أبحاث

السلوك الإسلامي في الإنتاج بين المثال والواقع

العدد 106

الحمد لله والصلاة والسلام على سيدنا رسول الله . وبعد،

فهذا بحث موجز موضوعه السلوك الإسلامي في الإنتاج بين الواقع والمثال .

والأصل أنه لا يخلو إنسان قادر من نشاط إنتاجي، فالإنتاج نشاط إنساني فطري تميز به الإنسان عن سائر ما عداه من مخلوقات الله. وبالتالى فهو يمارسه في صوره وأشكاله المتعددة المتنوعة. فالإنسان ذو احتياجات عديدة، وعلى رأس هذه الاحتياجات حاجته إلى إشباع تلك الاحتياجات ،
ولا يتأتى له إشباع هذه الحاجات من خلال الطبيعة أو الكون دونما جهد وعمل ونشاط من الإنسان؛ لأن الطبيعة التى خلقها الله تعالى تحتوى على موارد ومصادر للثروة بالدرجة الأولى، وقل أن نجد منها منتجات جاهزة صالحة بحالتها لإشباع حاجات الإنسان ، وبهذا كان الإنتاج شرطًا ضروريًّا لتأمين الاستهلاك. وهو بهذا يعد من أهم الأنشطة التى يقوم بها الإنسان في حياته؛ لأنه أساس الحياة. ولأهميته الكبيرة هذه احتاج إلى تنظيم وتوجيه وتنسيق، حتى يحقق مقصوده على الوجه الأمثل . ولهذا قامت كل الأنظمة والمذاهب الإسلامية والوضعية بوضع الضوابط والموجهات والمبادئ التى يجب أن تجرى العملية الإنتاجية وأن يتم النشاط الإنتاجي في إطارها . وإذا ما التزم الإنسان بهذه المبادئ والتوجيهات نجح في نشاطه الإنتاجي، طالما كانت هذه المبادئ والتوجيهات سليمة سديدة، وإذا ما انحرف عنها في سلوكه الإنتاجي باء جهده بالفشل أو العجز ، حسب درجة انحرافه .

ومن الناحية الواقعية نجد بعض تلك المبادئ والقيم مطبقًا وبعضها الآخر غير مطبق، ومن ناحية أخرى نجد المواقف الفعلية للناس متفاوتة من حيث الالتزام والانضباط. وينجم عن ذلك أن نجد فروقًا تقل أو تكثر بين الواقع والمثال، أو بين ما يحدث فعلاً وما تشير به تلك المبادئ والقيم والتوجيهات، وكلما كانت درجة المغايرة كبيرة كلما كان حال الناس سيئًا .

والسؤال المطلوب الإجابة عليه هنا هو سؤال مركب من ثلاث شعب:

أ – ما هو المثال أو النموذج الإسلامي في السلوك الإنتاجي؟

ب – ما هو الواقع الفعلي للسلوك الإنتاجي؟

جـ – كيف يمكن تحريك وتوجيه الواقع صوب المثال؟

وسوف نفرد لكل شعبة من هذه الشعب مبحثًا خاصًّا .

المبحث الأول

السلوك الإنتاجي في الإسلام – المثال

إن المثال الإسلامي في الإنتاج يتجسد في كل المبادئ والقيم والتوجيهات التى قدمها الإسلام لضبط والعملية الإنتاجية وتنظيمها . ويمكن التعبير عنه بعبارة جامعة بأنه مقصود الشريعة في المجال الإنتاجي(*). والملاحظ أن هذه المبادئ والتوجيهات تحيط بالعملية الإنتاجية إحاطة السوار بالمعصم، فهي تمارس عملها قبل القيام بهذه العملية ، تمهيدًا وتهيئة وتحضيرًا، من حيث الدوافع والأهداف، ثم هي تتناولها عند وأثناء حدوثها، من حيث النوعية والكمية والكيفية، وكل ما هنالك من عناصر مؤثرة، ثم تتناولها بعد انتهائها، من حيث مآلها والتصرف في منتجاتها. ويمكن التعرض الموجز لتلك الجوانب المختلفة من خلال تناول أهمية الإنتاج وأهدافه في الإسلام ، أي أننا بعبارة أخرى نجيب على هذا التساؤل: لماذا ننتج؟ ومن خلال تناول المنتجات من جوانبها المختلفة، أي أننا نجيب على تساؤل: ماذا ننتج؟ ومن خلال تناول أسلوب الإنتاج أي أننا نجيب على تساؤل: كيف ننتج؟ وأخيرًا تناول المسئول عن الإنتاج، أي أننا نجيب على تساؤل: من المسئول عن  الإنتاج أو من المنتج؟

أهمية الإنتاج أهدفه

تعريف الإنتاج: من المهم لمعرفة أهمية الإنتاج التعرف على مفهوم ومضمون النشاط الإنتاجي، وقد عرّف الاقتصاد الوضعي الإنتاج بأنه كل نشاط يتولد عنه منفعة أو زيادة في المنفعة . ويُعرّف المنفعة بأنها قدرة السلعة أو الخدمة على إشباع حاجة من حاجات الإنسان. ومعنى ذلك أن النشاط الإنتاجي يتمثل في تلك الجهود والأعمال التى تجعل الأشياء صالحة أو أكثر صلاحية لإشباع حاجات الإنسان، يستوى في ذلك الأشياء المادية (السلع) والأشياء المعنوية (الخدمات).

وقد التفت الفكر الاقتصادي الإسلامي إلى ما تمثله العملية الإنتاجية من صلاحية السلعة أو الخدمة لإشباع حاجات الإنسان؛ ولذلك فقد سميّ هذا النشاط بجوهره وهو (إصلاح الأشياء) وقد شاع هذا التعبير الدقيق على لسان الإمام الغزالي فنراه يقول: المصلحين للأطعمة أي المنتجين لها، والمصلحين لآلات الأطعمة وغير ذلك (اعلم أن هؤلاء الصناع المصلحين للأطعمة وغيرها …) ويقول: (والطحان يصلح الحبّ بالطحن، والحراث يصلحه بالحصاد، والحداد يصلح آلات الحراثة، والنجار يصلح آلات الحدادة ..)(1) والاقتصاد الإسلامي يضع قيدًا مهمًّا في تعريف الإنتاج وهو مشروعية الحاجة التى تقوم السلعة أو الخدمة المنتجة بإشباعها .

أهمية الإنتاج: يعد هذا النشاط ضروريًّا في حياة الناس؛ لكون الغالبية العظمى من الأشياء الموجودة في الكون لا تصلح من حيث الأصل لإشباع حاجات الإنسان، لكنها مهيأة لأن تكون كذلك، طالما بذل فيها الإنسان جهدًا معينًا، فمثلاً نجد المعادن موجودة، لكنها محتاجة إلى جهد بشري متعدد ومتنوع كي تصبح صالحة لإشباع احتياجات الإنسان، فهي في حاجة إلى أن تصبح منتجات معدنية، وهذا لا يكون إلا بجهد معين من الإنسان، وكذلك الغابات، وغير ذلك، وقد يتبادر إلى الذهن تساؤل: ترى ما هي حكمة الله تعالى في خلقه للكون في صورة موارد وليس منتجات جاهزة صالحة لإشباع حاجات الإنسان؟

وجوانب الحكمة هنا متعددة أشار إلى بعضها الإمام الراغب بقوله : ( من زعم أن الإنسان خلق خلقة ناقصة عن الوحشيات من حيث إنه لم يكف الملابس كما كفيته، ولم يعط سلاحًا ذاتيًّا كما أعطى الكثير منها فنظره ناقص، إذ قد أعطى بذلك التمييز الذي يمكنه أن يتخذ من كل ملبس وكل سلاح حسبما يريده)(2) .

ومعنى ذلك أن المسألة تفيد مزيدًا من التكريم للإنسان وتشريفه بجعله قادرًا ومسئولاً في الوقت نفسه عن إشباع احتياجاته .

ومعنى ذلك أن الإنتاج متطلب ضروري لإمكانية الاستهلاك الذي هو متطلب ضروري لحياة الإنسان. هذا بالإضافة إلى جوانب أخرى طرحها الإسلام فجعل من الإنتاج أمرًا ضروريًّا لا غنى عنه للإنسان. ويمكن تفصيل أهمية الإنتاج من حيث ما يتضمنه من أهداف أمر بها الإسلام وحث عليها، على النحو التالي :

أهداف الإنتاج:

1- تأمين الاستهلاك: وهذا أمر متفق عليه بين المذاهب والنظم الاقتصادية؛ لأنه أمر فطري من سنن الله في خلقه، ومع أن الإنتاج بهذا الهدف أمر فطري لا يحتاج إلى أمر شرعي للإنسان بممارسته فإن الإسلام أكدّ على الأمر الفطري بالأمر الشرعي، جاعلاً الإنتاج مأمورًا شرعيًّا إضافة إلى كونه مأمورًا فطريًّا . قال تعالى : ((هُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ الأَرْضَ ذَلُولاً فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا وَكُلُــوا مِنْ رِزْقِــهِ وَإِلَيْـــهِ النُّشُــور)) (الملك:15)، والمشي في الآية الكريمة إشارة إلى الإنتاج، والأكل إشارة إلى الاستهلاك ، والأرض المذللة إشارة إلى الموارد الطبيعية، والاستهلاك امتثالاً لأمر الله تعالى يحيل النشاط الإنتاجي من مجرد كونه نشاطًا عاديًّا إلى كونه نشاطًا عباديًّا. وفي تعليقه على قول يوسف عليه السلام كما حكاه عنه القرآن الكريم في قوله : ((قَالَ تَزْرَعُونَ سَبْعَ سِنِينَ دَأَبًا فَمَا حَصَدْتُمْ فَذَرُوهُ فِي سُنْبُلِهِ إِلاَّ قَلِيلاً مِمَّا تَأْكُلُون)) (يوسف: 47) قال القرطبي: (ولا خلاف أن مقصود الشرائع إرشاد الناس إلى مصالحهم الدنيوية ، ليحصل لهم التمكن من معرفة الله تعالى وعبادته الموصلتين إلى السعادة الأخروية)(1) . ويقول الأصفهاني : (ومتى كان سعي العبد في ذلك على الوجه الذي يجب وكما يجب يكون سعيه عبادة وجهادًا في سبيل الله)(2).

ثم إن الاستهلاك في حد ذاته هو مطلب شرعي بجوار كونه مطلبًا فطريًّا، فنحن في الإسلام مطالبون بالاستهلاك، ولا يجوز لأحد أن يمتنع عنه بما يعرض حياته للخطر والمشاق والمتاعب ووظائفه للتدهور والتوقف . ومن يفعل ذلك اختيارًا يكون آثمًا ، وإن كان عاجزًا فإن المسئول عنه، فردًا كان أو جماعة أو دولة، يكون هو الآثم. يقول الإمام ابن مفلح: (اعلم أنه متى بالغ في تقليل الغذاء أو الشراب فأضر ببدنه أو شيء منه، أو قصر عن فعل واجب لحق الله أو لحق آدمي كالتكسب لمن يلزمه مؤنته فإن ذلك محرم)(3) . والاستهلاك متوقف على الإنتاج، وفي الإسلام أن ما توقف عليه الواجب يكون واجبًا. وليست مسئولية الفرد عن توفر الاستهلاك لنفسه فقط وإنما له ولكل من يعول. وقد بين الرسول e ذلك في حديثه الشريف عندما رأى بعض الصحابة شابًّا جلدًا قويًّا فقالوا: ويح هذا الشاب لو كان جلده وقوته في سبيل الله! فقال الرسول e : ( إن كان خرج يسعى على ولده صغارًا فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى على أبوين شيخين كبيرين فهو في سبيل الله، وإن خرح يسعى على نفسه يعفها فهو في سبيل الله، وإن كان خرج يسعى رياء ومفـــاخرة فهو في سبيل الشيطان)(1).

وكذلك في حديثه الشريف: ( من طلب الدنيا حلالاً، استعفافًا عن المسألة، وسعيًا على أهله، وتعطفًا على جاره لقى الله تعالى يوم القيامة ووجهه مثل القمر ليلة البدر)(2) .

وتأمين الاستهلاك لا يقف عند حد المنتج ومن يعوله وإنما يتعداه إلى كل من لا يستطع توفيره لنفسه من أفراد المجتمع، كما هو واضح من هذه النصوص الشرعية .

2- تحقيق الرفاهة الاقتصادية للمسلمين: وهي إحدى المقاصد الشرعية، يقول تعالى: ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) (الأعراف: 32) . ورضي الله تعالى عن الإمام عليّ حيث وضح هذا المقصد الشرعي أحسن توضيح في وصيته لعامله على مصر محمد بن أبي بكر، وفيها يقول : (عباد الله، إن المتقين حازوا عاجل الخير وآجله، شاركوا أهل الدنيا في دنياهم، ولم يشاركهم أهل الدنيا آخرتهم، أباح لهم الله الدنيا ماكفاهم به وأغناهم. قال الله تعالى : ((قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْق قُلْ هِيَ لِلَّذِينَ ءَامَنُوا فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا خَالِصَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)) سكنوا الدنيا بأفضل ما سكنت، وأكلوها بأفضل ما أكلت، وشاركوا أهل الدنيا في دنياهم فأكلوا معهم من طيبات ما يأكلون، وشربوا من طيبات ما يشربون، ولبسوا من أفضل ما يلبسون، وسكنوا من أفضل ما يسكنون، وركبوا من أفضل ما يركبون، أصابوا لذة الدنيا مع أهل الدنيا، وهم غدًا جيران الله يتمنون عليه فيعطيهم ما يتمنون، لا ترد لهم دعوة ، ولا ينقص لهم نصيب من اللذة، فإلى هذا يا عباد الله يشتاق من كان له عقل، ويعمل له بتقوى الله. ولا حول ولا قوة إلا بالله)(3).

وهذه الوصية لم تكن، كما قال بحق الأستاذ محمد باقر الصدر (قصة يتحدث فيها الإمام علي رضى الله عنه عن واقع المتقين على وجه الأرض أو واقعهم في التاريخ، وإنما كان يستهدف التعبير عن نظرية المتقين في الحياة، والمثل الذي يجب أن يحققه مجتمع المتقين على هذه الأرض ، ولذا أمر بتطبيق ما في الكتاب ورسم سياسته في ضوء ما جاء فيه من  وصايا وتعليمات . فالكتاب إذن واضح كل الوضوح في أن اليسر المادي الذي يحققه نمو الإنتاج واستثمار الطبيعة إلى أقصى حد هدف يسعى إليه مجتمع المتقين، وتفرضه النظرية التى يتبناها هذا المجتمع ويسير على ضوئها في الحياة)(1) .

ولايقف إسهام الإنتاج عند الرفاهة الاقتصادية الشاملة بل يتعداها إلى الرفاهة الاجتماعية العامة، يقول الإمام بن الحاج: (فلو تكسب بنية أن يكف إخوانه المسلمين القيام بضروراتهم وما يحتاجون إليه لكان في أجل الأعمال، لأنه جمع بين فرض ونفل، أما الفرض فهو قوام بنيته وستر عورته وتجمله الشرعي، وأما النفل فهو رفع ما يحتاج إليه من ذلك عن إخوانه المسلمين.. ومن أفضل الأعمال إدخال السرور على قلب واحد من المسلمين فكيف جماعة منهم، فإن لم يمكن فأقل ما يكون رفع الكلفة عنهم، والمتسبب – المنتج – قد رفع كلفته عن إخوانه المسلمين، وفي ذلك إدخال الراحة عليهم، فكان المتسبب في أفضل الأعمال )(2) .

3- تأمين أداء العديد من العبادات الإسلامية: إذا كان تحقيق الرفاهة الاقتصادية هدفًا مشتركًا للإنتاج بين كل الأنظمة والمذاهب الاقتصادية فإن هذا الأمر الذي نحن بصدده الآن هدف أو شأن خاص بالاقتصاد الإسلامي. فالاقتصاد الإسلامي من خلال جهازه الإنتاجي يقدم خدمة أساسية وضرورية للإسلام ذاته، أو بعبارة أخرى هو في خدمة الإسلام وما أشار به من عبادات وطاعات وشعائر . فمثلاً الصلاة تحتاج ستر العورة، وذلك لا يكون إلا بثياب، والثياب سلعة منتجة وليست مخلوقة. والصلاة تحتاج طهارة، والمياه وإن كانت سلعة مخلوقة لكنها في حاجة إلى آلات وأدوات وأعمال وجهود حتى تتأتى الاستفادة بها. وبهذا فهي متوقفة على النشاط الإنتاجي. والزكاة تتطلب الغنى. والغنى طريقه العادي المشروع هو الإنتاج والإسهام فيه. والحج يتطلب الاستطاعة البدنية والمالية، وكلاهما لا غنى له عن الإنتاج . والجهاد يتوقف تمامًا على الإنتاج. وكذلك مساعدة الغير والدعوة إلى الإسلام … الخ .

معنى ذلك أن الاقتصاد في الإسلام خادم ضروري للإسلام. أو بعبارة أخرى هو نظام أو تنظيم أساسي في النظم الإسلامية. ومؤدى ذلك أنه لا يعمل في واد وبقية الجوانب الإسلامية في واد آخر، كما أنه لا يستعلى على تلك الجوانب لأنه ما جاء إلا لخدمتها. وهذا ما عبر عنه الحديث القدسي أبلغ تعبير ( إنا أنزلنا المال لإقام الصلاة وإيتاء الزكاة)(1) .

وما أشارت إليه الآية الكريمة : ((الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلاَةَ وَءَاتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ وَلِلَّهِ عَاقِبَةُ الأُمُور)) (الحج : 41) ويروى أن الرسول e قال : (اللهم بارك لنا في الخبز ولا تفرق بيننا وبينه، ولولا الخبز ما صلينا ولا صمنا ولا أدينا فرائض ربنا)(2) . وقد تولى أحد أعلام الإسلام توضيح هذه القضية إذ يقول : (طلب الكسب فريضة على كل مسلم .. وفي هذا بيان أن المرء باكتساب ما لابد له منه ينال من الدرجة أعلاها. وإنما ينال ذلك بإقامة الفريضة. ولأنه لا يتوصل إلى إقامة الفرض إلا به فيكون فرضًا بمنزلة الطهارة لأداء الصلاة. وبيانه من وجوه: أحدها: أنه لا يمكنه من أداء الفرائض إلا بقوة بدنه، وإنما يحصل له ذلك بالقوت عادة ، ولتحصيل القوت طرق: الاكتساب أو التغالب أو الانتهاب، وبالانتهاب يستوجب العقاب، وفي التغالب فساد، والله لا يحب الفساد، فتعين جهة الاكتساب لتحصيل القوت. ولأنه لا يتوصل إلى أداء الصلاة إلا بالطهارة، ولابد لذلك من كوز يستقى به الماء أو دلو ورشاء ينزح به الماء من البئر. وكذا لا يتوصل إلى أداء الصلاة إلا بستر العورة وإنما يكون ذلك بثوب، ولا يحصل عليه إلا بالاكتساب عادة. وما لا يتأتى الفرض إلا به يكون فرضًا في نفسه)(3)  .

وقد نبه هذا الإمام إلى ما هو أبعد من ذلك حيث يوضح أن الفرد عليه أن يقوم بالإنتاج لا ليتمكن هو من أداء العديد من العبادات والطاعات، وإنما ليتمكن غيره أيضًا من ذلك . وهو بهذا الهدف يجعل إنتاجه طاعة وقربة) .. ثم كل واحد منهما – الزارع والنساج – فيما يقيم من العمل يكون معينًا لغيره فيما هو طاعة وقربة . فإن التمكن من إقامة القربة بهذا يحصل، فيدخل تحت قوله تعالى: ((وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى)) ، وقال e : ( والله في عون العبد ما دام العبد في عون أخيه) وسواء أقام ذلك العمل بعوض أو بغير عوض)(1) .

ويدخل في ذلك ما يعرف شرعًا بالفروض الكفائية والتى يتم وجودها في الجماعة بغض النظر عمن يقوم بها من الأفراد، وقد أدخل العلماء فيها كل المهن والصناعات والأنشطة التى لا تستغنى عنها جماعة المسلمين، وأيضًا العلوم والمعارف الضرورية لهم. فإذا ما تحقق ذلك بالشكل المطلوب في المجتمع سقط هذا الفرض، والإ يأثم الجميع. ومن الواضح أن العديد من ألوان النشاط الاقتصادي والاجتماعي يدخل تحت نطاق هذه الفروض. ومن ثم فقد حبب الإسلام ورغب الأفراد في ممارسة هذه الأنشطة المهمة، وفي ذلك إثابة لهم بقيامهم بأداء هذه الفروض، وبإسقاطها عن إخوانهم، ورغب العلماء المنتجين في مختلف المجالات أن يدخلوا في نواياهم ومقاصدهم هذا المقصد وبذلك يحققون المزيد من الثواب(2) . ومن جهة أخرى فإن مراعاة ذلك المقصد يؤثر إلى حد كبير في سلوك المنتجين واختياراتهم لمحل ومجال نشاطهم، حيث يتجهون إلى الأهم والضروري لحياة الجماعة . ومعنى ذلك مزيد من حسن التخصيص للموارد.

4- تحقيق العزة والقوة المنعة للأمة الإسلامية : قال تعالى: ((وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ )) (المنافقون:8) ، وقال تعالى :((وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ)) (الأنفال :6() ، وقال تعالى: ((وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ)) (آل عمران : 139)، ومعروف أن ذلك كله يتوقف أساسًا على متانة وقوة اقتصاد الأمة وما تقوم به من إنتاج في القطاعات المختلفة، وعلى رأسها القطاعات القائدة. وقد اختارنا الله تعالى لنكون شهداء على الناس، ولنأمرهم بالمعروف وننهاهم  عن المنكر ، ولا يكون شيء من ذلك ونحن متخلفون اقتصاديًّا ، وإنتاجنا متدهور ضعيف، فعلينا أن نقدم للأمم الأخرى ما يحتذى به ، ونضرب لهم المثل في الإنتاج الكفء طبقًا للهدى الإسلامي والمنهج الشرعي، وبهذا نستطيع الشهادة عليهم، وبهذا يسمع كلامنا فيهم من أمر ونهى، وإلا فلا نستطيع الكلام وإذا تكلمنا لا يسمع لنا.

من هذا العرض المبسط الموجز يمكن القول إن أهداف السلوك الإنتاجي في الإسلام كما يراها الإسلام تتجسد في :

1- تحقيق أعلى قدر  ممكن من الكفاءة الاقتصادية بشقيها الإنتاجي والتوزيعى .

2- تحقيق أقصى قدر ممكن من الرفاهة الاقتصادية العامة لجميع الأفراد، مع التسليم بالتفاوت في درجة الرفاهة، طالما أنه تفاوت منضبط بالضوابط الموضوعية المعتبرة شرعًا .

3- تحقيق أعلى مستوى ممكن من العبادة والطاعة ، ولا غرابة في ذلك فقد ظهر لنا أن الإنتاج يتوقف عليه العديد من المقاصد الشرعية، إضافة إلى كونه بذاته يعد من أفضل الطاعات لله تعالى، طبقًا لمدلول العديد من النصوص الشرعية. ومن ثم فقد وضعه علماء الإسلام في أعلى درجات الطاعات والقرب، اعتمادًا على ذلك، وعلى مضمون الحديث الشريف الذي رجح فيه درجة الشخص القائم بالإنفاق على الآخر المتفرغ للشعائر الدينية المعروفة (أخوه أعبد منه) .

تشريعات إسلامية للنهوض بهذه المهمة الإنتاجية:

من الفقرة السابقة اتضح أن تنمية الإنتاج مقصد إسلامي، ولم يقف الإسلام عند توضيح هذا المقصد وتبيان مدى أهمية العملية الإنتاجية، وإنما قدم من التشريعات ما يمكن اعتباره آليات عملية لتحقيق هذا المقصد، ومن ذلك على سبيل المثال :

1- انتزاع الأرض من صاحبها إذا عطلها وأهملها حتى خربت وامتنع عن تشغيلها ، على تفصيل في ذلك مبسوط في كتب الفقه(1) .

2- حبّب الإسلام في إحياء الموات وجعل مناطه العمل الاقتصادي الذي يحيل الموات إلى مال حي منتج، ومنع عملية التحجير(1) . وبذلك يتوفر للإنتاج موارد وطاقات تحقق له النمو والازدهار .

3- حبّب الإسلام في الإقطاع، وشرطه بالقدرة على الاستغلال من جانب وعدم الإخلال بمبدأ العدالة من جانب آخر .

4- حرّم الإسلام الفائدة، فقضى بذلك على التناقض بين النشاط الاقتصادي العيني والنشاط الاقتصادي النقدي. ووجّه الأموال ناحية النشاط الاقتصادي الحقيقي من زراعة لصناعة لتجارة الأمر الذي ييسر تحقيق المقصود الشرعي من تنمية الإنتاج(2) .

5- حرّم الإسلام الاكتناز النقدي وفرض الزكاة عليه دفعًا للأموال إلى مجال الإنتاج .

6- شرّع الإسلام التكافل الاجتماعي، ومنع القادر على العمل المتاح له من أية ضمانات اجتماعية، وفي ذلك دفع قوى للأفراد ناحية النشاط الإنتاجي .

7- شرّع الإسلام العديد من صيغ التمويل والتى توفر في جملتها احتياجات المشروع الإنتاجي المالية،  بحيث لا تقف عقبة التمويل سدًّا حاجزًا دون قيامه واستمراريته .

هذه بعض التشريعات التى قدمها الإسلام(3) ، وهي -كما هو واضح- ذات أثر بارز في دفع الأفراد نحو النشاط الإنتاجي لتحقيق أحد مقاصد الشريعة المتمثل في الحفـاظ على استدامة تنمية المال وزيادته(4) .

هذا عرض مبسط لم قدمه الإسلام من هدى حيال أهمية وأهداف العملية الإنتاجية . والسؤال المطروح: كيف نربي الناس التربية الاقتصادية الصحيحة التى تجعل سلوكهم الإنتاجي محققًا لمطلوب الإسلام؟ وأعتقد أن الإجابة عليه تأتي من علماء التربية فهم أدرى بذلك وأقدر عليه، عليهم أن يترجموا للناس في صيغة أساليب ومناهج وبرامج تربوية جادة كيف جعل الإسلام السلوك الإنتاجي الملتزم شرعًا في أعلى درجات العبادة والطاعة كما عبّر بحق الإمام ابن الحاج (وإذا كان ذلك كذلك فيحصل منه أنه لا فرق بين صلاته وتصرفه فيما هو فيه. إذ إن كل ذلك قد رجع إلى الله تعالى خالصًا ، فبقي في كل أحواله متقلبًا في العبادات، وهذا – النشاط الإنتاجي – أفضلها بعد الإيمان بالله وأداء المفروضات ؛ لأن هذا نفع متعد ، وذلك أرجح في الوزن وأعظم عند الرب)(1) .

المنتجات

بعد أن هدانا الإسلام إلى أهمية الإنتاج وحدد لنا الأهداف المتوخاة منه وحضنا وأمرنا بأن يكون سلوكنا الإنتاجي في إطار هذا المنهج – بين لنا ماذا ننتج، من خلال تحديد واضح وإن كان بشكل كلي، حدد لنا نوعية المنتجات، ومجالاتها وترتيبها، وذلك بهدف أن يهتدى سلوكنا الإنتاجي بهذه المبادئ والموجهات. وفيما يلي إشارات موجزة إلى بعض جونب هذا الهدي الإسلامي.

1- المشروعية:

أول مبدأ يجب على المنتج المسلم أن يلتزم به مبدأ المشروعية، ومعناه أن يكون المنتج مباح الاستخدام والانتفاع به. والقاعدة الشرعية: أن ما حرم استهلاكه حرم إنتاجه وتداوله، فيحرم كل نشاط اقتصادي يسهم في إنتاج هذا الشيء . قال e : (إن الله إذا حرّم على قـوم أكل شيء حرّم عليهم ثمنه)2)، وقال في الخمر: ( إن الذي حرم شربها حرم بيعها )(3) ، وقال عن اليهود: (قاتل الله اليهود إن الله لما حرم  عليهم شحومها – أي الميتة – جملوه ثم باعوه فأكلوا ثمنه)(4) ، وفي حديث الخمر: (لعن رسول لله في الخمر عشرة: عاصرها ومعتصرها وشاربها وحاملها والمحمولة إليه وساقيها وبائعها وآكل ثمنها والمشترى لها والمشتراة له)(5) .

وفي حديث الربا : (لعن الله آكل الربا وموكله وكاتبه وشاهديه ؛ وقال هم في الإثم سواء)(6) .

وأخذًا من ذلك كله قال العلماء: يحرم زراعة العنب بقصد تصنيعه خمرًا . وقال ابن تيمية: (ما حرم لبسه لم تحل صناعته ولا بيعه لمن يلبسه من أهل التحريم .. فلا يحل للرجل أن يكتسب بأن يخيط الحرير لمن يحرم عليه لبسه، فإن ذلك إعانــة على الإثــم والعدوان)(1).

وجاء في تفسير الآية الكريمة : ((يَاأَيُّهَا الَّذِينَ ءَامَنُوا لاَ تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ )) أي لا تتعاطوا الأسباب المحرمة في اكتساب الأموال(2).

وفي ضوء هذا الهدى الإسلامي لا توجد منتجات تضر بالدين أو الجسم أو العقل أو المال أو الخلق.. الخ. أو بعبارة أخرى لا توجد منتجات تدخل تحت نطاق الخبائث . وبذا تصان الموارد والطاقات من الإهدار والضياع في إنتاجها .

ويلاحظ أن نطاق هذه الخبائث اليوم متسع ولا يقف عند حد منتج أو اثنين أو ثلاثة ، وبالتالي فإن الكفاءة الاقتصادية المترتبة والناجمة عن الأخذ بهذا المبدأ لا يستهان بها، لا على المستوى المادي ولا على المستوى البشري ، ويستوى في ذلك ما يهدر ويبدد في إنتاجها وما ينجم عن استهلاكها من مضار(3) .

2- الجودة:

لا يقف الهدى الإسلامي حيال المنتجات عند حد المشروعية أو الإباحة والحرمة وإنما يسير معها خطوة أخرى، فبعد تنحية الأشياء التى لا تنال شرف المشروعية الإسلامية عن خريطة الإنتاج للإنسان المسلم، ولا يبقى عليها إلا الأشياء المباحة شرعًا يأمرنا الإسلام بأن تكون هذه السلعة أو الخدمة على أعلى درجة ممكنة من الحسن والجودة والصلاحية. ومنهج الإسلام العام عدم الوقوف عند مستوى (الصالح) طالما أمكن الوصول إلى مستوى (الأصلح) ربما بنفس الدرجة التي يحظر فيها الوقوف عند مستوى (الفاسد) وضرورة تجاوزها إلى مستوى (الصالح) ثم (الأصلح) .

والآيات القرآنية الكريمة والأحاديث النبوية الشريفة أكثر من أن تحصى في مجال تحسين وإجادة المنتجات وصلاحية كل عمل وما ينجم عن هذ العمل . والإحسان هو أعلى درجات الإجادة والإتقان . ويكفى تزهيدًا وتنفيرًا عن المنتجات الرديئة إدخال الإسلام لها تحت إطار الخبائث . فليس الشيء الخبيث في الإسلام  هو المحرم فقط بل هو أيضًا الرديء الفاسد السيئ من أي شيء، قال تعالى : ((وَلاَ تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَنْ تُغْمِضُوا فِيه)) (البقرة :267) وقدم القرآن الكريم إشارات عديدة ودقيقة وبينة الدلالة تحريضًا على المنتج الجيد. قال تعالى : ((صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْء))  (النمل :88) ، ((مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُور)) (الملك : 3) ، ((لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيم)) (التين : 4) ، ((أَنِ اعْمَلْ سَابِغَاتٍ وَقَدِّرْ فِي السَّرْدِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا إِنِّي بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ)) (سبأ : 11) ،  وملحمة سد ذي القرنين وكيف حرص بانيه على أن يصل إلى أعلى درجة من الجودة والصلاحية هي تنبيه  وتوجيه لنا بأن تكون منتجاتنا على هذا النحو من الجودة والإتقان .

وهكذا صار تجويد المنتج وتحسينه مطلبًا إسلاميًّا، بكل ما يتضمنه التجويد والإحسان من معنى وما يحتويه من جوانب، من حيث الخامة والحجم والصورة والشكل والغلاف والقوة والتناسق وسهولة الاستخدام. وكل ما يجعل المنتج محققًا لوظيفته على الوجه الأمثل، حتى تحقق أعلى رفاهة للمجتمع، وحتى يمكن تقديم المجتمع الاقتصادي الإسلامي كنموذج يحتذى به من قبل الغير، وحتى نبرهن بحق على أن الهدى الإسلامي في المجال الاقتصادي هو الأفضل والأقوم .

ولقد قدم الإسلام من القيم والمبادئ ما يجعل المسلم يحرص غاية الحرص على إجادة منتجه، ومن ذلك جعله للإنتاج عبادة وطاعة، والإنسان حريص على أن تكون عبادته وطاعته على أحسن ما يكون، وعلى المنتج المسلم أن يستشعر أن ما يقدمه من منتجات يؤثر تأثيرًا جوهريًّا إيجابيًّا أو سلبيًّا في حياة المسلمين من جهة، وفي نظرة الناس للإسلام من جهة أخرى، وهو محاسب أمام الله بقدر ما ينجم عن ذلك من نتائج، وبالطبع فإن تحقق ذلك المطلب رهين توفر ظروف موضوعية متعددة، من فن تكنولوجي ورءوس أموال ونظم إدارية وتدريب وخبرة .

3- التنوع:

تنويع المنتجات مصطلح واسع، فهو يشمل وجود منتجات متعددة من السلعة الواحدة أو الخدمة الواحدة، كما يشمل وجود العديد من السلع والخدمات، وعدم الاقتصار على قلة منها، والإسلام يحرص على أن يكون النشاط الإنتاجي في المجتمع منتشرًا وموزعًا بقدر الإمكان على كل القطاعات الاقتصادية، السلعية والخدمية. في ضوء القدرة والحاجة . وكلما كان متوازنًا ومتنوعًا كان أفضل، مع التسليم بتفاوت الأهمية النسبية بتفاوت الظروف والأزمنة والأمكنة، والمعيار الحاكم في ذلك هو (المصلحة العامة الأعلى والأكبر) .

والإسلام قدم العديد من الإشارات ذات الدلالة البينة في هذا الشأن، فقد أشاد بالزراعة وحث على ممارستها في العديد من الآيات والأحاديث والأعمال والتطبيقات، والأمر نفسه في الصناعة ونفسه في التجارة، الأمر الذي يعني أهمية التنوع والتوازن بين المجالات المتعددة.

وقد تناول العلماء هذه الأنشطة الإنتاجية المختلفة، وأجمعوا على أنها كلها مهمة ولا غنى عنها، وأنها متكاملة بدرجة أكبر من كونها متنافسة فلا تستغنى إحداها عن الأخرى، لما هنالك من تداخل في المدخلات والمخرجات. وهذا ما يشير به اليوم الفكر الاقتصادي السليم .

ومع اتفاق العلماء على ذلك فقد تنوعت مواقفهم حيال الترتيب أو الأهمية أو الأفضلية، فالبعض فضل الزراعة والبعض فضل التجارة والبعض فضل الصناعة ، والبعض يرجع الأفضلية إلى معيار الحاجة، فما اشتدت إليه حاجة الجماعة كان أفضل من غيره(1). وهذا الموقف الأخير هو الأصوب.

وقد تنبه علماء الإسلام إلى أهمية السلع الإنتاجية، ومن ثم ضرورة الاهتمام بها؛ لأن إنتاج السلع الاستهلاكية متوقف عليها في الحاضر وفي المستقبل(2) . وقد حذر الرسول e من إضاعة السلع الإنتاجية حتى ولو بتحويلها إلى سلع استهلاكية ، فقال لمن هَمّ بذبح شاة: ( إياك والحلوب)(3) .

ومقصود الإسلام في ذلك الاستغلال الأمثل للموارد والطاقات من جهة، وتحقيق العزة والاستقلالية وعدم التبعية من جهة ثانية، وتحقيق الرفاهة الاقتصادية للجميع من جهة ثالثة. وكل ما يسهم في ذلك كان مطلوبًا إسلاميًا. وقد ترك الإسلام للدولة أن تفعل ما تراه محققًا هذه المقاصد في ضوء ما يشير به أهل الاختصاص، وما يطلبه جماهير الناس، فرضى العامة مقدم على رضى الخاصة. ولا يكون ذلك إلا من خلال مشاركة شعبية حقيقية في تحديد هيكل ونمط الإنتاج الذي ينبغي أن يكون. ومعنى ذلك أمران: أولاً عدم ترك الدولة الأفراد يمارسون ما يرونه بحرية مطلقة، فكثيرًا ما يتحيزون لمصالحهم الخاصة على حساب المصالح العامة، وإنما عليها التوجيه السديد. وثانيًا عدم احتكار الدولة لتنظيم الإنتاج وإنجازه مهملة في ذلك القطاع الخاص.

والسؤال المطروح هو : هل من حق الدولة أن تجبر الفرد على العمل في قطاع معين وأن ينتج منتجًا معينًا ؟ كأن يعمل في الزراعة أو الصناعة أو التجارة وكأن ينتج قمحًا أو ملابس .. الخ .

والإجابة: لا ، ليس من حقها ذلك، هذا من حيث المبدأ والأصل، فالناس أحرار فيما يمارسون من أنشطة إنتاجية، طالما كانت في إطار الشرعية. ومع ذلك ففي بعض الحالات ، وهي قليلة، يكون من حقها ذلك، وهذا إذا كان المجال المتروك من المجالات ذات الأهمية الكبيرة في تحقيق المصلحة العامة، ولم يكن هناك من يقوم بذلك غير هذا الفرد، فللدولة عند ذلك أن تجبر الفرد على ممارسة الإنتاج في هذا المجال بعد أن تقدم له كل ما تستطيع من دعم وترغيب.

وقد فصل القول في هذه المسألة الإمام ابن تيمية إذ يقول: (والمقصود هنا أن هذه الأعمال التى هي فرض على الكفاية متى لم يقم بها غير الإنسان صارت فرض عين عليه لاسيما إن كان غيره عاجزًا عنها . فإذا كان الناس محتاجين إلى فلاحة قوم أو نساجتهم أو بنائهم صار هذا العمل واجبًا يجبرهم ولي الأمر عليه إذا امتنعوا عنه بعوض المثل، ولا يمكنهم من مطالبة الناس بزيادة عن عوض المثل، ولا يمكن الناس من ظلمهم بأن يعطوهم دون حقهم، كما إذا احتاج الجند المرصدون للجهاد إلى فلاحة أرضهم ألزم من صناعته الفلاحة

بأن يصنعها لهم، فإن الجند يلزمون بأن لا يظلموا الفلاح كما ألزم الفلاح أن يفلح للجند)(1) .

4- الأولوية أو الترتيب أو الأهمية النسبية :

هذا المبدأ وثيق الصلة بالمبدأ السابق مع ما فيه من بعض التميز. والمقصود هنا مراعاة التفاوت النسبي في الأهمية بين المنتجات المختلفة، فمن المعروف أن السلع والخدمات تتفاوت في أهميتها، فمنها الضروري ومنها الكمالي ومنها المتوسط أو العادي. ويمكن

تصنيف ذلك على مستوى كل فرد أو أسرة، كما يمكن تصنيفه على مستوى الجماعة أو المجتمع، وذلك طبقًا لعامة الناس واحتياجاتهم، ومهما ارتبط ذلك التصنيف من الناحية الاقتصادية بحال كل شخص ووضعه فلا شك أن له بعدًا اجتماعيًّا عامًّا ، ولا يختلف اثنان حول كون الخبز سلعة ضرورية أو أساسية بينما العطور سلعة كمالية . وهكذا. وعادة لا تتسع الموارد لإنتاج كل شيء مطلوب من ضروري وحاجي وكمالي. وهنا نتساءل : ماذا نقدم؟ وماذا نؤخر؟ وما هو الهدى الإسلامي في هذا الشأن؟ وهل هناك إلزام شرعي بأن يبدأ المنتج بكذا ولا يبدأ بكذا؟ وهل يستوى في ذلك كون المنتج قطاعًا خاصًّا أو قطاعًا عامًّا؟

إن مبدأ الأولويات مبدأ معترف به من كل الأنظمة والمذاهب، وفي كل المجالات، كما أنه محل اعتراف إسلامي. فالأمور على اختلاف طبائعها متفاوتة، والمصالح متفاوتة والمفاسد متفاوتة، وقد حثنا الإسلام على أن نبدأ بالأهم فالأقل أهمية إذا ضاقت الموارد والإمكانات . وقد تناول علماء الفقه والأصول هذا الموضوع من منظورهم تناولاً مفصلاً، فقالوا أن مقاصد الشريعة، أو بعبارة أخرى إن المصالح متفاوتة الدرجات، فمنها ما هو في مرتبة الضروري أو الأساسي، ومنها ما هو في مرتبة الكمالي أو التحسيني، وبين هاتين الدرجتين درجة متوسطة هي مرتبة الحاجي . والذي هو أقل ضرورة من الضروري وأكبر أهمية وأشد احتياجًا من الكمالي.

وبعض الباحثين في الاقتصاد الإسلامي أخذ هذا التصنيف الفقهي ونادى بضرورة تطبيقه واستخدامه في المجال الاقتصادي بحيث تقوم السياسات الاقتصادية مرتكزة على مضمونه، فيكون البدء بالضروريات، ثم الحاجيات، وفي النهاية الكماليات(1) .

ومعنى ذلك عدم جواز أو صحة قيام نهج اقتصادي أو سياسة اقتصادية مغايرة أو معاكسة .

وهناك ملاحظات عديدة حول هذا الرأي فما هو مستنده الشرعي؟ وكيف يطبق عمليًّا؟ وهل هناك شواهد أو تجارب عملية شرعية تؤيد ذلك؟

إن معنى القول بذلك هو عدم جواز وجود أي منتج حاجي أو كمالي في مجتمع ما طالما لم يستوف هذا المجتمع ضرورياته . ولا شك أن ذلك مخالف إلىحد كبير لما كان عليه الحال في صدر الإسلام؛ حيث كانت توجد السلع الكمالية مع عدم الإشباع الكلي من السلع الضرورية. لقد كانت المدينة المنورة في أمس الحاجة إلى الحبوب والخبز ومع ذلك كانت تزرع الفواكه ، وكان يُتاجَر في الفواكه والعطور وغيرها.

ومع التسليم بهذه الملاحظات فإن القول بعدم ذلك كلية هو الآخر محل ملاحظات قد تكون أشد، حيث ينصرف المنتجون إلى مصالحهم الخاصة، وعادة ما يكون ذلك في العمل في السلع والخدمات الكمالية، حيث القوة الشرائية عالية. ومعنى ذلك ضياع الفئات الفقيرة بل وكثير من الطبقة المتوسطة، وهذا مناقض للمقاصد الشرعية من الإنتاج التى سبقت الإشارة إليها .

وإذا كان ذلك واضحًا على المستوى الجزئي أو الفردي فإنه أكثر وضوحًا وخطورة على المستوى الكلي أو القومي. فإذا ما ألقينا نظرة على تخصيص الموارد الإسلامية وطنيًّا أو قوميًّا فإننا نجد خللاً كبيرًا، فالأساسيات مهملة والكماليات محظوظة . ولا شك أن ذلك غير مقبول شرعًا كما أنه غير سليم وصحيح اقتصادًا .

ومعنى ذلك أننا أمام  عملية مواءمة وموازنة ، وعلينا بالنظرة الشاملة التى تراعي البعد الخاص والبعد العام معًا، ومن ثم فعلينا بالإعمال المنقح أو الجزئي لهذا المبدأ. وليس الإعمال الكلي المطلق أو الإهمال الكلي المطلق . كذلك علينا أن نميز بين المنتج الفردي والمنتج الحكومي. وعلينا أن نميز داخل المنتج الفردي بين سلعة وأخرى، من حيث ما تتطلبه من خدمات ومرافق وتسهيلات من قبل الدولة . كل ذلك يولد لنا توليفة من الإنتاج أو المنتجات تحتوى على الأساسيات والضروريات بدرجة غالبة، ولا تخلو مطلقًا من خدمات وسلع حاجية وكمالية، كما تحتوى على سلع إنتاجية وسلع استهلاكية، وسلع ثقيلة وسلع خفيفة .

والمهم في الأمر أن يعكس هيكل الإنتاج القائم بقدر الإمكان كل ما تقصده الشريعة من السلوك الإنتاجي، وبالذات توفير أساسيات الحياة لجميع الأفراد. بحيث يكون لها الوزن الأثقل عند الترجيح والمفاضلة ، وبحيث نبتعد بكل جهدنا عن تعايش الترف مع العوز، والتخمة مع الخواء، والآبار المعطلة مع القصور المشيدة، ولاشك أنه لو أحسن الأفراد فهم المقصود الإسلامي من العملية الإنتاجية، وكذلك الدولة، واستخدمت ما لديها من أدوات وأساليب وصلاحيات لحققت النمط أو الهيكل الإنتاجي الكفء الذي يريده الإسلام ويأمر به .

5- الكم أو الحجم المناسب:

هذا المبدأ يتعامل مع قضية كم المنتجات. وبعبارة أكثر تحديدًا نقول: هل الإسلام يرى الاستغلال الأقصى للموارد والطاقات بحيث تنتج أقصى قدر ممكن من المنتجات من سلع وخدمات أم يرى عدم الوصول إلى هذا الحد الأقصى في الاستغلال وفي المنتجات؟ هناك من ذهب من الاقتصاديين الإسلاميين إلى القول بالأول وهناك من قال منهم بالثاني.

إن حجة من قال بالاستغلال الأقصى والإنتاج الأقصى أن في ذلك تحقيقًا لمقصود الشريعة بتنمية الأموال وعدم تعطيلها، وتحقيق أعلى معدلات الرفاهة الاقتصادية، وحجة من نادى بالاستغلال والإنتاج قبل حدود الطاقة القصوى أنه في الوصول إلى ذلك إسراف وإهدار وتبديد كما أن فيه اعتداء على البيئة، وفيه اعتداء على حقوق الأجيال القادمة، وكل ذلك منهى عنه شرعًا، وإذن فالحجم المطلوب شرعًا هو الحجم الأمثل وليس الحجم الأقصى(1) .

ومع التسليم بوجاهة هذا الموقف الثاني فإن مشكلته تكمن في تحديد الحجم الأمثل. فما هو وما هي معاييره وضوابطه؟ ومع التسليم بهذه المشكلة فإننا نسلم في الوقت ذاته بعدم استحالة التعرف عليه ووضع ضوابط له، في ضوء الإرشادات الشرعية المتنوعة، ومن خلال ما هو متاح للجماعة وللدولة في الإسلام من تقدير للمواقف واتخاذ القرارات في ضوء هذا التقدير، طالما كان مستوفيًا للضوابط الشرعية. وأيًا كان ، فالإٍسلام إذ يكره تعطيل الموارد والطاقات فإنه يكره بدرجة أشد الإسراف والترف والتبذير وفساد البيئة وإهدار المستقبل وما لأصحابه من حقوق لا تقل قدسية عن حقوق الحاضر. وبين هذا وذاك على الدولة أن توازن في ضوء المشاركة الحقيقية في الرأي من قبل كل من له فكر وبصر.

أسلوب الإنتاج

كما قدم الإسلام هدايته في الإجابة على التساؤلات المتعلقة بأهمية الإنتاج وأهدافه وبنوعية المنتجات وأحجامها وترتيبها قدم هدايته المتعلقة بكيفية الإنتاج، أو بعبارة أخرى بأسلوب الإنتاج .

وأسلوب الإنتاج يمكن أن يدرس من زاويته الفنية وأن يدرس من زاويته الاجتماعية، والأصح أن يدرس من الزاويتين معًا .

الأسلوب الفني في الإنتاج:

يقصد به استخدام القوانين الموضوعية المعروفة لدى الإنسان في العملية الإنتاجية واكتشاف ما يمكن اكتشافه منها للاستفادة به فيها .

لقد خلق الله تعالى الكون محكومًا بسنن، وعلى الإنسان التعرف على هذه السنن، ثم العمل بمقتضاها ، حتى يتمكن من الاستفادة من الكون وكنوزه ((قَدْ جَعَـلَ اللَّهُ لِكُــــــلِّ شَيْءٍ قَدْرًا)) (الطلاق: 3) ، ((إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الأَرْضِ وَءَاتَيْنَـــاهُ مِنْ كُلِّ شَـــيْءٍ سَــــــبَبًا)) (الكهف: 84) وقد تمكن ذو القرنين من فعل ما فعله ومن إنتاج ما أنتجه من مشروع عملاق تمثل في سد عظيم وذلك بفضل معرفته بالقوانين والسنن التى وضعها الله تعالى في خلقه وقد آتاها سبحانه وتعالى له .

وموقف الإسلام من هذا الجانب الفني في الإنتاج تجسد في قوله e : (أنتم أعلم بشئون دنياكم)(1) فقد وكل الإسلام إلى العقل البشري والتجربة البشرية مهمة التعرف على ذلك والقيام به، دونما حجر أو تقييد، بل دعم وتحريض، فالناس من خلال عقولهم وتجاربهم أعلم بهذه الأمور ، إذن هي دعوة قوية وصريحة إلى استخدام كل ما يمتلكه الإنسان من خبرة ودراية وتجربة وفكر . وبهذا كان المنتج المسلم ليس فقط حرًّا في استخدام قدراته وملكاته في هذا الجانب، بل هو مأمور إسلاميًّا ببذل كل جهد وطاقة في سبيل التعرف على هذه القوانين وحسن الاستفادة بها.

وتجدر الإشارة إلى أن هذا الحديث الشريف جاء بمناسبة إشارة الرسول e باستخدام أسلوب فني معين في إنتاج بعض السلع، وشاءت إرادة الله تعالى ألا يكون هذا الأسلوب موافقًا لسنن الله في خلقه، وذلك لحكمة جليلة، حتى تأتى كلمة الإسلام في هذا الشأن حاثة وآمرة ومحرضة العقل المسلم والحس المسلم على استخدام هذين المصدرين للوصول إلى المعارف المختلفة في هذا المجال .

ثم إن استخدام الأسلوب الفني المناسب يحقق العديد من مقاصد الإسلام في المجال الاقتصادي، فهو يحافظ على الأموال ويمنع إهدارها ، وهو يمكِّن من حسن استخدامها وتنميتها، كما أنه يسهم في تحقيق الرفاهة الاقتصادية للناس. والمسلم مأمور بحسن الوسيلة والأسلوب مثلما هو مأمور بحسن الغاية والمقصد .

والمعروف أن هناك العديد من الأساليب الفنية التى يمكن استخدامها في العملية الإنتاجية، منها ما يعتمد على كثافة رأس المال، ومنها ما يعتمد على كثافة العمل، ومنها ما يعتمد على تكنولوجيا متطورة، وما يعتمد على تكنولوجيا بسيطة . وعلى المنتج المسلم أن يقارن ويفاضل بين تلك الأساليب المختلفة ويختار أفضلها .

ولابد من وقفة مع هذه الأفضلية ومعيارها ، فالمعروف أن الأساليب الفنية كثيرًا ما تتفاوت من حيث التكلفة أو من حيث العائد، فقد يتفق أسلوبان في إنتاج منتج معين لكن بتكلفة مختلفة، وقد يتفق أسلوبان في إنتاج منتج معين بتكلفة متساوية مع اختلاف مقدار الناتج في كل منهما . وعلى المسلم أن يختار الأسلوب الأكفأ وهو الذي يحقق عائدًا أعلى أو يجلب تكلفة أقل، وليست المسألة على إطلاقها وإنما لابد أن يتم ذلك في ضوء القيم والمبادئ والضوابط الإسلامية ، ومن ثم فعليه ألا يخرج أو يخل بهذه الضوابط أو بعضها .

ففي كل من الأساليب الفنية المذكورة سلفًا نجد المزايا ونجد المثالب، من حيث العمالة والاستغلال الأمثل للموارد ونوعية العلاقات الاقتصادية الخارجية والأثر البيئي وغير ذلك(1) .

وأحيانًا ما يتعارض الاعتبار أو المعيار الخاص مع الاعتبار أو المعيار العام، وعلى المسلم هنا أن يبذل قصاري جهده في التوفيق بين الاعتبارين وعدم الإهمال الكامل لأي منهما .

وبالتالي فلتكن دالة الهدف بالنسبة له متعددة العناصر ؛ العنصر الخاص والعنصر العام.قال تعالى : ((وَابْتَغِ فِيمَا ءَاتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الآخِرَةَ وَلاَ تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا وَأَحْسِنْ كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ وَلاَ تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الأَرْضِ إِنَّ اللَّـــــهَ لاَ يُحِـــبُّ الْمُفْسِـــدِينَ)) (القصص: 77) .

وعليه أن يعي جيدًا أن لملكيته الخاصة وظيفة اجتماعية لا تقل أهمية عن وظيفتها الخاصة. والمسلم يسلك مسلكه مستشعرًا أنه في طاعة وعبادة ، وأن عائده مكون من عائد مادي مباشر وعائد غير مادي وغير مباشر، كما أنه يتحمل تكلفة خاصة مباشرة، ويتحمل معها تكلفة أخرى غير مباشرة . فهناك بالإضافة إلى العائد الدنيوي المادي والتكلفة المادية الثواب والعقاب في الآخرة. واستهداف الأرباح والمزيد منها مشروع في العمل الإنتاجي الخاص، بل ومطلوب شريطة أن يتم ذلك في إطار الضوابط والمبادئ الشرعية(2).

والأمر في اختيار الأسلوب الفني المناسب على مستوى الإنتاج العام الذي تقوم به الدولة أيسر وأهون ، إذ على الدولة أن تراعي الأسلوب الأفضل، مدخلة في حسبانها العائد الاجتماعي العام، وكذلك التكلفة الاجتماعية العامة، ومدخلة في حسبانها كذلك متطلبات المستقبل بجوار متطلبات الحاضر، وواعية بما هناك من تداخل قوى بين مختلف الصناعات والقطاعات. وفي ضوء ذلك فإنه قد لا يكون من الصواب القول بأن الإسلام يفضل على طول الخط هذا الأسلوب أو ذاك. والصواب أن الأسلوب الذي يحقق تعظيم المصلحة العامة هو الأسلوب الأمثل إسلاميًّا وقد يكون في تنوع الأساليب من قطاع لقطاع، ومن صناعة لأخرى مخرج جيد من هذه المشكلة، وهنا تلعب الشورى والمشاركة الحقيقية دورها البارز في ترشيد القرار الحكومي، ومن ثم سلامة الأسلوب الفني المتبع.

الأسلوب الاجتماعي في الإنتاج:

السلوك الإنتاجي سلوك اجتماعي بطبيعته، إذ يدخل المنتج في شبكة من العلاقات الاجتماعية متعددة الأطراف، فهناك العملاء وهناك الموردون وهناك العاملون بالمشروع، وهناك البيئة المحيطة، وهناك المجتمع ككل. والمنتج يدخل في علاقات مستمرة مع كل هؤلاء فهو يبيع لهذا ويشترى من هذا، ويوظف هذا، ويقترض من هذا، ويشارك هذا، وينافس هذا، ويتحالف مع هذا، ويستفيد من الخدمات العامة، ويسهم في الضرائب ..الخ .

إذن لا يتصور أن تحدث عملية إنتاجية في غيبة هذه الأبعاد الاجتماعية، والمنتج يتخذ لنفسه من الأساليب ما يراه مناسبًا له في ممارساته لهذه العلاقات الاجتماعية .

وعادة ما يحرص المنتج على استخدام الأسلوب الذي يراعي مصلحته الخاصة إلى أبعد حد ممكن. وفي حالات كثيرة لا يلتفت إلى مصالح الأطراف الأخرى في علاقاته، أو على الأقل لا يوليها ما تستحق من عناية ورعاية. فهو عادة ما يحرص على الأجر المنخفض للعاملين لديه، وعلى السعر المرتفع لعملائه وعلى السعر المنخفض لمورديه، وعلى أن يفوز بنصيب الأسد من السوق إن لم يكن السوق كله، ويحرص جهده على الحصول على الأموال المطلوبة بأقل التكاليف، وأحيانًا ما يماطل في سدادها لأصحابها ، كذلك فهو يحرص على الاستفادة القصوى من الخدمات والمرافق العامة، وفي الوقت نفسه تحمل أقل تكلفة ممكنة للدولة من خلال الضرائب وغيرها .

خلاصة القول: أن المنتج في علاقاته مع الغير عادة ما يكون رائده تحقيق أقصى قدر ممكن من العائد وتحمل أدنى قدر ممكن من الأعباء والنفقات . وهذا المسلك – وإن بدا أنه أمر فطري عادي لا غبار عليه، لأن الجميع يحرص على ذلك والكل يدافع عن مصلحته الخاصة، فإنه في الحقيقة يجلب الكثير من المضار والمفاسد والشرور، وخاصة إذا لم تكن هناك أية ضوابط أو قيود، ولم تكن القوى المتعاملة متعادلة، فعند ذلك يحدث الظلم والتظالم، وبشيوعه ينهار المجتمع. ومن هنا حرص الإسلام على تقديم هداياته في كل هذه العلاقات الاجتماعية المتضمنة في العملية الإنتاجية. فحرّم الظلم والضرر، وحرم بخس الناس حقوقها، وحرم الغش والاحتكار، وحرم العدوان على الغير وإضراره، ورسخ في قلب وعقل المسلم أن إيمانه لا يكمل إلا إذا أحب لأخيه ما يحب لنفسه. وعلى المنتج ألا ينتج بمال حرام، مثل الربا . وقد أجمل ابن الحاج هذا كله في عبارة جامعة فذة إذ يقول: (.. لكن يتعين عليه أن يتجنب في صناعته كل ما يعلم أنه مفسد لنيته أو منقص لها)(1) .

مسئولية الإنتاج

نأتى إلى السؤال الأخير: من المسئول عن الإنتاج؟ ونحاول أن نتعرف على الهدى الإسلامي حيال الإجابة عليه. وتتحدد المسئولية عن الإنتاج في ضوء مقاصد الشريعة في المجال الاقتصادي عامة والمجال الإنتاجي منه خاصة .

إن الإسلام يريد إنتاجًا بنمط خاص ومواصفات معينة، وحتى يتحقق ذلك قدّم نظامًا معينًا للملكية، وللحرية الاقتصادية، ولدور الدولة، وللتوزيع ، والأسعار ، وكل يخدم في النهاية مقصود الشريعة في الإنتاج، وبالبحث والدراسة تبين أن مقصود الشريعة في الإنتاج يتطلب أن تكون الجهة المسئولة عنه ممثلة في الأفراد والدولة معًا، أو بعبارة أخرى في القطاع الخاص والحكومة. ودور القطاع الخاص في الإنتاج  من المنظور الإسلامي من الوضوح بمكان، فهو مؤيد ومؤصل بالعديد من النصوص والقواعد الشرعية، وبالتالى فإن مسئولية القطاع الخاص الإنتاجية هي أصل أصيل في الاقتصاد الإسلامي . فهو من جهة حق  مقدس له ، لا يجوز للدولة الاعتداء عليه تحت أي ظرف ، طالما تم في الإطار الشرعي، كما أنه من جهة أخرى واجب محتم، لا يجوز للقطاع الخاص التخلي عنه أو الإهمال فيه . أما دور ومسئولية الدولة عن الإنتاج فهو أيضًا من الأصول الأساسية الأصيلة في الاقتصاد الإسلامي . بهذا جاءت النصوص وتضافرت القواعد الشرعية. وهذا الدور أو المسئولية الحكومية في الإنتاج ذو شطرين ؛ الشطر الأول مسئولية الدولة عن إنتاج القطاع الخاص، فليس معنى كون هذا شأن القطاع الخاص وأمرًا من أموره انتفاء مسئولية الدولة عنه، فهي مسئولة عن تمكين القطاع الخاص من القيام بدوره والاستفادة بحقه، وهي مسئولة في الوقت ذاته عن حمله على أداء واجبه على الوجه الأمثل(1) .

وكثيرًا ما ينحرف القطاع الخاص عن جادة الطريق ، جريًا وراء النفع الخاص ، وقد يرتكب في ذلك الجرائم والمنكرات في حق الغير وحق المجتمع . ونحن جميعًا مأمورون بتغيير المنكر . والدولة في ذلك على رأس المأمورين، كما يقول بحق الدكتور هيكل: ( هذه الوصية التى جاءت في حديث تغيير المنكر في صيغة الأمر، والموجهة لكل فرد من المجتمع، يجب أن تعتبر على أنها موجهة كذلك إلى الدولة في مجموعها، بل إن عبئها يقع على الدولة بقدر يفوق العبء الذي يجب أن يتحمله الفرد؛ وذلك لأن الدول يجب ألا تقف موقف المتفرج اللامبالي في مواجهة الفوضى التي تسود النشاطات الاقتصادية المختلفة في ظل المفاهيم الاقتصادية الغربية التى تترك لرجال الأعمال حرية العمل والإنتاج، وبالتالي حرية الهيمنة على الأسواق واستغلال الناس . فالدولة الإسلامية انطلاقًا من المبادئ الدينية التى تقوم عليها يجب أن تتدخل بكل إمكاناتها وأجهزتها المختلفة لتحقيق الاستغلال الأمثل لموارد المجتمع …)(2).

أما الشطر الثاني في مسئولية الدولة عن الإنتاج، فهو ما يتعلق بممتلكاتها العامة ذات الصفة الإنتاجية ، فعليها أن تمارس الإنتاج فيها وتنميها وتستثمرها ولا تتركها عاطلة، وينطبق عليها كل ما ينطبق على إنتاج القطاع الخاص من قواعد ومبادئ وضوابط، من حيث الهدف والوسيلة والنوعية .. الخ. فولي الأمر مأمور بتثمير أموال بيت المال بكل ما يتيسر له(3) . وقد قدم الإسلام للدولة في ذلك خيارين عليها أن تختار أفضلهما في ظل ملابساتها وظروفها ، فلها أن تقوم هي نفسها بالإنتاح من خلال ما يعرف حاليًا بالقطاع العام، ولها أن تخول وتفوض عمليات الإنتاج للقطاع الخاص، بنظام يحفظ حقوق المجتمع فيها وفي عائدها. والتجارب والشواهد العملية في صدر الإسلام عديدة، ومنها الإقطاع ، وأراضي الفتوح، وأراضي الصواف. وكلام الفقهاء في ذلك واضح بيّن(1) .

واجتماع الشطرين الخاص والعام في العملية الإنتاجية، أو بعبارة أخرى اشتراك كل من القطاع الخاص والدولة في تحمل مسئولية الإنتاج ينتج تنظيمًا معينًا للإنتاج، يرتكز من ناحية على جهاز السوق، ومن ناحية أخرى على العمل الإداري الحكومي، والدولة مفوضة شرعًا في استخدام ما لديها من سياسات مالية ونقدية وغيرها، وكذلك من أساليب تخطيطية، تحقيقًا وقيامًا لها بدورها ، شريطة أن تلتزم في كل ذلك بالإطار الشرعي .

ومسئولية الدولة عن الإنتاج لا تقف عند ذلك، بل عليها مسئولية إعداد وتجهيز وتهيئة البيئة الصالحة لقيام عملية إنتاجية ناجحة، ومن ذلك على سبيل المثال وليس الحصر :

1- تربية الإنسان التربية الشرعية الاقتصادية الصحيحة وتعليمه التعليم الجيد الذي يولد فيه الثقافة الإنتاجية الإسلامية، فالإنسان بما يقدمه من عمل هو العنصر الفعال الأساسي في العملية الإنتاجية ، وما لم تتوفر له القدرة والأمانة فلن ينهض بمهمته على الوجه المرجو، وتلك مسئولية الدولة في المقام الأول .

ولا تقف مسئولية الدولة في تربية وتأهيل الفرد عن حد التربية الإنتاجية، بل تتعداها إلى التربية الاستهلاكية الصحيحة، لما للاستهلاك من آثار بارزة إيجابية أو سلبية في العملية الإنتاجية . وقد مارست الدولة الإسلامية في عهودها الزاهية السابقة الدور التثقيفي الإنتاجي والاستهلاكي للأفراد(2) .

2- توفير البيئة المالية والتمويلية الفعالة اقتصاديًّا والمباحة شرعًا .

3- إقامة العلاقات والاتفاقيات الخارجية بالشكل الذي يوفر للإنتاج فرصته للانطلاق والنمو، ومن ذلك على سبيل الخصوص إقامة التعاون الاقتصادي الإسلامي بنماذجه وصوره الفعالة.

4- إقامة أجهزة حكومية لحماية المستهلك، وتشجيع وتدعيم الأجهزة الشعبية في هذا الصدد، مستفيدة في ذلك من التجربة الإسلامية السابقة الممثلة في جهاز الحسبة .

5- والحال نفسه ينطبق على حماية البيئة وإقامة وتشجيع كل ما يعمل على ذلك من أجهزة ومؤسسات .

هذه نبذة سريعة، ولا أزعم أنها وافية أو شاملة أو حتى كافية، عن السلوك الإنتاجي في الإسلام من الناحية المثالية أو النموذجية أو من حيث مراد الشارع ومقصوده . فماذا عن السلوك الإنتاجي الإسلامي من حيث الواقع القائم فعلاً وإلى أي مدى يتفق أو يختلف مع المثال ؟ هذا ما يعـــرض له -بإيجاز شديد- المبحث التالي .

 

المبحث الثاني

السلوك الإسلامي في الإنتاج – الواقع

من خلال عرضنا السابق للسلوك الإنتاجي طبقًا لما يريده ويقصده الإسلام، في حدود فهمنا له تبين أن السلوك الإنتاجي الإسلامي هو سلوك رشيد وفعال، ويولد عملية إنتاجية ناجحة بكل المعايير، فإذا ما يممنا وجوهنا شطر الواقع القائم فعلاً في دنيا المسلمين، وفي حياتهم الاقتصادية الإنتاجية لنتعرف على الواقع الإنتاجي وما يقوم عليه من ركائز وما يتميز به من سمات وخصائص، مستهدفين بهذه المعرفة معرفة أهم وهي مدى اتفاق الواقع مع المثال ومدى اختلافه عنه، فإننا عادة ما لا نجد الواقع هو نفس المثال ، بل هناك فروق واختلافات في ناحية أو أخرى من النواحي، وهذا الاختلاف والتمايز هو من حيث أصله أمر عادى لا يثير كثيرًا من الخوف والاضطراب، لأن المثال عادة بحكم جوهره وحقيقته هو ما يعز على التجسيد الواقعي تمامًا، وربما لم يحدث انطباق الواقع مع المثال على مستوى الأفراد إلا على شخص الرسول e . والمهم أن تكون الفجوة بينهما ضيقة بقدر الإمكان، وقد تحقق ذلك في مجتمع المدينة في زمن الرسول e . والخطورة تكمن في اتساع الفجوة واحتداد الاختلافات والفروق وبعد الشقة، بحيث يكون المثال في واد والواقع في واد آخر. عند ذلك يكون الفرد ويكون المجتمع في خطر داهم ماحق، وعليه أن يتجه  بواقعه سريعًا نحو المثال.

ماذا عن الواقع الإنتاجي في العالم الإسلامي اليوم ؟ إن تقصي هذا الواقع على أصعدته المختلفة المتدرجة أمر فوق الطاقة. وما يمكن عمله هو الإشارات المجملة السريعة إلى أهم ملامح ومواصفات هذا الواقع، آخذين في الحسبان المستوى الجزئي والمستوى الكلي، المستوى القطري والمستوى الإقليمي والمستوى الإسلامي. ودون إصدار حكم سابق فإن أحد الملامح العامة والأساسية في الواقع الإنتاجي الإسلامي هو ابتعاده كثيرًا عن المثال الإسلامي الإنتاجي. وشواهدنا ومؤيداتنا في القول بذلك عديدة. وقبل أن نأخذ في عرض بعض هذه الشواهد يجدر التنبيه إلى مسألة منهجية مهمة تيسر لنا عملية التعرف السليم على موقع الواقع الإنتاجي من المثال . وفي نظري أن ذلك يكون من خلال النتائج والمترتبات. بمعنى أن المثال الإسلامي في الإنتاج يرتب نمطًا إنتاجيًّا ذا كفاءة عالية، كما يرتب درجة عالية من الرفاهة الاقتصادية العامة، وكذلك درجة عالية من التدين والطاعة . فهل الواقع الإنتاجي الإسلامي اليوم محقق لتلك النتائج؟ هل نستطيع القول بأن نمط الإنتاج السائد اليوم هو نمط ذو كفاءة عالية، هو نمط مولد لمستوى عال من الرفاهة الاقتصادية والاجتماعية ، وهو نمط تتخلله القيم والمبادئ الإسلامية وتشع منه الطاعة والتدين؟

إن الإجابة على تلك التساؤلات من خلال الواقع هي إلى النفي أقرب منها إلى الإيجاب .

ويمكن التدليل السريع المجمل على ذلك بما يلي من أمور، هي بالفعل حقائق لا تحتاج إلى تأصيل وتدليل.

1-  حجم الإنتاج الإسلامي المعاصر:

تفيد الدراسات والبحوث أنه إذا ما قورن حجم الإنتاج في العالم الإسلامي على كل مستوياته، وخاصة على المستوى الإسلامي، ثم المستوى الإقليمي (العرب مثلاً) ، ثم المستوى القطري، وأخيرًا المستوى الجزئي. إذا ما قورن بالحجم المتوفر المتاح لدى المسلمين من عناصر الإنتاج فإن هذا الحجم يبدو متواضعًا ، إن لم يكن متدنيًّا. فما هو قائم أقل بكثير مما يمكن أن يكون في ضوء هذه العناصر الإنتاجية المتوفرة. والإحصاءات توضح اتساع الفجوة بين الموارد والمنتجات، والملاحظ أن ذلك يكاد يكون عامًّا وشاملاً كل القطاعات الاقتصادية، فنجده في الزراعة ونجده في الصناعة والتعدين، ونجده في التجارة والخدمات . فإنتاج العالم الإسلامي بكامله لا يضاهي إنتاج دولة واحدة من بعض الدول المتقدمة مع ضخامة ما يمتلكه من موارد وطاقات بالنسبة لهذه الدولة أو تلك .

وقد انعكس هذا في تدنى مستوى النمو الاقتصادي ومعدلاته في هذا العالم، كما انعكس في تدنى مستويات المعيشة فيه، فغالبيته العظمى تقع في أدنى درجات السلم في مستوى الدخول. كذلك في اعتماد هذا العالم بشكل أساسي على المنتجات الأجنبية .

إذن نحن أمام حقيقة لا مجال للجدال حولها تتمثل في تدنى وضعف الوضع الإنتاجي في العالم الإسلامي(1) . وبلا شك فإن هذا يتعارض تمامًا وما يجب أن يكون في ضوء المثال الإسلامي الذي يجعل قضية الإنتاج في أوليات الفرائض الشرعية بالنسبة للمسلم، والذي يجعل من إعمار الأرض واستغلال هذه الخيرات الإلهية هي مناط استخلاف الله تعالى للإنسان في الأرض. إذن هناك العديد من الموارد الاقتصادية المعطلة أو التى لا تشغل التشغيل الأمثل دونما مبرر موضوعي لذلك .

2- جودة المنتجات الإسلامية المعاصرة:

المنتج الإسلامي هو بوجه عام ذو جودة ضعيفة وخاصة إذا ما قورن بالمنتج الأجنبي، وينطبق ذلك على المنتجات الاستهلاكية بشتى صنوفها كما ينطبق بوجه أخص على المنتجات الإنتاجية ، إن كانت موجودة أصلاً في ربوع العالم الإسلامي، فقلَّ أن نجد ماركات عالمية إسلامية لأي منتج من المنتجات، وأبلغ دليل على ذلك ما يلقاه المنتج الإسلامي من صعوبات جمة في مجال التصدير، بل حتى في السوق المحلي، ووراء ذلك العديد من العوامل منها تخلف الفن الإنتاجي، والتخلف التكنولوجي، ورداءة وقلة رءوس الأموال، وتدنى مستوى المهارة والخبرة الإدارية والفنية. وكل تلك العوامل مناقضة للهدى الإسلامي في المجال الإنتاجي الذي يؤكد على بلوغ جودة المنتج أعلى مستوى ممكن . ويؤكد على ضرورة توفير كل مقومات تحقيق ذلك المستوى. ومعنى ذلك أنه قد انضم في المنتج الإسلامي الواقعي القلة وتدنى الجودة . وهذا لا ينفى وجود بعض المنتجات الإسلامية التى جمعت مع الوفرة جودة طيبة لكن ذلك لا يمثل جزءًا جوهريًّا من المنتجات .

3- هيكل الإنتاج الإسلامي المعاصر:

من السمات المميزة لهذا الإنتاج والتى لا يختلف حولها اثنان ما هنالك من تشوه واختلال في هيكله . فعنصر الأولويات غائب، فكم من منتج ضروري وأساسي لا يوجد ، وإذا ما وجد فبحجم أقل ونوعية أردأ ، وخذ مثالاً على ذلك سلعة الغذاء وسلعة السلاح وسلعة السكن الشعبي وخدمة العلاج الأساسي وخدمة التعليم الأساسي، هناك وفرة في بعض المنتجات وندرة في بعضها الآخر، ولو كان ذلك متمشيًا مع درجة أهمية السلعة للعامة لكان أمرًا محمودًا لكنه معاكس لها، فالوفرة في بعض الكماليات والندرة التى تكاد تصل في بعض صورها إلى الندرة المطلقة في الكثير من الأساسيات ، فالفجوة كبيرة ومتزايدة بين المطلوب والموجود في العديد من المنتجات السلعية والخدمية الضرورية، على مستوى العالم الإسلامي، وعلى مستوى كل دولة تقريبًا، فهو يعاني من مشكلات حادة في السكن والغذاء والعلاج والتعليم والعمل .

4- التبعية الاقتصادية في العالم الإسلامي:

من حقائق الحياة المعاصرة أن العالم الإسلامي المعاصر في مجمله يعيش عالة على غيره تابعًا له . وذروة المأساة أنه يعيش حالة العالة والتبعية الناجمة عن الفقر والعوز، كشأن العديد والعديد من دوله الفقيرة، كما يعيش عالة الغنى والثروة، كشأن القلة القليلة من دوله ذات الثراء المالي الذي بدلاً من أن يكون مصدر قوة واستقلالية لها صار مصدر تبعية واحتياج منها إلى الدول الأخرى التى تقوم بتوظيفه واستغلاله لمصالحها قبل أي شيء . فارتهنت إرادتها مع هذه الأموال المرهونة لدى الغير .

تتفشي التبعية الاقتصادية في العالم الإسلامي بصورها المختلفة التجارية والمالية والفنية والخدمية(1) . وكل ذلك مناقض لمقصود الشريعة من الإنتاج الذي عليه أن يوفر للأمة وضع القيادة ووضع الشهادة ووضع العزة والمنعة والاستقلالية .

إن شيوع هذه التبعية الاقتصادية بهذا الشكل الفج لدليل دامغ على انحراف الواقع الإنتاجي الإسلامي عن المثال الإنتاجي الإسلامي .

5- تدني درجة التعاون الاقتصادي البيني في العالم الإسلامي :

أيضًا من الحقائق الاقتصادية المرة ما نجده من تدنى درجة التعاون الاقتصادي البيني في الدول الإسلامية، ويتجلى ذلك في التجارة وفي الاستثمارات وفي المشروعات المشتركة . وليس بخاف أنه حتى الآن لا نجد تكتلاً اقتصاديًّا إسلاميًّا فعالاً على أي مســـتوى من المسـتويات(2)، وطبقًا للقوانين الاقتصادية المعروفة فإن ذلك كان وراء تدنى الوضع الإنتاجي في العالم الإسلامي على المستوى الكمي والمستوى الكيفي معًا . والمعروف أن الهدى الإسلامي يحتم توثيق التعاون الاقتصادي بين دول العالم الإسلامي، وبين الشركات والمشروعات الإسلامية، وتحقيقًا لذلك فقد جاءت الشريعة مزيلة لكل العقبات السياسية والاقتصادية والثقافية التى تحول دون قيامه. وربما كانت الفجوة بين الواقع والمثال في هذا الجانب من أكبر وأوسع الفجوات . فالهدى الإسلامي في هذا المجال يجعل من العالم الإسلامي كله وحدة اقتصادية إن لم يكن وحدة سياسية . والواقع الفعلي ينبئ بعكس ذلك تمامًا . وذروة المأساة أنه لا يوجد هناك مبرر موضوعي واحد لوجود هذه الظاهرة المرضية والشاذة بالنسبة للمثال من جهة ولما هو في العالم الإسلامي كله اليوم من جهة أخرى، حيث التكتلات تنتشر هنا وهناك ، اللهم إلا على البقعة الإسلامية من الكرة الأرضية .

6- عدم قيام الدول الإسلامية بمسئولياتها الإنتاجية على الوجه المطلوب:

ليس من العسير على أي مهتم بالشئون الاقتصادية أن يدرك أن العديد من الدول الإسلامية المعاصرة لا تقوم بدورها ولا تنهض بمسئوليتها في المجال الإنتاجي على الوجه الذي يشير به الإسلام. ويبدو ذلك واضحًا في مسئولياتها حيال القطاع الخاص، تدعيمًا حقيقيًّا ، وتقويمًا وتوجيهًا فعالاً، وكذلك في مسئولياتها حيال الممتلكات العامة، توظيفًا رشيدًا واستغلالاً فعالاً، فكثيرًا ما نشاهد عقبات وصعوبات أمام انطلاق القطاع الخاص مصدرها الحكومات وما لديها من أجهزة ومؤسسات وتشريعات. لقد جاءت للإعانة فإذا بها في حالات عديدة وغالبة تصبح مصدرًا للإعاقة ، ولا أدل على ذلك من موقفها السلبي حتى الآن حيال المشروعات الصغيرة، مع أنها ذات أهمية استراتيجية في عمليات التنمية وإزالة الفقر والعوز في أبشع صوره والتخفيف الكبير من حدة البطالة المتفشية . وكثيرًا ما نشاهد انحرافات ومفاسد في القطاع الخاص ولا نجد ردعًا من الحكومات، بل قد تبلغ المأساة ذروتها فنجد دعمًا وتسترًا وتسهيلاً . وبدلاً من أن تكون سلطة وقوة أمام الانحراف والفساد صارت غير ذلك .

ولدى الدول الإسلامية المعاصرة نزوع قوى نحو (فض يدها) من المجال الاقتصادي ، وتحويل المشروعات الاقتصادية العامة إلى مشروعات خاصة، وترك الساحة كلية للقطاع الخاص .

ولا شك أن الكثير من تلك التوجيهات تتعارض مع الهدى الإسلامي في تحديده لدور الدولة في المجال الاقتصادي. لاشك ، من جهة أخرى، أن تلك التوجيهات مثلت في معظم حالاتها سببًا رئيسًا فيما يعانيه الإنتاج الإسلامي المعاصر من ضعف وتشوه واختلال .

المبحث الثالث

تحريك وتوجيه الواقع نحو المثال

هذا هو الواقع، وذاك هو المثال ، وهذه هي الفجوة السحيقة بينهما ، فهل نقف عند ذلك نتأمل ونتحسر؟!! إننا، بالتعبير الإسلامي أمام منكر، والإسلام يأمر الجميع بالتضافر والتكتل لتغيير وإزالة المنكر، ويحمل الجميع مسئولية تغييره، وإلا أثم الجميع ونزل الضرر بالجميع. على العالم أن يغير بالكلمة والعلم والمعرفة، وعلى المسئول وولي الأمر أن يغير باليد والفعل والعمل. إن الأول مسئول عن توضيح كيفية التغيير، والثاني مسئول عن تنفيذ التغيير، والأمة بأسرها مسئولة عن الدعم النفسي والمعنوي والمادي لعملية التغيير.

وفيما يلي نطرح بعض الأفكار والتصورات التي نراها ضرورية لتحريك الواقع وتوجيهه صوب المثال :

1 – إعادة هيكلة الإنتاج في العالم الإسلامي :

سبق أن أشرنا إلى تلك الحقيقة الماثلة للعيان والمتمثلة في تشوه واختلال الهيكل الإنتاجي في العالم الإسلامي المعاصر. وإذن فأحد الإصلاحات الكبرى والأساسية إعادة هيكلة هذا الإنتاج، بما يبرز بوضوح مبدأ الأولويات. فتمثل فيه مساحة واسعة المنتجات الأساسية من استهلاكية وإنتاجية، وتخف كثيرًا المنتجات الكمالية. ويمكن تحقيق ذلك من خلال التربية الأخلاقية والاجتماعية، وإزالة العقبات، وتوفير الحوافز والتسهيلات، ورسم السياسات المالية والنقدية والتجارية بحيث تسهم في تحقيق هذا المطلب(1) .

2 – تربية الأفراد على السلوك الاستهلاكي الرشيد :

ذلك أن الاستهلاك، كما سبقت الإشارة، يؤثر جوهريًّا في نمط الإنتاج وهيكله ، وبتعديل نمط الاستهلاك بما يتواءم والهدي الإسلامي القائم على احترام مبدأ الأهم فالأهم، والاعتدال والبعد عن الإسراف والترف فإنه يتعدل تبعًا لذلك نمط الإنتاج، ومن ثم تخصيص رشيد للموارد يقوم على مبدأ الأولويات، الذي يوليه الإسلام عناية كبيرة. وأمام الدولة في ذلك الوسائل والأجهزة والسياسات العديدة التي تستخدمها لقيام هذه التربية على الوجه المرجو(2) .

3 – إعطاء القطاع الزراعي أولوية كبرى :

معروف أن العالم الإسلامي يعاني عجزًا شديدًا في المنتجات الغذائية وعلى رأسها الحبوب، ومعروف أن الغذاء يقف على رأس الاحتياجات الأساسية للإنسان. وقد حبا الله تعالى العالم الإسلامي في مجموعه الموارد الزراعية الوفيرة، وعليه أن يحسن استغلالها فيما يحقق له تأمين الغذاء الأساسي لسكانه؛ حتى لا يقع فريسة سهلة هينة أمام تسلط الغير وجبروته. ومن هنا فإنه يتحتم على الدول الإسلامية أن تعطي لهذا القطاع رعاية خاصة، وتقدم له كل الدعم والتسهيلات، حتى ينهض بهذه المهمة، ومن الصواب في هذه المرحلة أن تتحيز الدول لقطاع الزراعة؛ تسعيرًا وتسويقًا واستثمارًا وإنفاقًا ودعمًا، وعليها أن تستفيد إلى أقصى حد ممكن من التشريع الإسلامي المهم في هذا المجال وهو إحياء الموات والإقطاع، وكذلك عليها تفعيل كل الأدوات والصيغ الإسلامية التمويلية الفعالة في هذا القطاع، وكذلك التشريعات الضريبية.

4 – تفعيل المشروعات الصغيرة :

رغم كل ما قد يقال ، فإن المشروعات الصغيرة هي عماد التنمية، وخاصة في نموذجها الإسلامي، الذي يركز على المزيد من التشغيل والتوظيف لعنصر العمل، وعدم الوله الزائد بالمشروعات الكبرى العملاقة ذات الاستثمارات الضخمة والتكنولوجيا المتطورة.

5 – تحديد واضح وثابت لدور الحكومة في المجال الاقتصادي بما يتفق والهدي الإسلامي :

لا نبالغ إن قلنا إن أي تحريك وتوجيه للواقع صوب المثال لا يمكن أن يحدث في غيبة وجود دور واضح وقوي للحكومة في المجال الاقتصادي. وفرق كبير بين ضرورة وجود ذلك وقيام الدولة بالإنتاج من خلال ما يعرف بالقطاع العام، هذا أمر وذاك أمر آخر. إن الدول الإسلامية المعاصرة تكاد تفتقد رؤية واضحة لما ينبغي لها أن تقوم به. وبالتالي فليست لديها خطة استراتيجية تقود من خلالها المجتمع ناحية الإنتاج الوفير الجيد ذي النمط الإسلامي.

وهكذا بات تحديد هذا الدور، والاستقرار حياله، واعتباره من الأمور التي لا تقبل التغيير بين الحين والآخر أمرًا ضروريًّا لتحقيق الإصلاح المنشود.

6 – إعادة صياغة النظم التعليمية بما يجعلها تركز على النهج الإسلامي الصحيح في كل المجالات:

حتى يتوفر للجميع قسط طيب من العلم والثقافة الاقتصادية الشرعية، ومن ثم تتجه سلوكياتهم الاقتصادية نحو النموذج أو المثال الإسلامي في المجال الاقتصادي.

7 – إعطاء المشروعات الاقتصادية الإسلامية المشتركة كل عناية واهتمام:

سواء من قبل رجال الأعمال أو من قبل الحكومات، واعتبار التعاون القوي بين الدول الإسلامية إحدى ركائز تنمية الإنتاج وتعديل هياكله وارتفاع مستواه.

8 – تفعيل دور المؤسسات المصرفية وما يعرف بالقطاع الثالث من جمعيات ومؤسسات ونقابات وغيرها ، وبذلك يتوفر عنصر قوي للمراقبة والمتابعة لنشاط الحكومة ونشاط رجال الأعمال، وأيضًا نشاط القطاع العائلي؛ ولتحقيق التوازن والتناغم بين هذه الجهات فتتجه جميعًا نحو خدمة المصالح العامة ومصالح كل الفئات.

الخاتمة

هذا عرض سريع جدًّا للسلوك الإنتاجي في الإسلام على مستوى الواقع والمثال. وهو عرض لا ندعي له الكمال، بل ولا حتى الكفاية، ولكنه مع ذلك قدم بعض الإيحاءات والدلالات المفيدة والمهمة في هذا الموضوع.

إن أهم ما يمكن ملاحظته أن الهدي الإسلامي في مجال الإنتاج والذي يجسّد ما يطلق عليه المثال أو النموذج الإسلامي الإنتاجي هو نموذج واقعي، بمعنى أنه غير خيالي يعز على التطبيق، فأهدافه ممكنة وأساليبه وأدواته في حيز الإمكان، ثم إنه من ناحية أخرى يضع السلوك الإنتاجي الرشيد ضمن قمة الأعمال التي يطلبها ويأمر بها الإسلام أتباعه؛ ومن ثم يعد من أهم أنواع الطاعات والعبادات في الإسلام.

وتطبيق هذا النموذج يحقق للمسلمين الكفاءة الاقتصادية العالية، والرفاهة الاقتصادية والاجتماعية الشاملة، كما يحقق لهم العزة والقوة على المستوى العالمي.

وبرغم توفر هذا النموذج الإسلامي فإن الواقع الإنتاجي للمسلمين يختلف كثيرًا عن مقولات هذا النموذج، فهو من حيث الحجم متدنٍ، ومن حيث الهيكل مشوه، ومن حيث الجودة رديء.

ومن الضروري تعديل هذا الواقع من خلال خطة علمية ملزمة، بحيث يتجه بقوة صوب المثال والنموذج. وبهذا وحده تتحقق للمسلمين العزة والمنعة في عالم اليوم.

والله أعلم

 

 

المراجع

(*) ندوة التربية الاقتصادية والإنمائية في الإسلام 27 – 28 يوليو 2((2م، قام بتنظيمها مركز صالح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامي بجامعة الأزهر بالتعاون مع مركز الدراسات المعرفية.

(**) عميد كلية التجارة – جامعة الأزهر ـ الدقهلية .

(*) لمعرفة موسعة بمقاصد الشريعة يراجع الإمام الشاطبي، الموافقات، وكذلك الرسائل العلمية التى تناولت هذا الكتاب وهي كثيرة، وأيضا مقاصد الشريعة الإسلامية للشيخ محمد الطاهر بن عاشور، ومقاصد الشريعة الإسلامية ومكارمها للأستاذ علال الفاسي، وأيضًا مجلة المسلم المعاصر، العدد  (1(3) والذي خصص كله لتناول هذا الموضوع .

(1) الغزالي ، إحياء علوم الدين، بيروت: دار المعرفة، جـ4 ص 118.

(2) الراغب الأصفهاني ، الذريعة إلى مكارم الشريعة، القاهرة: دار الصحوة، 1985 ص 84 ، قارن الغزالي، نفس المصدر، جـ3 ص 224.

(1) القرطبي، الجامع لأحكام القرآن، بيروت: دار إحياء التراث العربي، جـ9 ص 2(3 .

(2) الذريعة ، مرجع سابق، ص 85 .

(3) ابن مفلح، الآداب الشرعية، بيروت: دار الفكر ، جـ3 ص 2(( .

(1) رواه الطبراني، ورجاله رجال الصحيح، انظر المنذري ، الترغيب والترهيب ، بيروت: دار الفكر 1981، جـ2 ص 524.

(2) رواه النسائي وأبو داود .

(3) الشريف الرضى، نهج البلاغة، بيروت، دار الأندلس، صـ465، وانظر أماني الشيخ الطوسي نقلا عن محمد باقر الصدر، اقتصادنا، بيروت : دار الفكر 1969، ص572 واللفظ رواية الطوسي .

(1) اقتصادنا، مرجع سابق، ص 572.

(2) انظر: المدخل ..، بيروت: دار الكتاب العربي 1972 ، جـ4 ، ص 316.

(1) رواه أحمد والبيهقي ورجاله رجال الصحيح.

(2) ذكره محمد باقر الصدر، اقتصادنا، مرجع سابق، ص 591.

(3) محمد بن الحسن، الكسب، دمشق، نشر عبد الهادي حرصوني، تحقيق د. سهيل زكار، 198(، ص 32 وما بعدها .

(1) نفسه ، ص 75 .

(2) ابن الحاج، المدخل، مرجع سابق، جـ4، ص 11 .

(1) د. شوقي دنيا، النظرية الاقتصادية من منظور إسلامي، الرياض: مكتبة الخريجي، 1984 ، ص 192.

(1) أبو عبيد، الأموال ، القاهرة : مكتبة الكليات الأزهرية ، ص 4(8 وما بعدها.

(2) محمد باقر الصدر، اقتصادنا ، مرجع سابق ، ص 577، د. عبد العزيز هيكل، مدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، بيروت: دار النهضة العربية، ص 98 وما بعدها.

(3) لمعرفة مو سعة يراجع محمد باقر الصدر، اقتصادنا، ص 576 وما بعدها .

(4) لمزيد من المعرفة يراجع د. قطب مصطفى سانو، مقاصد الشريعة في الاستثمار : عرض وتحليل، مجلة المسلم المعاصر ، العدد (1(3) ص 153 وما بعدها .

(1) المدخل، مرجع سابق، جـ4، ص 44 ، قارن الراغب الأصفهاني ، الذريعة، مرجع سابق، ص 95.

(2) رواه أحمد وأبو داود، انظر الشوكاني ، نيل الأوطار ، بيروت : دار الجيل، 1973، جـ5 ص 236.

(3) رواه مسلم ، صحيح مسلم، القاهرة : مكتبة الحلبي، جـ3 ص 12(6.

(4) متفق عليه .

(5) رواه ابن ماجه، حديث رقم 338 والترمذي وأحمد، انظر، الشوكاني ، نيل الأوطار ، مرجع سابق، جـ5 ، ص 25(.

(6) رواه مسلم، انظر الصنعاني، سبل السلام، الرياض: مطبوعات جامعة الإمام ، جـ3 ص 12.

(1) مجموع الفتاوي جـ29 ، ص 299، قارن الغزالي، إحياء علوم الدين، مرجع سابق، جـ2 ص 83، ابن قدامة ، المغني ، الرياض: مكتبة الرياض الحديثة، جـ5 ص 552 .

(2) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، بيروت: دار الفكر، جـ1 ص 723.

(3) د. شوقي دنيا، النظرية الاقتصادية ، مرجع سابق، ص 112.

(1) محمد بن الحسن، الكسب، مرجع سابق، ص 63، ابن الحاج، المدخل، مرجع سابق، جـ4 ص 4 .

(2) الإمام الماوردي، أدب الدنيا والدين، بيروت : دار مكتبة الحياة، 1986 ، ص 144.

(3) رواه مسلم .

(1) ابن تيمية، الحسبة ومسئوليات الحكومة الإسلامية، القاهرة: دار الإسلام، صـ31 .

(34) صالح الصالحي، الحاجات الأساسية في الاقتصاد الإسلامي، ضمن (السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي) المعهد الإسلامي للبحوث التدريب، جدة 1997.

د. محمد صقر، الاقتصاد الإسلامي – مفاهيم ومرتكزات ، القاهرة : دار النهضة العربية ، 1978 ، ص 69 .

(35) رواه مسلم ، صحيح مسلم، جـ4 ص 1837 .

(36) د. سعيد الخضري، الفن الإنتاجي وأثره على كفاءة الاستثمار في الدول النامية، القاهرة: دار النهضة العربية، 1981.

(37) موضوع الأرباح وكونها هدفًا للمشروع الإنتاجي الإسلامي والحرص على تعظيمها نال قدرًا كبيرًا من المناقشات بين الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، ولمعرفة موسعة يراجع حوار حول تدريس الاقتصاد الجزئي من منظور إسلامي، مجلة الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، مجلد 1، 1989، د. عبد الرحمن يسرى، مقدمة في علم الاقتصاد الإسلامي، الإسكندرية ، 2((( ، ص 55 وما بعدها ، د. رفيق المصري، أصول الاقتصاد الإسلامي، دمشق: دار القلم ، 1989، ص 64.

(38) المدخل، مرجع سابق، جـ4 ص 14 .

(39) د. شوقي دنيا، دور الدولة في التنمية في الاقتصاد الإسلامي، ضمن (التنمية في منظور إسلامي) المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، عمان 9 – 12 / 7 / 1991.

(40) المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص 143.

(41) د. شوقي دنيا ، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1984 ، ص وما بعدها .

(42) ابن رشد، المقدمات، بيروت: دار صادر، ص 225 ، يحي بن آدم ، الخراج، بيروت: دار المعرفة، ص 22.

(43) وخير مثال لذلك دولة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، انظر شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية ، القاهرة : دار الفكر العربي، 1979 ، ص 374 وما بعدها .

(44) د. محمد عبد الحليم عمر، المنهج الإسلامي في الإنتاج ، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، العدد الثامن 1999.

(45) د. عمر المرزوقي ، التبعية الاقتصادية وعلاجها من منظور إسلامي، رسالة دكتوراه ، كلية الشريعة، جامعة أم القري ، 1415هـ.

(46) د. إسمعيل شلبي، إمكانيات التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، ضمن مجلد أبحاث المؤتمر الدولي (اقتصاديات الدول الإسلامية في ظل العولمة) مركز صالح كامل، جامعة الأزهر ، 1999م.

(47) د. محمد عمر شابرا، الإسلام والتحدى الاقتصادي، المعهد العالمي للفكر الإسلام، هيرندن، فردجينيا ، ص 374 ، الولايات المتحدة 1996 .

(48) د. شوقي دنيا، دور الدولة في التنمية ، مرجع سابق.

(49)| د. محمد عمر شابرا، مرجع سابق ، ص 379، د. عبد الرحمن يسرى، الصناعات الصغيرة في البلدان النامية، المعهد الإسلامي للبحوث والتديب ، جدة ، 1995 .

(1) ابن تيمية، الحسبة ومسئوليات الحكومة الإسلامية، القاهرة: دار الإسلام، صـ31 .

(2) صالح الصالحي، الحاجات الأساسية في الاقتصاد الإسلامي، ضمن (السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي) المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة 1997.

د. محمد صقر، الاقتصاد الإسلامي – مفاهيم ومرتكزات ، القاهرة : دار النهضة العربية ، 1978 ، ص 69 .

(1) صالح الصالحي، الحاجات الأساسية في الاقتصاد الإسلامي، ضمن (السياسة الاقتصادية في إطار النظام الإسلامي) المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة 1997.

د. محمد صقر، الاقتصاد الإسلامي – مفاهيم ومرتكزات ، القاهرة : دار النهضة العربية ، 1978 ، ص 69 .

(1) رواه مسلم ، صحيح مسلم، جـ4 ص 1837 .

(1) د. سعيد الخضري، الفن الإنتاجي وأثره على كفاءة الاستثمار في الدول النامية، القاهرة: دار النهضة العربية، 1981.

(1) رواه مسلم ، صحيح مسلم، جـ4 ص 1837 .

(1) د. سعيد الخضري، الفن الإنتاجي وأثره على كفاءة الاستثمار في الدول النامية، القاهرة: دار النهضة العربية، 1981.

(1) موضوع الأرباح وكونها هدفًا للمشروع الإنتاجي الإسلامي والحرص على تعظيمها نال قدرًا كبيرًا من المناقشات بين الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، ولمعرفة موسعة يراجع حوار حول تدريس الاقتصاد الجزئي من منظور إسلامي، مجلة الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، مجلد 1، 1989، د. عبد الرحمن يسرى، مقدمة في علم الاقتصاد الإسلامي، الإسكندرية ، 2((( ، ص 55 وما بعدها ، د. رفيق المصري، أصول الاقتصاد الإسلامي، دمشق: دار القلم ، 1989، ص 64.

(2) المدخل، مرجع سابق، جـ4 ص 14 .

(1) د. شوقي دنيا، دور الدولة في التنمية في الاقتصاد الإسلامي، ضمن (التنمية من منظور إسلامي) المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، عمان 9 – 12 / 7 / 1991.

(1) المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص 143.

(2) د. شوقي دنيا ، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1984.

(3) ابن رشد، المقدمات، بيروت: دار صادر، ص 225 ، يحيى بن آدم ، الخراج، بيروت: دار المعرفة، ص 22.

(1) وخير مثال لذلك دولة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، انظر: شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية ، القاهرة : دار الفكر العربي، 1979 ، ص 374 وما بعدها .

(2) د. محمد عبد الحليم عمر، المنهج الإسلامي في الإنتاج ، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، العدد الثامن 1999.

(1) د. عمر المرزوقي ، التبعية الاقتصادية وعلاجها من منظور إسلامي، رسالة دكتوراه ، كلية الشريعة، جامعة أم القري ، 1415هـ.

 

(1) د. إسماعيل شلبي، إمكانيات التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، ضمن مجلد أبحاث المؤتمر الدولي (اقتصاديات الدول الإسلامية في ظل العولمة) مركز صالح كامل، جامعة الأزهر ، 1999م.

(2) د. محمد عمر شابرا، الإسلام والتحدى الاقتصادي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فرجينيا ، ص 374 ، الولايات المتحدة 1996 .

(1) د. شوقي دنيا، دور الدولة في التنمية ، مرجع سابق.

(2) د. محمد عمر شابرا، مرجع سابق ، ص 379، د. عبد الرحمن يسرى، الصناعات الصغيرة في البلدان النامية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، 1995 .

(1) موضوع الأرباح وكونها هدفًا للمشروع الإنتاجي الإسلامي والحرص على تعظيمها نال قدرًا كبيرًا من المناقشات بين الباحثين في الاقتصاد الإسلامي، ولمعرفة موسعة يراجع حوار حول تدريس الاقتصاد الجزئي من منظور إسلامي، مجلة الاقتصاد الإسلامي، جامعة الملك عبد العزيز، مجلد 1، 1989، د. عبد الرحمن يسرى، مقدمة في علم الاقتصاد الإسلامي، الإسكندرية ، 2((( ، ص 55 وما بعدها ، د. رفيق المصري، أصول الاقتصاد الإسلامي، دمشق: دار القلم ، 1989، ص 64.

(2) المدخل، مرجع سابق، جـ4 ص 14 .

(1) د. شوقي دنيا، دور الدولة في التنمية في الاقتصاد الإسلامي، ضمن (التنمية من منظور إسلامي) المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية، عمان 9 – 12 / 7 / 1991.

(1) المدخل إلى الاقتصاد الإسلامي، مرجع سابق، ص 143.

(2) د. شوقي دنيا ، تمويل التنمية في الاقتصاد الإسلامي، بيروت: مؤسسة الرسالة، 1984.

(3) ابن رشد، المقدمات، بيروت: دار صادر، ص 225 ، يحيى بن آدم ، الخراج، بيروت: دار المعرفة، ص 22.

(1) وخير مثال لذلك دولة عمر بن الخطاب رضى الله عنه ، انظر: شوقي دنيا، الإسلام والتنمية الاقتصادية ، القاهرة : دار الفكر العربي، 1979 ، ص 374 وما بعدها .

(2) د. محمد عبد الحليم عمر، المنهج الإسلامي في الإنتاج ، مجلة مركز صالح كامل للاقتصاد الإسلامي ، جامعة الأزهر ، العدد الثامن 1999.

(1) د. عمر المرزوقي ، التبعية الاقتصادية وعلاجها من منظور إسلامي، رسالة دكتوراه ، كلية الشريعة، جامعة أم القري ، 1415هـ.

 

(1) د. إسماعيل شلبي، إمكانيات التكامل الاقتصادي بين الدول الإسلامية، ضمن مجلد أبحاث المؤتمر الدولي (اقتصاديات الدول الإسلامية في ظل العولمة) مركز صالح كامل، جامعة الأزهر ، 1999م.

(2) د. محمد عمر شابرا، الإسلام والتحدى الاقتصادي، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، هيرندن، فرجينيا ، ص 374 ، الولايات المتحدة 1996 .

(1) د. شوقي دنيا، دور الدولة في التنمية ، مرجع سابق.

(2) د. محمد عمر شابرا، مرجع سابق ، ص 379، د. عبد الرحمن يسرى، الصناعات الصغيرة في البلدان النامية، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب ، جدة ، 1995 .

 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر