أبحاث

اللاتطوعية والتنمية

العدد 34

مقدمة

تتعدد العوائق التي تقف في طريق التنمية وتتشعب في اتجاهات كثيرة. فهناك العوائق الاقتصادية المتمثلة في قلة الموارد المادية والبشرية والفنية والإدارية والمعلومية… وهناك العوائق الاجتماعية الثقافية المتركزة في نوعية الثقافة السائدة المسيطرة ونقص التعليم وضعف وسائل الاتصال إلى جانب الخوف من الجديد بل ومقاومته… ثم هناك العوائق السياسية التي يأتي على رأسها غياب القيادات الشعبية وسيطرة الدكتاتورية إضافة إلى تجاهل المشاركة الشعبية…. (1).

وإذا كان من المسلم به أن كلا من العوائق المذكورة له دوره الذي لا يمكن إنكاره في الإبقاء على الدول متخلفة ويعطل تنميتها؛ فإني اعتقد هنا أن أهم هذه العوائق وأكثرها آثارا هو اللامشاركة الشعبية وخاصة فيى جانبها التطوعي.

إن فقدان الإحساس المجتمعي Sense Community وبالتالي عدم الانتماء إليه والولاء له من قبل الشعب, ثم اللاشعوري والتسلط ( الذي ينتج بدوره لا أمان إجتماعي ) بالإضافة إلى تزييف الإرادة الشعبية من جهة القيادة من ناحية وعدم البر بالوعود من ناحية أخرى إنما أنتج في النهاية شكلا أو آخر من السلبية واللامبالاة الاجتماعية التي كان من نتائجها العزوف عن المشاركة والبعد عن مجالات العمل التطوعي.

وإذا كان من الواضح أن بعض الأمم المتقدمة (كالولايات المتحدة الأمريكية مثلا) وبعض الدول المتخلفة ( كما هو الحال في بلد مثل كينيا) قد سعدت ونعمت بنتائج العمل التطوعي سواء على ترابها الوطني أو خارج حدودها, فإنه من الواضح أيضا أن كثيرا من دولنا العربية مازالت تشقى وتشكو بل وتئن من قلة المقبلين على العمل التطوعي رغم أن عقيدتها – الإسلامية – التي تدين بها تدعو إلى هذا وتدعمه.

على أية حال , إن الدراسة تود او ركزت بحثها على دراسة التطوعية لتجلي مفهومها وآفاقها واتجاهاتها, وموقعها في الإسلام, ثم العوائق التي تقف في طريق انسيابها في عالمنا العربي الإسلامي.

في مفهوم التطوعية:

لقي مصطلح التطوعية Volunteerism – مثله مثل أي مصطلح نظري – من الجدل الشيء الكثير. فاللفظ عنى عند الكثيرين وما زال يعني أشياء واتجاهات كثيرة. وفي الواقع فإن هذا اللبس وذلك التداخل إنما قد نشأ في أساسه من عدم قدرة المشتغلين في المجال والمهتمين به الوصول إلى تعريف جامع مانع له. إن هذا الخلاف في حد ذاته قد أضر ولا شك بالعمل التطوعي في صميمه, ومن ثم بات الكثيرون يشككون في قيمته وجدواه بل وفي مستقبله أيضا – يستوي في هذا العالم المتقدم والعالم المتخلف.

إن معظم التعريفات التي تعاملت مع اللفظ المصطلح قد ركزت بالدرجة الأولى على الناحية “التمويلية” أو ناحية “دفع قيمة العمل” أو ” تعويض مقابل العمل” (2), بحيث نجد أن الغالبية العظمى منها ترى أنه يمكن تحديد التطوعية في إطار “العمل بدون مقابل” أو بالأحرى ” أداؤه بدون أجر” سواء تمثل هذا العمل أو ذاك في ناحية إنتاجية أو ناحية خدمية أو إدارية أو إرشادية … أو غير ذلك.

إن ” عدم دفع قيمة العمل المؤدي” هو بلا شك أحد الأسس الرئيسية التي يقيم عليها العمل التطوعي بناءه, ولكنه في كل الأحوال ليس العامل الوحيد أو الأخير فيها. وفي واقع الأمر فإن التركيز على هذا العامل وحده – أو التركيز عليه أكثر من غيره – قد يفقد العمل التطوعي معناه ويفرغه من قيمته ومحتواه الحقيقي. إن اللفظ المصطلح أكبر من هذا بكثير, وإلا أمكننا إعتبار كثير من الأعمال التي تؤدي بلا أجر أو مقابل أعمالا تطوعية – وهي في الحقيقة (وطبقا لمقاييس التطوعية الأخرى ) ليست كذلك. خذ على سبيل المثال بعض الأولاد “يشخبطون” على حائط فينتجون – بلا إرادة أو وعي أو قصد أو هدف اجتماعي – رسومات جمالية قد تكون – في بعض الأحيان والظروف – جذابة. وخذ مثالا آخر لبعض أطفال يقومون بإزالة بعض المخلفات من الشوارع – دون مقابل – وهم لايدرون عن التطوعية شيئا. ثم تأمل أبناء في منزل أسرتهم يقومون بمشاركة إيجابية في الأعمال المنزلية – بلا أجر بطبيعة الحال (3) – ولكن لم يدر بخلدهم يوما أنهم فريق من المتطوعين.

من هذه العجالة السريعة يمكن أن يتضح أن عنصر ” الدفع Payment” أو ” مقابل العمل” ليس هو الأساس الوحيد أو حتى المقنع الذي يقوم عليه بناء العمل التطوعي, وأن هناك أسسا أخرى لاتقل عنه أهمية تدعم هذا البناء وتسانده . من هذه العناصر ذات الأهمية الإحساس المجتمعي والمسئولية الاجتماعية, والاختيار الحر أو الإدارة الحرة, ثم الدافع الذي يقف وراء هذا النشاط او ذاك.

المسئولية الاجتماعية Social Responsbility

تعني عملا أو نشاطا هادفا في أي موقع أو بعد من مواقع أو أبعاد الحياة العامة.

إنها شعور وإحساس الفرد بمسئولياته تجاه الجماعة – الصغيرة والكبيرة – التي هو عضو بالضرورة فيها.

 

والاختيار الحر أو الإدراة الحرة Free Well and / or Choice

هو التقدم إلى الأعمال والنشاطات وإنجازها بلا إجباره أو إكراه.

إن هذا بعينه يفسر لماذا يكون العبد ” غير متطوع ” رغم أنه يعمل بلا أجر.

أما الدافع Motive فهو ما يحدو بالشخص إلى الإقدام على مثل هذا النوع من النشاط والذي قد تتدخل فيه الطموحات والأغراض والأهداف الشخصية القريبة والبعيدة. هذا والدوافع إلى العمل التطوعي – وخاصة إذا ما كنا في بلد متقدم – كثيرة. يأتي ضمنها التدريب على القيادة , واكتساب خبرات جديدة , واكتشاف مجالات العمل المناسبة ( بالنسبة للشخص المتطوع ) والعمل بصفة مؤقته , وشغل أوقات الفراغ, والتعاطف الوطني والقومي والإنساني (العالمي), والتجهز للمستقبل العلمي (4). وإلى جانب هذا فقد يكون ” الدفع ” – أو هو فعلا – ضمن هذه الدوافع.

والآن, وبعد هذا العرض  الموجز, فإنه يمكن القول أن مصطلح ” متطوع Volunteer ” – أو ” تطوعي Voluntary” وكلاهما داخل في إطار التطوعية الشامل – إنما يشير إلى فعل أو نشاط إيجابي أو جهد مرغوب وفعل خير. أن تتطوع هو أن تنشط وأن تعمل, وبإرداتك الحرة, طبقا لحاجة أو مطلب معين, وأن تكون هذه الحاجة أو ذاك المطلب نابعا من المسئولية الاجتماعية, وألا تولي اهتماما للمكاسب المادية… وكل هذا لكي تفعل شيئا ” إضافيا ” أو ” زائدا” Extra and /or Over عماي يقوم به المواطن العادي. وطبقا لهذا العمل فإن التطوعي يتضمن في داخلة – بطبيعة الحال – إمكانية إنسحاب الشخص في أية لحظة من اللحظات وبناء على إرادته هو وحده (5).

في آفاق العمل التطوعي وأبعاده:

ويتضح مما تقدم أن العمل التطوعي يمتد في آفاق واسعة ويتسع ليشتمل على اتجاهات وأبعاد عديدة وإذا كان العمل التطوعي قد ارتبط عند الكثيرين – وخاصة في مرحلة طفولته – بالخدمات الاجتماعية التي تقدم في أشكال متعددة , وسواء تمثل هذا في أمور مثل رعاية الطلاب أو المرضي أو أسر المسجونين… أو غير ذلك, فإنه في مرحلة شبابه ورجولته قد نما وقوى ودخل إلى مجالات أخرى – إقتصادية وسياسية – جديدة, وذلك – بطبيعة الحال – إلى جانب تطور ونمو المجالات الاجتماعية – الأصل . كما أنه إذا كان هذا العمل التطوعي ( في مراحله الأولى ) قد ارتبط بالإناث اكثر من ارتباطة بالذكور ( بحيث كان عدد النساء المتطوعات – في البداية – أكثر من عدد الرجال المتطوعين) , فإنه في مراحله اللاحقة قد فتح أبوابه على مصاريعها للرجال بحيث كادت الفروق بين ما هو نسائي وما هو رجالي تذوب – وخاصة إذا ما كان كلامنا عن الوضع في الدول المتقدمة.

على أية حال, لقد اتسعت آفاق العمل التطوعي – وسواء كان هذا العمل في الدول المتقدمة أو بعض الدول المتخلفة – لتشتمل على مجالات عديدة ومتسعة. وإذا كان من الممكن الإشارة إلى الولايات المتحدة الأمريكية باعتبارها رائدة في هذا المجال – بحيث يمكن النظر إلى تاريخها نفسه باعتباره تاريخا للعمل التطوعي , فإنه يمكن وضع أيدينا على بعض أمثلة لهذه المجالات (والتي يمكن ملاحظتها باستمرار في كل أوجه واتجاهات الحياة اليومية الأمريكية ) على الوجه الاتي: (6)

  1. التبرع بالدم – سواء كان هذا بمقابل أو بدونه.
  2. رعاية المعوقين (7).
  3. رعاية الطفولة والأمومة – من خلال منظمة اليونيسيف وغيرها.
  4. رعاية المرضى والمصابين.
  5. الاحتفال بالمناسبات في المستشفيات مع المرضى.
  6. الاحتفال بالمناسبات العامة – في الأماكن العامة ( الفرق الموسيقية والغنائية والعروض الترفهية … وهكذا ) .
  7. الاحتفال بالمناسبات في السجون .
  8. رعاية أسر المسجونين.
  9. الاسعاف.
  10. الإنقاذ – متعدد الاتجاهات
  11. مقاومة الحرائق.
  12. رعاية الطلاب.
  13. المعاونة في أعمال المدارس.
  14. العمل في مجالس إدارة المدراس.
  15. العمل بمجالس الرياضة والكشافة والترويج عموما.
  16. المعاونة في أعمال المرور(8).
  17. صيانة الطرق والحدائق والأماكن العامة.
  18. إدارة الحدائق والمنتزهات – وخاصة منتزهات الترويج Parks. (9) وما في حكمها.
  19. المراقبة العامة ( مراقبة الأسواق في الغش التجاري والأسعار على سبيل المثال ؛ والمحافظة على الثروت القومية : الأشجار والزهور – والناحية الجمالية عامة, وأسماك البحار والبحيرات والجداول … وهكذا ؛ إضافة إلى نقاء البيئة ونظافتها… إلى آخره).
  20. الحراسة ( مثال حراسة المنشآت الحيوية والمشروعات الهامة – ذات الوضع الاستراتيجي والأهمية الخاصة, وحراسة ومراقبة بعض المشروعات لحمايتها من جهة وحماية المواطنين من بعض أخطارها المحتملة من جهة أخرى).
  21. العمل في جيش الإنقاذ Salvation Army (10).
  22. العمل في إعادة تشكيل وتجهيز وتوزيع الأشياء المجموعة في البند السابق.
  23. مقاومة أعمال العنف.
  24. التوعية السياسية , وتسير في اتجاهين:

إ- التوعية الانتخابية

ب- التوعية بما يتعلق بصنع وتشكيل القرار

Decisiom Makiny & Decision shaping.

  1. التوعية الدينية.
  2. العمل في قوافل السلام – أو ممارسة كل أو بعض هذه الأنشطة (المشار إليها سابقا ) خارج الحدود .

وفي الحقيقة لقد اتسعت مجالات وآفاق العمل التطوعي بالولايات المتحدة الأمريكية لدرجة أنه قد أصبح هناك العشرات – إن لم يكن المئات – من المنظمات والهيئات التي تضم الملايين من المتطوعين وتعمل في كل المجالات المتصورة في هذا المقام وبعيدا عن أي ربح مادي – أي أنها هيئات لا ربحية Non Profit – أو لا تعمل من أجل أية أغراض مالية, وبعيدا أيضا – وهذه ناحية في غاية الأهمية ( والإشارة هنا إلى عالمنا النامي ) عن أية ناحية مظهرية واستعراضية. ولكي تتضح الأمور أكثر فإنه يكفي الإشارة هنا إلى أنه في خلال العام المنصرف قد تطوع بها أكثر من خمسة وخمسين مليون متطوع في كافة المجالات والاتجاهات المذكورة – أو ما يعادل 25% من مجموع سكان الولايات المتحدة الأمريكية, وأن متوسط الساعات التي تطوع بها كل منهم كان بمعدل خمس ساعات أسبوعيا, وأن قيمة الخدمات المقدمة من هؤلاء قد قدرت بحوالي أربعة وستين مليار دولار في السنة .. هذا بالإضافة إلى التبرع – أو التطوع ماديا – بما قدر بثمانية وعشرين ومائة مليار دولار في نفس العام أيضا .

التطوعية في الإسلام:

وإذا كان قد اتضح مما سبق أن التطوعية تقوم في جوهرها على مبادئ أساسية تتركز في إحساس الفرد بالفرد والفرد بالجماعة والمجتمع والأمة – وإحساسهم جميعا بالتالي به, والعمل في سبيل بعضهم البعض ودون انتظار مقابل ( مادي / مالي – بالذات ) من ناحية, وباختيارهم وإرادتهم ووفقا لمشيئتهم الحرة وبلا اكراه أو تسلط من ناحية أخرى, فإن الإسلام قد احتوى على ما هو مماثل لهذه المبادئ بل وما هو أكبر وأعمق منها نظرا وعملا.

فالتطوعية بمعنى فعل الخيرات والدخول في أنشطة إيجابية من جهة, ثم الإحجام عن فعل الشرور والأعمال السلبية ومقاومتها من جهة أخرى أمر كامل الوضوح في صميم الإسلام. فإذا كان القرآن الكريم ينظر إلى المسلمين باعتبارهم ” خير أمة أخرجت للناس” , فإنه لم ير هذا إلا لاتصافهم بصيفتين تأخذان شكل الجناحين الذين يخلق بهما المؤمن في آفاق الإنسانية وهما جناح الأمر بالمعروف ( أو فعل الخير) كصفة أولى, ثم جناح النهي عن المنكر ( أو العمل ضد الشر ومقاومته) كصفة ثانية . ” كتنم خير أمة أخرجت للناس تأمرون بالمعروف وتنهون عن المنكر” (11) إنهم هم الذين ” يؤمنون بالله واليوم الآخر ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويسارعون في الخيرات “. (12).

وإذا كان الإسلام يأمل في صميمه أن تكون هذه هي صفات المسلمين جميعا , فهو يعلم أيضا أن النفوس البشرية ليست سواء من حيث تقبلها للخير أو جنوحها للشر. فهي مطبوعة على الخير كما أنها مطبوعة على الشر. وهي لذلك تأتي الايجابيات اتيانها للسلبيات. ومن أجل هذا فإنه في واقعة يتوقع أن تقوم فئة – أكثر من غيرها – لتتعهد فعل الخيرات, وهو يعدها بالفلاح وحسن الجزاء.

” وأوحينا إليهم فعل الخيرات” (13) ” ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون” (14).

إن هذه الفئة النشطة في الخير هي بلا شك الفئة التي تطوعت واستجابت لداعى الله حين دعاهم لما يحييهم؛ وهي تعلم أن في ذلك خيرها وخير مجتمعها وخير أمتها وخير دينها. ” فمن تطوع خيرا فهو خير له ” (15) ” ومن تطوع خيرا فإن الله شاكر عليم ” (16).

وبطبيعة الحال فإن استجابة هؤلاء لداعي الله وتطوعهم لفعل الخيرات ومقاومة الشرور إنما تنبع من رغبة خيرة واختيار حر, وهم لا يهدفون من ورائه إلى أي ربح مادي أو متاع دينوي, وإنما يبغون به مرضاة الله وحده ويطلبون رضوانه – وهذه هي في الواقع قمة التطوعية كما وضحت في مفهومها الحديث منذ قليل. فهم – في الإسلام – يعلمون ” إن الله لا يضيع أجر المصلحين” (17) كما يدركون قوله تعالي ” إنا لا نضيع أجر من أحسن عملا ” (18) ويقول الواحد منهم لذوية وعشيرته وما أسالكم عليه من أجر, إن أجري إلا على رب العالمين (19).

وهم من ذلك يعلمون أن أجرهم مدخر للآخرة وأن أجر الآخرة هذا أكبر وأعظم من أي أجر – دنيوي – آخر. ” ولأجر الآخرة أكبر لو كانوا يعلمون(20).

أما مجالات العمل التطوعي – وأنشطة فعل الخيرات – عندهم فهي كثيرة ومتنوعة. وعلى سبيل المثال فهم يعلمون أن القرآن الكريم يدعوهم – بجانب كليات الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر – إلى جزئيات أخرى أكثر تفصيلا. فهو – وعلى سبيل التمثيل أيضا – يدعوهم إلى الجهاد في سبيل الله ورفع راية الإسلام وإعلاء كلمة الدين.

” يا أيها الذين أمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون* وجاهدوا في الله حق جهاده” (21) و ” يا أيها النبي جاهد الكفار والمنافقين واغلظ عليهم “ (22).

كان الجهاد وما زال يشكل أروع الأمثلة التطوعية في الإسلام – والتي لم يشهد لها التاريخ في أية حقبة من حقبة نظيرا, فإن المسلمين قد لبوا – وما زالوا يلبون – داعي الله ويضحون في سبيله بأعز ما يملكون (الأموال والأنفس) لأنهم يعلمون أن المجاهدين هم المؤمنون حقا وأنهم هم المميزون عند ربهم من جهة , وأن الجهاد هو أقصر الطرق إلى الجنة من جهة أخرى.

والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله أولئك هم المؤمنون حقا(23) و “ والذين آمنوا وهاجروا وجاهدوا في سبيل الله بأموالهم وأنفسهم أعظم درجة عند الله ” (24) وأنه “لايستوي القاعدون من المؤمنين غير أولى الضرر والمجاهدون في سبيل الله فضل الله المجاهدين بأموالهم وأنفسهم على القاعدين درجة… وفضل الله المجاهدين على القاعدين أجرا عظيما ” (25) و ” إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة(26).

وهو – وعلى سبيل المثال كذلك – يدعوهم إلى التكافل . والتكافل – إذا ما فهم وأخذ به بالمعنى الإسلامي – قد يفوق في حد ذاته كل التنظيمات الاجتماعية والاتجاهات التطوعية الحديثة.

فهو في الإسلام يعني أن يكون أفراد وجماعات مجتمع ما متفاعلين في كل أو بعض شئونهم, بحيث تكون مسئوليتهم عن بعضهم البعض متبادلة. هذا وللتكافل ركنان أساسيان : التعاون , والمشاركة (27)  والتعاون cooperation – من الناحية الاجتماعية – هو التفاعل الاجتماعي الذي يندمج في الأفراد والجماعات في أنشطة مشتركة لكي يحققوا أهدافا بعينها (28). أما المشاركة الاجتماعية Social Participation فهي الاشتراك التطوعي واندماج شخص ما في جماعة اجتماعية للقيام بأعمال ونشاطات خارجة – غالبا – عن نطاق تخصصه (29).

ولقد عاد الإسلام إلى التكافل والتعاون والمشاركة طريقا إلى مجتمع إسلامي متماسك متكامل. فالقرآن الكريم يدعو إلى التعاون في الخير وينهىى عن التعاون في الشر حين أمر الله المسلمين أن ” وتعانوا على البر والتقوى ولا تعانوا على الإثم والعدوان” (30). والتعاون في الخير هو أن يقف الإنسان إلى جانب أخيه الإنسان كلما كان أحدهما فيلا حاجة إلى الآخر. وعلى هذه فإنه ليس بمستغرب أن يجعل الله هذا النوع من التكافل أهم من العبادة نفسها حين قوله تعالى ” ليس البر أن تولوا وجوهكم قبل المشرق والمغرب ولكن البر من آمن بالله واليوم الآخر والملائكة والكتاب والنبيين وآتي المال علي حبه ذوي القربي واليتامى والمساكين وابن السبيل والسائلين وفي الرقاب(31) والقرآن في دعوته إلى هذا التكافل بين الناس يكره المن حفاظا على كرامة الإنسان وكيانه فيعلن أن ” الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله ثم لا يتبعون ما أنفقوا منا ولا أذى لهم أجرهم عند ربهم ولا خوف عليهم ولا هم يحزنون” (32) بل إنه يعتبر العطاء من هذا النوع عطاء باطلا حين قوله – عز وعلا – ” يا أيها الذين آمنوا لا تبطلو صدقاتكم بالمن والأذى كالذي ينفق ماله رئاء الناس” (33).

وإذا كان القرآن الكريم قد عالج التكافل الاجتماعي في شكل مجمل وشامل , فإن في السنة النبوية وتراث السلف الصالح دعوة مباشرة إلى هذا التكافل بجناحيه من التعاون والمشاركة . فالنبي – صلوات الله وسلامه عليه – يرسي دعائم التكافل الاجتماعي بالقول والعمل معا في كثير من المواقف إيمانا منه بأن سعادة الفرد لاتكون إلا بسعادة المجموع. فهو يعلن – وعلى سبيل المثال – أن ” مثل المؤمنين في توادهم وتراحمهم وتعاطفهم كمثل الجسد الواحد إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى (34). وأن ” المؤمن للمؤمن كاليدين تغسل إحداهما الأخرى”, كما أن ” المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا” (35). كما أنه هو الذي يرعى الجيرة حق رعايتها ويحفظ حق الجوار ويصل إلى مرتبة تسمو على أي تصور حديث حيث يرى أنه ليس من الإسلام في شئ أن يبيت الشخص شبعانا وجاره جائع, ويقول: ” أتدرون ما حق الجار؟ إذا استعان بك أعنته, وإذا استنصرك نصرته, وإذا استقرضك أقرضته, وإن مرض عدته, وإن مات شيعت جنازته, وإن أصابه خير هنأته, وإن أصابته مصيبة عزيته. ولا تستطل عليه بالبناء فتحجب عنه الريح إلا بإذنه. ولا تؤذه بقتار قدرك إلا أن تغرف له منها (36). ومن الناحية العملية فقد كانت حياة الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته وبعض السلف الصالح مثالا واضحا لهذا التكافل ويكفي هنا مثلا ما صنعه الرسول صلى الله عليه وسلم من تكافل ومحاولة إقامة سلام اجتماعي عندما أخي بين المهاجرين والأنصار الذين كانوا يفضلون غيرهم على أنفسهم ” ويؤثرون على أنفسهم ولو كان بهم خصاصة(37).

وعلى الجانب الآخر فإن الإسلام يدعو أيضا إلى المشاركة الإيجابية الخيرة وبمعناها الاجتماعي والسياسي الواسع والعميق – وهذه هي الركيزة الثانية التي يقيم عليها العمل التطوعي دعائمه . وإذا كان من المسلم به عند الكثير من المفكرين المحدثين أنه قد أصبح للبعد السياسي أهمية خاصة باعتباره حجر الزاوية في البناءالاجتماعي كله – بحيث إذا ما صلح الكيان السياسي صلح الكيان كله وإذا ما فسد فسد الكيان كله, فإن الإسلام في ندائه بالشورى وحرصه على إرادة الأفراد وحريتهم قد سبق الفكر الحديث بمراحل طويلة وسار وما زال يسير على الدرب القديم.

والشورى هي أن يتشاور الناس حكاما ومحكومين – في شئونهم بحرية وأمان كاملين وفي ظل مناخ اجتماعي صحي يسمح بهذا التشاور وهذه المشاركة . وهي كذلك ألا يعتمد شخص على رأية فقظ ويؤمن بأن رأيين أفضل من رأي واحد وأن ثلاثة آراء أفضل من رأيين… وهكذا . كما أن الشورى هي الاتجاه إلى حكم – أو حتى تحكم – الجماعة والبعد عن حكم وتحكم الفرد وتسلطه.

والديمقراطية هي شكل الحكم الذي يحكم فيه المحكوم نفسه بنفسه. أو أنها هي شكل الحكومة التي يقوم فيها الحكم على أساس رغبة وإرادة الغالبية في المجتمع كما أنها هي المساواة أمام القانون وحرية التعبير والنشر والاجتماع, والحماية ضد الاعتقال التعسفي , وهي المساواة في الحقوق والواجبات (38)

أما الحرية فهي أن يكون للإنسان إرادة ومشيئة حرة أي أن يكون الفرد صاحب القرار في كل شئونه. وألا يكون سلوكه محددا من قبل بواسطة عوامل خارجية (39), وهي حرية الاختيار في تحديد النشاط واختيار الحلول (40). كما أنها هي اللإإرغام في أية صورة من صوره. وبطبيعة الحال فإنه لا يمكن أن يفهم من هذا أن حرية الأفراد مطلقة, بل هي مقيدة بحرية الآخرين ويجب أن تقفوا عندها ليتذكروا القاعدة التي تقول ” أنت حر ما لم تضر ” .

فإذا ما وصلنا إلى كشف الغطاء عن موقف الإسلام من هذا البعد وجدناه منذ البداية يستنكر الإكراه والإرغام من أساسه من ناحية, ثم يدعو إلى الحرية والشورى من ناحية أخرى. فمن الناحية الأولى يشير القرآن الكريم إلى كره الله للإكره حتى في الدين حين بيانه أنه ” لاإكراه في الدين قد تبين الرشد من الغي ” (41). وحين يسائل الرسول – مستنكرا: ” أفانت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين” (42)؟ ومن الناحية الثانية يجب الناس فس الشورى والحرية ويشجعهم على إبداء الرأي وعدم مسكه حين يرد أمر الله إلى رسوله أن ” … وشاورهم في الأمر” (43), وحين يبين رضاه عن المؤمنين بالشورى حين قوله ” لقد رضى الله عن المؤمنين إذ يبايعوك تحت الشجرة فعلم ما في قلوبهم فأنزل السكينه عليهم وأثابهم فتحا قريبا(44).

والسنة النبوية أيضا حرب على الإكراه والطغيان وسلام على الحرية والشورى فقد كان الرسول صلى الله عليه وسلم يشاور أصحابة في كل شئون الدنيا. تلك المشورة التي ظهرت بعض بوادرها في الغزوات التي طالما أخذ برأيهم فيها رغم مخالفته لرأية هو في بعض الأحيان وهو الذى كان يقول – مشجعا لإبداء الرأى وعدم مسكه – ” لا يقعدن أحدكم أن يرى أمرا لله فيه مقال فلا يقول فيه , فيقال له يوم القيامة ما منعك أن تكون قلت كذا وكذا؟ فيقول مخافة الناس , فيقول الله أحق أن تخاف ” (45) ويتلو قوله تعالى ” فلا تخافوهم وخافون إن كنتم مؤمنين (46) ومن هنا يأتي قول الرسول إن ” الساكت على الظلم شيطان أخرس” , وطلبه أن ” من رأى منكم منكرا فليغيره بيده, فإن لم يستطيع فبلسانه, فإن لم يستطع فبلقبة, وذلك أضعف الإيمان ” (47).

وفي سيرة السلف الصالح أيضا دلائل قاطعة على الاعتزاز بالشورى والبعد عن التسلط الفردي. وعلى سبيل المثال فقد اختير الخلفاء الراشدون الأربعة طبقا لنظام الشورى. وكان أبوبكر يشاور أصحابة في تشييد الجيوش وتسييرها وفي اختيار الولاة والقادة وغير ذلك من الأمور . كما جعل عمر بن الخطاب من الصحابة مجلس شورى بكل ما يحمل النظام من أبعاد. وكان دائم القول لأصحابه إنه ” لاخير فيكم إن لم تقولوا ولا خير فينا إن لم نسمع ” (48).

وهو الذين يصل بالشورى إلى ذروتها في خطبة تولية الخلافة حين قال ” وليت عليكم ولست بخيركم, فإن أصبت فأعينوني , وأن أخطات فقوموني ” وحين رد أحد رعيته بأنه ” والله لو وجدنا فيك اعوجاجا لقومناك بسيوفنا” (49).

وفي الوقت الذي رأينا فيه الإسلام يدعو إلى الحرية والشورى ويستنكر الإرغام والإكراه , فإنه يأمر أيضا بالعدل وينهي عن التسلط والظلم. فمن الناحية الأولى يحدد الله الهدف من إرسال رسله في إرساء قواعد العدل والحكم بالقسط. ” لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط “ (50) و ” قل أمر ربي بالقسط “ (51)وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين” (52) و ” إن الله يأمركم أن تؤدو الأمانات إلى أهلها و إذا حكمتم بين الناس أن تحكمو بالعدل” (53). كما أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته يدعمون هذا في كثير من المواقف العملية , ويكفي لهذا مثلا ما مارسه عمر ابن الخطاب من عدل جعله يلقب بالفاروق أو الفاروق بين لكفر والإيمان والظلم والعدل. كما أنه هو صاحب ملاحم العدل الكثيرة والتي يأمر في إحداها بأن يضرب أحد أبناء الرعية واحدا من أبناء الأكرمين. وكذلك هو العادل حتى على الحيوان حين قولته الشهيرة أنه لو عثرت دابة بالعراق لكنت مسئولا عنها بين الله, لم لم أسو لها الطريق؟ (45).

وعلى الجانب الآخر يؤكد الإسلام تدعيمه للعدل ومحاربته للظلم في كثير من المواقف. ” إن الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربي وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي ” (56)

ولايجرمنك شنآن قوم على ألا تعدالو اعدلوا هو أقرب للتقوى ” (75) ثم إنه تعالى يخاطب الناس – في حديث قدسي – أن ” ياعبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا” .

في العوائق إلى التطوعية:

يتفق الإسلام والاتجاهات الحديثة إذن في الإيمان التطوعي والتعاون والمشاركة سبيلا إلى خلق تلاحم وتكافل ثم سلام وخير إجتماعي مرغوب ومأمول. وعلى الرغم من دوي هذا الاتفاق وأهميته, فإن عالمنا العربي الإسلامي ما زال في كثير من مواقعه يئن تحت وطاة اللاإقبال على مثل هذا اللون من الأنشطة رغم أن فيه صلاحه أو بعضه على الأقل. صحيح أن هذا العالم لم يعد – ولن يعدم – بعض أمثلة حية واتجاهات صحية في هذا المجال, ولكن صحيح أيضا أن كثيرا من هذه الاتجاهات لم يرق – وسواء كان من ناحية الكم أو من ناحية الكف – إلى الآفاق المأمولة وخاصة إذا ما نظر إلى هذه الأمور من خلال ظروفه – الصعبة – التي يتعايش معها . وإذا كان هذا هو واقعه الحقيقي – وهو مؤسف حقا – فإنه يعتقد أن وراء هذا أسبابا نود هنا الإشارة إلى بعضها بعد إستعراض بعض نماذج التطوعية في هذا العالم.

وإذا كانت آفاق أنشطة العمل التطوعي قد ظهرت واضحة حين بيانها في الولايات المتحدة الأمريكية بالذات , فإن بعض – أو حتى كثيرا – من أوجه هذه الأنشطة قد ظهرت – وما زالت تظهر – في بعض اتجاهات العمل التطوعي في عالمنا العربي الإسلامي. وعلى سبيل المثال – لا الحصر, فإن مجالات مثل التبرع بالدم , ورعاية المرضى (بما في ذلك الاحتفال بالمناسبات معهم وإقامة حفلات ترفيهيية لهم, ) والإحتفال بالمناسبات العامة مع الجمهور , ورعاية أسر المسجونين, والاسعاف , والكشافة , والمعاونة في أعمال المرور, بالإضافة إلى أنشطة أخرى مثل غوث المحتاجين, ورعاية العجزة والأيتام والمعوقين والأحداث والمسنين, إلى جانب التوعية الدينية؛ يمكن أن نضعى أيدينا عليها – ولو بدرجة متواضعة – في بعض دول هذا العالم.

ولكي تكون الأمور أكثر وضوحا, وإذا ضربنا بجمهورية مصر العربية والمملكة العربية السعودية المثل في هذا الاتجاه , فإننا يمكن أن نتلمس هذه الأنشطة التطوعية – ولو بخفة – على الوجه الآتي:

ففيما يتعلق بالتبرع بالدم تقوم كثير من الهيئات والتجمعات التطوعية وتأتي بنتائج طبية في هذا المجال. وأهم من هذا فإنها تتجه هنا اتجاها يفضل بكثير ما عليه الحال في بلد مثل الولايات المتحدة الأمريكية, حيث يتبرع المواطن المصري أو السعودي بدمه بلا مقابل ( مادي) في الوقت الذي قد ينتظر فيه بعض الأمريكين أجرا ( ماليا أو عينيا ) على هذا.

وفيما يتعلق برعاية المرضى فقد قامت بمصر تنظيمات ” أصدقاء المرضى” ولعبت دورا كبيرا ومؤثرا في الرقابة والرعاية ( للمرضى والمسئولين على السواء ) , كما عملت على الترفية عنهم متعاونة مع هيئات وتنظيمات أخرى – أهلية وحكومية – مثل نقابات الفنانين بمختلف فنونهم وهيئة الاذاعة وبرنامجها الشهير ” حول الأسرة البيضاء” . وغير ذلك.

وفي مصر والسعودية معا قامت فرق الكشافة والجوالة بأدوار متشبعة ومتعددة حين مشاركتها في مشروعات خدمة البيئة وقيامها بالخدمات الارشادية والعامة لحجاج بيت الله الحرام بالسعودية, وإقامتها لبعض الاحتفالات الترويجية . الموسيقية والسمرية والاستعراضية – بالمجتمعات المحلية المصرية..

وبالإضافة إلى هذا فإن المتتبع لخط سير الأعمال التطوعية في مصر يمكنه إدراك أن جمعيات الإسعاف كانت قد قامت منذ بدايتها على الجهود التطوعية الخالصة – وإن تبدل الحال حديثا ليصبح كثير من العاملين بها من الموظفين ذوي الرواتب.

كما أنه في كل من مصر والسعودية هناك هيئات تطوعية ترعى أسر المسجونين والمعوزين والأيتام والمعوقين (المكفوفين بالذات ) والمسنين … ومن في حكمهم.

وبهما كذلك الهيئات والتنظيمات التي أخذت على عاتقها الدعوة لدين الله ونصرته في أي مكان – وسواء كان ذلك على ترابها الوطني أو خارج حدودها. وإذا كانت نشاطات المملكة العربية السعودية المكثفة في هذا المجال قد أصبحت محط أنظار ومحل اعتزاز العالم العربي الإسلامي – رغم كونها نشاطات حكومية رسمية موجهة في مجملها؛ فإن جهود ” الجماعات الدينية ” التي قامت بجمهورية مصر العربية في الآونة الأخيرة يمكن أن تشكل خطوات هامة على الطريق التطوعي القديم – وبصرف النظر عن الاتجاه المتشدد (والعنيف أحيانا ) الذي قد تسلكه بعض هذه الجماعات في بعض الأحيان وتحت بعض الظروف . يتبين إذن من العرض المقتضب السابق أن عالمنا العربي الإسلامي متفهم تماما للاتجاهات التطوعية وممارس لبعض أوجهها بل وملحق في بعض آخر في آفاق تعلو بكثير الأفاق التي وصلتها بعض الاتجاهات التطوعية في بعض الدول المتقدمة. إلا أنه على الرغم من هذا فإن المحصلة النهائية للمقارنة بين ما هو قائم هنا – في عالمنا العربي الإسلامي – وما يجري هناك – في كثير من الدول المتقدمة. أو حتى بعض الدول المتخلفة ( مثل كينيا) – (58) تشير إلى تقاعس مواطننا عن الإقدام إلى مثل هذه الأعمال التطوعية – وسواء كان هذا من ناحية الكم ( أي نسبة المتطوعين إلى عدد السكان الكلي ) أو الكيف ( والذي يقصد به هنا الأداء على وجه الخصوص ) وتفصيله في كثير من الأحيان قضاء – أو بالأحرى إضاعة – وقت فراغه ( وهو كثير ) في اللهو والترفية السلبي الغير مثمر.

إن الفاحص المدفق لأحوال عالمنا العربي الإسلامي الحالي يمكنه أن يلاحظ بسهولة كيف يقضي بعض شبابنا وقت فراغه في لعب الورق والنرد الطاولة والدمينو والشرطنج وما مائلها من ناحية, أو يتفرجون على بعض الأنشطة الرياضية ( وخاصة كرة القدم ) – دون ممارستها – من ناحية ثانية, أو حتى يتسكعون في الطرقات والأسواق ممارسين أنواعا من الشغب راجلين أو راكبين لسياراتهم “مفحطين ” من ناحية ثالثة. كما أن هذا الفاحص نفسه يمكنه أن يلاحظ كيف تقضى بعض  شاباتنا وقت فراغهن – وهو كبير للغاية – في الزيارات التي كثيرا ما يمارس فيها استعراض آخر موديلات الأزياء وأخبار ” النجوم ” على مختلف مشاربهم, ناهيك عن ممارسة البعض منهن لهواية القيل والقال والغيبة والنميمة … وكل هذا يحدث وسط كراهية الدين له, ورغم العلم بأنهم سيحاسبون على أوقات فراغهم هذه وعن ” عمرهم وفيما أفنوه” ..

إن وراء هذا اللإقبال على العمل التطوعي والتقاعس عنه أسبابا هي التي نود الإشارة إليها. أو بعضها – الآن – وإذا كنا قد ذكرناه في مقدمة هذه الدراسة أن فقدان الإحساس المجتمعي ومن ثم عدم الانتماء إلى المجتمع أو الولاء بالتالي , بالإضافة إلى اتجاه اللاشوري وتزييف الإرادة الشعبية, ثم عدم البر بالوعود التي تتجمع كلها لتفرز في النهاية سلبية ولا مبالاة اجتماعية صارخة قد تئد العمل التطوعي في مهده … إذا كنا قد أشرنا إلى هذا في المقدمة بصفة عابرة , فإننا نود هنا التركيز الموجز على هذه الأمور بالذات.

فالإحساس المجتمعي , أو وعي أهل المجتمع بمجتمعهم وتلاحمهم للعمل من أجل أنفسهم بأنفسهم , أمر أصبح يتسم بالتواضع في بعض أجزاء عالمنا العربي الإسلام الحديث. وعلى الرغم من تأصل هذا الإحساس في أعماق مجتمعاتنا العربية الإسلامية التقليدية , وبالرغم من انتشار الأثر القائل بأن ” النبي صلى الله عليه وسلم قد أوصى بسابع جار” وعلى الرغم من وعى أبناء هذا المجتمع العربي المسلم بحقوق الجار التي حددها رسول الله صلى الله عليه وسلم بإعانته ونصرته وإقراضه ( عند الحاجه ) وعيادته ( عند مرضه) وتشيع جنازته وتهيئة بالخير وتعزيته إذا ما أصابه شر وعدم مضايقته بأي سلوك خارج ثم مشاركته الطعام ( حتى لايحس بحرمان) … وبالرغم من كل هذا فقد أصبح هناك تباعد بين المبادئ والتطبيق – في الوقت الذي اقتبست فيه بعض المبادئ وأصبحت تطبق في مجتمعات أخرى وهي ليست إسلامية ولا عربية. وعلى سبيل المثال كثيرا ما نجد أهالي المجتمعات المحلية Com munities في بعض دول أوربا الغربية والولايات المتحدة الأمريكية بالذات يتجمعون للتشاور في أمورهم والعمل من أجل بعضهم البعض ليدللوا على أنهم يعيشون مجتمعهم كله وبكامل إحساسهم . فهم مثلا – يزيلون الثلوج المتساقطة , وينظفون الطرقات , ويحافظون على المظهر الجمالي للحدائق والمنتزهات والمرافق وما في حكمها, ويديرون الأنشطة الترويجية والترفهية في مجتمعاتهم, ويرعون الطلاب والأطفال, ويراقبون الأسعار ومواصفات الانتاج وتلوث البيئة… وباختصار شديد فإنهم يتعاونون ليتكافلوا كاحسن ما يكون التكافل – وهم غير مسلمين.

إن عدم إحساس المواطن بمجتمعه وعدم وعيه بواجباته وحقوقه ووقوفه منه بالتالي موقف السلب واللامبالاة إنما ينتج في نهاية المطاف تخلفا تعاني منه هذه المجتمعات . وفي نفس الوقت فإن لفقد الإحساس قد يكون الآتى بعضها .

فقد يعود هذا إلى الشخص ذاته وأنانيته وعدم اجتماعيته بالإضافة إلى عدم اكتمال وعيه ورشده الإجتماعيين. وقد يرجع إلى المجتمع ذاته بما يحمل من تراث وأفكار تقليدية معوقة (كالتعالي على الغير والتعالي على القيام بالخدمات والنظرة الدونية للآخرين .. وهكذا) , وغياب القائد الواعي , وسوء التنظيم , وضعف وسائل الاتصال (59), كما قد ينتسب – بالدرجة الأولى – إلى النظام السياسي السائد والمسيطر – وهذا – على أية حال – ما يؤكده ويركز عليه الفكر الحديث (60). فإذا ما أخذنا هذا في اعتبارنا, فإن هذا الفكر الحديث يشير في هذا المقام إلى أمور بعينها مثل غياب الشورى , وفرض الحكم التسلطي , وتزييف  الإدارة الشعبية, وعدم البر بالوعود كمعوقات أساسية للعمل التطوعي.

من مظاهر غياب الشورى وسيطرة الحكم التسلطي بعض الحكام العسكريين الذين يأتون في بعض الأحيان إلى السلطة عن طريق الحركات العسكرية ويفرضون إرادتهم وسلطتهم على كل مقدرات البلد ويصبح البعض منهم حاكما فردا يلغي أرادة الآخرين وينتظر منهم طاعة عمياء. وفي وسط هذا المناخ يصبح كل شئ مسيرا بالقسر, كما يصبح الخوف والشك مسيطرا على سلوكيات الناس ومعاملاتهم. وبطبيعة الحال فإنه في وسط هذا المناخ اللا آمن يكون من السذاجة أن يفكر أحد إلا في مصلحته الذاتية, فيتنفى بذلك التآخي والتعاون ويضيع بالتالي التكافل.

وكنتيجة للتسلط فإن بعض هؤلاء الحكام يعملون على بسط نفوذهم وسيطرتهم بكل الوسائل . ولما على علم بأنهم قد لا يعمروا بالحكم طويلا إذا أتيح المجال لشورى حقيقية , فإنهم – ولضمان استمرارهم – قد يلجأون إلى تزييف الإرادة الشعبية ( تزوير الأنتخابات  النيابية) في كثير من المواقع. إن هذا في حد ذاته قد يصيب المواطن بخيبة أمل ويسلمه إلى اليأس الذي يقوده إلى الإصابة ببعض الأمراض الاجتماعية القاتلة والتي يأتي في مقدمتها هنا ” الأنا مالية ” واللامبالاة اللذين يجعلانه ينظر إلى الأمور المجتمعية وكأنها لا تعنيه من قريب أو بعيد . ومن هذا كله وبه قد يفقد المواطن ولاءه لمجتمعه ووطنه وتبدأ شعله إحساسه وحماسه المجتمعي تخبو لدرجة أنها قد تختفي نهائيا في بعض الظروف.

من ناحية أخرى فإنه لكي يضمن بعض هؤلاء الحكام استمرارهم فإنهم ومعاونوهم يبحثون عن المسكنات التي يهدأون بها من روع الشعب. فيبدأ البعض منهم بالإعلان عن خطط برامج – مثالية عادة – للأخذ بيد المواطن إلى بر الأمان والوصول به إلى نعيم أرضي مأمول … ولما تمر السنون ويجد المواطن نفسه ما زال يعيش ظروفا صعبة , فإن الآمال الكبار تبدأ في التحطم على صخرة الواقع.

وفي وسط هذه الظروف يكون هذا المواطن أمام أحد أمرين: فإما الاستسلام لليأس – وهذا يقود بطبيعة الحال إلى نوع أو آخر من السلبية واللامبالاة التي أشرنا إليها, وإما الدخول في صراع مع السلطة – وهذا يؤدي بالضرورة إلى إضاعة طاقات الأمة فيما هوهدم أكثر مما هو بناء. وفي كل الحالات فإن المحصلة النهائية للنتائج تكون وبالا على الوطن والمواطن كما تكون وبالا على قضية التنمية في هذه البلاد.

الهوامش:

  1. لمزيد من التفصيل ارجع في هذا إلى:

أ- عبد الهادي الجوهري وآخرون : دراسات في التنمية الاجتماعية : مدخل إسلامي . دار نهضة الشرق, القاهرة, 1402 / 1982.

ب- عبد الباسط محمد محسن : التنمية الاجتماعية مكتبة وهبة, القاهرة , 1977.

  1. ارجع في هذا المقال إلى
  2. A. Iauffer, A & S. Gorodezky: Volunteers. Sage Publications, Beverly Hilld, Col. 1977
  3. Ellis, S. & K. Noyes: By the People: A History of Americans as Volunteers. Energize Book Orders, Phial, Pa, 1978
  4. يجدر في هذا المقام الإشارة إلى أنه في الفترة الأخيرة – ومنذ سنوات قليلة – بدأ النقاس في الولايات المتحدة الأمريكية يحتدم حول مشاركة الأبناء في الأعمال المنزلية, وعما إذا كان من المفروض أن تكون هذه المشاركة إجبارية أو اختيارية, وما إذا كان من المفروض أن يقوموا بهذه الأعمال بمقابل أو بدونه. ومن عجب – وانطلاقا من نظرتنا الشرقية إلى الأمور – أن محصلة الناقشات كادت تسفر عن ضرورة ” دفع مقابل ” مادي / مالي لهم, الأمر الذي يؤكد بالضرورة خروجهم من دائرة التطوعية.
  5. يشكل العمل التطوعي سمة من السمات الأساسية للمجتمع الأمريكي لدرجة أنه عند تقدم شخص لشغل إحدى مراكز العمل فلابد له من الكشف عن خبراته والتي تأتي على رأسها احتراما وتقديرا الأعمال التطوعية داخلية وخارجية ومن أجل هذا فإن غالبية (نسبية )كبيرة من مواطني الولايات المتحدة الأمريكية بكل الأشكال على الإدلاء بدلوهم في بحر التطوعية وهو – هناك – وكما سيتضح – محيط عميق.
  6. المرجع السابق , صص 7 – 11.
  7. رغم الانتشار الواسع للأعمال التطوعية في الولايات المتحدة الأمريكية ودخولها في مجالات متعددة والقيام بالكثير منها بلا مقابل ( مادى / مالي) , فإن الأمر في مجال التبرع بالدم يختلف ويسير في اتجاهين بعينهما: الأول هو التبرع الخاص بالدم – بلا مقابل ( مادى / مالي) , والثاني هو التبرع بالدم بمقابل – مادي ( مخصصات مالية وغذائية – إلى جانب كوبونات تخفيض أثمان بعض المواد الغذائية).

وإذا كان هذا قد يعني بيع الشخص لدمه – الأمر الذي قد يخرج الموضوع كله عن مجالات العمل التطوعي من جهة, ويتنافي مع تقاليدنا واستعدادتنا العربية من جهة أخرى؛ إلا أنه نظرا لأهمية الاتجاه وحيويته فقد أبقى عليه – هناك – ضمن أبعاده المقرة بل والمطلوبة كذلك.

  1. يلقي المعوقون بالولايات المتحدة الأمريكية رعاية لا يلقاها قرناؤهم في أي بلد آخر. فبالإضافة إلى إقامة أنشطة – اجتماعية وفنية وترويجية .. – خاصة بهم, فقد خصصت لهم – على سبيل المثال ( لا الحصر ) – مناطق خاصة في أماكن الصعود للحافلات ( الاتوبيسات العامة ) وأماكن خاصة في مواقف السيارات, وأماكن خاصة في دورات المياه العامة … وهكذا. وأهم من ذلك أنه قد شددت الرقابة على امتيازاتهم هذه – لحفظ حقوقهم, كما قررت العقوبات المشددة على كل معتد على هذه الحقوق. هذا وكثيرا ما يرى شخص سليم – يجهد نفسه على البحث عن موقف لسيارته وأمامه المكان المخصص للمعوق غير مشغول فلا يجرؤ – اجتماعيا – على شغله.
  2. من المناظر المألوفة بالولايات المتحدة الأمريكية رؤية رجل أو امرأة تأتي وقت ذورة خروج الطلبة والطالبات – وزحام الطرق والمواصلاتقائم طبعا, وترتدي زيا خاصا (شبه قميص بدون أكمام – وكتبت عليه كلمت “شرطة” ), وتبدأ في تنظيم المرور وتسييره ( تطوعيا بطبيعة الحال) , تحمي الطلاب والطالبات – وخاصة الصغار – من الأخطار, وتلقى كل احترام وتقدير الجميع العاديين والمسئولين.
  3. تنتشر المنتزهات الترويجية / الترفيهية بطول الولايات المتحدة الأمريكية وعرضها , لدرجة أنه يوجد لكل حي – أو مجتمع محلي Community – متنزهه الخاص. وتنشط هذه المنتزهات بشكل أساسي خلال فصل الصيف حيث تستوعب طلاب وطالبات الحي وتنظيم لهو وقت فراغهم بشكل إيجابي ومثمر حين يمارس كل منهم أنواع النشاطات التي يرغبها (  رياضية , اجتماعية , فنية , وغيرها … ). هذا بالإضافة إلى رحلات الصيد والرحلات الثقافية والعلمية والنشاطات السينمائية والمسرحية… وغير ذلك. والمهم في كل هذا هو أن هذه الأنشطة إنما تدار بواسطة الجهود التطوعية البحته.
  4. يقوم تنظيم ما يعرف بجيش الانقاذ – وهو مكون من المتطوعين المدنين – بدور له أهمية في مجال الرعاية الاجتماعية بالالويات المتحدة الأمريكية. ومن أهم أنشطته وضع صناديق ضخمة بجوار مراكز الأسواق والمحال التجارية الكبيرة لكي يضع فيها القادرون وغير القادرين من أبناء الحي كل ما يمكن استغناؤهم عنه من أثاث منزل إلى أجهزة وآلات وأدوات إلى ملابس وألعاب أطفال … وهكذا. وتجمع هذه الأشياء حيث يؤخذ الصالح منها مباشرة – بواسطة الأفراد المحتاجين أنفسهم أو عن طريق أفراد التنظيم , وأيعاد إصلاح وتصنيع وتجهيز ما يحتاج منها إلى هذا. هذا وتحدث طرق الأخذ والعطاء بشكل يحفظ للإنسان كرامتهروإنسانيته.
  5. القرآن الكريم, سورة آل عمران, آية 110.
  6. القرآن الكريم, سورة آل عمران, آية 114 .
  7. القرآن الكريم, سورة الأنبياء, آية 73 .
  8. القرآن الكريم, سورة آل عمران, آية 104.
  9. القرآن الكريم, سورة البقرة, آية 158 .
  10. القرآن الكريم, سورة البقرة, آية 184.
  11. القرآن الكريم, سورة الأعراف, آية 7.
  12. القرآن الكريم, سورة الكهف, آية 30.
  13. القرآن الكريم, سورة الشعراء, آية 109.
  14. القرآن الكريم, سورة النحل, آية 41.
  15. القرآن الكريم, سورة الحج, آية78 .
  16. القرآن الكريم, سورة التوبة, آية 73, التحريم, آية 66.
  17. القرآن الكريم, سورة الأنفال, آية 74.
  18. القرآن الكريم, سورة التوبة, آية 20.
  19. القرآن الكريم, سورة النساء, آية 95.
  20. القرآن الكريم, سورة التوبة, آية 111.
  21. لمزيد من التفاصيل ارجع في هذا إلى مقالنا المعنون ب “تنمية في ضوء التعاليم الإسلامية, مجلة كلية العلوم, العدد الخامس, 1401/1981, ص538.
  22. Theodorson, & A.

Theodorson : Modern Diationary of Sociology. Thomas Y. Crowell  Co, New York, 1970, P78.

  1. نفس المرجع, ص. 292.
  2. القرآن الكريم, سورة المائدة, آية 2.
  3. القرآن الكريم, سورة البقرة, آية 177.
  4. القرآن الكريم, سورة البقرة, آية 262.
  5. القرآن الكريم, سورة البقرة, آية 264.
  6. حديث نبوي, رواه البخاري في صحيحه.
  7. حديث نبوي, رواه البخاري في صحيحه.
  8. حديث نبوي, رواه البخاري في صحيحه.
  9. القرآن الكريم, سورة الحشر, آية 9.
  10. نفس المرجع رقم (21), ص 107.
  11. نفس المرجع, ص161 – 162.
  12. علي لطفي: دراسات في تنمية المجتمع. المطبعة الكمالية, القاهرة, 1973, ص23.
  13. القرآن الكريم, سورة البقرة, آية 256.
  14. القرآن الكريم, سورة يونس, آية 99.
  15. القرآن الكريم, سورة آل عمران, آية 159.
  16. القرآن الكريم, سورة الفتح, آية 18.
  17. حديث نبوي, رواه البخاري ومسلم.
  18. القرآن الكريم, سورة آل عمران, آية 175.
  19. حديث نبوي, رواه البخاري ومسلم.
  20. عباس محمود العقاد : عبقرية عمر, دار المعارف, القاهرة, 1964, ص117.
  21. نفس المرجع, ص118.
  22. القرآن الكريم, سورة الحديد, آية 25.
  23. القرآن الكريم , سورة الأعراف , آية 29.
  24. القرآن الكريم , سورة المائدة , آية 42.
  25. القرآن الكريم, سورة النساء, آية 58.
  26. نفس المرجع رقم (41), ص120.
  27. القرآن الكريم, سورة النحل, آية 90.
  28. القرآن الكريم, سورة الأنعام, آية 82.
  29. القرآن الكريم, سورة المائدة, آية 8.
  30. يمكن اعتبار كينيا – رغم كونها دولة نامية ومستقلة حديثا (1963) وليس لها عراقة وأصالة بعضد الدول العربية الإسلامية, يمكن اعتبارها إستثناء من قاعدة الدول النامية في هذا الاتجاه بالذات من ناحية, كما يمكن النظر إليها كمثال رائد – يمكن أن يحتذى في النشاطات التطوعية من ناحية أخرى. ففي البلد الناشئ المتواضع الامكانات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية – اتجاهات تطوعية تصل في حجمها وعمقها – أو كمها وكيفها – إلى آفاق قد تفوق ما عليه بعض الدول المتقدمة والعريقة في هذه المجالات بما في ذلك الولايات المتحدة الأمريكية نفسها ( لمزيد من تفصيل إرجع إلى رسالتي للدكتوراه المعنونة ب:

Rural Devalopment and Rural Income: the Cases of Egypt and a New Raral Devalopment Plan for Egypt, the Pennsylvania stare

University, U.S.A., 1978.)

وإذا كنا قد عددنا بعض أوجه العمل التطوعي في هذا البلد ( الولايات المتحدة الأمريكية) – لعراقة العمل التطوعي  فيه, فإن كينيا قد تستحق بعض هذا الشرف  وتحتل مكان الريادة في بعض المجالات التي اختصت بها دون غيرها . وعلى سبيل المثال فعندم ما يعرف بحركة ” الهاراني Harambee” – أو ” دعنا نعمل سويا let us do it together”, والتي بمقتضاها وتحت لوائها يتطوع الكينيون بأوقات فراغهم وخبراتهم وجهودهم من أجل كينيا. ففي مراكز هذه الحركة ينتظر المتطوعون أية إشارة تأتي إليهم للقيام بعمل إسعاف أو إنقاذ من أي نوع – وهذا ولا شك عادي. أما الشئ الإضافي عندهم فهو انتظارهم لأي إشارة تشييد – كتشيد مدرسة أو مستشفى أو دار حضانة أو ملجا .. أو ما إلى ذلك  .. وعلى الفور يتحركون ليقيموا البناء في زمن قياسي بل وخيالي أيضا. وأعظم من هذا فإن الحركة لم تقتصر على الذكور وحدهم بل إن للنساء نصيبا كبيرا – في الحركة التي أفرزت نوعا جديدا من استقلالية وذاتية المرأة التي قد لا تتوافر في كثير من الدول النامية أو حتى بعض الدول المتقدمة.

  1. لمزيد من تفصيل في هذا الاتجاه , ارجع إلى كتابنا ” دراسات في التنمية الاجتماعية : مدخل إسلامي ” والفصلين عن ” مؤاشرات التقدم والتخلف ” و” عوائق التنمية ” تأليف مشترك مع الدكتورين عبد الهادي الجوهري وأحمد رأفت , دار نهضة الشرق, القاهرة 1402/ 1982.
  2. ارجع في هذا إلى
  3. Abdelman, I & C. Morris: Society Politics and Economic Devalopment: A Quantitative Approoch the tohns Hopkins Press, Baltimore, 1971
  4. Arensberg, C. & A. Nicheff: Introducing Social. Change. Aldine Publishing CO., Chicago 1969.

مراجع هامة في دراسة ( ومزيد من تفصيل عن التطوعية):

Ellis, S. & Noyes:

  1. No Execuse: The Team Approach to Volunteer Managemeni.
  2. Proof Positive: Developing significant Vounteer Recording dydtem Volunteer Energy, Series, Energize, Philadelphia, Po, 1981.
اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر