أبحاث

الدرس الفلسفي عند طنطاوي جوهري

العدد 90

تحتاج حياة وأفكار الحكيم الإسلامى الشيخ طنطاوى جوهرى إلى أكثر من دراسة تستوفى جوانبه المختلفة . فهو ذو اهتمامات متعددة فى مجالات : التفسير والدعوة الإسلامية والنهضة الحديثة والإصلاح الاجتماعى ، وهو أيضاً مفكر ذو اهتمامات فلسفية : قراءة وبحثاً ،تأليفاً وترجمة ،دراسة وتدريساً .

صاحب رؤية يوتوبية فى إصلاح العالم والسلام لدولى على طريقة الفيلسوف الألمانى كانط الذى تأثر به وترجم له – بتصرف – كتابه (فى التربية )(1).

وسوف نتناول فى هذه الدراسة الجانب الفلسفى عند طنطاوى جوهرى ،فنعرض لكتاباته الفلسفية ،والأسس النظرية لأفكاره ،وأخيراً محاضراته بالجامعة المصرية القديمة التى كان من ضمن أساتذتها ،وألقى بها عدة محاضرات عن (الفلسفة العربية والأخلاق ). وتمثل هذه المحاضرات جزاءاً مهماً من الدرس الفلسفى بالجامعة المصرية ،الذى يمثل بدوره أساساً من الأسس التى كونت الخطاب الفلسفى المعاصر فى مصر ، والتى تحتاج إلى بحث متعمق لبيان موضع هذا الدرس من تاريخ الأفكار الذى لا ينفصل عن تاريخنا المعاصر ،وبيان ما استحدثته الجامعة من مناهج وطرق فى البحث مختلفة تماماً عما هو سائد فى الحياة العقلية قبلها ،سواء فى التعليم العام أو التعليم الدينى ،وسواء ما قدمه الأساتذة العرب أو الأوربيون ؛حتى نستطيع تحديد مكانة الدرس الفلسفى عند طنطاوى جوهرى داخل هذا الإطار .

وينقسم بحثنا الحال إلى : مقدمة عامة فى الاهتمامات الفلسفية لطنطاوى جوهرى ،ثم دراسة تحليلية تاريخية مقارنة لمحاضرات (الفلسفية العربية والأخلاق )التى ألقاها بالجامعة لوضع هذه المحاضرات فى سياقها التاريخى مع أعمال سنتلانا وماسينون (2)والكونت دى جلارزا من جانب وسلطان بك محمد وعلى العنانى ومنصور فهمى من جانب آخر . والقسم الثالث تحليل للمحاضرات ومحتواها باعتبارها من المحاولات المبكرة فى قراءة الفلسفة العربية فى بداية القرن العشرين . حتى نلقى الضوء على مفكر مغمور ربما يجهله الكثيرون أسهم فى الكتابة والتدريس فى بداية نشأة الجامعة المصرية ،وكان له دوره الإصلاحى مع زعماء حركة الإصلاح الحديثة .

القراءة الفلسفية لأعمال طنطاوى جوهرى :

هناك بعض المحاولات السابقة التى حاولت تناول أفكار الكاتب والمفكر العربى المسلم ،والذى أطلق عليه

(الشيخ الفيلسوف )و(الأستاذ الحكيم )،إلا أن هذه (القراءات )تناولته من نواح جزئية مختلفة وقدمته فى صور كثيرة كادت تتناقض ،أو على أقل تقدير كانت تضع أفكار الرجل فى مواضع متباينة ،ولا تلتقى عند ملامح معينة يتسم بها تفكير وكتابات هذا المفكر الجاد الطموح عزيز الإنتاج الذى نتوقف الآن أمام نتاجه الفكرى وخطابه الإصلاح ويوتوبياه العالمية ودرسه الفلسفى بالجامعة الأهلية ،محاولين تقديم قراءة جديدة له . ورغم تعدد القراءات السابقة التى تدل على أهمية الكاتب المفكر ،إلا إن أيا منها لم تقدم صورة متكاملة أو رؤية شاملة لأفكار المفكر الإصلاحى الذى قورن دوماً بالشيخ محمد عبده ،بل عد عند البعض أكثر جذرية منه . ومن هنا علينا إعادة النظر فى نتاجه الفلسفى من أجل تقديم قراءة جديدة له .

1- لقد عرف الشيخ فى هذه القراءات (بالمفسر )حيث أبرز كل من :

محمد حسين الذهبى فى (التفسير والمفسرون )(3)ومصطفى الحديدى (اتجاهات التفسير فى العصر الحديث) (4)وبنت الشاطئ (القرآن والتفسير العصرى ) (5)الناحية الدينية فى خطابه ،اعتماداً على أهم وأضخم كتاباته (الجوهر فى تفسير القرآن )وما يرتبط به من كتابات مثل (التاج المرصع بجواهر القرآن والعلوم )و (القرآن والعلوم العصرية )،حيث يعد تفسير موسوعة علمية  ضربت فى كل فن من فنون العلم مما جعل هذا التفسير الرازى . فالشيخ – كما يرى الذهبى – معروف بتفسير للقرآن على نمط علمى اختطه لنفسه لم يسبقه إلى مثله ولم يقلده فيه أحد (6)،فهو يبدأ بالتفسير اللفظى للآيات ،ثم يتلوه بالشروح والإيضاحات والكشف – كما يقول عبد المجيد عبد السلام – (أى أنه يشرح متوسعاً فى الفنون العصرية المتنوعة ) (7).

وكانت صورة المفسر تلك – فى هذه القراءة – من أهم  الجوانب فى كتابات الشيخ التى أشار إليها وأشاد بها معظم من كتبه عنه – فهى غير تقليدية وغير مسبوقة – نجد ذلك لدى على الجمبلاطى الذى رأى فيه عالماً فى طليعة أولئك الناظرين البصراء إلى حقائق زمنهم ،الذى آمن إيمان الدين المتين أن التقدم العصرى رهين العلم )(8)وكتب رجاء النقاش مقالين : عن (القرآن والفكر الجديد تفسير للقرآن بالخرائط والصور )(9) و (حول تفسير القرآن  :أضواء جديدة على عالم كبير مجهول )(10)يتحدث فيهما عن تفسير الجوهرى الذى يقف متميزاً بمنهجه الخاص اللامع بين جميع تفاسير القرآن ، (فالشيخ هو أحد علماء الدين البارزين ، وواحد من المفكرين النابهين فى هذا العصر ،برغم أنه لم يحظ بما يستحق من الدراسة والاهتمام )(10) ، ويرى محمد عبد الجواد أنه علم الرجل لا ينحصر فى دائرة محدودة وكتابه الموسم (بالجواهر …)موسوعة علمية إسلامية حديثة أكثر فيها من الكلام عن العلوم الحديثة كالفلك والنبات والحيوان ) (11)، وأشار عبد العزيز عطية فى نفس تقويم دار العلوم إلى أن أكثر ميل الشيخ كان متجهاً إلى الإصلاح الدينى والاجتماعى ،وكان أكبر همه أن يذيع فى العالم رسالة السلام عن طريق تعاليم الإسلام ) (12)وكتب فى نفس المعنى عبد المنعم البحقيرى فى مجلة (الوعى الإسلامى )مبيناً كيف استطاع أن يقدم صورة لتعاليم الإسلام السمحة فى دعوته إلى المحبة والسلام ) (13).

2- ومقابل تلك الصورة الدينية التى عرضت للشيخ ضمن (اتجاهات التفسير فى العصر الحديث )سواء فى شكلها التقليدى لدى من تناوله فى إطار (التفسير والمفسرون )أو فى الدراسات العصرية التى ربطت لديه بين الدين والعلم الحديث ،فإن هناك صورة أخرى وقراءة ثانية – ربما تكون ضد القراءة الأولى – وهى تناول الشيخ كرائد من رواد البحث الروحانى اعتماداً على كتابه (الأرواح )الذى يدافع فيه عن علوم الروح محاولاً التوفيق بين الآراء الدينية أو الصوفية وشبيهاتها فى العلوم الروحية الحديثة ،ويقدم لنا هذه الصورة كل من : عبد الجليل راضى فى (مجلة الروح )ورءوف عبيد فى (مفصل الإنسان روح

لا جسد )فهو عنده رائد من رواد الروحية ،وأبرز علماء العرب المحدثين . وكذلك يكتب عنه أيضاً كل من : فهو عنده رائد من رواد الروحية ،وأبرز علماء العرب المحدثين . وكذلك يكتب عنه أيضاً كل من : عبد اللطيف الدمياطى فى (الواسطة الروحية )وعبد العزيز جادو الذى كتب عنه أكثر من دراسة ،فقد تناوله التاريخ فى البداية بالتعريف والتأريخ له ولحياته وريادته الروحية فى كتابه (الروح والخلود بين العلم والفلسفة )، ثم خصص فصلاً مهماً عن الشيخ طنطاوى الرائد الروحى فى كتابه عنه (14).

ونشرت جريدة الجمهورية فى يناير 1956 م مقالاً بتوقيع مستعار عن (طنطاوى جوهرى الرائد

الروحى )وتمثل هذه الكتابات السابقة جوانب متعددة من اهتمام المفكر الدينى ،وتظهره عالماً مفتوناً بدراسات الباراسيكولوجى متعلقاً بأهداب الغيبيات مؤمنًا بعالم الأرواح والاتصال بها والانقياد لأوامرها يكتب ما تمليه عليه وما تشير له به .

يخوض المعارك الفكرية والتاريخية انطلاقاً من إيمانه بها فيكتب عن براءة العباسة أخت هارون الرشيد رداً على ما كتبه جرجى زيدان عنها . وربما لا يكتفى بالتأليف والكتابة بل يصبح احد اعضاء جمعيه الارواح بل رائدا من روادها

 3- وهناك قراءه أخري توقف اصحابها امام الجانب الأدبي عند الكاتب الأديب طنطاوي جوهري . وهذه القراءة نجدها لدى محمد محمد حسين الذى يضع الشيخ داخل الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر ، فقد كانت لديه ثقة كبيرة فى نهضة المسلمين واستعادهم مجدهم وعماراتهم الأرض وإصلاحهم ما آل أمرها من فساد واضطراب ،وكانت هذه الفكرة تنزل من نفسه منزلة اليقين الذى لا يخامره فيه شك (15). وربما تجد هذه القراءة ما يؤكدها ليس فقط فى كتب الشيخ الأدبية مثل (مذكرات أدبيات اللغة العربية )،(سوائح الجوهرى ) (جوهرة الشعر والتعريب )بل أيضاً فى كتاباته الأخرى التى يتحدث فيها عن الطبيعة الإنسانية مثل كتبه عن (الزهرة فى نظام العالم والأمم )،و (نظام العالم والأمم )،(وجمال العالم )، و (جواهر العلوم )الذى وضعه على هيئة رواية مثل كتاب (أين الإنسان ؟)؛لذا فإننا نجد قارئه – كما يؤكد على الجمبلاطى – لا يتعثر فى لفظه ولا يستصعب فكرة ،كأنه قاص يقص عليك أمتع القصص وأغرب الوقائع ) (16). ونفس القراءة يقدمها محمد عبد الجواد فى (تقويم دار العلوم )حيث يراه حاضر الذهن واضح الحجة كثير الاستشهاد بالنصوص ،كثير الاطلاع ،أوتى من فصل المقال ما يعز على أهل اللسان والفلسفة ) (17)،وقد  بين عبد العزيز عطية (أن الشيخ بعد روى من معين العربية وكوثر العلوم الشريعة والفقه الأكبر وكثير من العلوم الشريعة طار صيته فى معمور الأرض ) (17)ويجعله عبد العليم القبانى من رواد الشعر السكندرى (فقد كان الشيخ يعمل مدرساً بمدرسة رأس التين الثانوية ،وكان يلقن تلاميذه بعض الأفكار الثورية فى قصائد من نظمه .

ولا تعطى القراءات – رغم أهميتها – الصورة المكتملة لجهود الفكر الكبير التى اتسعت لاستيعاب الثقافة العربية الإسلامية وعلومها الدينية المختلفة والثقافة العصرية من : فلسفة وعلوم رياضة وطبيعة متعددة ،والتى تظهر لنا من خلال كتاباته التى نجد فيها أسماء لابلاس ودارون وإيفيرى (18)مع كانط وبيكون وأزفلد كوليه مع أسماء الغزالى وإخوان الصفا وابن خلدون .

وتوضح لما كتابات طنطاوى جوهرى مدى اتساع ثقافته وتنوع مصادره الفكرية كما ظهرت فى مؤلفاته الكثيرة التى نستطيع عند تحليلها جميعاً قراءة الخطاب الفلسفى الطنطاوى الإسلامى المعاصر فى بواكيره الأولى .

ويمكن القول إن مجمل كتابات المفكر المصرى ذات أساس فلسفى عقلانى يبنى عليه ويتفرع منه الخطاب النهضوى الذى يوضح جوانب تفكيره المختلفة ،وهو فى مجملها نتيجة ارتباط موقفه النظرى بظروف العصر وإشكالياته المختلفة الدينية الإصلاحية التى تنطلق أساسا من موقف السياسى والاجتماعى كأحد دعاة الحزب الوطنى (القديم) وكأحد كتاب جريدة اللواء المعبر عنه اتجاههما الوطنى الإسلامى ،كما تمثل فى كتابيه : (نهضة الأمة وحياتها ) (19)و (نظام العالم والأمم )وغيرهما . مما يميز ما قدمه طنطاوى جوهرى عن غيره من مفكرى هذه الفترة بسمة فلسفية واضحة .

والصورة التى نقدمها هنا – فى قراءتنا الحالية – هى صورة الفيلسوف ،فقد عرف جوهرى بألقاب متعددة ، وكان الغالب عليه لقب (الفيلسوف الحكيم )وهو الاسم الذى يميل إليه ويسبق اسمه دائماً على أغلفة كتبه (20)،وقد حدد على الجمبلاطى هدفه من الكتابة عن (ذكرى طنطاوى جوهرى )بأنه يريد تقديم سيرة فيلسوف الإسلام فى العصر الحديث (21)،ويرى عبد العزيز جادو (أن الفيلسوف والحكيم [ويقصد جوهرى]  فى مقدمة هؤلاء الأعلام من رجال الفكر العصريين الذين لا نزال إلى اليوم نذكرهم (22)،وهو عنده من فلاسفة القرن العشرين ومصلح دينى مجدد تقدمى (23)،وقد جاء فيما نشرته عنه الجمعية الآسيوية الفرنسية (أنه فيلسوف حكيم بقدر ما هو عالم دين )(24)،ولقبته جريدة مصر الفتاة )فى عددها 343 الصادر فى نوفمبر 1959 م بأنه (فيلسوف مصر)،وهو عند محمد عبد الجواد (عالم أديب فيلسوف ) (25)،وعند سنتلانا المستشرق الإيطالى (أحد رؤساء الحركة السياسة والاجتماعية التى انتشرت فى طبقات الشعب الإسلامى كافة تحت اسم الجامعة الوطنية (26)،وكذلك أشاد به مرجليوث فى مجلة الجمعية الآسيوية الملكية مقارناً بينه وبين كانط (27)،وهونفس ما فعله جب فى جريدة المقطم 8 يناير 1983 م ،وريتشارد هارتمان الذى ربط بينه وبين محمد عبده والغزالى ،وكذلك كارادى فو مفكرى الإسلام (28)،ويرى الدكتور محمد يوسف موسى أنه يستحق من المجد أكثر مما يستحق الإمام محمد عبده لولا أن زملاءه وإخوانه جهلوه وعجزوا عن نصرته عندما تقدمت الدوائر العلمية لترشيحه لنيل جائزة نوبل كأول مصرى يرشح لهذه الجائزة (29).

وقبل قراءة مشروع الفكر الإصلاحى وبيان أسس تفكيره فإن إشارة موجزة إلى كتاباته تلقى الضوء على خطابه الفلسفى وتحدد محاوره النظرية .

وإذا ما ستبعدنا بعض كتابات طنطاوى جوهرى مثل (الفرائد الجوهرية فى الطرق النحوية )و (مذكرات فى أدبيات اللغة العربية )و (جوهر التقوى فى الأخلاق )أو حتى نحيناها جانباً مؤقتاً باعتبارها ذات منحنى تعليمى كتبت للطلاب . وكذلك إذا أبعدنا كتابيه (الأرواح )و (براءة العباسة أخت هارون

الرشيد )التى قيل : إن روحها اتصلت به ليصحح أخطاء جرجى زيدان فى بيان قصتها التاريخية ؛ وذلك لاتجاهاتها المغالية فى الغيبيات . فأننا نجد أن تآليفه كلها رغم تعدد موضوعاتها يجمعها اهتمام واحد يسرى فى كل أجزائها وكأنها مجلد واحد أو سفر ضخم صدر فى أجزاء متعددة ،ويؤكد ذلك رأى الجمعية الآسيوية الفرنسية فى كتابه (نظام العالم والأمم )وهى دراسة مترجمة عن الإنجليزية نقلها عن اللورد إيفبرى [السير جون لوبك ] الذى تأثر به كثيراً فى كتاباته . ويتناول فى هذه الدراسة عالم النبات والزهور وكل ما يتعلق به ،وهى توضح اهتمامه بالطبيعة وتأملها ،ذلك الاهتمام الشاعرى الرومانسى الذى سيطر على أجزاء متعددة من كتاباته التى يغلب عليها التأمل ،ويعد تأمل الطبيعة سمة أساسية فى تفكير طنطاوى جوهرى ،بل إن كنبه فى التفسير تهتم فى الأساس ،كما يبدو من تحليلها – ببيان مقاصد الإسلام ونظام العالم ،كما يظهر فى كتابه (التاج المرصع بجواهر القرآن والعلوم )الذى يقسمه إلى اثنين وخمسين باباً أو جوهرة )كل منها تفسير آية من آيات القرآن الكريم على ضوء ما كشف عنه العلم الحديث ،ويلاحظ فى هذا الكتاب المنحى التوفيقى الذى اتخذه المؤلف بين القرآن من ناحية والفلسفة اليونانية من ناحية ثانية ،والكتاب دعوة صريحة للإسلام موجهة إلى مؤتمر الأديان 1906 م ،وقد ترجم إلى لغات عديدة ،منها : اليابانية والفارسية والهندية والروسية .

وقد كان للمفكر الوطنى مواقف ضد الاحتلال الإنجليزى للبلاد ،وكانت كتاباته تهدف إلى تجميع القوى الإسلامية المختلفة فى إطار وحدة جامعة على أسس إسلامية عقلانية مصحوبة بفهم معاصر لنظم الحياة المختلفة ذى نهج إصلاحى ،وقد طمأن هذا النهج الدوائر الغربية ،كما يتضح مما كتبته الجمعية الملكية الإنجليزية – التى تناولت الخطاب الطنطاوى فى الإطار الأبستمولوجى المعرفى لا السياسى الثورى – تعليقاً على كتاب (نهضة الأمة وحياتها )بقولها : إن الإنجليز مطمئنون إلى إن الشيخ لم يٌرد بلفظ النهضة ثورة يثيرها وإنما أراد الإصلاح يثيرها وإنمت أراد الإصلاح ورقى الأمة ،فهو أقرب إلى محمد عبده منه إلى الإفغانى ،وليس فى ثنايا كتبه ما يحض على الثورة أو يشير إلى عصيان (30). وفى ختام المقال تذكر رأية فى سياسة الأمم ،وهو فى الحقيقة مقصودة الكتاب الذى وضع للحكومات نظاماً جميلاً ؛إذا أبان كيف يكون التشابه بين جسم الإنسان ووظائف أعضائه ؟ وما الحكومات العادلة ؟ وكيف ينوب فريق من الأمة عنها ؟ وما طريق الانتخاب ؟ .

وينطبق نفس الرأى على كتابه (النظام والإسلام )الذى كان أيضاً مجموعة مقالات نشرت بالمؤيد ،وقد ترجم أيضاً إلى التركية والهندية . وفى نفس الإطار نجد كتابه (جمال العالم )الذى يتفق من حيث الاسم مع (نظام العالم والأمم )و (الزهرة فى نظام العالم والأمم )،ويتفق من حيث المحتوى أيضاً مع هذه الكتب ومع (التاج المرصع بجواهر القرآن والعلوم )؛حيث ينتقل المؤلف من ذلك النظام والإبداع والجمال الموجود فى العالم ؛ليعبر عن قدرة الخالق الذى أوجد هذا العالم ،وهو وإن كان يستخدم نفس الأدلة التقليدية التى يستخدمها الفلاسفة ،إلا أنه يستعين فى ذلك بالدراسات العلمية فى مجال الطبيعة والحيوان ،وهى سمة تظهر فى كل كتاباته ؛مما جعل كثيراً من الباحثين يؤكدون تميز الكتاب وصاحبه بحب الطبيعة جباً غير خفى وما يستوقفنا هنا هو مناسبة تأليف الكتاب التى توضح الاتصال وعدم الانفصال بين اهتمام الشيخ الدينى والعلمى وهدفه فى ترقية الأمة ونهضتها ،فقد كان الكتاب نتيجة نقاش طويل بين الشيخ وشاعر النيل حافظ إبراهيم الذى استمع طويلاً إلى أفكار الكتاب ونصحه بقوله : (لو دون هذا الكلام فى كتاب لترقت الأمة المصرية ) (31).

ويهدف بكتابيه : (جواهر العلم )و (ميزان الجواهر فى عجائب هذا الكون الباهر )إلى نفس الغاية . الكتاب الأول وضعه على هيئة رواية – وهو نفس ما فعله فى (أين الإنسان ؟ )وقد قررت وزارة المعارف على طلابها هذا الكتاب الذى جعله الشيخ كما يذكر لنا سلماً إلى فهم ما هو أدق وأرقى فى الفكر هو و (ميزان الجواهر )،وذكر فيه بواطن العالم وقواه وعجائبه الباطنة رابطاً بين آرائه الفلاسفة الأقدمين ومقابلته بكلام الفلاسفة الأوربيين ، ووزن الأقوال بالحجج العقلية .

والكتاب الثانى (ميزان الجواهر )يدور أيضاً حول التفسير العلمى لحقائق الكون ،وفيه تظهر آراء المفسر مع آراء السابقين من علماء المسلمين مثل الغزالى الرازى ،يقول الشيخ حمزة فتح الباب فى تقديمه للكتاب مخاطباً مؤلفه : (ولقد ذكرنى ميزانك ما قاله السعد فى شرح المقاصد نقلاً عن الإمام حجة الإسلام فى أثناء تعريف علم الكلام … وما قاله القطب الرازى فى (شرح مطالع الأنوار )والشيخ الأكبر [ابن عربى ] فى فتوحاته .

وفى كثير من أعمال الشيخ ما يؤكد أن كتابته كانت استجابة من الفكر لحاجات الواقع . فقد جاءت رسالته فى (أصل العالم )رداً على تساؤل من الشيخ عبد العظيم فهمى يسأل فيه عن أصل الكون ومادته الأولى والنظرية العلمية التى تفسر طبيعته ،ومن هنا رسالته فى (أصل العالم )وهى من الرسائل الفلسفية المهمة التى توضح رأيه فى المسائل الأنطولوجية والكونية الكبرى معتمداً على النظريات العلمية الحديثة التى قال بها لابلاس وغيره من العلماء ). وجاءت ترجمته لكتاب كانط فى (التربية )،وأعتقد أنه أول من نقل كانط إلى العربية استجابة لطلب من مجلة النهضة النسائية ليكتب شيئاً يتعلق بتربية النشء وطرق معاملة الأطفال والمبادئ التى علم الأمم الإلمام بها لإعداد جيل صالح (32).

وفى نفس الاتجاه الأساسى لأعمال الأستاذ الفيلسوف يأتى أهم أعماله :

(الجواهر فى تفسير القرآن )و (بهجة العلوم فى الفلسفة العربية وموازنتها بالعلوم المصرية )ويبدؤه الشيخ كعادته بقوله إن الإنسان مهيأ بفطرته لقبول الفلسفة ويتحدث فى تاريخ علومها ويتوقف أمام عناية الدولة الإسلامية بالفلسفة .. ويتحدث عن تاريخ الأمة اليونانية فى الفلسفة منذ القدم ،وسقراط وأفلاطون ، وكتابه (القرآن والعلوم العصرية )كما جاء على غلافه :

(خطاب إلى جميع المسلمين ،وإن الصناعات والعلوم يأمر بها القرآن ،وإن الأمراء والعلماء وأغنياء المسلمين هم المكلفون بذلك وبإحكام الرابطة بين الأمم الإسلامية عموماً . ويقوم هذا الخطاب على إعمال العقل . فالعقل الصحيح والرأى الرجيح والعمل بهما المنجى فى الدنيا والآخرة (33). وفى (سوانح

الجوهرى )يبين لنا كيفية ترقية الأمة عن طريق الاقتصاد وترقية الصناعة والزراعة وحركة التعليم من أجل نهضة إسلامية شاملة . وبالإضافة إلى تلك الكتابات الدينية التى تحاول تفسير آيات القرآن بما اكتشفه العلم الحديث وذلك بإعمال العقل الإنسانى فى الكون والطبيعة من أجل دعوة المسلمين إلى النهضة وكيف تعامل العرب مع هذه الفلسفات بحثاً ودراسة .

وتشمل الكتابات والأوراق الفلسفية التى تركها لنا الشيخ بالإضافة إلى محاضرات بالجامعة المصرية التى ألقاها فى العام الدراسى 1912 / 1913 م على عدة كتب ورسائل أخرى منها :

(رسالة الحكمة والحكماء )(34)التى تحتوى على مجموعة من الدراسات التى تحمل نفس خصائص أسلوب الشيخ وتعبر عن نفس الاهتمامات مثل :

المقصود من هذا العالم ؟ ووجهة العالم واحدة هى النظام العام ،والمقارنة بين فلسفة وفلاسفة الشرق والغرب.

وكتابه (المدخل ظغلى الفلاسفة )الذى يتناول فيه علوم العرب المختلفة وعلوم اليونان ،والحديث عن هذه العلوم نجده من أهم محاور محاضراته بالجامعة الأهلية ،ويبدو أنه أصدره فى دراسة مستقلة (المدخل إلى الفلسفة ) مثلما فعل فى محاضراته عن (الموسيقى العربية )التى تناولها أيضاً فى نفس المحاضرات ) (35)وتأتى محاولته الجادة التى يبدو فيها متأثراً بكانط من جهة والعلوم الرياضية من جهة أخرى من أجل صياغة نوع من السلام العالمى واليوتوبيا الشاملة التى تجمع الشعوب كلها فى إطار وحدة إنسانية ،كما يظهر فى كتابيه : (أحلام فى السياسة والسلام العالمى ) (36)و (أين الإنسان ؟ )اللذين اعتز بهما كثيراً وأرسلهما إلى معظم مفكرى العالم المحدثين لدعوتهم إلى نفس رؤيته ،واستجاب له كثير منهم وفى مقدمتهم سنتلانا المستشرق الإيطالى الذى سبقه فى التدريس بالجامعة الأهلية حيث لخص الكتاب (أين الإنسان  ؟)فى مجلة العلوم الشرقية التى يشرف عليها وأشاد بالشيخ وأفكاره ،فالكتاب من الصحف العظيمة الدالة فى الوقت الحاضر على مبلغ أفكار وشعور الطبقة الراقية الإسلامية ،والحق يقال إنه لعمل إنسانى عظيم فى قالب احتجاج سياسى ولم يك كتاباً موجهاً إلى المصريين فقط بل للعالم أجمع ،فالمسألة التى يريد حلها هى مسألة العالم كله بالإجماع . ويمثل كل من (أحلام فى السياسة والسلام العالمى )وكذلك (أين الإنسان ؟ )محاولة أولى مبكرة فى التفكير اليوتوبى العربى المعاصر ؛حيث (37)نجد فيهما صدى لما قدمه كانط ، ويمثلان معاً نظرية المفكر المصرى فى السلام العالمى ،فهو يسعى إلى مماثلة نظام المجتمع البشرى بما عليه الكون والطبيعة من اتفاق وائتلاف . يريد تحويل النفوس فى المجتمع من الطبيعة السبعية [من سبع ] أو البهيمية إلى إنسانية بشرية يحل بينها التعاون والتوافق بدلاً من النزاع والصراع . وهذا ما أشاد به المستشرقون الذين اطلعوا على أبحاثه وكذلك بعض الباحثين والكتاب العرب المعاصرين .

ولأهمية هذين الكتابين نعرض بإيجاز أهم أفكارهما لبيان جهود الشيخ فى الدعوة إلى السلام العالمى والأسس التى تقوم عليها هذه الدعوة . فالحكيم الفيلسوف يحاول فى كتابه (أين الإنسان ؟ )بيان استخراج السلام العالمى فى الأمم من (النواميس الطبيعية )والنظامات الفلكية والفطر الإنسانية وبنيان السياسة على أساس الطبيعية ،وأن مدنية اليوم حيوانية ،ودعوة الناس للإنسانية الحقيقية ،وبيان أن الإنسان لم يفهم إنسانيته ولم يستخرج قوته بعد . وخطاب موجه لفلاسفة الأمم ونوابها وملوكها ودعوة الأولين لبحث هذا الموضوع والآخرين للتعاون على العمل . وهذا [الكتاب ] عبارة عن رواية بين طنطاوى جوهرى وروح من الأرواح بين طنطاوى جوهرى وروح من الأرواح القاطنة بمذنب هالى لما اقترب من الأرض وسأل عن السلام فى العالم وعن أخلاق نوع الإنسان ،وهو عشرون فصلاً )(38).

فى الفصل الأول مقدمة الكتاب فى أحوال مذنب هالى ،والثانى سؤال عن حال الإنسان ،وقول كانط الإنسان لم يتعلم العلم من أعلى منه ولو تعلم لكان أرقى ،ويدور الفصل الثالث فى أخلاق الإنسان ،والرابع فى علومه ومعارفه ،والخامس فى استعداد الإنسان للعلوم والأخلاق ،والسادس فى أنواع الحكومات والفلاسفة ،والسابع عن المادة والعقل ،والثامن يدور حول الحكمة فى المادة والعقل ،والتاسع يتناول الفلسفة القديمة والجديدة ، والعاشر فى المنطق والأخلاق والسياسة ،وفيه – كما يقول المؤلف – الحقيقة المرة فى مقارنة السياسة بالقضاء والتعليم ،وتتناول الفصول بعد ذلك الصعود إلى كوكب جديد ومقارنة ظلم الإنسان بالعدل  فى عالم السماوات ،وفى الفصل الرابع عشر يقدم تحليلاً للمدينة العصرية ،وفى الفصل الرابع عشر يقدم تحليلاً للمدينة العصرية ،وفى الفصل السادس عشر مسألة الأقوى والأضعف ،ويتساءل فى الفصل التالى على أية قاعدة تبنى سياسة الأمم ،ويتبعه فى الفصل الثامن عشر فى درس تعليم الأطفال الحب العام ،والفصل التاسع عشر مجلس الحكماء وبيان ما وصلت إليه الأمم وشرح معانى الحكمة ،والفصل الأخير بيان السبيل للوحدة العامة فى سائر الأمم والممالك والدول ،وفيه مجمل الكتاب .

ويحاول فى (أحلام فى السياسة وكيف يتحقق السلام العام ) (39)بيان الصورة المثالية لما ينبغى أن يكون عليه نظام العالم والسبل التى توصل إلى تحقيق السلام العام بين الأمم جميعها ،وقد ذكر المؤلف أنه عرج على السماء وطاف بها وصل إلى أحد كواكب الجوزاء ووصفهما فيه ولقاءه بالفلاسفة الذين امتحنوه فى الحساب والسياسة معاً . وقد برهن على أن سياسة الأمم إذا لم يكن بناؤها لحساب العلوم المختلفة فإن الدمار سيحل بالنوع الإنسانى . ولم يكتف بدور المفكر المتأمل الذى يبحث فى ائتلاف الكون وإيجاد نظام عام لسياسة الأمم ،بل سعى للدعوة إلى هذا النظام بإرسال دعوته إلى كثير من المفكرين ذوى الرأى ،فهو لا يكتفى بأن يفكر السلام العام بل يعمل من أجله ،يقول : (إننى أعلن الأمم جمعاء بهذا النظام السياسى الموافق لنظام هذه العوامل التى نعيش فيها أن هذه الطريقة المثلى الطبيعة لسياسة الإنسان فى هذه الحياة ).

وقد رأى البارون كاردى فو – فى الجزء الخامس من كتابه مفكرو الإسلام فى عمل الحكيم الفيلسوف مدينة فاضلة حديثة ويوتوبيا معاصرة يقول :

(وكتاب (أين الإنسان ؟) هذا وضعه المؤلف بهيئة رواية فلسفية سياسية ،فهو فى هذا يشبه الفارابى من حيث أصل الفكرة وابن طفيل من حيث الأسلوب والمنهج ،وهو فى الأسلوب يذكرنا بأساليب علمائنا وأدبائنا فى أوربا مثل :

توماس مور ،وكامبانيلا ،وألدوس هكسلى ).

إن جهود الشيخ الحكيم أهلته للدعوة للسلام العالمى من منطلق إسلامى مبنى على تفهم واع للعلوم العصرية ، وقد أراد مشاركة مفكرى العالم له فى دعوته ،فأرسل لهم كتاباته ليعلمهم بموقفه من مشكلات السلام العالمى . وقد رشح لجائزة نوبل للسلام وكان بذلك أول مصرى يرشح لهذه الجائزة ،وقد اهتمت الخارجية المصرية بهذا الترشيح ،وقام الدكتور مصطفى مشرفة بفحص إنتاج الشيخ ؛لأنه من شروط التقدم لهذه الجائزة أن يكون المرشح من أساتذة الجامعة ،وأن يرشحه أحد الوزراء أو أحد أعضاء البرلمان أو أستاذ جامعى ،فتطوع الدكتور مشرفة عميد كلية العلوم والدكتور عبد الحميد سعيد عضو البرلمان والرئيس العام لجمعية الشبان المسلمين ،وقامت الخارجية بإرسال مؤلفات الأستاذ إلى البرلمان النرويجى مع تقرير عن جهوده فى سبيل العلم والسلام ،وفى أثناء ذلك عاجل القدر الرجل فى 12 يناير 1940 م ليتوقف كل شئ ،فالجائزة لا تعطى إلا لعبقرى أدى خدمات للإنسانية وما زال على قيد الحياة .

وإذا كان الشيخ انتقل إلى مجال التاريخ الرحب فإن السؤال ما هو موضع علمه وبالتحديد درسه الفلسفى فى إطار التاريخ ؟ وما هو موقع محاضراته بين محاضرات الجامعة الأهلية ؟ أو بمعنى أدق بين دروس الفلسفة التى ألقاها سنتلانا ،ولويس ماسنيون ،والكونت دى جلارزا ،وسلطان محمد ،وعلى العنانى ،ومنصور فهمى وهذا هو محور القسم التالى :

محاضرات طنطاوى جوهرى الفلسفية :

قامت الجامعة المصرية على جهود المصريين وارتبطت منذ البداية برجال الحركة الوطنية المصرية واقترنت بأسماء زعمائها وابتعدت عن كل سلطة إلا سلطة العلم والبحث الحر ،فهى (لا تختص بجنس أو دين بل تكون لجميع الشباب على اختلاف جنسياتهم وأديانهم فتكون واسطة للألفة بينهم .

فهى مدرسة علوم وآداب تفتح أبوابها لكل طالب علم مهما كان جنسه ودينه ،وليس لها صبغة سياسية ولا علاقة لها برجال السياسة ولا المشتغلين بها ،فلا يدخل فى إدراتها ولا فى دروسها ما يمس بها على أى وجه كان .

لقد ازدهرت الحركة العلمية بانتعاش الروح الوطنية وسارا جنباً إلى جنب يحدوهما الأمل فى رقى الأمة واستقلالها ،وكان إنشاء الجامعة بمثابة رئة كبرى فى نهضتنا العلمية ،وغرس لنهضتنا الفكرية فى مجال التعليم المختلفة ،وأساس لتحرير عقول المصريين وقلوبهم ،وإنقاذ لمصر من مخالب الجهل والعلم المتوسط ، كما كان إنشاء الجامعة أشبه شئ بالشعلة القوية الحرة التى انبعث نورها وانبثقت حرارتها فملأت العقول نوراً والقلوب حرارة ) (40).

بدأت الدراسة بافتتاح الجامعة فى 21 ديسمبر 1908 م ،وبدئ فيها بتدريس خمسة علوم – لم تكن الفلسفة أو أى من علومها ضمن هذه العلوم الخمسة ،وهى : الحضارة الإسلامية ،الحضارة الشرقية القديمة ،العلوم التاريخية ،والجغرافيا عند العرب ،والآداب الإنجليزية والفرنسية . وقد تقرر أن تستمر الجامعة فى إكمال هذه الدروس أو أن تستبدلها بغيرها فى الأعوام التالية بطريقة التدريج والترقى ؛حتى يكون لطلابها إلمام بحركة المعارف البشرية والوقوف على تاريخ تقدمها منذ بدايتها حتى الآن ،ثم تنتقل إلى تدريس علوم خاصة بمجرد عودة طلبتها من بعثاتهم بأوربا .

وقد رأت الجامعة – فى السنة التالية 1909 /1910 – وجوب إحياء علوم العرب فإنها وحدها هى التى يمكنها القيام بهذا العمل المجيد ،فقررت إلقاء محاضرات فى ما وصلوا إليه فى الفلك والرياضيات ،وانتخب لهذا الدرس المستشرق الإيطالى نلينو لتخصصه فى هذا الموضوع ولما له فيه من التحقيقات التى اشتهر بها عند أهل الدراسة (41).

وحدث فى العالم التاى تطور مهم ؛حيث تم إنشاء (كلية الآداب والفلسفة )منذ 1910 – 1911 م . فلا يخفى أن التدريس فى الجامعة كان أول الأمر عبارة عن سلسلة محاضرات تلقى فى موضوعات مختلفة . كان الغرض من ذلك هو تعويد الطلاب حضور العلوم العليا ،وذلك منذ البدء فى سن نظام نهائى للتدريس ، ولما آنست الجامعة فى طلابها أنهم أكثر إقبالاً على سماع العلوم الأدبية منهم على سماع غيرها رأت أنه قد حان لها الوقت لإنشاء كلية الآداب والفلسفة على طراز حديث تراعى فيه حاجات أبناء القطر ،وقد تم تحقيق ذلك 1910 / 1911م وكان من المسائل الأساسية أن ينتخب عند الإمكان بعض من العلماء المصريين ليقوموا بالتدريس بالكلية . وفيما يلى برنامج الدراسة لهذا العام وهو :

– آداب اللغة العربية ،ويقوم بتدريسها حفنى ناصف بك .

– تاريخ آداب اللغة العربية ،ويقوم بتدريسه الدكتور نلينو .

– علم مقارنة اللغات السامية ،ويقوم بتدريسه الدكتور يتمان .

– تاريخ الشرق القديم ،ويقوم بتدريسه الدكتور ملونى .

– الفلسفة العربية والأخلاق ،ويقوم بتدريسها سلطان بك محمد .

– تاريخ التعاليم الفلسفية ،ويقوم بتدريسه الدكتور سنتلانا .

– الجغرافيا وعلم الشعوب ،ويقوم بتدريسها إسماعيل بك رأفت .

– تاريخ آداب اللغة الإنجليزية ،ويقوم بتدريسه المستر جيل .

– تاريخ آداب اللغة الفرنسية ،ويقوم بتدريسه المسيو لومونيه .

وقد توقفت بعض المواد فى العام الدراسى التالى 1911 / 1912 م ،ومن هذه المواد مادتى : الفلسفة العربية والأخلاق وتاريخ التعاليم الفلسفية ،إلا أنها درسا فى العام الذى يليه 1912 / 1913 م وقام بتدريسها الشيخ طنطاوى جوهرى (الفلسفة العربية والأخلاق ) ،والمسيو لويس ماسينون (تاريخ المذاهب الفلسفية ) . وألغيت مادتى الفلسفة فى العام التالى 1913 / 1914 م رغم عودة منصور فهمى من بعثته بفرنسا ،ويبدو أن المستشرق الأسبانى الذى درس عليه كثير من نبهاء الجامعة وأشاد به تلاميذها قام بتدريس مادتى الفلسفة وإن كان ذلك فى سنوات تالية على عام 1914/ 1915م . فقد استطعنا الحصول على أصول لكتابة فى الفلسفة اليونانية .

والفلسفة الإسلامية (أكثر من درس ) والفلسفة العامة (الحديثة) وفلسفة الأخلاق .

ومنذ العام الدراسى 1922 / 1923 م وبعد عودة منصور فهمى للجامعة قام بتدريس مادة الفلسفة العامة والأخلاق (42)،وكان برنامج تدريسه يشمل الموضوعات التالية :

أولاً : مقدمة فى المنطق وطرائق البحث (عشرون محاضرة ) .

ثانياً : تاريخ الفلسفة العامة :
أوجست كونت وفلسفته (نحو عشرون محاضرة ) .

ثالثاً : علم الأخلاق بحث فى الأسرة وما يتصل بها من الحقوق والواجبات .

بينما قام بتدريس الفلسفة العربية وتاريخها فى العام نفسه الدكتور على العنانى ،ويشمل برنامج الدراسة الموضوعات التالية : الإسلام والحياة العقلية : أهل السنة والمتكلمون ،المعتزلة والمتصوفة ،الأفلاطونيات الحديثة ،فلسفة أرسطو ،إخوان الصفا ،الكندى ،الفارابى ،وابن سينا ،الفلسفة العربية فى أسبانيا ،ابن باجة ، وابن طفيل ،وابن راشد ،الإسرائيليون بعد ابن رشد ،نقل الفلسفة العربية إلى الحياة العقلية الأوربية ،عصور الفتور إلى الوقت الحاضر (43).

واستمر قيام منصور فهمى وعلى العنانى بنفس البرنامج فى السنوات التالية ؛حتى تحولت الجامعة الأهلية إلى جامعة حكومية مع تعديل فى برنامج منصور فهمى الذى قام فى السنة الأخيرة 1924 / 1925 م بتدريس تاريخ الفلسفة فى القرن السابع عشر فى فرنسا وبيان أثره بدلاً من تدريس أوجست كونت .

وللأسف لم تصلنا بعد دروس كل من منصور فهمى وعلى العنانى ،إلا أن معظم الدراسات الفلسفية التى ألقيت بالجامعة موجودة على صورة ما ،وبالطبع ليس مجال تحليلها كل على حدة ،أو حتى التعريف بها ،لكن قصدنا وضع محاضرات طنطاوى جوهرى فى سياقها التاريخي فى إطار الدرس الفلسفى بالجامعة الأهلية ، فهو من أربعة أساتذة مصريين قاموا بتدريس هذا التخصص ،وهم على التوالى :
سلطان محمد ،طنطاوى جوهرى ،منصور فهمى ،وعلى العنانى ،وإذا استبعدنا منصور فهمى لتدريسه الفلسفة العامة وعدم قيامه بتدريس الفلسفة العربية لأصبح طنطاوى جوهرى فى موقع متوسط بين سلطان محمد الشيخ الدارعمى أول من درس الفلسفة العربية بالجامعة الأهلية (44)وعلى العنانى مبعوث الجامعة بألمانيا آخر من قام بذلك قبل تحول الجامعة إلى جامعة حكومية ،ويبرز اسم الشيخ مصطفى عبد الرازق أستاذ أساتذة الفلسفة والرائد الأول الذى تخرج عليه أعلام الأساتذة (45). وكما يتضح من التناول السابق فإن هناك تصوراً واضحاً لمعنى الفلسفة الغربية وموضعها وأعلامها موجوداً لدى العنانى أكثر مما لدى سلطان محمد وطنطاوى جوهرى ؛وربما يرجع ذلك للدراسة النظامية التى تلقاها العنانى فى بعثته فى ألمانيا .

كما كان طنطاوى جوهرى زميلاً لمجموعة من الأساتذة المستشرقين ،وإن لم يتعاصر تدريسه إلا مع ماسنيون . إلا أن الموضوعات التى قام بتدريسها هؤلاء الأساتذة تختلف فى كثير من جوانبها عما قام بتدريسه جوهرى ،فقد تناول سنتلانا تاريخ المذاهب أو التعاليم الفلسفية وهى محاضرات مقارنة بين الفلسفة اليونانية والفلسفة الإسلامية ،بينما قام ماسنيون بتدريس تاريخ المذاهب [المصطلحات ] الفلسفية ،وهو رغم اختلاف المجال يقترب من درس طنطاوى جوهرى أو قل إن الأخير هو الذى يقترب منه ،ويمكن لنا أن نقارن مادة الفلسفة العربية التى قام بتدريسها الكونت الذى جلارزا مع محاضرات طنطاوى جوهرى ، والمقارنة لن تكون فى صالح الخير . ومع ذلك تظل الدراسة التفصيلية لهذه الدروس مهمة فى إلقاء الضوء على الدرس الفلسفى فى الجامعة الأهلية من خلال جهود أستاذ تخرج فى دار العلوم وتطلع للثقافة العلمية فى بدايات هذا القرن وتبلورت جهوده فيما ألقاه من دروس الجامعة المصرية الوليدة .

موضوع المحاضرات (46)

أول ما يلاحظ هنا أن عنوان المحاضرات هو (الفلسفة العربية )،وهى أول مرة يظهر فيها مصطلح الفلسفة العربية من أستاذ مصرى ،صحيح أن الجامعة هى التى حددت العنوان إطاراً عاماً للمحاضرات إلا إن طنطاوى جوهرى وسلطان بك محمد الذى سبقه فى التدريس جعلا من العنوان العام عنواناً خاصاً لدروسهما وكذا لكتبهما التى عرضت للموضوع ،ويبدو أن الاسم قد تحدد ولم تكن هناك أية أشارة فى هذا الحين لمشكل التسمية رغم وجود العديد من دراسات المستشرقين تجعل عنوان الفلسفة الإسلامية أو الفلسفة فى الإسلام ، والأستاذ المحاضر رغم كونه من دعاة الجامعة الإسلامية والإصلاح الدينى لم يشأ اختيار مصطلح إسلامية ، فالتناقض بين المسلمين لم يكن موجوداً ،والأرجح هو الموافقة الضمنية على التسمية التى ارتضتها الجامعة – ذات الميول الليبرالية – وهى المعهد العلمى الذى تلقى فيه هذه المحاضرات .

يسعى المحاضر فى بداية المحاضرات إلى تقديم ملخص ،أى رءوس موضوعات لما سيتناوله ؛حيث يعرض لتعريف الحكمة ويصر على إضافة لفظ علم قبل الحكمة (علم الحكمة )،وهو مصطلح بدأ يتردد هذه الأيام باعتباره بديلاً عن اسم الفلسفة . وتصنيف هذه العلوم إلى (نظرية )وإن كان يطلق عليها اسم علمية وعملية ،وهذا التصنيف هو نفس التقسيم الأرسطى للعلوم . فالعلوم النظرية الثلاثة : طبيعى ورياضى وإلهى ويبين أن المقصود بالإلهى هو (ما بعد الطبيعة )،وهويختلف عن علم التوحيد عند المسلمين ،وهذا صحيح فى الغالب لانصراف اسم علم التوحيد على جهود المتكلمين ،وهو يختلف كما بين ابن رشد عن الفلسفة لاعتماده على الجدل واعتمادها على البرهان .

والحقيقة أن مسألة تصنيف العلوم وهى المسألة الأساسية التى شغلت طنطاوى جوهرى كثيراً فى محاضراته من المسائل المهمة فى تاريخ الفكر العربى (47).

فقد شغلت كثيراً من الفلاسفة المسلمين والوراقين والنساخين ،فكما اهتم الخوارزمى فى (مفاتيح العلوم )، وابن النديم فى (الفهرست )،بذكر تصنيف العلوم نجد تصنيفاً مختلفاً لدى الكندى والفارابى وابن سينا يغلب عليه الطابع الأرسطى ،وبالطبع يختلف تصنيف العلوم عند العرب عن تصنيف العلوم عند الغربيين ؛ لأن كل تصنيف يعبر عن حالة العلوم وطبيعتها وعددها فى عصر المصنف ،ومن هنا فالتصنيفات التى نجدها لدى بيكون – الذى يشير إليه طنطاوى جوهرى – وأوجست كونت تختلف عن تصنيفات المسلمين التى يختلف بعضها – خاصة ما نجده لدى طاش كبرى زادة وحاجى خليفة – عن التصنيف الأرسطى .

ويشير طنطاوى جوهرى إلى بنية التصنيف ،أو أساس من تصنيف العلوم ،وهو الأساس الأخلاقى الذى يتناول العلوم عبر المقولات الأخلاقية فالعلوم خيرة وشريرة ،محمودة ومذمومة ،نافعة وضارة ،والعلوم الضارة هى السحر والسيمياء والطلسمات والحروف ،وهى يعدد هذه العلوم ليبين أهمية الحكمة وضرورتها ومنزلتها من سائر العلوم .

ويجتهد طنطاوى جوهرى فى تقديم تصور عضوى لتاريخ الفلسفة يشبهها فيه بالكائن الحى وأدوار حياته – وهو اجتهاد على كال حال خاضع للمناقشة – حيث يشبهه الأمم بالأفراد فى التدرج والرقى ،وكما ارتقى

 (حى بن يقظان )فى أدوار سنه حتى وصل إلى نهاية المعارف فإن الأمم ترقى فى العلوم فى نفس الأدوار على ذلك المنهج ،ويعطى مثالاً لذلك بأمة على ذلك المنهج ،ويعطى مثالاً لذلك بأمة اليونان ووضعهم بإزاء (حى بن يقظان )جيلاً بعد جيل . ثم فلاسفة العرب . وهو يعطى مماثلات مستحيلة تبحث عن مجرد التشابه السطحى متغافلاً عن اختلاف السياق والعصر والتاريخ والتفصيلات .

فبالإضافة إلى المماثلة المستحيلة بين تاريخ حياة (حى بن يقظان )وتاريخ الفلسفة اليونانية ،نجد مماثلة أخرى بين تأليف شيشرون وسنيكا من جانب وتأليف الغزالى من جانب ؛لتفرعهما عن أصل واحد وإن كان لم يصرح به ،والمقصود هنا بهذا الأصل هو الفلسفة اليونانية . كما يماثل أدوار الفلسفة الحديثة بعد بيكون بأدوار الفلسفة عند اليونان بأدوار حياة (حى بن يقيظان )،ويقارن دور هكسلى وهيجل بدور طاليس وديقريطس ،ودور والسى العالم المعاصر مؤلف كتاب (عالم الحياة )بدور أرسطو .

وفى إشارة مهمة يذكر الفكر المصرى القديم الذى يتضح فيما كشفت عنه البرديات ،خاصة أشعار بنطاؤر الذى وصل – فيما يقول – إلى ما وصل إليه أفلاطون وأرسطو ،ثم يشير إلى محاورة الإسكندر مع فلاسفة الهند ،ويشير إلى آرائهم فى الاجتماع ونظام الأمم مقارناً بينها وبين آراء أفلاطون والفارابى فى المدينة الفاضلة بشكل سريع ثم يشير إلى كتابه (أين الإنسان ؟ ).

ويكمل فى الجزء الأخير من المحاضرة الأولى بقية المقدمات تحت عنوان (البدء فى دراسة الحكمة )حيث يبدأ بعلم العدد وخواصه وعجائب جذره وتكعبه ،أى أنه كأسلافه السكندريين يبدأ التقليد الفلسفى بالرياضيات وهذا ما نجده أيضاً لدى الكندى أول فلاسفة العرب فى تصنيفه للعلوم كما لاحظ بحق أحمد فؤاد الأهوانى . يبدأ طنطاوى جوهرى بالحساب ثم بالهندسة ثم علم الموسيقى ،وقد خصص اسينون لكل علم من هذه العلوم التى تكون العلم الراضى محاضرة مستقلة ،إلا أن معالجة طنطاوى جوهرى تختلف كما يظهر بالتحديد فيما يتعلق بالموسيقى التى يناقش من خلالها قضايا عديدة متشابكة مختلفة : فالعلم كله موسيقى ،حتى جسم الإنسان ونظام أعضائه . ويدخل فى ذلك قضية أرشميدس ،ثم ينتقل بشكل مفاجئ له دلالته إلى حكم الأغانى فى الشريعة الإسلامية ،وما الحلال منها وما الواجب على الأمة الإسلامية ؟ . ثم يعرض للأوزان والمقامات الموسيقية المختلفة ،ويشير سريعاً إلى الأخلاق ثم المنطق وقضاياه التى سيتناولها فى محاضراته المقبلة ، وبهذا تنتهى المحاضرة الافتتاحية الأولى التى نحتاج إلى إيراد بعض الملاحظات المهمة حولها .

يلاحظ أولاً أن فهمه للفلسفة فهم واسع فضفاض غير مقيد بنسق أو باصطلاحات تاريخ الفلسفة كما تحددت بعد ذلك ،كما تظهر إلى حد ما فى محاضرات ماسينون الذى يقوم بتدريس الفلسفة فى نفس العام ولنفس الطلاب ، والذى نجد صدى لمحاضراته فى نفس موضوعات محاضرات طنطاوى جوهرى ،وقد كان ماسينون يبدو مهتماً أكثر بفكرة المصطلح الفلسفى وتطوره وهو اهتمام غائب عن طنطاوى جوهرى الذى يزداد اهتمامه بفكرة تقسيم العلوم ونفس الموضوعات التى يكاد يكررها حرفياً فى معظم المحاضرات .

يتجاوز فهم طنطاوى جوهرى للفلسفة مراحل تاريخ الفلسفة الذى يكاد يختفى تماماً ،ومن هنا نجد تقارب الآراء وكثرة فى المقارنات وهو مماثلات مستحيلة أدى إليها فهمه الفضفاض للفلسفة . والملاحظة الثالثة على هذا التقديم هى تركيزه على الجانب السياسى والاجتماعى وآراء أفلاطون والفارابى وفلاسفة الهند فى المدينة الفاضلة ،بالإضافة إلى اهتمامه بالإشارة إلى الفكر الشرقى القديم ، سواء فى الهند أو فى مصر ،وهو جانب لم يهتم بالإشارة إليه أى من محاضرى الجامعة المصرية القديمة .

وتبدأ المحاضرة التالية ببيان علاقة الحكمة بالعلوم الأخرى ،وهو لا يكتفى بإيراد آراء الفلاسفة القدماء فقط بل يستعين بأقوال المحدثين مثل أزفلد كوليه الألمانى ،وأبيات الشعراء ،وآيات القرآن ،وتسرى فى المحاضرة نغمة وعظيمة ،فالحكمة عنده تضم كل العلوم الأخرى ،فهى قائد والعلوم جنوده (ويا حسرة على المتعلم المحروم من الحكمة ).

ويرتبط بالوعظ تداخل بين المستوبيين الإبستمولوجى والأخلاقى رغم اختلاف مجال كل منهما ،إلا أمن الشيخ الحكيم بحكم توجهه الدينى الأساسى يربط بينهما ،يقول : (جربت العلم (= الفلسفة) فألفيته لا يسكن قلباً مسكنه الغرور )ورغم الأسلوب البلاغى الذى يقتضيه الحديث فى المحاضرة فإن النغمة الأخلاقية تعلو.

ثم أخذ يشرح لغوياً معنى [محاضرات الفلسفة العربية ] ،فشرح أولاً معنى المحاضرة ،ثم اتبعه بمعنى لفظه فلسفة ،ثم قضى بذكر حكمة العرب وفلسفتهم على سبيل التلميح ،وأتبع ذلك بذكر نموذج لتحققهم فى الفلسفة عشقاً لها وغراماً ،ثم أتبع ذلك بذكر حكماء العرب والعجم والمسلمين ليكون السلف قدوة للخلف .

ويقدم تعريفاً للمحاضرة مستمداً من مفتاح السعادة ومصباح السيادة ى العلوم . لفظه محاضرة معناها فى اللغة المجالدة وتطلق على المقالة على الحق الثابت للغير فيه ،والاصطلاح ملكة يقتدر بها على إيراد كلام للغير مناسب للمقام . ويوضح هذا التعريف الذى اختاره فهمه لمعنى المحاضرة وطريقته فى الدرس ،فهو – كما يتضح من نماذجه التى يعددها لنا – يفهم من المحاضرة ما جاء فى المصنفات الآتية : ربيع الأبرار ،التذكرة الحمدونية ،ريحانه الأدب – العقد الفريد – محاضرات الأدباء ومحاورات البلغاء والشعرات للراغب الأصبهانى (48)،والمحاضرات الأبرار ومسامرات للسيوطى ،ومحاضرات الأبرار ومسامرات الأخيار لابن عربى ،وتنعكس هذه النوعية من الكتابات فى أسلوبه ،فإذا كانت هذه النماذج تقوم على انتقاء (ضروب من المواعظ والآداب)فإننا نجد محاضراته تسير بنفس الطريقة .

ومثلما يعتمد المصادر الأدبية السابقة لتحديد فهمه لمعن المحاضرة يعتمد أزفلد كوليه [الترجمة الإنجليزية ] لتحديد المقصود بالفلسفة التى يفهمها فهماً خاصاً يتضح من استشهاده بعبارة شيشرون التى يقول فيها : (أيتها الفلسفة إنك نظام حياتنا وقوام أمرنا ،بك قامت الفضيلة ،وحسنت ووصرت الرذيلة وقبحت ،وأى معنى لوجودنا ،وأية فائدة لحياتنا إلا بك ،إن فيك السر المكنون لهما ،فأنك المقصد وأنت الغاية ). ثم يستشهد بأقوال (سيديو )صاحب خلاصة تاريخ العرب (49)الذى ترجمه على مبارك ،والأستاذ منور العالم الإنجليزى فى كتابه (تاريخ التربية )من أجل بيان فضل العرب وإنجازاتهم العلمية وما قدموه من اختراعات لبيان عشق العرب للعلم ودقتهم فى الحكمة وغرامهم بالفلسفة ،كما شهد بذلك الأستاذ بروان الإنجليزى الذى أكد على فضيلة البحث والتدقيق العلمى لدى الكتاب العرب ،ويعطى مثلاً لذلك بابن أبى أيبعة (الذى حاول تحقيق موت جالينوس ،فلم يطلق صبراً على تخليط المؤرخين ،ولم يأل جهداً حتى استوعب تواريخ قياصرة الروم قيصراً قيصراً ) (50).

ثم يعطى أمثلة مطولة تبين شوق فلاسفة العرب وحبهم للفلسفة والعلم . مثل ابن سينا الذى توصل إلى إنجازات طيبة فى كتابه القانون ما كانت تخطر على بال أحد ،ومثل فخر الدين الرازى الذى تتلمذ عليه السلاطين وحضروا مجالس علمه ،ويفيض فى إيراد قصص عديدة حول الفخر الرازى مشفوعة بأبيات من الشعر تحكى مواقف حياته وعلمه وكرمه . ثم يعرض للفارابى ويفترض اعتراضاً من طلابه بأن هؤلاء الذين ذكرهم من الأعاجم ورثوا العلم عن آبائهم . وذلك حتى يمهد السبيل لذكر الفلاسفة والعلماء العرب ،فيذكر الحسن ابن الهيثم وموفق عبد اللطيف البغدادى ،ويمهد للمحاضرة التالية – وهى من أهم المحاضرات كما يتضح من تمهيده ،لكننا للأسف لم نعثر عليها – باعتراض متخيل من طلابه بأن هذين وإن كانا عربيين ودرسا فى القاهرة بالجامع الأزهر فما هما بمصريين ،فهلا ذكرت لنا فلاسفة مصريين ،فهلا ذكرت لنا فلاسفة مصريين ،أليس لوطنك عليك حق ،والإنسان مغرم بوطنه عاشق لمآثر أجداده ). إلا أننا للأسف لم نتوصل إلى هذه المحاضرة بالذات وهى المحاضرة الثالثة من محاضراته ،أما الرابعة فهى حول تعريف الحكمة .

والحكمة علم يبحث عن حقائق الأشياء على ما هى عليه فى نفس الأمر بقدر الطاقة البشرية . وهى تنقسم إلى حكمة نظرية وحكمة علمية ،وكل منها ثلاثة أقسام ،ويفيض فى الحديث عن الحكمة العملية ،وهو فى الحقيقة غير مسبوق فى الاهتمام بهذه العلوم ؛حيث يتناولها بالتفصيل مستخدماً الاصطلاحات الأوربية الحديثة فى تعريف هذه العلوم ،وهى تتعلق إما بمصالح شخص وتعرف بتهذيب الأخلاق وعلم الأخلاق والحكمة الخلقية ويطلق عليها المتأخرون على الآداب والحكمة الأدبية . ويقال له بالإفرنجية :(مورال) morale  وفلسفة أدبية philosophie morale  .

وإما علم بمصالح جماعة متشاركة فى المنزل ،وإما علم بمصالح جماعة متشاركة فى المدينة ،ويسمى

 (تدبير المدينة )و (السياسة المدنية )وكلاهما يطلق عليه Economic(51)وقد يقال له بالإجمال : الحكمة التدبيرية ،وله أقسام يذكر منها : تدبير المنزل Economie Domestique  وحاصله انتظام أحوال الإنسان فى منزله ،والعرب قج أخذوا ذلك عن اليونان ؛لأن كلمة (إيكونوميا )معناها تدبير البيت أو قوانين البيت ،وكانوا يريدون بذلك تدبير أحوال العائلة وتنظيمها وما يتعلق بها . ويذكر الشيخ طنطاوى – مثلما يفعل مصنفو العلوم العربية القديمة – أحسن كتاب فى هذا المجال وهو كتال ترينوفون وأرسطو – دون أن يسمى هذه الكتب – ويضيف أن المتأخرين قد قرنوا مع هذه اللفظة (إيكونومى بولتيك )ومعناها الحقيقى (التدبير المدنى )،وقد سمى المتأخرون هذا العلم بالتوفير أو (الاقتصاد السياسى )،ثم يتناول (علم تدبير المدينة )أو التدبير المدنى أو السياسى أو السياسة المدنية Economie politique،وهذا الفن كما يقرر طنطاوى جوهرى محدث لم يكن اليونان يعرفونه على نحو ما يعرفه اليوم عموم الناس فى اصطلاح السياسة .

ويضيف أنواعاً أخرى للعلوم ،إلا إنه يقع فى التناقض حين يعرض العملية حين يخبرنا أنها علوم نظرية وهى التدبير الزراعى Economie Rualeوهو علم أحوال الزراعة ،وهو علم نظرى ،ومن هذا القبيل التدبير الحيوانى Economie Animale  وهو العلم بالقوانين التى يقوم بها تدبير المنزل .

ثم ينتقل إلى الحكمة النظرية – التى كان ينبغى عليه حسب تعريفه البدء بها – ويعرفها ،ويذكر أقسامها المختلفة : الإلهى والرياضى والطبيعى .

والعلم الإلهى – وهو ما لا يفتقر إلى المادة – قسمان : الأول الذى يتناول المبادئ العامة إلهياً ،والثانى علم كلى أو فلسفة أولى . أما حكمة الإشراق فهى من العلوم الفلسفية بمنزلة التصوف من العلوم الإسلامية ،كما أن الحكمة الطبيعية والإلهية منه بمنزلة الكلام .

وبعد إيضاح قصير فيه تحديد علاقة العلوم بعضها ببعض يذكر تصنيف حاجى خليفة ( كشف الظنون عن أسامى الكتب والفنون ) الذى يرى أن العلوم الفلسفية أربعة أنواع : رياضة ومنطقية وطبيعية وإلهية . ثم يعدد فروع هذه العلوم ،فالرياضة على أربعة أقسام ،الأول هو الأرنماطيقى ،وتحته : علم الحساب الهندسى وعلم الحساب القبطى والزيجى وعلم عقد الأصابع . والثانى هو الجومطريا (الهندسة) ،ومنه علم رفع الأثقال وعلم الحيل . والثالث علم الأسطرنوميا وهو علم النجوم وتحته :

علم الهيئة والميقات والزيج والأحكام والتحويل . والرابع هو علم الموسيقى ،وتحته علم الإيقاع والعروض . ثم يذكر العلوم المنطقية وأنواعها . وهو هنا أيضاً يتبع التقليد الهلنسيى الذى يبدأ بالرياضيات والذى يختلف عن التقليد اليونانى الأرسطى الذى يبدأ بالمنطقيات .

والنوع الثالث من العلوم هو العلوم الطبيعية وأنواعها ،وهى سبعة أنواع :

المبادئ ،السماء والعالم ،الكون والفساد ،حوادث الجو ،علم المعادن ،علم النبات ،وأخيراً علم الحيوان ،ويدخل فيه علم الطب وفروعه .

والنوع الرابع الإلهية ،وفيها كثير من الخلط فهو يذكر أنها خمسة أنواع ،الأول (علم الواجب وصفاته )وبالطبع فإن هذا العلم ليس علماً أرسطياً أو على الأقل فإن أرسطو لم يستخدم هذا المصطلح الذى نجده بكثرة لدى فلاسفة العرب خاصة الكندى والفارابى . والثانى علم الرحانيات ،والثالث العلوم النفسية والمقصود بها ليس الدراسات السيكولوجية الحديثة ولكن (معرفة النفوس المتحدة والأرواح السارية فى الأجسام الفلكية والطبيعية من الفلك المحيط إلى مركز الأرض )،والرابع هو علم السياسات ،ولا أدرى كيف يدرج هذا العلم فى إطار الإلهيات ،وتفاصيل هذا العلم تجعلنا نتساءل : كيف تكون سياسة النبوة وسياسة الملك ،وتحته الفلاحة وعلم البيطرة والبيزرة وسياسة الذات (الأخلاق ) – التى سبق أن أدراج بعضها فى الحكمة العملية – جزءاً من العلوم الإلهية ؟!

ثم يفيض فى الحديث عن المنطق معتمداً على كلام ابن سينا فى عيون الحكمة ،كما يعتمد على ابن خلدون ، ويعرض لتقسيمه للعلوم – كما يظهر فى الفصل السادس فى المقدمة – كما يعتمد عليه أيضاَ فى بيان الأمم التى عنيت بالحكمة ،وهى الفرس والروم والأمم القديمة ،ويبين انتقال علومهم إلى العربية وأن العرب لم يتقلبوا كل ما جاء من اليونان ،(وخالفوا كثيراً من آراء المعلم الأول واختصوا بالرد والقبول ودونوا ذلك فى الدواوين )… ويتحدث عن أو الترجمات من الفارسية واليونانية ودور عبد الله بن المقفع وخالد بن يزيد ابن معاوية ،ثم دور المأمون ومترجمى بيت الحكمة ببغداد ،ويعرض لنا صورة الفلسفة اليونانية كما عرفها العرب ،ويفصل الحديث فى كتب المنطقيات وأسمائها ومعانيها ومن نقلها إلى العربية ،وينتقل منها إلى الحديث عن الطبيعيات والإلهيات وأسمائها ومن نقلها ،وأسماء النقلة ،إلا أنه يخلط فى ذكر أسمائهم بين المترجمين والعلماء والفلاسفة حيث نجد أسماء : الفارابى ،والنسفى ،وأبى الحسن العامرى (52)،وابن سينا ضمن أسماء النقلو المترجمين .

وهو أحياناً يعرض لبعض القصص المتداولة فى الكتب القديمة بغية تصحيحها ،مثل قصة حرق ابن سينا لخزانة كتب المسعود حتى لا يستفيد أحد منها خاصة كتب الفارابى ،وفساد هذا الرأى واضح ؛فابن سينا نفسه يعترف بفضل الفارابى عليه .

ويميز بين علوم الفلسفة كما عرفها العرب عن اليونان وبين علم الكلام ،كما يميز بينها وبين التصوف (إن الإسلاميين لما رأوا فى العلوم الحكمية ما يخالف الشرع الشريف صنفوا فنا للعقائد اشتهر بعلم الكلام ).

وينتقد الشيخ وهو محق ظاهرة تفشت فى الفكر الإسلامى المتأخر وهى استخدام الحواشى والشروح والابتعاد عن الأصول (إن بعض المحققين أخذ طرفاً من كتب الشيخ (يقصد ابن سينا ) كالشفاء والإشارات وعيون الحكمة وغيرها وجعل له مقدمة ومدخلاً …

فصار قصارى هم أهل زماننا الاكتفاء بشئ من قراءة الهداية (لأثير الدين الأبهرى )… ولو تجرد بعض المشتغلين وسعى إلى مذاكرة حكمة العين لكان ذلك أقصى الغاية فيما بينهم ).

ثم يعود بعد هذه الانعطافة الطويلة ليعرض للطبيعيات ،وذلك من خلال كتي ابن سينا خاصة (النجاة )التى يتناولها بالتحليل مقالة ،ثم يشير إلى عدم وجود نسخ كاملة من كتاب (الشفاء )فى الديار المصرية .

ويعرض للكتب الإسلامية المقصود بها جعل الفلسفة توحيداً إسلامياً أى كتب علم الكلام . وهى (المقاصد فى علم الكلام )للإمام السعد وهو ستة مقاصد ،و (المواقف )للعلامة الآيجى وهو ستة مواقف ؛لينهى بذلك المحاضرة الرابعة فى تعريف الحكمة وعلومها المختلفة .

وتأتى المحاضرة الخامسة لتكتمل ما سبق ؛حيث يتناول (حصر العلوم )وتعريف أهمها وتبيان أجزائها ). وهى لا تضيف جديداً بالنسبة لما سبق وإن كانت تعرض له بطريقة أخرى فهو يقسم العلم إلى : مقصود لذاته وغير مقصود لذاته ،الأول هو العلوم الحكمية نظرية وعملية ،أما الثانى فهو آلة لغيره ؛فإما للمعانى وهو علم المنطق ،وإما لما يتوصل به إلى المعانى من اللفظ والحظ وهو علم الأدب . ويضرب صفحاً عن علوم الأدب فإنها معلوم يتناول المنطق ،وهو علم يتعلم منه ضروب الانتقالات من أمور حاصلة من ذهن الإنسان إلى علوم مستأصلة به وأحوال تلك الأمور وأضاف ترتيب الانتقال فيه .

ورتبه أرسطو على تسعة أجزاء يذكرها بالتفصيل ،ورغم أنه قد سبق أن عرض لها من قبل .

ثم يعرض للعلم الإلهى وأجزائه وللعلم الطبيعى الذى وضعه أرسطو ورتبه على ثمانية أجزاء . وبعد تناولها بالتفصيل يشير إلى هذه الأنواع الثمانية التى تقرأ عادة فى علم الفلسفة ،وقد وجب تدريسها فى الجامعة جرياً على ناموس المتقدمين ،فليس بعالم بالعلم الطبيعى من أغفل فنا من هذه الفنون الثمانية ،أما فروعها فهى لا تدرس فى هذا الفن بل تجعل علوماً مستقلة ،وهى :

علم الطب ،علم البيطرة والبيزرة ،علم الفراسة ،علم تفسير الرؤيا ،وعلم أحكام النجوم ،وعلم السحر ،وعلم الطلسمات ،وعلم السيمياء ،وعلم الكمياء ،وعلم الفلاحة ،ويعرض بالتفصيل لكل منها .

ويتناول بعد ذلك العلوم الرياضية الأربعة : الأرثماطيقى ،والهندسة ،والأسترونوميا ،والموسيقى ،ثم يذكر فروع هذه العلوم بالتفصيل على عكس ما يفعل فى نهاية هذه المحاضرة حين يذكر فقط أسماء العلوم العملية ولا يزيد .

ويخصص المحاضرة السادسة للموسيقى العربية ،ويقوم بتكرار ما سبق أن تحدث عنه من تعريف للحكمة وبيان لأقسامها حتى يصل إلى الموسيقى ،وبعد مقدمة إنشائية فى جمال الطبيعة يتحدث عن الفلسفة ويذكر أقسامها ،ويتوقف عند علم الموسيقى ؛وهو علم له أجزاء :

النغمات وأطوالها ،الإيقاع وهو اعتبار زمن الصوت ،بيان تأليف الألحان وبيان الملائم منها ،وأخيراً إيجاد الآلات الموسيقية وتقديرها . ويبين أن فن الموسيقى عند فلاسفة الإسلام هو معرفة النسب وكيفية التأليف اللتان بهما وبمعرفتهما تكون الخدمة فى الصنائع كلها ومنها صنعة الغناء . ويعدد أنواع الألحان المختلفة ، فمنها المحزنة وأخرى تكسب النفوس الشجاعة والإقدام …

فصناعة الموسيقى تستعملها كل الأمم وتستلذها جميع الحيوانات ،والنغمات لها تأثير فى النفوس الروحانية .

ويربط طنطاوى جوهرى بين الموسيقى والغناء رغم أن المقصود بالموسيقى هنا الموسيقى الخالصة ،ولا يجوز الخلط بينهما ؛ولهذا السبب يتناول العروض والقوافى ،وهى أدخل فى علوم الأدب منها إلى الموسيقى كعلم من العلوم الرياضية ،ويدخل فى تفصيلات لا متناهية فى العروض وقوانين الغناء ،ثم يتحدث عن مركبات الأغانى العربية الثقيل الأول وخفيفه ،والثقل الثانى ،والرمل والهزج مستعيناً بالأشعار ،عارضاً ما قال به الغزالى فى الأغانى وتحليلها وتحريمها فى (الأحياء )الذى أطلق إباحتها ،وأفاد أن تحريمها لا يكون إلا لعارض . ويذكر آراء أفلاطون وفنلون الفرنسى ،وأحوال الأمة المصرية .

وكلها تسعى إلى ربط الغناء والفن عامة بالفضيلة . ثم بعد ذلك يتناول الموسيقى فى الشعر العربى وينتقل منها إلى النسب الموسيقى فى الخط العربى ،وأخيراً يأتى بنوادر وأقوال الفلاسفة فى الموسيقى .

ويفيض فى المحاضرة السابعة (فى ملخص علم الطبيعة )فى الحديث عن الطبيعة والعلم الطبيعى ،ويظهر فيها مدى اهتمامه وشغفه بالعلم ،فهو يتناول مفهوم علم الطبيعة وتعريفه وموضوعاته الملية أكثر من تناوله للحكمة الطبيعية (إن علم الطبيعة فى هذه العصور مختص ببعض خواص الجسم العامة والخاصة )ويفيض علماء الفيزياء فى القول فى قوتى الجذب والدفع بين الدقائق ،ويصفون الجاذبية العامة وجاذبية الثقل والأجسام الساقطة ومركز الثقل ورقاص الساعة ،ويبحثون فى الحركة وما تفرع على ذلك من الميكانيكا ،ثم يبحثون عن السوائل ثم الهواء وصفاته ودرجاته ،ثم الصوت وانتقاله وانكسار الصوت وانعكاسه ،ثم الإبصار والحرارة وماهيتها وتغييرها ،والآلات البخارية والظواهر الحيوية ثم الكهربائية والمعناطسية .

ويعود مرة ثانية إلى (تقسيم الحكمة )فى المحاضرة الثامنة ،ويتناول بالتفصيل فى نهايتها العلوم النفسية والعقلية ،ويعدد داخلها عشرة علوم هى أقرب إلى الموضوعات مثل :

– المبادئ العقلية على رأى فيثاغورس والغرض من أنواع الموجودات كالأعداد .

– المبادئ العقلية على رأى حكماء الإسلام فى البحث عن علة الأشياء وأسباب الكائنات .

– أن العالم كله إنسان كبير ذو نفس وروح .

– فى العقل والمعقول ،والعقل الهيولانى والعقل بالقوة والعقل بالفعل والعقل المستفاد والعقل الفعال .

– اختلاف القرون والأمصار والزمان والدهور والغرض بيان ترتيب العالم وظهوره .

– ماهية العشق ومحبة النفوس ونزوعها وتشوقها إلى الاتحاد .

– ماهية البعث وأقوال العلماء فيه .

– كمية أجناس الحركات ومبادئها وغايتها وكيفية حركة الطبائع .

– العلل والمعلولات وكيفية رجوع أواخرها على أوائلها .

– الحدود والرسوم ومعرفة حقائق الأشياء وماهيتها وأجناسها وأنواعها المركبة والبسيطة والعلوم النانوسية العامة .

ثم يفيض فى المحاضرة التاسعة فى الحديث عن المقولات العشر ،وينتقل فى المحاضرة العاشرة من المنطق ليتحدث عن المحسوسات ،وهى صورة من المعقولات فيذكر الجوهر وصفاته المختلفة التى تحس من :

ملموسات ومذوقات ومشمومات ومسموعات ومبصرات (الكيفيات المحسومة ) وهذه الكيفيات منها الوضع والكم المتصل الذى هو الأبعاد الثلاثة ،وهناك كم منفصل قار هو الأعداد ،وكم منفصل ليس بقار هو الزمان .

وكما يبحث فى الطبيعيات كلها عن جميع الظواهر ،يلاحظ فى عالم التاريخ المتى ،وفى الجغرافيا الأين ،وفى علم تمييز الجمال (الاستطيقا ) الوضع ،وفى الصنائع كلها والحروب والتعاليم الفعل ،وفى المواد السائلة والمسبوكات والمصنوعات والمحكومين والمسجونين الانفعال … فهذه عشر مقولات وهى :

الجوهر والكيف والكم والإضافة والفعل والانفعال والمتى والأين والوضع . إنما قصد الفلاسفة بها معرفة هذه المادة وصفاتها بطريق الحصر الوجودى ،فالحواس تتعلق بالكيفيات المحسوسات .

ويعرض فى المحاضرة الحادية عشرة – وهى آخر ما عثرنا عليه من محاضراته فى الفلسفة قبل أن يتطرق للأخلاق ،وإن كانت فى الحقيقة ليست نهاية المحاضرات حيث يبدو ،بل من الضرورى ،أن تكون لها بقية . فالكلام لم يكتمل – يعرض فى هذه المحاضرة التى لم يضع لها عنواناً لعدة موضوعات هى : العالم المحسوس الجثمانى أو عالم العناصر المشاهدة ،ثم عالم التكوين والتقاء العالمين . ثم الحواس الإنسانية ووظائفها والنفوس البشرية ،وأصنافها ،والقوى الإدراكية للنفس البشرية والانتقال من البشرية إلى الملائكية والروحانية والوحى بالنسبة للنبى ،والفرق بين الوحى والكهانة .

يقول فى بداية المحاضرة : (اعلم – أرشدنا الله وإياك – أننا نشاهد هذا العالم بما فيه من المخلوقات كلها على هيئة من الترتيب والإحكام وربط الأسباب بالمسببات واتصال الأكوان واستمالة بعض الموجودات إلى بعض .. فالعالم المحسوس الجثمانى أولاً عالم العناصر المشاهدة ،ترى كيف تدرج صاعداً من الأرض إلى الماء ثم إلى الهواء ثم إلى النار متصلاً بعضها ببعض ،وكل مستعد إلى أن يستحيل إلى ما يليه صاعداً أو هابطاً .. والصاعد منها ألطف مما قبله إلى أن ينتهى إلى عالم الأفلاك وهو ألطف من الكل .. )يتحدث الشيخ الحكيم عن عالم الأفلاك أو الصعود من عالمنا الحسى ،عالم العناصر الأربعة إلى(عالم ما فوق فلك القمر >كما يسميه أرسطو ،ولكن دون أن يذكر الاسم مكتفياً بعالم الأفلاك .

ويبدو أنه يقترب من نظرية الفيض لكن دون أن يذكرها ،فالعبارة التالية مباشرة من حديثه توحى بذلك ، يضيف : (إن عالم الأفلاك على طبقات اتصل بعضها ببعض على هيئة لا يدرك الحس منها إلا الحركات فقط ،وبها يهتدى بعضهم إلى معرفة مقاديرها وأوضاعها وما بعد ذلك وجود الذوات التى لها هذه الآثار ).

ولا يتضح هذا التفسير لكلام جوهرى إلا بعرض حديثه عن (عالم التكوين )،ورغم أن مصطلح عالم التكوين أقرب إلى الدين منه إلى الفلسفة فهو يعنى مصطلح ما تحت فلك القمر يقول : (انظر إلى عالم التكوين كيف ابتدأ من المعادن ثم النبات ثم الحيوان (تجدها ) على هيئة بديعة من التدرج ،آخر أفق المعادن متصل بأول أفق النبات مثل الحشائش وما لا بذر له ،وآخر أفق النبات مثل النخل والكرم متصل بأول أفق الحيوان مثل الحلزون والصدف ،ومعنى الاتصال فى هذه المكونات أن آخر أفق منها مستعد أن يصير أول أفق للذى بعده ،وعالم الحيوان وإن تعددت أنواعه وانتهى فى تدرج التكوين إلى الإنسان صاحب الفكر والرؤية ،يعرض جوهرى هنا لتطور الكائنات وإن لم يستخدم المصطلح فى المحاضرات ،لكنه استخدمه فى مقالة مهمة ظهرت فى العدد 343 من جريدة (مصر الفتاة )فى 15 نوفمبر 1909م بعنوان (مذهب دارون عند العرب )أعاد نشره د . عبد العزيز جادو فى كتابه عن الشيخ وهو يكرر فيه ما صرح به هنا فى المحاضرات من اتصال الكائنات ،وأن العرب اقتربوا من نظرية التطور كما جاءت لدى الإنجليزى دارون .

ويتناول حواس الإنسان ووظائفها ،الحواس الداخلية والحس المشترك والنفس الإنسانية وأنها على ثلاثة أصناف :

1- صنف عاجز بالطبع عن الوصول إلى الإدراك الروحانى فينقطع بالحركة إلى الجهة السلفى نحو المدارك الحسية والخيالية وتركيب المعانى الحافظة الواهمة على قوانين محصورة وترتيب خاص … وهو متوجه لإدراك الأوليات .

2- صنف متوجه بتلك الحركة الفكرية نحو العقل الروحانى والإدراك الذى لا يفتقر إلى الآلات البدنية بما جعل فيه من الاستعداد لذلك ،فيتسع نطاق إدراكه عن الأوليات .. ويسرح فى فضاء المشاهدات الباطنية ، وهى وجدان كلها … وهذه مدارك العلماء الأولياء أهل العلوم اللدنية والمعارف الربانية .

3- وصنف مفطور على الانسلاخ من البشرية جملة إلى الملائكية ؛ليصير فى لمحة من اللمحات ملكاً بالفعل ويحصل له شهود الملأ الأعلى وسماع الكلام النفسانى والخطاب الإلهى فى تلك اللمحة ،وهؤلاء هم الأنبياء .. وتلك اللمحة هى حال الوحى .

ويفيض فى بيان الوحى وحالاته (فتارة يسمع دوياً وكأنه رمز من الكلام يأخذ منه المعنى الذى ألقى فلا ينقضى الدوى إلا وقد وعاه وفهمه ،وتارة يتمثل له الملك الذى يلقى إليه رجلاً فيكلمه ويعى ما يقول ،والتقى من الملك والرجوع إلى المدارك البشرية وفهمه ما ألقى عليه وكأنه فى لحظة واحدة بل أقرب من لمح البصر لأنه ليس فى زمان … هذا محصل أمر النبوة ،وأما الكهانة فهى أيضاً من نواحى النفس الإنسانية ؛وذلك أنه قد تقدم لنا فى جميع ما مر أن للنفس الإنسانية استعداداً للانسلاخ من البشرية إلى الروحانية ،وأنه يحصل من ذلك لمحة للبشر فى صنف الأنبياء بما فطروا عليه من ذلك ،وتقرر أنه يحصل من غير اكتساب ولا استعانة بشئ من المدارك ولا من التصورات ولا من الأفعال البدنية كلاماً أو حركة ولا بأمر من الأمور ،إنما هو انسلاخ من البشرية إلى الملائكية ).

والسؤال الآن هل تنتهى محاضرات (الفلسفة العربية )بهذه المحاضرة ؟ وهل هى فقط إحدى عشرة محاضرة ؟ ليس لدينا من إجابة سوى ما وجدناه بأعداد جريدة (الشعب )القديمة . هل هناك أعداد مفقودة من الجريدة ؟ أسئلة لا نجد إجابة عنها إلا من أحد أفراد جيل طنطاوى أو تلاميذه أو أبنائه .

هذا عن الجزء الأول المتعلق بالفلسفة العربية ،والجزء الثانى يتعلق بالأخلاق ويتناول فيه (آراء العلماء فى السعادة ). ولا نجد فى هذا الجزء الثانى أية نظرية متكاملة فى الأخلاق تقدم لنا ما يتعلق بها ،ولا حتى عرضاً لأقوال وآراء ونظريات الفلاسفة اليونان أو المسلمين ،فما قدمه أقرب إلى الخواطر الإنسانية والمواعظ العامة ،لقد كان فى إمكانه أن يستفيد من تصنفيه وتقسيمه لعلوم الحكمة بحيث يتوسع فى الحديث عن الأخلاق باعتبارها إحدى العلوم العلمية كما توسع فى تدبير المنزل وسياسة المدنية إلا إنه لم يفعل .

يشير طنطاوى جوهرى إلى أن كل حى يسعى لسعادته ،ولن نرى رجلاً أو امرأة ،ملكاً أو صعلوكاً أو جاهلاً إلا وهو للسعادة طالب ولراحة نفسه من الألم ساع مجاهد . بل إن الحيوان يشارك الإنسان مسعاه نحو السعادة وهى قسمان : وقتية ودائمة ،الأولى أقرب ما تكون إلى الوسيلة ،بينما الثانية غاية فى ذاتها ،والسعادة الدائمة بصفاء النفس والقناعة والصبر والرضا والشجاعة والحكمة ،وبالجملة سائر صفات الجمال من الأخلاق الفاضلة .

ويمكن تقسيمها إلى ثلاثة أقسام : السعادة البسيطة ،والسعادة المركبة ،والسعادة العامة . والسعادة العامة هى ما قرره العالم (جون لوبك )ويقصد بها طنطاوى جوهرى أن يقابل الإنسان العالم والأشياء بأحسن وجهيها .

والسعادة المركبة هى التى ذكرها حجة الإسلام فى (الإحياء )وحاصلها يرجع إلى أربعة أركان : النفس والجسد والمال والأصحاب ،فالأصحاب هم الأعوان فى الشدائد والمواسون فى النوائب ،وهؤلاء يصلحهم المال (الركن الثالث ) فلينفق منه على النفس والأهل والأغنياء ليساعدوه والفقراء ليدعوا له .

(والركن الثانى ) وهو الصحة فى البدن وقوته ،ولا تكتمل هذه كلها إلا بالركن الأول . وفى السعادة البسيطة يعرض رأى قابس أو ما عرف عند العرب بلغز قابس ،ويفيض فى بيان مغزى هذا اللغز . وتكاد تكون المحاضرة كلها للصور البيانية والتشبيهات والرموز التى يحتوى عليها والتى تدل على السعادة والشقاء فى الشهوة وحب المال وغيرها .

ويتوقف فى محاضرات الأخلاق عند هذا الحد ،ولا ندرى إن كان لها بقية أم لا ؟ إن هذه المحاضرات تحتوى على أجزاء لا زالت مجهولة ،وقد يفيد الكشف عنها يوماً فة بيان الصورة الصحيحة للدرس الفلسفى عند طنطاوى جوهرى . إلا أنها وبصورتها الحالية تلقى ضوءاً مهماً على هذا الدرس . ولن نعيد ما قدمناه من تعليقات عليها أثناء تحليلنا لها ،إلا أننا سوف نتوقف عند سمات مهمة تميز تفكير طنطاوى جوهرى وكتابته تتضح فى هذه المحاضرات وهى :

أولاً : تمثل المحاضرات صورة مبكرة من صور التعرف أو أعادة التعرف على الفلسفة العربية فى بداية القرن بعد محاولة سلطان محمد الذى قام بتدريس هذه المحاضرات فى العام السابق ،وإن كانت محاضرات طنطاوى جوهرى نضجاً بمعنى أنها تحتوى على قدر من فهم المشكلات الفلسفية والمصطلح الفلسفى لا نجده عند سلطان محمد .

ثانياً : تكاد تفعل المحاضرات تماماً عن الإحساس بتاريخ الفلسفة ،وبالتالى أى تحديد دقيق للمشكلات الفلسفية التى أثيرت فى كل عصر من عصور الفلسفة أو كل مرحلة من مراحل تاريخها .
ثالثاً : الخلط بين مفهوم الفلسفة ومفهوم العلم ،فأصبحت الفلسفة هى علم الحكمة مع فهم العلم بأنه علم الفيزياء وأصبح هدف المحاضرات هو تعريف الحكمة وتقسيم العلوم المختلفة التى تندرج فى إطارها .

رابعاً : التكرار المستمر فى ذكر العلوم وأقسامها الرئيسية والفرعية مع الاستطراد فى أشياء ثانوية لا تندرج مباشرة ولا تخدم هدف المحاضر ،انطلاقاً من فهمه لمعنى المحاضرة ،ومن هنا يذكر أشياء كثيرة حول حياة فلان ،وما يحكى عن كرمه أو زهده أو حبه للعلم أو إجلال السلاطين له .

خامساً : التغافل المقصود عما كان يدرس قلبه أو معه فى نفس الفترة فى الجامعة ،فليس هناك أدنى إشارة إلى محاضرات نلينو فى (علم الفلك وتاريخه عند العرب )ولا محاضرات سنتلانا أو سلطان محمد اللذين سبقاه ولا ماسينون الذى عاصره ،رغم وجود إشارات توضح استفادته من الأخير .

سادساً : عدم وجود خطة أو تصور محدد لمفهوم الفلسفة العربية سوى ذكرى مقتطفات من أقوال الأوائل مع الإشارة لفضلهم تشجيعاً للخلف أن يحتذى بهم مع علو النغمة الحماسية والوعظية .

سابعاً : المكانة التاريخية التى تحتلها هذه المحاضرة باعتبارها امتداداً للفلسفة العربية القديمة فى العصر الحديث ،تؤصل وتجدد ما يدرس فى الأزهر ودار العلوم فى الجامعة المصرية الوليدة من أستاذ مصرى .

طنطاوى جوهرى والثقافة الفلسفية

يهمنا فى هذه الفقرة كى نصل إلى معرفة موقف طنطاوى جوهرى من تاريخ الفلسفة ومراحلها المختلفة ومدى تعمقه فى الثقافة الفلسفية وإلمامه بالمشكلات وتفصيلاتها والمصطلحات وتطورها أن نطرح سؤالاً أولياً وهو :

ما المصادر الفلسفية التى استقى الشيخ ثقافته الفلسفية ؟ وعما تعبر هذه الثقافة ؟ وإلى أى مدى وصلت معرفته بها كما تعبر عنها كتاباته الفلسفية ؟

لقد درس الشيخ طنطاوى أولاً بالأزهر ثم درس العلوم الحديثة بدار العلوم . فلنا أن نتوقع دراسته للعلوم الأزهرية مثل : أصول الدين (= علم الكلام ) وبعض الشروح والحواشى المنطقية السائدة مع العلوم الدينية المختلفة من قرآن وحديث وتفسير بالإضافة لما تعمله فى دار العلوم . إلا أن هناك مصدراً آخر استمد منه الشيخ تكوينه العلمى ،هو القراءة الحرة المستمرة والتى تمثلت فى المخطوطات القديمة بالكتبخانة الخديوية من جهة والترجمات التى قام بها بعض المتنورين العرب لكلاسكيات الكتب الغربية مثل   : ترجمات أحمد فتحى زغلول لكتب بنتام وجوستاف لوبون التى اطلع عليها كما نستنتج من دراسته (أمراضنا الاجتماعية )التى نشرها بالعددين 64 ،65 بنشرة الاقتصادية المصرية .

ويتضح إلمامه بكتب الفلسفة الإسلامية وعلم الكلام والتصوف من شهادة المستشرقة الروسية مدام ليديف التى قرأ معها الأسفار الأربعة للشيرازى والإشارات لابن سينا وكتب الفارابى وابن عربى والرسالة القشيرية وغيرها .

وتعبر حصيلة طنطاوى جوهرى الفلسفية عما وصلت إليه صورة الفلسفة لدى واحد من المثقفين المصريين فى العقود الأولى من القرن . ويمكن فى هذا المجال أن نتذكر جهد محمد عبده خاصة فى رسالة التوحيد ، وسوف نجد أن الأخير اهتم اهتماماً متعمقاً بأحد العلوم الإسلامية وقدم فيه علمه المهم ،بينما ظل طنطاوى جوهرى باقياً على إخلاصه لفهمه للفلسفة باعتبارها حب الحكمة و حب الطاقة البشرية . وهنا نتساءل عن نتاجه الفلسفى كما يظهر فى كتبه التى نعرفها ،وقد أشرنا – فيما سبق – إلى كتاباته الفلسفية وهى :

(رسالة الحكمة والحكماء )،(أصل العالم )،(مباحث فلسفية فى الجغرافيا الطبيعية )،(محاضرات فى الموسيقى العربية )بالإضافة إلى محاضراته فى الجامعة الأهلية ودراساته عن (الفلسفة العربية ) ،و (مذهب دارون عند العرب )،و (السفسطائية )،و (الفلسفة عند العرب )،(بالإضافة إلى دراستين أساسيتين هما : (أحلام فى السياسة وكيف يتحقق السلام العام )و (أين الإنسان ؟ )وغيرها .

والسؤال هو ماذا يا ترى كانت صورة الفلسفة عند طنطاوى جوهرى فى سياق هذا النتاج الذى قدمه لنا فى الفلسفة العربية أولاً ثم صورة الفلسفة الغربية الحديثة كما ظهرت فة مؤلفاته وترجمته لكتاب كانط فى التربية ثانياً ؟ لقد تناولنا محاضرات الشيخ الحكيم فى الجامعة الأهلية التى عرض فيها لتعريف الحكمة وأقسامها ، والمصادر التى استقى منها مادته العلمية ،وهذه المصادر لم تكن عربية فقط ،بل وجدناه يشير إلى كتب مترجمة وكتب أروبية – إنجليزية خاصة – وقد حرص فى أحيان كثيرة على أن يضع المصطلح الأوربى إلى جوار المصطلح العربى ،بالإضافة إلى الإشارة الدائمة للفلاسفة والمؤلفين الأوربين . فهو يقارن تقسيم العرب للعلوم بتقسيم بيكون ويذكر كلاً من شيشرون وسنيكا مع الغزالى ،كما يتناول فتلون والكونت دى سيجر إلى جوار طاليس وديمقريطس . ويستخدم مؤلفات : أزفلد كوليه (المدخل إلى الفلسفة )وسيديو

( خلاصة تاريخ العرب )مع استخدامه لمؤلفات : ابن خلدون (المقدمة )وحاجى خليفة (مفتاح السعادة ومصباح السيادة فى موضوعات العلوم ).

وتظهر نزعته الفلسفية فى رسالته القصيرة (أصل العالم )وهى – كما يذكر – مباحث فى الجغرافيا الطبيعية وهى رد على رسالة أرسلت إليه يستفسر صاحبها عن أصل العالم .

ويحدد الشيخ إجابته فى ميدان (علم ما وراء الطبيعة )وهو فن عزيز المطلب صعب المنال لا يشد إليه الرحال إلا الإقلون . ويعرف هذا العلم بأنه العلم الباحث فى الأمور العامة ،وهى لا تخص علماً طبيعياً ولا رياضياً … ومن أهم المسائل فى علم ما وراء الطبيعة أصل العالم وتكوينه وكيف كان مبدؤه ،وقد بحث فى الإنسان فى أقدم عصوره وأبعد دهوره ومن أول نشأته فى هذا الوجود .

وهو فى إجابته يعطينا صورة صادقة عن ثقافته العلمية والفلسفية ،فهو يستشهد بشرح بخنر الألمانى لمذهب دارون ،وبعرض لأدوار الفلسفة والرأى السائد الآن فى أصل العالم ،ويذكر كلاً من :

ابند وقليس ،ولابلاس وديمقريطس وطاليس وأبقور وانكيمانس وبقية الفلاسفة اليونان : سقراط وأفلاطون و
أرسطو وانكاجوارس وبروتاجوراس وفيثاغورس ،كما يذكر المدارس :

الرواقية والسفسطائية وغيرها ، مما يدل على فهم متكامل للفلسفة اليونانية .

ونفس الأمر نجده فى (محاضرات فى الموسيقى العربية )وكذلك فى رسالته (الحكمة والحكماء )حيث يعرض لأقسام الحكمة (اهتمامات الفلاسفة ) ، فمنهم من ولع بجمال هذا العالم ،فبحث عن الأفلاك والكواكب والعناصر كطاليس اليونانى وفيثاغورس ،ومنهم من لم يعن إلا بنظام الأمة وحكومتها وتهذيب النفس وحسن الخلق كسولون ،ومنهم من آثر تهذيب النفس ولم يعبأ بالعالم والطبائع كديوجينس الكلبى … ومنهم من جمع بين الأمرين كابن سينا والفارابى وابن رشيد وأضرابهم ،فأولئك هم قواد الأمم حقيقية … ويشير إلى الفلاسفة والعلماء الغربيين الذين قلبوا النظام العلمى فى ديارهم مثل بيكون ولوثر وسبنسر ودارون وغيرهم .

وتتجلى ثقافته الفلسفية فى توظيفه لأفكار الفلاسفة والاستعانة بها فى كتاباته الخاصة ،يظهر ذلك بأدق صورة فى كتابه (أين الإنسان ؟) حيث نجد مصطلح الفلسفة عنواناً لعديد من الفصول : الفصل السادس أنواع الحكومات والفلاسفة ،والتاسع :

الفلسفة العتيقة والفلسفة الجديدة ،والعاشر المنطق والأخلاق والسياسة ،وفى الفصل الثانى يستشهد بأقوال كانط فى التربية . وفى السادس يعرض آراء أرسطو واسبنسر ودارون وينتقدها ،ويبين فى الفصل التاسع أن نظرية التطور والبقاء للأصلاح لا ترجع إلى دارون فقط بل إلى إبيقور أيضاً ،ويخيرنا فى الفصل الثانى عشر (إن بعض العلماء هم الذين اهتموا بالمشكلة السياسية وحاولوا إقرار السلام بين البشر ،ويذكر من هؤلاء هربرت سبنسر الإنجليزى والفاضل اللورد ايفبرى والعلامة ماركس الإلمانى والمستشرق المدام ليديف (جلنار الروسية ) وكانط الإلمانى . كما يذكر من العلماء اسحق نيوتن فى الفلك وداروين فى الفلسفة واسنبسر الإنجليزى ،وفلامريون الفرنسى الذى اكتشف جيولوجيا طبقات الأرض ،والاشتراكيون وأديسون الأمريكى .

كما يشكر إلى القطب الشيرازى والأسفار الأربعة . ويتوقف عند لغز قابس ومعناه الأخلاقى .

ونجد نفس الموقف فى (أحلام فى السياسة والسلام العام )وهى كما يشير فى المقدمة (مباحث فى الحكمة والفلسفة والعلوم العقلية والدينية )ويشير إلى مراجعه التى تحتوى على عدد من المراجع العلمية الإنجليزية  ويتجاوز فى هذه الكتابات الفلاسفة العرب واليونان والأوربيون المحدثين .  

لقد اطلع الشيخ على بعض الكتب الفلسفية الإنجليزية أو الترجمة إليها مثل كتاب أزفلد كوليه (المدخل إلى الفلسفة )وكتاب (التربية )لكانط الذى ترجمته السيدة أنت تشرتون إلى الإنجليزية ونقلها الشيخ إلى العربية ،وتحتاج هذه الترجمة المبكرة لأحد كتب كانط إلى إشارة خاصة وأن كانط قد عرف فى العربية من قبل هذا التاريخ من خلال محاضرات ماسينون والكونت دى جلارزا والمقاولات التى نشرت بالمجلات المصرية . حيث نشر العقاد مقالين عن كانط عام 1924 م ،وقد تأثر بهما أستاذ الفلسفة بالجامعة المصرية الدكتور عثمان أمين كما يشير إلى ذلك فى كتابه (الجوانية )،وكتب إبراهيم حداد فى المجلد الرابع عشر من مجلة العصور فى أكتوبر 1928م عن (إيمانويل كانط : أعظم فلاسفة القرن الثامن عشر )كما نشر حنا خباز فصلاً مهماً عن كانط فى كتابه عن (فلاسفة الأدهار ). 

إلا أن أهمية ترجمة طنطاوى جوهرى لكتاب كانط فى التربية ترجع إلى أنها وضعت بين يدى الباحثين مادة مهمة لموضوع كثر الجدل فيه يهم الأسرة والمربى والمعلمين ،وقد توالت الأبحاث حول التربية عند كانط فكتبت حسن كامل عن (هيلفتيوس وكانط وأثرهما فى التربية )فى المجلد 88 بالمقتطف . كما أثار د . محمد فتحى الشنيطى فى الكتاب التذكارى عن عثمان أمين (خواطر كانط فى التربية )ودرس عبد الرحمن بدوى (فلسفة الدين والتربية عند كانط )1980م وأخيراً د . سهام محمود العراقى تناولت

(فلسفة كانط فى التربية )1984م .

لقد طلبت مجلة النهضة النسائية من الشيخ الحكيم أن يكتب عده مقالات بها . ويخبرنا أنه لم يجد (موضوعاً أشرف ولا أجل ولا أكمل من موضوع يفضل تربية الطفل فى مهده ويصلحه فى طفولته ويصلقه فى شبابه ويسعده فى نشوئه ويزيده كمالاً وجمالاً فى سائر أيام حياته ،ولم يجد أكمل من كتاب ألفه الفيلسوف الألمانى كانط ).

ويهدف الشيخ من الترجمة إلى بيان فائدته العلمية فى تربية النشئ وتعليم المربين كيفية التربية . والعمل فى الحقيقة ليس ترجمة حرفية كاملة للكتاب ،بل هو أقرب إلى التلخيص منه إلى الترجمة .

ولا نهدف من هذه الإشارة إلى عرض الكتاب أو تلخيص التلخيص ،فقط نشير إلى كونه محاولة مبكرة فى نقل أحد النصوص الفلسفية ،وهى محاولة يمكن مقارنتها بجهد محمود الخضيرى الذى نقل واحداً من أهم كتب ديكارت على الإطلاق وهو (المقال فى المنهج )وهى ترجمة أساسية مزودة بتعليقات وشروح ودراسة نقدية وافية عن مؤسس الفلسفة الحديثة اعتماداً على أمهات المراجع الغربية ،وقد صدرت قبل صدور ترجمة طنطاوى جوهرى لكانط ،وبمقارنة العملين يظهر اختلاف الغرض حيث اهتمام الشيخ الخضيرى اهتمام على معرفى موثق يخاطب المتخصصين قبل مخاطبته للمثقف العام ،يقدم منهجاً فى الترجمة من أجل خدمة وفهم التراث الفلسفى العربى بإحياء مصطلحه وبعث لغته ،وهذا ما لا نجده لدى الشيخ الحكيم . ومع ذلك فللشيخ فضل المحاولة والاجتهاد والشغف الدائم بالفلسفة ؛مما جعله يتجاوز كتب التراث الصفراء ويتطلع لمعنى الفلسفة الحقيقى كما يطالعه فى كتب فلسفياً حديثاً فى الجامعة المصرية القديمة .

الهوامش

(1) كانط : التربية ،نقلته إلى الإنجليزية أنت تشترون ،وإلى العربية طنطاوى جوهرى ،المطبعة السلفية ومكتبتها ،القاهرة ،1355 هجرى .

(2) انظر دراستنا عن محاضرات ماسينون بالجامعة المصرية (رؤية مستقبلية للقاموس الفلسفى العربى : تقديم وتطوير محاولة ماسينون )ص 1- 54 ،مجلة كلية الأداب ،جامعة القاهرة ،العدد 48 ،عام 1988م .

(3) د . محمد حسين الذهبى : التفسير والمفسرون ،الجزء الثانى ،دار الكتب الحديثة ،القاهرة ،ط2 ،1976م ص 505 وما بعدها .

(4) مصطفى الحديدى : اتجاهات التفسير فى العصر الحديث ،مجمع البحوث الإسلامية ،القاهرة .

(5) بنت الشاطئ : القرآن والتفسير العصرى ،القاهرة 1970م .

(6) د .محمد حسين الذهبى : المرجع السابق ،ص 505 .

(7) د .عبد المجيد عبد السلام المحتسب : اتجاهات التفسيرفى العصر الحديث ،وأفراد الفصل الثالث (التفسير العلمى ) للشيخ طنطاوى جوهرى ،ص 273 وما بعدها .

(8) على الجمبلاطى : ذكر طنطاوى جوهرى ،القاهرة ، 1962م ،ص6 ،7 .

(9) رجاء النقاش : مجلة المصور ،العدد 2508 ،3 نوفمبر 1972 م .

(10) المرجع السابق .

(11) محمد عبد الجواد : تقويم دار العلوم ،القاهرة ،1947م ،ص 191 .

(12) عبد العزيز عطية تقويم دار العلوم ،القاهرة ،1947م ،ص196 .

(13) عبد المنعم البحقيرى : مجلة الوعى الإسلامى ،العدد 52 ،السنة الخامسة ،يونيو 1969 م .

(14) د . عبد العزيز جادو : الشيخ طنطاوى جوهرى ،دار المعارف ،القاهرة ،1980م ،الفصل السادس .

(15) المصدر السابق ،ص 73 .

(16) محمد محمد حسين : الاتجاهات الوطنية فى الأدب المعاصر ،القاهرة ،1959م ،ص 310 – 311 .

(17) على الجمبلاطى : المصدر السابق .

(18) عبد العزيز عطية : المصدر السابق ،ص 196 .

(19) راجع كتابات طنطاوى جوهرى : (رسالة أصل العالم )،و (رسالة الحكمة والحكماء )التى تظهر مدى تعمقه فى تاريخ الفلسفة .

(20) طنطاوى جوهرى : نهضة الأمة وحياتها ،وقد سبق أن نشر هذا الكتاب على شكل مقاولات فى جريدة اللواء التى يصدرها الحزب الوطنى القديم ،انظر جادو ص 25 .

(21) فقد طبعت مطبعة الرشديات بالأسكندرية (محاضرات بين العلم والسياسة )أولها محاضرة

(الفلسفة العرب )التى ألقاها الأستاذ الحكيم الفيلسوف الشيخ طنطاوى جوهرى بدار نقابة المعلمين . ومثل هذا التقديم جاء على غلاف كتابه (السر العجيب ) تأليف الأستاذ الفيلسوف الشيخ طنطاوى جوهرى المدرس بمدرسة المعلمين ،وكتب على (جوهرة الشعر والتعريب )جملة قطع من النظم لمشهورى شعراء الإنجليز كساها حلة الشعر العربى ،حضرة الحكيم العالم الأستاذ الشيخ طنطاوى جوهرى .

(22) على الجمبلاطى : ص 7 .

(23) د . عبد العزيز جادو ص 5 .

(24) المصدر السابق ص 6 .

(25) انظر الترجمة مقال الجمعية الآسيوية الفرنسية فى كتاب طنطاوى جوهرى : الحكمة والحكماء ص 71 .

(26) سنتلانا : ملخص كتاب أين الإنسان ؟ مجلة العلوم الشرقية ،ترجمة مصطفى بك رياض بعنوان

(صدى صوت المصرين فى أوربا )مطبعة دار المعارف بمصر ص 10 .

(27)انظر جادو : ص 108 .

(28) المرجع السابق ص 111 وما بعدها .

(29) المرجع السابق ص 102 .

(30) المرجع نفسه ص 25 .

(31) المرجع نفسه ص 26 .

(32) انظر الفقرة الأخيرة من هذه الدراسة تحليلنا لترجمة طنطاوى جوهرى لكتاب كانط فى التربية .

(33) طنطاوى جوهرى : القرآن والعلوم العصرية . دار إحياء الكتب العربية ،القاهرة ،1923م ،ص3 .

(34) طنطاوى جوهرى : رسالة الحكمة والحكماء ،مطبعة جرجى عرزوزى ،الإسكندرية ،1915 م .

(35) أصدر جوهرى عدة أعمال قبل وبعد محاضراته تدور حول نفس الموضوع مثل : (أصل العالم )

(رسالة الحكمة والحكماء )(الفلسفة عند العرب )، (المدخل إلى الفلسفة ).

(36) تأثير كانط فى طنطاوى جوهرى كبير يتجاوز ترجمته لكتاب التربية والإشارات العديدة له فى (أين الإنسان ؟ )إلى استلهام محاولة كانط (مشروع للسلام الدائم )فى عمله (أحلام فى السياسة والسلام العام )وقد أكد التشابه بين العلمين مرجليوث فى مقالته عن طنطاوى جوهرى بمجلة  الجمعيية الأسيوية الملكية 1937 م .

(37) سنتلانا : ملخص أين الإنسان ص 11 .

(38) طنطاوى جوهرى : أين الإنسان ؟ ،دار النهضة العربية ،القاهرة ،1978 م .

(39) طنطاوى جوهرى : أحلام فى السياسة والسلام العام ،مصطفى البابى الحلبى وأولاده بمصر ،القاهرة 1935م ،ص 3 .

(40) د . عبد المنعم الدسوقى الجميعى : الجامعة المصرية والمجتمع ،مركز الدراسات والسياسة والاستراتجية بالأهرام ،القاهرة ،1838م ،ص 7 .

(41) كارلو نلينو : علم الفلك وتاريخه عند العرب ،روما ،1911م .

(42) انظر دراستنا عن منصور فهمى فى كتابنا (الأخلاق فى الكفر العربى المعاصر )،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة ،1990م ،الأخلاق الاجتماعية ص 45 وما بعدها .

(43) انظر ما كتبناه عن على العنانى فى كتابنا ( الديكارتية فى الفكر العربى المعاصر )دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة 1990 م ،ص 38 وما بعدها .

(44) سلطان بك محمد : الفلسفة العربية والأخلاق ،مطبعة المعارف ،القاهرة د .ت .

(45) انظر عن الشيخ الكتاب التذكارى الذى أصدره المجلس الأعلى للثقافة بعنوان (الشيخ الأكبر مصطفى عبد الرازق مفكراً وأدبياً ومصلحاً )،القاهرة 1982م ،وكذلك كتاب د . على عبد الفتاح أحمد : مصطفى عبد الرازق ،دار المعارف ،القاهرة .

(46) لم يطبع المؤلف هذه المحاضرات ،ولا نجد عنها أية إشارة فى بيبليوجرافيات الكتب التى صدرت فى مصر منذ بداية القرن . وقد قمنا بتجميع ما نشرته جريدة الشعب المصرية التى كانت تصدر فى العقود الأولى من هذا القرن عن الحزب [القديم ] والتى بدأ نشرها منذ 16 نوفمبر 1912م بالعدد 231 وما يليه .

(47) عن تصنيفات العلوم العربية ،انظر كتابنا دراسات فى تاريخ العلوم عند العرب ،دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة ،1990م ،القسم الأول .

(48) عن الراغب الأصفهانى ،انظر دراسة د . أبو اليزيد العجمى فى مقدمة تحقيقه لكتاب الذريعة إلى مكارم الشريعة ،دار الوفاء للطباعة والنشر ،المنصورة ط 2 ،ص 87 .

(49) سيديو : خلاصة تاريخ العرب ،ترجمة على مبارك ،دار الآثار للطباعة والنشر والتوزيع ،ب ت . [دون أن يذكر الناشر أية إشارة لمترجم الكتاب ] .

(50) انظر ابن أبى أصبيعه : عيون الأنباء فى طبقات الأطباء ،تحقيق نزار رضا ،منشورات دار مكتبة الحياة ،بيروت ،د .ت ص 111 وما بعدها .

(51) من الواضح أن المصطلح هنا استقر للدلالة على علم الاقتصاد وربما هناك ما يبرر استخدام الشيخ له – وإن كان تبريراً غير مقبول كلية – للدلالة على التدبير ،إلا أنه اقتصر فى العصر الحاضر على ما يعرف باسم الاقتصاد والاقتصاد السياسى .

(52) انظر دراستنا عن العامرى فى مقدمة تحقيقنا لكتابه : السعادة والإسعاد فى السيرة الإنسانية : دار الثقافة للنشر والتوزيع ،القاهرة 1991م .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر