلمية الإسلامية المتميزة من خلال برنامج واضح ومتكامل لأسلمة نظام التعليم العام بمختلف عناصره ومؤسساته، على أن يكون البدء بأسلمة المناهج الدراسية طريقًا إلى وحدة المعرفة الإسلامية في التعليم، وأساسًا لبناء الشخصية الإسلامية المعاصرة. وعندئذ فقط ينكسر حاجز الجمود فيما يمكن أن يسمى بنظام التعليم السلمي، وتزول حالة التشاؤم من ثقافة مستسلمة، وتنتقل الأمة إلى وضع جديد يحدوها الأمل والتفاؤل بنهضة حضارية جديدة تحقق إرادة الله في ترقية الحياة على الأرض، وترسي قواعد المنهج الإلهي الذي يتناسق مع الناموس الكوني العام.

منهج إجرائي لأسلمة العلوم الكونية:

حاولنا فيما سبق أن نطرح تصورًا إسلاميًّا للإطار الفكري العام الذي يمكن في ضوئه تحقيق التوجيه الإسلامي للعلوم، مع التركيز على إيضاح أهمية هذا التوجيه ومفاهيمه الأساسية والمبادئ الإيمانية التى يرتكز عليها، بالإضافة إلى الغايات والأهداف التى يسعى إلى تحقيقها. ويبقى الآن أن نُجمل خطة إجرائية للتوجيه الإسلامي للعلوم بعامة، والعلوم الكونية بخاصة(28)، في الخطوات التالية :

1_ إيجاد حل لمشكلة الازدواج التعليمي في العالم الإسلامي، والمتمثلة في وجود نظامين، أحدهما ديني والآخر «علماني». إذ لا يمكن أن يكون هنالك أي أمل في إحياء حقيقي للأمة مالم يستحدث لها نظام تعليمي واحد ينبع من الروح الإسلامية ويعمل باعتباره وحدة متكاملة مع برنامج الإسلام العقيدي. كما يجب ألا يبقي نظام التعليم الحالي في أغلب بلدان العالم الإسلامي مقلدًا للنظام الغربي، أو أن يترك هائمًا ليجد مخرجًا بنفسه. فلكل طالب مسلم الحق في أن يتلقي تعليمًا كاملاً في الدين الإسلامي وقيمه وغاياته وأخلاقياته وتشريعاته وتاريخه وحضارته، وألا يقتصر تعليمه على احتراف مجال معين من مجالات العلم والمعرفة.

إن الحالة الراهنة لازدواجية التعليم لا تساعد على غرس الرؤية الإسلامية المستنيرة لدى طلاب العلم الذين يتعرضون في قاعات الدرس، ومن خلال الكتب المقررة إلى مفاهيم غريبة تقدم إليهم باسم العلم والمدنية الحديثة. وبطبيعة الحال، يكون ارتباط مثل هؤلاء الطلاب بالموقف الإسلامي وليد عاطفة لا قناعة واعية، ويصبح التزامهم بالإسلام أضعف من أن يصمد أمام الهجمة العنيفة لما يقدم زيفًا على أنه الحقيقة «العلمية» أو «الموضوعية» أو «العصرية». لهذا، وفي غياب أية مفاهيم وحجج إسلامية مقابلة تطرح بنفس القوة من الموضوعية والعلمية وبنفس الروح العصرية، تبدأ عملية إبعاد الطلاب عن جذورهم الإسلامية، ويسهل استسلامهم إلى الادعاءات اللادينية وتقبلها، وبعد سنوات من هذا التأثير، إضافة إلى تأثير مماثل، إن لم يكن أقوى، من جانب وسائل الإعلام ومن الأقران، يكون الوعي الإسلامي لدى الطالب المسلم قد تعرض للتخريب، ولا غرابة بعد ذلك في أن يصبح ذا نزعة مادية وساخرًا مما حوله، لا هو بالمسلم السوي، ولا هو بالغربي، ويقع فريسة سهلة لكل من يرضى نزواته الآنية. فهو يعيش حياة تقوم على «الازدواج» في التفكير وفي السلوك على السواء، يحاول أن يلبس ثياب الغرب المتقدم، ويحاول في الوقت نفسه أن يتمسك بدينه كما توارثه عن آبائه وأجداده. وهكذا تفرز الازدواجية التعليمية إنسانًا لا يستطيع أن يتعامل مع حضارة العصر إلا من خلال أيديولوجيته الخاصة وأوضاع مجتمعه المتخلف.

وتجدر الإشارة في هذا المجال إلى أن حل مشكلة الازدواجية التعليمية في العالم الإسلامي لا يبدو عملاً سهلاً أو بسيطًا ؛ لأن الإصلاح التعليمي يجب أن يصاحبه تحول اجتماعي واقتصادي مماثل، وما لم يتم التخطيط لكل ذلك بحيث يواكب بعضه بعضًا فإن التغيرات التعليمية لن تكون مؤثرة بالقدر المطلوب. كما تجدر الإشارة من ناحية أخرى إلى أن معظم علماء المسلمين المعاصرين قد تلقوا تعليمهم ونموا خبراتهم وفق نظام التعليم الغربي، ومن خلال الفلسفات الغربية، الرأسمالية منها والشيوعية، وصيغها العلمية، وهي بطبيعة الحال فلسفات غريبة عن الإسلام، ولا يمكن استيعابها استيعابًا كاملاً داخل الهياكل الإسلامية للمعرفة والعمل. وقد يوجد عدد قليل جدًّا من العلماء المسلمين الذين يمسكون بناصية المعرفة الإسلامية والمعارف الحديثة للعلوم الاجتماعية والكونية بقدر متساو، الأمر الذي يشكل مشكلة خطيرة عند اختيار الكفاءات القادرة على إعداد برامج الإصلاح وتنفيذه. لكن الشروع في الإصلاح على أساس الالتزام بالإسلام كرسالة حياة هو أمر ضروري للذين يقدمون على المساهمة في هذه الرسالة، وكلما قطعوا في العمل شوطًا سوف يجدون أن الله سبحانه وتعالى قد وهبهم المساعدة وألهمهم الهداية للاستمرار في تحقيق رسالتهم.

2) العمل على زيادة التقارب بين علماء الدين الإسلامي والعلماء المتخصصين في العلوم الكونية، فهم جميعًا مطالبون بأن يشغلوا أنفسهم بإعادة فحص شاملة للثقافة الإسلامية ؛ لفهمها وتشربها والتكامل معها. يجب عليهم أن يؤمنوا أولاً بحقيقة العلاقة بين العلم والإسلام، وأن يعملوا كفريق واحد ينطلق في تفكيره من مسلمات واضحة تقرر أن علوم الوحي لها مكانة متفوقة في المجتمع الإسلامي، وكل الإرشادات والتعاليم يجب أن تنبثق منها وتأخذ من معينها، وتقرر في الوقت نفسه أن التوجيه الإسلامي للعلوم الكونية الحديثة إنما يعني ذلك المجهود الذي يستوعب هذه العلوم داخل هيكل إسلامي بهدف الإفادة منها لجني أكبر مردود للمجتمع المسلم. إن على هؤلاء تبعة تنوير المجتمع المسلم بأهمية العلم في حياته، وضرورة امتلاكه كقوة ثقافية ذات أثر كبير في تفكير الناس وسلوكياتهم، وإن عليهم أيضًا واجب الارتقاء بالذوق العلمي وبالثقافة العلمية في المجتمع الإسلامي ككل، خاصة وأن العلم في المجتمع الغربي قد طلق القيم الأخلاقية وأصبح على درجة كبيرة من الآلية وانعدام القيم.

3) القيام بمسح شامل لكتب ومخطوطات التراث العلمي للحضارة الإسلامية، وإعادة صياغتها وتحقيقها بلغة  العصر وأسلوبه ومصطلحاته بواسطة علماء متخصصين، بهدف تنقية هذا التراث من مزاعم المستشرقين  والمؤرخين غير المنصفين، وأيضًا للوقوف على ما به من نظريات وآراء علمية ذات قيمة معرفية أو منهجية في تاريخ العلم والحضارة. ويمكن الاستعانة بالحاسب الآلي وتطوير وسائله لخدمة أغراض المسح الشامل لكتب التراث وإحصاء النصوص الإسلامية وتصنيفها، وبذلك  يسهل التعامل معها والانتفاع الكامل بها في إطار تصنيف جديد للعلوم يستند إلى المفهوم الإسلامي للعلم القائم على وحدة العقل الإنساني وتضافر جميع ملكاته من أجل تحصيل العلوم وتطويرها.

وتأتي عملية إحياء التراث الإسلامي على هذا النحو في إطار عملية أشمل لتأصيل المعرفة الإسلامية باعتبارها مقومًا أساسيًّا من مقومات النهضة الإسلامية المنشودة. فالاستقراء الواعي لحركة التاريخ يشهد بأن الأمم التى تشرع في النهوض من كبوتها تبدأ أولاً بإحياء تراثها وتراث الحضارات المتصلة بها، على نحو ما فعل العرب في عصر الحضارة الإسلامية، وما فعله الأوربيون في عصر النهضة الأوروبية. بل إن جامعات الدول المتقدمة في عصرنا تحرص على تدريس تاريخ العلم وفلسفته، وتضم العديد من المستشرقين الذين يواصلون البحث في تراث الأقدمين، ويولون أهمية خاصة لتراث المسلمين العلمي. وإذا ما أدركنا الحاجة الماسة إلى إحياء تراثنا الإسلامي، وخاصة العلمي منه، في إطار خطة مماثلة لتوصيف الواقع العلمي المعاصر واستيعابه الكامل، فإننا نجعل من التاريخ علمًا مستقبليًّا وليس مجرد قصص للاستمتاع وتزجية الفراغ. ويجب ألا يغيب عن الذهن دائمًا أن عدم استيعاب الواقع في حينه يؤدى إلى استمرار الانغماس في مستنقع التخلف والدوران في فلك التبعية، ومن ثم يؤدي إلى غياب المقدرة على استشراف آفاق المستقبل والإعداد لمواجهته.

4) اعتماد اللغة العربية لغة للعلوم والتقنية في جميع مراحل التعليم، بما فيها  مراحل التعليم العالي والدراسات العليا. فاللغة صورة من حياة أصحابها، ترقى برقيهم وتتخلف بتخلفهم، وحين كان العرب متقدمين بالإسلام تقدمت بهم لغتهم. فحين تخلفوا عنه تخلفت بهم أيضًا، ذلك أن قَدَرَ هذه العربية أنها وعاء الإسلام الحنيف، هكذا كانت في غابر الزمن، وهكذا تكون إلى أبده، بل إن الإسلام دفع بالعربية إلى ارتياد آفاق العلوم الكونية حتىصارت لغة العلوم والتقنية كما هي لغة الدين والأدب، وامتد نفوذها من المحيط إلى الخليج، حتى أصبحت لغة دولية للعلم والحضارة. وقد استفادت أوروبا عبر التاريخ من العلوم العربية الإسلامية، وخاصة في مجالات الفلسفة والعلوم التجريبية. كما تركت اللغة العربية آثارًا على لغات أخرى غربية، وكانت تدرس في الجامعات الأوربية. ولم يطرأ على العربية شىء يخلع عنها هذا الثوب الذي كساها به الإسلام، فهي لغة صالحة لتكون لغة العالمين، صلاح الإسلام ليكون دينًا للعالمين.

لكن نجاح هذه الخطوة المهمة في عملية التوجيه الإسلامي للعلوم مرهون باتخاذ خطوة أخرى مماثلة لا تقل عنها في الأهمية، وهي تنشيط حركة الترجمة والتعريب من اللغات الحضارية الأخرى، وهذا يؤكد بالضرورة أهمية دراسة وإتقان اللغات الأجنبية، خاصة وأن دراستها تعتبر مطلبًا أساسيًّا لإعداد المترجم الجيد من اللغة العربية وإليها.

5) وهنا لابد من التأكيد أيضًا على ضرورة التفتح علىالعلوم النافعة في الثقافات والحضارات الأخرى، وأن نعرف ماذا نأخذ وماذا نترك منها، وأن نتفاعل معها ونفيد من علومها وفنونها ومناهجها، فالإسلام يخبرنا أن الحكمة ضالة المؤمن، عليه أن يلتقطها أنى وجدها. ولاشك أن إحدى الخطوات الإجرائية المهمة في منهج التوجيه الإسلامي للعلوم تتمثل في البدء فورًا في إعداد وتنفيذ برنامج ترجمة لأمهات الكتب العلمية في العالم إلى اللغة العربية، على أن يتم فحصها جيدًا بواسطة علماء متخصصين لتنقيتها مما بها من ألفاظ وعبارات لا تتفق مع الإسلام، وذلك على هيئة تعليق للترجمة بهوامش الكتابة، خاصة وأننا نرى تجاهلاً ملحوظًا لدور العلماء المسلمين في الوقت الذي يحرص فيه المؤلفون لهذه الكتب على تمجيد دور علمائهم القدامى والمحدثين. وفي حقيقة الأمر،  يجب على مؤرخي العلوم من المسلمين أن يساهموا في كشف المزيد من الآراء والقوانين والنظريات العلمية التى تدين بنشأتها وتطورها لعلماء الحضارة الإسلامية، وذلك بكشف المصادر الأصلية لهذه المكتشفات بعد البحث عنها وتجميعها من مظانها المختلفة في جميع أنحاء العالم. وأن الجامعات ومعاهد البحوث الإسلامية تزخر بالعديد من العلماء المسلمين القادرين على إثراء المكتبة العربية خلال فترة وجيزة بكمّ هائل من الترجمات والكتابات العلمية البحتة والتطبيقية في مختلف التخصصات.

6) إعداد مناهج جديدة للعلوم في مختلف مراحل التعليم العام من منظور إسلامي. وهذه الخطوة ذات أهمية خاصة ؛ لاعتقادنا بأن المناهج والكتب الدراسية هي في النهاية المحصلة الأكثر موضوعية للعملية التعليمية، وأن تفحصها من شأنه أن يلقى أضواء كاشفة على موضوعنا.

ومن يتفحص الإطار الحالي الذي توضع فيه العلوم ومناهجها سوف يجد أنه يستند إلى فلسفة مادية علمانية ترى أن الظواهر الكونية ينبغي أن تفسر بأسباب من داخل الكون ولا دخل فيها للإرادة الإلهية ولا التجارب الروحية. وهذه الفلسفة المادية لا يقتصر دورها عند هذا المعنى اللاديني، بل إنها تتجاوزه وتنهج نهجًا معاديًا للدين، ينتقده أنصارها باسم العلم ويهاجمونه ويسعون لمحاصرته ويعملون جاهدين على إبعاده عن مجال العلم. وإن ما يكتب من العلوم في عالمنا الإسلامي المعاصر يتبع في معظمه _ سواء عن قصد أو غير قصد __ ذلك الاتجاه المادي؛ لأنه يكتب بلغات أجنبية وينشر في دوريات محلية أو خارجية على نمط الكتابات الغربية تمامًا، وحتى ما ينشر من هذه الكتابات باللغة العربية أو باللغات المحلية لا يكاد يخرج في مجموعه عن كونه ترجمة مباشرة أو غير مباشرة للفكر العلمي الوافد بكل ما فيه من تعارض واضح أحيانًا مع نصوص الدين. من هنا كانت الضرورة الملحة لإعادة كتابة العلوم ومناهجها من وجهة النظر الإسلامية. وعلى الرغم من أن الحقائق العلمية لا يمكن أن تتغير في حدود الظروف والشروط التى اكتشفت عندها، إلا أن عرضها وشرحها يمكن بالتأكيد أن يتم بصورة تطابق التصور الإسلامي وتحقق أهداف وغايات التربية الإسلامية.

لهذا يجب أن يكون محتوى مناهج العلوم، بما يشمله من معارف وحقائق ومهارات، متناسقًا مع المرتكزات الإيمانية والأهداف التربوية لعملية التوجيه الإسلامي للعلوم، وذلك عن طريق تنظيم المحتوى الذي يمثله الكتاب المنهجي على النحو التالي :

أ) مقدمات أساسية : تحدد بوضوح لكل من الطالب والمعلم الهدف من عملية التعلّم، وتبرز الرؤية الإسلامية التى بني على أساسها محتوى المنهج الدراسي بحيث يتحقق تحصيل المعرفة وممارسة التفكير العلمي على اعتبار أنهما من الفروض الإسلامية والضرورات الحضارية والمقومات الأساسية في تكوين شخصية المسلم المعاصر. فمن المعروف لكل مشتغل بمجالات التريبة وعلم النفس أنه كلما تشرّب الفرد فكرة ما عن اقتناع تام في قرارة نفسه كلما كانت دوافعه لتحقيق هذه الفكرة أقوى وكان معدل سعيه نحو اكتسابها أسرع مما لو أحس بأنها مجرد أمر عابر مفروض عليه أن يتعلمه ويدرسه. وهنا لابد أن تتحول التربية الإسلامية من خلال هذه المقدمات، وليس من مجرد فرضها كمقرر دراسي ثانوي، إلى سلوك عملي للأفراد، وتصبح حياة تسري في جميع المقررات الدراسية. كما يجب إبراز الدور الرائد الذي قام به علماء المسلمين في دفع مسيرة التقدم العلمي والحضاري استنادًا إلى منهج علمي سليم هدتهم إليه التعاليم الإسلامية، واتبعوه في دراساتهم وبحوثهم، وأخذته عنهم أوروبا، فكان أساسًا لقيام النهضة العلمية والتقنية الحديثة والمعاصرة، ولولا هذا الدور الإسلامي في تاريخ العلم لتأخرت مسيرة المدنية عدة قرون.

ب) موضوعات المنهج الدراسي، التى تقدم المفاهيم والأفكار والقوانين والنظريات العلمية التي يتفق عليها العلماء وخبراء مناهج العلوم، ويتوقع أن يتعلمها الطالب باستيعاب كامل بعد الانتهاء من دراسة المقرر. وتعنى أسلمة هذه الموضوعات أن تصاغ بما يتفق ومبادئ الإسلام. وليس هناك ما يمنع من تضمين المحتوى نظريات اشتهرت بتعارضها مع الدين مع مناقشتها وتفنيد حججها وإبطال مزاعم المناصرين لها، فالعلم الصحيح لا يتعارض أبدًا مع الدين الصحيح. كما تجدر الإشارة في المحتوى إلى معجزات الخلق الإلهي في الظواهر موضع الدراسة كلما كانت هناك فرصة لذلك مع البعد عن تفسير آيات القرآن الكريم في ضوء نتائج وآراء ونظريات علمية قد تكون صحيحة اليوم وغير ذلك غدًا.

ج) دراسات تطبيقية، في شكل قراءات ومشروعات تعقب كل باب من المنهج الدراسي، بل يمكن أن يتضمنها كتيب مستقل. أما القراءات العلمية من منظور  إسلامي فيمكن أن تشمل قراءات عن العلاقة بين العلم والدين أو قراءات عن تاريخ حياة العلماء المسلمين البارزين وإسهاماتهم العلمية ودور الإسلام في تكوين عقليتهم وبناء شخصيتهم. كما يمكن أن تشمل القراءات مواد علمية مبسطة عن بعض الاكتشافات العلمية والاختراعات التقنية الجديدة ؛ وذلك بهدف توسيع مدارك التلاميذ إلى أبعد من حدود الموضوعات الدراسية المقررة، وأما المشروعات فيقترح أن يقوم بها التلاميذ بأنفسهم تخطيطًا وتنفيذًا  بالمشاركة مع المدرس بهدف زيادة ميولهم الإيجابية نحو العلوم والأنشطة والمهن المتصلة بها، وتعويدهم على حسن الاستفادة من كل ملكات الفكر والعمل التي وهبها الله للإنسان.

ولا يعني هذا التنظيم لمحتوى منهج دراسي أن يتضمن محتوى أحد مناهج العلوم في عام واحد _ مثلاً _ كل النقاط المذكورة، وإنما يكون توزيعها على امتداد سنوات الدارسة في التعليم العام، وبين مناهج العلوم المختلفة. ولا بأس في ذلك من الاسترشاد بنظريات علم النفس الملائمة عند تدريس فكرة ما؛ لتناسب المستويات المعرفية والقدرات الاستيعابية للطلاب، ولا بأس أيضًا من الإشارة إلى ضرورة الحرص في جميع الأحوال  على أن يتحقق وصل الطالب بنصوص القرآن الكريم، والسنة النبوية الشريفة، والنماذج التراثية الرائدة، كلما ظهرت الحاجة إلى ذلك؛ حتى تعمر قلوب الأجيال بالعاطفة الإسلامية القوية، وتمتلئ نفوسهم بالأمل في المستقبل، وتتشرب عقولهم منهجية التفكير السليم، وتلتهب حماستهم في التسابق نحو الإعمار والبناء ؛ تحقيقًا لمشيئة الخالق جل وعلا.

وأخيرًا، فإننا نعتقد أن هذه الخطوات العملية لتوجيه العلوم وأسلوب التفكير توجيهًا إسلاميًّا من السهل أن تتحقق إذا ما حسنت النوايا وتضافرت الجهود، كما أننا على يقين بأنها سوف تؤتي ثمارها في أجيال المتعلمين عندما يأتي دورهم قريبًا في مواقع العمل والتأثير كعلماء ومربين ومفكرين، ويشرعون في تحديد علاقة الإسلام بنظرية العلم والمعرفة في دوائر اهتمامهم، إنهم عندئذ سوف لا يجدون صعوبة في الوقوف على أحداث ما وصل إليه العلم في مجالات تخصصاتهم، وعليهم بعد ذلك دمج هذه المعرفة الجديدة في البنية الأساسية للتراث الإسلامي، بعد عملية غربلة دقيقة يتم فيها حذف المفاهيم المضللة، والتدخل بالتصحيح والتعديل وإعادة التفسير بما يتفق مع نظرة الإسلام العالمية ومبادئه الإنسانية وتعاليمه السامية. إنهم سوف يملكون من القدرة ما يمكنهم من إعادة تشكيل فروع المعرفة وتوجيهها لخدمة المثل الإسلامية العليا، وسيضربون المثل والقدوة بوصفهم روادًا في عملية إعادة بناء  الحضارة الإسلامية الجديدة، وسيكون عليهم، بدورهم، أن يعلموا الأجيال اللاحقة من المسلمين وغير المسلمين اتباع آثارهم في توسيع نطاق المعرفة الإنسانية، واكتشاف أسرار جديدة للسنن الإلهية في الكون. وتنتقل الرؤية الإسلامية الصحيحة للعلم ورسالته مع أجيال العلماء، وتعيش معهم في صلواتهم ومناسكهم ومعاملاتهم، ليكونوا جديرين بحديث القرآن الكريم عنهم في قوله تعالى:{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَخْرَجْنَا بِهِ ثَمَرَاتٍ مُخْتَلِفًا أَلْوَانُهَا وَمِنَ الْجِبَالِ جُدَدٌ بِيضٌ وَحُمْرٌ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهَا وَغَرَابِيبُ سُودٌ وَمِنَ النَّاسِ وَالدَّوَابِّ وَالأَنْعَامِ مُخْتَلِفٌ أَلْوَانُهُ كَذَلِكَ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ غَفُور} (فاطر : 27 – 28).

نماذج لأسلمة بعض

النظريات والعلوم المعاصرة

إن الإطار الفكري والعملي لأسلمة العلوم، على النحو الذي فصلناه سابقًا، يمكن الاسترشاد به في برامج إعداد الشباب المسلم لمواجهة التحديات العلمية والحضارية، خاصة عند إعداد منهج أو كتاب دراسي في أي علم من العلوم الكونية التى تشمل العلوم الأساسية والتطبيقية والتقنية من فيزياء وكيمياء ورياضيات وأحياء وطب وهندسة وغيرها، ويبقى الاستشهاد بنماذج محددة مسئولية أهل الاختصاص في كل علم من هذه العلوم.

وسوف نعرض فيما يلي نماذج منتقاة لأسلمة بعض النظريات والعلوم الأساسية والتطبيقية المعاصرة.

أ) النظرية الذرية :

نشأت فكرة « الذرة» في تفكير الإنسان لأول مرة عندما واجهته أول مشكلة فلسفية تتعلق بالتساؤل عن مبدأ الكون، أو المادة الأولى التى نشأ منها الكون، وعن مدى إمكانية تقسيم المادة وصولاً إلى الجزء الأصغر منها، ويبدو أن هذا التساؤل كان بدوره نتيجة منطقية لاعتقاد مؤداه أن فهم الكون يتطلب معرفة بعض الشىء عن أجزائه الصغرى، وهو اعتقاد فطرى صحيح إلى حد كبير ولا يزال له انعكاس فيما يتردد الآن من نظريات معاصرة حول أصل الكون ونشأته، بعد أن زاد عليه «هيزنبرج» بقوله : « إن فهم أي شىء عن تركيب الظواهر الطبيعية يتم عن طريق اكتشاف العلاقات الرياضية المعبرة عن أجزائها الصغرى»(29).

وتنسب النظرية الذرية في نشأتها عادة إلى فلاسفة الإغريق، ولا يزال منهجهم الذري يحظى باهتمام كبير من جانب بعض المؤرخين الذين يعرضون لتاريخ النظرية الذرية بالتحليل والتأصيل. لكن الأمر من جانبنا _ نحن المسلمين _ ينبغي أن نتناوله بكل الحذر، ولا نبالغ في تقديره فوق ما يجب ؛ لأن هذا قام على كثير من الخيال ومن الجدل النظري العقيم، ولم يقم على منهج علمي منظم، وهو بعيد كل البعد عن المدرك المعاصر في تركيب المادة وبناء الذرة، فضلاً عن أنه يستند عند أنصاره ويذهب بهم إلى أقصى حدود النزعة المادية الآلية التى تسيّر _ في نظرهم _ جميع الأشياء بحتمية القانون الطبيعي(30).

وقد اطلع المسلمون الأوائل على آراء فلاسفة الإغريق في «الذرة» أو «الجوهر الفرد» أو « الجزء الذي لا يتجزأ» من خلال مترجماتهم إلى اللغة العربية، وخاصة ما جاء عن المذهب الذري لديمقريطس في كتاب «المتيافيزيقا» وأرسطو في كتاب «النفس». وكان طبيعيًّا أن يتبرأ مفكرو الإسلام من هذا المذهب الذي يجحد أصحابه الصانع  المدبر للعالم، وينكرون وجود الخالق الواحد جل وعلا، كما ينكرون النبوة والبعث والحساب. وقد وصفهم الإمام الغزالي في كتابه « المنقذ من الضـــلال بـ «الزنادقة»، كما وسموا «بالدهرية» الذين عناهم القرآن الكريم بقوله : {وَقَالُوا مَا هِيَ إِلاَّ حَيَاتُنَا الدُّنْيَا نَمُوتُ وَنَحْيَا وَمَا يُهْلِكُنَا إِلاَّ الدَّهْرُ وَمَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلاَّ يَظُنُّون} (الجاثية : 24).

ولما كان المجال هنا لا يسمح بالحديث حول كل ما جاء في التراث الإسلامي بخصوص «النظرية الذرية» فإننا  سنكتفي بالإشارة إلى مثالين ذوي مغزى يوضحان كيفية تناول المسلمين لهذه القضية الهامة من جانبيها الفكري والعلمي التطبيقي :

1) بالنسبة لفكرة الذرة، يأتي أبو الهذيل العلاف(31) في مقدمة فلاسفة المسلمين الذين أسهموا في أول صياغة إسلامية لنظرية «الجزء الذي لا يتجزأ» بحيث تنسجم مع عقيدتهم الدينية. ويقضي السياق  العام لهذه النظرية عند العلاف بأن العالم يتكون من عدد من الجواهر المفردة، أو الأجزاء البسيطة التى لا تتجزأ ( أي الذرات)، وإلى هذه الأجزاء التى لا تتجزأ تتحلل جميع الموجودات : « إن الخردلة يجوز أن تتجزأ نصفين،  ثم أربعة، ثم ثمانية، إلى أن يصير كل جزء منها لا يتجزأ، ويجوز على الجوهر الواحد الذي لا ينقسم إذا انفرد ما يجوز على الأجسام من الحركة والسكون، وما يتولد عنهما من المجامعة والمفارقة. وهذه الأجزاء تتحرك في خلاء، ولكنها لا تتحرك ولا تسكن بذاتها ؛ لأن الله من حيث هو ذات مريدة وقادرة، هو الذي أوجد الحركة فيها والسكون(32).

ويهمنا في هذا النص التراثي الإشارة إلى الطابع الإيماني المميز للفكر الإسلامي في معالجته لقضايا العلوم الكونية.

2) أما بالنسبة للجانب العلمي من النظرية الذرية في التراث الإسلامي، فإننا نختار ما يدل عليه من إحدى التجارب الكيميائية العملية التى أجراها جابر بن حيان (738 _ 815م) لتحضير مادة «الزنجفر» ( أو كبريتوز الزئبق)، حيث يقول : « لتحويل الزئبق إلى مادة صلبة حمراء، خذ قارورة مستديرة وصب فيها مقدارًا ملائمًا من الزئبق واستحضر آنية من الفخار بها كمية من الكبريت حتى يصل إلى حافة القارورة، ثم أدخل الآنية في فرن واتركها فيه ليلة بعد أن تحكم سدها، فإذا ما فحصتها بعد ذلك، وجدت الزئبق قد تحول إلى حجر أحمر، وهو ما يسميه العلماء بالزنجفر، وهي ليست مادة جديدة في كليتها، والحقيقة أن هاتين المادتين لم تفقدا ماهيتهما، وكل ماحدث أنهما تحولتا إلى دقائق صغيرة امتزجت ببعضها فأصبحت العين المجردة عاجزة عن التمييز بينهما، وظهرت المادة الناتجة من الاتحاد متجانسة التركيب، ولو كان في قدرتنا وسيلة تفرق بين دقائق النوعين لأدركنا أن كلاًّ منهما محتفظ بهيئته الطبيعية الدائمة ».

ويعلق أحد العلماء المعاصرين(33) على هذا الوصف العلمي  بأنه تصوير عجيب للاتحاد الكيميائي لعل فيه شبهًا من تصوير «دالتون» (1766 _ 1844م) الذي جاء بعد جابر بألف عام. وقال بأن الاتحاد الكيميائي يكون باتصال ذرات العناصر المتفاعلة بعضها مع بعض.

وإذا كانت الذرة الكيميائية كما تصورها «جابر» و« دالتون» في عمليات الاتحاد الكيميائي بين العناصر لم تعد مع حلول القرن العشرين ذلك الجزء الذي لا يتجزأ، فإن ظهور عالم الجسيمات الأولية وفيزياء الطاقات العالية قد أدى بنا الآن إلى البحث في أعماق «الذرة» عن جزء جديد منها لا يقبل التجزئة.. !

ب) علم البصريات :

يعتبر علم البصريات أحد المباحث الفيزيائية الذي يعنى بدراسة نظرية الضوء وخواصه وظواهره وتطبيقاته. وتكمن أهمية هذا البحث في أن أي تقدم يحرزه المتخصصون فيه ينعكس مباشرة على باقي فروع العلم، وهل تقدمت أبحاث الفضاء وعلوم الفلك والكيمياء والطب والصيدلة والجيولوجية والنبات والحيوان وغيرها إلا بتقدم أبحاث الضوء وتقنية البصريات؟!. وقد كتب الكثير من علماء المسلمين في هذا الفن تحت اسم «المناظر» ويتضمن كتاب«المناظر» للحسن بن الهيثم تفصيلات للعديد من الموضوعات التى تشكل ما نعرفه اليوم باسم «البصريات الهندسية» ومن أهم ماجاء به الحسن بن الهيثم في هذا المجال، وما نعتبره ثورة علمية بكل المقاييس التى وضعها فلاسفة العلم ومؤرخوه، هو أنه اتبع منهجًا استقرائيًّا دقيقًا لتحقيق نظريته الجديدة في الإبصار على أساس الشروط أو «المعاني» التى لا يتم الإبصار إلا بها، وهي أن يكون الجسم المرئي مضيئًا  بذاته أو بإشراق ضوء عليه، وأن يكون بين الجسم المرئي والعين بعد ما، وأن يكون الوسط الفاصل بينهما مشفًّا، وأن تكون المرئيات ذات حجم وكثافة يسمحان للعين بالإبصار، وأن تكون العين خالية من عيوب الإبصار.

وعندما تعرض ابن الهيثم لشرح الظواهر المتعلقة بانعكاس الضوء وانعطافه(34) وانتشاره، لجأ في بعض الحالات إلى استخدام الخيال العلمي المرتبط بالواقع في المماثلة بين الظواهر المختلفة والكشف عن الوحدة التى تربط بين وقائع متناثرة، وكان التمثيل الذي استخدمه هو النموذج الميكانيكي لحركة كرة صغيرة من الحديد أو الصلب تسقط على سطح مستو أملس فترتد عنه. وقد أثبت ابن الهيثم أن سرعة الضوء في الوسط المشف الألطف أعظم من سرعته في الوسط المشف الأغلظ، وأوضح كيف يترتب على ذلك أن ينعطف الضوء عند نفوذه من الألطف إلى الأغلظ مقتربًا جهة العمود على سطح الانفصال. وهو بهذا يسبق كلاًّ من «ديكارت» و«سنيل» و«نيوتن» في تقديم وصف دقيق للرسم التوضيحي المعروف لطلاب عصرنا فيما يتعلق بقانوني انعطاف الضوء وقابليته لعكس مساره، ولم يزد العلم الحديث عليه إلا حساب معامل الانعطاف (الانكسار) النسبي بين الوسطين(35).

كذلك حقق الحسن بن الهيثم سبقًا عظيمًا عندما تخطى حدود الحواس وارتقى في مراتب التفكير العلمي إلى مستوى صياغة الفرض العلمي وبلورته نتيجة لإضفاء مقولات العقل على نتائج الملاحظة والتجربة، وذلك باكتشافه أن الضوء ينتقل بحركة غاية في السرعة يحسبها المرء غير متناهية. والخيال العلمي على هذا النحو الذي قرر فيه ابن الهيثم أن للضوء سرعة محددة عن الخيال «الميتافيزيقي» في أنه يبدأ من ملاحظة الظواهر في الواقع لتفسيرها ويرتد إليها ليستخلص في النهاية فرضًا يمكن التحقق من صدقه إذا ما توافرت إمكانيات التجربة، وهو ما تحقق عمليًّا بعد ذلك في العصر الحديث عندما أجريت تجارب رومر وبرادلي وفيزو وفوكو وغيرهم(36) لقياس سرعة الضوء. ولو أنصف ألبرت انشتين لنسب فضل البداية الحقيقية للعلوم التجريبية إلى علماء الحضارة الإسلامية بدلاً من أن يقصر هذا الفضل في علم الفيزياء على إسحاق نيوتن، عندما صاغ الأخير قانون القصور الذاتي، واعتبره أينشتين نموذجًا غير مسبوق لأهمية الخيال العلمي الناضج المرتبط بالواقع كأداة من أدوات المنهج العلمي الاستقرائي القائم على الملاحظة والتجربة(37).

وهنا تزداد منهجية الفكر العلمي الإسلامي تألقًا إذا ما تذكرنا أن عصر الحضارة الإسلامية يمثل مرحلة مبكرة في تاريخ العلوم الكونية، ومن بينها علم «الفيزياء» الذي يتطلب في البدء التركيز على مراقبة الظواهر واستثارتها عن طريق الملاحظة والتجربة بجمع قدر كبير من النتائج يكفي لطرح فرض تفسيري أوتصور نظرى عام. لهذا يجب ألا يغيب عن الأذهان أن العلوم الكونية عمومًا في التراث الإسلامي كانت ذات طبيعة يغلب عليها الجانب الوصفى أكثر من التعبير الكمي الذي يحتاج إلى أجهزة قياس دقيقة ويميز مرحلة متقدمة في تاريخ العلم كما في حالة الكيمياء والفيزياء الحديثة والمعاصرة(38).

