أبحاث

محمود شلتوت : مجتهدا ورائدا للتقريب : قراءة تاريخية ووثائقية

العدد 100

أولاً : خلفية تاريخية :

بدأ القرن العشرون وقد أصبح للأزهر في حياتنا الثقافية ما يجعله ينساب في نسيجها كله ، لم يعد مجرد قلعة للعلم والدين ، ولا مجرد سياج يحمى حقوق الأمة ويعبر عن إرادتها ويصل بصوتها إلى الحكام والأمراء ، بل أصبح الأزهر _ إضافة إلى ذلك كله _ يرى نفسه قائد العقل المسلم ، وتهيأت في داخله منذ أواخر القرن التاسع عشر حركة إصلاحية سعت إلى تطوير
مؤسساته ، وتعديل مناهجه ، وبدأت قوانين تنظيم الأزهر يتتابع صدورها ، ومن أبرزها في نهاية القرن التاسع عشر القانون الذي وضع في يوليو سنة 1896 ، وأشرف على تنفيذه مجلس إدارة يضم طائفة من كبار علماء مصر والإسلام ، خلصت نيتهم وتوافرت لديهم وسائل التنفيذ وإصرارهم عليه ، وهم المشايخ: حسونة النواوي ، ومحمد عبده ، وسليم البشرى، وعبد الكريم سلمان ، وسليمان العبد ، وكان لكل واحد من هؤلاء جهوده العلمية ، وإنتاجه الفكرى في مجال إصلاح العقل، محمد عبده في «رسالة التوحيد» وتقاريره الإصلاحية ، وسليمان العبد في «باكورة الكلام» ، وغيرهم ممن تصدروا للتدريس في الجامع الأزهر ، ومدرسة دار العلوم . وقد جاء قانون تنظيم الأزهر على أيدى هؤلاء ليضم من وجوه الإصلاح ما رأوه كفيلاً بإنهاض الأزهر ، ولأول مرة وضعوا شروطًا للانتظام في سلك الجامع الأزهر ، فقرروا ألا يعتبر من طلبة الأزهر إلا من بلغ الخمس عشرة سنة على الأقل ، وأن يكون له دراية بالقراءة والكتابة ، وحافظًا نصف القرآن الكريم ، وقسمت العلوم إلى قسمين: مقاصد ووسائل .

القسم الأول : ويضم مواد التوحيد والأخلاق الدينية والفقه وأصوله ، والتفسير والحديث .

والقسم الثاني : ويستوعب النحو والصرف والمعاني والبيان والمنطق ، ثم الحساب والجبر والعروض والقافية ، وشجع القانون الطلبة بوضع مكافآت لمن يتفوق في تاريخ الإسلام ، أو يبرز في الإنشاء قولاً وكتابة ، واللغة متنًا ومبادئ ، والهندسة وتقويم البلدان ، ومنع التقيد في الدراسة بكتب دون أخرى ، ومنع الطلبة من الاشتغال بعلوم المقاصد إلا بعد تحصيل وسائلها ، وحرم قراءة التقارير والحواشي في السنوات الأربع الأولى وأجازها بعد ذلك ، وجعل أقل مدة للدراسة اثنى عشرة سنة، وأكثرها خمس عشرة سنة ، وجعل الامتحان على مرحلتين ، الشهادة الأهلية، وهي لمن قضى ثماني سنوات فأكثر ، والشهادة العالمية وهي لمن قضى اثنى عشرة سنة فأكثر ، وجعل لحامل كل شهادة أهلية وظائف معينة .

لقد فتح هذا القانون أبواب الأزهر كلها وضرب في كل واحد منها بسهم من الإصلاح ، ولفت الذهن إلى أن هناك خيرًا غير الذي عرف إلى يوم وضعه ، وأن التمسك بما كان عليه من قبلنا لا معنى له ما دام لا يطابق الواقع ، ولا يتفق مع حاجات العصر ، ولا شبهة في أن الأزهر قد تغير بعد القوانين الإصلاحية ، إن لم يكن من جهة العلم وتحصيله ، فمن جهة قابلية أهله للرقي ، فقد أصبحوا طلاب إصلاح بعد أن كانوا لا يطيقونه إلا مغلوبين على أمره .

وقد سمى هذا القانون بإصلاح الشيخ محمد عبده ، وقد ظل مطبقًا عشر سنوات، ثم انفرط منهجه ، وغاب أثره بخروج الشيخ محمد عبده من مجلس الإدارة ، ثم وفاته سنة 1905، إلا أن القانون وضع تلاميذ الأستاذ الإمام على درب جديدة ، ومسالك مستحدثة ، تمثلت في الثورة على ما كان في الأزهر من مناهج للدرس ، ومراجع الدراسة ، وأظهرت كوكبة من تلاميذ الإمام محمد عبده مقدرة فائقة في النقد المنهجي كان في مقدمتهم حسين والي في كتابيه «التوحيد» «وكلمة التوحيد» ، والشيخ بدر الدين الحلبي في كتابه المهم «التعليم والإرشاد» ،  والعلامة طنطاوى الجوهرى في مؤلفاته وتفسيره ، والشيخ محمد مصطفى المراغي _ أستاذ العلامة محمود شلتوت _ في أعماله وأقواله ، ولقد كان هذا التطور عظيمًا ، إذا قيس بالقرن التاسع عشر الذي تراكمت فيه العصبية المذهبية في رحاب الأزهر على نحو أرهق العقل ، وشوه النقل حتى يروى صاحب التعليم والإرشاد: «لقد كان أهل المذاهب في مصر من نصف قرن – الكتاب صادر سنة 1906- مضى كالدول المتحاربة، لا يتأخر صاحب مذهب عن أذية صاحب مذهب آخر متى لاحت له فرصة وأمكنته ، ولقد سمعت الشيخ عبد الرحمن البحراوى يقول : «كنا إذا خرجنا من الأزهر للحضور على السيد أحمد الكتبي مفتى الحنفية بمكة آخر عمره بزاوية العيني بقرب الأزهر، خرجنا وكل واحد منا قد جعل عباءته على رأسه يدارى بها شخصه عن الناس، وكان من يسمع بحالنا _ يسمعنا من القول ما كنا لا نجد بدًّا من تحمله والصبر عليه» ، يضاف إلى ذلك الاعتماد في الدرس على كتب المتأخرين، وهي عصية على الفهم، لا يتسع بها عقل ، ولا ينمو من خلالها فكر ، وأصبحت قراءة المقررات الدراسية والامتحان فيها من أشد الأمور؛ حتى ليذكر الشيخ بدر الدين الحلبي أنه في سنة 1317هـ كان الناجحون في امتحان الكفاءة من طلبة الأزهر في فقه أبى حنيفة ثلاثة طلاب، اثنان من سوريا والثالث من مصر ، وذلك من جملة عدد من دخلوا قاعة الامتحان وكانو أكثر من ثلاثمائة ، لقد كان توجيه الأستاذ الإمام إلى تعديل المناهج ، وإصلاح المؤسسة الأزهرية عملاً رائدًا ، صحيح أنه لم يسر به إلى نهاية الشوط ، ولكن جاءت أجيال من مدرسته لتعمل على إكمال رؤيته ، وإنجاز رسالته ، ويعد الانفتاح على المذاهب الأربعة من أهم حصاد غرسه ، وهو ما نادى به في مذكراته ، وفي كتابه «الإسلام والنصرانية» بل إنه دعا إلى الانفتاح على الفقه الإسلامي كله بمذاهبه المختلفة ، وهذا الإنجاز جاء بعد عصور ورث فيها الأزهر روح التعصب المذهبي حتى يروي الكمال بن الهمام عن أحد علماء الحنفية منع المناكحة بين أهل السنة والاعتزال ، وكان الشيخ محمد مصطفى المراغي _ المدرس والقاضي وشيخ الأزهر بعد ذلك _ هو الذي أكمل المسيرة ، ونزل بالأفكار إلى أرض الواقع في قوانين المحاكم ، وفي مواد الدراسة ، والمراغي _ كما وصفه محمود شلتوت _ ما خرج بروحه وعلمه وعقله وتفكيره ، عن أن يكون تلميذًا للإمام محمد عبده .

لقد تحركت مياه كثيرة في عالم الفكر والتشريع ، وأفرز الواقع جبهات لمقاومة التبشير ، ومجابهة الاستجلاب التشريعي ، وأصبح الانفتاح المذهبي ضرورة لأمرين :

الأول : الإيمان بصحة الأصول التى تنتمي إليها كل المذاهب الإسلامية، وهي أصول واحدة ومشتركة .

الثاني : الواقع المتحرك الذي يحتاج في صناعته على عين الشريعة إلى الفقه الإسلامي كله، باعتباره وحدة متكاملة لا تفاريق مذهبية ، يقول أحد تلاميذ الإمام _ مؤكدًا دعوته إلى تعليم يستوعب كل المذاهب ، وإلى تشريع يتعامل مع كل المذاهب _: «ولو ذهبنا نستقرئ أفراد المضار التى تنشأ من التقيد بمذهب واحد في المحاكم الشرعية لخرجنا إلى حصر ما لا يبلغه الحصر ، وعد ما لا يستوعبه العد» .

لقد كانت الدعوة إلى الانفتاح الفقهي على المذاهب الأربعة فكرة راودت بعض رجال الإصلاح من قبل ، أشار إليها الكواكبي في « أم القرى» ، وظهر لها دعاة في المغرب العربي ، ولكنها في مصر بعد عصر الأستاذ الإمام تحولت إلى تيار فاعل في الحياة الفقهية والتشريعية ، له أسبابه ودواعيه ، ونادى الكثيرون بكتاب جامع للفروع الفقهية في المذاهب الأربعة ، يضم ما هو أيسر على الناس في العبادات ، وأضبط لأمورهم في المعاملات ، بل هي دعوة ذات شقين :

الأول : كتاب جامع لفقه الفروع في المذاهب الأربعة، مع التخير؛ مراعاة لحال الناس، وفي هذا الصدد صدرت مؤلفات كثيرة ، كانت ذروتها اللجنة التى شكلت من علماء المذاهب الأربعة في الأزهر الشريف برئاسة شيخ الأزهر في أوائل العشرينات من القرن الماضي ، واستهدفت إعداد كتاب فقهي على المذاهب الأربعة ، وضع له نموذج وافقت عليه اللجنة في 11 فبراير سنة 1923 . وكان ثمرته كتاب الفقه على المذاهب الأربعة الذي ينسب خطأ للشيخ عبدالرحمن الجزيرى ، وقد أضاف إليه بعض علماء الإمامية مذهبه ليكون جامعًا للمذاهب الخمسة .

الثاني : الاتجاه في التشريع والفتوى على المذاهب الأربعة ، بل إن الشيخ المراغي _ على الرغم من كونه حنفى المذهب _ كان يأخذ من كل المذاهب ما يناسب العصر والمصلحة ، ورأى خطورة الأخذ بأقوال المذاهب الأربعة دون سواهم، وكتب عام 1927 «بحوثًا في التشريع الإسلامي وأسانيد قانون الزواج والطلاق» دعا فيها إلى «اختيار ما صح دليله ، وما قام البرهان على أن فيه مصلحة للناس من أقوال أئمة الهدى وفقهاء الإسلام» ، وقد يقضى ذلك على تلك الفكرة الخاطئة فكرة وجوب تقليد المذاهب الأربعة دون سواها ، سواء أوافقت مذاهبهم مصالح المجتمع أم خالفتها» ، ثم قال: « والخلاصة أنه يجوز تقليد غير المذاهب الأربعة متى صح النقل عنهم ، وفهم مرادهم » بل إنه يشير إلى غير مذاهب أهل السنة بقوله: «وفي العالم الإسلامي الآن مذاهب منتشرة يدين بها ملايين المسلمين ، في اليمن وفارس ، وبلاد الهند ، ولهم كتب مطبوعة وغير مطبوعة، ولهم متون وشروح وحواش ، مثل التى عندنا سواء بسواء ، ومنهم مجتهدون ، وفيهم من يرجح قولاً على قول» .

ثانيًا : الشيخ محمود شلتوت المجتهد:

في ظلال هذه البيئة المفعمة باتجاه التغيير تنظيرًا وتطبيقًا ، وفي رحاب مدرسة الشيخ المراغي التى تمد بجذورها إلى جهود الأستاذ الإمام محمد عبده نشأ وتشكل فكر الإمام محمود شلتوت ، الإمام المجتهد ، ورائد التقريب العملي بين المذاهب ، فقد ولد آواخر القرن التاسع عشر وبالتحديد سنة 1893 في منية بني منصور مركز إيتاي البارود ، وتلقى تعليمه الديني في معهد الإسكندرية، وكان أول فرقته في جميع سنوات الدراسة ، حيث نال درجة العالمية سنة 1919، ليبدأ في هذا العام الثوري حياة المعلم في ذات المعهد الذي تفوق فيه في معهد الإسكندرية الديني ، ومنذ المقالة الأولى لفت إليه الأنظار بثقافته الواسعة وإلمامه بالفقه رواية ودراية ، ونزوله إلى الحياة الواقعية مشاركًا في جوانبها السياسية والاجتماعية والعلمية ، متأثرًا بعلَمَين كبيرين ظلا يعملان في عقله إلى آخر العمر، وهما الشيخ محمد مصطفى المراغي ، والعلامة عبد المجيد سليم ، وعندما نادى الإمام المراغي بإصلاح الأزهر في مذكرة شهيرة، كان أول صوت أزهرى ارتفع لتأييده هو الشيخ محمود شلتوت ، دافع عنه أمام زملائه ، وبشر بدعوته بين الجماهير في مقالات نشرت في حينه بمجلة السياسة اليومية ، ولم يعبأ  بما أصابه ، فقد ظل على موقعه، سواء في داخل الأزهر أو حين أخرج منه ؛ لأنه في الواقع كان يدافع عن فكره هو ، وعن حياة عقلية جسدها كاتبًا ، وعبر عنها أستاذًا قدر له أن يكون في طليعة أساتذة الفقه المقارن في مصر عندما أدخل مقررًا في كلية الشريعة بعد عام 1930 ، كان عليه أن يضع المنهج ، وأن يحدد مفرداته، وأن يقوم بتدريسه ، وأن يكتب فيه ، فجاء كتابه في مقارنة المذاهب سنة 1936 دراسة في المنهج ، وحصيلة معاناة في ارتياد مجال غاب كثيرًا عن قاعات الدرس ، وبرامج الإعداد ، وقد أعانه على ذلك ذكاء حاد ، وألمعية متفردة ، وإلمام عميق بمذاهب أهل السنة ما بقي وما درس ، ومذاهب الشيعة زيدية وإمامية ، ومذهب الأباضية ، وأعلن في وضوح من خلال كتابه « مقارنة المذاهب» : «أن على المسلم إذا تعذر عليه أن ينال الأحكام من أدلتها أن يسأل أهل الذكر، وليس عليه أن يلتزم مذهبًا معينًا ، إذ لا واجب إلا ما أوجبه الله ورسوله ، ولم يوجب الله ورسوله على أحد من الناس أن يتمذهب بمذهب رجل من الأمة» وهو رأى ثبت عليه الإمام محمود شلتوت، فقد قال في حديث له نشر بمجلة الأزهر وهو شيخ له « وقد كان للاجتهاد في الأحكام مجال واسع تفرقت به المذاهب وتعددت ، وعلى رغم تعددها واختلافها في كثير من الأحكام، وتعدد الآراء في المسألة الواحدة ، فقد كان الجميع يلتفون حول أصل واحد وكلمة سواء ، هي الإيمان بالمصادر الأولى، وتقديس كتاب الله وسنة الرسول ، وقد صح عن جميع الأئمة «إذا صح الحديث فهو مذهبي ، واضربوا بقولي عرض الحائط» من هنا تعاون الشافعي ، والحنفي ، والمالكي، والحنبلي، والسني، والشيعي ، ولم يبرز الخلاف بين أرباب المذاهب الإسلامية إلا حينما نظروا إلى طرق الاجتهاد الخاصة ، وتأثروا بالرغبات ، وخضعوا للإيحاءات الوافدة ، فوجدت ثقوب نفذ منها العدو المستعمر ، وأخذ يعمل على توسيع تلك الثقوب ، حتى استطاع أن يلج منها إلى وحدة المسلمين ، يمزق ويفرق شملها ، ويبعث البغضاء والعداوة إلى أهلها ، وبذلك دبت فيهم عقارب العصبية المذهبية ، وكان من آثارها السيئة ما كان يحفظه التاريخ من تنابز أهل المذاهب بعضهم مع بعض ، وتحيّن الفرص لإيقاع بعضهم لبعض ، والدين من ورائهم يدعوهم هلموا إلى كلمة الله {وَلاَ تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِين}.

إن هذه الآفاق الواسعة التي حلق فيها الشيخ محمود شلتوت هي التى جعلته العالم المجتهد ، وكان يرى أن الفقه الإسلامي حتى يأخذ مكانه يحتاج إلى أمرين لابد منهما .

الأول : أن نعيد تنظيم الفقه الإسلامي ، وأن نوضح مقاصده ، وأن ننظم وسائله ، وعندنا كنوز مطمورة أو ضائعة في غمرة نظام التأليف القديم ، فالفقه الإسلامي ثروة من ثرواتنا الغالية، ولكن محاسنه غير واضحة المعالم في الكتب الموجودة الآن ، ولابد من تنظيم هذا الفقه تنظيمًا ييسر الانتفاع به لكل من يريد الانتفاع . ويسوق لنا الشيخ الجليل مثالاً لأهمية تقديم تراثنا المذخور فيقول: « إني في مؤتمر لاهاي الذي عقد سنة 1937 للقانون المقارن ، قدمت بحثًا عن المسئولية المدنية والمسئولية الجنائية ، وقدمت لهم نوعًا من المسئوليات لا تعرفه القوانين ، موجود عندنا في الفقه الإسلامي ، وهو المسئولية السلبية ، أي المسئولية بطريق الترك، وهي تقصير الإنسان في عمل توجبه الإنسانية، وذلك كما لو منع الإنسان الماء عن آخر حتى مات ، أو ترك مبصر أعمى يتردى في هاوية ولم ينقذه ، فالشريعة الإسلامية تحاسب على هذا العمل ولا تعفى صاحبه من المسئولية» ، هذا النوع من المسئولية الإنسانية في زوايا كتب الفقه غير مبرز، ويحتاج إلى جهد كالذي بذله الشيخ شلتوت في بحثه، فلقيت الشريعة في مؤتمر القانون المقارن الاعتراف والتقدير، ولقى الشيخ نفسه بهذا البحث تكريمًا خاصًا تمثل في اختياره عضوًا في هيئة كبار العلماء .

الثاني : وهو -كما يقول الشيخ شلتوت نفسه – لا يقل أهمية عن سابقه «هو واجب ربط الفقه بالحياة العامة ، ومعرفة رأيه في كل مسألة من المسائل المستجدة ، وهو واجب يحتاج إلى تعديل في مناهج الدرس حتى يصنع الفقيه القادر على الاستنباط مع فهم عميق للنصوص والوقائع على السواء»، وعندما عين الإمام محمود شلتوت شيخًا بالأزهر طالبه الكثيرون بهذا الإصلاح الذي كان هو من كبار دعاته ، ومن المنظرين له ، ومن الممارسين في كتاباته لأسسه وقواعده ، كتب حسين فوزي – غداة تعيين الشيخ شلتوت شيخًا للأزهر- في مجلة المجلة القاهرية يقول: «نحن لا نريد للأزهر أن يتحول إلى جامعة علمانية ، ولا نطالبه بأكثر من أن يخرج علماء يعيشون في زمانهم ، أي في النصف الأخير من القرن العشرين ، يفهمونه بقدر ما يفهمون رسالتهم الإنسانية السامية ؛ لأن أداء هذه الرسالة يقتضيهم أن يعرفوا زمانهم تمام المعرفة ، وأن يكونوا خبيرين بكل مشكلاته الروحية والمادية» .

ومن يمن الطالع أن الإمام محمود شلتوت كان في ذاته عالمًا مجتهدًا، وكانت رؤيته تستوعب المنهج والتفاصيل .

1_ من اجتهاداته في المنهج:

العلم منهج وأدوات ، قبل أن يكون تفاصيل وجزئيات ، وقد تحرك الشيخ محمود شلتوت على مساحات واسعة لتصويب المنهج ، وتحديد الأدوات .

أ _ رفض الجمود المذهبي :

امتدادًا لمدرسة الإمام محمد عبده ، وأستاذية الشيخ محمد مصطفى المراغي رأى العلامة محمود شلتوت في الجمود المذهبي عقبة كؤودًا أمام تحريك الواقع وصنعه على عين من شريعة الله ، فنعى الجمود ، واستبعده من دائرة الفهم الصحيح للإسلام يقول: « إن المتأخرين حينما تحكمت فيهم روح الخلاف ، وملكتهم العصبية المذهبية، راحوا يضعون من القوانين ما يمنع الناس من الخروج عن مذاهبهم ، وانتقلت المذاهب بهذا الوضع عن أن تكون أفهامًا يصح أن تناقش فترد وتقبل ، إلى التزامات دينية لا يجوز لمن نشأ فيها أن يخالفها أو يعتنق غيرها ، وحرموا بذلك النظر في كتاب الله وسنة رسوله ، أو حرموا العمل بثمرة النظر فيهما ، ونشأ عن ذلك أن فترت الهمم ، ووقف الفقه الإسلامي ، واشتغل علماء المذاهب بالانتصارات المذهبية ، واختصار المطولات وشرح المختصرات ، وهكذا حرم الناس الفقه ، وملكة الفقه» .

ب _ نقض ادعاء الإجماع على العمل بالمذاهب الأربعة :

امتدادًا لرؤية الشيخ المراغي أيضًا رفض الشيخ محمود شلتوت ، من زاوية منهجية وتطبيقية ، مقولة الإجماع على العمل بالمذاهب الأربعة ، وقال نقلاً عن الإمام أبي شامة: « ينبغي لمن اشتغل بالفقه ألا يقتصر على مذهب إمام ، ويعتقد في كل مسألة صحة ما كان أقرب إلى دلالة الكتاب والسنة المحكمة ، وذلك سهل عليه إذا حصل العلوم .. ، وليجتنب التعصب ، والنظر في طرائق الخلاف المتأخرة ، فإنها للزمن مضيعة ، ولصفوه مكدرة ، وكما قال شارح «مسلم الثبوت» فإن الاختلاف رحمة بالنص ، وترفيه في حق الخلق» .

وادعاء ابن الصلاح بوقف الفقه على المذاهب الأربعة لا دليل عليه ، وللعلامة «محمد شفيع الديو بندي» في كتابه «جواهر الفقه» ملمح لطيف ، يقول: «إن انتهاء سلسلة التقليد على المذاهب الأربعة ليس بأمر عقلي ولا شرعي ، بل اتفاقي محض ، … وعندما رأينا أن جميع المذاهب سوى هذه الأربعة قد اندرست لم يبق لدينا سبيل سوى حصر التقليد في هذه الأربعة اضطرارًا» .

وهو قول يحتاج إلى ضبط؛ لأن غير المذاهب الأربعة من غير أهل السنة بقي قائمًا له علماؤه وكتبه ، وحصر الفقه فيما جاء عن طريق أهل السنة جمود مردود ، بل تطرف البعض ورأى في بقاء المذاهب الأربعة اختيارًا إلهيًّا، لا يحتاج إلى دليل كما ذكر وأيده العلامة محمد زكريا الكاندهلوي في كتابه  «الشريعة والطريقة» نقلاً عن الملاجيون في «التفسير الأحمدي»، يقول: «والإنصاف أن انحصار المذاهب في الأربعة إنما هو فضل إلهي ، وقبولية من عند الله تعالى لا مجال فيها للتوجيهات والأدلة» .

ولا تعليق يذكر على هذه الميتافزيقا الصوفية .

2_ من اجتهاداته في الفروع :

لم يدع العلامة الشيخ محمود شلتوت طوال حياته قارئه أو سائله أو مجتمعه في حيرة ، بل كان يجتهد ويفتى ، ولا يتردد عن استنباط الأحكام  للحوادث الجديدة ، والنوازل الطارئة ، هكذا كان منذ حمل أمانة العلم ، وكان الدليل رائده في الاستنباط ، والحق غايته  في الفتوى ، واجتهاداته في الفروع كثيرة ، وله فيها كتب مجموعة ، وأقوال مخطوطة، نختار منها القليل الدال عن منهجه ، والمعبر عن عمق مساهماته في فقه العصر.

أ _ تنظيم النسل :

سئل الإمام محمود شلتوت عن تحديد النسل أكثر من مرة فلخص وجهة نظره قائلاً: «إن كلمة تحديد النسل» بهذا القيد وبمعنى إيقاف النسل إلى حد معين لا يتفق مع أمة تريد النهوض والقوة ، واتساع العمران ، وكثرة الأيدى العاملة في الزراعة والصناعة ، وهو فوق ذلك لا يتفق وما حثت عليه الشريعة الإسلامية من الزواج ، وما بينته أيضًا من امتنان المولى على الناس بنعمة البنين والحفدة ، كأثر من آثار الزواج مع طمأنينة النفوس على الرزق ، … وبذلك ترى أن التحديد بهذا المعنى العام تأباه طبيعة الحياة ، وحكمة الحكيم تأباه ، وكذلك الشريعة الإسلامية تمنعه ولا ترضاه .

أما تحديد النسل بمعنى تنظيمه بالنسبة إلى :

_ السيدات اللاتي يسرع إليهن الحمل .

_ بالنسبة لذوي الأمراض المتنقلة «أي الوراثية» .

_ بالنسبة للذين تضعف أعصابهم من مواجهة المسئوليات .

أقوال : إن تنظيم  النسل لشيء من هذا ، وهو تنظيم فردى لا يتعدى مجاله شأن علاجي تدفع به أضرار محققة ، والتنظيم بهذا المعنى لا يجافي الطبيعة ، ولا تأباه الشريعة إن لم تكن تطلبه وتحث عليه ، ذلكم أن القرآن حدد مدة الرضاع بحولين كاملين ، وحذر الرسول صلى الله عليه وسلم من أن يرضع الطفل من لبن الحامل، وهذا يقتضى إباحة العمل على وقف الحمل مدة الرضاع ، وإذا كانت الشريعة تتطلب كثرة قوية لا هزيلة ، فهي تعمل على صيانة النسل من الضعف ، وتعمل على دفع الضرر الذي  يلحق الإنسان في حياته ، ومن هنا قرر العلماء إباحة منع الحمل _ مؤقتًا _ بين زوجين _ أو دائمًا إذا كان بهما أو بأحدهما داء من شأنه أن ينتقل في الذرية والأحفاد .

ب – في ختان الإناث:

وهي قضية أثارت مدادًا كثرًا في الصحف ، وجدلاً  في السياسة، سئل الشيخ محمود شلتوت عن ختان الإناث فقال _ كما جاء في كتابه الفتاوي _ والذي أراه أن حكم الشرع  في ختان الإناث لا يخضع لنص منقول ، وإنما يخضع في الذكر والأنثي لقاعدة شرعية عامة ، وهي أن إيلام الحي لا يجوز شرعًا إلا لمصالح تعود عليه ، وتربو على الألم الذي يلحقه …. وانتهى إلى أن ختان الأنثى ليس لدينا ما يدعو إليه وإلى تحتمه، لا شرعًا، ولا خلقًا، ولا طبًا .

جـ _ في الفائدة :

حيث رأى الشيخ جواز الاستقراض بالربح للضرورة والحاجة ، وهو رأى يخالف موقفه عام 1950م عندما عارض الفائدة بإطلاق ، وقد انتقد البعض الشيخ، واعتبروا رأيه الجديد تراجعًا ، ونحن لا نناقش موضوع الفائدة قبولاً ورفضًا ، ولا فتوى الامام محمود شلتوت ، تأييدًا أو نقضًا ، وإنما نريد فهم فتواه في ضوء منهجه ، الذي يعتمد على الدليل كما يراه الشيخ ، وعلى اعتبار أن اليسر وعدم الحرج من المبادئ العامة في الشريعة ، ولهذا المنهج تطبيقات كثيرة في فتاويه ، منها قوله بأن مصافحة المرأة لا تنقض الوضوء ، وصحة الصلاة لمكشوف الرأس ، ولصاحب الرأس المغطاة، سواء كان الغطاء عمامة أو طاقية أو برنيطة ، وقال في ذلك: «والحق أن أمر اللباس والهيئات الشخصية ومنها حلق اللحية من العادات التى ينبغي أن ينزل المرء فيها على استحسان البيئة ، فمن درجت بيئته على استحسان شيء منها كان عليه أن يساير بيئته ، وكان خروجه عما ألف الناس فيها شذوذًا عن البيئة» وعلى هذا المنهج سار فيما يتعلق بفتاويه في كثير من المسائل، ومنها الموسيقى والغناء؛ حيث أفتى بأن سماع الآلات ذات النغمات أو الأصوات الجميلة لا يمكن أن يحرم باعتباره صوت آله ، أوصوت إنسان ، وإنما يحرم إذا استعين به على محرم ، أو اتخذ وسيلة إلى محرم ، أو ألهي عن واجب .

إن منهج الشيخ شلتوت في الاجتهاد يقوم على أسس ثلاثة :

الأول : الاعتماد على الدليل دون انتماء إلى مذهب فقهي لا يتعداه، ومن هنا أفتى في كثير من المسائل على غير مذهبه، بل على غير المذاهب الأربعة، كفتواه بحرمة زواج الكتابية؛ ترجيحًا لرأي الشيعة الإمامية .

الثاني : الاستناد إلى مبادئ الشريعة الكلية في الوصول إلى الأحكام ، مثل مبدأ «لا ضرر ولا ضرار» ، وكان هذا المبدأ مستنده الأساسي في فتواه بجواز تنظيم النسل .

الثالث : الفتوى بالأيسر طالما لا تخالف نصًّا ؛ لأنه يرى ذلك في  مصلحة المسلمين ، حيث يصبح التشدد موجبًا للقطيعة بين المجتمع وأحكام شريعته في عصرٍ القابض فيه على دينه كالقابض على الجمر ، ولكنه لا يمد ذلك إلى الواجبات العليا ، سئل عن رأيه في قضية اللاجئين الفلسطينيين، فأجاب في وضوح وحسم « لا حل لهذه المشكلة إلا بأن يعود اللاجئون إلى أوطانهم التى منهم أخرجوا بغيًا وعدوانًا، وأن يتخلى الاستعمار عن دسائسه، فهو الذي أوجد المشكلة وأثار هذا الخلاف» .

وهكذا انطلق هذا العقل الحر المحلق في سماء الاجتهاد الأصولى ليجعل من الشيخ محمود شلتوت من أبرز دعاة التقريب بين المذاهب الإسلامية في العصر الحديث .

ثالثًا : في التقريب بين المذاهب :

التقريب بين المذاهب لا يكون حقيقة عقلية وواقعية ، إلا عندما يتسع صدر الأمة لرأى المخالف ، ويرحب عقل الفقيه فيستجيب لقوة الدليل ، فلا يتعبد بمجرد الإسناد لرجل أو الانتماء إلى مذهب ، وقد اتسعت الحياة في الأزهر المعمور بعد عصر الفاطميين؛ ليصبح جامعة للعلم الشرعي على المذاهب الأربعة ، واتسع فقه الأمة ليستوعب كل تراثنا الشرعي في ميدان استنباط الفروع من أصول الشريعة ، وكان الاتفاق في بعض الفروع ضروريًّا؛ لأن المصادر الأصلية واحدة، وكان الخلاف في بعض الفروع طبيعيًّا لتنوع الأحكام واختلاف الأزمنة والأمكنة ، وكان علماء السلف أدرى بذلك وأعلم، فنشأ علم الخلاف ، وهو في أحد مفاهيمه فقه مقارن ينتصر الفقيه فيه للأدلة في إطار المذهب الواحد ، أو بين المذاهب الفقهية المختلفة، بل والمذاهب العقائدية أيضًا ، وكان لعلماء القرون الأولى اليد الطولي في هذا العلم بما يشهد لهم برحابة الصدر ، وسعة العلم ، ووجدت الكتب الفقهية المقارنة منذ القرن الثاني والثالث ، وكان لكتابات الكبار من أعلام القرون الخمسة الأولى ومن بعدهم كتب عميقة ومناظرات رصينة، بدايتها عند محمد بن الحسن الشيباني والشافعي ، ثم كتابات ضخمة لأبي زيد الدبوسي في «الأسرار» وأبي المظفر السمعاني في «الاصطلام» وأبي المعالي الجويني ، والقفال ، من أهل السنة، وعند الشيعة الإمامية تراث عظيم في الفقه المقارن بعد عصر الشيخ المفيد ، يمثله علم الهدى الشريف المرتضى في «الانتصار» و«الناصريات» من كتبه الموجودة، وفي غيرهما من مصنفاته الهامة المفقودة ، وشيخ الطائفة أبو جعفر الطوسي له كتابات مطولة في مقدمتها «الخلاف» _ وهو كتاب عمدة اختصره الطبرسي ،       والصيمرى _ ، وله «المبسوط» في الفروع، وكلاهما كاشف عن تمكن الطوسي في فقه أهل السنة حتى نسبه السبكي في طبقاته إلى الشافعية ، ولا ننسى العلامة الحلي، فله في مقارنة آراء المذهب كتابه «مختلف الشيعة في أحكام الشريعة» وله في مقارنة المذاهب «تذكرة الفقهاء» و«منتهى المطلب»، ولم تضق المذاهب بالآراء أو الأئمة في هذه العصور المبكرة، فقد كان الإمام جعفر الصادق شيخًا لعدد من أئمة المذاهب السنية ، ولم يتردد الشريف المرتضى وهو يقدم كتابه «الذريعة في أصول الشريعة» أن يعترف لفقهاء السنة بالسبق في التحرير وتهذيب الأدلة ، بل إن هذه البيئة العلمية اتسعت للنقد الداخلي حتى لشيوخ المذهب الكبار كما نرى في «سرائر» ابن إدريس وهو يناقش شيخ الطائفة الطوسي ، ومثل ذلك عند ابن زهرة في «غنية النزوع» وهذه أمثلة لا حصر فيها ، إن هذه البيئة ونظائرها هي الميدان الخصب للتقريب بين المذاهب، والذي كان سمة الفقه الإسلامي في عصوره الأولى، ولم تكن الخصومات العقلية ، والعصبيات المذهبية إلا تجسيدًا لواقع تكمن وراءه الأسباب السياسية ، أو عصور التقليد والتكاسل، وعندما هبت رياح الإصلاح في العالم الإسلامي الحديث ، ارتفع الصوت الداعي إلى التقريب ، وعلا بعلو فكرة الإصلاح وانتصارها ، فأصبحت العصبية موضع الاتهام ، واتجهت أنظار المصلحين إلى الخروج من ضيق المذهب إلى الآفاق الواسعة للفقه الإسلامي كله، وأعتقد أن الاتجاه المقارن دعت إليه مجموعة أسباب :

الأول : إحساس عام لدى كبار الفقهاء في كل المذاهب بضرورة الخلاص من هذه العصبية المذهبية التى فرقت المسلمين إلى ملل ونحل ، وأضعفت قوتهم أمام العدو الغاصب ، والمبشر الغازي.

الثاني : اجتماعي مصدره الاستجلاب التشريعي ، الذي أيقظ الأمة للدفاع عن شريعتها ، والتمسك بهويتها ، وكانت تجربة التقنين على المذهب الواحد كما في مجلة الأحكام العدلية ، ومجلة الالتزامات التونسية طريقًا محفوفًا بمخاطر الفشل ، فثبتت منهجية التقنيين مبدأ أصبح من مسلمات الفقه التشريعي الحديث ، وهو  النظر إلى الفقه الإسلامي باعتباره وحدة متكاملة ، كل رأى فيها صح دليله تصح نسبته إلى الإسلام .

الثالث : سبب علمي يتمثل في نهضة الفقه المقارن في الغرب باعتباره منهجًا للفكر القانوني ، وعلمًا في برامج الدرس ، وكان له أعلام كبار من أمثال «لامبير» ، «وكوهلر» ، «وأولمان» ، وكان تأثير هؤلاء في أبناء الإسلام المبتعثين إلى الخارج كبيرًا ، ولكن التأثير الأكبر جاء على يد الأستاذ «لامبير» الذي كان عميدًا لمدرسة الحقوق السلطانية في مصر أوائل القرن الماضي ، والذي كون نخبة من التلاميذ قدر لها _ خاصة من خلال العلامة عبد الرزاق السنهوري _ التأثير في الدراسات المقارنة في مصر والعالم العربي ، بل وفي مسيرة التشريع العربي الحديث منذ أوائل العشرينات ، ولا يتسع الوقت في ورقة موجزة لكتابة تفاصيل دقيقة في هذا المجال . ولكن الأستاذ «لامبير» أيقظ فقه الشريعة في نفوس طلابه، وقال لهم أكثر من مرة: «إن لديكم كنزًا لا نظير له عندنا هو فقهكم الإسلامي ، .. وإن القانون المقارن الذي تدرسونه بين يدي له مكان مرموق عندكم باسم علم الخلاف ، والمؤلفات العربية منه على قِدمها _ حافلة بأدق النقد العلمي الحقوقي ، وبأمثلة بديعة من النقاش المنطقي ، والتحليل النافذ ، الذي لا يزيد قارئه علمًا بموضوع البحث فحسب ، بل ويربي فيه ذوقًا حقوقيًّا رفيعًا، يندر أن يحصل على مثله في كلياتنا الحقوقية» ، وقد وجه هذا الأستاذ المقارن للفقه الإسلامي من خلال جمعية الطلبة الشرقيين _ الذي جعل منزله في ليون مقرًّا لها _ ، وجه طلابه إلى الدراسات المقارنة بين المذاهب، فرجعوا إلى بلادهم. والدراسة المقارنة منهج أصيل في تكوينهم الحقوقي، وليس معنى هذا أننى أغمط حق الدروس المقارنة في الحوزات العلمية وخاصة في النجف الأشرف ، بل أردت أن أضع فكرة التقريب في إطارها العقلي والزمني؛ حتى لا تذوب في دوائر التفسيرات البعيدة والتأويل المستكره .

الرابع : أما السبب الرابع الأخير فكان مذهبيًّا؛ حيث استقبل الأزهر ودار العلوم طلاب علم من أهل العراق والشام ، وكان الأزهر يتسع لهؤلاء على تباعد في المكان والأفكار ، فقد روى بيرم الثاني _ في رسالته التى وضعها عن الأزهر وقدمها إلى مؤتمر المستشرقين المنعقد في «هامبورج » في أوائل سنة 1902 _ إلى أن الجراية كانت تعطى للجميع حتى الذين من مذاهب الشيعة ، وتفسير ذلك قد يرجع إلى تقليد قديم ، أو إلى شروط الواقفين ، أو إلى الأزهر ذاته باعتباره جامعة العلوم الإسلامية ، والمهم أن هؤلاء الطلاب القادمين من مذاهب غير سنية وجدوا مكانًا وعلمًا ، وقد أرسلت الحكومة العراقية عددًا من أبنائها إلى دار العلوم العليا ورأوا من أساتذتهم ثناء على علماء النجف وإعجابًا باجتهاداتهم ، ولم يأخذوا عليهم إلا انتماءهم الشيعي ، وكان ذلك دافعًا للشيخ كاشف الغطاء أن يكتب محاولته التقريبية الأولى في كتابه التصحيحي «أصل الشيعة وأصولها» ، ليرد ما صدر شفاهة وكتابة من شبهات حول الفقه الشيعي ، والكتاب لقى من الأصداء ما يستحقه ، وعلق على طبعته الأولى شيخ العروبة أحمد زكي ، فحيا المؤلف ، وطلب منه أن يتفضل في الطبعة الثانية بتجريده مما لا يتفق مع الخطة التى انتهجها المؤلف لزيادة التقريب والتوفيق بين الجماعات الإسلامية ، مشيرًا في ذلك إلى ص 1 ، 24 ، 25 ، ولعله من أوائل من استخدموا مصطلح التقريب بالمعنى الذي أرادته جماعة التقريب فيما بعد. وقد راجعت أدبيات هذه الفترة ، ورأيت أن المؤلفين في تاريخ التشريع وأدب اللغة العربية ، يظلمون المذهب الشيعي، بل المذاهب غير السنية جميعها، وأضرب مثالاً لذلك ما جاء في الطبعة الأولى لكتاب « آداب اللغة العربية» الذي كان يدرس في دار العلوم 1916م، لمؤلفه الشيخ أحمد السكندري، ولكن الصورة سرعان ما تغيرت بعد مزيد اتصال بفقه الشيعة وعلمائهم بزيارات متبادلة بين علماء العراق ومصر، شملت حتى غير أهل الفقه مثل أحمد أمين ، وزكى مبارك ، وفي اعتقادي أن لعلماء مدرسة القضاء الشرعي الدور المجهول في هذا التقريب ، وليس غريبًا _ وفق الحقائق التى تنطق بها الوثائق المتاحة لدى _ أن يكون أول من كتب في الفقه الإسلامي مقارنًا بين المذاهب الإسلامية شيعية وسنية في مصر هو العلامة الشيخ أحمد إبراهيم ليحقق حلم الشيخ الإمام ، ويشد من أزر زميله العلامة مصطفى المراغي ، وفتح الباب بذلك أمام تلميذه النجيب العلامة الشيخ محمد أبي زهرة ليكتب بهذه السعة التى انفرد بها أبو زهرة منذ عام1930م عندما عين مساعدًا لمدرس بدار العلوم بعد تخرجه من مدرسة القضاء الشرعي، وظهر ذلك في في أول كتاب له عن أدب اللغة العربية أصدره عام 1930 وأشار فيه بإنصاف إلى المذهب الشيعي، ثم عاد عام 1935م ، وهو يكتب دراسته في الوقف _ بعد أن عين في كلية الحقوق _ ليجعل المذهب الشيعي الإمامي واحدًا من المذاهب التى يعتمد عليها في الدراسة الفقهية المقارنة ، لقد كان الشيخ أحمد إبراهيم هو الذي أنصف مذهب الشيعة في التأليف المعاصر في مصر في كتبه الأصولية والفقهية ، وفيما كتبه من مقالات وأبحاث خاصة في الميراث ، وفي مذكرته الصغيرة عن تاريخ التشريع ، وحقق الانفتاح منذ بداية العشرينات على المذاهب غير السنية ، أعلامًا ومؤلفات ، وتم تصحيح موقعها في دراسات تاريخ التشريع ، وسار على نفس الدرب تلاميذه من بعده، وفي مقدمتهم محمد أبو زهرة الذى حمل على عاتقه دراسة المذهب الإمامي أصولاً وفروعًا في كتابه عن الإمام جعفر الصادق، وكتابيه في الميراث وأصول الفقه عند الشيعة الجعفرية ، وهي كتابات تناولها إخواننا الشيعة بالثناء والنقد والمراجعة ، وهكذا نشأت فكرة التقريب بين المذاهب في مصر باعتبارها الأرض الفكرية الأكبر استعدادًا لنشأة هذا الاتجاه ، لقد اتسعت مدارس الفقه فيها لاستقبال التيار الجديد ورعايته ، وأتيح للشيخ شلتوت في هذا المجال مالم يتح لزملائه ، فقد كان محل ثقة الشيخ المراغي، واعتمد عليه في تأسيس مادة مقارنة المذاهب.

1_ فكرة التقريب :

كان الشيخ المراغي مشغولاً بمعركة الأزهر بأبعادها السياسية والإصلاحية، وكان الشيخ محمود شلتوت من أكبر مناصريه ، ناصره في مذكرة الإصلاح، وكان أول الكاتبين للرد على ناقديه ، وناصره في قوانين الأحوال الشخصية وكان يفتى بمثل ما يراه ، وناصره فيما كتبه عن ترجمة القرآن ، وكتب في مجلة الأزهر عدد صفر 1255 هـ _ بحثًا أصوليًّا دقيقًا يحسم فيه قضية الترجمة ويجعل إجازتها فوق مستوى الشك. فلم يكن أفضل من الشيخ محمود شلتوت ليكون رائد التأليف والتدريس لمادة المقارنة بين المذاهب في كلية الشريعة بعد أن أنشئت الكلية وأصبحت مقارنة المذاهب من مقرراتها الرئيسية ، واللافت للنظر أن المقارنة التى حددتها اللائحة الجامعية عام 1935م هي مقارنة بين المذاهب الأربعة، واعتبر ذلك تجديدًا له شأنه في مجال الدرس الفقهي ، ولكن العلامة محمود شلتوت لم يتقيد بمفردات الدرس وإنما انفرد بمنهجه ، واستقل بمفردات من صنعه هو ، يقول وهو في «مشيخة الأزهر» : «ولا أنسى أنى درست المقارنة بين المذاهب بكلية الشريعة بالأزهر ، فكنت أعرض آراء المذاهب في المسألة الواحدة ، وأبرز بينها مذهب الشيعة ، وكثيرًا ما كنت أرجح مذهبهم خضوعًا لقوة الدليل‌» .

وهكذا بدأت فكرة التقريب بين المذاهب تدخل في المنهج الدراسي منذ بدأ الشيخ محمود شلتوت يدرس في القسم العالي بكلية الشريعة، أي منذ أوائل الثلاثينات ، وكان الشيخ وقتها ، على صلة بفقه الشيعة من خلال متونه الأصلية ، وبعلماء الشيعة لقاء ومراسلة، وكانت صلة الشيخ محمود شلتوت بشيخه عبد المجيد سليم ، والذي كان منزله ملتقى لعلماء الإسلام في كل المذاهب، وكان هذا الفقيه الجليل _ كما قال عنه الشيخ محمود شلتوت ضليعًا في كافة علوم الإسلام ، محيطًا بمذاهب الفقه أصولاً وفروعًا _ وقد جعلت هذه الصلة الشيخ محمود شلتوت أمينًا على فكرة التقريب بين المذاهب ، وأفادته في ترسيخ مبادئها أكبر فائدة . والشيخ عبد المجيد سليم هو الذي رسم الخريطة الأصولية للتقريب بين المذاهب على نحو يجعلها معقولة فقهًا ، ومقبولة واقعًا ، ويمكن تلخيص خطوطها فيما يلي :

أ _ أن كل فريق من أهل السنة والشيعة يرى المجتهد الآخر مأجورًا، فضلاً عن أن يكون خطؤه معفوًّا عنه ، فإذا علم أتباع المذاهب الفقهية ذلك لم يكن لهم بد من احترام بعضهم بعضًا .

ب _ أن كل واحد من الفريقين يفتح المجال للنظر والاجتهاد وبذل الوسع في معرفة الحق ، فليس المرجع في حكم من الأحكام ، أو رأى من الآراء إلى أنه مذهب فلان أوفلان ، ولكن إلى حظه من الدليل  والبرهان .

جـ _ ثبت من استقراء  أحكام المذاهب الفقهية ، وآراء الفرق الكلامية، أن في كل منها خطأ وصوابًا ، فلا يوجد مذهب خطأ كله أو صواب كله، وإذا كان الأمر كذلك فلا ينبغي أن تطغى العصبية على المسلمين ، بل الواجب على المسلمين أن يأخذوا بما أظهر البرهان صوابه .

وهذه المنهجية سرت في الحياة الفقهية في كلية الشريعة تحت رعاية الشيخ المراغي والإشراف المباشر للشيخ عبد المجيد نفسه الذي كان وكيلاً لكلية الشريعة ، وهي مهمة قام بها نخبة من العلماء على قمتهم الشيخ محمود شلتوت، ومنهم عبد الله المراغي ، ومصطفى حبيب ، وفرج السنهوري ، وعل الخفيف ، وقد عملوا جميعًا على تزويد العقلية الفقهية في الأزهر بالروح الاجتهادية المتصلة بكافة المذاهب ، والتى تعرف حق جميع الأئمة دون قيد مذهبي ، فاستمر الانتماء وتراجع التعصب ، وعندما جاء عام 1948م  حيث أعلن تأسيس جماعة التقريب بين المذاهب ، كانت الأرض قد مهدت لها بإنتاج فقهي ، وبيئة علمية ، جعلتها تسير على أرض ثابتة رغم هجوم يأتيها من هنا ومن هناك ، حيث اعتبرها البعض فكرة شيعية ، وكان «محب الدين الخطيب» على عادته جارحًا في نقده متطرفًا في أفكاره ، وكان رد «أبو محمد الخاقاني» والمطبوع في قم سنة 1391هـ تحت عنوان «مع الخطوط العريضة» عنيفًا في نقده غير موفق في بعض ردوده ، ولكن الفكرة كانت قد ترسخت ، فسرت في نصوص التشريع ، ومقررات الدراسة ، وكتابات الفقهاء .

2_ الشيخ شلتوت وفكرة التقريب: لا نعدو الحقيقة إذا قلنا: إن الشيخ شلتوت قطع بفكرة التقريب أشواطًا لم يقطعها غيره ، وحقق إنجازات لم يقم بها أحد سواه ، ليس فقط في مجال الكتابة في الفقه المقارن ، بل وهذا هو الأهم في مجال التنظير الاعتقادي ، والتنظيم المؤسسي ، حتى صدر كتاب يهاجمه في ذلك تحت عنوان «تنبيه العوام لانحراف الشيخ شلتوت عن الإسلام» ولم يكن الشيخ ممن يعبأ بالهجوم ، ولا يعنى نفسه بالرد ، وإنما يسير في طريقه . ويمكننا تلخيص إنجازات الشيخ محمود شلتوت في مجال التقريب بين المذاهب  فيما يلي:

أ _ اهتمامه – كما قلنا منذ عام 1936م – بالمقارنة بين المذاهب ، واتسعت المقارنة عنده لتشمل مذاهب الشيعة ، والفقه المقارن، كما يقول الشيخ محمد محمد المدني _ أحد فرسان التقريب والساعد الأيمن للشيخ شلتوت _ هو الفقه على الحقيقة ، وهو صناعة الفقيه على الحقيقة ، أما الحافظ للفروع الذي لا يعرف إلا سرد الأحكام، فما هذا بفقيه، ومن لم توجد عنده ملكة العلم بالأحكام الشرعية من أدلتها التفصيلية لا يعد فقيهًا، ولو حفظ أحكام الفروع ، ومن وجدت عنده الملكة ولو في بعض المسائل فهو الفقيه ، وقد سئل الإمام مالك عن أربعين مسألة فأجاب عن أربع منها ، وقال في ست وثلاثين : لا أدرى! ولم يمنعه ذلك من أن يكون فقيهًا؛ لأن ملكة الفقه وجدت عنده .

ثم إن هذه الدراسة على هذا المنهج قائمة على أيدي العلماء في كل عصر ، وكتب المذاهب عامرة بها ، وكتب الحديث والتفسير والأصول والأمهات ، لا تكاد تخلو منها صفحة من صفحاتها، وكم رجح المالكي قولاً للشافعي ، ورجح الحنفى قولاً لغير أبى حنيفة ، وأصحاب أبي حنيفة وتلاميذه ومن ينتسبون إليه كثيرًا ما يقررون غير ما قرره الإمام  ، لضعف مأخذه عندهم ، أو لانكشاف دليل لهم لم ينكشف له ، وكذلك أصحاب الأئمة وأتباع المذاهب.

ولا شك أن هذا منهج مستقيم من الناحية العلمية الفقهية ، ومن الناحية الإسلامية، فأما استقامته من الناحية الفقهية فلأن الفقيه المنصف الذي لا هدف له إلا البحث عن الحق ، لا يسعه أن يغض الطرف عن قول قاله مجتهد في المسألة التى يبحثها ، ما دام لا يصادم نصًّا قطعيًّا من كتاب أو سنة، ولا يسعه أن يعرض عن دليله ، فقد يكون هذا الدليل سليمًا ، ولو أن فقيهًا باحثًا ارتضى لنفسه أن يغض النظر عن قول غيره ودليل غيره ، لكان من الذين قال الله فيهم: {أَلاَ إِنَّهُمْ يَثْنُونَ صُدُورَهُمْ لِيَسْتَخْفُوا مِنْهُ أَلاَ حِينَ يَسْتَغْشُونَ ثِيَابَهُمْ يَعْلَمُ مَا يُسِــرُّونَ وَمَا يُعْلِنُون} (هود : 5) ولا شك أن منهجه لايكون إلا منهجًا فاسدًا غير معتد به من العلماء.

وأما استقامة هذا المنهج من الناحية الإسلامية ، فلأن المسلمين أمة واحدة لا ينبغى التفريق بينهم ، بل ينبغى أن ينظر كل فريق منهم إلى الفريق الآخر على أنهم جميعًا أخوة متعاونون على معرفة الحق ، والعمل به، ولا يستقيم ذلك إلا إذا كان أهل القبلة جميعًا ، وأهل الدين الواحد ، والأصول المشتركة أحرارًا في الإدلاء بآرائهم ما دامت في الدائرة الإسلامية ، وقد أسفر هذا الاتجاه بعد تأسيس لجنة التقريب بين المذاهب إلى ما أطلق عليه مشروع _ شلتوت _ القمى ، والذي استهدف جمع الأحاديث النبوية، ومراجعة السنة المطهرة التى اتفق عليها علماء الشيعة والسنة ؛ لتكون مصدرًا لأبناء الإسلام على اختلاف مذاهبهم الكلامية والفقهية ، وهو مشروع لم يقدر له أن يكتمل ، ولعل ما قدمه العلامة اليمنى على بن إسماعيل الصنعاني، في كتابه «رأب الصدْع» ، والذي صدر في ثلاثة مجلدات شرحًا وتخريجًا وتحقيقًا لأمالي الإمام أحمد بن عيسى ، لعل هذا الكتاب يكون إحياء جزئيًّا لمشروع شلتوت _ القمي ، خاصة وأن صاحب الكتاب كان العضو الزيدي في دار التقريب بين المذاهب  .

ب _ فتواه بجواز التعبد بمذهب الشيعة الإمامية ، وهي فتوى كان لها صداها في العالم الإسلامي ، وقد كتب إليه بعدها الشيخ أحمد عارف الزيني صاحب مجلة العرفان قائلاً: «فأنا باسم علماء الشيعة جميعًا في لبنان وسوريا والعراق وإيران، أمد يدي مصافحًا وأفتح قلبي وصدرى داعيًا ومؤيدًا ، وأعدكم أن أعمل في مجلتي ، وبنفوذي الديني والدنيوي للوصول بكافة الطرق إلى ماتصبو إليه نفسك ونفسنا من العودة بالمسلمين جميعًا جميعًا إلى جوهر الدين وتعاليمه السامية ، إلى كتاب الله وسنة رسوله لا فرق بين سنى وشيعى»، فرد على رسالته الشيخ شلتوت قائلاً: «إن المسلمين يا أخى قد استناموا في كثير من حقب تاريخهم إلى سوء حالهم الناجم عن فرقتهم وتقطيع الروابط بينهم، والاستجابة إلى نداء عدوهم الماكر المتربص بهم ، وقد طال عليهم الأمد في ذلك حتى ضعفوا واستكانوا وظنوا أنهم قد أحيط بهم ، لولا أن قيض الله لأمة الإسلام في كل شعب قادة مصلحين ودعاة راشدين … فكانوا يبصرونهم بعاقبة أمرهم ، ويدعونهم إلى إصلاح ذات بينهم ، وإلى الوقوف صفًّا واحدًا أمام أعدائهم المهاجمين لبلادهم وثقافتهم ودينهم ، وشاء الله أن تنبعث فيهم «جماعة التقريب بين المذاهب الإسلامية». تلك الجماعة التى عرفت كيف تشخص داء المسلمين ، وكيف تصف لهم الدواء ، فكنت والحمد لله من مؤسسيها الأولين، ووجهت معها نداءها الأعظم المستمد من كتاب رب العالمين {إِنَّ هَذِهِ أُمَّتُكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَأَنَا رَبُّكُمْ فَاعْبُدُون} ، فاستمع إليه الشيعي والسنى ، واستجاب له العربي والعجمي، وتبادل العلماء في كل شعب رسائل العلم ، ورسائل الدين . يبحثونها في ظل الأخوة الإسلامية التى أثبتها الله في كتابه للمؤمنين ، لا يهدفون إلا إلى الحق ، ولا يريدون إلا الوصول إلى حكم الله الذي هم به جميعًا مؤمنون ، لم يعد يقام للعصبية وزن ، ولايحسب للشقاق المذهبي حساب».

لقد كان التقريب بين المذاهب على منهج واضح هو محور فقه الشيخ وعمله، وهو ما عبره الشيخ محمود شلتوت بعباراته البليغة: « لقد آمنت بفكرة التقريب كمنهج قويم ، وأسهمت منذ أول يوم في جماعتها ، وفي وجوه نشاط دارها في أمور كثيرة ، ولقد تهيأ لي بهذه الأوجه من النشاط العلمي أن أطل على العالم الإسلامي من نافذة مشرقة عالية ، وأن أعرف كثيرًا من الحقائق التى كانت تحول بين المسلمين واجتماع الكلمة ، وائتلاف القلوب على أخوة الإسلام ، وأن أتعرف إلى كثير من ذوى الفكر والعلم في العالم الإسلامي ، ثم تهيأ لي بعد ذلك وقد عهد إلى بمنصب مشيخة الأزهر أن أصدر فتواي في جواز التعبد على المذاهب الإسلامية الثابتة الأصول المعروفة المصادر ، والمتبعة لسبيل المؤمنين، ومنها مذهب الشيعة الإمامية الاثنى عشرية ، وهي تلك الفتوى المسجلة بتوقيعنا في دار التقريب»، والتى كان لها ذلك الصدى البعيد في مختلف بلاد الأمة الإسلامية ، وقرت بها عيون المؤمنين المخلصين الذين لا هدف لهم إلا الحق والألفة ومصلحة الأمة ، ولم يكن الشيخ شلتوت يوم إصداره الفتوى إلا معلنًا عما كان يمارسه منذ مارس الإفتاء، يقول الشيخ عن ذكرياته وهو يتصدر للإفتاء: «ولا أنسى أنى كنت أفتى في كثير من المسائل بمذهب الشيعة، وأخص منها بالذكر ما نجد الناس في حاجة ملحة إليه، وهو فيما يختص بالقدر المحرم من الرضاع ، كما أخص بالذكر ما تضمنه قانون الأحوال الشخصية الأخير، ونذكر على سبيل المثال المسائل الآتية :

_ الطلاق الثلاث بلفظ واحد فإنه يقع في أكثر المذاهب السنية ثلاثًا، ولكنه عند الشيعة يقع واحدة رجعية ، وقد رأى القانون العمل به .

_ رأي قانون الأحوال الشخصية أن الطلاق المعلق منه ما يقع ومنه ما لا يقع، تبعًا لقصد التهديد أو قصد التعليق، ولكن مذهب الشيعة يرى أن تعليق الطلاق مطلقًا قصد به التهديد أو التطليق لا يقع به طلاق ، وقد رجحت هذا الرأى وكثيرًا ما أفتيت به» .

جـ _ دراسة الفقه بجميع مذاهبه المعروفة :

كان إنجاز الشيخ مصطفى المراغي في الثلاثينيات يتمثل في الالزام بمادة المقارنة بين المذاهب ، ولكنها مقارنة على المذاهب الأربعة ، على الرغم من أن الشيخ المراغي لا يرى التقيد بها وحدها، ولكن الموقف الرسمي لم يستوعب أكثر من هذا التعديل ، وهو في وقته ثورة علمية بكل المعاني ، وانتظرت الأمة ربع قرن حتى تصبح المقارنة بين جميع المذاهب الفقهية قرارًا جامعيًّا ، دون أن نعزل هذا القرار عن جهود سابقة لعلماء التقريب بين المذاهب قبل الإنشاء الرسمي للجماعة وبعدها ، تمثل ذلك ، في انتصار فقهاء الإسلام في المؤتمرات الدولية للفقه المقارن ، والذي اعتبر الشريعة الإسلامية بمذاهبها المختلفة من العائلات القانونية المعترف بها، وظهرت الدعوة إلى موسوعة فقهية دخلت فكرتها حيز التنفيذ لأول مرة في مشروع كلية الشريعة بدمشق لموسوعة فقهية جامعة ، وجاء الشيخ محمود شلتوت وهو على رأس الأزهر المعمور ليصل بهذا الاتجاه إلى غايته ، ويعلن انتهاء زمن العصبية المذهبية حيث عرف المسلمون على حد تعبير الشيخ شلتوت _ أن اختلاف الأشقاء لا يمكن أن يدوم أو يطرد ، فلابد أن يأتي يوم يحققون فيه نسبهم إلى أبيهم ، وينتمون فيه إلى أصلهم الذي انبثقوا منه وتفرعوا عنه ، وأخذت هذه الروح تنمو ، وتضيق شقة الخلاف بين أهل المذاهب ، حتى اقتدى الحنفى بالشافعي ، والسنى بالشيعي ، وتبودلت المنافع بينهم ، واتصلت الآراء وأخذ كل ينتفع بما في مذهب الآخر ، ومن هنا قر رأيي على أن أعمل على دراسة الفقه الإسلامي في كلية الشريعة بجميع المذاهب الفقهية  المعروفة الأصول البينة المعالم ، والتى من بينها دون شك مذاهب الشيعة ، إمامية وزيدية ، ولاشك أن هذه الخطوة تأكيد للتقريب بين المذاهب من ناحية ، ودعم لرسالة كلية الشريعة من ناحية ثانية ، وهي خطوة طالما دعا إليها فقهاء أعلام ، فقد كتب الشيخ محمد أبو زهرة في عام 1954م وهو يقدم لرسالة «المصلحة في التشريع الإسلامي» يقول: « لقد آن لنا أن ندرس الثروة الفقهية الإسلامية كلاًّ لا يقبل التجزئة ، فندرس ما عند الشيعة من ذخائر العلم والفقه ، كما درسنا ما عند غيرهم ، فهو تراثنا ، وهو تراث الإسلام ، نختار أجوده ، ونزجي زيفه ، لا يهمنا إلا جيد القول فنلمسه ونبحث عنه أيًّا كان قائله ، ولقد ابتدأ أستاذنا المرحوم أحمد إبراهيم بهذه الدراسات المقارنة فلم يفرق في دراسته بين سنى وشيعى وخارجي » هذا ما يقوله الشيخ أبو زهرة معبرًا عما ينقص الدراسات الفقهية ، ولو امتد عمر الشيخ أحمد إبراهيم المتوفى عام 1945م إلى حين  تأسيس جماعة التقريب بين المذاهب لكان من أوائل المؤسسين، كما كان صاحب المنهج العلمي العملي في التقريب بين المذاهب . ومنهج كلية الشريعة في دراسة مذاهب الشيعة كان خاضعًا لعلم الفقه المقارن ، فالذي قرره الأزهر بقرار الشيخ شلتوت ، ليس دراسة مذهب الإمامية والزيدية على سبيل الاستقلال ، وإنما إدخال هذين المذهبين في منهج الفقه المقارن » ، ودراسة الفقه المقارن تقوم على أساس ضروري ، هو أن يدخل الباحثون فيها غير متأثرين بحكم سابق ضد هذا المذهب أو ذاك ؛ ولذلك يجب أن يخلع الباحث العلمي ثوبه المذهبي قبل أن يدخل قاعة الدرس ، وإلا كان الزعم بأن ما يفعله مقارنة بين المذاهب زعمًا غير صحيح ، وما قرره الأزهر من الاكتفاء بدراسة مذهبي الإمامية والزيدية ضمن منهاج الفقه المقارن ، لم يكن مرجعه ، كما يقول الشيخ محمد محمد المدني _ عميد كلية الشريعة وقتئذ _ أنه يستنكر دراسة هذين المذهبين على سبيل الاستقلال ، ولكن لأن الدراسة الجامعية الأصيلة هي الدراسة المقارنة ، وليس ما يهم الأزهر أن يزيد مذهبًا على مذاهبه الأربعة ، كي يدرس مثلها على سبيل الاستقلال ، بل لعله يرمى إلى مستقبل تكون فيه جميع الدراسات الفقهية في كلية الشريعة وأقسام التخصص بها دراسات مقارنة .

ولم تكن هذه فقط إنجازات الشيخ شلتوت في مجال التقريب ، بل إنه كان داعية لنشر التراث الاثني عشري ، فقد كتب مقدمة « مجمع البيان » عند نشره، وهو التفسير الدقيق للإمام أبي الفضل الطبرسي أحد كبار الشيعة الإمامية ، ونشرت وزارة الأوقاف في عهد مشيخته للأزهر كتاب «المختصر النافع» في الفقه الإمامي ، وكانت دار التقريب في بداية عملها نشرت كتاب «الروضة البهية» لزين الدين العاملي ، والكتاب يضم بين ثناياه فقه الاثني عشرية من خلال الشهيدين الأول والثاني .

ولو أردنا أن نلخص أثر التقريب في مجال الفقه على السنة والشيعة ، لوجدنا أثره في مجال الفقه السني يتمثل في التأكيد على مبدأ الاجتهاد وتوسيع دائرة الفقه الواقعي الذي يلائم مصلحة الناس، ويلبي مطالب التشريع ، بعد الخروج من ضيق المذهب الواحد إلى سعة المذاهب الإسلامية المتعددة، أما أثره في مجال    الفقه الشيعي فنجده في تجاوز العزلة التي أدى إليها حصر المذاهب في الأربعة السنية المعروفة ، وهو حصر أدى _ كما قال العلامة تقي الدين القمي – ببقية المذاهب إلى الاعتزال أو الاندثار، وكان الاعتزال من نصيب المذهب الشيعي الذي مكنه التقريب من تجسير الفجوة وإنهاء المقاطعة التي عزلت هذا الفريق الكبير من المسلمين عن بقية إخوانهم ، ثم مكنت فقه الفريقين من مقاومة الاستجلاب التشريعي والغزو الثقافي وما أجلّها من مهمة وما أصعبها أيضًا .

د ـ التقريب بين ثقافة الأمة :

هناك بُعد غائب عند الدارسين لفكرة التقريب عند الإمام محمود شلتوت، وهو بعد يتجاوز التقريب بين المذاهب الإسلامية في مجال الفقه ؛ ليكون دعوة إلى التقريب بين مناهج التعليم في مصر ليحتل الإسلام فيها مكانًا محوريًّا ، وهذا البعد الغائب صرح به الإمام في محاضرة مجهولة ألقاها مساء الأربعاء الموافق 30 أغسطس سنة 1950م حيث كان يرأس وفد الأزهر في المؤتمر الثقافي العربي الثاني ، في هذا المؤتمر طرحت فكرة إلغاء التعليم الديني وتوحيد مرحلتي الابتدائي والثانوي في الأمة بدعوي التقريب بين فئات الأمة في عقلياتها وتفكيرها ، فتصدى العلامة محمود شلتوت للفكرة في مهدها ، يقول الشيخ: « ليس من شك في أن تقريب الأفكار في الأمة الواحدة ، بل في العالم كله ، عامل قوي من عوامل السعادة ، ألا وإنه ليس من مقتضيات التقريب في الأمة القضاء على الخطوات التي لابد منها في الإعداد الديني الخاص ، والذي تطلبه سعادة الشرق خاصة ، وسعادة الإنسانية عامة ، وليس من مقتضياته، أي التقريب ، أن يدفن تراث هو عصارة أربعة عشر قرنًا من تاريخ الإنسانية الفاضلة ، وأخيرًا ليس من مقتضياته القضاء علي شريعة لم يتح لعقل بشري إلى الآن أن ينظم شئون الإنسان بمثل ما نظمت وتنظم به هذه الشريعة ، وقد شهد بذلك مشرعو الشرق والغرب ، وإن كنا عن شهادتهم غافلين ، والذي أراه حقًّا من مقتضيات هذه الغاية النبيلة، غاية التقريب بين الأفكار في الأمة الواحدة – وهو في الوقت نفسه يكون عاملاً من عوامل الإعداد للمواطن الصالح – هو أن نُضمِّن مناهج التعليم العام في  كل مراحله بعض المواد، مما يتصل بالدين على صورة تتناسب  وعقليات الطلاب وتطورهم الذهني تبعًا لمراحل النمو والاكتمال، وما دمنا نرى وجوب أن يتضمن منهاجه الابتدائي والثانوي بالمعاهد الدينية المواد التي تمثل  جانبًا صالحًا من أصول  المعارف   الإنسانية، وتكون عاملاً للتقريب من جهة أبناء هذه المعاهد – يقصد المعاهد المدنية – يكون من ظلم هؤلاء الذين يتجهون إلى التعليم العام في سنهم المبكرة ،ومن ظلم فكرة التقريب من جانبهم ، ومن ظلم أسرهم وأممهم بهم، أن  يخلو منهاجهم مما يغرس فيهم روح التدين الراقي من طغيان المادة عليهم وعلي ذويهم، وكفانا شرًّا ما وقعنا فيه – تقليدًا لغيرنا – من المنهاج التعليمي الجاف، والذي يحاول اقتلاع العقيدة من القلوب ، ويحاول قطعنا عن ماضينا الذي تمتد من أصوله فروع  حضارتنا وثقافتنا وحياتنا …. إن العالم يسوده الآن طغيان المادة في جميع جوانبه ، ويسوده التعصب الشخصي أو الطائفي أو الجنسي في كثير من هذه الجوانب وكلا الأمرين ـ طغيان المادة والتعصب ـ من أقوى أسباب التناكر والتخاذل بين الشعوب والأفراد ، والتناكر والتخاذل سببان قويان لما يتقلب العالم اليوم في جمر من ويلات شديدة متلاحقة .

وإن تربية لا تهدف إلى توازن القوي المختلفة ، في الفرد والجماعة ، لهي تربية تقوم على اعتبارات تقليدية فاسدة ، أو نظريات فلسفية عقيمة لا تمت في واقع الأمر إلى الإنسان ، فرده وجماعته ، ولا منقذ للعالم من هذا الشر المستطير إلا بأن يتضامن الشرق مبعث الهدى والنور علي تركيز الروح الديني في النفوس ، وإنماء الناحية المعنوية في العالم».

وهذه الكلمات المضيئة التي أطلقها الإمام محمود شلتوت منذ نصف قرن نحن بحاجة إلى تذكرها في عصر العولمة، وقد خرج الشيخ شلتوت من معركة هذا المؤتمر منتصرًا للمعني الحق للتقريب في مواجهة التغريب ، وفاز بقرار فتحت فيه لأول مرة الجامعات المدنية أمام حاملي العالمية من أبناء الجامعة الأزهرية، وأعلن الأزهر ساعتها عن التفكير في انشاء معهد للفقه المقارن يقوم علي الدراسة الحرة الخالية من التعصب لمذهب بعينه ؛ لينتفع بآثار الاجتهاد ، مما يحفز العقل البشري على التقدم لخدمة  الإنسانية. ولعلي أقترب من فهم هذا الاقتراح إذا قرأته في ضوء مذكرة مقدمة إلى اللجنة القانونية بجامعة الدول العربية لإنشاء معهد للفقه الإسلامي، من أهدافه دراسة الفقه الإسلامي مقارنًا في مذاهبه المختلفة، ولم يتح للأزهر أن ينشئ للفقه المقارن معهدًا، ولكن دراسة الفقه المقارن اتسعت فيه لتصبح قسمًا كبيرًا في مرحلة الليسانس، ويمنح الماجستير والدكتوراه في الفقه المقارن، أما معهد الفقه الإسلامي فقد أنشئ بعنوان أوسع هو معهد الدراسات العربية التابع لجامعة الدول العربية، و قام فيه قسم شرعي قوي ، أولاه رعايته الدكتور عبد الرازق السنهوري  ، واختار له نخبة من علماء الفقه الاسلامي كتبوا فيه دراسات مقارنة لا تزال مراجع يعتد بها في بابها، وتحققت فيه الدراسة الفقهية الحرة التي رنا إليها الشيخ محمود شلتوت ، وأعضاء جماعة التقريب ، ونذكر من هذه الدراسة أبحاث الشيخ محمد أبو زهرة، وأبحاث عبد الوهاب خلاف ، وعلي الخفيف ، ومحمد يوسف موسي .

وهكذا  انتصر فقه التقريب ، ووجد في مصر أرض الإسلام والعروبة البيئة الخصبة التي لا تنمو الفكرة إلا في ظلال سماحتها الوارفة الظلال ، ومن خلال نخبة من أفذاذ العلماء تعتز بهم السلسلة الذهبية لعلماء الاسلام ، وقد انعكست على مرآة الشيخ شلتوت آراء       هؤلاء جميعًا ؛ لأنه كان يعرف أقدارهم    سنة وشيعة ، ويذكر الجميع بالخير ، ويتمنى لو تحدث عن علماء كبار قدمهم الفقه الشيعي، فكانوا من أئمة الفكر في العالم الإسلامي ، ومن أعلام جماعة التقريب ، وفي مقدمتهم – كما       روى الإمام محمود شلتوت – الإمام الأكبر الحاج أقا حسين البروجردي ، والمغفور لهم الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء ، والسيد عبد الحسين شرف الدين ، والعالم المجاهد تقي الدين القمي الذي أبلي بلاء حسنًا في إقامة صرح التقريب إدارة وكتبًا ونشراً .

وتبقي كلمة أخيرة في هذه الورقة الموجزة .

لقد حاول علي حيدر في كتابه «تيارات الصحوة الدينية» ربط دار التقريب إنشاء وغايات بمناسبات سياسية، وليس في وثائق الفكرة ، وسجلات المؤسسة ما يدعم عريضة كهذه، بل إن هذه الدار في سياقها الفكري وليد طبيعي لبيئة ملائمة ، وعلى أرض هيأت لها مقومات النجاح، وقد تجاوزت المعارك الخاسرة للتعصب المذهبي الضيق الأفق -على حد تعبير علي شريعتي- وآثار دعوة التقريب ستظل فاعلة باقية ، بما يتاح من كتب، وما صدر من موسوعات فقهية، وما أنشئ من معاهد دراسية، لقد تحول فكر الصفوة إلى حياة المجتمع، وأظنها امتزجت بحياته العقلية مركبًا لا يقبل الفصل أو التجزئة، وأحسب أن الشيخ محمود شلتوت، وجسده الطاهر يرقد في تراب الكنانة الخالدة، يرسل من وراء الغيب تحية لإيران ومصر، وقد تلاقت خطواتهما الواثقة من أجل حياة أفضل للمسلمين في عالم لا يعترف إلا بالأقوياء.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر