ندوات

مؤسسات العدالة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

العدد 105

بسم الله الرحمن الرحيم . الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله e. الحمد لله الذي هدانا لهذا وما كنا لنهتدى لولا أن هدانا الله .

في مقدمة الموضوع فقط أُذكر بأنه حلقة في سلسلة فكرية معينة بدأت بالندوة الأولى التى طرحت فيها التصور العام للموضوع ثم تأتي باقى الندوات بشيء من التفصيل – عن المبادئ الهادية لكل من هذه المؤسسات، والمقصود بالمبادئ الهادية: المسائل التى تثير إشكالات معينة، أو فيها خلافات تحتاج إلى تمحيص الرأي وإلى الاختيار .

وبعد أن ننتهى -بمشيئة الله- من هذه السلسلة يكون من السهل أن ننتقل إلى مرحلة أخرى هي مرحلة الصياغة التفصيلية في ضوء هذه المبادئ الهادية، وإذا توصلنا إلى الصياغة التفصيلية فستكون مادة مطروحة للمناقشة كمشروع تقنين أو ما أشبه ذلك .

كما أُذكر بمنهج التناول لهذا الموضوع، فالتقييد فيه – أصلاً – يكون بنصوص الكتاب والسنة المعمول بها مع الاجتهاد باعتبار أن الشُقة واسعة بين الكتابات التراثية وبين الواقع الحالي؛ مما يحتاج إلى فتح باب الاجتهاد بأوسع معانيه، وفي إطار هذا الاجتهاد الجديد لابد من أن نستفيد كذلك من خبرة التاريخ الإسلامي الإيجابية والسلبية على حد سواء ، كما لابد من أن نستفيد من خبرة الغير حيث مرت عدة قرون – الآن – منذ توقف الاجتهاد عند المسلمين، انطلق فيها العالم في مؤسسات ومنظمات وقوانين لابد أن نستفيد منها في الإطار الذي تسعه الشريعة الإسلامية، بقبول ما يتفق معها ورفض ما لا يتفق معها .

وكما أشرت منذ قليل إذا كانت هناك مسألة تحتمل خلافًا في الرأى فلابد لنا – إذا كنا بصدد وضع تصور منضبط ومحدد – من القيام بالاختيار بين الآراء المختلفة، ولا يعنى ذلك أن الآراء التى لن يقع عليها الاختيار خاطئة أو مرجوحة أو غير ذلك ؛ وإنما الاختيار يعد وسيلة لابد منها حتى يكون هناك أساس محدد يعتمد عليه في عملية البناء.

بعد هذه المقدمة أدخل في صلب موضوع ندوة اليوم، وهو يشمل موضوعين في الحقيقة، موضوع مؤسسات العدالة ، وموضوع مؤسسات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

أولاً : مؤسسات العدالة :

بالنسبة لموضوع مؤسسات العدالة أظن أننى لست في حاجة للرد على التساؤل الذي قد يطرحه البعض هل في الشريعة الإسلامية نظامًا للقضاء أو لتسيير العدالة؟ فالمعروف لدينا نحن المشتغلين بأمور الشريعة والفكر الإسلامي أن هناك نظامًا ، وهناك ممارسة، وهناك مراجع تراثية تفصيلية في هذا الموضوع ، وإن كان قد تأخر نشرها ، ولكنها متوافرة لمن أراد أن يبحث في أمور القضاء، وفي تنظيم القضاء ، وفقه القضاء ، وتاريخ القضاء، ولعلنا سنشير -فيما يأتى من مسائل- إلى بعض الآراء التى ستوضح كيف أنهم وصلوا إلى تفاصيل قد لا تكون النظم القانونية المعاصرة قد وصلت إليها. كعادتنا في هذا الصدد ، لن نتناول الموضوع تناولاً أكاديميًّا في بحث مختلف جوانبه ، وإنما نختار فقط المسائل التى ستثير إشكالاً أو تثير تساؤلاً أو تحتاج إلى حسم.

وأول هذه المسائل يتعلق بشروط القاضي، وشروط القاضي -كما ذكروها- كثيرة ومعروفة، ولكننا نقف عند ثلاث منها وهي :

1- شرط الإسلام .

2- شرط الذكورة .

3- شرط الاجتهاد .

1- بالنسبة لشرط الإسلام فإن التصور الذي انطلق منه من كتب من علماء السلف في الموضوع يقوم على أساس أن القاضى في الدولة الإسلامية لابد أن يكون مسلمًا ؛ لأنه يطبق الشريعة الإسلامية ، ولأن القضاء يعد نوعًا من أنواع الولاية العامة التى لا يجوز إعطاؤها لغير المسلمين، هذا يطرح علينا مشكلة، هل يجوز تولى غير المسلم من مواطنى الدولة الإسلامية مهمة القضاء؟ والذي قد يرجح قبول الرأي القائل بجواز ذلك هو تطبيق فكرة تقنين الشريعة الإسلامية، حيث إن الشريعة الإسلامية إذا قُننت أصبحت موادًا قانونية شأنها شأن القوانين الوضعية يستطيع الدارس لها تطبيقها وفقًا للأصول الفنية المعينة وتحت رقابة الأجهزة العليا كمحاكم الاستئناف والنقض وغير ذلك مما يشرف على جهات القضاء .

2- وبخصوص شرط الذكورة فهناك رأي للأحناف ولابن حزم يقول: إن المرأة يجوز لها أن تتولى القضاء، وأظن أننا بذلك لا نكون بحاجة لمناقشة الموضوع من الناحية الفقهية، إذا اخترنا هذا الرأي على الرأي الآخر الذي يشترط الذكورة وإن كان من الناحية العملية هناك ميزة لقيام بعض النساء بتولى القضاء في بعض المحاكم المتخصصة، كمحاكم الأحوال الشخصية ومحاكم الأحداث ، وغير ذلك مما يكون للمرأة فيه دور قد يفوق دور الرجل في هذا المجال .

3- وبالنسبة للشرط الثالث الذي يستوقفنا وهو شرط الاجتهاد، وقد يعبر عنه بتعبير آخر وهو: هل يشترط في القاضي أن يكون مجتهدًا أم نقيده، حتى لو كان عنده صلاحية الاجتهاد، بأن يتبع مذهبًا معينًا أو أن يطبق قانونًا معينًا إذا قننا الشريعة في قانون محدد ومنضبط؟ وهذا موضوع كبير أظن أني تناولته في بحثين في مجلة المسلم المعاصر(1) وفي إحدى المحاضرات في جامعة قطر ، والذي أميل إليه هو تقييد القاضى بقانون محدد لو قننت الشريعة فيكون هذا القانون المستمد من الشريعة مقيدًا للقاضى ، مع إقراري بمزايا نظام القاضي المجتهد … وجمعًا بين مزايا النظامين اقترحت في هذه الأبحاث – التى أشرت إليها – أن يكون التقنين مقتصرًا على المبادئ العامة ولا يدخل في التفاصيل، حتى يتيح للقاضى مرونة كافية لأن يجتهد وفقًا للظروف المحيطة بالقضية المطروحة، ولكن في إطار المبادئ العامة التى يشملها تقنين الشريعة، وهذا الأسلوب ليس جديدًا فقد لجأت إليه الدول الأوربية في سعيها نحو الوحدة، إذ أنها تصدر ما يسمى بـ (المبادئ الهادية) في كل فرع من فروع القانون، وتكون هذه المبادئ الهادية ملزمة، ولكن لكل دولة من الدول أن تعدل قوانينها بما يتفق مع هذه المبادئ، فيظل هناك خلاف بين الدول فيما يتعلق بالتفاصيل ولكن تكون المبادئ العامة مشتركة ، فشيء من هذا القبيل هو الذي يمكن أن نحتفظ فيه بمساحة من الحرية والمرونة للقاضى مع تقييده بقانون موحد . وأهمية وحدة القانون – في الحقيقة – هي ضرورة أن يعرف المتقاضي – ليس فقط عند اللجوء للمحكمة ، بل عندما يقوم بالفعل أو بالتصرف – ما هو القانون الذي يحكم هذا الفعل أو هذا التصرف، أما أن تظل المسألة متروكة للاجتهادات المختلفة فسيظل الناس في حالة من الجهالة بخصوص الرأي الذي ستأخذ به المحكمة حين يعرض عليها هذا النزاع، هذا فضلاً عن وحدة القانون في الدولة الواحدة حتى لايختلف القانون من محكمة لأخرى تبعًا لاختلاف اجتهادات القضاة.

ب – مسألة أخرى نقف عندها هي كيفية تعيين القاضي .

المذكور في الكتب والذي مورس على مر التاريخ هو أن الخليفة أو الحاكم أو السلطة العليا هي التي تعين القضاة، سواء تم التعيين من الخليفة مباشرة أو بواسطة قاضى القضاة إذا كان من ضمن وظيفته أن يقوم بتعيين القضاة ، وأظن أن هذا النظام هو أصلح النظم ، مع التحفظ الخاص بضرورة استقلال القاضى في مواجهة السلطة التنفيذية بعد تمام اختياره أو تعيينه. المعروف أنه في النظم المعاصرة يتم اختيار القضاة بطرق مختلفة، كل دولة تأخذ بطريقة ، والشائع هو تعيين السلطة  التنفيذية للقضاة، ولكن هناك من يترك الأمر للسلطة التشريعية وهناك من يترك الأمر للانتخاب، سواء في انتخاب القاضي، أو في نظام المحلفين بانتخاب المحلفين الذين يقررون ما إذا كان المتهم مذنبًا أم بريئًا ، ثم يترك الأمر بعد ذلك للقاضي ليحدد العقوبة .. هذان النظامان يعتمدان على فكرة (الانتخاب) اتباعًا لمبدأ آخر هو أن : (الأمة مصدر السلطات) ، وهنا أبادر إلى القول بأن انتخاب القاضي أراه نظامًا سيئًا ؛ إذ إنه يسيّس القضاء، حيث يتم اختيار القاضي بناء على ترشيحات تقوم بها الأحزاب في معظم الأحيان، وعلى دعايات انتخابية ووعود وغير ذلك ، مما يجعل عملية اختيار القضاة – التى من المفروض فيها أن تكون منزهة عن هذه الخلافات – عملية سياسية، أما نظام المحلفين فسبب إعراضي عنه هو أنه يأتى بعامة الناس ليقرروا مسائل خطيرة تتعلق بتبرئة أو إدانة أشخاص ، خاصة في ظل قوانين أصبحت معقدة ومتشابكة لا يمكن أن يقرر  – في ظلها – أمر الإدانة والبراءة إلا قاض متمرس .

جـ – أنتقل بعد ذلك إلى موضوع (استقلال القاضي والرقابة عليه):

1- إن مجرد تعيين القاضي من قبل السلطة التنفيذية ( وزير العدل مثلاً) وما يستتبعه ذلك من  إشراف وزارة العدل عليه في ترقيته وعلاواته وإجازاته وغير ذلك ، يجعل القاضي تابعًا للسلطة التنفيذية ومحلاًّ للضغط والتأثير من قبل السلطة التنفيذية، وهنا يجب أن يحدث – في نظري – الانقطاع بين عملية الاختيار الأولى وبين باقى العمليات بحيث يتم الاختيار بواسطة وزير العدل، ولكن تكون كافة الأمور الأخرى التى تتعلق بالإشراف على القاضي من اختصاص الجمعية العمومية للقضاة، أو أية جهة أخرى يختارها القضاة، وبذلك يشعرون بأن لديهم حصانة ضد تدخل السلطة التنفيذية في أعمالهم .

2- كذلك من ضمانات استقلال القضاة أن يكون تعيينهم لمدة طويلة أو حتى لمدى الحياة .

والحقيقة أننا لم نكن في الماضى في حاجة إلى مثل هذه الضمانات ؛ لأن الحافز الديني كان موجودًا ، فكان الخليفة يعين القاضي ويضطر في الوقت ذاته إلى الخضوع إلى حكم ذلك القاضى حتى لو كانت الخصومة المرفوعة للقاضى بين الخليفة نفسه وبين أحد أفراد الشعب .. فلا يكون في نفس الخليفة تطلع إلى معاملة خاصة من القاضى، وكذلك لا يكون في نفس القاضى رغبة في محاباة الخليفة أو رهبة منه .. ولكن مع تطور الأحوال وضعف الوازع الديني لا بأس من أن نضع ضمانات أخرى إضافية تحافظ على استقلال القاضي .

د ـ مسألة أخرى لا يستقل بها الفكر الإسلامي وتأخذ بها بعض الدول الآن، ومنها فرنسا، وهي تعويض المتقاضين عن خطأ القاضي حينما يتبين أن ذلك الخطأ ترتبت عليه أضرار معينة، خاصة في المسائل الجنائية ، كأن يترتب على حبس المتهم فقدان عمله وضياع أسرته ثم تثبت براءته بعد ذلك. ولكن هل يتم تعويض المتهم من مال القاضي أم من ميزانية الدولة؟

المطبق حاليًا في فرنسا هو أنه يتم تعويض الذي يضار من خطأ القضاء من ميزانية الدولة ، وهذا المبدأ موجود – أيضًا – في كتب الفقه الإسلامي حيث يتم تعويض المتضرر من خطأ القاضي من بيت المال ، وإن كان البعض يحصر هذا التطبيق في المسائل المتعلقة بالحق العام أو حق الله، أو الحقوق المشتركة إذا كان حق الله غالبًا فيها، ويجعل التعويض عن الخطأ في الحكم في الأمور المتعلقة بحق الأفراد من مال القاضي نفسه، فيكون هو المسئول عن التعويض، لكن الرأي الغالب هو أن خطأ القاضي باعتباره موظفًا في الدولة ووكيلاً عن المجتمع يكون التعويض عنه من بيت المال.

هـ ـ مسألة أخرى نتوقف عندها ويتميز بها النظام القضائي الإسلامي هي عدم وجود رسم للدعوى في النظم الحديثة ، فكما نعلم جميعًا، من يرفع دعوى لابد أن يدفع رسومًا معينة، وفي المسائل التجارية تكون هذه الرسوم نسبة مئوية من قيمة الدعوى، وقد تحدد بعض القوانين حدًّا أقصى لا يتعداه هذا الرسم لكن هذا الحد يكون مرتفعًا مما يحجم معه بعض الناس عن اللجوء للقضاء لجسامة وفداحة هذا العبء المالي عليهم. طبعًا الفكرة في فرض رسم للدعوى ليس  فقط لتغذية الخزانة العامة ولكن الغرض منها كذلك إبعاد المتقاضين غير الجادين، الأمر الذي يمكن علاجه بتوقيع عقوبة على من يسيء استعمال حق التقاضي، ولكن في الإسلام المبدأ المقرر أنه لا يجوز فرض رسوم عند رفع الدعوى إلى القضاء؛ لأن ذلك يعد عقبة في سبيل اللجوء إلى القضاء، وأن العدالة ليس لها ثمن .

و – موضوع آخر نتوقف عنده وهو أن البعض – وأقول البعض – ما زالوا يتساءلون عن نظام المحاماه، وهل هو جائز في الإسلام ؟ وللرد على هذا أقول بأن نظام المحاماه كان موجودًا في كتب الفقه، وكان معروفًا بـ (الوكالة بالخصومة)، والمحامي ليس إلا وكيلاً بالخصومة بالمعنى الذي كان موجودًا في الماضي ، وفائدة هذا النظام لا تنكر ؛ لأنه مع تعقد الأنظمة والقوانين لا يستطيع الشخص العادى أن يلم بها للدفاع عن نفسه دفاعًا يمكنه من الوصول إلى حقه، ولدينا الحديث النبوي الذي يشير إلى أنه (لعل بعضكم يكون ألحن بحجته من بعض) ؛ فحتى لا يضار من لا يستطيع أن يدافع عن حقه يكون من الطبيعي أن تكون هناك مهنة تتولى هذه الأمور ، وكون أن بعض المحامين يسيئون التصرف فإن هذا لا يعد مبررًا للمطالبة بإلغاء المهنة نفسها، وإلا لوجب تعميم هذا الحكم على باقى المهن (كالطب والصيدلة وغيرها) ، وإنما ينبغي أن تحدد الضوابط وتوضع العقوبات التى تنال المسيء، وتظل المهنة قائمة برسالتها.

ز- نقطة أخرى تتعلق بوظيفة النيابة العامة ، فهذه الوظيفة لم تكن متبلورة في التاريخ الإسلامي بهذه الصورة، وإن كان من وظائف المحتسب أنه إذا وقع على جريمة ارتكبت ولم يستطع منعها في الوقت المناسب، فإنه يرفعها إلى القضاء وهو بهذه الصفة – خاصة إذا كان محتسبًا معينًا من قبل الدولة – أقرب إلى وظيفة النيابة العامة حاليًا، ولكن لا شك أن وظيفة النيابة العامة تطورت كثيرًا، وأصبح لا غنى عنها في إعداد القضية قبل رفعها إلى المحكمة بحيث تكون صالحة للحكم فيها، ووجود هذه الوظيفة لا يتنافى مع أي مبدأ إسلامي، وما سبق أن أشرت إليه من تشابه بين وظيفة النيابة العامة وبعض وظائف المحتسب يكفى مبررًا للأخذ بهذا النظام. وسنعود بعد قليل إلى شيء له علاقة بهذا وهو النظام الاتهامي .

ح – كذلك من المسائل التى تفترق فيها الشريعة عن معظم النظم الوضعية هي دعوى الحسبة، فالنظم الوضعية في معظمها تشترط فيمن يرفع الدعوى أن يكون له مصلحة مباشرة في الحكم فيها وإلا تكون الدعوى غير مقبولة لانتفاء شرط المصلحة. أما في الشريعة الإسلامية فيكون لكل شخص أن يرفع ما يسمى بـ (دعوى الحسبة) حتى لو لم تكن له مصلحة مباشرة في رفعها ، وتكون المصلحة الوحيدة له هي إقامة العدل، وهذا أمر يشاركه فيه كل الناس .

ط ـ كذلك من الأنظمة الموجودة في النظام القضائي الإسلامي ولا توجد في النظم القضائية الحديثة نظام (شهادة الحسبة) حيث يتقدم الشاهد للإدلاء بشهادته في موضوع مطروح أمام القضاء دون أن يطلب منه ذلك ، وهذا لا شك في أنه يتيح فرصة أكبر لمعرفة الحقيقة.

ي – وهناك كذلك نظام (الشهادة على الشهادة) بحيث تقبل شهادة إنسان على شهادة إنسان آخر بأن يؤكد صحتها أو ينفيها ، فهذا النظام غير موجود في النظم الوضعية الحديثة .

ك – أيضًا من الأشياء التى ينفرد بها النظام القضائي الإسلامي اشتراط عدالة الشهود، حيث يشترط في الشاهد أن يكون عدلاً، ويتم التأكد من ذلك من خلال معاوني القضاة الذي يتحرون عن الشاهد قبل أن تؤخذ شهادته في الاعتبار .

ل – وكذلك موضوع نصاب الشهادة ، في الإسلام نصاب معين للشهادة يختلف من حالة إلى حالة كما هو معروف بالنسبة لحد الزنا والقذف والمسائل المتعلقة بأمور النساء وغير ذلك، وبالتالى فإن هذه المسألة غير متروكة لتقدير القاضى .

م – مسألة الإثبات بالكتابة : في قواعد الإثبات تأتى عملية الكتابة في أبواب الفقه ضمن الإقرار حيث لا تحتل الكتابة كدليل المكانة الأولى في الإثبات أمام المحاكم الشرعية، وإنما يكون الإقرار هو سيد الأدلة ؛ وقد يكون هذا راجعًا إلى أن الأمية كانت تغلب على معظم الناس ولم تكن قد ظهرت الإقرارات المكتوبة أو الإيصالات أو غير ذلك، أو كانت غير شائعة بصورة واسعة ، ولكن في الحقيقة أنا أشعر بأن هناك إهمالاً حدث في هذا الموضوع من المسلمين، لأن الآيات القرآنية تحض صراحة على القراءة وعلى طلب العلم، ولقد حوّل بعض الفقهاء الوجوب الوارد في آية المداينات إلى الندب والاستحباب، وكل هذه الأمور أضعفت الدليل الكتابي مع أن سنة الرسول e كانت تشجع الناس على أن يتعلموا الكتابة، سواء من الأسرى أو النساء بعضهن مع البعض الآخر .. أنا أشعر أن المسلمين أهملوا في تطوير هذه الأمور وتعميمها بما كان يضمن عدم تفشى الأمية بين المسلمين.

هذه الوقفات التى وقفتها هي في بعض المسائل التى قد تكون الشريعة مختلفة فيها عن النظم الوضعية، وقد يكون الفارق كميًّا، ولكنه من الأهمية بحيث يصبح فارقًا كيفيًّا ، ولكن فيما عدا هذه الوقفات فإن الشريعة لاتقف أمام الأخذ بنظم القضاء الحديثة سواء من حيث تعدد القضاة في المحكمة الواحدة، أو من حيث وجود درجات للتقاضى ، بعضها فوق البعض الآخر، أو من حيث تخصيص القضاء بالزمان  والمكان والموضوع، ومن حيث إجراءات التقاضي.. وغير ذلك، فهذه الأمور كلها إما أنها كانت موجودة ولكن بصورة ليست بالتعقيد والتطور الموجود الآن، وإما أنها لم تكن موجودة ولكن لا بأس من وجودها (كنظام المحكمة الدستورية العليا، ومحكمة النقض والإبرام) فكل هذه الأنظمة تحقق مصالح معينة لا تقف الشريعة عقبة أمامها. وبهذا أكون قد انتهيت من استعراض الشق الخاص بمؤسسات العدالة ، وأنتقل إلى موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

ثانيًا: مؤسسة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر :

أ – موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ليس أمرًا جديدًا في الإسلام  فقد سبقت إليه الرسالات السماوية الأخرى، والآيات صريحة في ذلك {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُدَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ(78)كَانُوا لاَ يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوه}(المائدة:78)، {الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ بَعْضُهُمْ مِنْ بَعْضٍِ يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ }(التوبة: 67) وجاء في وصية لقمان لابنه {يَابُنَيَّ أَقِمِ الصَّلاَةَ وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُور}(لقمان: 17).

ب – والآيات التى تعبر عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كثيرة ، وتعبر عنه أحيانًا على أنه من صفات المؤمنين كالآية التي يقول الله فيها: {التَّائِبُونَ الْعَابِدُونَ الْحَامِدُونَ السَّائِحُونَ الرَّاكِعُونَ السَّاجِدُونَ الآمِرُونَ بِالْمَعْـــرُوفِ وَالنَّـــاهُونَ عَنِ الْمُنْكَر} (التوبة:112) وكذلك الآية: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} (آل عمران:104)، أو {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} (التوبة:71) أو {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} (آل عمران:110) أو {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ} (الحج:41) . قد تكون العبارات واحدة إلى حد كبير، ولكن هناك بعض الخلافات التى تعطى ظلالاً معينة سنشير إلى بعضها بعد قليل إن شاء الله .

جـ ـ الأحاديث كذلك كثيرة ، منها الحديث المعروف الذي رواه الخمسة إلا البخاري (من رأى منكم منكرًا فليغيره بيده ،فإن لم يستطع فبلسانه ، فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان)، والحديث الذي رواه البزار (لتأمرن بالمعروف ولتنهون عن المنكر أو ليسلطن الله عليكم شراركم ثم يدعو خياركم فلا يستجاب لهم) ، وحديث ( أفضل شهداء أمتى رجل قام إلى إمام جائر فأمره بالمعروف ونهاه عن المنكر فقتله على ذلك) رواه الحسن البصرى مرسلاً، وحديث (أفضل الجهاد كلمة حق عند سلطان جائر) رواه أحمد .. إلخ .

د – حكم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر الوجوب، والوجوب يكون فرض عين أو فرض كفاية، وهو فرض كفاية بالنسبة لعموم المسلمين، ولكن الذي تتوافر فيهم شروط معينة هو فرض عين، وهو فرض عين أيضًا على من تعين لهذا الغرض أو هذه الوظيفة، وهو من سُمى في التاريخ الإسلامي (بالمحتسب) .

هـ ـ ما الفكرة في هذا النظام أو ما هي فلسفته وهدفه؟ قد تكون الآية الكريمة {وَالْمُؤْمِنُونَ وَالْمُؤْمِنَاتُ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ يَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ} فيها إشارة إلى ما يعبر عنه بـ (التضامن الاجتماعي) أي أنه نوع من تضامن الجماعة لإقرار مبادئ معينة، ولتحاشي الجريمة والرذيلة في المجتمع.. ويمكن أن يصنف هذا تحت الدفاع الشرعي، ولكن ليس بصورته الفردية، وإنما (الدفاع الشرعي العام) – كما عبرت بعض الكتب – بمعنى أنه الدفاع الشرعي عن المجتمع وعن قيمه الأساسية. والخلاّل له كتاب في الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أشار فيه إلى أن تكرار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يؤدى إلى تثقيف الأمة كلها بأحكام الإسلام، وبهذا يكون الوعي عامًّا بين الناس بهذه القيم الأساسية في المجتمع .

و – البعض حاول أن يؤسس الموضوع من زاوية أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فيه تدخل في الحرية الشخصية للآخرين، وهذا هو الإشكال أو الشبهة التى تطرح في العصر الذي نعيش فيه على مثل هذا النظام، فكانت النتيجة التى وصل إليها هي أن المخالف – على التفصيل الذي سيأتى بعد ذلك في شروط المخالفة التي تبرر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر – تبطل عصمته ؛ فالأصل في كل إنسان أن له عصمة في نفسه وماله وعرضه وغير ذلك ، فإذا ارتكب المخالفة فقد هذه العصمة بحيث أصبح أمره بالمعروف ونهيه عن المنكر ليس اعتداء عليه، وهذه على كل حال محاولة فلسفية لتأسيس الموضوع من الناحية القانونية والشرعية.

ز – ننتقل بعد ذلك إلى بيان مجال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .. المنطقة التى يجرى فيها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر هي منطقة الواجبات  ومنطقة المحرمات، أما منطقة المندوبات والمكروهات فمجالها الدعوة إلى الخير والموعظة الحسنة؛ لأنه لا توجد عقوبة شرعية على من لا يقوم بمندوب أو على من يفعل مكروهًا، ولعل الآية الكريمة {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَر} تصلح سندًا لهذه التفرقة، حيث فرقت الآية بين الدعوة إلى الخير وبين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر؛ مما يؤيد أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يكون في منطقة الواجبات والمحرمات فقط، بل إنه ليس كل منطقة الواجبات والمحرمات يجرى فيها الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، فهناك شروط معينة وضعها الفقهاء منها :

1- أن يكون الأمر المأمور به أو النهي المنهى عنه لا خلاف فيه، وأن يكون معلومًا من الدين بالضرورة ، وهذا يستبعد المناطق الخلافية من الواجبات والمحرمات حفاظًا على قيمة إسلامية أخرى هي قيمة التعددية، بمعنى أن المسألة طالما أن فيها خلافًا ولكل رأى دليله الشرعي فلابد أن تحترم كل الآراء ولا يدخل الأمر في مجال الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر .

2- شرط آخر يقيد المسألة بحيث لا تشمل جميع الواجبات والمحرمات هو أن تكون المخالفة ظاهرة بحيث لا يجوز لمن يقوم بالأمر المعروف والنهى عن المنكر القيام باقتحام البيوت والتجسس على الناس وغير ذلك. وهذا الشرط -أيضًا- فيه محافظة على قيمة إسلامية أخرى مهمة وهي احترام الحياة الخاصة حيث يكون لكل إنسان حياته وأسراره الخاصة التي لا يجوز التدخل فيها من قبل شخص أو أشخاص آخرين طالما لم تكن معلنة .

3- كذلك يشترط أن تكون المخالفة قائمة ولم تنته بعد ، أما إذا كانت المخالفة قد ارتكبت وانتهى منها المخالف ، ففى هذه الحالة لا يكون للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر دور في عقاب المخالف على هذه المخالفة، وعليه أن يقدمه إلى القضاء المختص .

ح ـ هناك بعض التداخل بين وظيفة الحسبة وبين وظيفة ديوان أو ناظر المظالم ووظيفة القاضي، ولكن على وجه العموم تقع وظيفة والى المظالم في أعلى السلم ثم تأتى وظيفة القاضى ثم تأتى وظيفة المحتسب ؛ حيث إن ناظر المظالم يملك أشياء لا يملكها المحتسب ، والقاضي يملك سلطات لا يملكها المحتسب . والمحتسب يستطيع في المخالفات الظاهرة غير المنكورة من المخالف أن يقضى فيها بأن يرد مثلاً الحق إلى صاحبه . وهناك تفاصيل في الكتب – على كل حال – عن أوجه الشبه وأوجه الافتراق بين كل من المحتسب ووالي المظالم والقاضى.

ط – الضوابط الموضوعة لعملية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر المقصود منها هو تحقيق التوازن بين المحافظة على الحريات الشخصية – وهذه كما سبق أن قلت: هي الشبهة الرئيسية في هذا الموضوع – وبين المحافظة على المسئولية الفردية ؛ لأن عنصر المسئولية الفردية عنصر أساسي في الإسلام، فلو أن النظام أصبح نظامًا بوليسيًّا لأصبح الإنسان معدوم الإرادة؛ لأنه بذلك تكون هناك دائمًا سلطة تأمره بإتيان الفعل أو تنهاه عن الفعل مما يؤثر في مسألة المسئولية الفردية وحرية الاختيار .

فإذًا يكون عندنا إشكالان: إشكال الحرية الفردية وما يترتب عليها من مسئولية فردية، والإشكال الآخر هو تفادى خطر الدولة الشمولية بحيث إذا وسعنا من نطاق الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر – خاصة في صورة المحتسب المعين من السلطة – فإننا نقع في مشكل الدولة الشمولية ، كما أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر سواء قام به الأفراد أو قام به المحتسب المعين يكون هناك خطر إساءة استعمال هذا الحق أو هذه السلطة .. وعلاج هذين الأمرين في تصورى يمكن أن يتم بتقنين الحالات التى يجوز فيها الأمر بالمعروف والنهىعن المنكر وتحديد الشروط تحديدًا واضحًا منضبطًا بحيث يصبح تعدى هذه الشروط أو الخروج عليها هو بذاته مخالفة يمكن أن تفرض عقوبة عليها، وشأنها في هذا شأن الدفاع الشرعي في القانون ، فالذي يقع عليه اعتداء من حقه أن يدافع عن نفسه، ولكنه إذا تجاوز حدود الدفاع الشرعي ينقلب من مجنى عليه إلى جان ويصبح – بالتالى – من الممكن مساءلته رغم أنه كان في البداية صاحب حق في الدفاع عن نفسه، فيمكن بالتقنين أن نضع هذا التهديد أمام من يقوم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى لا يتجاوز هذه الحدود ويعرف أنه إذا تجاوزها فإنه يكون قد ارتكب جريمة وينزل به العقاب، وبهذا نجمع بين الأمرين المهمين – في الحقيقة – وهما الحفاظ على الحريات الشخصية وفي الوقت نفسه الدفاع عن قيم المجتمع الأساسية .

ي – موضوع الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر كان يقوم به في الماضي المحتسب المعين من قبل الدولة كما كان يقوم به الأفراد الذين يسمون بـ (المتطوعين) ، وهم أشخاص لم تخصصهم الدولة لهذا الغرض، وفي هذا دليل على أن تخصيص ولاية خاصة لهذا الأمر لا ترفع التكليف عن عامة الناس في أن يقوموا بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وغاية ما في الأمر أنه بالنسبة لعامة الناس يكون الوجوب وجوبًا كفائيًّا ، بينما بالنسبة للشخص المعين يكون فرضًا عينيًّا بالنسبة له . إلى جانب هذه الصورة القديمة نجد أن أجهزة الدولة الحديثة قد تطورت وتشعبت وظائفها، وأصبحت هناك مؤسسات تابعة للدولة تقوم ببعض ما كان يقوم به المحتسب، منها مثلاً النيابة العامة – كما أشرنا من قبل – ومنها قضاء الأمور المستعجلة .. وكذلك أجهزة الشرطة المختلفة، بل أكثر من هذا الرقابة على دستورية القوانين بمعرفة المحكمة الدستورية والتى نتصور أنها في الدولة الإسلامية ستكون  مسئولة عن الرقابة على مدى مطابقة القوانين أو مخالفتها للشريعة الإسلامية، وكذلك أجهزة الرقابة الإدارية وديوان المحاسبة والتفتيش القضائي ، فهذه الأمور كان يقوم بها المحتسب في الماضي ، وكان يقوم بالتفتيش على القاضي إداريًّا وليس فنيًّا كأن يطلب منه الخروج إلى الناس إذا تأخر في الخروج إليهم أو يبلغهم بعذره ويحدد لهم موعدًا آخر .. هناك بعض النواحي كذلك، كالتدابير المانعة للجرائم ، وهذا يدخل فيما يسمى حديثًا بـ (الدفاع الاجتماعي) كمعاملة المتشردين والمشتبه فيهم لاحتمال وقوع الجرائم من أمثال هؤلاء، وكذلك إعطاء الفرد حق الإبلاغ عن الجرائم والقبض على الجاني في حالة التلبس وتقديمه للمحاكمة ، وأيضًا النقد المباح لسلطات الدولة ولتصرفات الحكومة وغير ذلك في إطار القوانين التى تنظم هذا الأمر هو صورة من صور الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، والإجراء المسمى بالمصادرة الوقائية في حالة ضبط مخدرات أو سلاح أو غير ذلك حتى لو لم تكن ضبطت في حوزة شخص يملكها تتم مصادرتها لأنها مواد ضارة وهذا يعد إجراء وقائيًّا .

ك – نأتى الآن إلى الحديث عن عملية الادعاء المباشر والنظام الاتهامي.. قلنا: إن النيابة العامة الآن هي التى تقوم بتقديم المتهم إلى المحاكمة في المسائل التي يقع فيها اعتداء على الحق العام، وفي النظام الإنجليزي يوجد ما يسمى بالنظام الاتهامي، أي أن للمجنى عليه نفسه أن يرفع الدعوى إلى القضاء . هذا عن الشق الجنائي من الدعوى، أما بالنسبة للشق المدنى فإنه يمكن دائمًا للمدعى بالحق المدنى أن يرفعه إلى المحكمة المدنية، وفي بعض الدول يكون رفع الدعوى المدنية محركًا بصورة تلقائية للدعوى الجنائية ضد المتهم، هذه كلها صور حديثة، مما ينطبق عليه فكرة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ودعوى الحسبة وغير ذلك من الأمور .

وبالنسبة لدعوى الحسبة فرق الفقهاء بين ما يقع من مخالفة تمس حقوق الله أو الحقوق المشتركة إذا كان حق الله غالبًا فيها فيكون للمحتسب أو لوالي المظالم أو لأى فرد حق رفع هذه الدعوى ، بينما المخالفات التى يقع فيها الاعتداء على حقوق العباد فيكون فقط للمجنى عليه أن يرفع تلك الدعوى ؛ لأن هذه حق خالص له ومن حقه أن يعفو ، وبالتالى لا يبقى هناك ما يسمى بالحق العام.

ل – إذا كانت هذه المؤسسات وأمثالها تقوم الآن بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فهل يكتفى بهذه المؤسسات ويتوقف الأفراد عن القيام بهذا الواجب؟ هذا سؤال مطروح ونسمعه من حين إلى آخر ، والرد على هذا أن مسئولية الأفراد تظل قائمة ؛ لأن هذا الواجب – في الحقيقة – واجب كفائي، وإذا كانت الأجهزة التى عينتها الدولة تقوم به على أكمل وجه تكون قد وفرت على الأفراد القيام به، أما إذا قصرت هذه الأجهزة في القيام بهذا الواجب ،أو كانت هناك مساحات خالية لم تنشأ لها مؤسسات تقوم بها، أو إذا كان الانحراف واقعًا في هذه الأجهزة نفسها التى عينتها الدولة، يكون من الطبيعي أن يتقدم الأفراد لسد هذه الثغرة والقيام بهذا الفرض الكفائي، لكن يشترط فيهم للقيام بهذا الواجب شرط العلم، والعلم هنا ليس المقصود به العلم التفصيلي بقواعد الفقه وأحكام الإسلام في مختلف المسائل .. بطبيعة الحال العلماء حينما يقومون بهذا الأمر يكون لديهم هذا العلم، ولكن عامة الناس بطبيعتهم لديهم قدر كاف من العلم وهو ما يسمى (معلوم من الدين بالضرورة) فهم يعلمون أن هناك فروضًا مكتوبة في الصلاة وأن صيام رمضان فرض، وغير ذلك من الأمور التي يعلمها عامة الناس يقينًا ، فإذا حدثت أمامهم مخالفة لأمر من هذه الأمور فيعتبر أن شرط العلم متوافر لديهم، وبالتالي يكون من واجبهم ومن حقهم أن يقوموا بالأمر بالمعروف وبالنهى عن المنكر، أما إذا كانت المسألة معقدة أو أعلى من فهمهم ففي هذه الحالة لا يعتبر شرط العلم متوافرًا فيهم، وبالتالى لا يجوز أن يقوموا بهذا الأمر .

م – من الشروط التى طرحت للمناقشة كذلك شرط الحصول على إذن الإمام بالنسبة للأفراد العاديين – أي ما عدا المحتسب المعين من قبل الإمام – قبل قيامهم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ..

ورأي الجمهور على أنه لايشترط إذن الإمام إلا في حالة التغيير باليد، لأن هذه الحالة قد يترتب عليها مفاسد أو وقوع فتن؛ ولذا فلا يجوز للأفراد القيام بتغيير المنكر باليد إلا بعد الحصول على إذن من الإمام .

ن – ويرى البعض أن هناك مساحات لا زالت غير مغطاة مما كان يقوم به المحتسب في الماضي ، وأهم هذه المساحات هو ما كان يقوم به المحتسب من الاحتساب على السلطة نفسها، وكذلك ما كان يقوم به من الاحتساب على أصحاب المهن، فكان يدخل في تفاصيل المهن ومقادير تركيبات العقاقير مثلاً وما إذا كانت البضاعة مغشوشة أو غير مغشوشة ، وغير ذلك من الأمور الفنية الدقيقة والتى كان يستعين فيها المحتسب بأهل الخبرة في كل مهنة من هذه المهن .. وكذلك المساحة الخاصة بالآداب العامة؛ فدور شرطة الآداب مقصور على نطاق ضيق جدًّا لا يكاد يفى بالمستوى الأخلاقي المطلوب في الدولة الإسلامية.. فهناك إذًا مساحات غير مغطاة بالأجهزة المعاصرة وما زالت في حاجة إلى من يقوم بها سواء من الأفراد أو بتخصيص أجهزة معينة تقوم بها .

س – من شروط المحتسب كذلك شرط الذكورة ، وإن كان الأحناف والظاهرية لا يرون هذا شرطًا ويجيزون أن تقوم المرأة بهذا الواجب .

ع – ومن الشروط التى أشاروا إليها كذلك أن يكون القائم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر صبورًا ومترفقًا ومتلطفًا ولا تكون فيه فظاظة، ويجب أن يتسع صدره لردود الأفعال من الناس الذين يأمرهم وينهاهم.

ف – والشرط المهم الذي نقف عنده بعض الشيء هو شرط القدرة، فيشترط فيمن يقوم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر أن يكون قادرًا ليس على عملية الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ذاتها ولكن على ما تؤدي إليه من نتيجة، وإلا يسقط الواجب عن الشخص الذي يجد نفسه غير قادر على تحمل تلك النتيجة.. ونعود إلى هذا الشرط بعد قليل عندما نتكلم عن الحسبة على السلطة نفسها .

ص – ومن شروط الحسبة أن يكون العمل الذي يقوم به المحتسب لازمًا أو ضروريًّا لتحقيق الغرض، وأن يكون هناك تناسب بين الأفعال التى يقوم بها وبين المخالفة التى يأمر بشأنها .. وهذا شبيه بالتناسب الذي يشترط في حالة الدفاع الشرعي بين العدوان وبين رد العدوان..

ق – كذلك قالوا: إنه لا يصح أن يكون العمل الذي يقوم به الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر مفضيًا إلى ما هو أنكر من الأمر الذي يأمر به أو ينهى عنه.

ر – وبقيت بعض المسائل الفرعية قبل أن نختتم بالموضوع المهم المتعلق بالحسبة على الإمام :

1- المنكر قد يكون قوليًّا وقد يكون فعليًّا ، وفي ظروفنا الحالية قد يأخذ هذا المنكر صورة التشكيك في الإسلام أو الاعتداء بالقول أو بالكتابة على قيم الإسلام وأحكامه، والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في هذه الحالة يكون ببذل جهد جماعي إعلامي منظم ومخطط للرد على الشبهات التى تثار، وليس الاكتفاء بسب من يقوم بذلك الاعتداء أو تكفيره أو قتله أو غير ذلك مما نسمع عنه بين الحين والحين، فلا يؤدى الغرض المقصود من دفع الشبهة وهي هنا الاعتداء بالقول أو بالكتابة، ورد الاعتداء يكون بتوضيح الحقيقة ورد الشبهة .

2- وهناك كذلك مجال لإقامة مؤسسات الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على النطاق الدولي، وحتى لا يستغرب البعض هذا الاقتراح.. أقول: الذي أقصده هو صورة شبيهة بصورة جمعيات حقوق الإنسان في العالم أو منظمة العفو الدولية أو هيئة الصليب الأحمر … كل هذه الهيئات هيئات خاصة لا علاقة لها بالدول وغير تابعة لها، ولا يقف دورها عند بيان المخالفات التى تقع على حقوق الإنسان داخل دولتها، وإنما تشمل دولاً أخرى في العالم، فالأمر الذي أقترحه هو شيء من هذا القبيل يكون مظهرًا من مظاهر قيام المسلمين بواجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على نطاق العالم مصداقًا لقوله تعالى : {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بِاللَّه} حيث تم تقديم الأمر بالمعروف النهى عن المنكر على عملية الإيمان بالله؛ لأن الإيمان خاص بنا كأمة ولكن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على نطاق العالم أمر يعم العالم كله، فمن واجباتنا كأمة لها رسالة معينة، أن نقوم بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر على مستوى العالم أجمع ، ولعل من أضعف صور الإيمان وجود مثل هذه الأجهزة التي ترصد المخالفات التى تحدث في مختلف دول العالم وتذيع هذه على العالم، ومما يؤكد ذلك مقتضى الآية الكريمة {الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَر}.

ش – نأتى إلى النقطة الأخيرة والمهمة وهي الحسبة على الإمام .

ينبغي أن نفرق بين حالتين : حالة وجود آليات جدية لمحاسبة الإمام وعزله إذا اقتضى الأمر، وحالة عدم وجود مثل هذه الآليات، أو أنها موجودة ولكن بشكل ظاهرى وغير جاد؛ ففي الحالة الأولى إذا كانت هناك آليات فإن هذه الآليات تشمل وجود مجالس لأهل الحل والعقد ومجالس للشورى، على النحو الذي تحدثنا فيه في الندوة السابقة، ويكون من مهمة هذه المجالس محاسبة السلطة وعزلها إذا اقتضى الأمر. وذلك إذا كانت الدولة فعلاً دولة مؤسسات، فلا يكون هناك إذن إشكال في هذه الحالة، ويتم الاحتساب والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر حتى على رئيس الدولة نفسه ، وإنما الإشكال يوجد في حالة عدم وجود هذه الآليات أو تكون موجودة بشكل ظاهرى ذرًا للرماد في العيون فتفرض الأحكام العرفية أو حالة الطوارئ أو يتطوع بعض المنافقين بتعديل الدستور حتى يمكن تجديد رئاسة الدولة حتى يموت الرئيس، هذا أمر مشاهد في معظم دول العالم الثالث، حيث لا تكون نهاية الرئاسة إلا بالوفاة، فلا يوجد في بلادنا رئيس سابق مثلما يوجد في الولايات المتحدة – مثلاً – خمس رؤساء سابقين، ففي مثل هذه الحالات لا توجد آلية تؤدى الغرض؛ لأن التزوير في الانتخابات يأتى بمجالس عميلة للسلطة وبالتالى لاينتظر من مثل هذه المجالس أن تقوم بمحاسبة الحاكم أو بعزله .. وهنا يكون الإشكال قائمًا بالفعل، وقد بحث الفقهاء في الماضي هذا الأمر، وانقسمت آراؤهم إلى ثلاثة آراء كل له أدلته من الكتاب والسنة حسبما يرى كل من أصحاب هذه الآراء :

1- الرأي الأول ممكن أن نطلق عليه (نظرية الطاعة) وهو أن علينا أن نسمع ونطيع مهما كانت الظروف ..

2- والرأي الثاني يقابل هذه النظرية، ويمكن أن نطلق عليه (نظرية استخدام القوة) فإذا خرج الإمام عن الإسلام أو إذا رأينا منه كفرًا بواحًا فيجب أن نغير هذا الإمام ونستخدم القوة في تغييره .

3- وهناك رأي ثالث توفيقي يجمع بين الرأيين ويفرق بين ثلاث حالات:

– حالة النظام الذي يقوم على الشريعة الإسلامية، أي أن النظام يكون مطبقًا للشريعة الإسلامية تطبيقًا صحيحًا، لكن هذا لا ينفى وجود حالات شاذة يخطئ فيها المسئول لأنه بشر، ففي هذه الحالة لا يجيزون مقاومة هذا النظام بالقوة، ومن يقوم بذلك يعتبرونه مرتكبًا لجريمة البغى، ويقام عليه حد الحرابة .

– والحالة الثانية تكون عندما يوجد نظام يخالف الشريعة الإسلامية، ولكنه يظل يعمل في إطارها، بمعنى أنه لا يجاهر بمعاداة الإسلام ومرجعيته كإطار للعمل، ولكنه يخالف الشريعة في واقع الأمر، هنا يأتى الواجب المتدرج بالتعريف والنصح ثم ما يسمى بالمقاومة السلبية، أي إسقاط حقه في الطاعة إذا لم ينتصح واستمر في مخالفته فهنا لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق ، ويكون هذا الموقف السلبي بعدم التعاون مع الحاكم الذي يخالف الشريعة كافيًا لهدم النظام واضطراره إلى الانعزال .

– الحالة الثالثة : هي حالة النظام الذي يهدر الشريعة الإسلامية إهدارًا صريحًا مطلقًا، فهنا يجرى إعمال الآيات والأحاديث المتعلقة بنظرية القوة .

– هذه هي الآراء الثلاثة التى قال بها الفقهاء في هذا الصدد، وبالنسبة للحالة الأخيرة التى يرى فيها الرأي التوفيقي إعمال أحاديث القوة يأتى هنا عنصر القدرة الذي أشرنا إليه على أنه من شرائط من يقوم بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فيجب أن يكون قادراً على تغيير المنكر ، أما إذا كان عمله لن يؤدي إلى تغيير المنكر وسيترتب عليه منكر أكبر أو فتنة أكبر ففي هذه الحالة يسقط عنه الواجب ولا تكون هذه الحالة من الحالات التي يجب فيها أن يقوم بمحاولة التغييربالقوة . فإذًا لابد لإباحة الخروج على الإمام -في الحالة التي تهدر فيها الشريعة الإسلامية إهداراً صريحاً مطلقاً- من رجحان كفة نجاح المحاولة حتى نتجنب إراقة الدماء . ومن الصور الغريبة النادرة التي لا أعرف لها مثيلاً في التاريخ حالة الثورة الإيرانية ؛ حيث تم تغيير نظام الحكم دون إراقة الدماء … وقد يكون في هذه التجربة مثال لعدم ضرورة المقاومة التي ينتج عنها إراقة الدماء ، والاستمرار في التوعية الشعبية وعدم التعاون أي المقاومة السلبية حتى يصل النظام إلي أن يصبح غير قادر على أن يقف على قدميه، ولعلنا جميعًا نذكر هذه الأيام التي كان فيها شاه إيران خارج البلاد ووصل إليها الخوميني والعالم كله يترقب هذا الرجل الذي يصل إلى دولة مطرود منها ولا يتحرك الجيش ويذهب إليه رئيس الوزراء ويسأله عن التعليمات التي يريد منه أن ينفذها ، هذه حالة غريبة في قيام ثورة وهي ليست انقلابًا تستخدم فيه القوة وتراق فيه الدماء، ولعل هذا مثال نستطيع أن نستخرج منه العبر والنماذج التي تفيد في هذه الحالة، وإن كان – كما أشرت – لا وجود لهذه المشكلة إذا كانت الدولة فيها آليات منظمة وجادة لعملية النصح وعملية المحاسبة وعملية عزل الحاكم على النحو الذي أشرت إليه في الندوة السابقة .

أعتذر للإطالة، ويسعدني أن أستمع لملاحظاتكم وأشكركم مقدمًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته .

الدكتور عدنان زرزور :

شكرًا للأستاذ الدكتور جمال عطية على هذه المحاضرة القيمة والعرض الطيب، ونفتح الآن باب الحوار، مع رجاء ملاحظة أمرين: الأول، الاختصار؛ لأن الدكتور جمال أخذ من حصة الأسئلة بعض الشيء، وعدم التكرار بمعنى أن الأمر الذي يريد أحد الإخوان التحدث فيه إذا كان قد سبق إليه فليس من الضروري أن نعود إليه مرة أخرى .

الأسئلة والمناقشات :

1- الدكتور موسى لاشين:

بسم الله الرحمن الرحيم، شكرًا جزيلاً للدكتور جمال الذي فتح موضوعًا لا يكاد يغلق .. فسيح وواسع، وقد لمس بعض النقاط لمسًا، وهي في حاجة إلى ندوة خاصة .. ربما كانت النقاط التى تحتاج كل منها إلى ندوة خاصة تزيد على عشرين نقطة ، وقد لمس في أول ما لمس القاضي غير المسلم، وقد مال إلى صلاحيته ، وهذا أمر خطير جدًّا ويحتاج إلى ندوات ؛ فإذا كان الإسلام يحرص على مشاعر القاضي نحو القضية ، حتى الأب مع ابنه وإن كانا مسلمين، أفلا يلاحظ الإسلام مشاعر غير المسلم تجاه المسلم؟! حتى التقنين لا ينفع أمام مشاعر الإنسان أيًا كان . وبخصوص الأنوثة فإن القرآن الكريم يجعل الأنثى لا تصلح للشهادة مستقلة، ويجعل ضلالها أساسًا {أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الأُخْرَى} (البقرة: 282) وهذا موضوع يحتاج إلى ندوة خاصة .

وبخصوص التفرقة بين الدعوة إلى الخير وبين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فإن الأمر بالمعروف دعوة إلى الخير والنهى عن المنكر دعوة إلى الخير، فكوننا نفرق بينهم أمر يحتاج إلى بحث آخر .

– شرطه أن تكون المخالفة قائمة وإلا لا يصح أولا ينبغي الأمر بالمعروف.. كيف والأمر بالمعروف ليست مهمته فقط إيقاف الجريمة لكنها تكون أحيانًا الوقاية منها، وأحيانًا تكون التحذير والتخويف من العودة إليها .. والتعزيرات والحدود كلها مهمتها عدم العودة وليس فقط رفع آثار الجريمة.

– ومن الشروط التى قال بها كذلك أن السنة لا يُؤْمر فيها أولا ينهى عنها .. وإنما هذا في نوع الأمر بالمعروف أو درجة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر فهناك درجة واجبة تكون في الواجبات، وهناك درجة مندوبة تكون في المندوبات.. فهناك (يا غلام سم الله وكل بيمينك وكل مما يليك )…. الخ. وهناك كثير من الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في السنن، وفي الآداب والأخلاق مطلقًا حتى ما هو أقل من السنن.

– وهناك من النقــــاط التى لمســـها (ضروة الحصول على إذن الإمام في التغيير باليد) وهذا ليس على إطلاقه فأولياء الأمور عليهم أن يغيروا باليد من تحتهم ولا ينتظروا إذن الإمام ، وكذلك عميد الكلية وما بعد عميد الكلية، هناك بعض الناس في أيديهم ولايات لا تحتاج إلى إذن الوالي الأعلى، الأب وشيخ القبيلة مثلاً ، بل وعلى كل إنسان إذا رأى منكرًا أن يغيره (الحديث الشريف) (من رأى …) فلا يحتاج الأمر والنهي أبدًا إلى إذن الإمام .

– ومن الأمور التى تعرض لها سريعًا.. التغيير الإيراني .. هذا ليس مثلاً يضرب حتى يطلب القياس به؛ وإنما الذي يطلب القياس به التغيير الإسلامي.. محمد e وصحبه كيف غيروا المجتمع .. أما التغيير الإيراني فهذه (فلتة) قد تكون الظروف ساعدت فيه لأمر من الأمور ؛ وكثير من الثورات تكون بيضاء وفي لحظة ينتهى النظام ويأتى نظام آخر .. فهذا مدح لنظام أرى أنه لا يستحق المدح. شكرًا لكم .

2- الدكتور محمد عبد الستار نصار:

بسم الله الرحمن الرحيم ، الحقيقة الدكتور موسى كفاني الحديث عن مسألتى القاضي غير المسلم والمرأة؛ ولذا لن أتكلم فيهما .. ولكننى سأتكلم عن مسألة الخروج على الإمام .. أعتقد أن الدكتور جمال أوقفنا أمام عدة تصورات، وقال: إن كل تصور له أساس من الكتاب والسنة ، وهذا الكلام قد يوحي بأن هناك تعارضًا بين نصوص هذين المصدرين ، وإن كنت أرى أن التعارض في الفهم وليست في النصوص.. وكنت أتمنى أيضًا أن يظهر له موقف .. هل التغيير يكون بالقوة أم بوسيلة أخرى؟

– الملاحظة العامة على المحاضرة .. هي من الناحية العلمية توثيقية ولا غبار عليها ولا كلام فيها .. ولكن لابد أيضًا أن لا نسترجع ما قيل من قبل وننسى الواقع، اللهم إلا أن نطرقه طرقًا خفيفًا. وشكرًا .

3- الدكتور يوسف إبراهيم:

بسم الله الرحمن الرحيم، أشكر الأستاذ الدكتور جمال عطية على هذا العرض المنهجي الجيد الذي نظم فيه أفكارنا حول موضوع متشعب.. وأريد أن أتساءل عن ثلاثة أمور لعلي لم أفهمها :

أ – عند الحديث عن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر تحدث عن والى المظالم والعلاقة بينه وبين القاضي وبين المحتسب.. وأظن أن ذكر والي المظالم غاب في مؤسسة العدالة، فأين موقعه في هذه المؤسسة ؟ هل هو يدخل في نظام القضاء أم أنه نظام موازٍ لنظام القضاء؟

ب – قضية اجتهاد القاضي .. موقفه فيها لم يتحدد، فقد طالب في آخر كلامه ببعض المرونة أو بترك بعض الأشياء للاجتهاد، فمعنى ذلك أننا عدنا إلى الشرط الأول وهو اشتراط الاجتهاد في القاضي، مع أنه في البداية كان يميل إلى إنه لا يشترط الاجتهاد في القاضي طالما كان هناك تقنين للشريعة .

جـ – الأمر الثالث – وهو هيِّن – عندما استشهد بقول الله تعالى {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاس} فأخذ من هذه الآية فكرة إيجاد هيئة عالمية مع أن هذه الآية مثل غيرها من الآيات ، فالآيات لا توحي بهذا، وإنما الذي أفهمه أن السؤال الذي يأتى هنا عما هو سبب تقديم الأمر بالمعروف وتأخير الإيمان ؟ وأعتقد أن سبب التأخير ليس أن الإيمان خاص بنا ولكن أعتقد العكس؛ لأن الإيمان نشترك فيه مع الأمم التى جاءت من قبل ونتميز عنها بالأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وأخيرًا شكر الله وللدكتور جمال وشكرًا لكم .

4- الدكتور عاشور عبد الجواد:

بسم الله الرحمن الرحيم، حقيقة استفدت كثيرًا من هذه الندوة، وفقط أريد أن أعيد ترتيب الأولويات ؛ فكل المسائل التى طرحها الدكتور جمال هي من المسائل التي تحتاج إلى تفكير وإلى دراسة (كمسألة القاضي غير المسلم، وتولى المرأة القضاء) .. مسألة القاضي يجتهد أم لا .. هو مجتهد ، سواء في ظل القوانين الوضعية أو في ظل الشريعة الإسلامية ؛ لأن المشرع مهما أوتى من علم لن يحيط بكل تفاصيل المسائل. والأولويات التى أريد أن أُذكر نفسي وأُذكر حضراتكم بها هي أن ما نحتاجه الآن -في تصورى ، وقد أكون مخطئًا- هو محاضرة عن مؤسسات إشاعة الفاحشة وترويج المنكر وكيف يمكن في الدولة الإسلامية أن نقاوم هذه المؤسسات المحترفة إشاعة الفاحشة التى تهدم الآداب وتهدم الأسرة … أما موضوع الثورة الايرانية فأنا أظن أنها صناعة أمريكية وشكرًا .

5- الدكتور محمد التومي:

وظيفة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وظيفة وقائية وليست علاجية، وقد أوضح الشيخ ابن عاشور هذه المسألة.

6- الدكتور يحيي ربيع :

الثورة الإيرانية نموذج فريد وليست مصنوعة ولكنها متسقة مع عقيدة الشيعة .

7- الدكتور محمد رأفت سعيد:

أنا أتساءل عما إذا كان الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر مخصصًا بالواجبات والمحرمات ، أي لا يشمل المندوبات والمكروهات .

كما أتساءل عن أثر الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في تكوين الرأي العام.

وكذلك أتساءل عن حالة خطأ المحتسب ، ماذا يترتب عليه ؟

8 – الدكتور علي محيي الدين القره داغي :

أنا أتحفظ على رد تأخير الكتابة كدليل في الإثبات إلى شيوع الأمية، وأرى أن تقديم الكتابة في الغرب يرجع إلى شيوع التزوير، وقد عالجت ذلك في رسالتى للدكتوراه . كما أنى أنبه إلى أن البغي غير الحرابة، فالبغى يتعلق بأمن الدول، أما الحرابة فتتعلق بأمن المجتمع. كذلك أنبه إلى أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر له عدة صور: منها ما هو فرض كفاية، ومنها ما هو فرض عين كما في داخل الأسرة مثلاً، والآيات منها ما يأتى عامًّا فيكون فرض عين، ومنها ما ينص على (منكم) فيكون فرض كفاية.

9- الشيخ عنتر شداد :

عند الحنفية هناك واجبان : واجب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر ، وواجب الستر على المخالف .

كما أنى أنبه إلى أن القضاء في الأموال – خلافًا للأعراض – لا يحل حرامًا ولا يحرم حلالاً.

أما الكتابة فهي من باب الإقرار .

10- الدكتور أحمد حمد :

تساءل عن اقتراح إنشاء هيئة دولية للأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، وعلى أي أساس تعمل ، كما قرر أن المطلوب هو إنشاء هيئة دولية للدعوة.

11- الدكتور عبد الحميد مدكور:

اعترض على مبدأ اختيار القضاة بطريق التعيين واقترح ترك ذلك للقضاء نفسه.

وتساءل عن إجراءات التقاضي وعما إذا كانت لا تمثل سببًا في تعطيل الفصل في الدعاوي.

كما تساءل عن حالة تعارض القوانين مع الشريعة كيف يتم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في هذه الحالة؟

كما تساءل عن حالة منع العلماء من الاتصال بالناس لأداء واجبهم.

وكذلك تساءل عن أصحاب الآراء المختلفة في الاحتساب على الحاكم.

أ. د. عدنان زرزور:

والآن تعقيب أ. د. جمال عطية على المداخلات .

أ. د. جمال عطية:

أشكركم جميعًا على هذه الملاحظات القيمة.

1- بخصوص ملاحظات الدكتور موسى لاشين: فأرى ضرورة التفرقة بين عموم الدعوة إلى الخير وبين الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر، حيث الأمر والنهى أكثر انضباطًا، وآية ذلك الشروط التى اشترطوها في الأمر والنهى بما يجعلها حالة خاصة، فالهدف منهما إيقاف الجريمة بينما الدعوة هدفها الوقاية من الجريمة، ومن هنا اشتراط أن تكون المخالفة قائمة . وهما ينحصران في الأوامر والنواهي المتفق عليها . أما المندوبات والمكروهات فالنصيحة فيهما من باب الدعوة وليس من باب الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر.

2- بخصوص ملاحظة الدكتور محمد نصار أنى لم أتخذ موقفًا في موضوع تغيير المنكر من الإمام بالقوة . وأظن أنى بعد أن أوضحت الآراء المختلفة بأدلتها يسهل اختيار الرأي الثالث التوفيقي الذي يفرق بين ثلاث حالات حصر استخدام القوة في إحداها، وأضفت شرط القدرة على تغيير المنكر دون أن تترتب على ذلك فتنة أكثر ضررًا من المنكر الذي يراد تغييره .

3- بخصوص ملاحظات الدكتور يوسف إبراهيم فأنا أشرت إلى وجود العديد من الكتب التى قارنت بين كل من وظائف القاضي العادي وقاضي المظالم والمحتسب ، والأمر متشعب؛ ولذلك لم أعرض لتفاصيله ، وخلاصة ما يمكن قوله هو أن نشأة نظام المظالم كانت لتحقيق مبدأ إخضاع ذوي النفوذ لقضاء له سطوة؛ ولذلك كانت تعقد جلساته في البداية في قصر الخلافة، وكان الخليفة نفسه يرأس جلساته، وذلك لعلاج الشكاوي التى كانت تثار ضد الولاة والقواد، وكان يخشى من عدم النظر فيها بموضوعية إذا تركت للقاضي العادي لما قد يخالطه من رهبة هذه الشخصيات الهامة، وكان يطبق في هذا النظام القانون العادي وهو الشريعة، ومن هنا يخطئ من يعتبره شبيهًا بالقضاء الإداري كمجلس الدولة مثلاً، ذلك أن نشأة مجلس الدولة في فرنسا كان لإعطاء جهة الإدارة ميزة على المواطن العادي، بينما نظام المظالم كان هدفه إخضاع علية القوم للقانون العادي الواحد وهو الشريعة.

أما وظيفة المحتسب فكان يدخل تحت سلطانها الخليفة نفسه والقاضي، فكان المحتسب يشترط قبل قبول الوظيفة أن يكون له هذه السلطة حتى لا ينظر إليه على أنه يجامل الكبار على حساب الشريعة . وكان احتسابه على القاضي لا يمتد إلى التدخل في الخصومة، ولكن يقتصر على بعض الأمور كعدم تأخر القاضي في الخروج من بيته إلى مجلس القضاء. والخلاصة أن كلاًّ من هذه المناصب كان له مجاله المحدد بحيث يحدث التوازن والفعالية في نظام الدولة.

أما بخصوص اجتهاد القاضي فالأصل عندى هو وجود تقنين لتحقيق أمرين: معرفة المتقاضين مراكزهم القانونية قبل الإقدام على التصرف الذي يؤدى بهم إلى التقاضي ، والمساواة بين الناس في هذه المراكز القانونية، وهذا الأصل لا يمنع من وجود هامش اجتهاد للقاضي فيما لم تنص عليه التقنينات .

4- بخصوص اقتراح الدكتور عاشور عبد الجواد مقاومة مؤسسات إشاعة الفاحشة وترويج المنكر، فهذا الأمر من صميم اختصاص التشريعات التي تحكم أنشطة المجتمع، سواء قانون الشركات أو قانون الجزاء أو قانون الإعلام، وهي أمور من السهل إيرادها في القانون، ولكن المطلوب هو جدية الأجهزة القائمة على تنفيذ هذه القوانين، وللأسف نجد أن أجهزة الإعلام والثقافة الرسمية ليست قدوة حسنة في هذا المجال.

5- ملاحظة الدكتور محمد التومي أن الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر وظيفة وقائية وليست علاجية ، فقد سبق أن عالجت الأمر عند تعقيبـي على ملاحظات الدكتور موسى لاشين . فالنشاط الوقائي السابق على ارتكاب المخالفة هو من باب النصيحة أو الدعوة. أما النشاط المزامن للمخالفة الساعي إلى إيقافها فهو صميم عمل المحتسب . أما إذا انتهت المخالفة قبل تدخل المحتسب أو نتيجة تدخله، فينحصر دور المحتسب في هذه الحالة في تقديم المخالف إلى القضاء وليس له بصفته محتسبًا الفصل في الموضوع.

6- الدكتور يحيى ربيع : بخصوص شروط الاجتهاد والإسلام والعدالة .. الزملاء تحدثوا عنها ..، وبالنسبة للثورة الإيرانية هو يرى أنها نموذج فريد، وليست مصنوعة، وتتسق مع عقيدة الشيعة.. وأنا أتفق معه في ذلك .. ولذلك فهي غير قابلة للتكرار من هذه الناحية .. ناحية ثقة الشعب في علمائه كقادة للأمة ، لكن الناحية التي قصدت الإفادة منها في هذا الموضوع، هي كيف يمكن أن يتغير نظام بأكمله دون إراقة دماء؟ هل يمكن أن نصل بالتفكير إلى الاستفادة من هذه التجربة؟

7- الدكتور محمد رأفت سعيد: بخصوص عدم تحديد الأفراد الأمر والنهى بالواجبات والمحرمات.. ملاحظة شبيهة بملاحظة الدكتور موسى لاشين.. أرجو كذلك إرشادي إلى المرجع. وبالنسبة لأثر الأمر والنهى في تكوين الرأي العام، وأن أثر الأعمال تراكمي.. أنا معك تمامًا في هذا، ولعل ذلك هو ما أشرت إليه من خلال كلام الخلاّل – ونص عبارته تمامًا هو (أن تكرار الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر يؤدى إلى تثقيف الأمة في أمر الحلال والحرام وما يجب أن يقوموا به) . بالنسبة لخطأ المحتسب أنا لم أر فيه شيئًا، ولكن شعوري هو أنه يقاس على خطأ القاضي إذا كان معينًا من قبل الدولة، ففي هذه الحالة يكون موظفًا خطؤه يعوض عنه من بيت المال، أما إذا كان متطوعًا ومتبرعًا فإنه يجب أن يتحمل نتيجة الخطأ من ماله هو .

8 – بالنسبة لملاحظات الدكتور القره داغي سأرجع إلى رسالته ؛ لأن موضوع الكتابة في الحقيقة يُؤرقني ، لأن الآية قوية جدًّا في دعوة المسلمين إلى الاهتمام بالكتابة وتحرير المستندات، ومع ذلك أهمل المسلمون ذلك، وكما قال الشيخ عنتر: إن الكتابة نوع من الإقرار، هذا لاشك فيه، لكن الكتابة أضبط؛ لأنه بعد مرور وقت معين الاعتماد على الذاكرة بالنسبة للشاهد أو للمقر خلاف ما يكون الأمر ثابتًا بالكتابة ومنضبطًا وفيه تفاصيل ؛ لذا فأنا أتصور أن الكتابة أقوى ويجب الاهتمام بها .

أشكر الدكتور القره داغي على البيان الخاص بالتفرقة بين البغي والحرابة، وكذلك التفرقة في الأمر والنهى بين الآيات التى تقول (مِن) والآيات العامة.

9- كلام الشيخ عنتر عن الستر على المخالف .. أنا أظن أن هذا أمر مختلف، والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لا يتعارض معه؛ لأنه يشترط أن يكون الفعل ظاهرًا، أما المستتر الذي لا يجاهر بالمعصية فهذا لا يجوز بالنسبة له التدخل فيه، ولكن إذا كان الفعل لم يره سوى شخص واحد فهنا ينطبق الحديث:(لولا أن سترته بثوبك ..) ويمكن هنا الجمع بين الأمرين أن يقوم الشخص بإنهاء المخالف، لكن لا يرفع أمره إلى القضاء طالما أن فعله لم يتم في علن .

10- أشكر الدكتور أحمد حمد على الإشارة الخاصة بالشهادة على الشهادة وتزكية الشهود والأمران رأيت أنهما من ضمن أمور عدت الكتابات الفقهية فيها متقدمة عن الكتابات القانونية .

الهيئة الدولية التي أقترحها لا تتكلم في أمور الإتيكيت ، أو غير ذلك ، وإنما هي خاصة بالمخالفات الصارخة لحقوق الإنسان وبالاعتداء على الدول وغير ذلك مما يمكن أن يعبر عنه (بالمبادئ المتعارف عليها بين الدول المتمدينة) كما عبرت عنه لائحة محكمة العدل الدولية .. أما الهيئة الدولية للدعوة فأنا موافق على هذا الاقتراح وسأتكلم عنه حينما أتكلم عن مؤسسات الدعوة .

11- بالنسبة لأسئلة الدكتور عبد الحميد مدكور.. لا مانع من أن نترك أمر التعيين للقضاء ، وأنا قصدت فقط استبعاد عملية الانتخاب ؛ لأنها عملية لا تحقق المصلحة .

إجراءات التقاضي واردة بالتفصيل في كتب القضاء .. وأنا أوافق على أن اتباع هذه الإجراءات قد يؤدى إلى تطويل أمد القضاء بما يضر بالمتقاضين ، وهذه في الحقيقة مشكلة تحتاج إلى من يعالجها إذا كان عندنا تصور لقانون مرافعات إسلامي .

– مسألة تعارض القوانين في البلاد الإسلامية مع الشريعة، وكيف يتم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر في ظل هذه القوانين .. أنا كنت أتكلم عن دولة إسلامية وكيف تكون هناك هذه المؤسسات، أما في ظل قوانين لا تتفق مع الشريعة فيتم الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر بأن نقول: إن هذه القوانين تعارض الشريعة ، وهذا ما كنا نقوله طول الوقت ، وقد وجدنا ثمرته في أن الدولة أصبحت تحاول أن تنفى عن نفسها هذه التهمة وتقول : نعم نحن مؤمنون بالشريعة ونريد تطبيقها .. فأمام هذا المد الإسلامي الناتج عن التوعية والأمر بالمعروف والنهى عن المنكر قد تكون هذه خطوة في سبيل تعديل القوانين بما يتفق مع الشريعة.

– حالة الاعتداء القولي .. ماذا لو منع العلماء من الاتصال بالناس؟ عليهم أن يجدوا السبيل إلى توصيل العلم إلى الناس، وليس من الضروري أن يكون ذلك عن طريق أجهزة الإعلام الواسعة  ولكن بالطرق الأخرى ، كالمساجد والكتب والاتصال الفردي… إلخ فالواجب لا يسقط عنهم.

– مَن أصحاب الآراء في الاحتساب على الحاكم .. هذه الآراء موجودة ويمكن أن أشير إلى بعض أسماء المراجع الواردة فيها نظرية الطاعة وهذا رأى جمهور أهل السنة وواردة في رسالة الأمر بالمعروف والنهى عن المنكر لابن تيمية، والآيات والأحاديث فيها ، ومراجعها موجودة.

نظرية القوة هذه ابن حزم له فيها كلام ومن المتأخرين : الشيخ عبد الوهاب خلاف، والشيخ أحمد هريدي، والدكتور السنهوري، ومحمد أسد .. والأدلة كذلك موجودة هنا.

النظرية التوفيقية هناك القاضي بن محمد عبد بن مسلم – (الكنافي) وأظن أنه توجد رسالة دكتوراه للدكتور فتحى عبد الكريم، وكذلك رسالة دكتوراه بعنوان المشروعية الإسلامية العليا للدكتور على جريشة .

وأكرر شكري لكم وقد أفدت كثيرًا من الملاحظات ، وجزاكم الله خيرًا، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

(*) هذه هي الحلقة الثالثة من سلسلة ندوات مؤسسات الدولة الإسلامية والتي عقدت بكلية الشريعة والقانون والدراسات الإسلامية بجامعة قطر يوم 7/ 4/ 1994م . التحرير

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر