التعريف بالمؤلف:
هو الإمام الحافظ الفقيه المحدث، ناصر السنة، وقامع البدعة، محي الدين أبو زكريا يحيى بن شرف بن مرى بن حسن بن حسين بن محمد بن جمعة بن حزام النووي الدمشقي.
ولد في نوى –قاعدة الجولان من أرض حوران- من أعمال دمشق في العشر الأوساط من شهر المحرم سنة 631 هجرية. وقد رآه بعض أهل الفضل في بلده وهو صبي فتفرس فيه النجاية، واجتمع بأبيه شرف ووصاه به، وحرضه على تحفيظه القرآن والعلم. وحفظ القرآن وقد ناهز الاحتلام ولما بلغ تسع عشرة سنة قدم به والده إلى دمشق لطلب العلم، فسكن المدرسة الرواحية (سنة 649 هجرية) وحفظ «التنبيه»، وقرأ «المهذب» للشيرازي، وفي سنة 651 هجرية حج مع أبيه ثم ارتحل وأقام بالمدينة المنورة، ومرض في طريقه وأصابته حمى من حين توجه من بلده نوى مع والده ولم تفارقه إلى يوم عرفة، وبعد إتمام الحج عاد إلى نوى ثم رجع إلى دمشق وصار في وقت قصير حافظًا للحديث وفنونه، عالمًا الفقه وأصوله، وأصبح رأسًا في معرفة مذهب الإمام «الشافعي». وتولى مشيخة دار الحديث الأشرفية والتدريس بها دون أن يأخذ من معلومها شيئًا حتى توفاه الله في ليلة الأربعاء لست بقين من شهر رجب سنة 676 هجرية ودفن ببلده، وقبره مشهور بها.
ومن شيوخه الرضى بن البرهان، وعبد العزيز بن محمد الأنصاري، وزين الدين بن عبد الدائم، وأبي إسحاق إبراهيم بن عيسى المراوي الأندلسي وغيرهم كثيرين. ومن تلامذته الخطيب صدر الدين سليمان الجعفري، وشهاب الدين الأربدي، وشهاب الدين بن جعوان.
ومن تصانيفه شرح صحيح مسلم، والمجموع، ورياض الصالحين، والأذكار، والأربعين النووية، والإرشاد، والتقريب في علوم الحديث، وتهذيب الأسماء، واللفات، وبستان العارفين، وخلاصة الأحكام في مهمات السنن وقواعد الإسلام، وروضة الطالبين، وعمدة المفتين، وشرح المهذب.
(استمدت هذه الترجمة من كتاب الأذكار النووية للإمام النواوي بتحقيق عبد القادر الأرناؤوط).
عرض الكتاب:
يمثل هذا الكتيب مقدمة كتاب المجموع، وقد فصلت وطبعت منفردة. ويقع في 86 صفحة من القطع المتوسط ويشتمل على مقدمة الناشر، ثم موضوعات الكتاب وهو مقسم إلى فصول وأحيانًا إلى أبواب تضم فصولاً متفاوتة الحجم وعدد الأبواب خمسة. وأخيرًا فهرس الكتاب.
يبدأ الإمام النووي هذا الكتاب بفصل عن الإخلاص والصدق وإحضار النية في جميع الأعمال البارزة والخفية، وذلك باستعراض عدد من الآيات القرآنية الكريمة {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ}، والأحاديث النبوية الشريفة (إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل أمرئ ما نوى..) ومن كلام العارفين، وهي كثيرة ومتعددة. ويخلص من ذلك إلى معناه، وهو أن الصادق يدور مع الحق حيث دار، فإذا كان الفصْل الشرعي في الصلاة –مثلاً- صلى، وإذا كان في مجالسة العلماء والصالحين والضيفان والعيال، وقضاء حاجة مسلم، وجبر قلب مكسور، ونحو ذلك فعل ذلك الأفضل وترك عادته. وكذلك الصوم والقراءة والذكر والأكل والشرب والجد المزح والاختلاط والاعتزال والتنعم والابتذال ونحوها، فحيث رأى الفضيلة الشرعية في شيء من هذا فعله، ولا يرتبط بعادة ولا بعبادة مخصوصة كما يفعله المرائي (والحديث ينتمي هنا بشكل غير مباشر لأحد موضوعات علم النفس الاجتماعي ألا وهو القيم Values (ص 6-10).
ويبدأ بعد ذلك بابًا جديدًا بعنوان «فضيلة الاشتغال بالعلم وتصنيفه وتعلمه وتعليمه والحث عليه والإرشاد إلى طرقه» ويرى أن الآيات تكاثرت والأخبار والآثار تواترت، وتطابقت الدلائل الصريحة وتوافقت على فضيلة العلم والحث على تحصيله والاجتهاد في اقتباسه وتعليمه، ويسرد عددًا غير قليل من الآيات والأحاديث والأقوال المأثورة عن العلماء والصالحين كلها تحبذ العلم وتوقر العلماء وتحث على التعلم والتفكر فيه وتحصى فوائده (ولعل الحديث عن العلم وضرورة الزهد في الدنيا، ولا يشينه بشيء من الطمع، وأن يتخلق بالمحاسن التي أمر بها الشرع وحث عليها كالتزهد في الدنيا، وعدم المبالاة بغواتها، والسخاء، ومكارم الأخلاق، والحلم، والصبر، والتواضع، والخضوع وغيرها (وبعضها يمكن أن يدرس تحت سمات الشخصية ص 29-30)، ومنها الحذر من الحسد والرياء والإعجاب واحتقار الناس وهي خصال مذمومة يعتبرها المؤلف أمراضًا يبتلى بها الناس، وهو يصف كيفية التخلص منها. وهو يعالج الحسد بأن يعلم الإنسان الحاسد أن كلمة الله تعالى اقتضت جعل هذا الفضل في هذا الإنسان، فلا ينبغي أن يعترض، وهو يعالج الرياء بأن يعلم الإنسان أن الخلق لا ينفعوه ولا يضرونه، فلا ينشغل بمراعاتهم. ويعالج الإعجاب بأن يعلم الإنسان أن العلم فضل من الله، فلا يجب أن يعجب بشيء لم يخترعه وليس مالكًا له… وهنا يقترب المؤلف من أحد أساليب العلاج النفسي الحديث وهو أسلوب العلاج السلوكي (ص3).
ومن الأساليب التي يستخدمها أيضًا استعماله أحاديث التسبيح والتهليل وسائر الآداب الشرعية، ومنها دوام مراقبته لله تعالى في علانيته وسره وآداب العبادات ومنها ألا يذل العلم، ومنها أنه إذا فعل فعلاً صحيحًا جائزًا في نفس الأمر ولكن ظاهره أنه حرام أو مكروه أو مخل بالمروءة، فينبغي أن يخبر أصحابه ومن يراه يفعل ذلك بحقيقة الفعل لينتفعوا، ولئلا يأثموا بظنهم الباطل (ص31).
ومن آدابه أيضًا أدبه في درس واشتغاله فينبغي أن يزال مجتهدًا في الاشتغال بالعلم قراءة وإقراء ومطالعة وتعليقًا ومباحثة ومذاكرة وتصنيفًا (وكأنه هنا يحدد بدقة مهام الباحث العالم) ولا يستنكف من التعليم من هو دونه في سن أو نسب أو شهرة أو دين أو في علم آخر (وهنا يرسى جسور التعاون بين الباحثين على اختلاف تخصصاتهم والتي بدأت تثمر فروعًا من فروع المعرفة لم تكن من قبل مثل سيكولوجية اللغة التي نتجت عن الاتصال بين علماء النفس وعلماء اللغة)، ولا يستحي من السؤال عما لم يعلم. كما يؤكد أيضًا عدم الخلط بين التخصصات وأن يحترم كل صاحب تخصص التخصصات الأخرى فإذا أراد معرفة شيء عنها فليكن من أصحابها، كما يأمر بضرورة المراجعة والتدقيق فيما يخرجه الباحثون، ويوصي بالعناية بالعبارة وإيجازها.
ومن آدابه كذلك آداب تعلمه، فالتعلم هو الأصل الذي به قوام الدين، وبه يُؤْمَن إمحاق العلم، فهو من أهم أمور الدين، وأعظم العبادات. ومن واجبات المعلم في هذا الجانب ألا يمتنع من تعليم أحد لكونه غير صحيح النية، وأن يؤدب المتعلم على التدريج بالآداب السنية والشيم المرضية (وهو هنا يرسى مبدأ هامًا من مبادئ التعلم وهو التدرج وهو من المبادئ المعروفة في دروس التعلم ص34)، وينبغي أن يرغبه في العلم ويذكره بفضائله وفضائل العلماء (أي ويذكره بفضائله وفضائل العلماء (أي إيجاد باعث أو حافز لتحقيق أعلى درجة من التعلم وهو هنا يشير –بشكل غير مباشر- للدافعية Motivation أحد موضوعات علم النفس العام ص34). وينبغي أن يحنو عليه ويعتني بمصالحه، وينبغي أن يكون سمحًا ببذل ما حصله من العلم، مع رفق ونصيحة وإرشاد إلى المهمات وتحريض على الحفظ (والإرشاد التربوي أحد الموضوعات التي يعني بها علماء النفس، وكذلك التحريض على الحفظ فهو يقابل الدافعية التي سبقت الإشارة إليها ص35).
وينبغي عليه كذلك ألا يدخر عن المتعلمين شيئًا من أنواع العلم، وألا يلقى –في الوقت نفسه- إليهم بشيء لم يتأهلوا له (وهو هنا يلفت النظر إلى ضرورة مراعاة العلاقة بين موضوعات التعلم وما وصل إليه المتعلم من نضج وارتقاء معرفي Cognitive Development ص35) وينبغي ألا يتعظم على المتعلمين، بل يلين لهم، وأن يكون حريصًا على تعليمهم، وأن يتفقدهم ويسأل عمن غاب منهم، وأن يبذل وسعه في تفهيمهم وتقريب الفائدة إلى أذهانهم، ويفهم كل واحد بحسب فهمه وحفظه (ولعل هذه النقطة –أعني تقسيم المتعلمين بناء على قدرتهم على الفهم أو بالأحرى الذكاء- هي التي كانت السبب في ظهور أول مقياس للذكاء على يد بينيه Binnet. كما يشير إلى ضرورة حسن التخاطب وقد سبقت الإشارة إليه، ويقدم بعض مبادئ التعلم والتذكر (ص ص 36-41). وينبغي للمعلم أن يطرح على أصحابه ما يراه من مستفاد المسائل ويختبر بذلك أفهامهم ويظهر فضل العاقل ويثني عليه بذلك، ترغيبًا له وللباقين في الاشتغال والفكر في العلم وليتدربوا بذلك ويعتادوه ولا يعنف من غلط منهم في كل ذلك، إلا أن يرى تعنيفه مصلحة له. ولعل مسألة إعادة المادة المتعلمة بعد الحفظ تعد من مبادئ تحسين التذكر (ص43).
وبعد أن انتهى الإمام النووي من هذه الآداب العظيمة والشاملة انتقل إلى المتعلم Learner ليوضح لنا دوره وما ينبغي عليه أن يفعله ويتصف به. ويرى أن آدابه في نفسه ودرسه كآداب المعلم التي سبق الحديث عنها ثم يضيف إليها عددًا آخر من الآداب ومنها أن يطهر قلبه من الأدناس ليصلح لقبول العلم وحفظه واستثماره، وأن يقطع العلائق الشاغلة عن كمال الاجتهاد في التحصيل، وأن يتواضع للعلم والمعلم، وألا يأخذ العلم إلا ممكن كملت أهليته، وظهرت ديانته، وأن ينظر لمعلمه بعين الاحترام، وأن يتحرى رضا المعلم وإن خالف رأي نفسه، ولا يغتاب عنده، ولا يفشي له سرًا، وألا يدخل عليه بغير إذن، وأن يدخل كامل الهيبة، فارغ القلب من الشواغل، ويسلم على الحاضرين ولا يتخطى رقابهم، ولا يقيم أحدًا من مجلسه (ص ص 45-47) وينبغي عليه أن يتلطف في سؤاله، ويحسن خطابه ولا يستحي من السؤال عما أشكل عليه (وحسن التخاطب أحد موضوعات علم النفس الاجتماعي وقد سبقت الإشارة لذلك ص48)، وينبغي أـن يكون حريصًا على التعلم مواظبًا عليه في جميع أوقاته، مع الاستراحة القصيرة لإزالة الملل (ولعل الإمام النووي بذلك سبق كثيرًا من منظري التعلم مثل كلارك هل Hull وحديثه عن الكف Inhibition وكيفية تبديده والمعادلات التي صاغها في ذلك ص49). ومن آدابه أيضًا الحلم والأناة، وعلو الهمة (وهي من سمات الشخصية، ومن محددات الأداء بصفة عامة ص50). وينبغي أن يغتنم التحصيل في وقت الفراغ والنشاط وحال الشباب وقوة البدن، ونباهة الخاطر وقلة الشواغل ويعتني بتصحيح درسه الذي يتحفظه تصحيحًا متقنًا، ويداوم على تكرار محفوظاته، ولا يحفظ ابتداء من الكتب استقلالاً بل يصحح على الشيخ، وليذاكر بمحفوظاته، وليدم الفكر فيها، ويعتني بما يحصل فيها من الفوائد، وينبغي أن يبدأ دروسه على المشايخ، وفي الحفظ والتكرار والمطالعة بالأهم فالأهم (من استراتيجيات التعلم ص51) وينبغي أن يرشد رفقته وغيرهم من الطلبة إلى مواطن الاشتغال والفائدة ويذكر لهم ما أستفاده على جهة النصيحة والمذاكرة، ولا يحسد أحدًا، ولا يحتقره، ولا يعجب بفهمه.. فإذا فعل هذا وغيره مما سبقت الإشارة إليه، وتكاملت أهليته، واشتهرت فضيلته، اشتغل بالتصنيف، وجد في الجمع والتأليف، محققًا كل ما يذكره، متثبتًا في نقله واستنباطه، متحريًا إيضاح العبارات وبيان المشكلات، مجتنبًا العبارات الركيكة والأدلة الواهية، مستوعبًا معظم أحكام ذلك الفن غير مخل بشيء من أصوله، منبهًا على القواعد، فبذلك تظهر له الحقائق، وتتكشف المشكلات، ويطلع على الغوامض وجل المعضلات، ويعرف مذاهب العلماء، الراجح من المرجوح، ويرتفع عن الجمود على محض التقليد (وفي الفقرة الأخيرة يقدم عددًا من أهم أسس مناهج البحث العلمي التي ينبغي أن يأخذها الباحث في اعتباره، ليس في علم النفس فحسب، وإنما في مختلف العلوم ص ص 52-53).
والباب الأخير في هذا الكتاب عن آداب الفتوى والمفتي والمستفتي، وفيه يبين قيمة الإفتاء وعظم شأنه، وشروط من يصلح للفتوى، وأقسام المفتين، وأحكام المفتين، وآداب الفتوى، وآداب المستفتى وصفته وأحكامه (وإذا كان هذا الجزء مخصصًا للفتوى في أمور الدين، فإنه بالقياس عليه نجد أنه يمكن أن يقابل اهتمام بعض علماء النفس بموضوع الإرشاد Counselling والعلاقة التي تحكم التفاعل بين المرشد وطالب الخدمة، ومؤهلات المرشد، ومتى يقدم الإرشاد وكيفية تقديمه، ومتى تنتهي العلاقة الإرشادية وغير ذلك ص ص 55-84).
يمكن الاستفادة من الكتاب في مجال علم النفس التربوي.
***