التعريف بالتراث

التعريف بالتراث : تاج العروس الحاوي لتهذيب النفوس لابن عطاء السكندري

العدد 61

التعريف بالمؤلف:

هو عبد القاهر بن عبد الله بن محمد بن عمويه بن سعد السهروردي القرشي، الصديقي، البكري (أبو النجيب ضياء الدين السهروردي)، وهو فقيه، شافعي، واعظ، من أئمة المتصوفين، ومحدث، ومؤرخ، وكان يدرس الحديث بالمدرسة النظامية ببغداد.

وُلِد سنة (490هـ، 1097م) بسهرورد وهي قرية من قرى إقليم الجبال في جنوب زنجان في الطريق إلى همذان، ثم انتقل إلى بغداد واشتغل بتلقي العلم هناك، ودرس فقه الإمام الشافعي بالمدرسة النظامية ببغداد ثم اشتغل بالتصوف، وصحب إمامين من أئمة الصوفية وهما الشيخ حماد الدباس، والشيخ أحمد الغزالي، واعتزل الناس فترة تفرغ فيها للعبادة ثم خرج من عزلته لوعظ الناس وإرشادهم- وبنى له في بغداد رباط للصوفية على شاطئ دجلة سكنه أصحابه. وندب للتدريس في المدرسة النظامية ببغداد في علوم التفسير والحديث والفقه وأصول الحديث، وولى المدرسة النظامية.

انتقل إلى دمشق لزيارة بيت المقدس ولكن لم تتيسر له الزيارة لانقطاع الهدنة بين المسلمين والفرنج فأقام مدة قصيرة في دمشق وهناك استقبله الملك العادل نور الدين الشهيد وأحسن ضيافته، ثم عاد إلى بغداد وكانت له كرامات تكشف عن جلاء بصيرته وشدة تقواه.

ومن تصانيفه: شرح الأسماء الحسنى، «غريب المصابيح»، «طبقات ؟؟ ص199»

وفيما يلي الأفكار التي وردت في الكتاب وبعد العرض نبين مدى علاقتها بالمفاهيم السيكولوجية:

في مستهل الكتاب يحث ابن عطاء الله السكندري الإنسان على طلب التوبة في كل وقت عملاً بالآية الكريمة {إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ}. ويشرح طريق التوبة بأنه التفكير الدائم فيما عمله الإنسان، ثم شكر الله إن كان العمل صالحًا أو توبيخ النفس إن كان العمل غير صالح. ويحرص ابن عطاء الله على أن تكون التوبة صادقة والندم حقيقيًا، فينصح بأن يصحب توبيخ النفس الحزن والإنكسار والزلة أمام الله تعالى أملاً في أن يقبل الله التوبة فيبدل الحزن فرحًا.

ويوصي بعد ذلك بأن يكو عمل العبد كله لله وأن يحرص العبد على الاقتداء واتباع رسول الله ويبين أن لهذا الاتباع سبيلين أولهما جلي وواضح كالصلاة والصيام والزكاة والجهاد وغير ذلك من الفرائض، وثانيهما خفي وهو عمل قلبي يتمثل في الخشوع في الصلاة وتدبر القراءة، وهو يرى أن من يعجز عن هذا التفكر التدبر تشوبه خصلة من كبر أو عجب وهنا يستشهد الآية الكريمة {سَأَصْرِفُ عَنْ آَيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الْأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ}. ويشبه ابن عطاء الله ذلك الشخص الذي يظهر الاتباع الجلي دون الاتباع الخفي بالشخص المصاب بالحمى فتتحول حلاوة السكر في فمه إلى مرارة.

ويؤكد ابن عطاء الله أهمية الطاعة القلبية حتى يفضل المعصية مع الذل على الطاعة مع الغرور والاستكبار. ويفسر أهمية الاتباع في أنه يجعل التابع جزءًا من المتبوع حتى وإن كان التابع أجنبيًا ويستشهد بقول رسول الله (صلى الله عليه وسلم) عن سلمان الفارسي «سلمان منا أهل البيت». ثم يفضل طريق الاتباع القويم في أنه ترك الظلم وتجنب الغيبة وقذف الأعراض.

ويعرض ابن عطاء الله بعد ذلك مظاهر العصيان الظاهرة فيذكر أن المعصية تتضمن نقض العهد وفعل مالا يرضاه الله والتجرد من الحياء، بالإضافة إلى التكاسل عن طاعة الله والغفلة عن حساب الآخرة. ويتبع ذلك بشرح طريق البعد عن المعصية ويفسره بأنه اللجوء إلى الله والتضرع إليه وزيارة ضرائح أولياء الله مع ذكر الله وقراءة القرآن والسعي في الخيرات.

ويحث ابن عطاء الله على الصبر والمثابرة في الجهاد وعدم التسرع فيشير إلى أن العبد لا يشعر بحلاوة التوبة والقبول وقت المجاهدة وإنما يشعر بها بعد أن يطهر نفسه ويثبت على طريق الصلاح.

ويحذر ابن عطاء الله من التهوين من شأن الذنوب الصغيرة، ويرى أن في هذا خطرًا عظيمًا لأن الكبائر يدركها الإنسان فيتوب منها، أما الذنوب الصغيرة فيغفل عنها حتى يصدق عليه قول الله تعالى {وَتَحْسَبُونَهُ هَيِّنًا وَهُوَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيمٌ}.

ويعود ابن عطاء الله فيؤكد أهمية خشوع القلب وصدق الضمير عند رجاء التوبة والبعد عن المعاصي ويفسر ذلك بأن القلب إذا تجمد وإذا تبلدت المشاعر تكاسل العبد عن الصلاة والصيام واستصغر ذنوبه وصار مثله مثل الميت لا يؤلمه حد السيف، ويوصي الإنسان بأن يذكر الله طول الوقت ويتفكر في عذابه ويتنبه إلى أن الدنيا متاع «زائل». ويبدي ابن عطاء الله تعجبه من مباسطة ومؤانسة الناس للعاصين ويرى أن الأولى هو الإعراض عنهم حتى يتجنبوا المعاصي. أما إذا عصى المؤمن فينبغي الإعراض عنه في الظاهر مع الحفاظ على مشاعر الرحمة في الباطن وطلب الرحمة له.

ويفسر ابن عطاء الله أسباب الجري وراء ملذات الدنيا في أنها النظر وحسد الآخرين على ما أُعطوا وتمني النعمة مثلهم. ويبين حماقة ذلك الموقف لأن الشخص يشغل نفسه هنا بما ليس في يده.

ويفرق ابن عطاء الله بين سلوك أهل السعادة من الصالحين المؤمنين وبين سلوك أهل الشقاوة العاصين فيذكر أن المؤمن إذا رأى عاصيًا أنكر تصرفه علانية ودعى له في الباطن بالإصلاح، أما غير المؤمن فيتشفى في العاصي ويفضحه. ويعرض اختبارًا يقاس به مدى صلاح الشخص ومفاده أن تذكر أمامه شخصًا آخر فإذا اغتابه وذكره بسوء كان ذلك برهانًا على فساد نفسه، أما إذا ذكره بخير والتمس له الأعذار دل ذلك على صلاح سريرته.

ويوصي ابن عطاء الله المؤمن بأن يتدارك ما مضى من عمره في معصية سهى فيها عن الصلاة والصيام ويرى أن السبيل إلى ذلك هو الصلاة على رسول الله لأن صلاة العبد طوال عمره لا تكافئ صلاة الله عليه مرة واحدة، كما يوصي بحضور مجالس الذكر في المساجد حتى تكون سبيلاً لتنوير العقل وإطالة العمر بالخشوع والإيمان والخضوع.

ثم ينبه بعد ذلك على خطورة الكبر والتكبر ويعرف الشخص المتكبر بأنه الذي يحتقر الناس وينكر الحق. ولا يقتصر الكبر على ذوي المكانة المرموقة فقط بل يتخلل كل الطبقات فيشمل الغني والفقير.

ويمضي ابن عطاء الله موضحًا طريق التقرب إلى الله فيوضح أنه يبدأ بكف شهوتي البطن والفرج وعيادة المرضى، والتصدق على المحتاج وارتياد مجالس الذكر، والاقتداء بالأولياء الصالحين، والقيام بالنوافل، والاستغفار. ويدعو ابن عطاء الله إلى إحسان العمل ويصف العمل بأنه الخِلُّ الذي يبقى ويتبع صاحبه وقت الحساب ويذكر أن للإنسان ثلاثة أخلاء أولها الماء ويفقده الإنسان عند موته ثم العيال وهم يتركونه عند القبر والعمل الذي لا يفارقه. ويكشف ابن عطاء الله ميل النفس إلى الرياء والتصنع وإظهار العمل أمام الناس ويضرب الأمثلة على ذلك ومنها الشخص الذي يسعى للحج لأن الحج يُرى أمام الناس، وسهر الإنسان طول الليل لطلب العلم الدنيوي مع الكسل عن الصدقة لأنها لا تُرى، مع التثاقل عن صلاة ركعتين لله في جنح الليل. وهنا يدعو العبد إلى إتيان الأعمال الصالحة مع الحفاظ عليها سرًا بين العبد وخالقه.

وفي مجال الشخصية Personality يؤكد ابن عطاء الله ضرورة أن يستمد الشخص سعادته Happiness من قلبه ومن رضا الله عنه، وليس من رضا الخلق (ص18، ص21، ص24، ص29، ص43). وهنا تبرز المفاهيم النفسية الآتية الانفعالات Emotions والرضا Satisfaction والتدعيم Reinforcement ومركز التحكم في التدعيم Locus of control وتسير كلها في اتجاه مفاده أن الشخص يستمد رضاه وسعادته ومدعماته من داخل ذاته وليس من خارجها.

ويستمر ابن عطاء الله في الوعظ والوصايا محذرًا الإنسان من اللهفة على الدنيا ونسيان الآخرة ويشبه المهموم بأمر الدنيا بإنسان يهاجمه سبع يريد أن يفترسه ثم وقفت ذبابة على هذا الشخص فإذا به يهتم بذب الذبابة وينسى دفع الأسد، كذلك من يهمه الدنيا وهي كالذبابة، وينسى الآخرة بكل ضرواتها.

ويمضي ابن عطاء الله فيوضح أن ما يصلح القلب أربعة أمور وهي كثرة الذكر، ولزوم الصمت، والخلوة، وقلة الطعام والشراب. ثم يبين أهمية أن تنقاد النفس للقلب وألا ينقاد القلب للنفس، فيشبه من يسلم قلبه إلى نفسه كمن يسلم نفسه إلى غريق فيغرق كلاهما، أو كمثل البصير يترك نفسه لأعمى، ومثل من يسلم نفسه إلى قلبه كمثل من يسلم نفسه إلى سباح قوي يقوده إلى السلامة. ثم يحث على مجالسة الصالحين الصادقين فيشير إلى أنه من السهل على الإنسان أن يجد ما لا يحصى من القراء والأطباء والفقهاء ولكن من الصعب أن يجد من يدله على الله ويعرفه بعيوب نفسه. ويدعو ابن عطاء الله إلى الخلوة والأنس بالله لأن حب الخلق لا يخلو من الأغراض والطمع ويذكر أن كثيرًا من السلف كانوا يقاومون الرغبة في الخروج للخلق ويشغلون أنفسهم بطاعة الله. كما يدعو إلى إحسان العمل مع قلته بدلاً من إكثار العمل مع عدم إحسانه.

وفي مجال العلاقات الاجتماعية يبرز عددًا من المفاهيم النفسية منها الميل إلى العزلة والوحدة Loneliness والانسحاب Withdrawal من العلاقات الاجتماعية Social Relations والحد من التخاطب اللفظي Verbal Interaction أو الإفصاح عن الذات Self-disclosure والتفاعل الاجتماعي social interaction (ص21، ص27، ص29، ص33، ص42). وإن كانت تلك الدعوة تتعارض مع بعض الاتجاهات النفسية الحديثة التي تشجع على المشاركة الاجتماعية والاتصال بالآخرين، ويمكن القول أن الميل إلى الانسحاب أو المشاركة يتوقف على الغاية التي يهدف الشخص إليها وعلى طبيعة شخصيته وعمومًا فإن ابن عطاء الله لم يحث على الانسحاب المطلق وإنما دعا إلى مخالطة الصالحين والبعد عن العاصين (ص18).

وأخيرًا يتناول ابن عطاء الله التدبير ويقسمه إلى تدبير مذموم وتدبير محمود، فالتدبير المذموم هو التفكير والإعداد والانشغال بكل ما فيه عصيان لله أو ابتغاء الرياء. وهو تدبير يوجب العقاب أو الذم. أما التدبير المحمود فهو التدبير الذي يقرب العبد إلى الله ومنه رد الحقوق إلى أصحابها وإخلاص التوبة إلى الله وكف الشهوات وهو تدبير محمود بشهادة رسول الله إذ يقول «فكر ساعة خير من عبادة سبعين ساعة، ويقسم التدبير للدنيا إلى قسمين تدبير الدنيا للدنيا ويُميزه الافتخار والاستكثار والشره وتدبير الدنيا للآخرة ومنه السعي للرزق الحلال أو للتصدق به ويميز هذا التدبير الادخار والإيثار والاعتدال. ويمثل هذا النوع من التدبير طلبًا غير مذموم للدنيا وينتهي من ذلك إلى تأكيد قول أبي العباس المرسي إن العارف لا دنيا له ولا آخرة له، لأن دنياه لآخرته وآخرته لربه، ويبين كيف كان هذا الاعتقاد في قلوب صحابة رسول الله فوضعوا الدنيا في أيديهم وأنفقوا منها ابتغاء مرضاة الله، ويضرب أمثلة لذلك الإنفاق منها خروج عمر بن الخطاب عن نصف ما له وخروج أبي بكر الصديق عن ماله كله في سبيل الله.

ولذلك سوف نجد أن هناك عددًا من الأفكار تقترب من عدد من المفاهيم النفسية وإن كانت الصلة بينها وبين تلك المفاهيم صلة غير مباشرة في بعض الحالات، ففي حديث ابن عطاء الله عن الزهد ونبذ الدنيا بكل ملذاتها (ص6-7، 9، 12، 14، 53، 57).

(16، 18، 20، 22، 24، 29، 31، 34، 38، 40، 41، 44، 49، 53، 57).

تبرز المفاهيم الآتية:

الكبت Repression وكف الدوافع الأولية Primary motives كالجوع والعطش والجنس Six.

***

 

اظهر المزيد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر