الحوار الإسلامي – الإسلامي من الحاجات الحيوية التي لا غنى عنها لأي فكر أو مشروع اجتماعي إسلامي يؤمن بالتنوع، ويدرك ضرورة التفاهم والتأليف، وأهمية بناء العلاقات الصحية بين مختلف الأطراف الإسلامية، بخاصة في إطار المجتمعات المسلمة التي تعيش بالفعل ظاهرة التنوع والتعدد على الأصعدة الكلامية والمذهبية والفقهية.
والحوار مباشرًا كان أو غير مباشر، لابد له من مقومات تربوية من شأنها أن تقوي الإيمان بحرية الاختلاف، وتعزز الوعي بجدوى الحوار سبيلًا للفهم المتبادل، وتمهيدًا لعملية بناء الوحدة.
وهذه الدراسة معنية بتقصي الشروط التربوية التي تمثلها القيم والأفكار والاتجاهات والمفاهيم التي تؤسس مضامينها أساسيات الوعي الوحدوي وسلوكياته النفسية والفكرية، ثم توضيح الشروط المنهجية التي من شأنها أن تكوِّن النظرة الصحيحة نحو المسلم الذي يحمل اجتهادًا آخر كمنطلق للتفاهم والقبول المتبادل.
ومن الضروري في ظل حقيقة الاختلاف وحدوده المشروعة أن نتابع شروط الحوار ومقوماته التربوية فيما بين ذوي الرأي والاجتهاد المتعدد الذين يجدون أنفسهم على مائدة البحث، أو المقارنة، أو الجدل، أو غير ذلك من الاتصالات الفكرية أو السلوكية، وذلك في ضوء ما يمكن بلورته من أسس ومبادئ وأخلاقيات وضوابط علمية من شأنها تيسير المقارنة والتقريب وتحقيق الأخوة والتوحيد والعيش المشترك.
المقومات التربوية لمرحلة ما قبل الحوار:
قبل أن يبدأ الحوار ثمة مقومات تربوية أساسية أهمها:
أولًا: تكوين الوعي الوحدوي:
من أجل إيجاد أرضية سليمة للعلاقات الحوارية بين مختلف الأطراف الإسلامية، لابد من قيام التربية بمهمات تكوين الوعي الوحدوي وتعليم ممارساته، ومن ضمن المهمات والممارسات:
- ترسيخ احترام التنوع في إطار الوحدة: إن ترسيخ احترام التنوعات الفكرية والفقهية مشروط بعناصر التوعية التالية:
أ- إن الاجتهاد وما يتبعه من حرية الاتباع ليس إلا تعبيرًا عن ظاهرة الاختلاف ومشروعيتها التي لا يصح مصادرتها طالما أنها تتم في إطار “الظنيات” لا “القطعيات”، و”المتغيرات” لا “الثوابت”؛ لذا لابد أن يتعلم المتلقون أن الاجتهاد ليس “دينًا” يُطلب إلزام الآخرين به، كما أن لا ضير أن يتجاور أكثر من اجتهاد في آن واحد. كما أنه لابد أن يتعلم المتلقون أيضًا أن الاختلاف المشروع مشروط بالتزام العقائد والأحكام والقيم الثابتة التي تشكل إطارًا لوحدة الجميع.
ب- أن جميع المذاهب والاجتهادات الصحيحة لا تخرج عن دائرة الإسلام الكبرى، ولا يمكن حرمان أصحابها ومقلديها من الانضواء تحت مظلة الأمة الواحدة، إلا من خرج فعلًا عن أصل من أصول الدين المُجْمع عليها، أو أنكر معلومًا منه بالضرورة، وشريطة أن يكون ذلك الخروج أو الإنكار بطريقة التصريح لا بطريقة الإلزام التي اعتاد الجدليون من أهل الكلام ترتيبها، كأن يقول المتجادل للآخر: إذا قلت كذا يلزمك كذا، كقول الأشعري للمعتزلي في موضوع الصفات: إذا قلت: إنها ذاتية يلزمك التعطيل، وقول المعتزلي للأشعري: إذا قلت إنها غير ذاتية يلزمك التعدد[1].
ج- إن التنوع والتعددية في إطار الوحدة العامة أمر لا ضرر منه، بل يمثل في بعض الحالات إثراء للفكر والتفكير ونمط الحياة، كما قد يعبر عن حركية الإسلام ومرونته وتكيف أحكامه واتساع آفاقه وأبعاده الحضارية.
د- أن الآراء والاجتهادات المخالفة لابد أن تظل – أيًا كان الموقف منها – محل تقدير أدبي، كما في التعود على التنويه بالأدلة والمسوغات التي تستند إليها تلكم الآراء والاجتهادات، بل لا بأس من الإشارة إلى أوجه معقوليتها أو حتى ضرورتها كلما بدا ذلك واضحًا، حتى في الحالة التي يبقى فيها الموقف الشخصي ملتزمًا بالرأي أو الاجتهاد المخالف.
2- تعليم أن الفرقة إثم وأن الوحدة واجب: لابد للتربية الوحدوية أن تشدد على الموقف الشرعي من الفرقة بصفتها إثمًا منكورًا له أخطاره وأضراره، ولكيلا يقترف المسلم هذا الإثم لابد من التأكد على أن الاختلاف، أو التنوع، أو التعددية، أو المجادلة يجب ألا يؤدي أيٌ منها إلى تنازع أو تصارع أو قتال، فذلك كله ممنوع ومحرم من الناحيتين الشرعية والاجتماعية. كما أنه لابد من التحريض على نبذ الاتجاهات التي تقسم المسلمين اجتماعيًا أو سياسيًا بحسب فرقهم ومذاهبهم، والحيلولة دون تحول التباينات المذهبية أو الاجتهادية إلى “وحدات” اجتماعية مغلقة، أو “كانتونات” سياسية متنافرة تفكك التماسك العام وتقسم أبناء الدين الواحد.
3- إيجاد المواقف الفكرية والعلمية النابذة للآراء والكتابات التفريقية القائمة على التعصب أو الجهل أو اللاموضوعية أو الإثارة: والتي سيقت بلغة عدوانية أو تناحرية أو إقصائية من لدن بعض العلماء أو الكتاب القدامى أو المحدثين، وضرورة تحذير العقل المسلم من الركون إليها أو الاستسلام لمنازعها، مع تشجيع الحس النقدي لمناهجها غير المقبولة، أيًا كان أولئك العلماء أو الكتاب، مع ضرورة إحلال اتجاهات مضادة لهذه الآراء والكتابات تستلهم فكر الوحدة وتستعين بوسائله التقريبية.
4- الاستفادة تربويًا من معطيات البحوث والدراسات المقارنة والتقريبية: ومن نتائج ومعطيات الحوارات المضيئة والصحية[2] في تكوين التيار الوحدوي وتقوية اتجاهاته وتدعيم تقاليده وامتداداته المتنوعة.
ثانيًا: تكوين النظرة الصحيحة نحو المسلم الذي يحمل اجتهادًا آخر:
من أجل تكوين نظرة سليمة عند المسلم نحو المسلم الآخر فكرًا وشخصًا، لابد من إرساء القواعد التربوية التالية:
1- التفرقة بين الثوابت والمتغيرات في الشريعة: لقد ميَّز الفكر الإسلامي بين قسمين من أقسام الشريعة هما: الأصول والقواعد والأحكام التشريعية الثابتة بنص من الكتاب أو السنة، مضافًا إليها الأحكام التفصيلية: العقيدية أو العبادية او الأخلاقية أو الاجتماعية الثابتة وغير المختلف على أصلها، وبين المتغيرات الشرعية ومناطق “الفراغ التشريعي” ومساحات الإباحة والحرية التي تشغلها التفاصيل الفكرية على المستوى العقيدي والاجتهادات المتصلة بفروع الأحكام الفقهية وجزئياتها، مضافًا إليها القضايا والإشكالات والنوازل المستجدة التي لم يَرِد بشأنها نص في كتاب أو سنة، ويخضع الحكم فيها إلى الاجتهاد الفقهي أو الفكري أو العملي أو التجريبي.
إن التنبيه إلى هذا التمييز وتعليمه والتثقيف به هو أحد مهمات التربية الإسلامية التي من شأنها ان تُعد الأرضية الصالحة لاستنبات المنهج الإسلامي في تكوين النظرة السليمة نحو المسلم المختلف أو الذي يطرح رأيًا جديدًا.
ومن شروط العمل التربوي لإرساء هذا المنهج ما يلي:
أ- تنقية ذهنية المسلم واتجاهاته من هيمنة المنهج المعرفي الذي يساوي بين الاجتهاد والدين، والرأي والعقيدة، والظني والقطعي، والمتغير والثابت، الأمر الذي لابد معه من التخلص من عبودية الرأي الواحد الذي يزعم أنه الممثل الوحيد للدين، أو الذي لا يؤمن إلا باجتهاد وحيد، وبالتالي يرفض بجواره أي رأي آخر.
ويتصل بالنقطة أعلاه ضرورة التفرقة بين الخطأ والصواب وبين الحق والباطل، وإدراك أن خطأ الرأي لا يعني فساد العقيدة ولا فساد الضمير، ومن ثم فإن صاحب الرأي المخالف أو المعارض ليس بالضرورة ضال العقيدة أو فاسد الضمير[3].
ب- التخلص من أسلوب التعليم التقليدي الذي يقول في ثقة: حكم الله كذا في هذه القضية، ورأي الدين كذا في ذلك الموضوع، حتى يظن المستمع بأن ما يسمعه هو حكم الله ورسوله، بينما ينبغي ألا يُذكر حكم بهذا الجزم إلا ما قُطع به، وأما الاجتهادات المذهبية فيحسن أن يقول المفتي أو القائل: أرى كذا أو الحكم عندنا كذا أو صح الدليل لدينا بكذا؛ لكي يترك مجالًا للرأي الآخر فلا يحرمه من الانتماء للإسلام[4].
وفي إطار التربية التي تؤكد على ذلك والتعليم الذي يترجمه، يكون بإمكاننا اكتساب المقياس السليم الذي يصحح نظرتنا المبدئية إزاء من يتبنى رأيًا آخر يختلف عما نتبناه، وبهذا يمكن لمائدة الحوار الإسلامي- الإسلامي أن تجد لها الأرضية التي تساعد على التفاهم وتضييق ما يُحتمل من تناقضات أو خلافات غير مقبولة.
2- الفهم الصحيح لحديث “الفرقة الناجية والفرق الهالكة”: كثيرًا ما يُساء فهم الحديث النبوي الذي يُنبئ بافتراق الأمة إلى فرق متعددة، ويُبشر بنجاة واحدة وهلاك الأخريات، حتى أن غرور البعض قد أدى بهم إلى الادعاء بأن مذهبه أو فرقته هي المعنية تحديدًا ببشارة النجاة.
وانطلاقًا من مسئولية التربية في بناء التفكير الإسلامي السليم لابد من الاهتمام بتجنيب الذهن المسلم من الفهم المتسرع لفكرة الحديث المذكور، وبخاصة دلالاته بشأن الفرق الهالكة وضرورة عدم إسقاطها على الفرق والمذاهب المسلمة الملتزمة بالأصول والثوابت، أو على الآراء الاجتهادية أو الفكرية المخالفة، مع مراعاة التفسير الذي لا يتيح إطلاق الأحكام بدون روية، ولا تساعد على الذهنية التفكيرية والنفسية الإقصائية التي من الممكن أن تجنح إلى الإفتاء بإهدار أرواح وأموال من يشهد الشهادتين ويقر بأصول الدين وأركانه وما هو معروف منه بالضرورة، دون وجة حق ولا حجة كافية.
3- إعلاء مبدأ الأخوة وتجنيب سوء الظن: من أسس تشكيل العلاقات بين المسلمين مبدأ الأخوة الذي قرره القرآن الكريم بقوله تعالى: “إنما المؤمنون إخوة” (الحجرات: 10)، وأكدته السنة نظريًا وعمليًا، وحيث إن الاختلاف في الرأي أو الاجتهاد أو الممارسات لا يلغي هذا المبدأ، فإن مسئولية التربية الإسلامية أن تعمل على غرسه كقيمة مطلقة ومنهجًا في السلوك والتعامل، مع ضرورة تعليم مبادئ الحقوق والواجبات[5] المقررة شرعًا لجميع المسلمين والتي لا يسقطها عن أي منهم أي لون من ألوان الاختلاف المشروع أوالمقبول أو الممكن أو المباح، مع ضرورة تربية المشاعر وتقوية القيم والاتجاهات الفرعية التي تترتب على ذلك المبدأ وتندرج ضمن الحقوق والواجبات المقررة: كالحب، والرحمة، والتعاون، والمسالمة، والنصرة، والحسنى، والثقة، والغيرة، والإيثار، ونحوها من القيم والمشاعر والاتجاهات الأخوية والإنسانية التي لا يستثنى منها المسلم المخالف.
ومن أبرز ما يمكن أن تتحمله التربية الإسلامية على هذا المستوى تنقية المشاعر والأخيلة من سوء الظن إزاء الآخر، وحمله على المحمل الحسن كلما أمكن ذلك، ونبذ المواقف التشكيكية المستندة إلى نزعة المغايرة أو الدعاية المغرضة التي تؤدي أكثر الأحيان إلى الظنون السيئة المنكورة {اجتنبوا كثيرًا من الظن إنً بعض الظن إثم} (الحجرات: 12).
فغرس ميول حسن الظن أدعى من تأجيج سوئه ما إن وجد مورد للبراءة، ولو بنسبة ضئيلة عند الأخ الآخر (وعليك أن تحمل أخاك المحمل الحسن) ذلك (أن أسرار القلوب لا يعلمها إلا علًام الغيوب، فليس لأحد أن يعتقد في حق غيره سوءًا إذا انكشف له بعيان لا يقبل التأويل، إذ حينئذ لا يمكنه ألا يعتقد ما شاهده وعلمه، وأما ما لم يشاهده ولم يعلمه ولم يسمعه وإنما وقع في قلبه، فالشيطان ألقاه إليه…)[6].
4- الإقلاع عن ذهنية القطع بالصحة والصواب فيما كان رأيًا أو اجتهادًا: من مقومات تكوين النظرة الصحيحة نحو المسلم المختلف التعامل معه من منطلق الشعور بقصور الذات واتهام الرأي الشخصي، والإقرار بمحدودية القرارات الخاصة، كيلا يقع المرء – وهو يختلف أو يحاور – بوهم العجب، فينساق إلى الادعاء بأنه قد قبض على الحقيقة كاملة، وأن الحق معه غير منقوص، وما كان عند الآخرين ليس إلا باطلًا أو سرابًا.
هنا لا بد أن تضطلع التربية الإسلامية بمسئولية تشكيل الذهنية التي تحمي أي طرف مسلم من شطط الجزم بأن أفكاره الكلامية واجتهاداته الفقهية وتقويماته التاريخية لا تخرج عن اليقين الديني، وأن آراء أو اجتهادات أو تقويمات غيره هي الباطل بعينه، انطلاقًا من التوعية بأن الحق والصواب المطلقين المؤكدين هما من شأن الأصول والثوابت الربانية وما دونها يخضع للنظر والأخذ، والرد، والتخطئة، والتصويب. ومن هنا تبرز ضرورة التنشئة على تقبل فكرة أن الحقيقة والحق ليسا بالضرورة ملك لمذهب أو فكر معين، طالما أن تكوين الآراء والاجتهادات مسألة تخضع بطبيعتها الظنية إلى احتمالية الصواب والخطأ، وأن صاحب الرأي والاجتهاد لا يملك يقينًا بصوابية ما هو عليه.
ومن المناسب في هذا المقام ترسيخ مقولة الإمام الشافعي: (مذهبي صواب يحتمل الخطأ ومذهب غيري خطأ يحتمل الصواب)، كما أنه من الضروري التنبيه إلى أنه من الغرور أن يصف البعض أنفسهم بأنهم وحدهم أهل الحق والسنة، وأن مخالفيهم أهل الأهواء والبدع والضلال، وما أجمل التذكير بقول أبي حنيفة: (قولنا هذا رأي، وهو أحسن ما قدرنا عليه، فمن جاء بأحسن من قولنا فهو أولى بالصواب منا).
5- الانفتاح على المختلف ومحاولة تعقله: من أجل تكوين نظرة صحيحة ومعقولة نحو المختلف لابد من العناية بتكوين الاتجاهات النابذة للانغلاق الطائفي، أو المذهبي، أو التكلس الفئوي، أو الانحصار الفكري؛ لأن انغلاقًا أو تكلسًا أو انحصارًا من هذا النوع لا يمكن أن يساعد على فهم الآخر أو استيعابه، فيقلل ذلك من إمكانية التحاور واللقاء.
والشروط التربوية لتكوين هذه النظرة هي:
أ- تشجيع الانفتاح على المختلف، والدفع إلى محاولات تعقله، والابتعاد عن اصطناع الفروقات التي تميز الأطراف بالوعي الخاص والذاكرة المميزة[7] والتي لا مبرر موضوعي أو عصري لها.
ب- التعويد على ممارسة المرونة عند التعاطي مع الاختلافات التفصيلية لما ينتج عنها من تفاوت بعض المعتقدات الجزئية أو بعض السلوكيات التطبيقية، وذلك انطلاقًا من فكرتين أساسيتين هما:
– أن وحدة الدين والهوية ينبغي ألا يخلخلهما عدم التطابق أو التماثل التفصيلي غير المقرر نصًا.
– أن من حيوية الحياة ورحمة الدين القبول بتعدد الآراء والأحكام ووجهات النظر طالما لا يخل ذلك بالأصول والثوابت، ولا يُعَرض مقتضيات الأخوة والنظام العام في المجتمع الإسلامي للخطر.
ج- التخلص أولًا وآخرًا من المعوق الشعوري أو اللاشعوري الذي يجعل أي تعقل أو قبول لما هو خارج الدائرة الخاصة شيئًا غريبًا أو مستهجنًا. والتربية معنية بمعالجة هذه الحالة التي تشكلها كثافة الاستغراق بالنسق الفكري أو الهوية الفرعية، حيث الضغوط الأسرية، أو البيئية، أو التاريخية، أو المعرفية تخلق حالة من الجمود تخنق أية محاولة للتنفس خارج الدائرة الخاصة المحدودة، وهذه ظاهرة نفسية وتربوية أكثر مما هي ظاهرة عقلية وفكرية.
6- فهم الآخر من داخل نسقه الاجتهادي وبحسب النوايا التي يصدر عنها: إن اقتناع المسلم بمدرسة كلامية أو فقهية لا ينبغي أن يمنعه من أن يرى آراء ومواقف الآخرين من داخل مدارسهم، ووفقًا لطبيعة النوايا التي تشكل أو تحرك تلك الآراء أو المواقف، وذلك على النحو الذي يجنبه الإجحاف أو المبالغة أو التطرف حين يصدر أحكامه بحقهم.
وهذه مسألة تربوية في الأساس قوامها التخلص من القراءات السطحية أو المتسرعة لآراء واقتناعات الآخرين، والأخذ بجدية في استيعاب مقولاتهم واجتهاداتهم والنظر في أدلتها؛ إذ لا يمكننا أن نقوِّم الآخرين بموضوعية وإنصاف إلا إذا اعتدنا أن نفهمهم من داخل نسقهم الاجتهادي. وبناء هذه العادة سيخفف كثيرًا من المشاعر والأحكام السلبية المضادة.
فمثلًا الخلاف حول الحسن والقبح العقليين وصلتها بأفعال الله هل هي مقيدة أو مطلقة، قال البعض: أنها مقيدة, وقال آخرون: مطلقة، والرأي في مثل هذه الأمور إذا كان من الممكن فحصه وتقديره ونقده بصفته رأيًا، فإنه على مستوى تقويم عقائد أصحابه لابد أن نُدخل في اعتبارنا “النية” و”الهدف” الذي ينطوي عليه ذلك الرأي، وهنا – أي في مسألة تقييد أو إطلاق أفعال المولى تعالى- يمكن القول: إن كلًا من الطرفين مؤمن ولا شك، إذ أنهما وصفا الله تعالى بأوصاف الكمال والجلال، ولم يقل أي منهما: إن العقل والشرع قد اختلفا في شىء ما من جهة أنه حسن أو قبيح، وإنما كان اختلافهما حول الفعل المطلق هل يجوز على الله أو لا يجوز، فالطرف الذي جوَّز أراد أن يفر من ” تقييد” الله باعتبار أن التقييد منافٍ للألوهية، وكونه يفعل ما يشاء ولا معقب لحكمه، وأما من قيد فقد أراد أن يفر من وصفه – جل شأنه – بأنه يمكن أن يفعل شيئًا يراه العقل قبيحًا[8].
وعلى هذا النحو يمكن أن نُعطي فهمًا مرنًا، وفيه من حسن الظن وعدم تحميل آراء الآخرين بما لا ينسجم مع مجمل تفكيرهم.
لنأخذ مثالًا آخر في مجال الفقهيات، فقد يشمئز بعضنا وهو يقرأ الآراء الفقهية لإمام من أئمة المذاهب الإسلامية الأخرى والتي تبدو شديدة الغرابة، كالرأي القائل بإباحة زواج البنت من الزنا، أو الرأي القائل بإلحاق ولد المشرقية بالذي في المغرب[9] وإن لم تلحق به، أو نحو ذلك من الآراء غير المألوفة أو المستساغة.
إن من حق أى مسلم مجتهد أو غير مجتهد أن يرفض أو يعارض مثل هذه الآراء، إلا أنه من الضروري في إطار الجدل أو النقد أن تُدرَك هذه الآراء – على غرابتها – ضمن أدلتها وحيثياتها التعليلية. وهذا منحى من شأنه أن يخفف كثيرًا من النظرة السلبية المحتقنة ويحوِّل الاشمئزاز إلى مجرد رفض لهذا الرأي أو ذاك، وبالتالي لا يُنظر إليه أكثر من أنه خطأ مع حسن النية.
واستطرادًا لما تقدم، لابد من التحلي بخصلة منح الآخرين الأعذار فيما هم فيه معنا مختلفون، أيًا كان تقويمنا لآرائهم واقتناعاتهم، وهذه مسألة تحتاج أساسًا إلى غرس النزعات السوية تجاه الناس بشكل عام، وإيجاد التوازن النفسي والفكري الذي لا يسمح لمشاعر التعصب وحب السيطرة أن يحكما علاقات طرف بآخر.
إن الخوارج كفَّروا عليَّا فوق المنابر وحاربوه وحاربهم، ولكن حين استأذنه قضاه البصرة أن يقبل شهادة أهلها منهم أمر بقبولها[10] إدراكًا منه أن هذه الفئة قد حاربته على التأويل، ولم يدفعه اقتناعه بخطأ تأويلهم إلى التخلي عن المرونة، أو رد شهادتهم أو إقصائهم عن دائرة المسلمين.
من هنا لابد أن نعمق الوعي بأن إسلامًا نرضى عن بعض تفاصيله أفضل من كفر لا نلتقي معه في أي شىء، وأنه ليس من الواقعي ولا من الإخلاص للإسلام أن يتحدث اليوم بعض الناس بأن الكفر أقرب إلينا من إسلام مخلوط ببعض الشرك أو ببعض الانحراف، فكلام كهذا ما هو إلا تعصب يريد أن يدمر خصمه حتى ولو كان في ذلك تدمير نفسه[11].
المقومات التربوية لمرحلة الحوار:
إن الإقرار بحرية التنوع في الاجتهادات والآراء في إطار الالتزام بالوحدة لا يعني القبول السلبي لما تذهب إليه الأطراف الأخرى من اجتهاد أو تصور أو رأي مخالف، بل إن من حق العلماء والمختصين والمطلعين أن يمارسوا حق الرفض أو الرد أو النقاش، كما يمكن لهم أن يديروا الحوار فيما بينهم بما هم فيه مختلفون شريطة الالتزام بأسس ومبادئ وأخلاقيات من شأنها تزكية الحوار وترقية المتحاورين. ويمكن بلورة الأسس والمبادئ والأخلاقيات التربوية الإسلامية على هذا الصعيد[12] على النحو التالي:
أولًا: القيمة المطلقة للحقيقة والحق
“الحقيقة” هي العناصر والمضامين والأبعاد والألوان التي ينطوي عليها – فعلًا- شيء، أو فكرة، أو شخص، أو موضوع ما. و”الحق” هو الاستحقاق المُقدر لشيء، أو فكرة، أو شخص، أو موضوع ما، سواء كان المُقدر هو الله تعالى أو العقل أو الواقع الفعلي المشروع.
ويُثار الموقف من “الحقيقة والحق” في الحالة التي يظهر فيها اختلاف بين طرفين أو أكثر، قد ينجح أحدهما أو أكثر لأسباب ما في تشويه الحقيقة، أو الحق، أو المغالطة بشأنهما، أو إنكارهما، أو تجاوزهما كليًا، أو جزئيًا بشكل، أو بآخر، وهذه الإشكالية قديمة وشائعة بين بني الإنسان، ويمكن أن يقع فيها المسلمون حتى فيما بينهم حين يختلفون. ولما كان الإسلام دينًا من مبادئه الاعتراف بالحقيقة وعدم الاعتداء على الحق، فإن من مقومات التربية الحوارية الإسلامية تعميق التشبع الضميري بالاعتراف بالحقيقة والحق كقيمتين مطلقتين، سواء تأسس إطلاقهما بحكم من الشرع أو العقل أو الواقع الفعلي المشروع.
ولابد من تعميق التفاعل معها، وفي تقبلهما، وتوفير التهيئة النفسية للانحياز لهما، وقولهما، والرضا بهما، وعدم إنكارهما، أو تجاوزهما، كلما وجد المرء نفسه في موقف يتطلب منه الإقرار بعناصر الحقيقة أو العمل على إحقاق الحق أو الوقوف إلى جانبهما. وهذا أمر يسري في المقياس الإسلامي حتى حين يؤدي الإقرار أو الوقوف المذكور إلى تصادم مع المصلحة الفردية أو الخاصة “قل الحق ولو على نفسك”[13]. ناهيك عن أن مبدأ الاعتراف أو الإقرار مطلوب شرعًا حتى إذا تبين أن الحقيقة أو الحق في جهة مَن تختلف معه.
والتربية الحوارية الإسلامية معنية بغرس مُسلَّمة أن ما يحصله أو يعقله الواحد منا لا يكسبه صفة الحقيقة أو الحق بشكل قطعي بالضرورة، إذا ما كان التحصيل أو التعقل ينتمي إلى دائرة الظنيات والمتغيرات الدينية. كما أن هذه التربية معنية أيضًا ببث المبدأ القائل: إن اعتبار ما تظنه راجحًا وما يظنه غيرك مرجوحًا لا يمنع من أن يكون ما ظنه غيرك هو الراجح وما ظننته أنت هو المرجوح[14].
لذلك لا يصح اعتياد الجزم بأن الباطل أو الخطأ هو دائمًا في جهة الطرف الآخر ما لم يكن ذلك الجزم مستندًا إلى الدليل القاطع أو الرجوع القوي الباعث على الطمأنينة التامة نفسيًا وذهنيًا وموضوعيًا، أو على الأقل مستأنسًا بإجماع تاريخي مستفيض، ومشروط بأن لا يكون استئناسًا تشكله الضغوط الشعورية واللاشعورية التي يصنعها الرأي المحصن بالتواصل التاريخي أو بكثافة الاستغراق الأسري أو البيئي.
ثانيًا: أخلاقيات الحوار:
الأخلاق عنصر أساسي في السلوك الذي يكتنف الحوار ويحدد علاقاته وأساليبه ونتائجه بين الأطراف المختلفة. والتربية الحوارية في الإسلام معنية بإكساب القيم والمبادئ الأخلاقية التي تنأى بالمحاور عن الطبائع والسلوكيات الذميمة، وتحرره من سوء الخلق وما يشين لغة الحوار وسلوكيات التخاطب والتعامل مع الآخرين. ومن الطبائع والسلوكيات الذميمة في هذا الخصوص:
1- لغة الشتيمة والجرح والسب واللعن والقدح والطعن والتطاول والهجاء والألفاظ الجارحة: والبذاءة والخرق والمساس بمشاعر الغير والتعرض القبيح لما يحترمه الآخرون من آراء أو أشخاص أو رموز. قال صلى الله عليه وسلم: “ليس المؤمن بطعان ولا لعان ولا فاحش ولا بذيء”[15]، وقال “سباب المسلم فسوق وقتاله كفر…”[16].
2- السخرية والهمز واللمز والتنابز بالألقاب: قال تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا لا يسخر قومٌ من قومٍ عسى أن يكونوا خيرًا منهم ولا نساء من نساء عسى أن يكن خيرًا منهن ولا تلمزوا أنفسكم ولا تنابزوا بالألقاب بئس الاسم الفسوق بعد الإيمان ومن لم يتب فأولئك هم الظالمون} (الحجرات: 11).
3- الذم وتتبع العورات: قال تعالى: {ويل لكل همزة لمزة} (الهمزة: 1) والهماز كثير الطعن على غيره بغير الحق، واللماز المتتبع للمعايب والعورات. وقال صلى الله عليه وسلم: “لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ولا تتبعوا عوراتهم، فمن يتتبع عورة المسلم يتبع الله عورته”[17].
4- الجهر بالسوء: قال تعالى: {لا يحب الله الجهر بالسوء من القول إلا من ظلم وكان الله سميعًا عليمًا} (النساء: 148).
5- الكبر والغرور وعدم التواضع: قال تعالى: {إن الله لا يحب كل مختال فخور} (لقمان :17). وقال صلى الله عليه وسلم: “مَن كان في قلبه مثقال حبة من خردل من كِبر أكبه الله على وجهه في النار”[18]. وفي الأثر: “إن التواضع لا يزيد العبد إلا رفعة”[19].
6- الإعجاب بالرأي وتزكية النفس: قال صلى الله عليه وسلم: “إذا رأيت شُحًا مطاعًا وهوىً متبعًا ودنيا مؤثرة وإعجاب كل ذي رأي برأيه فعليك بخاصة نفسك”[20]. وقال أيضًا عليه السلام: “لو لم تكونوا تذنبون لخفت عليكم ما هو أكبر من ذلك: العُجب، العُجب”[21].
إن الشيطان يزين للمرء عمله فيراه حسنًا فيعجب بنفسه وكل ما يصدر عنها، ولا يخطر بباله أن يراجعها في شيء ولا أن يحاسبها على أمر فيغدوا واثقًا مفتونًا وقد اطمأن إلى تزكية النفس بطريقة أكثر ما فيها الغرور، قال تعالى: {ألم تر إلى الذين يزكون أنفسهم بل الله يزكي من يشاء ولا يظلمون فتيلًا} (النساء:49).
من هنا لابد من غرس الحساسية والحذر في النفس والذهن إزاء ما يفكر فيه الإنسان وما يعمله؛ لكيلا يغتر بفكر أو عمل وينسى احتمال نقصه وإمكانية شططه أو ابتعاده عن جادة الصواب. فالتحفظ والحذر خير من الطمأنينة التي قد لا يسندها هوى أو غرور.
7- الغلظة والفظاظة وفقدان الرفق ولين الجانب: قال تعالى: {فبما رحمة من الله لنت لهم ولو كنت فظًا غليظ القلب ولا نفضوا من حولك} (آل عمران: 159). وقال صلى الله عليه وسلم: “إن الله عز وجل ليعطي على الرفق ما لا يعطي على الخرق، وإذا أحب الله عبدًا أعطاه الرفق”[22].
من هنا تبدو أهمية التركيز التربوي على الرفق واللين والحسنى في أي خطاب أو تحاور، وقيمة التأكيد على نبذ القول الخبيث والسيء حتى مع غير المسلمين. قال تعالى: {ادع إلى سبيل ربك بالحكمة والموعظة الحسنة وجادلهم بالتي هي أحسن إن ربك هو أعلم بمن ضل عن سبيله وهو أعلم بالمهتدين} (النحل: 125)، {وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن إن الشيطان ينزع بينهم إن الشيطان كان للإنسان عدوًا مبينًا} (الإسراء: 53)، {وهدوا إلى الطيب من القول وهدوا إلى صراط الحميد} (الحج: 24)، وقال صلى الله عليه وسلم :”لا يستقيم قلبه ، ولا يستقيم قلبه حتى يستقيم لسانه”[23].
8- المهاترات ومقابلة السلوك السيئ بمثله: قال تعالى: {ادفع بالتي هي أحسن السيئة نحن أعلم بما يصفون} (المؤمنون: 96). ويعد اللغو وفضل القول من السلوكيات الواجب تجنبها {وعباد الرحمن الذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} (الفرقان:63)، {وإذا سمعوا اللغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلام عليكم لا نبتغي الجاهلين} (القصص: 55).
كما يعد رفع الصوت من السلوكيات السيئة في الحوار {…واغضض من صوتك إن أنكر الأصوات لصوت الحمير} (لقمان 19).
9- الخصومة والحقد والعدوانية والشقاق: قال تعالى: {ربنا اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلًا للذين ءامنوا ربنا إنك رءوف رحيم} (الحشر:10). إن المؤمن ليس حقودًا ولا يميل للعدوان، ويتجنب ما يدعو إلى الشقاق ويؤثر سلام الحوار لا المواجهة أو الصدام الجارح الذي لا فائدة منه ولا جدوى من ورائه.
ثالثًا: الموضوعية في الحوار:
الموضوعية تعني عدم تغليب دوافع الذات وعواطفها ومصالحها وانحيازاتها الفكرية أو الاجتماعية على العناصر الحقيقية، أو الطبيعية، أو الواقعية للموضوع، أو الموقف محل الاختلاف، بحيث لا يتحدد الرأي أو التقويم أو السلوك إزاءه بشكل تعسفي؛ وعلى غير ما يجب أن يكون عليه من صِدق ودقة وأمانة وإخلاص وتوازن وإنصاف وعدم جنوح أو مغالاة او تطرف.
إن الموضوعية تنعدم بالتأكيد في أي حوار تكتنفه الحالات السلبية التالية، التي من مسئولية التربية الإسلامية النهي عنها وتجنب الأفراد والجماعات الوقوع فيها:
1- استخدام الكذب والافتراء والبهتان والتزوير ومجانبة الصدق سواء مع المحاور أو مع مادة الحوار أو في أهداف التحاور، فالذي يواجه غيره بما يظنه جرمًا فيه ولا يكون ذلك جرمًا، بل مجرد اتهام أو ادعاء كاذب، فإن ذلك ستنشأ عنه حالة إيذاء قاسية[24]: {والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانًا وإثمًا مبينًا} (الأحزاب: 58).
إن التزوير كذب كثيف الظلمات؛ وذلك أنه لا يكتم الحق فحسب، بل يمحقه ليثبت الباطل، وخطره على الأفراد في القضايا الخاصة، وخطره على الأمم في القضايا العامة شديدة مبيد[25] قال صلى الله عليه وسلم: “ألا أنبئكم بأكبر الكبائر؟ – ثلاثًا – قلنا: بلى، قال: الإشراك بالله، وعقوق الوالدين، وقتل النفس… وكان متكئًا فجلس، وقال: ألا وقول الزور وشهادة الزور فما زال يكررها حتى قلنا: ليته سكت”[26].
كما أن الإخبار المزيف للواقع أو المخالف للحقيقة هو من أخطر أمراض الكلمة؛ لأنه بطبيعته سيؤدي إلى انتشار عوامل التشكيك وانعدام الثقة، وبالتالي تكريس الظلم والفساد، قال تعالى: {إذ تلقونه بألسنتكم وتقولون بأفواهكم ما ليس لكم به علم وتحسبونه هينًا وهو عند الله عظيم (15) ولولا إذ سمعتموه قلتم ما يكون لنا أن نتكلم بهذا سبحانك هذا بهتان عظيم} (النور: 15-16).
إذن فإعداد المحاور تربويًا على مبادئ الصدق والأمانة وعدم الافتراء والتزييف شرط لتحقيق الأرضية السليمة للحوار المباشر النظيف.
2- الديماغوجية في الحوار ولغة التضليل التي تستخدم التحريف، أو الإيحاءات الموهمة، أو التحويرات المفسدة، أو حجب الحقائق، أو التضخيم، أو التصغير، أو التعتيم، ونحو ذلك من الأساليب التي تضيّع الحقيقة أو تبدد معالمها أو تشوهها.
والمسلم المحاور لا يمكنه التحلي بموضوعية الاختلاف ونصاعة الحوار مالم يكن قد تقوّى تربويًا على النحو الذي لا يدفعه ضعف الحجة أو فقر الدليل إلى التوسل بتلك المنهجية ووسائلها المرفوضة.
3- اللجوء إلى الشائعات التي لا أساس لها من الصحة، او افتعال القضايا الوهمية وإدخال الطرف الآخر أو جره إليها تعسفًا، وقال صلى الله عليه وسلم: “من ذكر أمرئ بشئ ليس فيه ليعيبه به، حبسه الله في نار جهنم حتى يأتي بنفاذ ما قال فيه”[27]. وفي رواية “أيما رجل شاع على رجل مسلم كلمة، وهو منها بريء، يشينه بها في الدنيا، كان حقًا على الله أن يذيبه يوم القيامة في النار حتى يأتي بنفاذ ما قال”[28].
ولهذا فإن عدم اعتماد الشائعات وتجنب افتعال القضايا وإثارتها على مائدة الحوار شرط تربوي مهم للحوار الإسلامي، ولا قيمة لحوار يلجأ إلى مثل ذلك ابدًا.
4- إهمال المحاور لأدلة المخالفين وأسانيدهم، والاكتفاء بالثانوي أو الاستعانة في النقد والتقويم بما يكتبه أو يقوله خصوم أو أعداء الطرف الآخر، أو نقل رأي ذلك الطرف على لسان مَن لا يمكن اعتباره ممثلًا شرعيًا أو معبرًا بدقة عن موقفه الحقيقي.
والإعداد التربوي الذي يجعل من الحقيقة والحق قيمتين علويتين كفيل بأن يجعل المحاور المسلم حرصًا على أخذ أدلة وأسانيد الطرف الآخر بنظر الاعتبار، ومعطيًا الفرصة كاملة له ليبدي رأيه، ويوضح حقيقة موقفه دون حجب أو إبعاد أو تهميش.
5- التسرع في إصدار الأحكام قبل الوقوف العلمي على الحيثيات والأدلة، قال تعالى: {ولا تقف ما ليس لك به علم إن السمع والبصر والفؤاد كل أولئك كان عنه مسئولًا} (الإسراء: 36).
ولهذا فإن التحلي بخصلتي “الأناه” و”التوقف” مطلوب في حوار المسلم قبل أن يبلغ مرحلة التقويم النهائي أو إصدار الأحكام. والأناة تعني الاحتياط في الأمور والنظر فيها بعمق والتأني في اتباعها. أما التوقف فهو من السكون قبل الدخول في الأمور حتى يستبين رشدها. والتأني سكون وطمانينة بعد الدخول في الأمور حتى يؤدي كل جزء حقه[29].
والتحلي بهذه الطبائع لا يتوافر ما لم تكن التربية قد رسخت شرط الشرعية في غاية الحوار، أما سيطرت روح الغلبة بغض النظر عن بلوغ الحق أوعدم بلوغه فلا يكون بالمقدور اكتساب صفة التحلي بالأناة والتروي في أي جدل أو حوار.
6- عدم إنصاف الطرف الآخر: إن الموضوعية تعني أيضًا الابتعاد عن ظلم الآخرين وضرورة الالتزام بإنصافهم. فالموضوعية تعني العدالة يحكم بها المسلم لخصمه أو محاوره أو مخالفه، ولو كان ذلك الحكم سيؤدي إلى تسجيل نقاط تصير لصالح ذلك الطرف، قال تعالى: }يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم} (النساء: 135)، وقال صلى الله عليه وسلم: “طوبى لمن طاب خلقه وطهرت سجيته وصلحت سريرته، وحسنت علانيته، وأنفق الفضل من ماله، وأمسك الفضل من قوله وأنصف الناس من نفسه”.
وهذا ما تؤكد عليه التربية الإسلامية في حوار المختلفين.
والتربية الإسلامية في الحوار معنية بتقوية روح الإنصاف، وذلك بالتعويد على عدم إغفال الجانب الإيجابي الذي يتحلى به الآخرون، وتنمية شجاعة التسجيل لدورهم أو فضلهم وعدم إنكار مثل ذلك، خاصة حين يكون ذلك الفضل أو الدور لصالح الإسلام أو يصب بنتائجه في صالح المسلمين، وقال تعالى: {ولا تنسوا الفضل بينكم إن الله بما تعلمون بصير} (البقرة: 237). ولذلك فإن أي تعتيم أو إغفال أو تجاوز لتلك الجوانب هو إبخاس للناس في أشيائها وأقدارها وما يعلمون {ولا تبخسوا الناس أشياءهم} (الشعراء: 182). وهذا ما تؤكد عليه التربية الإسلامية في حوار المختلفين.
إن خلق الموضوعية بصفته سلوكًا علميًا لا يتأتى في الغالب دون تربية فكرية وأخلاقية وروحية عميقة يُغرس في ظلها حب الحق والحقيقة وما يترتب عليها من التزام بالأمانة والدقة والتجرد ومن ثم التفاعل والصدق والوضوح والإنصاف والشجاعة الأدبية.
والتربية الإسلامية مسئولة عن ترقية التفكير العلمي وتقوية السلوك الفكري الموضوعي، والنهوض بذلك يمكن أن يتم منذ التنشئة الأولية ضمن الأطر المنزلية والمدرسية، كما يمكن غرسه وإشاعته في ميادين الحياة والمؤسسات الاجتماعية المختلفة، وتلعب القدوة في ذلك دورًا حيويًا مؤثرًا.
رابعًا: المسئولية في الحوار:
إن الحوار الإسلامي ليس حفلًا صراعيًّا، ولا هو سباق تجتهد فيه الأطراف لتكون النتيجة في مضماره موزعة بين غالب ومغلوب، بل هو لقاء حساس يتوقف عليه بناء العلاقات الإسلامية، وامتحان لمبدأ التأليف والوحدة الذي يتصل بكيان الجماعة أو الأمة.
ومن هنا لابد أن يخضع الحوار إلى هيمنة المسئولية كقيمة وسلوك تتحدد بموجبها علاقات المسلم وحواراته مع المسلمين الآخرين على النحو الذي ينسجم مع ما تقتضيه المصلحة العامة وضرورات الائتلاف وواجب الوحدة.
إن الشعور بالمسئولية والالتزام بها كأصل من أصول التربية الحوارية مشروط بما يلي:
1- تلمس الأعذار للمخالف:
من الضروري في إطار العلاقات الحوارية أن يحمل المسلم روحية التسامح وتلمس الأعذار العلمية أو الواقعية أو الموضوعية للمختلفين المخلصين انطلاقًا من إدراك المسائل التالية:
* أن الأطراف الأخرى المسلمة هي في الغالب تستند في موضوعاتها ومسائلها إلى المصادر الشرعية ذاتها التي يستند إليها المحاور.
* أن الغالبية الساحقة من أطراف الخلاف مقلدة لغيرها من العلماء او الآباء، وبالتالي لا دور أساسيًا لأي منهما في تكوين الرأي، أو الحكم المستنبط، أو تشكيل الموقف، أو النظرة التقويمية المختلف بشأنها حول موضوع ما. فالذي اختار الرأي، أو الحكم، أو الموقف، أو النظرة التقويمية عن دراسة وعمق واقتناع ذاتي أصيل هم القلة القليلة.
* لكل إنسان إطار تربوي واجتماعي وتاريخي وإعلامي يحسن بالملاحظ أن يتقمصه، ثم النظر للطرف الآخر من خلاله لا من خلال ذات المخاطِب ووعيه أو إطاره الخاص. وإذا كان هذا لا يعني تصويب الخاطئ من الآراء والمواقف والسلوكيات، إلا أن الأخذ به في الحسبان يتيح قدرًا من التسامح والابتعاد عن الحكم الباتر والنهائي.
* كل أعمال الإنسان الفكرية والعلمية تقوم في ضوء نياتها لقوله صلى الله عليه وسلم: “إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امرئ ما نوى”[30].
وعلى هذا الأساس يجب أن يعتاد المسلم في ميدان الاختلاف على التفرقة بين الأعمال الصادرة عن حسن نية والأعمال الصادرة عن سوء نية، دون أن يعني ذلك أن الخطأ الصادرعن حسن نية يمكن القبول به، بل يعني أنه من الأفضل التعامل مع صاحبه من منطلق “ليس من أراد الحق فأخطأه كمن أراد الباطل فأصابه”. واكتساب هذه الخصال والتربية عليها من شأنه أن يوجد جوًا مفعمًا بالثقة البعيدة عن الأحكام النهائية المسبقة، وخاليًا من الشحناء والتوتر، وبالتالي مناسبًا للتخاطب والحوار.
- الصبر على المخالف:
لابد من التعود على الصبر مع المخالفين {واصبر وما صبرك إلا بالله} (النحل / 127)، فإذا كان هذا مطلوبًا مع غير المسلم أو غير الإسلامي، فإنه مع المسلم والإسلامي مطلوب من باب أولى، فالتطبع على سعة الصدر محبذ على النحو الذي يجب أن تهيمن المرونة والإيجابية على التعامل فلا يضيق طرف برأي مهما بدا ذلك الرأي غريبًا أو شاذًا.
ومن أهم نتائج التطبع على سعة الصدر القدرة على منح الآخر فرصة التعبير عن رأيه أو مواقفه بكل حرية، كذلك كفالة حق الرد له بعيدًا عن أية ممارسة قهرية أو مصادرة استبدادية لا تمت إلى الحزم الإسلامي بصلة.
واكتساب هذه النفسية مشروط بداية بنزع دعاوى احتكار الحقيقة والحق، تلك الدعاوى التي إذا ماهيمنت على ذهنية أحد دفعته إلى رفض إمكانية أن يشارك الآخرون في امتلاك الحقيقة أو الحق أو بعض أطرافهما.
- الإقلاع عن استراتيجية “إفحام الخصوم”:
يفقد الحوار أو المناظرة قيمتهما الإيجابية حين يخطط لهما بشكل مبيت لإحراج الطرف الآخر أو “تعريته” أو دمغه، وبالتالي إقصائه من الدائرة.
ضمن هذه الاستراتيجية لا يكون همّ المحاور الحرص على استكشاف الصواب أو إظهار الحق، أو محاولة كسب الآخر أو حتى السعي للوصول معه إلى حل ما، بل مجرد إشباع شهوة التغلب وتحقيق الانتصار.
والحوار حين يُبنى على هذه الاستراتيجية وضمن هذه الأهداف ينطوي ولا شك على نزعة ذاتية قوامها الأنانية وحب الإساءة أو الحقد، والافتقار إلى روح الهداية ومسئولية الإنقاذ؛ لهذا ففي ظل هذا اللون من الحوار يحق لنا أن نتوقع لجوء الأطراف إلى اتباع مختلف الأساليب والوسائل الجدالية المحقة والباطلة، النظيفة وغير النظيفة للوصول إلى الأهداف المقصودة.
كما لا يمكن في ظل اتباع أساليب ووسائل كهذه أن يكون ثمة معنى للتفكير في المصلحة العامة أو بحساسية الموقف؛ ذلك أن رغبة الجدل وروح المِراء والمباهاة المرضية تظل تهيمن على مَن يلجأ إلى ذلك فلا يراعي مقتضيات الائتلاف، ولا يرعوي عن فتنة السقوط في مضيق الخلاف، قال صلى الله عليه وسلم: “لا تعلموا العلم لتباهوا به العلماء أو تماروا به السفهاء، ولا تحيروا به المجالس، فمن فعل ذلك فالنار النار”[31].
وقال الإمام جعفر الصادق: “اترك المراء وإن كنت محقًا وأنصف الناس من نفسك”[32]، فالمراء واللجاجة وما يتخللهما من جدل عقيم ولغة تناحرية من شأنها أن تعمق الفجوة وتزيد من رقعة التباعد.
إن المسلم المتحاور يمكن أن يترك المندوب أو المباح تجنبًا للوقوع في الخلافات الضارة، بل الأكثر من ذلك كما يقول الإمام الشاطبي: “إنه ليس كل ما يُعلم مما هو حق يُطلب نشره، وإن كان من علم الشريعة، ومما يفيد علمًا بالأحكام، بل ذلك ينقسم: فمنه ما هو مطلوب النشر وهو غالب علم الشريعة، ومنه ما لا يطلب نشره بإطلاق، أو لا يطلب بالنسبة إلى حال أو وقت أو شخص”[33].
ولبلوغ هذه الروحية أو الذهنية في إدارة الحوارات والجدل لابد من الإقلاع عن استراتيجية إفحام الخصوم التي لا تنطوي على نية البحث المخلص عن الحقيقة أو الحق، ولا الصدق في بلوغهما أبدًا، إنما هي نوازع النفس وشرور الهوى الذاتي تتسلل عبر النقاش والمجادلة ليس إلا.
إن هدف التربية الحوارية في الإسلام أن يكون غرض الجدل تلاقح الأفكار والتعاون على إظهار الحق وبلوغ الحقيقة وإعلاء مقاصد التبيان والهدى للدرجة التي يجب أن يستمرئ فيها المحاور المؤمن التنازل عن رأيه إن وجد الصواب مع الطرف المقابل، وأن يمتلك شجاعة الإقرار بذلك، بل التنازل عن حقائق أو أمور أو آراء كان يتبناها عند اكتشافه مجانبتها الحق أو الصواب.
كما تؤكد التربية الحوارية في الإسلام على لون آخر هو التنازل عن المستوى السلبي، أي حين يجد المحاور أن ثمة حقائق أو أمورًا واقعية أو عقلية يمكن الاحتجاج بها، إلا أن الاحتجاج بها بالأسلوب الواقعي أو العقلي قد لا يُجدي مع الطرف الآخر، فيلجأ هنا إلى محاولة إقناعه والتأثير فيه بأساليب نفسية أو إنسانية قد تساعد على تحقيق هدف الهداية والإنقاذ بشكل أكثر فعالية، شرط أن يظل المنطق العقلي والموضوعي متصلًا على نحو ما بمنهجية الإقناع المذكور.
- الاهتمام بنقاط الالتقاء:
إن الشعور بالمسئولية لابد أن يجعل المسلم وهو يتحاور مع المسلم كثير العناية بنقاط التلاقي وشديد التركيز على أوجه التطابق ومهتمًا بتجميع النقاط المتقاربة أو المشتركة، وهو يضع في اعتباره أساسًا واجب الوحدة ونبذ الفرقة وضرورة محاصرتها، وإن أمكن القضاء عليها.
ومن شروط ذلك: الاحتفاظ بنقاط الالتقاء والعزوف عن عادة التركيز على نقاط الخلاف أو تضخيمها، مع ضرورة السعي الحثيث لجدل خيوط التقارب، وتقريب المتشابه، وإيصال ما انقطع مما هو قابل للايصال، وأن يكون شعار هذا السعي قوله صلى الله عليه وسلم ” قربوا ولا تباعدوا”. ومن هنا يجب ألا يتم التعامل مع المعتقدات أو الاجتهادات أو الآراء التاريخية المخالفة عند المسلمين الآخرين كما لو كانت حقائق “عضوية” غير قابلة للتجديد أو التأويل أو التغير، فإذا ما حدث بالفعل تجديد أو تأويل أو تغير يقارب بين الآراء أو المواقف، فلا أوجب من تدعيمه بالتوافق والتلاقي وحسن القبول، لا غض النظر عنه أو إقفال الأبواب دونه، كما يفعل مرضى الخلاف.
- مراقبة الله تعالى دائمًا:
إن مراقبة الله تعالى وتعميق خوفه وابتغاء مرضاته هو الأساس الأقوى في أي حوار إسلامي – إسلامي. ومن مهمات التربية الحوارية في الإسلام جدل العلاقة بين التقوى والحوار، وتحسيس كل متحاور بخطر الفكر التفريقي والكلمة المدمرة، وضرورة مقاومة ما يعتري الذات من نزعات اللجاجة والمراء وروح الغلبة والمباهاة والعزة بالإثم ودوافع الانتصار الذاتي المشئوم، وبالتالي إحكام الرقابة الإلهية على حركة المتحاورين سواء في حالات الخلاف أو في حالات الوفاق واستحضارها عند كل تبادل للكلمات {ما يلفظ من قول إلا لديه رقيب عتيد} (ق: 18)، وقوله صلى الله عليه وسلم “يعذب الله اللسان بعذاب لا يعذب به شيئًا من الجوارح، فيقول: أي رب أعذبتني بعذاب لم تعذب به شيئًا من الجوارح، فيقول: خرجت منك كلمة بلغت مشارق الأرض ومغاربها، فسُفِك فيها الدم الحرام، وانتُهب فيها المال الحرام وانتهك فيها الفرج الحرام، وعزتي وجلالي لأعذبنك بعذاب لا أعذب به شيئًا من جوارحك”[34].
- التعود على ترك الأمور إلى الله تعالى عند بلوغ الحوار الباب المسدود:
في الحالات التي ينتهي فيها الحوار بين الأطراف الإسلامية إلى طريق أو باب مسدود ينبغي امتلاك النفس، والتعود في مثل هذه اللحظة على إنهاء الجدل العقيم، وقطع التجاذب اللامُجدي بشكل سلمي، بعيدًا عن إثارة الضجيج أو زرع الحزازات أو روح الانتقام، ثم الالتجاء إلى الله تعالى لهداية الجميع، وترك الحكم إليه {قل كل يعمل على شاكلته فربكم أعلم بمن هو أهدى سبيلًا} (الإسراء: 84)، {إن ربك هو يفصل بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يخلفون} (السجدة: 25).
خاتمة
من كل ما تقدم يتبين لنا أن ضبط ظاهرة الاختلاف في إطار التأكيد على الحرية والتعدد ضمن الالتزام بالوحدة والأخذ بالشروط المنهجية السليمة في تكوين صورة عن المسلم الذي يحمل اجتهادًا آخر، ثم تحديد أخلاقيات الحوار وآدابه، وبالتالي الإيمان بالوحدة والعمل من أجلها والالتزام بمقتضياتها، كل تلك العناصر لا تؤسس ابتداء إلا عن طريق التربية سواء في بُعدها النفسي أو العقلي.
وفي ضوء ما قدمناه يمكننا أن نؤكد أن التربية الحوارية لا يمكن أن تؤتي ثمارها المرجوة ما لم يسندها مرتكزان أسياسيان هما: الايمان الديني النقى من الشوائب والذي يلفه منطق التواضع والتسامح وحب الخير وروح الإنقاذ من جهة، والوعي بمقتضيات المصالح العامة للمجتمع والأمة من جهة أخرى، وهذا يعني أنه لابد من توافر الروحية التي تستكثر ادعاء احتكار الحقيقة وتتعشق الحق وتنصت إلى هديه، ولا تتبع إلا أحسن ما يقال. قال الله تعالى: {فبشر عبادِ الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه أولئك الذين هداهم الله وأولئك هم أولو الألباب} (الزمر: 17- 18).
——————————————————————————
[1] علي يحيي معمر: الأباضية بين الفرق الإسلامية عند كتاب المقالات بين القديم والحديث، المطبعة العربية، غرداية- الجزائر 1978م، ص 412 وما بعدها.
[2] قلة هي الحوارات من هذا النوع، لكن يمكن التنويه -من القديم- بحوار الليث بن سعد مع الإمام مالك، وحوار الإمام أبي حنيفة مع الإمام جعفر الصادق.
[3] نيفين مصطفى عبد الخالق (دكتوراه): المعارضة في التفكير السياسي الإسلامي، مكتبة الملك فيصل الإسلامية، القاهرة، ط1، 1405هــ، 1985م ص3.
[4] محمد الغزالي: دستور الوحدة الثقافية بين المسلمين، دار الكتب، الجزائر، 1408هــ، 1988م، ص112.
[5] حفلت كتب السنة بالأحاديث النبوية التي تعدد حقوق المسلم على المسلم، ويمكن الرجوع إليها في مظانها- وعلى سبيل المثال راجع: نظرة عامة حول الوحدة الإسلامية، ترجمة: عبد الكريم حداد، طـ1، 1405هــ، طهران ص 54: 55.
[6] محمد مهدي التراقي (العلامة): جامع السعادات، جـ1، طـ4، مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، بيروت، ص 318،317.
[7] راجع: علي حرب: في الاختلاف، منبر الحوار، العدد (12) السنة (3) 1409هـ – 1989م، بيروت – لبنان، ص 13.
[8] راجع في ذلك: محمد محمد المدني (الشيخ): أسباب الاختلاف بين أئمة المذاهب الإسلامية، في: حول الوحدة الإسلامية، أفكار ودراسات، جـ1، ط1 1404 هــ، طهران، ص 204- 205.
[9] أوردها وآراء شبيهة سيد الجميلي (دكتور): مناظرات ابن تميمة مع فقهاء عصره، شركة الشهاب، الجزائر، بدون تاريخ، ص 32-33.
[10] انظر فهمي هويدي: التعددية والمعارضة في الإسلام، العربي، العدد (354 مايو) 1988م، الكويت، ص32.
[11] محمد حسين فضل الله: الدولة الإسلامية بين الإسلامية والمذهبية، المنطلق، بيروت- لبنان، ص11.
[12] للتوسع يمكن الرجوع إلى: محمد التومي(دكتور): الجدل في القرآن، شركة الشهاب، الجزائر، بون تاريخ، وكذلك محمد حسين فضل الله: الحوار في القرآن، بيروت، لبنان.
[13] وفي رواية الإمام أحد ” قل الحق ولو كان مرًأ” واشتهر على الألسنة: قل الحق ولو على نفسك، إشارة إلى قوله تعالى: {يا أيها الذين ءامنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم أو الوالدين والأقربين} (النساء: 135)، راجع: إسماعيل بن محمد العجلوني (الشيخ): كيف الخلفاء ومزيل الالتباس عما اشتهر من الأحاديث على السنة الناس، جـ2، مؤسسة الرسالة بيروت – لبنان ص130.
[14] طه فياض جابر العلواني (دكتور): أدب الاختلاف في الإسلام، دار باتنة، الجزائر، ص72.
[15] الترمذي.
[16] البخاري
[17] الترمذي وأحمد.
[18] أحمد
[19] ونصه لدى البخاري في تاريخه والطبراني في الكبير ” طوبى لمن تواضع في غير منقصه”.
[20] أبو داود والترمذي وابن ماجة.
[21] البيهقي
[22] الطبراني
[23] الإمام أحمد.
[24] انظر: صالح عظيمة (دكتور): مصطلحات قرآنية، العالم، العدد (208)، 1989م- 1409هــ، لندن، ص 36-37.
[25] محمد الغزالي: خلق المسلم، شركة الشهاب، بدون تاريخ، ص 41- 42.
[26] البخاري.
[27] الطبراني
[28] أوردها محمد الغزالي: خلق المسلم، مرجع سابق، ص90.
[29] راجع: محمد مهدي التراقي: جامع السعادات، جـ1، مرجع سابق ص 215، وص 404.
[30] البخاري ومسلم.
[31] ابن ماجة.
[32] أورده: محمد مهدي التراقي، مرجع سابق، ص405، وفي رواية انه صلى الله عليه وسلم قال: ط ثلاث من لقى الله عز وجل بهن دخل الجنة من أي باب شاء: من حسن خلقه، وخشي الله في المغيب والمحضر، وترك المراء وإن كان محقًا”، اوردها: نظرة عامة حول الوحدة الإسلامية، مرجع سابق، ص7.
[33] الموافقات في أصول الشريعة: أبو إسحاق الشاطبي، المجلد الرابع، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت- لبنان، بدون تاريخ، ص 189.
[34] أورده: محمد مهدي التراقي: مرجع سابق، ص 352 – 353.