دراسة تطور وضع المرأة في تاريخ الإسلام : إشكاليات منهاجية على ضوء خصائص وضع الأمة الإسلامية في النظام الدولي الراهن
العدد 127
مقدمة :
إن الحديث عن أبعاد دراسة تطور وضع المرأة المسلمة في التاريخ الإسلامي في هذه الدراسة ليس مجرد حديث تاريخي أو تأريخي، ولكن هو مكون من مكونات عملية منهاجية متكاملة تتضافر فيها الرؤية التأصيلية مع التحليل التاريخي انطلاقًا من تشخيص الواقع وتحديد متطلباته وسعيًا نحو استشراف المستقبل، كل ذلك من أجل بلورة رؤية كلية عن كيفية تغيير وضع المرأة وفق منظور حضاري إسلامي. وهو منظور –كما سنرى– يتخطى مجرد المواقف والتحليلات الجزئية لقضايا محدودة ويتجاوزها إلى تقديم رؤية كلية نقدية وبنائية لتاريخنا – الفقهي، السياسي، الاجتماعي– وليس رؤية اعتذارية دفاعية عن شريعة الإسلام أو عن بعض مراحل تاريخه. ومن ثم فإن هذه الدراسة تنقسم إلى جزئين: أولهما يشرح دوافع اهتمام العلوم الاجتماعية الحديثة بكل من دراسة التاريخ الإسلامي ودراسة المرأة في المرحلة الراهنة من تطور وضع الأمة الإسلامية في النظام الدولي، ومن ثم كيف تفرض مقتضيات فقه الواقع الراهن البحث في وضع المرأة في التاريخ الإسلامي، وموضع هذا البحث من منظور حضاري إسلامي. وهو منظور ليس لقضية المرأة فقط باعتبارها قضية دولية ولكن أيضًا لوضع الأمة برمته في النظام الدولي.
الجزء الثاني من الدراسة: ينتقل إلى الإشكاليات المنهاجية لدراسة وضع المرأة في التاريخ الإسلامي وخريطة نماذج هذه الدراسة ودلالاتها وعوامل تفسير تطور وضع المرأة عبر التاريخ الإسلامي، وأخيرًا: كيفية النظر – على ضوء كل ما سبق – إلى أبعاد ومآلات الوضع الراهن وإمكانيات تغييره.
الجزء الأول : لماذا دراسة المرأة في التاريخ الإسلامي؟: مقتضيات فقه الواقع وإشكاليات وضع المرأة والأمة الإسلامية في النظام الدولي:
التاريخ، المرأة، مجالان أساسيان حازا جانبًا مهمًا من اهتماماتي الأكاديمية، ومن منطلق تخصصي في العلاقات الدولية.
1- فمن ناحية: كان التاريخ الإسلامي الدولي مجالاً لدراستي في نطاق مشروع العلاقات الدولية في الإسلام(1): سواء على المستوى التنظيري(2)، أو على مستوى عصور التاريخ الإسلامي المتعاقبة(3)، أو على مستوى الامتدادات التاريخية لقضايا إسلامية دولية معاصرة (وعلى رأسها قضايا التحولات الإقليمية والعالمية ومناطق الصراع المسلح(4)). وبصفة عامة، فإن التاريخ احتل مكانة أساسية في دراسة العلاقات الدولية (وفق المناهج التقليدية) وتجدد الاهتمام به في المرحلة الراهنة من دراسة العلاقات الدولية في ظل نقد الوضعية والسلوكية(5).
وإذا كانت بعض التوجهات العلمانية في هذا المجال الدراسي قد عادت للاهتمام بالتاريخ من منظورات مختلفة(6)،فإن دارس العلوم الدولية من رؤية إسلامية يجد ابتداءً أن التاريخ – تاريخ الإسلام والمسلمين – إنما هو من صميم الدراسات النظرية والتطبيقية؛ ذلك لأن التاريخ بالنسبة له ليس ماضوية أو تراثية انغلاقية ولكنه، وكما يقول علماء تاريخ الإسلام(7)، ساحة للتدبر والعبر وفهم سنن الله في الكون والإنسان والاجتماع.
كما أنه كما يقول أيضًا عقلاء علماء العلاقات الدولية(8): إن التاريخ هو معمل لاختبار الافتراضات أو لاكتشاف الأنماط المتكررة من التفاعلات كأساس لاستخلاص القواعد والقوانين الحاكمة أو المفسرة للظاهرة الدولية في تطورها.
وإذا كانت منهاجية كلٍ من الجانبين: علماء تاريخ الإسلام المسلمين من ناحية، وعلماء العلاقات الدولية الغربيين الذين جددوا الدعوة للاهتمام بدور التاريخ في دراستها من ناحية أخرى، تختلف إحداها عن الأخرى، فإن دراسة العلاقات الدولية من منظور إسلامي مقارن مع المنظورات الأخرى (التي وظفت التاريخ) لابد وأن تختلف بدورها عن منهاجية كل من هذين الجانبين، فهي ليست بدراسة تفاصيل (التاريخ الإسلامي) ذات المنهاجية الجزئية(9) أو دراسة التفسير الإسلامي للتاريخ من رؤية أحادية (قدرية)(10)، كما أنها ليست أيضاً بدراسة لأنماط التطور المادي فقط عبر التاريخ وفق الرؤى الغربية لدارسي تطور النظم الدولية(11) أو وفق رؤى المدارس الغربية المختلفة لتفسير التاريخ(12).
ومن ثم، فإن منظور إسلامي لدراسة العلاقات الدولية يهتم بالتاريخ الإسلامي في تفاعله مع التاريخ الغربي إنما يجمع بين أمرين يعالجان نقص المنهاجية في المجموعتين المشار إليهما(13).
أولهما: تخطىَ التفاصيل والجزئيات إلى الكليات والأنماط، بالاستعانة بأدوات تحليل العلوم الاجتماعية الحديثة، وثانيهما: تخطى المادية المفرطة في تفسير تطور أنماط العلاقات والتفاعلات وفي تفسير التحولات العالمية الكبرى بالاستعانة بالأبعاد القيمية (الدينية – الثقافية) إلى جانب الأبعاد المادية وبالتركيز بصفة أساسية على قضيتين كبريين في تاريخ الإسلام الدولي: قضية وحدة الأمة وكيفية انتقالها إلى التعددية ثم التجزئة، وقضية الجهاد والعلاقة مع الآخر وكيفية انتقالها من الدعوة والفتح إلى الدفاع والوقوع تحت الاستعمار ثم الاستقلال في ظل التبعية.
بعبارة موجزة، فإن فهم وضع الأمة الإسلامية في ظل النظام الدولي، وسعيًا لاستشراف المستقبل من أجل التغيير، لا ينفصل عن فهم تطور هذا الوضع تاريخيًا من ناحية، وعن فهم عوامل وقوى التأثير والتحدي والتهديد الحالية من ناحية ثانية، وعن فهم خريطة مشاكل وقيود الوضع الراهن وفرصه وإمكانياته من ناحية ثالثة. كل ذلك بعد أن أضحت الأمة الإسلامية – عقب عدة تطورات عبر العقود الثلاثة الماضية – في قلب التفاعلات الدولية وخاصة منذ نهاية الحرب الباردة وبعد الحادي عشر من سبتمبر بصفة خاصة(14).
2- وعلى صعيد آخر: قفزت دراسات المرأة قفزة نوعية خلال العقود الثلاثة الماضية، لتصل إلى ذروتها في عصر العولمة. كما أضحت قضية المرأة قضية دولية ذات أولوية على أجندة قضايا حقوق الإنسان ومداخل التغيير الاجتماعي والتنمية المستدامة وخاصة في العالم الإسلامي.
وعبر عقود ثلاثة، ووصولاً إلى زخم العولمة، أضحت الأبعاد الدولية لقضية المرأة محلاً للجدال بين منظورات ورؤى متنوعة، إسلامية، نسوية، وغيرها. وتعددت أبعاد هذا الجدال حول أسباب أوضاع المرأة المسلمة الراهنة، وحول سبل تغيير هذه الأوضاع ووجهة هذا التغيير(15).
وفي قلب هذا الزخم برزت الإشكاليات المتعلقة بوضع المرأة في الإسلام وبتطور وضعها عبر التاريخ الإسلامي، ومن ثم تبلورت الإشكالية الشهيرة عن كيفية تفسير الفجوة بين وضع المرأة في الإسلام (الأصول) وبين ما حاق بوضعها من تدهور؟ وهل شهدت عصور الازدهار الحضاري الإسلامي ازدهارًا لوضع المرأة، وما هي مؤشراته؟ وما أسباب التدهور الذي حاق به بعد ذلك؟ بل وما العلاقة بين هذا التدهور وبين ما آل إليه وضع الأمة برمته في عصور التراجع؟
ومما لاشك فيه أن الأدبيات التي تعاملت مع هذه الأسئلة لا يمكن حصرها في هذا الموضع، ولكنها مثلت واحدًا من ثلاثة اتجاهات: أحدها المهاجم لوضع المرأة في الإسلام باعتباره دينًا ذكوريًا أرسى حضارة متحيزة ضد المرأة، ويمثل هذا الاتجاه التيار العلماني والنسوي التقليدي(16)، ويجد هذا الاتجاه أسانيد ومبررات فكرية وعملية له سواء في واقع المرأة المسلمة المتدهور الراهن أو في جانب من الفقه الإسلامي التقليدي الذي قدم رؤية شديدة المحافظة عن المرأة باعتبارها رؤية الإسلام.
والاتجاه الثاني: هو الإسلامي التأصيلي التجديدي، الذي انطلق من الأصول مقدمًا رؤية تأصيلية تبرز حقوق المرأة في الإسلام، استجابة للتحديات ودحضًا للاتهامات المتولدة من الاتجاه الأول(17).
والاتجاه الثالث: هو الإسلامي من مدخل اجتماعي سياسي، والذي انطلق من رؤية حضارية أكثر اتساعًا من الرؤى الفقهية سواء التقليدية أو الحديثة. وهو الاتجاه الذي تناول وضع المرأة المسلمة من رؤية نقد ذاتي ولكنه يتمسك في نفس الوقت بالمرجعية الإسلامية مقارنة بمرجعية الأمم المتحدة، ومن ثم بإمكانية التغيير من منظور حضاري إسلامي وليس من منظور نسوى علماني(18).
3– إن الاستعراض السريع السابق لخريطة صعود دراسة كل من “التاريخ الإسلامي”، والمرأة” ، يستوجب تلقائياً التساؤل التالي: ما الرابط بين هذين البعدين؟ وتتلخص الإجابة في عبارة وجيزة ورصينة هي شعار جمعية دراسات المرأة والحضارة، وهي مِن نَحْت أ.د. منى أبو الفضل – رئيسة هذه الجمعية وأستاذ النظرية السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية، جامعة القاهرة– والمؤصلة لمفهوم المنظور الحضاري في العلوم السياسية، وفي مجال دراسات المرأة بصفة خاصة. وهذه العبارة هي: “الأم والأمة صنوان وما بينهما وثاقه يشد الأصل إلى الفرع، وعلى منواله تنسج العمارة التي هي روح الحضارة”(19).
وتقع هذه العبارة في قلب منظور حضاري لتشخيص وتفسير ومعالجة مشكلات المرأة دون انفصال عن المجتمع والأمة. وهو المنظور الذي يقوم على أن قضية المرأة لم ولن تنفصل عن قضية الأمة عبر تاريخها وما تعاقب عليها من إنجازات ثم تحديات وتهديدات داخلية وخارجية. ولذا، فإن مراجعات تاريخ قضية المرأة هي مراجعات في تاريخ الأمة من زوايا مختلفة ومتنوعة. ومن ثم فإن مداخل تغيير وضع المرأة لا تنفصل عن مداخل تغيير وضع الأمة الراهن برمته، فعلى سبيل المثال: إذا كان الجدال الفكري والسياسي حول سبيل الإصلاح في الأمة يطرح إشكاليات العلاقة بين الإسلام وكل من الديموقراطية وحقوق الإنسان، والتسامح والتطرف، والجهاد – الإرهاب – المقاومة، التخلف والتنمية، التغيير الاجتماعي والثقافي، فإننا نجد أن المرأة يتم استدعاء دراستها منفصلة عن هذه السياقات في حين أن قضية المرأة – من منظور حضاري – تقع في قلب هذه السياقات ولا يمكن فصلها عنها .
ومن ناحية أخرى، نجد أن التاريخ يتم استدعاؤه – من مداخل مختلفة- وبإثارة إشكالية العلاقة بين الأصول وبين التاريخ وبين الواقع لدرجة دفعت للتساؤل: كيف يمكن أن يصبح التاريخ حكمًا على النص؟ ولماذا توجد الفجوة بين النص والواقع، وكيف يمكن تفسيرها؟
وهذا الاستدعاء للتاريخ وهذه الإثارة لتلك الإشكالية تختلف حولها منظورات دراسة أوضاع المرأة.
4- إذن ما هي خريطة هذه الأوضاع الراهنة للمرأة؟ وكيف تمثل مرآة لأوضاع الأمة سواء عند تفسيرها أو تحديد سبل علاجها؟ وكيف يفيد التاريخ في دراستها ؟
يمكنني على ضوء خبرة عقد (1997-2007) من البحث والنقاش والحوار حول المرأة وبصفتي أستاذة علاقات دولية، أن أرسم خريطة وضع المرأة المسلمة على شبكة العلاقات الدولية للأمة الإسلامية. وتتضمن هذه الخريطة المحاور التالية(20):
أ) المرأة والصراعات المسلحة:
- حماية المرأة ذريعة من ذرائع التدخل العسكري (في مثل: أفغانستان، دارفور).
- المرأة أداة من أدوات تنفيذ أهداف الحروب: الاغتصاب كعملية منظمة ومقصودة (البوسنة والهرسك): اغتصاب أمة وحضارة ومنظومة قيم.
- المرأة الاستشهادية: في فلسطين في ظل الاحتلال الاستيطاني.
- المرأة والمقاومة في لبنان.
- المرأة وأشباه الحروب الأهلية في ظل الاحتلال: (أفغانستان، العراق).
- المرأة وإعادة بناء الدول الممزقة (كوسوفا، العراق، أفغانستان، الشيشان،…)
ب) المرأة وتقنين مبادئ العولمة بواسطة الأمم المتحدة:
الاتفاقات والمعاهدات الدولية أسلوب من أساليب التدخل الخارجي في عملية التغيير المجتمعي والثقافي تحت شعارات الحرية والمساواة (حقوق الإنسان).
في مقابل العنف القسري ضد حقوق المرأة: الحجاب في فرنسا وتونس وتركيا، وتوظيف ما يسمى المسلمات المضطهدات … الشاهدات سلبًا على حكم الإسلام.
ج) المرأة في المجتمع المدني العالمي:
المرأة وحركات مناهضة العولمة، المرأة والعمل التطوعي ضد الفقر والعنف، الإيرانية الحاصلة على جائزة نوبل، الاهتمام العالمي بالداعيات الجدد من الفنانات المعتزلات، المرأة والوقف.
د) المرأة في حوار الأديان وحوار الثقافات:
حقوق المرأة في الإسلام والشبهات حولها ومقارنة بين وضع المرأة في العالم الإسلامي (مقابلة بين معنى التقدم وبين شبكات الاتجار بالمرأة في الإعلان والدعاية والفنون، ومقابلة أخرى بين أنماط وأسباب العنف الذي تتعرض له المرأة في الشرق والغرب).
هـ) المرأة وعملية التجديد المطلوب في الخطاب الدينى وفي الخطاب العلمانى على حد سواء:
إمامة المرأة المسلمة، نسب أبناء الزواج العرفي أو العلاقة غير المشروعة، زواج المسيار، تنصير المسلمات وإسلام المسيحيات.
و) المرأة في النظريات ساحة لاستكشاف دلالة الأنساق المعرفية المتقابلة: بين نظريات النوع والمنظور الحضاري والنسوية الإسلامية وبين النظرية النسوية للعلاقات الدولية.
توضح الخريطة السابقة ملامح من واقع الأمة الإسلامية على صعيد الفكر الدولي والحركة الدولية على حد سواء. وإذا بحثنا في تفاصيل بنود هذه الخريطة يتضح لنا بروز وضع المرأة بين التحديات التي تواجه الأمة الإسلامية في ظل صعود خطورة التحديات الخارجية ذات الأبعاد الثقافية – الحضارية (في تفاعلها وتشابكها مع نظائرها السياسية والاقتصادية والعسكرية) وهي التحديات التي تبين قدر ما أضحى عليه حجم ونوع الاختراق الخارجي. وجميع هذه المشاكل والتحديات تطرح جدلاً بين المنظورات الحضارية المتقابلة (العلمانية والإسلامية) وهو جدل يستدعي – كما سبق القول: التاريخ، وإشكالية العلاقة بين النص والتاريخ والواقع، وذلك عند تناول القضايا الفرعية المنبثقة عن محاور هذه الخريطة. وهي قضايا تتصل بوضع المرأة كإنسان في سياقها الأسرى والمجتمعي. ويمكن تصنيفها إلى الفئات التالية:
الحقوق: حق التعليم، العمل، الولاية، القضاء.
الواجبات : الجهاد، الوقف والعمل الطوعي، المشاركة السياسية .
التحديات : العنف، التنصير، التهميش، الاتجار بالجسد.
كذلك بالطبع هناك من القضايا التي تتصل بصفتها امرأة مثل: النكاح، الطلاق، الميراث، الشهادة، القوامة، والضرب.
ومجموعتا القضايا هذه -المرأة كإنسان والمرأة كنوع- تعرضت أحكام ومواقف الشريعة الإسلامية منها إلى كثير من النقد والتشكيك والتفكيك، ليس فقط في نطاق الدراسات الاستشراقية التقليدية المليئة بالشبهات ضد موقف الإسلام من المرأة، ولكن أيضًا في جيل الدراسات الاستشراقية الحديثة. وجميعها لا تنتقد فقط ممارسات المسلمين وفهمهم للإسلام، ولكن أضحت تمتد وبقوة لتشكيك المسلمين في دينهم وفي سلامة شريعتهم وفي مصداقية قرءانهم. وجميع هذه الدراسات الاستشراقية والجهود الدولية والمواقف السياسية قادت الكثير من مراكز البحث والرأي في العالم العربي والإسلامي إلى ما يلي(21):
من ناحية: التحذير من الجهود المنظمة في الغرب والدؤوبة في هذا الاتجاه، ومن ثم التنبيه من ناحية أخرى، إلى أن تطور الدراسات المعاصرة عن المرأة في الإسلام وفي العالم الإسلامي، سواء بأقلام غربية أو بأقلام مسلمة وسواء على نطاق جناح حركات المرأة أو على نطاق الجناح الفكري الأكاديمي، إنما تتركز خارج المجتمعات المسلمة ومنطلقةً من مداخل فكرية ونظرية “غير إسلامية”. ومن ناحية ثالثة: الدعوة إلى تطوير دراسات المرأة في الأكاديميا في العالم الإسلامي وانطلاقًا من إشكاليات الداخل ومن منظور حضاري.
والمنظور الحضاري هو منظور ينفتح على التراث والوعي التاريخي الذي يلعب دورًا مهمًا في تشكيل الأفكار المعاصرة حول المرأة، كما يؤكد الرابطة بين الماضي والحاضر وبين القيم والماديات وبين الوحي والعلم، وفى هذا الإطار تمثل الرؤية الحضارية أهمية خاصة في تحليل وتفسير المشكلات المعاصرة من جانب، وفى تحديد الهوية والمسار المستقبلي من جانب آخر، كما أن الهدف من هذه الرؤية مزدوج؛ إنصاف المرأة من جانب، وحماية الأسرة والبناء الاجتماعي من جانب آخر، حيث إن إصلاح واقع المرأة هو أحد الشروط الأساسية لإصلاح واقع الأمة، وإن المرأة مدخل أساسي من مداخل التغيير والإصلاح الاجتماعي والتنمية (22).
وهذا المنظور يسعى إلى بيان كيف أن دور المرأة في صدر الإسلام كان قائمًا وسائدًا وشاهدًا ثم حدث التراجع في هذا الدور خلال الخبرة الإسلامية تحت تأثير مجموعة من العوامل المتفرقة. ومن ثم بيان حقيقة المفارقة الصارخة في أن تأتى الدعوة للإصلاح والتمدن – وفى قلبها تحرير وضع المرأة وإصلاحه – من الغرب، في حين أن أحد أهداف الغرب في الرجوع إلى تاريخه حول المرأة هو رد الاعتبار لهذا الوضع في منشأ الحضارة الغربية الحديثة؛ حيث لم يكن هناك دورًا للمرأة. بعبارة أخرى، فإن الهدف المطلوب يتعدى مجرد الحاجة إلى ردود جزئية على قضايا جزئية تتعلق برؤية الغرب لوضع المرأة في الإسلام، بل إن الأمر أكبر من هذا، حيث إن الحاجة ماسة إلى بناء منظور إسلامي تصحيحي وأصيل (23).
الجزء الثاني: توظيف التاريخ الإسلامي: إشكاليات منهاجية وخريطة نماذج، وعوامل تفسيرية:
إذن كيف يمكن توظيف التاريخ الإسلامي – سواء من خلال استدعاء خبراته أو قراءة نقدية له– في الجدالات بين المنظورات الغربية والمنظور الحضاري حول وضع المرأة المسلمة كمدخل من مداخل التغيير؟ وكيف يمكن أن يستعين به الباحث المسلم الذي ينطلق من منظور حضاري لدراسة هذا الوضع الراهن للمرأة المسلمة؟ إن تناول الدلالات النظرية لأبعاد دراسة تطور وضع المرأة في التاريخ الإسلامي يقتضى التوقف عند مجموعة من الملاحظات المنهاجية تلخصها المجموعات الثلاثة من الأسئلة التالية:
المجموعة الأولى: كيف تحقق الاستعانة بالتاريخ تقديم رؤية كلية لقضية المرأة علاجًا للجزئية التي تقع فيها الدراسات الغربية؟ بل وكيف يمكن أن تقدم سندًا لإعادة تعريف مفهوم “قضية المرأة” ذاته؟
المجموعة الثانية:
1- كيف يجب قراءة الوقائع والأحداث التاريخية المتصلة بالمرأة وتقييمها أو نقدها ذاتيًا؟
2- كيف يتم الربط بين الأصول (القرءان والسنة) وبين تطور الممارسات عبر التاريخ؟ أي كيف نقرأ تطور الواقع على ضوء النص والسنة؟
3- ثم كيف يمكن إسقاط النتائج والدلالات على الواقع؟
المجموعة الثالثة:
كيف نصف مسار تطور وضع المرأة في التاريخ الإسلامي وكيف نفسره؟ ومن ثم ما الوضع الخاص للمرحلة من الصدر النبوي وحتى الخلافة العباسية (موضوع المؤتمر)؟ وما الجديد في المراحل التالية من التاريخ الإسلامي؟
المجموعة الأولى: أهمية استدعاء التاريخ (الفقه، المؤسسات، الممارسات) ضمن بناء رؤية كلية وشاملة من منظور حضاري إسلامي عن المرأة؟
كان التاريخ حاضرًا في الجهود الفكرية والنظرية الاجتهادية الساعية لتقديم منظور حضاري للمرأة مقارنًا مع المنظورات الغربية وانطلاقًا من اختلاف الأنساق المعرفية، أي اختلاف النسق المعرفي الإسلامي والنسق المعرفي الغربي، فإجمالاً: خصائص المنظورات الغربية – النسوية التقليدية وحركة تحرير المرأة تتلخص في الآتي(24):
– الوضعية الفلسفية (فصل الدين عن المجال العام برمته)، تقديم المادي والاقتصادي والفرداني مقابل نقص المعنوي والقيمي والجمعي.
– الاختزالية الجزئية (الاقتطاع من السياق العمراني الحضاري، وعدم الاهتمام بالمرأة كظاهرة اجتماعية إنسانية مركبة).
– العولمة على المثال الغربي (بعيدًا عن خصائص البيئة والتقاليد الثقافية والاجتماعية)، وهذه الخصائص يعبِّر عنها مضمون مفهوميّ الحرية والمساواة في تعريف التجربة الغربية.
فعلى سبيل المثال وليس الحصر، يمكن معاينة الخصائص السابقة في التعبيرات التالية التي يعرفها الخطاب العولمي (المتطرف، اللاإنساني، اللاحقوقي) عن المرأة:
– النظر إلى الدين كمعوِّق لنمو المرأة، فالحجاب بالضرورة –على ذلك- تهميش وعزل.
– الفردية المطلقة والحرية الكاملة ورفض توصيف المرأة بنسبة كونها أُمًا أو زوجة أو أختًا أو ابنةً.
– الحط من دور المرأة في الأسرة أو في “النشاط بدون مقابل مادي نقدي”؛ حيث أضحى العمل خارج المنزل وبأجر هو أساس تأكيد الاستقلالية وأساس المكانة.
– المعنى الشكلي لشعار المساواة في المجتمعات الفقيرة، فكيف يمكن أن تتحقق المساواة ومع مَن في ظل التخلف وتدهور مستوى الحياة الذي يعم كافة مناحي وأطراف المجتمع؟!
– وبالمثل، فإن المشاركة السياسية محل الاهتمام ليست إلا مفهومًا ضيقًا محدودًا، يقصر المشاركة المطلوبة للمرأة على حق الترشيح والانتخاب وتولى المناصب العليا، في حين أن مجتمعاتنا تعانى من أزمة مشاركة سياسية بنيوية عامة ليست مقتصرة على المرأة، ولكن يعانى منها كل أطراف المجتمع وقواه الأساسية أيضًا وبالأساس. هذا فضلاً عن أن المشاركة يمكن أن تتخذ معنى أكثر اتساعًا يمتد للمشاركة في فاعليات المجتمع المدني والأهلي، وفي المجال العام بكل مساحاته، وليس فقط في النظام السياسي.
– ظهور مفاهيم وخطابات جديدة ومراوغة و”لزجة” لم يكن يعرفها الخطاب العربي والإسلامي، مثل: الحقوق الإنجابية، الثقافة الجنسية، يتم كشف مغزاها رويدًا رويدًا لتعنى حرية الجنس والجسد، وبما يفكك عرى الأسرة كوحدة تأسيسية في الكيان الاجتماعي الحضاري.
وهذه الخصائص ارتكنت إليها الرؤى الغربية سواء الفكرية أو الحركية أو الرسمية خلال معاركها الفكرية والسياسية حول المرأة مع الإسلاميين على ساحة العالم الإسلامي.
ومن ثم، فإن هذه الخصائص – العاكسة للنموذج المعرفي الغربي بصفة عامة وحول قضية المرأة بصفة خاصة- إنما تطرح قضية المرأة باعتبارها – وكما تقول أ.د. منى أبو الفضل في بحثها القيم عن مراجعة قضية المرأة من منظور إسلامي(25)– قضية حداثة في مواجهة التقليدية؛ أي قضية تحرير المرأة من القهر المنظم الذي يجعلها تابعة لاستبداد الرجل، وأن هذا القهر والاستبداد ساعد عليه ومكَّن له نظام مجتمعي يُكرِّس سيطرة الرجل، ومن ثم فإن قضية المرأة على هذا النحو، وفق د. منى أبو الفضل، أضحت قضية حداثة. أي قضية ترتبط بالفردية حيث يزداد وعى المرأة بفرديتها فتسمو مطالبها تجاه المجتمع، كذلك لا يصبح هناك أمر ثابت أو معطى ولذا يصبح كلُ شيء معرضًا للتغيير ووفق نطاق واسع من الاحتمالات.
وعلى العكس، فإن وجود منظور حضاري إسلامي لقضية المرأة وفق تأصيل د. منى في هذه الدراسة لابد وأن يدحض خصائصها الحداثية على أساس أن وضع المرأة ودورها في المجتمع هو جزء مندمج وأساسي في المجتمع، ومن ثم فإن الأمر الأساسي عند تحديد وضع المرأة في مجتمع ما ليس درجة قبوله أو رفضه ولكن مصدر هذا الدور وهذه الحقوق وشرعيتها، وكذلك المفاهيم عن المساواة السائدة عبر زمان أو مكان محدد. ومن ثم، فإن طرح د.منى أبو الفضل –في نفس الدراسة- ومن خلال النظر إلى طبيعة المجتمعات الإسلامية تاريخيًا مقارنة بخبرات غيرها ومع استدعاء المنظور التوحيدي يقُودَها (26) إلى: أن قضية المرأة ليست قضية فردية تحريرية، ولكنها تمتد لتضم الجماعة ابتداء من الأسرة. ومن ثم فإن دور المرأة الممتد خارج هذه النواة أو المقيد في داخلها يجب تناوله في نطاق سياقه الواسع ومفاهيم التبادلية والاستمرارية في هذا السياق. ولقد راكمت د. منى على هذا الطرح طوال عقدين وحتى الآن(27).
وبالمثل، فإن جهدًا علميًا – لا يقل جدية وأهمية – تزامن في صدوره مع بداية تأصيل أطروحات د. منى أبو الفضل، ولكن جاء الطرح هذه المرة في بداية التسعينيات من باحثة شابة واعدة وهي د. هبة رءوف، حيث إن دراستها عن “المرأة والعمل السياسي من رؤية إسلامية” انطلقت من الإطار المعرفي الإسلامي إلى دائرة الأمة ثم دائرة الأسرة، وقدمت رؤية لمفهوم الدور السياسي لا تنحصر في الدوائر التقليدية الخاصة بالانتخابات وغيرها، ولكن تتمحور أيضًا حول الدور على صعيد الأسرة والمجتمع كما لم تسقط في النزعة الفردية في فهم الحقوق ولكن أقامت رؤيتها في إطار التكوين المؤسسي للمجتمع وما للمرأة من صلاحيات شرعية ووظائف اجتماعية(28).
هذان نموذجان لباحثين وإن انتميا إلى دائرة العلوم السياسية، إلا أنهما كانا انطلاقًا من إطار معرفي إسلامي وتجسيدًا للمنظور الحضاري الذي يتكامل على صعيده الأصل مع التاريخ مع الواقع؛ الأولى قدمت خطابًا موجهًا للغرب ناقدًا ومتفاعلاً مع أطروحاته، وذلك على ضوء المشروع الفكري والنظري الممتد في قراءة ونقد المشروع الغربي، والثانية فإنها وفق طارق البشرى عند تقديمه لكتابها، قال عنها: “إنها رغم إطلاعها على أدب الغرب واستفادتها منه إلا أنها تقدم نوعًا من الخطاب الإسلامي الذاتي أو الحوار الداخلي، فهي مُعدَّة ومكتوبة ليقرأها ويتفاعل معها في الأساس من يعتبرون الإسلام هو وطنهم الفكري مهما كانت أهمية حصيلتهم المعرفية من فكر الغرب”، ولذا قال البشرى: “إن هبة رءوف من مثيرات التفاعل داخل الفكر الإسلامي وليست من حراس الحدود”. ولذا فإن القيمة العلمية لدراسة هبة رءوف هذه، تساهم في الجدال البيني في دائرة الفكر الإسلامي، أي بين تياراته التقليدية والتجديدية (المسماة بالحداثية). ولكن كلاً من الأستاذة والباحثة الشابة في دراستهما النظرية لم يكتفيا بالجانب الفقهي الشرعي بل تغذيا على الفكر والنظرية الاجتماعية واستدعيا التاريخ (ممارسة، وفقهًا، ومؤسسات) ابتداءً من النسق القياسي لصدر الرسالة مع الرسول r وخلفائه الراشدين وامتدادًا إلى عصور الإسلام التالية، على أساس أن التجديد يفترض إعادة تعريف المفاهيم وإعادة صياغة السؤال الحضاري التراثي، فكرًا وممارسة؛ لأن التراث ليس فكرًا فقط ولكن أيضًا ممارسات عبر التاريخ.
ومما لاشك فيه، أنه يمكن إضافة نماذج أخرى – من نفس الحقل- أو من حقول معرفية أخرى اجتهدت بدورها في تقديم رؤية كلية عن وضع المرأة – إلا أننا نكتفي بهما كمثالين عن تيار ثرى في هذا المجال، وإن تنوعت اقتراباته ومداخله(29).
المجموعة الثانية: الإشكاليات المنهاجية لاستدعاء تاريخ المرأة وخريطة النماذج في مجالات الاستدعاء:
إذا كان استدعاء التاريخ بمجالاته ضرورة في عملية بناء رؤية كلية إسلامية عن وضع المرأة من جانب وفي ترابطه وتفاعله مع وضع الأمة من جانب آخر، إلا أنه يبقى معرفة كيف؟ وهل هذه الكيفية، تتسم بخصوصية مقارنة بمحاولات إعادة قراءة التاريخ في عمومه أو في مجال محدد (مثل العلاقات الدولية)(30)؟ وما هي منهاجية هذه القراءة ومشاكلها في تاريخ المرأة أو في وضع المرأة عبر التاريخ الإسلامي أو في تاريخ المرأة؟
إن الأسئلة السابقة تطرح عدة إشكاليات :
الأولى: عن الغاية: هل للمرأة تاريخ منفصل أم مندمج مع تواريخ الأمة النوعية الأخرى؟
الثانية: ما أسباب تناسي أو تغافل التواريخ الإسلامية الكبرى عن “المرأة”؟ وما قدر هذا التناسي أو التغافل؟
وحيث إن هذه أسئلة تمثل محور أعمال شاملة، فنكتفي في هذا الموضع بالإحالة إلى إسهام بعض المتخصصات في هذا المجال، مركزين على الدلالات الأساسية وليس التفاصيل، علمًا بأن مناقشة بعض الإشكاليات المنهاجية لابد وأن تقودنا إلى خريطة نماذج النساء.
الإشكالية المنهاجية الأولى: كيفية وغاية البحث عن تاريخ المرأة:
هنا نتوقف عند إسهام د. أميمة أبو بكر(31) حول هذه الإشكالية الذي يناقش السؤال التالي: هل المقصود هو إعادة قراءة التاريخ أو إعادة كتابته من وجهة نظر المرأة، أم هل للمرأة تاريخ منفصل يجب البحث فيه لإضافة حلقات مفقودة في السرديات التاريخية التي أغفلت إسهام النساء؟ سواء من أجل إعادة بناء دور المرأة كفاعلة استكمالاً لكل عناصر التاريخ الإنساني؟ أو لأن المطلوب هو أمرٌ آخر؟
في الواقع فإن طرح د. أميمة أبو بكر ينطلق من فرضية كامنة، لم تفصح عنها – وهي أنه إذا كنا نريد أن نتصدى لشكوك العلمانية والنسوية فهل نقع في نفس الخطأ بالتركيز على تاريخ المرأة منفصلاً أو نقتطعه من سياقه الكلي، أي تاريخ الأسر والمجتمعات على صعيد الأمة؟
ونجد أن أطروحات د. أميمة أبو بكر تتراكم لتقدم إجابة واضحة بالنفي، ومن ثم تقدم رؤية عمرانية كلية عن كيفية استدعاء تاريخ المرأة. فهي تبدأ من نماذج أعمال غربية أعادت قراءة تاريخ المرأة الغربية لتدحض مقولات شائعة وأحكام وتصورات تقليدية، ومن ثم كان لهذه الأعمال الغربية تأثير كبير في مجال التطوير النظري حول مسألة التأريخ للنساء من ناحية، وإعادة كتابة التاريخ من وجهة نظر المرأة من ناحية أخرى. ومحصلة هذه الأعمال -وفق قراءة د. أميمة أبو بكر- هو محاولة تصحيح الاعتقاد بأن غالبية النساء كن خارج تاريخ العصور الوسطى الأوروبية، والدعوة من ناحية أخرى للخروج من المرجعيات التقليدية للسرد التاريخي ومن ثم تحليل طبيعة تجارب النساء الخاصة سواء الأسرية أو الاجتماعية التي لم تتأت بالمثل للرجال، ومن ثم الحاجة إلى معايير أخرى في الرصد والتصنيف والتقييم غير تلك المتبعة في حالات الرجال والتواريخ السياسية؛ نظرًا لاختلاف ديناميكيات الحيز العام والخاص بالنسبة للمرأة في العصور الوسطى عنه في عصور النهضة، حيث كانت تتسم بالمرونة في الأولى على عكس الانفصام الذي حدث بين الحيزين بعد ذلك منذ عصر النهضة، وما ارتبط بهذا الفصل من قيود على المرأة (قارن بعد ذلك مع رؤية د. رقية العلوانى عن تاريخ المرأة المسلمة).
ثم تنتقل د. أميمة إلى رسم خريطة اتجاهات دراسة تاريخ المرأة (أو مراحلها) وهي تحدد الأربعة التالية: الاتجاه الذي يبحث عن الدور المنسي لنساء كان لهن دور في تاريخ الحكم والسلطة مثل مشاهير الرجال، وذلك انطلاقًا من فرضية تقليدية وهي أن النساء لم يصنعن تاريخًا سياسيًا أو حربيًا. ولذا ظهرت أعمال تُسلِّط الضوء على المرأة بالذات لتضيفها إلى الذاكرة الجماعية (أعمال قدرية حسين، زينب فواز، ثم فاطمة المرنيسى).
الاتجاه الثاني: يبحث في الأسباب التي أدت إلى النسيان أو التناسي في التوثيق التاريخي عن المرأة وبالتالي في ذاكرة المجتمع، وهي الأسباب المتصلة بتحديد ما هو مهم (العام الرسمي) يستحق التدوين، وما هو غير مهم (العمل الأسري الخاص) ولا يستحق التدوين. ولذا لم يبرز في التواريخ الكبرى – ولو نادرًا- إلا النساء اللاتي لهن علاقة مباشرة مع دائرة السلطة والحكم والطبقة العليا سواء من نساء الخلفاء والسلاطين أو الجواري والأثرياء.
الاتجاه الثالث: الذي تصنفه د. أميمة، هو الذي يركز على المجالات الخاصة بأنشطة النساء والمقتصرة عليهن دون الرجال، ومن ثم دراستها سعيًا نحو تعزيز أهميتها ورفع قيمتها دحضًا للمنظور الذكوري التقليدي.
وأخيرًا، وإذا كانت الاتجاهات الثلاثة السابقة تُمثِّل استجابات سلبية للتحديات التي تفرضها المنظورات التقليدية المتغافلة أو المهملة عن قصد أو لا قصد لأدوار المرأة (العادية)، ومن ثم فهي تكرس النظرة النسوية أو العلمانية لتاريخ المرأة المسلمة، فإن الاتجاه الرابع الذي تقدمه د. أميمة أبو بكر هو الذي يترجم الافتراض الكامن في دراستها والسابق الإشارة إليه. حيث إنها ترى أن التيار الذي يجسد بحق الهدف من دراسة تاريخ المرأة هو التيار الساعي إلى “الدمج” وليس فقط الإضافة التابعة، وكذلك الساعي إلى بيان وجود مساحات واسعة من الحركة والفعالية في المجال العام وممارسة الحقوق القانونية الشرعية في المجتمعات العربية الإسلامية قبيل عصر التحديث والتي تقلصت مع بدايات التحديث في المجتمعات العربية والإسلامية الذي صاحب صك الدولة القومية محاكاةً للنموذج الغربي عن مؤسسات الدولة الحديثة وتأثرًا بالتدخل البريطاني خلال الاحتلال. بعبارة أخرى، فإن هذا التيار بتركيزه ،على هذا النحو، على المرأة في العصور الأقدم إنما -وفق دراسة د. أميمة أبو بكر لبعض نماذجه (أميرة سنبل، عفاف لطفى السيد، هدى لطفى)- يعالج قصورين: الندرة في دراسات المرأة خلال هذه العصور لصالح العصور الحديثة. ومن ناحية أخرى، دحض الافتراضات والتعميمات الخاطئة الناجمة عن تصورات الحداثة (الغربية) على طرف نقيض مع “التقليدية الإسلامية”. وهي الافتراضات الناجمة عن تطبيق معايير دراسة المجتمعات الحداثية (الغربية)على المجتمعات العربية الإسلامية مما أدى إلى أخطاء عديدة وخاصة في مجال فهم تاريخ المرأة، حيث إن بعض الدراسات تثبت أن المرأة في المجتمع الإسلامي التقليدي كانت نشطة إلى حد بعيد. سواء في الأحوال الشخصية والقانونية والعلاقات الاجتماعية أو النشاط التجاري والمالي والاستثماري. وأن التحولات التاريخية الحداثية في القرنين التاسع عشر والعشرين قد تسببت في تدهور القدرة على النشاط الاجتماعي خاصة بالنسبة للمرأة. ومن ثم، فإن الثقافة الوطنية العربية الإسلامية توافرت لديها مقومات التطور قبل قدوم الغرب، وكان هذا القدوم من معوقات تطورها.
بعبارة أخرى، فإن هذا التيار– في نظر د. أميمة أبو بكر- يحقق الآتي: أولاً: يرسم الصورة الكاملة غير المنقوصة لتاريخ الأمة عن طريق تضفير (جَدْل) تاريخ المرأة مع التاريخ العام. ثانياً: دمج التاريخ الاجتماعي والثقافي وأسئلته وإشكالياته مع التاريخ السياسي الرسمي. ثالثاً: نقد الحداثة أو على الأقل إعادة النظر في فرضياتها ومعطياتها على الأخص ما يتعلق بحياة النساء في المجتمعات الإسلامية والخطابات الثقافية التي تشكلت بشأنها.
الإشكالية المنهاجية الثانية: تبرز من ثنايا مناقشة الإشكالية الأولى، وتستدعى أهمية المقارنة بين التواريخ الإسلامية الكبرى والتواريخ الأوربية الكبرى للعصور المختلفة، وهي تدور حول أسباب وقدر إسقاط ما يتصل بتاريخ المرأة. ونكتفي في هذا الموضع بالإشارة إلى الاتجاهات التالية حول هذه الإشكالية في كتابة التاريخ الإسلامي(32):
الاتجاه الأول: يرى أن مساحات “الغياب الضخمة وليس التواجد – باستثناء نساء الخلفاء والسلاطين والجواري- مرجعها أن التاريخ الإسلامي تاريخ “ذكوري”، أي يعكس مواقف التيار الفقهي التقليدي الإسلامي في النظر لوضع المرأة.
الاتجاه الثاني: يرى أن كتب في التاريخ الإسلامي – مثل السخاوى وبن سعد والزركشى- بها أسماء لأكثر من700 شخصية من الشخصيات النسائية. إلا أن سبب عدم حضور المرأة في التواريخ الإسلامية بصفة عامة هو أن هذا التاريخ هو تاريخ غزوات وحروب وليس تاريخ حضارة ومجتمع، فضلًا عن محدودية ممارسة الدور العام أصلًا في العصور القديمة، ولذا فإن التواريخ كانت تواريخ أسر الحكم والملك.
ويجدر الإشارة إلى أن هذه السمة لا تقتصر على وضع المرأة فقط؛ حيث إن من أهم الانتقادات العامة للتواريخ الإسلامية العامة الكبرى أنها تواريخ سياسية عسكرية بالأساس وليست تواريخ اجتماعية واقتصادية وثقافية، وهذه انتقادات يقدمها دارسو التاريخ الإسلامي من مداخل ومجالات معرفية أخرى (وليس دراسات المرأة فقط) مثل العلاقات الدولية(33)، وهناك دعوات لإعادة قراءة التاريخ الإسلامي للاستفادة في التنظير حول قضايا أخرى مثل قضية المساواة والحرية والعدالة والتعددية في مجتمعاتنا العربية والإسلامية عبر التاريخ(34).
الاتجاه الثالث: يحاول تخطى هذه الثنائية الاستقطابية بين الاتجاه الأول والاتجاه الثاني وذلك بتقديم قراءة جديدة تأصيلية عن أسباب ما يبدو أنه محدودية لوضع المرأة في كتابة التاريخ الإسلامي.
ومن النماذج على ذلك الاتجاه ورقة عمل عن مشروع بحثي حول المرأة في التاريخ الإسلامي أعدته جمعية دراسات المرأة والحضارة(35).
وتناقش هذه الورقة كيفية التثبُّت من صحة أو عدم صحة الافتراض المستبطن في مقولة: إن مصادر التاريخ الإسلامي أغفلت النساء، وهو الافتراض بأن تدوين هذا التاريخ حكمته نزعة ذكورية. ويرى هذا المشروع أن هذا التثبت يتطلب ضرورة معرفية في التعرف على الإطار المرجعي الحاكم الذي أسهم في تشكيل رؤية المؤرخين المسلمين للتاريخ وغاية العملية التاريخية، وكذا الوقوف على الضوابط المنهاجية التي حكمت عملية التدوين التاريخي الإسلامي ودفعت لكتابته على النحو الذي عُرِف به. ولا تقتصر تلك الضرورة، وفق هذا الاتجاه، عند حدود التثبت من صحة هذا الافتراض أو ذاك – على أهميتها– وإنما تمتد بالأساس إلى تسليط الضوء على المنطلقات التي حكمت التصورات الذهنية وسيَّرت الحوادث في العصور الإسلامية. وضمن هذا الإطار يمكن التعرف على مواقع فاعلية المرأة المسلمة، وبيان الوزن النسبي لهذا الحضور في إطار تاريخ الأمة/ الجماعة ككل. وأيضًا معرفة الضوابط التي حكمت حركة المرأة على مسرح التاريخ العربي وجعلت المؤرخ المسلم يتحرج في ذكر مواضع معينة من هذا التاريخ. ويرى هذا الاتجاه أنه دون الرجوع إلى هذا الإطار الكلي سيبدو تناول تاريخ المرأة المسلمة بمثابة اقتطاع ظاهرة تاريخية وتناول لتاريخ فئة اجتماعية محددة بمعزل عن السياقات الثقافية والاجتماعية والاقتصادية المتشابكة معها، وهو ما يكرس الرؤية التجزيئية للتاريخ الإسلامي وينفى وحدته العضوية الكاملة.
من ثم، فإن هذا المشروع يسجل مجموعة سمات للمنظور الحضاري للتاريخ بصفة عامة، والتي لابد وأن تنعكس على وضع المرأة في التدوين التاريخي وفقًا لهذا المنظور. أولاً: يربط هذا الاتجاه بين مفهوم التاريخ لدى المؤرخين وبين منهاجية التدوين التاريخي آنذاك ومن ثم يرى أن جميعهم تأثَّر بفكرة التاريخ كما وردت في القرآن الكريم والتي تستند بالأساس على مفهوم الاستخلاف للإنسان من ناحية، وعلى مفهوم السنن التي تضبط دور خيارات الإنسان وتحدد إطارها حتى لا تسير بشكل عشوائي من ناحية أخرى. ولذا، فإن جوهر العملية التاريخية وفقًا للرؤية التوحيدية المعرفية تتضمن التشابك بين الفاعلية البشرية وبين السنن الربانية(36)، ولذا فإن التاريخ ليس مقدسًا كما ذهب إلى ذلك الفكر المسيحي الوسيط (مدينة الله للقديس أوغسطين).
ثانيًا: إذا كان التوكيد على فاعلية العنصر البشرى أحد أبرز خصائص المنظور التوحيدي الحضاري، فإنه يتسم أيضًا بإبرازه المكون الأخلاقي للحدث التاريخي، حيث يؤكد القرآن الكريم على التلازم العضوي بين المبدأ الأخلاقي والفعل التاريخي الناجح، فإذا انتفى المبدأ الأخلاقي لم يُكتَب للفعل التاريخي النجاح والاستمرارية حتى وإن كان مؤيدًا بالقوة المادية.
وعلى جانب آخر، فإن الغاية الأخلاقية للقصص القرآني تتناقض مع فكرة عبثية التاريخ والنزعة التشاؤمية والعبثية واللاجدوى، وتتناقض هذه الفكرة مع ما ذهب إليه المنظور الحضاري من أن التاريخ تحكمه نزعة تحسينية واضحة، فمتى تزايد الامتثال لأوامر الله والابتعاد عن نواهيه ازدادت أحوال البشرية تحسنًا(37) وهو ما يؤكده القصص القرآني الذي لا يدع مجالاً للشك بأن اتجاه التاريخ يجرى باستمرار نحو الحق والخير.
ثالثاً : سمة أخرى تسم المنظور الحضاري وتمنحه تفرده وتميزه، وهي أنه يعد الدين، لا السياسة، محورًا ومدارًا لحركة التاريخ. وهو ما يعنى أمرين: الأول، استمرارية التاريخ، تلك الاستمرارية المستمدة من أبدية الدين وخلوده، وتلاحمه الوثيق مع الوجود الإنساني على سطح الأرض. والثاني، تجفيف فكرة البطولة الأحادية، ونزع القداسة عن البطل الفردي ودوره المبالغ فيه، وهو ما يعنى إفساح المجال لأن يكون التاريخ من صنع الجماعة، ذلك أن الدين في جوهره فكرة جماعية لا يمكن قط أن تترجم وتتخذ أبعادها إلا من خلال تمثلها من قبل جماعة ما، والأديان جميعها تحققت بمؤازرة المؤمنين لأنبياء الله الذين بشروا بها، وقد انعكست تلك الحقيقة في رؤية المؤرخين المسلمين لتاريخهم حيث عدُّوه تاريخًا للأمة بأسرها.
وترى الورقة التي ننقل عنها أن التدوين التاريخي للفئات الاجتماعية البعيدة عن السلطة كان يتم في إطار تلك الدائرة، ومن خلالها يتم اكتشاف مدى الفاعلية والحيوية التي اتسمت بها هذه الفئات ومقدار تفاعلها مع قضايا الأمة، وضمن تلك الدائرة تم رصد أدوار النساء في الحياة الاجتماعية والثقافية، واتساع رقعة المساحة التي أفردت للمرأة تدفع للتشكيك في مصداقية الادعاء الخاص بوجود تهميش عمدي لدور المرأة في المدونات التاريخية، إذ لو كان هذا الادعاء صحيحًا لتم إقصاؤها من كتب الطبقات أيضًا.
رابعًا: تأثرت منهاجية الكتابة التاريخية بالوحي الغيبي باعتباره المصدر التأسيسي لمنهاجية العلوم الإسلامية ككل، فقد استبطن المؤرخ المسلم عن وعي وبصيرة نهج التعامل القرآني مع المرأة وأبرز خصائصه ومنها الإقرار بحقيقة وجود تباين نوعي بين أنماط الشخصيات النسائية من حيث الإقبال على الهدى أو الإعراض عنه.
واقتفى المؤرخ النهج القرءاني في التعاطي مع المرأة، واستخلص منه قاعدة منهاجية حكمت عملية التدوين التاريخي، فتخير من بين النماذج النسائية المتباينة ذوات الصلاح والمتفقهات في الدين، أو من شاركن بأموالهن في خدمة الأمة بوقف أو خلافه- باعتبار التلازم بين الأمة والدين مدار حركة التاريخ – وهؤلاء أفرد لهن مساحة وافرة في كتب التراجم والطبقات. في حين تعامل مع اللواتي حدن عن المنهاج القويم بقدر وافر من الاحتراز فتعرض لهن في إشارات إجمالية مقتضبة.
وهنا (ودائمًا وفق هذه الورقة التي ننقل عنها) يبدو المنظور الحضاري جليًا؛ ذلك أن المؤرخ لم يسقط في فخ رصد الإيجابيات وإغفال السلبيات المجتمعية وإنما يتعامل مع التاريخ باعتباره واقعًا بشريًا وليس مقدسًا، وفى ذات الوقت فإنه يكون قد ألح على إبراز المكون الأخلاقي باعتباره غاية العملية التاريخية كما نص عليها الذكر الحكيم.
خامساً: على جانب آخر، تأثرت منهاجية التدوين التاريخي بأسلوب الخطاب القرآني الذي ينقسم من منظور التخصيص والتعميم النوعي إلى قسمين(38): خطاب عام يندرج تحته غالب الخطاب القرآني وهو الذي يبدؤه البارئ بقوله: )يَا أَيُّهَا النَّاسُ[ أو )يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا[، أما الخطاب النوعي فيعد استثناء في القرآن ويأتي في معرض التصدي لقضايا نوعية بعينها.
وترجع أسباب غلبة الخطاب العام إلى أن القرآن لا يصنف المجتمع على أساس التمييز النوعي بل على أساس الموقف العقيدي. وقد ألقى الخطاب العام “مسلمين” في الإشارة إلى الجماعة المؤمنة إجمالًا ودون تخصيص، وحين التعرض للنص التاريخي يجب أن نكون مسلحين بهذا الفهم، فلا نقف أمام ظاهر الخطاب ونظن أن النساء استبعدن من التاريخ، فقد سُجلت مساهمتهن تحت صيغة الخطاب “مسلمين”.
والإعلان عن مشاركتها أو عدمه راجع إلى الإجمال أو التفصيل في سرد الوقائع التاريخية، أو أن المؤرخ ارتأى أن تواجدها أمر بدهي ومألوف فلم يشأ أن يفصل فيما هو معروف وبغير حاجة إلى تأكيد. وعلى أية حال كلما كان المؤرخ معني بواقعة محددة أو تاريخ مدينة بعينها كان أكثر تركيزًا وأقدر على منح القارئ تفصيلات وافية، وعندئذ نلمس حضورًا وفاعلية للمرأة لم تكن على ذات البروز والوضوح في كتب التاريخ العامة، وهو ما يستدعي من الباحثين بذل الجهد من أجل تتبع الواقعة أو الحدث في المؤلفات التاريخية المختلفة، في سبيل استقصاء وتبيان مواضع تلاحم المرأة مع قضايا أمتها، وإبراز هذا التلاحم واستلهامه في الواقع المعاش حاليًا.
خلاصة القول: إن فحص أبعاد هذه الإشكالية المنهاجية، المتصلة بمدى صحة أن إغفال وضع المرأة – قصدًا أو عمدًا – يعكس نزعة ذكورية، يستدعى الاهتمام – عند دراسة وضع المرأة في التاريخ الإسلامي – بالبحث في مصادر متنوعة والتنقيب في الوثائق غير المنشورة وغير المتداولة، والأهم هو صياغة الإطار النظري للقراءة أخذًا في الاعتبار حقيقة وطبيعة كل عصر من عصور التاريخ الإسلامي موضع الاهتمام، وعدم الاقتراب منه بمعايير ثقافات وحضارات أخرى أو بمعايير الاستشراق التقليدي والحديث. ومن ثم الاقتراب من تاريخ المرأة بمنهج استكشافي يترك الوثائق تتحدث عن نفسها، ناهيك عن الوعي بخصائص المنظور الحضاري للتاريخ. وسيتضح لنا ذلك الجانب بدرجة كبيرة عند الحديث عن دلالات خريطة نماذج النساء في تاريخ الإسلام، والتي اجتهدت في الكشف عنها أعمال بحثية رائدة من باحثين وكتاب مسلمين.
إذن ما خريطة هذه النماذج ؟ وما دلالة القراءة فيها؟
بالطبع ليس الغرض في هذا الموضع التحدث بالتفصيل عن هذه النماذج التي أفاضت فيها دراسات رائدة، ولكن الهدف هو رسم خريطة هذه النماذج والتعليق عليها من واقع القراءة فيما قدمته بعض هذه الدراسات، وذلك في محاولة لإلقاء الضوء على بعض أهم الإشكاليات المنهاجية للقراءة في هذه النماذج، على ضوء متطلبات الواقع الراهن، وخاصة تدعيم دراسات المرأة من داخل المنظور الحضاري الإسلامي في مقابل زخم الدراسات الغربية المتحيزة أو الموضوعية على حد سواء.
وسأقتصر هنا على دراستين فقط دون إسقاط أهمية دراسات أخرى في هذا المقام؛ نظرًا لتركيزهما على تصنيف النماذج التاريخية وليس مجرد استدعاء بعضها لضرب المثل على فكرة أو رؤية أو لشرح حديث أو حكم(39). أو التركيز على فترة تاريخية محددة(40).
فنجد د. أميمة أبو بكر(41) تصنف نماذج وحالات من تاريخ المرأة في المجتمعات الإسلامية في الآتي: المحدثات، الفقيهات والمفتيات، الطبيبات، العابدات، والصوفيات. والأهم في دراسة د. أميمة ليس التفاصيل أو الامتداد الزمني عبر عصور الإسلام ولكن ما أثارته من دلالات تفرض إعادة النظر في كثير من المسائل والقضايا المثارة حول وضع المرأة تاريخياً وحاليًا. ومنها:
انخراط المرأة في مجال تدريس العلوم الدينية دون مشكلة، التدريس للرجال دون حرج مع الإقرار بصفات العقل والدراية والفهم والوجاهة للمرأة المعلمة، ممارسة المرأة الإفتاء قبل مأسسة الإفتاء في العصر العثماني، الاختلاط في مجال المهنة والثقة في المرأة وعدم الاندهاش من انخراط المرأة في المجال العلمي وعدم صحة القول إنها لم تخرج للعمل إلا في العصر الحديث أوعدم صحة الدعوة للعودة إلى التقاليد الإسلامية الأصيلة بالمكوث في المنزل، المرأة العابدة الصوفية ليست منعزلة بل لها علاقة بالفضاء العام وذات حرية حركة وتنقل،…إلخ.
إن هذه الدلالات – التي طرحتها د. أميمة أبو بكر، إنما تنطلق من أمرين: أن ما بدا سمة ذكورية للتواريخ الإسلامية ليس صحيحًا، وإن إعادة قراءة تاريخ المرأة في وثائق جديدة لا يجب أن يفصلها عن سياقها المجتمعي العام.
وبالنظر في دراسة أكثر شمولية لامتدادها عبر التاريخ الإسلامي من عصر الرسالة وحتى العصر الحديث، نجد أن د. رقية العلواني(42) (متخصصة في العلوم الشرعية) قدمت تصنيفًا من مدخل التنمية. فلقد بحثت في دور المرأة في المجالات التنموية التالية: التنمية الثقافية (التعليم والتعلم والفقه)، التنمية الاقتصادية (من الميراث، حق العمل العمراني الاستخلافي، صنوف المهن بشرط الالتزام بالشرع وبمتطلبات واحتياجات الأسرة والمجتمع) التنمية الأسرية (الزواج، حقوق الزوجية)، التنمية السياسية (المبايعة، الهجرة، الجهاد) ونلحظ أن هذا التصنيف يمتد إلى مجالات الحقوق في تاريخ الفقه والسياسة والاجتماع والاقتصاد.
وإذا كانت د. رقية لم تطرح دلالات مباشرة عن هذه الأدوار للمرأة، سواء من حيث استكمال ما أغفلته التواريخ أو سواء الدلالة بالنسبة للواقع الراهن للمرأة، إلا أنها ركزت على شرح عوامل التطور في وضع المرأة من الفاعلية والتفعيل منذ عصر النبوة ثم عصور لاحقة له، وسنتوقف بالتفصيل عند هذا التفسير لاحقًا.
وتثور من قراءة د. رقية مجموعة من الدلالات والأسئلة ذات الصلة بالنقاش حول مدى ذكورية التواريخ الكبرى الإسلامية ورسميتها نظرًا لعدم تعرضها إلا لنساء السلاطين:
ما وزن السياسي بالمقارنة بالاجتماعي، لماذا برزت الشهيرات فقط ونساء الخلفاء والسلاطين والجواري؟ أين المرأة العادية؟ وهل يظهر دور تلك الأخيرة في مجال التعليم والعمل أكثر منه في السياسة والاقتصاد والحرب؟ وما درجة كثافة أدوار تلك المرأة العادية؟
هل تناول أدوار المرأة يأتي في نطاق الحديث عن حقوق المرأة، وماذا عن الواجبات والالتزامات؟ أليس المنظور الحضاري للإنسان يقرن بين الحق والواجب، بين القيمة والمادة؟
المجموعة الثالثة: بين التفسير المادي لتطور وضع المرأة المسلمة والتفسير الديني له:
إذا كانت المجموعة الثانية من الإشكاليات المنهاجية قد ناقشت أو فسرت أسباب غياب أو عدم إسقاط المرأة من التواريخ الإسلامية، فإن المجموعة الثالثة من الإشكاليات تتصدى لتفسير ما تم رصده من تطور لوضع المرأة عبر التاريخ الإسلامي، صعودًا أو هبوطًا، وفق منظورات مختلفة.
ولقد ركزت دراسات المرأة على وضع المرأة المسلمة في العصر الحديث. وبالتالي فإن تاريخ المرأة في العصور الإسلامية السابقة لم يحظَ باهتمام باستثناء العصر النبوي. ولذا فإن الصورة العامة لوضع المرأة المسلمة في العصر الحديث هي التي أفرزت حيثيات قضية المرأة باعتبارها قضية حداثة في مواجهة التقليدية.
ولذا، فإن دراسات رائدة – في منهاجيتها أو إشكالياتها أو غاياتها قدمت تفسيرات حداثية لوضع المرأة المسلمة وذلك بالتركيز على آثار مؤسسات وأطر ومفاهيم الدولة القومية على إحداث الفصل بين المجالين العام والخاص، في حين أن وضع المرأة المسلمة في بعض العصور الإسلامية (القرنان السادس عشر والسابع عشر الميلادي) لا تنطبق عليه التعميمات الاستشراقية حول الانفصال الكامل بين المجالين العام والخاص للمرأة سواء في الأحوال الشخصية أو النشاط التجاري والاستثماري(43). ويجدر ملاحظة أن دراسات نقدية للتاريخ الأوروبي، خلال مراجعاتها للمقولات الشائعة عن وضع المرأة في العصور الوسيطة قد قدمت نفس التفسيرات الحداثية المادية التي محورها أن وضع المرأة قبل العصور الحديثة، لم يكن بالجمود والتدهور المشاع عنه لدرجة أخرجت النساء من دائرة التاريخ، وأن ما حدث بعد ذلك في العصر الحديث من قيود اجتماعية وثقافية على المرأة قد حدث نتيجة الانفصام بين الحيز العام والحيز الخاص والذي لم تعرفه العصور الوسطى بنفس الصراع. وبالتالي، فإن تقسيم العام-الخاص في التاريخ الأوروبي الحديث اقترن بتحجيم دور النساء في دائرة الخاص، وارتباط دور الرجال بالمجال العام(44).
والملاحظ في مجموعتيِّ الدراسات هذه – سواء عن المرأة في التاريخ الإسلامي أو الغربي – أنها لم تلجأ إلى تفسيرات ذات أبعاد دينية ،أو بمعنى أدق تنطلق من مرجعية دينية ، سواء فقهية أو حضارية (بالنسبة للتاريخ الإسلامي).
وبالنظر إلى تاريخ المرأة المسلمة أساسًا سنتوقف عند مستويين من هذه التحليلات: المستوى الأول حضاري، والثاني فقهي.
لقد قدمت د. منى أبو الفضل في وقت مبكر (بداية التسعينيات) مراجعة للمفهوم الحداثي لقضية المرأة وذلك انطلاقًا من منظور حضاري إسلامي أي منظور توحيدي (كما سبقت الإشارة)(45).
وبقدر ما تعرض مفهوم المنظور الحضاري (الذي يستدعى التاريخ وفق منهاجية وغايات محددة) لانتقادات ومراجعات(46)، فلقد تعرض أيضًا مجال دراسات المرأة في الغرب لمراجعات لمفهوم النسوية ومدى انطباقه على المجتمعات العربية والإسلامية، انطلاقًا – كما تقول هدى الصدة(47)– من وعى التوجه النسوي- الحركي والفكري والعالمي- بأهمية تأثير خصوصية التحديات وارتباطها بالواقع الفعلي المعاش ومدى تدخل الهوية والانتماءات سواء في تحديد الأسئلة والأجندة أو توجيه الإجابات أو تشكيل أسلوب البحث.
ولذا، برز مصطلح أو مفهوم آخر أثار نقاشات أخرى وهو “النسوية الإسلامية”. وإذا كان البعض رفض هذا المفهوم مؤكدًا على ملاءمة منظور الحضاري، فإن البعض الآخر رأى أن “النسوية الإسلامية” تعنى المناداة بحقوق النساء من مرجعية إسلامية من ناحية، وانطلاقاً من مراجعة ونقد الحداثة الغربية من ناحية أخرى، ومن ثم فإن هذا المفهوم يتجاوز ثنائية النقيضين المتضادين وهما: النسوية الحداثية، والإسلام التقليدي، ناهيك عن أن استخدام الغرب مفهوم النسوية الإسلامية يعنى رفض أن يكون الإسلام يمثل خطرًا أو تهديدًا للغرب(48).
وفى المقابل، فإن دراسات أخرى استدعت أيضًا الأبعاد الدينية ولكن من منظور فقهي بالأساس– وخاصة للمقارنة بين وضع المرأة في الديانات السماوية الثلاث؛ من أجل تدعيم دراسة تطور وضع المرأة المسلمة عبر التاريخ الإسلامي، وجمعًا بين تطور خصائص الإطار الاجتماعي والسياسي المحيط وبين الأبعاد الدينية المقارنة(49).
ويجدر التوقف قليلًا عند دلالة قراءتي في دراسة د. رقية العلوانى – بالنسبة للعلاقة بين الأبعاد الدينية (الفقهية) والأبعاد الاجتماعية في تفسير تطور وضع المرأة المسلمة، مع استدعاء المقارنة بين الإسلام والمسيحية حول وضع المرأة. فإن قراءتي لهذا العمل الموسوعي قادتني إلى مجموعة من الاستنتاجات ذات الصلة المباشرة بموضوع المؤتمر-المقدمة فيه هذه الورقة البحثية- وبتساؤلي لماذا تركيزه على عصر النبوة وحتى العهد العباسي؟ وماذا عن بعد ذلك من عصور الإسلام وحتى الآن؟ ونلخص هذه الملاحظات فيما يلي:
– إن وضع المرأة وصورتها المتدنية في المسيحية واليهودية مسئولة عن ما أصاب هذا الوضع في العصور المسيحية السابقة على الحداثة، في حين أن الحداثة مسئولة بدورها عما أصاب المرأة الغربية من تدهور من نوع آخر.
في حين أن وضع المرأة وحقوقها في الإسلام كانا وراء صعود وازدهار دورها التنموي في كل المجالات في عصر الرسالة والخلافة الراشدة. ولذا يمكن القول، وفق قراءتي لد.رقية، إن عصر الرسالة هو عصر تأسيس حقوق المرأة وعصر الخلافة الراشدة هو الامتداد لتدعيم الاستجابات على نحو مَثَّل نقلة نوعية بالمقارنة بما قبل الإسلام.
ولكن، متى بدأ التدهور؟ وما مظاهره؟ وكيف كان ما يسمى “الفقه التقليدي عن المرأة”؟ ترى د. رقية(50) أنه إذا كان العصر الراشد لم يشهد تغيرًا واسعًا في وضع المرأة المسلمة التي حافظت على مقومات شخصيتها واستمرت في ممارسة دورها، إلا أن حركات الفتوحات الإسلامية أدخلت معها بعض مظاهر التغيير من دخول النساء والجواري غير العربيات مع بعض العادات الفارسية والبيزنطية، إلا أن الخليفة عمر- “… ورغبته في الحفاظ على تقاليد المجتمع الأول ورغبته في عدم إحداث نقلة سريعة أو طفرة فجائية في المجتمع والبيئة يمكن أن يكون لها آثار بعيدة المدى على المجتمع…- اتبع مجموعة من الإجراءات مثل تجميع الجند والفاتحين وعائلاتهم في مراكز معينة أضحت مدناً كبيرة فيما بعد.” وتقول د. رقية :” قام عمر بترسيخ قاعدة اجتماعية مهمة، هي محل نظر علماء الاجتماع المعاصرين: هل التحولات والتغيرات تتخذ صورة ثورية أم يلزم أن تكون تطورًا سلميًا متدرجًا؟”
إن اقتراب د. رقية السابق من بداية تطور وضع المرأة المسلمة عبر العصور الإسلامية ليبين ثلاثة أمور – تبلوروا بعد ذلك في أطروحاتها عن مسار العصور التالية- وهم: أن المرأة مدخل تغيير مجتمعي من ناحية، وأن التفاعل مع الآخر ” الثقافي والحضاري” يمثل عاملاً أساسيًا في هذا التغير من ناحية ثانية، وأن الرؤية والقدرة الذاتية تمثل عاملاً أساسيًا في إدارة مسار هذا التغيير وفي تحديد درجة تأثير هذا التفاعل ونمطه من ناحية ثالثة.
ومن ثم، وعبر عرض د. رقية لدور المرأة في العصر الأموي ثم العباسي ثم العثماني ثم الحديث، يمكن أن نستقرأ رؤية مفادها ومحورها أن تزايد التأثيرات الخارجية – دون القدرة على ضبط نتائجها مع تنامي حالة الدعة والرخاء- قد انعكست سلباً على أرض الواقع تحت تأثير عادات وتقاليد بيزنطية وفارسية، أو على صعيد الفقه (وخاصة تحت تأثير تسرب الإسرائيليات)، فنجد د. رقية في تقديم العصر الأموي تقول(51):
“.. ولعب الانفتاح الواسع على الأمم وأصحاب الحضارات والأديان السابقة – الناجم عن حركة الفتوحات الواسعة – دورًا مهمًا في تسريع عملية التغير في بنى المجتمع المسلم في ذلك العهد. فتقاليد البلاد المفتوحة لم تُلغَ بصورة نهائية سواء أكانت اجتماعية أو إدارية ونحوها. واستمرت تلك التقاليد والأعراف في تلك المجتمعات المفتوحة، وبصورة متفاوتة. وحملت هذه العناصر معها عاداتها وتقاليد شعوبها وثقافتها وفرضت ذوقها على أصحاب الدول التي احتضنتها.
ومع بروز هذه المظاهر على المجتمع المسلم، برزت ظواهر اجتماعية جديدة كعادة حجب النساء وعزلهن. وتشير إلى ذلك “كارن ارمسترونج” – الكاتبة المنصفة الشهيرة – في كتابها “إنجيل المرأة”، فتقول: ” نجد أن النساء في فجر الإسلام كن يتمتعن بقدر كبير من الحرية ولقد مارس الإسلام نظام الحريم بعد اتصاله بالمسيحية البيزنطية التي كانت تعامل نساءها بهذا النظام…”
كما تقول د. رقية في تقديم عصر الخلافة العباسية(52):
“…برزت ظاهرة التمازج الحضاري بين العرب وغيرهم من الذين دخلوا الإسلام في تلك الحقبة، من العصر العباسي الأول (132-232 هـ) بشكل واضح، وتمكن أهالي البلدان المفتوحة من تبني الإسلام والمشاركة الفعالة في صنع الحضارة الجديدة التي كان دينها الإسلام ولغتها العربية بل حتى الجماعات التي لم تعتنق الإسلام وبقيت على يهوديتها ومسيحيتها وصابئيتها تم إشراكها وفسح المجال لها لكي تلعب أدوارًا حضارية وإدارية وسياسية معروفة.
ولم يغير المسلمون النظم السائدة في البلاد المفتوحة خاصة وأن أهاليها قد دخلوا في الإسلام، وكانت المرأة في بلاد فارس على وجه الخصوص تعيش في حالة عزلة في الغالب، وينظر إليها نظرة دونية مقارنة بالرجل.
واستمرت الحالة بعد الفتح على ما كانت عليه غالبًا من انعزال النساء ومنع اختلاطهن بالرجال عمومًا، وحصر مهمة المرأة في القيام بشؤون البيت والأولاد. كما انتشرت في هذا العصر على وجه الخصوص ظاهرة تسرب الروايات الإسرائيلية إلى كتب التفسير ومدوناته، عن طريق مَن دخل من اليهود والنصارى إلى الإسلام.
وتوارثت كتب التفاسير على اختلاف مناهجها ومشاربها تلك الأباطيل الإسرائيلية عن المرأة المناقضة لفلسفة القرآن في سرد القصص لمعنى الاعتبار من غير تفاصيل الجزئيات التاريخية…”
إن كل ما سبق، من نشوء فئة الجواري وغير العربيات، الانفتاح على الآخر والازدهار الحضاري، حالة الدعة والبذخ والترف، الإسرائيليات، ساهم في التأثير على وضع المرأة تدريجيًا. ولقد استمرت د. رقية في رصد تجليات الأدوار التنموية للمرأة مع الإشارات المتقطعة أنها لم تعد بنفس الدرجة ونفس الطبيعة، كما نلحظ أن من قدمت لأدوارهن في العصر العباسي والعثماني محدودات ويتركز في النساء الشهيرات. واقترنت كل العوامل المؤثرة السابقة بأمر آخر في رؤية د. رقية وهو : ” التحولات الكبرى في النماذج المعتمدة في الفكر الديني. وهذا التحول في النموذج من نموذج العصر الراشد الذي يمثل ما يمكن تسميته بعصر وحدة الفهم والتفسير (The Age of Conformity and Uniformity) إلى النموذج الثاني التنوع في الفهم والتفسير (The Age of Diversity and Multiplicity of Approaches and Attitudes). ومن ثم ظهور ونشأة المذاهب والفرق وغيرها؛ فهو عصر استقطابات فكرية تتولد عنه ويسوق إلى ازدهار الفكر وغناه… (53) “
هذا، وإذا كان النطاق الزمني للمؤتمر المقدمة خلاله هذه الدراسة يتوقف عند العصر العباسي، أفلا يجدر أن نتساءل: هل المسار من بعده تطابق مع منطلقات أطروحات د. رقية العلواني أم لا، عن مسار التطور من العصر النبوي إلى العباسي وأسبابه؟
بالطبع، إن متابعة د. رقية للمسار عبر العصر العثماني وصولاً إلى عصر الاستعمار ثم الاستقلال في ظل نقل الحداثة الغربية قد بين كيف تزايد فعل التأثير الخارجي ومظاهر الدعة والانفتاح ثم مظاهر التدهور، وكيف ارتبط ذلك كله بتزايد الاتجاهات المحافظة في الفقه الإسلامي بعيدًا عن روح الإسلام بالنسبة لحقوق المرأة وواجباتها، في هذا تستدعى د. رقية مرة أخرى تأثير الإسرائيليات على هذا الفقه، كما تستدعى فقه مقارنة الأديان (بين المسيحية واليهودية وبين الإسلام)(54).
خلاصة القول: إن تأثير الإسرائيليات من ناحية، وثنائية القوة الذاتية والتفاعل مع الآخر في مقابل الضعف الذاتي والتدخل الخارجي، قد انعكسا على تطور وضع المرأة فكرًا وفقهًا وواقعًا. وقاد هذا التطور إلى أن المرأة المسلمة في القرن العشرين (في ظل الصحوة الإسلامية ثم العولمة) قد أضحت في قلب الجدال المعرفي والفكري والسياسي بين المنظورات المختلفة حول ثنائيات: الحداثة/ التقليدية، المعاصرة/ الأصالة، الخصوصية/ العالمية، العام/ الخاص، الديني/ المدني، الداخلي/ الخارجي(55). واستدعت مناقشة هذه الثنائيات التاريخ الإسلامي: تاريخ الفقه، الفكر، المؤسسات، والممارسات. وإذا كان عصر الرسالة والخلافة الراشدة قد حظيا باهتمام كبير، فلقد تم القفز السريع على تاريخ العصور التالية؛ كما حاز العصر الحديث (العثماني ثم الاستعمار وما بعده حتى الآن) اهتمام الدراسات النسوية المعاصرة. ولقد واجهت الدراسات المُنَقِبة عن وضع المرأة في التاريخ الإسلامي إشكاليات منهاجية متعددة. ولكن الأمر الواضح بلا مراء لدى كافة التوجهات، أن الإسلام – مقارنة بالديانات السماوية الأخرى – قد أحدث انقلابًا إيجابيًا في وضع المرأة المسلمة. وتأسست حقوق وواجبات المرأة في عصر الرسالة وامتدت وتدعمت الاستجابات لما يتحدى هذه الحقوق في عصر الخلافة الراشدة، وأثمر التأسيس والاستجابات آثارًا على وضع المرأة في العصرين الأموي والعباسي، ولكن بدأ يواجه هذا الوضع تحديات جديدة في ظل الانفتاح والتفاعل مع العالم بمعطياته الايجابية والسلبية. وبالطبع زادت الأخيرة في ظل ما شهده وضع الأمة الإسلامية برمتها من تراجع بسبب تآكل عناصر القوة الذاتية وتزايد التدخلات الخارجية.
بعبارة موجزة، إن دراسة تطور وضع المرأة في التاريخ الإسلامي – صعودًا وهبوطًا– يقترن بقوة بما حاق بوضع الأمة الإسلامية في العالم من صعود وهبوط عبر التاريخ(56) وصولاً إلى ما تشهده الأمة الآن من اختراق خارجي يجدل ببراعة بين الديني والثقافي – الحضاري، وبين السياسي- الفكري. وهو الاختراق الذي عمَّق من التجزئة وصعَّد من التهديدات التي تواجهها عمليات التغيير المأمولة (من منظور حضاري إسلامي)(57). وهو الأمر الذي يفرض استراتيجية استجابات معاصرة تستدعى خبرات التاريخ وتتدبرها وتبحث في أنماط تطوره والعوامل المؤثرة فيه. ومن أهم الاستجابات المأمــولة ما
يتصل بوضع المرأة المسلمة المعاصرة؛ فإن الأم والأمة صنوان، سواء في التاريخ السابق أو المعاصر، كما أن المرأة مدخل من مداخل التغيير الذي تستخدمه التدخلات الخارجية.
الهوامش
(1) د. نادية محمود مصطفى (إشراف وتحرير): مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، القاهرة: المعهد العالمى للفكر الاسلامى، 1996، جزء12.
(2) د. نادية محمود مصطفى: دوافع وأهداف ومنطلقات المشروع (فى) د. نادية محمود مصطفى(إشراف وتحرير ): المقدمة العامة للمشروع، المرجع السابق ، الجزء الأول.
– د. نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجى لدراسة تطور وضع ودور العالم الإسلامى في النظام الدولى، (فى): المرجع السابق، الجزء الخامس.
(3) د. نادية محمود مصطفى: العصر المملوكى: من تصفية الوجود الصليبي إلى بداية الهجمة الأوربية الثانية، (فى): المرجع السابق، الجزء التاسع.
– د. نادية محمود مصطفى: العصر العثمانى: من القوة إلى بداية المسألة الشرقية، (فى): المرجع السابق، الجزء العاشر.
(4) مثل الدراسات حول: التطور في وضع المنطقة العربية في النظام الدولى بعد نهاية الحرب الباردة، أزمة الخليج الثانية والنظام الدولى، التحولات في آسيا الوسطى بعد سقوط الاتحاد السوفيتى ، الصراعات في البلقان والشيشان بعد نهاية الحرب الباردة.
(5) د. نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجى …، (في): مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق .
(6) انظر على سبيل المثال : J. Lewis Gaddis: International Relations theory and the end of cold war, International Security, Vo 7, No. 3, Winter 1992/1993.
(7) د. نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجى …، مرجع سابق.
(8) المرجع السابق.
(9) انظر نقدًا لهذه المنهاجية وتصورًا لمنهاجية كلية لتوظيف التاريخ في: المرجع السابق.
(10) المرجع السابق.
(11) انظر تصنيفًا وشرحًا تفصيليًا فى: J. Lewis Gaddis: op. cit.
(12) د. نادية محمود مصطفى: مدخل منهاجى …، مرجع سابق.
(13) انظر محصلة دراسات وتدريس بين منظورات علم العلاقات الدولية وتوظيفها للتاريخ (وغيره من الأبعاد) مقارنة بمنظور إسلامى في هذا الحقل (فى): د. نادية محمود مصطفى: إشكالية البحث والتدريس في العلاقات الدولية من منظور حضارى مقارن (فى):د.عبد الوهاب المسيرى (إعداد وتحرير): أعمال المؤتمر الدولى الثانى للتحيز: مسارات متنوعة في المعرفة وحوار الحضارات، القاهرة: برنامج الدراسات الحضارية وحوارالثقافات، جامعة القاهرة، ومركز الدراسات المعرفية بالقاهرة (2007)، تحت الطبع.
(14) د. نادية محمود مصطفى: التحديات السياسية الخارجية للأمة الإسلامية (فى) د. نادية محمود مصطفى (إشراف وتقديم): الأمة في قرن، عدد خاص من حولية: أمتى في العالم، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار الشروق الدولية ،2001، الكتاب السادس: تداعي التحديات والاستجابات والانتفاض نحو المستقبل.
(15) د. أمانى صالح: حالة المرأة في العالم الإسلامى، أمتى في العالم (حولية قضايا العالم الإسلامى): العدد الثاني، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، 1999.
– د. نادية محمود مصطفى: الأمة الإسلامية في عصر العولمة وقضية المرأة بين التحديات والاستجابات (فى) (مجموعة مشاركين) المرأة وتحولات عصر جديد، دمشق: دار الفكر، 2002.
(16) انظر على سبيل المثال: فريدة النقاش: منزلة المرأة بين الفكر الدينى والفكر الفلسفى، (فى): المرجع السابق.
(17) انظر على سبيل المثال:
– عبد الحليم أبو شقة: موسوعة تحرير المرأة في عصر الرسالة (دراسة جامعة لنصوص القرآن الكريم وصحيح البخارى ومسلم)، القاهرة: دار القلم، 1990.
– د.محمد عمارة: التحرير الإسلامى للمرأة: الرد على شبهات الغلاة، القاهرة: دار الشروق ، 2002.
(18) انظر على سبيل المثال:
– د. منى أبو الفضل (إشراف وتقديم): المرأة العربية والمجتمع في قرن، دمشق: دار الفكر، لبنان: دار الفكر المعاصر، 2001.
– د. أمانى صالح: المرأة المسلمة بين قرنين : الإنجازات والتحديات (فى) د. نادية محمود مصطفى(إشراف وتقديم): الأمة في قرن، عدد خاص من حولية أمتي في العالم، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، دار الشروق الدولية، 2001، الكتاب الثاني (خبرة العقل المسلم: خبرات وتطورات وحوارات).
– مجموعة مشاركين: تحرير المرأة في الإسلام، (أعمال المؤتمر الذى نظمته اللجنة الإسلامية العالمية للمرأة والطفل، ودار القلم وعقد في جامعة الأزهر: فبراير 2003)، القاهرة: دار القلم،2004.
– د. على ليلة (تحرير وإشراف): المرأة في مجتمعاتنا على ساحة أطر حضارية متباينة، أعمال المؤتمر الذى نظمه قسم الاجتماع – جامعة عين شمس ومركز الدراسات المعرفية في نوفمبر 2006، القاهرة ، (تحت الطبع).
(19) انظرالتعريف بالجمعية ASWIC: منطلقاتها وأهدافها وإطارها الفكرى وأنشطتها والنشرات العلمية الصادرة عنها ، على موقع الجمعية على الرابط:
muslimwomenstudies.com/aswic///:http
(20) د. نادية محمود مصطفى: المرأة على خريطة العلاقات الدولية بين منظورات حضارية مقارنة، (فى): د.على ليلة (إشراف وتحرير)، المرأة في مجتمعاتنا على ساحة أطر حضارية متباينة…، مرجع سابق.
(21) انظرعلى سبيل المثال: مجموعة مشاركين: المرأة وتحولات عصر جديد ، مرجع سابق.
(22) انظر:
– وثيقة تأسيس جمعية دراسات المرأة والحضارة، مرجع سابق.
– د.أمانى صالح: خبرة وحدة دراسات المرأة والحضارة: بين الأبعاد التنظيمية والفكرية، (فى) د.نادية محمود مصطفى، د.سيف الدين عبد الفتاح (محرران): المنهاجية الإسلامية في العلوم الاجتماعية، العلوم السياسية نموذجًا، القاهرة: مركز الحضارة للدراسات السياسية، المعهد العالمى للفكر الاسلامى،2002.
(23) انظر: وثيقة تأسيس كرسي زهيرة عابدين للدراسات النسوية بجامعة العلوم الإسلامية والاجتماعية بالولايات المتحدة الأمريكية .
(24) انظر على سبيل المثال: د. نادية محمود مصطفى: الاستخلاف في الأرض وإعمارها: تنمية شاملة أساسها الذكر والأنثى، (في): لتعارفوا، أعمال الملتقى الثقافي الفكري المنعقد في مدينة طرابلس، الجماهيرية العظمى في 2003، طرابلس: جمعية الدعوة الإسلامية العالمية، 2004 .
(25) Mona A. M. Abul- Fadl: ‘Revisiting the Woman Question: An Islamic Perspective,(in) Perry D. Lefebvre (ed.): Register, The Chicago Theological Seminar ,Winter – Spring 1993, No.1, 2., pp 28-52.
(26) Ibid, pp 51-52.
(27) انظر على سبيل المثال :
– منى أبو الفضل: تصدير، (في): منى أبو الفضل (إشراف وتقديم): المرأة العربية والمجتمع في قرن، مرجع سابق، ص9-17.
– Mona A. M. Abul- Fadl: “Islamization as a Force of Global Culture Renewal: The Relevance of Tawhidi Episteme to Modernity”, the American Journal of Islamic Social Sciences, Vol.2, 1988
– منى أبو الفضل : خبرة تطوير منظور حضاري لدراسات المرأة، (في): د. أمانى صالح (محرر)، مراجعة في خطابات معاصرة حول المرأة، القاهرة: برنامج حوار الحضارات(جامعة القاهرة) ومركز الدراسات المعرفية، 2007.
– منى أبو الفضل: الوقف وعمارة المرأة في الإسلام: قراءة معرفية في الخبرة التاريخية ودلالاتها المعاصرة بالنسبة إلى دور المرأة في التنمية، (في): نادية محمود مصطفى، رفعت العوضى (محرران ومشرفان): الأمة وأزمة الثقافة والتنمية، أعمال المؤتمر الدولي الذي تم تنظيمه في جامعة القاهرة(2004) بالتعاون بين: برنامج حوار الحضارات (جامعة القاهرة) ، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، القاهرة: دار السلام للنشر، 2007.
(28) هبة رؤوف عزت: المرأة والعمل السياسي: رؤية إسلامية، القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، سلسلة الرسائل الجامعية (18) قضايا الفكر الإسلامي، 1995.
(29) انظر ثبت المراجع في كلٍ من:
– د. منى أبو الفضل (إشراف وتقديم)، المرأة العربية والمجتمع…، مرجع سابق.
– د. أمانى صالح، مرجع سابق .
– د. رقية العلوانى: دور المرأة المسلمة في التنمية: دراسة عبر المسار التاريخي، البحرين، 2007.
(30) انظر هذه الخبرة في : نادية محمود مصطفى : مدخل منهاجى…، مرجع سابق.
(31) كلٌ من:
– د. أميمة أبو بكر: التنقيب الوثائقي والتاريخي وإعادة بناء تاريخ المرأة، (في): د. أمانى صالح (محرر)، مراجعة في خطابات معاصرة حول المرأة، مرجع سابق، ص 319-326.
و- أعمال ومنشورات منتدى المرأة والذاكرة بالقاهرة (والتى تتضمن الدراسات التفصيلية التى اعتمدت عليها دراسة د.أميمة أبو بكر) .
(32) انظر المناقشات حول دراسة د. أميمة أبو بكر (فى): أمانى صالح (تحرير)، مراجعة في خطابات معاصرة حول المرأة، مرجع سابق، ص 327-348.
(33) د.نادية محمود مصطفى: مرجع سابق.
(34) انظر على سبيل المثال: د. عبد الحميد أبو سليمان: “إشكالية الفساد والاستبداد في الفكر والتاريخ الإسلامي”، حلقة نقاشية عقدت في 15/11/2006، جامعة القاهرة: برنامج حوار الحضارات.
(35) الورقة من إعداد فاطمة حافظ وإشراف د.أمانى صالح ود. منى أبو الفضل، وجرت مناقشتها في دائرة مستديرة برئاسة أ.د. طه العلوانى. والورقة اتحذت عنوان “المرأة المقاومة .؟؟..قراءة في تراث عصريِّ الأيوبيين والمماليك “، القاهرة: جمعية دراسات المرأة والحضارة، 2004.
(36) حول قراءة مقارنة في مدارس التفسير الإسلامى للتاريخ: انظر: د.نادية محمود مصطفى : مدخل منهاجى…، مرجع سابق.
(37) انظر: قراءة مقارنة بين توجه الأشاعرة والمعتزلة حول التاريخ وبين الفقه السنني والشرطي في: د.نادية محمود مصطفى: التاريخ والنظام الدولي: رؤية مقارنة، بحث مقدم إلى الندوة المصرية الفرنسية التاسعة ” العلوم السياسية والعلوم الاجتماعية: الآفاق والتوقعات، القاهرة: مركز الدراسات والوثائق الاقتصادية والقانونية والاجتماعية ومركز البحوث والدراسات السياسية – جامعة القاهرة، فبراير2000.
– د.نادية محمود مصطفى: أفكار حول إسهام التراث الخلدونى في الفكر الدولي والنظرية الدولية : دراسة في الإشكاليات المنهاجية، (في): أعمال المؤتمر الدولي بمناسبة مرور ستمائة عام على وفاة ابن خلدون، بالتعاون بين مكتبة الإسكندرية، والمجلس الأعلى للثقافة والعلوم والفنون في القاهرة والإسكندرية، ديسمبر 2006 (تحت الطبع).
(38) انظر: د. هيثم الخياط: لسان العرب بين التذكير والتأنيث، (في): د. نادية مصطفى، د. سيف الدين عبد الفتاح (إعداد وإشراف)، أمجد جبريل (تحرير)، أعمال مؤتمر “اللغة والهوية وحوار الحضارات“، جامعة القاهرة: برنامج حوار الحضارات، 2006.
(39) انظر على سبيل المثال :
– د. محمد عمارة: مرجع سابق.
– د.هبة رؤوف: مرجع سابق.
(40) انظر على سبيل المثال:
– د. منى أبو الفضل (إشراف وتقديم): مرجع سابق.
– د. أمانى صالح: المرأة المسلمة بين قرنين: مرجع سابق.
(41) د. أميمة أبو بكر : مرجع سابق.
(42) د.رقية العلوانى، مرجع سابق.
(43) انظر على سبيل المثال: نتائج القراءة المقارنة بين أعمال أميرة سنبل ، هدى لطفى، عفاف لطفى السيد، نيللى حنا، (فى): أميمة أبو بكر: مرجع سابق، ص 322-324.
(44) المرجع السابق.
(45) Mona A. M. Abul- Fadl: ‘Revisiting the Woman Question: An Islamic Perspective, op. cit.
(46) انظرعلى سبيل المثال: المناقشات والتعقيبات على بحث د.أميمة أبو بكر (فى) : أمانى صالح (تحرير) مراجعة في خطابات معاصرة حول المرأة، مرجع سابق.
(47) المرجع السابق، ص 334.
(48) كما جاء في مداخلات: نادية محمود مصطفى، هدى الصدة، دينا الخواجة، أمانى أبو الفضل: (في): ” النسوية الإسلامية والمنظور الإسلامي بين رؤى الماضي والحاضر”، حلقة نقاش في ندوة “قدرية حسين وقضية الانتماء”. إعداد وتنظيم مؤسسة المرأة والذاكرة في مكتبة القاهرة الكبرى،2004.
(49) د. رقية العلوانى، مرجع سابق.
(50) المرجع السابق، ص 135-138.
(51) المرجع السابق ، ص 140-142.
(52)المرجع السابق، ص 147-151.
(53) المرجع السابق، ص153.
(54) المرجع السابق.
(55) انظر على سبيل المثال:
– أمانى صالح (تحرير): مراجعة في خطابات معاصرة حول المرأة، مرجع سابق.
– أمانى صالح: المرأة المسلمة عبر قرن، مرجع سابق.
– منى أبو الفضل (إشراف وتصدير): المرأة العربية والمجتمع في قرن، مرجع سابق.
– د.نادية محمود مصطفى: الأمة الإسلامية في عصر العولمة وقضية المرأة، مرجع سابق.
(56) انظرعلى سبيل المثال: نتائج دراسة العلاقات الدولية في التاريخ الإسلامي، (في): د. ودودة بدران: وضع الدول الإسلامية في النظام الدولي في أعقاب سقوط الخلافة العثمانية (1924 – 1991)، (في) د. نادية محمود مصطفى (إشراف وتحرير): مشروع العلاقات الدولية في الإسلام، مرجع سابق، الجزء (2).
(57) انظرعلى سبيل المثال: نادية مصطفى، رفعت العوضى (إعداد وتنسيق): “الأمة وأزمة الثقافة والتنمية”، مرجع سابق.
– نادية محمود مصطفى (إشراف وتحرير): موسوعة الأمة في قرن، مرجع سابق، الجزء السادس تحت عنوان: تداعي التحديات والاستجابات ودواعي الانتفاض نحو المستقبل.
– انظر العددين الأول والثاني من: حولية أمتي في العالم، العدد الأول: عن العولمة والعالم الإسلامي، والعدد الثاني: عن العلاقات البينية الإسلامية المعاصرة.