وتجدر الإشارة إلى أن حاسة النقد عند ابن الهيثم ساعدته على «استخلاص الحقائق المنغمسة في الشبهات»،  على حد قوله، وكان لها دور كبير في إبداعه العلمي. فقد استطاع المهندس الإسلامي من خلال نقده لإقليدس وبطليموس، أن يبدع في مجال الرياضيات التى كانت بمثابة حلقة الوصل بين فلسفته النقدية وعقليته التجريبية، وأنشأ بذلك علم «المناظر» الذي استخدم فيه عناصر المنهج الرياضي، بالإضافة إلى عناصر المنهج التجريبـي، محققًا نجاحًا رائدًا في اعتبار المنهج العلمي غير محدد بمجموعة من الخطوات التى تلتزم ترتيبًا معينًا ليس لها أن تتجاوزه، ومن ثم فإنه يقدم شهادة جديدة على حقيقة أن منهج البحث الإسلامي يحقق للباحث قدرًا كافيًا من المرونة وحرية التفكير يحول دون جموده أمام حركة العلم وتطوره(39).

ج) علم الصوت وتقنية الصوتيات:

لم يصلنا شىء ذو قيمة علمية عن اهتمام أهل الحضارات القديمة بدراسة ظاهرة الصوت وتطبيقاتها، اللهم إلا فيما يتعلق ببعض أنواع الغناء والعزف ((الموسيقى)؛ ولهذا فإننا لا نستطيع أن نبدأ الحديث عن مبحث «الصوتيات» إلا من حيث بدأ علماء الحضارة الإسلامية في تناول ظاهرة الصوت بالدراسة والتحليل على أسس منهجية سليمة. فقد أجمعوا من حيث المبدأ على أن هناك شيئين ضروريين لانبعاث الصوت وانتشاره. أما الشىء الأول فلابد من وجود جسم يهتز لإحداث موجات الصوت «التضاغطية»، على نحو ما نجد في وتر العــــــود أو الأوتار (الحبال) الصوتية عند الإنسان. وأما الشىء الثاني فلابد من وجود وسط مادي، كالهواء أو الماء تنتقل خلاله هذه الموجات الصوتية إلى أن تصل إلىالأذن ويحدث الإحساس بالسمع. والتجربة البسيطة التى يجريها الطلاب في المعمل للتأكد من صحة هذه الحقيقة العلمية تتمثل في وضع ناقوس زجاجي فوق ساعة «منبه» به جرس يدق، واستخدام مضخة هوائية لتفريغ ما يمكن إفراغه من هواء الناقوس. وعندما يسمح بدخول الهواء تحت الناقوس مرة أخرى يلاحظ أن صوت دقات الجرس يخفت رويدًا رويدًا أثناء تفريغ الناقوس من الهواء، ثم يشتد الصوت عندما يدخل الهواء في الناقوس. كذلك أجمع علماء المسلمين على تفسير جيد لحدوث «الصدى» نتيجة انعكاس الموجات الصوتية عندما يعترض مسارها عائق، فتحدث في ارتدادها رجعًا يشبه الصوت الأصلى.

ومن أوضح النصوص التى وردت في تراثنا الإسلامي عن طبيعة الصوت والصدى ما ذكره بهمنيار ابن المرزبان في كتابه «تحصيل بهمنيار»، من أن «الصوت أمر يحدث من تموج الجسم السيال الرطب كالهواء والماء بين جسمين متصاكين متقاومين. وأما الصدى فإنه يحدث من تموج يوجبه هذا التموج، فإن هذا التموج إذا قاومه شىء من الأشياء كجبل أو جدار حتى دفعه، لزم أن ينضغط أيضًا بين هذا التموج المتوجه إلى قرع الحائط أو الجبل وبين ما يقرعه هواء آخر يرده ذلك ويصرفه إلى خلف بانضغاطه، ويكون شكله شكل الأول وعلى هيئته.. ويجوز أن يكون لكل صوت صدى ولكن لا يسمع كما أن لكل ضوء عكسًا.. والسبب في أنه لا يسمع الصدى في البيوت أن المسافة إذا كانت قريبة من المصدر وعاكس الصوت سُمِعَا معًا في زمان واحد أو قريب من واحد»(40).

وقد فطن إخوان الصفا(41) إلى تأثير الحركة الصوتية في الهواء الذي «لشدة لطافته وخفة جوهره وسرعة حركة أجزائه يتخلل الأجسام كلها، فإذا صدم جسم جسمًا آخر انسل ذلك الهواء من بينهما وتدافع وتموج إلى جميع الجهات وحدث من حركته شكل كروي واتسع كما تتســــع القارورة من نفخ الزجَّاج (صانع الزجاج) فيها، وكلما اتسع ذلك الشكل ضعفت حركته وتموجه إلى أن يسكن ويضمحل». ولعل في هذا القول أيضًا مايؤكد سبق علماء المسلمين إلى تقدير ما أثبته العلم التجريبي حديثًا من أن الموجات الصوتية المنتقلة في الوسط المادي تفقد قدرًا من طاقتها عند اصطدامها بالأجسام تبعًا لنوعيتها وطبيعتها.

أما الحديث عن سرعة الصوت في كتب التراث الإسلامي فيكتسب أهمية خاصة داخل الإطار المنهجي لتقييم المعرفة تاريخيًّا. ومن يستعرض هذا الموضوع في مختلف النصوص التراثية سوف يلاحظ أن البحث في سرعة الصوت يأتي في أغلب الأحيان مقارنًا بسرعة الضوء. فقد ذكر البيروني، على سبيل المثال، أن سرعة النور أعظم كثيرًا من سرعة الصوت(42). وتحدث ابن سينا عن تأخر سماع صوت الرعد عن رؤية وميض البرق، لكنه علل ذلك بأن البرق يرى في الآن ( أي في نفس لحظة حدوثه) بلا زمان، وأما السمع فيحتاج إلى تموج الهواء أو ما يقوم مقامه من أجسام صلبة أو سائلة، وذلك يحدث في زمان. فإذا اتفق أن قرع الإنسان من بعد جسمًا على جسم فإنك ترى القرع قبل أن تسمع الصوت، لأن الإبصار، فيما يرى ابن سينا، ليس له زمان والاستماع يحتاج إلى (آن). وإذا كان ابن سينا قد جانبه الصواب في تعليل الشق الخاص بالإبصار، فإن الحسن بن الهيثم، عبقري الحضارة الإسلامية، استطاع بالتجربة العملية أن يبطل نظرية السرعة الآنية للضوء التى قال بها ابن سينا، وأن يثبت أن للضوء زمانًا وسرعة معينة، كما أن للصوت زمانًا وسرعة معينة. إلا أن زمان حركة الضوء أسرع بحيث لا يحس به أصلاً(43).

ومما يؤسف له أن أحدًا في ذلك الوقت لم يفد من هذه الأفكار المهمة في تقدير سرعة الصوت كميًّا. ونحن لا نرى سببًا لذلك، غير عدم توافر أجهزة دقيقة لقياس الزمن بالثواني أو أجزاء من الثانية في تلك المرحلة المبكرة من تاريخ التقنية عمومًا، وتطور أجهزة القياس الدقيق على وجه الخصوص. وتأخرت هذه الخطوة المهمة والبسيطة إلى القرن السابع عشر عندما تمكن «ميرسين» و«جاسندي» من إجراء أول تجربة عملية لتعيين سرعة الصوت في الهواء عن طريق قياس الفترة الزمنية التى تنقضي بين لحظة رؤية النار المنبعثة من فوهة مدفع ( أو بندقية) عند إطلاق قذيفة منه على مسافة بعيدة وبين لحظة سماع صوت القذيقة. وظلت فكرة الربط بين ضوء وصوت صادرين من مصدر واحد في نفس اللحظة أساسًا لتجارب عديدة أجريت بعد ذلك إلى أن تمكن «إسكلاجنون» خلال الحرب العالمية الأولى من تقدير سرعة الصوت في الهواء الجاف عند درجة الصفر المئوي بدقة عالية تقترب من القيمــة المعروفة حاليًا (330,1 مترًا في الثانية).

وقد أفاد المسلمون من فهمهم الواعي لأساسيات مبحث «الصوتيات» في مجالات نظرية وتطبيقية متنوعة لا يتسع المجال هنا لشرحها بالتفصيل(44)، ويكفي أن نشير هنا على سبيل المثال إلى دور علماء المسلمين في تطوير تقنية الهندسة الصوتية واستخدامها فيما يعرف الآن باسم «الصوتيات المعمارية»؛ وذلك أنهم عرفوا أن الصوت عندما ينعكس عن سطح مقعر فإنه يتجمع في بؤرة محددة، شأنه في ذلك شأن الضوء الذي ينعكس عن سطح مرآة مقعرة. وإذا أجرى حساب دقيق لهندسة السطوح المقعرة فإنه يصبح بالإمكان تسليط الأمواج الصوتية المنعكسة وتركيزها في اتجاهات معينة بحيث تزيد من وضوح الصوت وشدته. أما إذا لم تراع الحسابات الدقيقة لأماكن وأبعاد السطوح المقعرة بالنسبة لأماكن إصدار الصوت واستقباله، فإنه ينتج عن ذلك تشويش غير مرغوب للصوت لدى السامع بسبب التداخل الذي يحدث بين الصوت الذي يصل من المتكلم إلى السامع مباشرة والصوت المنعكس عن السطح المقعر إلى السامع بعد مرور فترة من الزمن. وقد فطن المهندسون المسلمون إلى أهمية استخدام خاصية تركيز الصوت في أغراض البناء والتشييد، وخاصة في المساجد الجامعة الكبيرة لنقل صوت الخطيب والإمام في أيام الجمعة والأعياد. مثال ذلك مسجد أصفهان القديم ومسجد العادلية في حلب وبعض مساجد بغداد القديمة، حيث كان يصمم سقف المسجد وجدرانه على شكل  سطوح مقعرة موزعة في زوايا المسجد وأركانه بطريقة دقيقة تضمن توزيع الصوت علىجميع الأرجاء، فيصل صوت الخطيب واضحًا دون تشويش إلى جميع المصلين على الرغم من كبر مساحة المسجد(45).

وتبقى هذه المآثر الإسلامية خير شاهد على ريادة علماء الحضارة في مجال هندسة الصوتيات التى ظلت اختصاصًا إسلاميًّا لعدة قرون، وذلك قبل أن يبدأ العالم الشهير «والاس ك. سابين» حوالي عام 1900م في دراسة أسباب سوء الصفات الصوتية لقاعة محاضرات في جامعة «هارفارد» وتتبع سلوك الخواص الصوتية للقاعات وحجرات غرف الموسيقى(46).

د) العلوم البيئية :

يتسع مدلول مصطلح «البيئة» Environment ليشمل مجموع الظروف والعوامل التي تحيط بالكائنات الحية وتؤثر في العمليات الحيوية التىتقوم بها، والإنسان، بطبعية الحال، واحد من مكونات البيئة دائم التأثير فيها والتأثر بها في إطار التفاعل المستمر مع عناصرها المختلفة. بما فيها من يمثل بني جنسه ؛ ولذا فإن تعريف «البيئة» يمكن النظر إليه أيضًا من خلال الأنشطة البشرية المختلفة، فنقول : البيئة الزراعية، والبيئة الصناعية، والبيئة الاجتماعية، والبيئة الثقافية.. إلى آخره.

وإذا تأملنا النظام البيئي في محيط الأرض الحيوي نجد أن كل ما فيه من ماء وهواء ويابسة وطاقة ومخلوقات حية يشكل كُلاًّ متكاملاً يتميز باستمرارية الأخذ والعطاء في اتزان معجز ودقيق وردت الإشارة إليه في عدد من آيات القرآن الكريم. مثل قوله تعالى : {إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَر} (القمر : 49). وقوله عز من قائل : {وَالأَرْضَ مَدَدْنَاهَا وَأَلْقَيْنَا فِيهَا رَوَاسِيَ وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ مَوْزُون} (الحجر : 19). وتتجلى سمة التوازن البيئي في كثير من الأشياء التى تقع حولنا، بما يؤكد أن النظم البيئية لا توجد بمعزل عن بعضها البعض، وكل شىء في شبكة الغلاف الحيوي مرتبط بكل الأشياء الأخرى.

«التلوث البيئي» مصطلح شاع استخدامه حديثًا، ويعنى وجود أية مادة أو طاقة في غير مكانها وزمانها المناسبين، وبكميات غير ملائمة لاستمرار التوازن البيئي. «وعلم البيئة» تبلورت معالمه حديثًا ؛ ليشمل عدة مباحث تعنى بدراسة العلاقات المتبادلة بين الكائنات والبيئة المحيطة بها، وتتبع أسباب الخلل الذي يحدث في التوازن البيئي لتقف على تأثيراته المباشرة وغير المباشرة، وتحذر من أخطاره العاجلة والآجلة، وتدل على أفضل الطرق لمكافحة التلوث والقضاء عليه، وقد حظيت العلوم البيئية Environmental Sciences باهتمام متزايد خلال العقود الأخيرة بعد أن وجد الإنسان نفسه متورطًا في الانشغال الزائد بثورة العلم والتقنية، وكادت البشرية تفقد سيطرتها علىالبيئة بعد الإخلال الخطير الذي حدث في معظم النظم البيئية، وانتشار معدلات التلوث بالمواد الكيميائية والإشعاعات النووية والضوضاء والأمواج الكهرومغناطيسية والطاقة الحرارية وغيرها. وكان من نتائج هذا الاهتمام انعقاد الندوات والمؤتمرات العالمية للاتفاق على معاهدات تنظم واجبات الدول في مواجهة مختلف أشكال الخلل البيئي، ولكن المعاهدات لم تحقق حتى الآن التوازن المطلوب بين طموح الإنسان علميًّا وتقنيًّا واقتصاديًّا من جهة، وبين المحافظة على نظافة البيئة وسلامتها من جهة أخرى.

وهنا يفرض الحديث عن «أسلمة العلوم البيئية» نفسه، فقد سبق الدين الإسلامي الحنيف إلى وضع تشريعات محكمة لرعاية البيئة وحمايتها من آفات التلوث والفساد، ورسم المنهج الإسلامي حدود هذه التشريعات على أساس الالتزام بمبدأين أساسيين يحددان مسئولية الإنسان حيال البيئة التى تعيش فيها : أما المبدأ الأول فهو «درء المفاسد» حتى لا تقع بالبلاد والعباد وتسبب الأذى للفرد والمجتمع والبيئة، حيث لا ضرر بالنفس ولا ضرار بالغير.

أما المبدأ الثاني فهو «جلب المصالح» وبذل كل الجهود التى من شأنها أن تحقق الخير والمنفعة للجماعة البشرية. وأهم ما يميز هذا المنهج الإسلامي الرشيد هو الأمر بالتوسط والاعتدال في كل تصرفات الإنسان باعتباره من أهم عوامل الخلل والاضطراب والقلق في منظومة التوازن البيئي المحكم الذي وهبه الله سبحانه وتعالى للحياة والأحياء في هذا الكون. كذلك يتميز المنهج الإسلامي بأن جعل النظافة والطهارة مقترنتين بالإيمان، واعتبر التلوث نجاسة كريهة، ونهى الرسول صلى الله عليه وسلم عن البول في الماء، فقال : «لا يبولن أحدكم في الماء الدائم ثم يتوضأ فيه»(47). كما جاء في الحديث الشريف:«اتقوا الملاعن الثلاث : البراز في الموارد وقارعة الطريق والظل»(48). وقد ثبت أن هذه الأعمال والتصرفات تسبب الأمراض الوبائية والمتوطنة وتساعد على انتشارها، ولاشك أن النهي عنها ينسحب على جميع أنواع الملوثات الأخرى التى تضر بصحة الإنسان والحيوان، أو يمتد أثرها الضار إلى باقي المخلوقات.

ويزخر التراث الإسلامي بمؤلفات عديدة حول البيئة وسلامتها من جوانب مختلفة، فنجد على سبيل المثال « رسالة في الأبخرة المصلحة للجو من الأوباء» للكندي، « وكتابا في التحرز من ضرر الأوباء» لمحمد بن أحمد التميمي، وكتابا حول «فنون المنون في الوباء والطاعون» لابن المبرد، أما الرازي الطبيب فقد نشد سلامة البيئة عندما استشاره عضد الدولة في اختيار موقع لمستشفى ببغداد، فاختار الناحية التى لم يفسد فيها اللحم بسرعة. وكانت المستشفيات بصورة عامة تتمتع بموقع تتوافر فيه كل الشروط الصحية والجمالية، فعندما أراد السلطان صلاح الدين أن ينشئ مستشفى في القاهرة اختار له أحد قصوره الفخمة البعيدة عن الضوضاء. وقد ألف الرازي رسالة في تأثير فصل الربيع وتغير الهواء تبعا لذلك، بينما تحدث أبو مروان الأندلسي في كتابه «التيسير في المداواة والتدريب » عن فساد الهواء الذي يهب من البرك والمستنقعات ذات الماء الراكد. وجاء في كتاب «بستان الأطباء وروضة الألباب» لابن المطران الدمشقى ما يؤكد ضرورة مراعاة تأثير البيئة عند تشخيص المرض.

وخصص ابن القيم في كتابه «الطب النبوي» فصلاً عن الأوبئة التى تنتشر بسبب التلوث الهوائي والاحتراز منها، وقد لخص ذلك الفصل بقوله: «والمقصود : أن فساد الهواء جزء من أجزاء السبب التام والعلة الفاعلة للطاعون، وأن فساد جوهر الهواء هو الموجب لحدوث الوباء، وفساده يكون لاستحالة جوهره إلى الرداءة لغلبة إحدى الكيفيات الرديئة عليها، كالعفونة والنتن والسمية، في أي وقت كان من أوقات السنة، وإن كان أكثر حدوثه في أواخر فصل الصيف، وفي الخريف غالبًا »(49).

وهكذا كلما أجلنا النظر في نصوص الشريعة الإسلامية، وصفحات التراث الإسلامي، وجدنا منهجًا إسلاميًّا حكيمًا ينهى عن التلوث والفساد بكل صورهما، ويعول قبل كل شىء على رقابة الضمير الذي يرعى القانون الإلهي لما فيه من خير لكل البشر. وما تعانيه البيئة اليوم من تدهور ليس سوى مظهر من مظاهر الفساد في الأرض الذي جلبه الإنسان لنفسه، وأشار إليه القرآن الكريم في قوله تعالى : { ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُون} (الروم : 41).

خاتمة :

يمكن إيجاز أهم النتائج والتوصيات المستهدفة من البحث فيما يلي :

(1) أسلمة العلوم تتطلب أسلمة نظم التعليم في العالم الإسلامي، ذلك أن الحالة الراهنة لازدواجية التعليم، أو تعدديته أحيانًا، تفرز إنسانًا لا يستطيع أن يتعامل مع حضارة العصر إلا من خلال أيديولوجيته الخاصة.

(2) ضرورة التقارب بين أهل الاختصاص في كل من العلوم الدينية والعلوم الكونية لضمان نشر ثقافة علمية إسلامية متكاملة ذات أثر كبير في نفوس الناس وتفكيرهم وسلوكياتهم.

(3) تعريب التعليم في جميع مراحله، مع الاهتمام بإتقان اللغات الأجنبية لتحقيق التفاعل والتواصل بين الثقافات والحضارات الأخرى.

(4) إعداد مناهج العلوم، أو إعادة صياغتها، بما يتفق مع المرتكزات الإيمانية وأهداف التربية الإسلامية.

(5) تنشيط حركة إحياء التراث العلمي الإسلامي للوقوف علي ما به من نظريات وآراء ونصوص علمية ذات قيمة معرفية أو منهجية في تاريخ العلم والحضارة، والكشف عن العلوم التي تشكل أساسًا لكثير من المباحث العلمية الدقيقة التي تعامل اليوم كعلوم مستقلة نظرا لاتساع دائرة البحث في موضوعاتهـــا، مثــل علــم الـــزلازل ( السيزمولوجيا )، وعلم التحسين الوراثي ( اليوجينيا )، وتقنية استخراج المياه الجوفية، وعلم الشفرة، وعلم البحار، وعلم البيطرة، وعلم البيزرة، وغيرها (50).

المراجع :

(1) أحمد فؤاد باشا، في فقه العلم والحضارة، المجلس الأعلى للشئون الإسلامية، القاهرة 1997م.

(2) المرجع السابق.

(3) مجمع اللغة العربية، معجم ألفاظ القرآن الكريم، مصر، مادة «ع. ل. م» ومادة «ع. ر. ف».

(4) رواه مسلم وأبو داود والترمذي والنسائي.

(5) سعيد إسماعيل علي، أهداف المدارس الإسلامية، بحث مقدم إلى مؤتمر «المناهج التربوية والتعليمية في ظل الفلسفة الإسلامية والفلسفة الحديثة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي بالتعاون مع الجمعية العربية للتربية الإسلامية، القاهرة، 29 _ 31 يوليو 1990م.

(6) أحمد فؤاد باشا، فلسفة العلوم بنظرة إسلامية، القاهرة، 1984م، ص 37.

(7) أحمد فؤاد باشا، « نسق إسلامي لمناهج البحث العلمي، تحديد الثوابت والمتغيرات»، بحث قدم إلى ندوة «قضايا المنهجية في الفكر الإسلامي »، قسنطينة _ الجزائر، سبتمبر 1989م، والبحث منشور بمجلة منبر الحوار، دار الكوثر _ بيروت _ لبنان، ع 17، ربيع 1990م _1410هـ _ ص ص 6 _  27.

(8) محمد الغزالي، مشكلات في طريق الحياة الإسلامية، دار الشروق، القاهرة، 1983م، ص 17.

(9) سعيد إسماعيل علي، مرجع سابق.

(10) عباس محمود العقاد، التفكير فريضة إسلامية، منشورات المكتبة العصرية، بيروت، صيدا، ص59.

(11) أحمد فؤاد باشا، التراث العلمي للحضارة الإسلامية ومكانته في تاريخ العلم والحضارة، ط2 ،القاهرة 1984م.

(12) سيد قطب، خصائص التصور الإسلامي ومقوماته، الطبعة الشرعية التاسعة، دار الشروق، القاهرة، 1407هـ _ 1987،ص41.

(13) أحمد فؤاد باشا، العلوم الكونية في التراث الإسلامي، مجمع البحوث الإسلامية بالأزهر، كتيب هدية مجلة الأزهر، عدد رمضان 1411هـ _ مارس 1991م. راجع أيضًا دراستنا : « فلسفة العلوم الطبيعية في التراث الإسلامي»، مجلة المسلم المعاصر، ع49، 1987م.

(14) روجيه جارودي، الأمة، ع 35، 1983م، وحيد الدين خان : واقعنا ومستقبلنا في ضوء الإسلام، ، ترجمة : د. سمير عبد الحميد إبراهيم، مراجعة : د. عبد الحليم عويس، دار الصحوة ،القاهرة، 1984م، ص ص 251 _ 256، د. أحمد فؤاد باشا، نسق إسلامي لمناهج البحث العلمي، مرجع سابق.

(15) فؤاد زكريا، التفكير العلمي، ط3، عالم المعرفة، الكويت، 1988م.

(16) كثيرًا ما يبدي أصحاب النزعة العلمانية عدم ارتياحهم لكل الجهود التى يبذلها الإسلاميون من أجل الربط بين العلم والدين الإسلامي. ويزعم هؤلاء العلمانيون بأن هذا الربط له أثره السيء على الدين والعلم معًأ، بل إنه _ بحسب زعمهم أيضًا _ يهدد بالعودة إلي عهود إنحطاط الحضارة العربية الإسلامية. وهم يجدون مثلهم الأعلى في حضارة الغرب التى مرت بتجربة رائدة في الفصل بين البحث العلمي والدين. انظر على سبيل المثال لا الحصر ماكتبه د. عبد العظيم أنيس بعنوان :«هل يمكن أسلمة العلوم؟»، وما كتبه د. فؤاد زكريا بعنوان :«العلمانية ضرورة حضارية»، وفي الكتاب الثامن من سلسلة «قضايا فكرية» التى تصدرها دار الثقافة الجديدة، القاهرة ،أكتوبر 1989م.

(17) يحيي هاشم فرغلي، حقيقة العلمانية بين الخرافة والتخريب، الأمانة العامة للجنة العليا للدعوة الإسلامية بالأزهر الشريف 1989م، د. محمد عمارة، العلمانية ونهضتنا الحديثة، دار الشروق، القاهرة 1986م.

(18) عبد الحليم الجندي، القرآن والمنهج العلمي المعاصر، دار المعارف، 1984م.

(19) أحمد فؤاد باشا، نحو صياغة إسلامية لنظرية العلم والتقنية، مجلة المسلم المعاصر، الكويت، ع 54، 1989 م.

(20) مصطلح «التعليم العام » هو الترجمة العربية لمصطلح General Education، ويعنى ذلك التعليم المقصود الذي يراد به تزويد مجموعة معينة من الطلاب بمنهج محوري عام، يتألف من مجموعة من المعارف والمهارات والقيم، وتكون له مقتضيات في كل مراحل التعليم : الابتدائي والثانوي والعالي أو الجامعي، ويكون هدفه الأسمى تأكيد الهوية الثقافية وتجديدها. لمزيد من التفاصيل، راجع : د. أحمد المهدي عبد الحليم، نحو اتجاهات حديثة في سياسة التعليم العام وبرامجه ومناهجه، عالم الفكر، المجلد التاسع عشر، العدد الثاني، الكويت 1988م، ص ص 17 _ 46.

(*) كان إطلاق الاتحاد السوفيتي للقمرالصناعي (سبوتنيك) في عام 1957م إيذانًا ببدء عهد جديد في أبحاث الفضاء الكوني، ويمثل تحديًا عمليًّا للولايات المتحدة الأمريكية التى واجهته بإنشاء وكالة الفضاء الأمريكية وتحديد هدف لها يتمثل في إنزال إنسان على سطح القمر بنهاية الستينيات. وقد تحقق ذلك فعلاً فى رحلة «أبوللو» عام 1969م.

(21) يوسف عبد المعطي، أمة معرضة للخطر، مكتب التربية العربي لدول الخليج، الرياض، 1984م، عن د. محمد أحمد الرشيد، التربية ومستقبل الأمة العربية، عالم الفكر، مجلد 19، ع2، الكويت 1988 م.

(22)  أحمد المهدي عبد الحليم، مرجع سابق، ص 18، 19.

(23) مكتب اليونسكو الإقليمي للتربية في البلاد العربية، التربية الجديدة، العددان 40، 41، السنة الرابعة عشرة، 1987م المنظمة العربية للتربية والثقافة والعلوم،  استراتيجية تطويرالتربية العربية، 1979م.

(24) فيليب كومز، ترجمة محمد خيرى حربي وآخرين، أزمة العالم في التعليم من منظور الثمانينيات، الرياض، دار المريخ 1987م، عن د. أحمد المهدي عبد الحليم ،مرجع سابق، ص 20.

(25) أحمد فؤاد باشا، «علاقة العلم بالفلسفة الإسلامية ونصيب الفكر العلمي من التدريس الفلسفي العام »، أعمال ندوة «نحو فلسفة إسلامية معاصرة» ،المعهد العالمي للفكر الإسلامي، القاهرة 1989م.

(26) انظر على سبيل المثال :

_ محمد قطب، منهج التربية الإسلامية، جزءان، دار الشروق، ج1، ط11 (1408هـ _ 1988م)، ج2 ط6 ( 1406هـ  1986م) :

_ مقداد يالجن، أهداف التربية الإسلامية وغايتها، الرياض 1406هـ _ 1986م.

_ سعيد إسماعيل علي، أصول التربية الإسلامية، دار الثقافة للطباعة والنشر، القاهرة 1976م.

_ محمد منير مرسي، أصول التربية الثقافية والفلسفية، عالم الكتب، القاهرة 1979م.

_ علي خليل أبو العينين، فلسفة التربية الإسلامية في القرآن الكريم، دار الفكر العربي، 1980م.

سيد أحمد عثمان، المسئولية الاجتماعية والشخصية المسلمة، دراسة نفسية تربوية، مكتبة الأنجلو المصرية، القاهرة، 1979م.

_ عبدالغني عبود، في التربية الإسلامية، ط2، دار الفكر العربي، القاهرة 1985م.

_ حمدي أبو الفتوح عطيفة، تصور مقترح لأسلمة خطط دراسة العلوم المدرسية في العالم العربي والإسلامي، دراسة منشورة، الإسكندرية، 1982م.

(27) رواه مسلم. ومعرفة المزيد حول المعاني الربانية وأثرها في بلوغ غايات التربية الإسلامية يمكن الرجوع إلى :

_  يوسف القرضاوي، الخصائص العامة للإسلام، مؤسسة الرسالة، بيروت، 1985م.

_ سيد قطب، خصائص التصورالإسلامي ومقوماته، مرجع سابق.

(28) بعض الأفكار التى تضمنتها هذه الخطوات استقيناها من المراجع الآتية :

_ محمد عمارة، الإسلام والمستقبل، دار الشروق، القاهرة، بيروت، 1405هـ _ 1985م.

_ عبدالصبور شاهين، العربية لغة العلوم والتقنية، دار الاعتصام، القاهرة، 1986 م.

_ إسلامية المعرفة، المبادئ العامة _ خطة العمل _ الإنجازات، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، واشنطن، 1401هـ _ 1981م.

_ م. أ. قاضي _ أسلمة المعارف العلمية الحديثة، بحث قدم إلى ندوة إسلامية المعرفة، إسلام أباد، 4 _ 8 يناير 1982م، ترجمة : محي الدين عطية.

_ زغلول راغب محمد النجار، عن ضرورة إعادة كتابة العلوم من وجهة النظر الإسلامية، مجلة المسلم المعاصر، العدد السادس (أبريل _ يونيه) 1976م، ص ص 15 _ 48.

_ جعفر شيخ إدريس، إسلامية العلوم وموضوعيتها، مجلة المسلم المعاصر، ع5 (1408هـ _ ص ص 5 _ 18).

_ عبد الغني عبود، عقبات في طريق التربية الإسلامية،  مؤتمر «المناهج التربوية والتعليمية في ظل الفلسفة الإسلامية والفلسفة الحديثة،= = القاهرة 29 _ 31 يوليو 1990م.

_ عمر التومي الشيباني، « الحركة العلمية في مجال العلوم الأساسية من حيث نشأتها وتطورها وإسهاماتها وأسسها والعوامل التي أثرت فيها»، ندوة التراث العلمي للعلوم الأساسية، طرابلس _ ليبيا، ديسمبر 1990 م.

_ أحمد فؤاد باشا، نحو صياغة إسلامية لنظرية العلم والتقنية، مرجع سابق.

_ كارم السيد غنيم، اللغة العربية والنهضة العلمية المنشودة في عالمنا الإسلامي، عالم الفكر. مجلد 19، ع4، 1989م. وتجدر الإشارة إلى أن هذا العدد من مجلة عالم الفكر يتضمن دراسات أخرى مهمة حول الترجمة والتعريب.

(29) فرنر هيزنبرج، الجزء والكل، محاورات في مضمار الفيزياء الذرية، الترجمة العربية. الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، 1986م.

(30) أحمد فؤاد باشا، العلوم الكونية في التراث الإسلامي، مرجع سابق.

(31) أبو الهذيل العلاف من أشهر فلاسفة المعتزلة (135هـ /  751م ، 235هـ / 849م).

(32) علي سامي النشار، نشأة الفكر الفلسفي في الإسلام، ج1، ط8، دار المعارف، القاهرة، بدون تاريخ للنشر.

(33) عبدالحليم منتصر، تاريخ العلم ودور العلماء العرب في تقدمه، دار المعارف، القاهرة، 1980م.

(34) تجدر الإشارة من جانبنا إلى مدى الدقة العلمية عند ابن الهيثم في ترجمة وانتقاء المصطلحات العلمية المناسبة، فكلمة «انعطاف» الضوء تعنى تحوله عن مساره الأصلى، وهي أدق من كلمة «انكسار» التى أخذناها علىسبيل الترجمة المقابلة للمصطلح الأجنبي Refraction.

(35) راجع تفاصيل ذلك في مؤلفنا : «التراث العلمي للحضارة الإسلامية…» مرجع سابق.

(36) قام جاليليو في عام 1600م بأول محاولة لقياس سرعة الضوء، ولكنه فشل بسبب عدم وجود أجهزة لقياس الزمن الضئيل الذي يستغرقه الضوء في الانتشار لمسافة عدة كيلومترات فقط.

(37) أينشتين وأنفلد، تطور علم الطبيعة، الترجمة العربية، القاهرة، 1959م.

(38) أحمد فؤاد باشا، ابستمولوجيا العلم ومنهجيته في التراث الإسلامي، منبر الحوار، ع16 ( 1990م)، فلسفة العلوم الطبيعية في التراث الإسلامي، مرجع سابق، فلسفة العلوم بنظرية إسلامية، مرجع سابق.

(39) أحمد فؤاد باشا، العلوم الفيزيائية في التراث الإسلامي، «ندوة التراث العلمي العربي في العلوم الأساسية»، طرابلس _ ليبيا، 17 _ 20 ديسمبر 1990م، نسق إسلامي لمناهج البحث العلمي _ تحديد الثوابت والمتغيرات، مرجع سابق.

(40)  أحمد فؤاد باشا ، مرجع سابق، « التراث العلمي للحضارة الإسلامية، ص 89.

(41) عمر فروخ، إخوان الصفا، درس _ عرض _ تحليل _ دار الكتاب العربي، بيروت، 1981م.

(42) عمر فروخ، تاريخ العلوم عند العرب، دار العلم للملايين، بيروت، 1977 م.

(43) كمال الدين الفارسي، كتاب تنقيح المناظر لذوي الأبصار والبصائر، الجزء الأول، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1984م، ص 280 وما بعدها.

(44) راجع مقالنا : «العلوم الكونية في التراث الإسلامي _ علم الصوتيات»، مجلة الأزهر، عدد ذي القعدة 1411هـ.

(45) كتاب الفيزياء للصف الثاني الثانوي، الرئاسة العامة لتعليم البنات، المملكة العربية السعودية، 1408هـ ـ، 1988م، ص 120.

(46) فوريس ر.ج، ديكسترهوز أ.ج، تاريخ العلم والتكنولوجيا، الجزء الثاني : القرنان الثامن عشر والتاسع عشر، ترجمة : أسامة أمين الخولي، مراجعة : محمد مرسي أحمد، سلسلة الألف كتاب (الثاني)، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1986، ص 68.

وتجدر الإشارة إلى ما جاء في هذا الكتاب من اعتبار «سابين» رائدًا في مجال بناء قاعات استماع الموسيقى على أساس علمي، وكنّا نتمنى أن ينوه في الترجمة العربية على الأقل إلى الريادة الحقيقية لعلماء المسلمين في مجال «هندسة الصوتيات».

(47) رواه مسلم.

(48) رواه أبو داود وأحمد ومسلم.

(49) ابن قيم الجوزية،  الطب النبوي، دار مكتبة الهلال، بيروت، لبنان، بدون تاريخ للنشر.

(50) أحمد فؤاد باشا ، علوم منسية في تراث المسلمين، مجلة المسلم المعاصر، ع 81، الكويت، 1996م.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر