المقدمة:
تعد مجلة الأحكام العدلية القانون المدني للدولة العثمانية، فقد أقرتها لجنة متخصصة في الفقه وقواعده لصياغتها صياغة قانونية حتى يمكن اعتمادها في القضاء، وكان ذلك في عام 1869م من قبل الحكومة نفسها، وأقرت موادها سنة 1876م، واحتوت على (1851) مادة، ثم أقرت للتدريس في كليات الحقوق حتى بعد انهيار الدولة العثمانية، ويعد هذا العمل أول تقنين للشريعة الاسلامية في العصر الحديث تلتها محاولات أخرى وإلى اليوم،
وقد تصدى العلماء من الفقهاء وأهل القانون لشرح موادها، وظهرت عدة شروح لها وبدراسات مقارنة، ولكن لم يظهر شرح يبين رأي الإمامية في هذه المواد – التي أعدت على شكل قانون للبلدان التابعة للدولة العثمانية المترامية الأطراف- إلا من قبل العلامة الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء -رحمه الله- وبطلب من الشباب المؤمن من طلاب كلية الحقوق، والمجلة بَنَت موادها على ضوء الفقه الحنفي لأنه المذهب الرسمي للدولة العثمانية.
في هذا البحث المعنون بـ (منهجية الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء (ت 1373هـ/1954م) في كتابه تحرير المجلة) سوف أستعرض طريقته ومعالجته وأساليبه في الشرح والبيان والعرض وكل ما يمت بصلة لمنهجيته في هذا الكتاب المهم في بابه، وتأتي أهميته بأنه محاولة جادة في الدراسات المقارنة الفقهية وبصياغة قانونية، ويصلح كقانون مدني على ضوء الشريعة الاسلامية.
نحاول في هذا البحث فهم منهجية هذا العالم الجليل والمسلك الذي اتبعه في تحريره وطريقة عرض الأدلة، فقد انتهى الشيخ من كتابة الجزء الاول منه سنة 1359هـ، وطبعت الأجزاء الخمسة في النجف الأشرف، إلا أني اعتمدت على طبعة محققة نشرها المجمع العالمي للتقريب بين المذاهب الإسلامية وبتحقيق الشيخ محمد الساعدي.
الكتاب جدير بالدراسة المعمقة ولا يكفي استعراض منهجه لأن الشيخ رحمه الله سبق غيره في مضمار تقنين الشريعة على ضوء الفقه الإمامي المعتمد على الكتاب والسنة وبأسلوب المقارنة، وللشيخ ابتكارات مهمة من جهة أسلوب المقارنة أو إيجاد القواعد الكلية، نتمنى أن يُعتمد في الدراسات القانونية النظرية والعملية لأنه يعطي صورة واضحة للقانون المدني الاسلامي ومن الله التوفيق والسداد إنه نعم المولى ونعم النصير.
المبحث الاو
المنهج
عاش الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء -رحمه الله- الواقع بكل همومه وآلامه، وكان يحمل هموم الأمة ويحاول البحث عن علاج لضعفها وتدهورها، وكل من نظر في سيرته وأعماله يجد ذلك واضحًا، وهذا الأثر المهم جزء من همومه، وهو استجابة لثلة من الشباب المؤمن من طلاب كلية الحقوق في العراق، فقد طلبوا منه عمل كتاب في المعاملات المالية والأحوال الشخصية على ضوء فقه الإمامية، ولكي يوسع المدارك العلمية للطلاب رأى الشيخ أن الكتاب المقرر للتدريس كان مجلة الأحكام العدلية منذ عهد الأتراك ولكنه يحتاج إلى التنقيح والتحرير والإشارة إلى ما فيه من الزيادة والتكرار وبيان مدارك بعض القواعد والفروع(1)، لذلك شرع في تأليف كتابه الذي سماه بـ (تحرير المجلة)، بإضافة مواد جديدة للأصل المشروح من باب الاستدراك في الأحوال الشخصية تكون من (263) مادة اعتمد أسلوب المجلة نفسها، وبذلك يكون الشيخ من أوائل المتصدين لواقع الدراسة القانونية في العراق وكتابه محاولة جادة لتقنين الشريعة الإسلامية بأسلوب المقارنة والنقاش العلمي المتضمن للحوار والتقريب بين الآراء النابعة من العملية الاجتهادية المتنوعة.
غرض المؤلف:
صرح المؤلف أن غرضه أمران:
1- الشرح والتعليق.
2- الاختلاف والاتفاق مع فقه الإمامية(2).
إن تصدي فقيه من كبار فقهاء الإمامية إلى شرح مجلة الأحكام العدلية تعد خطوة رائدة في مجالها لأهمية المجلة التي هي بمثابة القانون المدني المقرر تدريس موادها في كليات الحقوق في أغلب البلدان المنضوية تحت الحكم العثماني ومنها العراق ولمدة طويلة، فقد صدرت المجلة عام 1869م (لتكون بمثابة قانون إسلامي مدني – مع أنها لا تشتمل بأي حال من الأحوال على كل جوانب القانون المدني – واستندت المجلة على المذهب الحنفي)(3).
وهناك أغراض أخرى أراد الشيخ إثباتها في كتابه هذا ليطلع عليه من لا معرفة له بالفقه الإمامي الذي يمتلك عدة مميزات من أهمها ما يأتي:
1- غزارة المادة.
2- سعة الينبوع.
3- كثرة الفروع.
4- قوة المدارك.
5- رصانة المباني.
6- سمو المعاني.
7- مطابقة العقل والعرف على الأكثر.
8- بعد النظر.
الإنصاف والموضوعية:
إن البحث العلمي يتطلب الموضوعية والإنصاف وهكذا كان الشيخ رحمه الله تبعًا لعلماء السلف من الفقهاء والمفكرين، إذ أصبح ديدن العلماء في الدراسات المقارنة بل هو سمة الحوار عند الإمامية فلم يبخس الشيخ في كتابه حق الآخرين واحترام آراء أعلام الإسلام لأن الجميع قد استفرغ وسعه وجد واجتهد وسعى وكل سعيه مشكورًا(4)، بهذه الكلمات صدَّر كتابه، ثم استشهد بآيتين من القرآن الكريم فنقل قوله تعالى: (وَلِكُلٍّ وِجْهَةٌ هُوَ مُوَلِّيهَا)(5)، وقوله تعالى: (وَكُلاًّ وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى)(6).
بعد هذا دعا كل المطالعين الأفاضل والشباب المهذب للتجرد عن بعض العواطف، ويكون معيارهم العدل والإنصاف من دون إسراف ولا إجحاف(7).
لم يكن هذا الكلام بجديد على علماء الإمامية، فإن من نظر في أغلب الدراسات المقارنة القديمة والحديثة يرى ذلك واضحًا، فمثلاً لو نظر الناظر في كتاب (الخلاف) للشيخ الطوسي (ت460هـ) يرى ما يراه في تحرير المجلة من الموضوعية والأمانة والبحث عن الحق وهي مرتكزات العالم المنصف بل هي من أهم متطلبات البحث العلمي(8).
إن من أهم موارد المجلة كتاب الأشباه والنظائر لابن نجيم المصري الحنفي (ت 970هـ)، فقد أخذت أغلب موادها منه، وإن الشيخ قد نظر في هذا الكتاب عدة مرات وهو موجود في مكتبته وذكر أنه من الكتب القديمة، ولما انتهى الشيخ من الجزء الأول عاد للنظر فيه فقال: (فالإنصاف أن فيه ثروة من القواعد العامة والفروع النادرة ومادة من الفقاهة والاستنباط تنبع من سعة خيال وطول باع وغزير اطلاع)(9).
مع هذه الثروة العلمية فهو لا يخلو من الحشو الزائد مع ذكر أحكام للجان(10)، ولكن كيف دخلت هذه الأحكام للفقه؟، ثم قارن الشيخ بينه وبين كتاب (القواعد) للشهيد الأول محمد بن مكي (ت 786هـ) – صاحب كتاب (اللمعة الدمشقية) وهو من أهم المتون الفقهية التي مازالت تدرس إلى اليوم في الحوزات العلمية ومنها مدرسة النجف الأشرف – مع خلو كتاب (القواعد) من أحكام الجان(11)، ومن منهجه الموضوعي نراه بعد ذكر ذلك يقول: (فشكر الله مساعيهم وأثابهم على نياتهم وأعمالهم فقد جدوا واجتهدوا ونفعوا وأفادوا)(12).
يصف الأستاذ محمود البستاني في بحث له ممارسات الشيخ الفقهية في كتابه (تحرير المجلة) بقوله: “إن تحرير المجلة يبقى موسومًا بطابع متميز منهجيًا وفكريًا فرضه المناخ الثقافي الذي ولد في إطاره …”(13)، ثم يحلل بعض منهجه برسم خطوط الممارسة الفقهية بالإيجاز والتفصيل والاستدلال والتلميح بالأدلة حسب ما يتطلبه السياق(14).
إن المنهج الموضوعي في الممارسة الفقهية على صعيد المقارنة وأصولها دعته للبحث عن إصابة الحقيقة واتباع الحق أينما كان ونبذ التقليد الأجوف والعصبية العمياء(15).
ويشير الشيخ رحمه الله في إجابة له عن إحدى الرسائل المرسلة إليه تسأل عن الاجتهاد والحرية الفكرية عند الشيعة الإمامية، كان جوابه إحالة إلى كتابه (تحرير المجلة) فقال رحمه الله: (وإذا أردت أن تعرف الفرق بين فقههم وفقه بقية المذاهب الإسلامية فمن الجدير أن تسيم نظرك في مؤلفنا… وهو كتاب (تحرير المجلة) في خمسة أجزاء)(16)، وفي موضع آخر من إحدى كتبه أيضًا يحيل إليه لبيان ما للشيعة من عمق الغور وبعد النظر في التفقه(17)، وفي بعض الأحيان ينفي وجود بعض التفريعات في كتب الشيعة الإمامية(18)، وهي إشارة موضوعية إلى تفريعات فقهية لم يعرفها الفقه الإمامي وذلك لتشعب واختلاف المصادر، وهي نتيجة طبيعية في القلة والكثرة والعملية متبادلة بين جميع المدارس الفقهية في هذا الأمر.
إن الشيخ ينقل المادة ثم يعقب عليها بعد ذكر الآراء الفقهية للمذاهب الإسلامية بكل موضوعية ثم يستعرض بعض آراء الإمامية ويختار أو يعطي رأيه الخاص في المادة.
اعتمد الشيخ مبدأ التوضيح لبعض المطالب كمقدمات علمية يتطلبها البحث العلمي وقد سار عليه إلى نهاية كتابه.
الشرح:
إن أهم ما قام به الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء -رحمه الله- في كتابه هو الشرح كمنهج اعتمده بل صرح به في المقدمة، ولكن كان شرحه ذات مستويات مختلفة يمكن تقسيمها الى ما يأتي:
المستوى الاول:
وهو الشرح المطول لبعض المواد التي تحتاج إلى ذلك في تقديره ولم تشرح من بعض شراح المجلة، وقد اعترض على شروحاتهم إذا رأى ذلك مناسبًا للمقام لبيان بعض الأوهام، ففي باب الخيارات يذكر الشيخ وهم بعض شراح (المجلة) في استدراكه عليها بخيار سماه خيار الاستحقاق وهو مذكور في القانون الفرنسي، فعقب الشيخ على ذلك بأن صورته قد ذكرته كتب الإمامية في باب من باع ما يملك وما لا يملك وهو المسمى بخيار تبعض الصفقة ثم شرح ذلك شرحًا وافيًا(19)، وأسهب في خيار العيب وذكر الضابطة له(20)، وقد توسع في هذا البحث المهم بذكر خيارات غير التي ذكرتها (المجلة) بالاعتماد على عدة موارد منها: كتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام) للمحقق الحلي (ت 676هـ)، وكتاب (اللمعة الدمشقية) للشهيد الأول محمد بن مكي العاملي (ت786هـ) ، وقام بشرح العديد من هذه الخيارات وتوسع بعرض الأدلة والآراء الفقهية لجملة من فقهاء الإمامية(21).
وفي مبحث الإجارة من المادة: (478) بالخصوص ومع ذكره للاختصار فقد استوعب شرحه لها من الصفحة 76- 79 من الجزء الثاني، وفصل القول في المادة: 870 المتضمنة أحكام الرجوع عن الهبة إذ استوعب كل فروعها(22)، وأيضا فعل نفس التفصيل مع المادة: 881، وتكلم عن الضمان وذكر فروعه الأربعة التي هي أصول الضمانات:
1- اليد.
2- الإتلاف.
3- الالتزام.
4- الغرور(23).
ويظهر تمكنه من تنقيح المطالب الدال على تبحره العلمي في شرحه المفصل للمادة: 888 المتضمنة موضوع الإتلاف(24)، ويبدو أن أطول شرح كان للمادة: 891 المتضمنة ضمان المثلي والقيمي، وقد حقق المطلب بالتفصيل في ضمان القيمة لو اختلفت بين يوم الغصب ويوم التلف أو بين أحدهما وبين يوم الدفع، ثم يذكر أن الخلاف قائم بين عامة أرباب المذاهب ويناقش آراء الحنفية في ذلك وآراء الإمامية المتقدمين والمتأخرين منهم ويحقق ذلك بأسلوب علمي رفيع(25)، وبعد هذا الشرح المطول قال: (هذا موجز الكلام … وبقيت فروع وتحقيقات أخرى … مذكورة في كتب أصحابنا المبسوطة)(26)، ومع الشرح يتعرض الشيخ للشراح الذين سبقوه بالنقد والاستغراب مما يدل دلالة واضحة على اطلاع واسع على هذه الشروح ثم الرد عليها(27)، فقد نقد بعضهم وذكره أنه أتى بحكم جزافي لا وجه له(28)، كما انتقد (المجلة) نفسها في شرحه لبعض موادها بقوله: (وما ذكرته (المجلة) من التفصيل حكم جزافي عار عن الدليل)(29)، وفي بعض الأحيان يذكر رقم المادة فقط ولا يذكر نصها ربما لأنها طويلة فيقوم بشرحها(30)، وقد تضع المجلة في بعض موادها عدة شروط فيستعرض ذلك بدقة ثم إذا أهملت (المجلة) شرطًا ذكره وشرحه(31)، وفي المادة: 1008 المتضمنة ذكر أسباب الشفعة فيفصل القول في ذلك بآراء الإمامية والشافعية والمالكية والحنفية(32)، وفي بعض الفصول يضع تتمة فيها فوائد تخص الفصل(33)، وقد يعتذر عن الشرح المطول خوفًا من الإطالة(34).
اعتمد الشيخ المنهجية العلمية فإذا وجد بعض المواد تحتاج إلى شرح مطول أو مختصر لن يتأخر في ذلك مع بيان أغلب الأدلة المتعلقة بالموضوع، ففي المادة: 1457 ذكر أن (المجلة) لم تحرر هذا البحث – أي شروط الوكالة – فحرره بالتفصيل، فتكلم عن أركانها وأركان العقد وشرحهما ومتعلقاتهما حتى قال في آخر البحث: (قد أعطيناك زبدته وصفوته)(35).
وقد شرح المادة: 1616 شرحًا وافيًا مبينًا شروط الدعوى ومع هذا الشرح المطول ذكر أنه مختصر كروؤس أقلام ومنه يظهر الفرق بين الفقهاتين أو الثقافتين(36).
وفي باب حق مرور الزمان نفى وجود مثل هذه الأبحاث في فقه الإمامية، وصرح بعدم وجود مانع من سماع دعوى مضى عليها مائة سنة لا ثلاثون، فإن كانت حقًا حكم بالحق وإن كانت باطلاً ردها، ثم بيَّن الإشكالات وردها بأدلة عقلية وانتقد هذا الحق وعبر عنه بالجزاف لا يؤيده كتاب ولا سنة ولا عقل ولا قياس، ومنه يظهر رصانة فقه الإمامية وبعده وقوة مداركه، ومنه اقترح حذف هذا البحث من (المجلة)(37). وقد فصل القول بما لا مزيد عليه في المادة: 1685 المتضمنة باب الشهادة والحقوق(38)، أما المادة: 1700 فقد شرحها شرحًا وافيًا مبينًا شروط الشهادة ومنها: العدالة التي هي أهم الشروط ثم تطرق إلى شهادة الزوج والزوجة لكليهما وشهادة الأرحام والولد على أبيه بالآية والرواية(39)، وهذا هو منهج الاستدلال الفقهي بالاعتماد على أهم مصادر التشريع عند المسلمين، ولأهمية الشهادة فقد عرفها بأنها: (ملكة نفسانية تمنع من ارتكاب الكبائر والإصرار على الصغائر)، وبعد هذا التعريف ذكر أنه لو أحيل هذا الموضوع – العدالة- إلى العرف كان أوفق(40). وفي المادة: 1754 المتضمنة بيان مسائل التنازع واختلاف الأيدي وتعارض البينات حرر المطلب بأسلوب جلي بعد أن أعطى تمهيدًا له وشرح عدة صور لهذا الموضوع(41).
وفي المادة: 1771 المتضمنة اختلاف الزوج والزوجة في أمتعة الدار التي سكناها قال عنها: (من مهمات مسائل الخصومات وهي قضية تنازع الزوج والزوجة في أمتعة البيت)(42)، فشرحها شرحًا مطولاً ذكر فيها آراء الفقهاء وبعض الروايات وبشكل معمق وتفصيل نافع. وفي الجزء الخامس الذي استدركه بمواد شبيهة بمنهجية (المجلة) فقد ذكر فيه 263 مادة ثم شرحها سماه الأحوال الشخصية(43) أو فقه الأسرة، وفي بعض إجاباته سماه الحقوق الشخصية، وهو ما يخص الأسرة من الزواج والطلاق والدين والوصية والوقف، ولكنه أهمل الإرث وهو أهم الحقوق في المجتمع وأكثر ما يحصل فيه التنازع والتخاصم بل أكثر ما يهتم به القاضي في حل نـزاعات الميراث بين الورثة من حقوق حسب الشرع الإلهي مع وجود آراء خلافية فيه بين المذاهب كالعول والتعصيب وإرث الزوجة في العقار بين الإمامية أنفسهم.
اعتمد الشيخ -رحمه الله- في هذا الجزء منهجية ذكر المادة وشرحها وتوزع الشرح بمستويات متفاوته حسب درجة الأهمية للمادة، فقد قدم مقدمة هامة تتناول تكوين الأسر وطبيعة البشر المدنية وهو من الاستعمالات الفلسفية ومقاصد التشريع للطبع البشري، فشرح مبدأ الحياة العائلية وتكوين الأسرة مستدلاً بمجموعة من الآيات القرآنية يصلح أن يكون بحثًا في القرآن الكريم من حيث مقاصد التشريع في النظام المدني الإسلامي.
يعطي الشيخ بعض القواعد الكلية ثم يذكر المواد القانونية وهو بحث في الأصالة والتجديد يواكب روح العصر ومتطلباته والنظر إلى حاجاته الواقعية وهذا من أعظم مهام الحركة الاجتهادية لدى الإمامية على مدى تاريخها الطويل.
إن بعض المواد لا يحتاج للشرح فيكتفي بذكرها أو التعليق عليها بكلمات موجزة، إلا أنه يتوسع كثيرًا في الوقف إذ ذكر جملة من الآراء الفقهية ثم ذكر رأيه الخاص بعد أن قلب الآراء ورد بعضها واستدل على رأيه بالقرآن والسنة ووصل إلى أن الوقف العنوان الأصح له الصدقة أو الصدقة الجارية كما جاءت هذه اللفظة في المصدرين أكثر من لفظة الوقف التي ما جاءت إلا نادرًا.
المستوى الثاني:
اختلف هذا المستوى عن الأول بالشرح المختصر لبعض المواد، وهو أيضًا على مستويات متعددة، فتارة يلخص المادة وأخرى يحيل إلى المطولات من الكتب الفقهية أو يجمع عدة مواد ويشرحها بمجموعها أو يبين التداخل بين القواعد أو أن بعض الشرح يحتاج إلى تطويل لا يسعه الكتاب، وعلى هذا المستوى اهتم بالتمهيد كمداخل للبحوث اللاحقة وكذلك يشرح الإجمال الوارد في مواد (المجلة) أو التشويش في العبارات أو يريد إعطاء قاعدة أو ضم مادة إلى أخرى ليتضح المطلب(44)، وقد يلخص الفصل كله ولكنه يذكر في النهاية ما تناوله من مواد لخصت لحذف الفضول منها طلبا للاختصار فإنه معاني قليلة في عبارات طويلة(45).
وأشار إلى أن المادة: 889 غير واضحة المراد ولا معلومة المفاد(46)، والمادة تتناول دفع الضرر الملحوظ وإزالته قبل وقوعه بالتنبيه والتوصية فشرحها بعبارة مختصرة غير مخلة، ولكن يمكن أن تكون المادة واضحة من جهة التنبيه والتوصية بدفع الضرر لرفع الضمان فإن المخبر قد أخبره فيمكن لطالب الضمان الدعوى بعد الاخبار، ولكن الشيخ -رحمه الله- قد شرح قضية الإنذار بأن المتلف إذا نبه صاحب المال وأنذره بالتحفظ فلا ضمان على المتلف(47)، ولكن هل الإنذار وحده يكفي لإسقاط الضمان مع أن القاعدة مطلقة؟ .
وفي المادة التي لم يذكرها إلا بالرقم: 922 قام بشرحها شرحًا مختصرًا ونقلها محقق الكتاب في هامشه إلا أنه لم يعثر على النص الأصلي (للمجلة) فاعتمد على الشروحات فحصل التداخل مابين الشرح والأصل(48)، وقد ذكر المحقق ذلك في منهجه في تحقيق كتاب (تحرير المجلة)(49)، ومثل هذا يربك عمل المحقق ويعد نقصًا في التحقيق، إلا أنه صرح بعثوره على (المجلة) في الجزء الثالث وذكر أنه سيستخدمها في المواد المتبقية أي من المادة: 881 – 1851(50)، ومع هذا نجد في المادة: 1250 بعض التغيير ذكره المحقق في الهامش معلقًا أنها قد وردت في (مجلة الأحكام العدلية) بتغيير في بعض عباراتها، وبعد الرجوع إلى (المجلة) ظهر لنا أن الشيخ نقلها كما هي وإن كان قد نقل الجزء الأهم منها، فالمادة في (تحرير المجلة) (كون الأحراز مقرونًا بالقصد لازم …)، وفي (مجلة الأحكام العدلية) بصيغتها الآتية: (كون الأحراز مقرونًا بالقصد لازم فلو وضع شخص وعاء في محل بقصد أخذ ماء المطر فماء المطر المجتمع في ذلك الإناء ملكه …إلخ)(51)، ومنه يظهر حرص الشيخ على النقل، ولكن من الغريب جدًا من أن يحقق مثل (تحرير المجلة) بدون العثور على النص الذي حققه الشيخ أو الذي اعتمده في الشرح مع أن (مجلة الأحكام العدلية) موجودة وليست نادرة بحيث لا يمكن العثور عليها، إن بيان الأصل وتحديده هي من مهمات التحقيق خوفًا من تداخل الشروحات – وبالأخص كتاب (المجلة) المقرر كمادة دراسية لطلاب الحقوق مدة طويلة- مع النص الأصلي وقد يصبح الهامش أصل وهو يحدث في الكتب كثيرًا، ومما يبين حرص الشيخ على نقل المادة كما هي، ففي المادة: 1271 يذكر الشيخ جزء المادة بقوله: (الأراضي القريبة إلى العمران …إلخ)(52) في حين أصلها: (الأراضي القريبة من العمران تترك للأهالي مرعى ومحتصدًا ومحتطبًا ويقال لها الأراضي المتروكة)(53)، فالاختلاف في حرف الجر فقط إذا صح نقلها طباعة فيكون الشيخ ضبطها من الناحية اللغوية.
وفي بعض المواد يقتطع الشيخ جزءًا من المادة، ففي المادة: 1277 ذكرها بالشكل الآتي: (وضع الأحجار أو الشوك ليس بإحياء، ولكنه تحجير)(54)، وكان الأجدر بالمحقق وضع عدة نقاط قبل كلمة تحجير لأنه هناك نص مقتطع، والمادة في (المجلة): (أو الشوك أو أغصان الأشجار اليابسة محيطة بجوانب الأراضي الأربعة أو تنقية الحشيش منها أو إحراق الشوك أو حفر البئر ليس بإحياء ولكنه تحجير)(55)، وحصل ذلك للمواد: 1271- 1272-1274-1277 وغيرها من مواد (المجلة) ولولا الإطالة في هذا البحث لتتبعنا نصوص (تحرير المجلة) مقارنة مع نصوص (المجلة) ومع عدة طبعات (للمجلة) وبالأخص البحث عن الطبعة الاولى لإعادة تحقيق هذا الكتاب المهم وبشكل أدق ومعرفة الطبعة التي اعتمدها الشيخ -رحمه الله- في الشرح، ومن المحقق أن الشيخ اعتمد الطبعة المقررة للتدريس في كلية الحقوق في العراق، وبالنظر إلى تلك الطبعة يمكن معرفة مدى التغيير الذي حصل في النص الأصلي من ناحية العبارة أو الصياغة بأسلوب آخر لا يخرجه عن معناه أو اعتراض في اللغة أو المنهج.
كان من منهجه جمع عدة مواد وشرحها بشرح واحد مختصر، فقد جمع أحد عشر مادة وهي مواد فصل واحد وقال: (خلاصة مواد هذا الفصل بأجمعها)(56)، وبهذه الطريقة شرح هذه المواد بأقل من صفحة واحدة وبه استوفى كل هذه المواد وبشكل مختصر مفيد، والمواد باستثناء المادة: 1496 هي: من 1494 إلى 1505.
وفي بحث الإقرار قال: (نتعرض لكل واحد منهما {الإقرار بالبلوغ والنسب} موجزًا …)(57)، ثم أحال إلى كتب الإمامية وذلك لكثرة الفروع الفقهية في هذه المسائل التي لا مجال لذكرها في (التحرير)(58).
وفي المواد: من 1833- 1836 قال: (ملخص المواد المذكورة في هذا الفصل …)(59)، وهو شرح لعدة مواد بتلخيص هذه المواد التي يمكن أن تكون مادة واحدة وهو هدف الشيخ -رحمه الله- بتنقيح أغلب مواد (المجلة).
أما الجزء الخامس المستدرك على (المجلة) فهو من هذا المستوى بالشرح ولم يسهب في مواده إلا في المقدمة والتمهيد والوقف(60).
المستوى الثالث:
وفيه لم يشرح بعض المواد لأنها لا تحتاج إلى شرح لوضوحها، وذكر أنها من توضيح الواضحات، وقد يكتفي بشرح مادة واحدة تفي عن غيرها، ففي المادة: 120 المتضمنة أقسام البيع قال: (وبما ذكرنا ظهر تحرير مادة: 121 و122 و123 و124)(61)، وفي المادتان: 128 و129 قال: (هاتان المادتان غنيتان عن البيان وكل أحد يعرف المال المنقول وغير المنقول فلا حاجة إلى تعريفهما)(62).
وذكر في المواد: 133 و134 و135 و136 إلى 162 أنها من قبيل توضيح الواضحات(63)، وعندما يصل المادة: 209 يذكر أنه قد تقدم البيان بعينه في المادة: 198، بأبلغ عبارة وهي من غير جهة إفادة في الإعادة، وأيضًا أن المادة: 210 تقدمت بعينها في المادة: 199 وهي تغني عن مادتي: 211 و212، كما أن المادة: 200 تغني عن المادة: 213(64)، ويذكر أن المواد: من 825 إلى 831 كلها واضحة لا تعليق لنا عليها(65).
ويذكر الشيخ -رحمه الله- أن المادتين: 702 و705 واضحتان ولا حاجة إلى ذكرهما(66)، أما المادة: 909 فهي واضحة(67)، وكذلك المواد: 916 و917 و921(68)، وهكذا في كل مادة لا تحتاج إلى شرح، واكتفى بأنها واضحة، وهو نوع من الشرح المكتفي بالإشارة إلى الوضوح فلا يمكن توضيح الواضح فيكون من باب تعريف الشيء بنفسه، وبهذا يكون الشيخ قد سلك في هذا المستوى من الشرح إلى القول بالوضوح أو دمج عدة مواد مع بعضها والإشارة إلى ما غمض منها، وهي اقتراحات لتطوير مواد (المجلة) أو حذف بعضها لأنها تكرار لا فائدة منه، فاقترح حذف المواد: من 1046 إلى 1059 تمامًا من (المجلة)، إذ أي عربي أو متعرب لا يعرف أن معنى الحائط هو الجدار، والمارة: عبارة عن المارين أو القناة أو المسناة أو أن رأس المال هو السرماية وهو ترجمة العربي بالفارسي وهلم سحبا… إلخ(69).
والمواد: من 1062 إلى 1068 واضحة(70)، والمواد: من1360 إلى 1364 فهي واضحة على مباني الحنفية أو جمهور المسلمين، أما عند الإمامية فكلها لا اعتبار بها(71)، وحذف الشيخ رحمه الله المواد: من 1660 إلى 1675 لعدم وجود دليل أو مصدر من مصادر التشريع الإسلامي عند الإمامية أو غيرها من المذاهب الإسلامية، فقضية مرور الزمان لا ترجع إلى كتاب أو سنة بل ولا عقل أو قياس أو استحسان وإنما هي جعل جزافي محض وأحكام اقتراحية(72).
ومن الواضحات المواد: 1678 إلى 1683، ولم يشرح أية واحدة منها، أما المواد: من 1843 إلى 1851 فذكر أنها صحيحة وواضحة(73).
النقد:
اعتمد الشيخ رحمه الله المنهج الموضوعي في النقد وإن كان هناك شدة في بعضها، لكنه يهدف إلى البناء والتكميل لا الانتقاص من الجهود المبذولة في إعداد هذه المواد القانونية من الفقه المختص بالحنفية، لذلك حاول الشيخ -رحمه الله- من توسيع دائرة مباحث (المجلة) إلى آراء الفقه الإمامي وما يمتلك من عمق وفروع قد تستوعب القوانين المدنية المعاصرة، فالعمل المتكامل يجب أن يستوعب كل الحلقات ومنها الفقه الإمامي الذي حاول الشيخ -رحمه الله- إبرازه وبيان قدرته في الاستنباط العلمي الدقيق.
أكثر ما تعرض إليه في هذا الكتاب من النقد من نوع التكامل البناء لأغلب مواد (المجلة)، ويبدو من منهج الشيخ -رحمه الله- أن مبتغاه الوصول إلى الصياغة والأدلة والتركيبة الصحيحة، لذلك اقترح اختصار وحذف وإعادة بعض المواد وهي إشارته إلى تنقيح وتحرير (المجلة) من الزيادات مع بيان بعض مدارك القواعد والفروع(74).
أول نقده لفتح باب الاجتهاد عند الإمامية مع ذكره أنه رحمة للعباد، وهذا منهج موضوعي أن يبدأ بنقد نفسه فقد صرح قائلاً: (القضية بيننا وبين إخواننا المسلمين من بقية المذاهب قد تورطت بين تفريط وإفراط)(75)، ثم بيَّن ذلك بقوله: (فالإمامية فتحوا باب الاجتهاد على مصراعيه حتى أدى ذلك إلى الفوضى المضرة وصار يدعيه حتى من لا يصح أن يطلق عليه اسم المتفقه فضلاً عن الفقيه)(76)، وهذا نقد موجه إلى الفقه الإمامي ودعوة لرسم أسس عملية الاجتهاد، وممن يقوم بها على مستوى أهمية الاجتهاد في مصير الأمة، أما بقية المسلمين فقد سدوا باب الاجتهاد واقتصروا على المذاهب الأربعة وقد ضاع الاعتدال والوسط في هذه الناحية كما ضاع في غيرها ولا حول ولا قوة إلا بالله(77).
وينقد منهج (المجلة) في صياغة المادة، ففي المادة: 13 المتضمنة النص الآتي: (لا عبرة بالدلالة في مقابلة التصريح)، فإن المعنى الصحيح هو: (النص مقدم على الظاهر)(78).
والنقد عنده بين الشديد والهادىء، فمن الأول ما رد به المادة: 45 فقال: (أن القرينة الحالية كالقرينة المقالية يجب اتباعها والغلبة والعرف الخاص أو العام من أقوى القرائن على توجيه الكلام فلا داعي لتكثير المواد وتضييع الحقيقة)(79).
ونقد تغير الأحكام بتغير الأزمان وذكر أن ذلك راجع إلى تغير الموضوع، وبعد أن شرح ذلك ذكر لفظة فتدبر ولا يشتبه عليك الأمر(80)، ومن المعلوم أن الأحكام تابعة لمواضيعها فمتى انتفى الموضوع انتفى الحكم لذلك ذكر المناطقة قضية سلب الموضوع وقالوا: سالبة بانتفاء الموضوع أو أن الموضوع يحصل فيه تغير لتطور الحياة بكل وسائلها فيتغير الحكم وآثاره أو يستجد الموضوع فيحتاج إلى الحكم، فالأحكام تدور مدار المواضيع، وسيذكر الشيخ -رحمه الله- مصطلح “الفقه التاريخي” لمواضيع أصبحت في ذمة التاريخ.
وكما نقد (المجلة) نقد شراحها لذكرهم أمثلة هي محل نظر ومناقشة(81)، وأكثر من ذلك فقد نقد التعريف اللغوي الذي ذكره الفيروزآبادي (ت 817هـ) صاحب كتاب (القاموس) في تفسيره للشرط فقال: (وهو من بعض أخطائه)(82)، أما مواد (المجلة) فبعضها مكرر أو متداخل أو عديم الفائدة، ثم ذكر أنه يعجب من مؤلفي هذه (المجلة) مع أنهم أفاضل علماء عصرهم بذكرهم جملة من المواد عديمة الجدوى أو قليلة الفائدة، وأهملوا جمهورًا من القواعد المهمة التي هي دعائم مباني العقود والإيقاعات وأبواب المكاسب والمعاملات(83).
كذلك فقد نقد كتاب (القواعد والفوائد) لمحمد بن مكي العاملي المشهور بالشهيد الأول (ت 786هـ) الذي جمع فيه أكثر من ثلثمائة قاعدة، فذكر أن كثيرًا منها لا ينطبق عليها حد القاعدة ثم أعطى التعريف الذي يراه مناسبًا فقال: (قضية كلية يعرف منها حكم جزئياتها أو مصاديقها)(84)، ومِن خُلقه العالي والرفيع في النقد والمناقشة يقول بعد الانتهاء: (وعلى كل فشكر الله مساعيهم ووفقنا لاتباع آثارهم في العلم النافع والعلم الصالح)(85).
ولما أشار إلى الجزء الخامس المستدرك على (المجلة) وسماه بالأحوال الشخصية عبّر عما يجول بخاطره من أسى وألم من أحوال عصره فنقد الأحوال العامة والخاصة بقوله: (والله المستعان على أحوالنا العمومية والشخصية ومنه نستمد العناية والتوفيق)(86)، وهي إشارة واضحة للواقع الذي يعيشه المجتهد بكل همومه وآلامه وهو يرى التخلف والتراجع عن ركب الحضارة والمدنية.
ونقد الشيخ -رحمه الله- منهج (المجلة) وقارنه بما هو معتمد عند فقهاء الإمامية من الترتيب والتبويب في المصنفات الفقهية، أما تبويب (المجلة) فهو وإن كان على شكل أبواب وفصول (لكنهم لم يحسنوا التبويب والترتيب ولم ينهجوا النهج الطبيعي الملائم للطبع والذوق وما يوافق الاعتبار وحسن الاختيار وأدخلوا بعض الأنواع في بعض مع شدة الاختلاف في الأحكام)(87)، ثم يذكر مواضع التداخل والخلط المتنافر والجمع غير الملائم بقوله: (فهي أضغاث من فصائل شتى وأنواع متباينة)(88)، وهو كما ترى نقدًا منهجيًا، الهدف منه بيان الحق وتكميل الجهد لذلك صرح قائلاً: (والغرض من كل هذا البيان أن الحق أن هذا الكتاب أعني (المجلة) فيه علم وفقاهة ولكنه مبعثر وغير محرر فهو أحوج ما يكون إلى التحرير والتهذيب، أما التكرار فيه فحدث ولا حرج)(89)، بعد كل هذا رجع إلى تحرير المطالب وقال: (ولنرجع إلى نسق ما ذكروه على علاته)(90)، وعلّق على جواز بيع الجزاف بقوله: (وتجويز البيع الجزافي ناشيء من عدم النباهة وضعف الفقاهة وقصور الباع في أحكام الشريعة الإسلامية ولذا لم ينقل القول به عن أحد من فقهاء الإمامية مع كثرة اختلافاتهم في الفروع الفقهية)(91).
وفي خيار النقد والخيانة التي ليست بشيء، يتعجب من عدم ذكر خيار التأخير ففيه مباحث واسعة وتحقيقات جليلة عند فقهاء الإمامية(92).
وذكر أن كل ماقالوه عن خيار النقد مشوش مغشوش وخطأ في خطل – الخطأ في المنطق والرأي – لا جسم فيه ولا روح ولا جوهر ولا معنى(93). وفي المادة: 315 وبعد شرحها أشار بالتدبر بهذه النقوش والرتوش جيدًا(94)، وينقد خيار التعيين نقدًا لاذعًا بقوله: (ها هنا – كما يقول العوام – تسكب العبرات)(95)، ثم يستمر بالنقد اللاذع فيقول: (وعلى كل فإن هذا تخيير لا خيار ولزوم لا جواز)(96)، ومع هذا الكلام والتعليق فإن البحث أجنبي عن المقام فلا فسخ ولا إمضاء ولا سلطنة على عقد ولا على عين وإقحامه هنا كإقحام المسمار في الجدار(97).
وعلق على المادة: 321 المتضمنة خيار الرؤية وأشكل عليه بقوله: (كيف يلزم الوارث المسكين بمبيع ما رآه مورثه ولا كان لازمًا عليه فتجتمع على الورثة مصيبتان: فقد مورثهم وإلزامهم بمال ربما لا يرغبون فيه…)(98)، وردًا على هذا استدل بما ينافي ما ذكروه بالحديث: (ما ترك الميت من حق فهو لوارثه)، ثم إن دليل خيار الرؤية وإن كان قد ورد في خصوص المشتري ولكنه يشمل البائع لأن الملاك يجري حتى إلى البائع إذا باع ما لم يره ثم رآه على غير الوصف الذي وصفه ولذا قال فقهاء الإمامية بعمومه للبائع والمشتري(99)، ولكنه يشبه القياس أو هو من إلغاء الخصوصية.
وقد أهملت (المجلة) في أغلب أبوابها مسائل الاختلاف والتنازع، فقد أهملت تخلف المواصفات مع أهمية تلك البحوث في قضايا التجارة الداخلية والخارجية، فخيار الرؤية من الخيارات المهمة وحصول الاختلاف فيه وارد(100)، من هنا جاءت أهمية البحث في المنازعات في القانون المدني والقضاء.
واعترض الشيخ -رحمه الله- على بعض التعاريف، ومنه تعريف الإجارة بالبيع، فإنه مختص بنقل الأعيان والإجارة بنقل المنافع وهما متباينان مفهومًا ومصداقًا، فعرفها بأنها: (تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم)(101)، وهو الشائع عند الأكثر.
وفي مجال الاصطلاحات الفقهية التي اعتمدتها (المجلة) كلها فهي واضحة يعرفها العربي وغيره أو هي توضيح الواضح، وهو من العبث، فيلزم لو حررت (المجلة) ونقحت حذف كل ما هو من هذا القبيل(102)، وبالأخص الصيغ اللفظية وإعادتها لبعض المواد ورفع التشويش أو ضم بعض المواد لغيرها لرفع التكرار والغرابة وكله من النقد البناء والرصانة العلمية، ففي (المجلة) قوة في قواعدها لولا ذلك وحتى ترقى لابد أن يصار إلى حسن التبويب ومتانة التأليف(103).
وبما أن الحنفية هم الذين ابتكروا القياس فكانوا مهرة في العمل به، فنَقَدهم الشيخ -رحمه الله- وذكر أن أغلب الفتاوى الجائرة هي من آفة العمل بالقياس، بل والقياس الوهمي أو القياس مع الفارق أو الاستحسان المخالف للنص الصريح والدليل الواضح، ثم يعقب بقوله: (عصمنا الله وإخواننا المسلمين من الزلل في القول والعمل)(104).
وذم بعض المواد لاختلال وتكرار في صياغتها أو هي طويلة العبارة وكلها مخلة أو مشوهة الخلقة والتركيب(105)، ويحتمل غلط في النسخة كما ذكر في المادة: 743 لأن عبارتها معقدة وغير مفهومة فصححها(106).
اهتم الشيخ -رحمه الله- بالنقد كثيرًا، وكان يحب سماع النقد على كتابه نفسه، فبعد أن أصدر الجزء الأول من (تحرير المجلة) انتظر ردود الفعل لكنه لم يحصل على مبتغاه من النقد رغم تشجيع غيره عليه بقوله: (والحقيقة – كما يقولون- بنت البحث واضرب الرأي بالرأي يبدو لك وجه الصواب وتمام عقلك مع أخيك والعصمة والكمال لله وحده)(107)، وتأمل الشيخ رحمه الله خيرًا بصدور الجزء الثاني فقال: (أما الجزء الثاني فقد تركنا إبداء الملاحظات فيه إلى من ينشط له من أهل هذا الفن الشريف: فن الفقه وعلم الحقوق)(108)، ومن الغريب من الشيخ -رحمه الله- تسمية علم الفقه بالفن والحقوق بالعلم مع أن الحقوق فرع من الفقه في هذا الباب، إلا إذا كان الشيخ -رحمه الله- يقصد أن الفن أوسع من العلم برأيه.
واعترض الشيخ -رحمه الله- على دمج العارية مع الوديعة وجعلها من أبواب الوديعة للقدر الجامع بينهما وهو الأمانة، ولكنه فرَّق بينهما فذكر أن الوديعة ضد العارية ثم بين أن الوديعة: ائتمان لمصلحة المالك، والعارية: ائتمان لمصلحة القابض، ولذلك اختلفا في الأحكام وكذا دعوى التلف ونحوه، ثم يعطي الحلول بقوله: (الأولى إفراد العارية بكتاب مستقل كما صنعه عامة فقهائنا…)(109).
ومن موارده كتاب (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام)، ويعد هذا الكتاب أهم الكتب الفقهية عند الإمامية منذ تصنيفه إلى اليوم وهو محور الآراء الفقهية بين الفقهاء، وعليه شروحات كثيرة جدًا ألفه الفقيه الشيخ جعفر المعروف بالمحقق الحلي (ت676هـ)، ونقل الشيخ -رحمه الله- تعريفه للعارية: (وهي عقد ثمرته التبرع بالمنفعة)(110)، ورجح الشيخ -رحمه الله- رأي المحقق الحلي ونقل عبارته بدقة، قال المحقق الحلي: (ولا يجوز إعارة العين المستعارة إلا بإذن المالك ولا إجارتها لأن المنافع ليست مملوكة للمستعير وإن كان له استيفاؤها)(111).
لم يكن نقده منصبًا على (المجلة) وحدها كما مر، ومنه يظهر النقد الموضوعي الذي تبناه، فقد نقد أستاذه السيد اليزدي (ت1337هـ) في تردده لجملة من العقود التي لا ينبغي الريب في عقديتها، كالضمان والحوالة والوكالة، ثم جزم أخيرًا بأنها إيقاعات ولم يذكر العارية منها وهي أحق بالذكر والجزم بكونها إيقاعا(112).
كثيرًا مايردد الشيخ -رحمه الله- بعض الكلمات التي اعتاد عليها الفقهاء من الإمامية في كتبهم الاستدلالية بعد تقرير البحث من كل جوانبه، مثل: فليتدبر، فتدبره جيدًا، فافهم هذا جيدًا، على تأمل، فتأمله فانه لا يخلو من دقة، محل نظر، فتدبره، ومن الغريب، واضح الضعف، وغيرها من الكلمات التي تدعو للتفكر والتأمل بالمطلب، وهي عادة الفقهاء في كتبهم الفقهية من باب شحذ الهمم لمثل هذه المطالب العلمية الدقيقة بلحاظات متعددة فإنه يحتاج لمزيد من البحث لمن يريد الخوض بدقائق الأمور أو هو لون من ألوان فتح الآفاق لمن يطلب المزيد أو أن المطلب بحاجة إلى بحث أعمق.
ويعلق على المادة: 822 بأنها قاصرة لفظًا ومعنى(113)، ويصحح قول (المجلة) ويضعِّف قول أستاذه السيد اليزدي(114)، وينقد بعض شراح (المجلة) بهذه العبارة: (وقد أطال بعض الشراح وأسهب وكله تطويل بلا طائل)(115)، وقد يتوجه عنده النقد إلى عموم (المجلة) فيقول: (يتضح لك قصور البيان وضعف التحرير فيها وعدم الاستيفاء)(116).
والتعرض لشراح (المجلة) فيه دلالة واضحة لاطلاع الشيخ -رحمه الله- على هذه الشروحات التي ينقدها ويتعرض اليها بين الحين والآخر، واستغرب من أحدهم بتصريحه بكفاية عقل السكران أي الأهلية للتصرف بالهبة، لكن (المجلة) لم تتعرض إليه ولكن يشعر إلى ذهابهم إلى الصحة بعد تخصيص عدم الصحة بالصغير والمجنون والمعتوه ولم يذكر السكران، فنقدهم بترك التعليق للصحاة من أرباب العقول لا للسكارى والمجانين(117)، وفي تعليق آخر يجمع فيه (المجلة) والشراح فيقول: (وما ذكرته (المجلة) هنا وبعض شراحها محلول العرى بألوان الضعف والركاكة)(118).
ويمكن بيان ألفاظ النقد عند الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء بما يأتي:
1- التهافت في الأحكام.
2- قصور العبارة في بعض المواد.
3- تطويل بلا طائل.
4- الخلل في الصياغة والتداخل في المواضيع.
5- صحيحة وسالمة من الإشكال.
6- التكرار في بعض المواد لذلك اقترح حذفها.
7- عدم ذكر (المجلة) لأبحاث هامة ذكرتها كتب الإمامية في المطولات والمختصرات.
8- تعاريف المصطلحات الفقهية ضعيفة وقاصرة للغاية.
9- عدم وجود بعض المباحث عند الشيعة الإمامية لا في المطولات ولا المختصرات.
الاستدراك:
وهو المسلك الذي اعتمده كمنهج له في (تحرير المجلة) بل هو من مهمات عمله الواضح، فبعد الشرح بمستوياته الثلاثة ونقده لبعض المواد قام بإعطاء الحلول والمقترحات، فاستدرك على (المجلة) كثيرًا من المباحث العلمية الهامة على مستوى المادة القانونية، وقدرة الإسلام على التشريع بما يمتلك من تنظيم شامل للحياة يمكن اعتماده مواد قانونية أو العمل على تقنين الشريعة الإسلامية، والشيخ يدعو إلى ذلك باعتماد البحث العلمي الرصين في الفقه الإسلامي وتقليب الآراء وبيان الرأي الأصوب للأخذ به.
إن أهم ما استدركه غير الجزء الخامس المتضمن مواد الأحوال الشخصية، استدرك جملة من القواعد العامة والأساسية تصلح أن تكون مدركًا ودليلاً على كثير من أبواب المعاملات من العقود والإيقاعات وسميت بالقواعد المستدركة.
إن المجلة ذكرت مائة قاعدة فاختصرها الشيخ -رحمه الله- إلى (45) قاعدة وقال: (هذه مهمات القواعد التي ذكرتها (المجلة) وما عداها فمكرر أو متداخل أو عديم الفائدة)(119)، ثم ذكر قواعد البيع وسائر العقود بـ (83) قاعدة وقال: (وحيث بلغ الكلام بنا إلى هذا المقدار من ذكر ما حضرنا من القواعد المستدركة على قواعد (المجلة) وقد انهيناها إلى اثنتين وثمانين قاعدة وبضم ما لخصناه من قواعد (المجلة) يبلغ الجميع مائة وسبع عشرة قاعدة)(120)، والمذكور في الكتاب (128) قاعدة وليس (117)، وهو ما حضر الشيخ -رحمه الله- من هذه القواعد من دون استقصاء واستقراء(121)، لذا ذكر لو أردنا أن نحصيها فقد تنتهي إلى (500) أو أكثر(122).
ومن أهم استدراكاته مسائل الخلاف والتنازع، فقد تنبه إلى حاجة القاضي إلى ذلك لأن (المجلة) بمثابة القانون المدني للدولة، وذكر عدة صور للنـزاع بين المتعاقدين وغيرهم وهو موجود بكثرة في كتب الإمامية في نهاية الأبواب اتخذوه منهجًا لهم.
ومنه يبدأ الشيخ -رحمه الله- بذكر هذه المسائل كتمارين لطلاب كلية الحقوق(123)، وفي باب الخيارات يستدرك بعض شراح (المجلة) خيارًا بعنوان خيار الاستحقاق، وقال مستدركه: (إنه من جملة الخيارات إلا أن (المجلة) لم تبحث عنه وأن كثيرًا من الحكام يقع في المشكلات العظيمة في دعاوى الاستحقاق والقانون الفرنسي بحث عن الاستحقاق بمواد كثيرة)(124)، ونسب إلى هذا الشارح الوهم إلا أن الشيخ -رحمه الله- استدرك ووجد له صورة في الفقه الإمامي في باب خيار تبعض الصفقة وذكر أنه بعينه خيار الاستحقاق(125)، فنسبة الوهم للشارح غير صحيحة، فإن الشارح لم يطلع على فقه الإمامية، وربما واضعي القانون الفرنسي قد اطلعوا على فقه الإمامية أو هم أوجدوه وهو مؤسس في فقه الإمامية وهي إشارة مهمة للرجوع إلى فقه الإمامية وإكمال حلقة الفقه الاسلامي.
وباب من باع ما يملك وما لا يملك هو خيار تبعض الصفقة(126)، ومن منهجه التمهيد بمقدمة قبل الفصل لبيان بعض المباحث المهمة والمتعلقة بالفصل(127)، وعندما تنتهي مواد (المجلة) يستدرك أيضًا مباحث أو مسائل لم تذكرها (المجلة) على شكل تسلسل مسائل الأولى… الثانية… وهكذا(128).
وفي نهاية بحث الشفعة قال: (بقي بحثان مهمان تعرض لهما الفقهاء منا ومن القوم ولم تتعرض لهما (المجلة) أصلاً ولو على سبيل الإيجاز فكان البحث الأول الحيل الشرعية الموجبة لسقوط الشفعة) وإن استنكرها في أول كلامه، والبحث الثاني في مسائل النـزاع والخلاف، وذكر معلقًا على (المجلة) أنها اعتادت عدم ذكر شيء منه مع أهميته(129).
اتسمت المتون الفقهية عند الإمامية على الغالب بذكر مسائل النـزاع في آخر كل كتاب سواء في المطولات من الكتب أو مختصراتها تنفع في القضاء والحكم(130)، ففي بحث الوكالة لم يستدرك الشيخ -رحمه الله- مباحث النـزاع بين الوكيل والموكل مع أهمية ذلك في القانون المدني، واعتذر بقوله: (ولا تسمح لنا الأحوال الراهنة بذكرها ونشرها)(131)، ولم يبين تفصيل هذه المانعية التي يشم منها الخطورة والرقابة.
واستدرك على مباحث الإقرار ببحثين موجزين لم تتعرض لهما (المجلة)(132)، وفي باب رؤية الدعوى بعد الحكم، وبعد المادة: 1840 قال: (وبقى في المقام أمر مهم لم تتعرض له (المجلة) وهو: مايترتب على تبين بطلان حكم الحاكم… إلخ)(133)، وهو بحث مهم استدركه وأضافه إلى ما استدركه من المسائل والبحوث.
وأهملت (المجلة) البحوث المهمة والعديدة وبالأخص في الحكم والقضاء، مع أنها بمثابة القانون المدني، فهي تهم القضاة وكل المحامين والحكام لذا قال: (وقد بقيت أبحاث مهمة في الحكم والقضاء والحاكم: كقضية جواز أخذ الأجرة له أو الارتزاق من بيت المال، وأحكام الشهادة والشهود كشهادة الفرع ونحو ذلك لم نتعرض لها تبعًا لإهمال (المجلة) لها)(134).
وفي الجزء الخامس الذي استدركه على مواد (المجلة) قال: (وقد عزمنا بتوفيقه تعالى ومعونته أن نجعل لهذا الجزء الأخير ملحقًا نستدرك به ما فات (المجلة) من الكتب المهمة العامة البلوى التي يحتاجها القضاة والمحامون والحكام أشد الحاجة وهو ما يسمونها اليوم: بالأحوال الشخصية وإن لم يتضح وجه التسمية ولكنها جد جديرة بالعناية لعموم الابتلاء بها لعامة البشر)(135).
وعلى هذا يكون الجزء الخامس كله مستدرك من قبل الشيخ -رحمه الله- لفقدان (المجلة) لمبحث الأحوال الشخصية، ولكنه هو الآخر يحتاج إلى بحث مستدرك عليه من مباحث الإرث ومسائله لم يحرره الشيخ -رحمه الله- في هذا الجزء.
الإشارات والتعليقات:
أورد الشيخ محمد الحسين كاشف الغطاء -رحمه الله- في شرحه ونقده واستدراكاته جملة من الإشارات والتعليقات المهمة التي يعبر فيها عن واقعه من هموم المجتمع وما يعاني من آلام واضطرابات تجتاح الأحوال العامة آنذاك.
حاول الشيخ -رحمه الله- الإشارة لفتح باب الاجتهاد وغلقه بلا وسطية بينهما وهي إشارة مهمة جدًا للتقريب بين المذاهب(136)، ومن إشاراته وتعليقاته على المادة: 58 المتضمنة النص الاتي: (التصرف على الرعية منوط بالمصلحة)(137)، وهو ما يشبه الولاية، وبما أنه القانون المدني الموقع بإرادة سلطانية فالسلطان هو الولي حسب نص هذه المادة، إلا أن الشيخ نفى هذه المادة من أصول الإمامية فأرجع التصرف إلى الإمام العادل أو من ينصِّبه ثم قال: (وكان لهذه المادة أثر مهم في الأزمنة القديمة يوم كانت إرادة السلطان هي النافذة وهو الفاعل المختار الذي يسأل ولا يُسئل)(138)، ثم تابع الكلام حول هذه الإشارة المهمة فقال: (أما اليوم وقد أصبحت أكثر الأمم دستورية ونواب الأمة هي التي تقنن القوانين التي تدور على مصالحها، فإنما ينفذ من القوانين ما شرع موافقًا للمصلحة…)(139).
وأجمل ما أشار به قوله: (أين الوكالة وأين الموكلون وأين الوكلاء؟! – ودع عنك نهبا صيح في حجراته-)(140)، وله إشارات فلسفية منها تعليقه على المادة: 103 التي تعرف العقد، فذكر مقولة الفعل والكيف والنسب والإضافات، ثم بيّن أركان العقد على رأي الامامية مما يدل على عمق الأبحاث الفقهية عند الشيخ(141).
ومن إشاراته العرفانية تعليقه على المادة: 75 القائلة: (الثابت بالبرهان كالثابت بالعيان)، نظير ما يذكره بعض العرفاء في مراتب المعرفة من علم اليقين وحق اليقين وعين اليقين(142).
أرَّخ الشيخ -رحمه الله- الانتهاء من الجزء الأول في أوليات شهر شوال من سنة 1359هـ، فقد ذكر أن العمل به استمر أقل من شهرين(143)، وهي مدة قياسية في التأليف، فيبدو أن الشيخ -رحمه الله- يكتب ويرسل إلى المطبعة، وهذا قد لا يتسنى لأي أحد إلا بمثل منـزلة الشيخ العلمية.
كان الشيخ يهتم بالنقد الموضوعي البناء وهو منهج اعتمده في مسيرته العلمية، فعندما أصدر الجزء الأول كان ينتظر كثرة الانتقادات عليه، لكنه لم يقتنع بما صدر ثم اعتذر عنهم بإشارته إلى الظروف القاسية والحوادث الزمنية والاضطرابات العالمية والحروب الطاحنة التي كانت الأسباب التي أدت إلى الفتور والخمول وعدم الرد(144).
ومن الفكر المقاصدي في بيان تحريم الكبائر، عندما ذكر جرائم الربا والقمار والزنا وشرب الخمر قال: (عافاك الله أيها المسلم من هذه الخبائث التي هي سوس الهيئة الاجتماعية التي تنخر في عظامها حتى تبلى وتتلاشى والله ولي العصمة والتوفيق)(145).
ويكشف بإشارته حكمة التشريع ومقصده فعندما يتكلم عن الشفعة يقول: (إن أقرب عبارة تكشف عن حقيقة الشفعة التي هي من خصائص الشريعة الإسلامية وعظم عنايتها بنظم الهيئة الاجتماعية والصالح العام وحكمتها العالية أن لا يبتلي المالك لملك مشاع بشريك جديد لا يعرف شيئًا من أخلاقه وحسن سيرته…)(146)، ولما استدرك على كتاب الشفعة ببحثين أشار إلى مبحث الحيل الشرعية فعلَّق على ذلك بقوله: (وحيث إننا لا نحب الحيل مهما كانت والناس – بحمد الله – قد أصبحوا أحيل من أن يحتاجوا إلى من يعلمهم الحيلة فلا حاجة إلى أن نسقي السيف سما ونضع ضغثا على ابالة)(147)، فهنا استعمل المثل وفي أكثر من مورد كإشارة وتعليق على بعض الأحكام ومعنى المثل بلية على أخرى(148)، وأشار الى دور الحاكم وأهميته وذكر بدونه يختل النظام وتعطل كثير من الأحكام وتسيء حالة الإسلام(149).
ويعلق على المادة: 1371 بعد أن نقلها بطولها فقال: (نقلنا هذه المادة بطولها، لما يترائى فيها من براعة التحقيق واستعياب القسمة وقوة التنويع والتعليل، ولكن لا يلبث هذا الرونق على محك النقد حتى يستبين زيفه…)(150).
ويعلق بعد الانتهاء من بيان المساقاة أن (المجلة) لم تتعرض إلى المغارسة وهو عقد، ومن الأعمال الاقتصادية الحيوية بل الضرورية، ثم استغرب من بطلانه عند المشهور من الإمامية(151)، وفي ختام هذا البحث يشير إلى تاريخ كتابة هذه البحوث فيقول: (وقد وافق ختامه بقلم مؤلفه الضعيف العاجز محمد الحسين آل كاشف الغطاء صباح الجمعة في أواخر شهر صفر سنة إحدى وستين بعد الألف والثلثمائة هجرية)(152)، فيكون الشيخ -رحمه الله- قد أكمل الأجزاء الثلاثة وبدأ في الجزء الرابع في هذه السنة المذكورة، ومن إشارته على بعض المباحث التي ليس لها أي دليل عند الإمامية، قال معلقًا: (إن فقهاء الإمامية (رضوان الله عليهم) لا يبحثون عن حكم واقعة إلا من حيث دليلها الشرعي)(153)، ثم قال: (أما إذا خلت عن الدليل وكانت جعلاً جزافيًا فلا ناقة لنا فيها ولا جمل)(154)، أما مسألة حق مرور الزمان فذكر أنها لا أصل لها في المذاهب الإسلامية الأربعة فكان الأجدر عدم ذكر هذه المباحث في (المجلة)، ثم أوصى لمن يريد تحرير (المجلة) بحذفه(155).
وفي باب علم الحديث يعلق على المادة: 1677 التي تعرف التواتر بأنه: (خبر جماعة لا يجوز العقل اتفاقهم على الكذب)، فعلَّق على ذلك بإشارة مهمة تبين حقيقة التواتر في علم الحديث فقال: (ويعتبر أن يكون ذلك في جميع الطبقات فلو انتهى خبرهم إلى واحد لا يكون الخبر متواترًا بل الخبر عنه متواتر فيسقط، وعليك بتدبره كي لا تسقط)(156)، وهي إشارة علمية رائعة في علم الدراية وفي آخر كلامه روعة بلاغية رفيعة، أي كن دقيقًا في هذه المطالب كي لا تسقط أنت وغيرك، وفي آخر بحث العدالة يشكو من قلة العدل والعدالة لذلك قال: (نسأله تعالى أن يجعلنا وحكامنا من أهل العدل والعدالة فإن عدالة الحكام والوكلاء أهم من عدالة الشهود وهي اليوم فيهم أو في العموم على أوسع معانيها أعز من الإكسير ولا يحصل القليل منها في الكثير! ولا حول ولاقوة الا بالله)(157).
وفي باب العدالة أيضًا أشار إلى تعريف (المجلة) للعدالة، وهو تعريف غريب علَّق عليه أنه لا يتحصل إلا للباري جل شأنه وملائكته المقربين، فالعادل بتعريفهم من تكون حسناته غالبة على سيئاته (ولا يخفى أن هذا لا ينكشف تمامًا إلا يوم القيامة… إلخ)(158).
ومن إشاراته قوله: (لا يجوز التأخير في الحكم أو في النظر في الخصومة إلا لعذر … ولكن بنحو لا يؤدي الى الإخلال بالحقوق بالتأجيلات المتتابعة الموجبة لتضييع العمل وتعطيل أشغال المتخاصمين كما نشاهده في هذه الأزمنة التعيسة وكل ذلك تابع لمقدار المروءة… في الحكام وهما قليلان في الكثير منهم بل معدومان)(159).
ومن إشاراته في الجزء الخاص الذي استدركه على (المجلة)، وهو الخامس، المتضمن مواد الأحوال الشخصية، فذكر أن بعض الأحكام والفتاوى التي تخص العبيد والجواري وأمهات الأولاد والسراري الذي اتسعت فروعه وأبحاثه باتساع الفتوحات الإسلامية شرقًا وغربًا، عقد الفقهاء لذلك أبوابًا وكتبًا مطولة وأبحاثًا مفصلة لم تعد اليوم لها أي ذكر كما يذكر المناطقة أصبحت سالبة بانتفاء الموضوع لذا قال: (لا موضوع لها اليوم إلا من ناحية علمية لا تصل إلى ناحية عملية، وأصبح البحث عنها أشبه بالفقه التاريخي)(160)، وهو مصطلح لم أسمع به من قبل أحد من الفقهاء فتغير المواضيع له مدخلية في العملية الاستنباطية، وما مر وانتهى موضوعه أصبح ينطبق عليه هذا المصطلح الذي أطلقه الشيخ -رحمه الله- وهو إشارة مهمة لطلاب العلوم الإسلامية بأن هذه الأبحاث تؤخر المسيرة العلمية للطلبة وتجهدهم كثيرًا وتأخذ من الوقت الثمين للبحث فيها، وقد عانينا في تلك الابحاث معاناة شديدة من الجهد والوقت أيام دراستنا لتلك الكتب التي تتناول بالتفصيل تلك المواضيع المجهدة في كتاب (الشرائع) و(اللمعة الدمشقية) و(المكاسب)، ولم يتعرض الشيخ للفقه التاريخي إلا ماجاء عفوًا أو أو استطرادا(161)، ففي باب الوقف أبدى الشيخ أسفه على هذا المشروع الخيري فقال: (صارت الأوقاف الخيرية العامة أكلة وألعوبة بأيدي المتنفذين يستغلونها لأنفسهم وينفقون أكثرها في شهواتهم ولا حسيب ولا رقيب ولا سامع ولا مجيب)(162)، هذا حال الأوقاف أمس واليوم، أما الأوقاف الخاصة فقد ذكرها قائلاً: (صارت من أقوى أسباب الفتن والفساد والبغضاء والشحناء بين الأقارب…)(163)، ثم علَّق عن هذه الصراعات وشخَّص أسبابها بقوله: (كل ذلك من الجهل الفاشي وغلبة الحرص والاستئثار… فلا حول ولا قوة [إلابالله])(164).
هذا كل ما أردنا من منهجه وأساليبه في الشرح ومستوياته والنقد وأنواعه والاستدراك والإضافة ثم التعليقات والإشارات التي صدرت من يراعه، ولكن لا تكفي هذه العجالة في الغور في أعماق منهجه وعلمه الذي بهر العقول وآثاره شاهدة على ما قلنا.
المبحث الثاني
(موارد ونماذج)
أولاً: موارده
اعتمد الشيخ -رحمه الله- في كتابه (تحرير المجلة) على عدة مصادر ومراجع استقصى منها معلوماته وأودعها كتابه فضلاً عن آرائه واجتهاداته الخاصة، ومن أهمها الكتاب الكريم المصدر الرئيس للتشريع ثم السنة الشريفة المصدر الثاني الملازم للقرآن المجيد، وقد تنوعت معلوماته في الشرح بين النص المنقول والمعقول والأدلة الاستدلالية الفقهية والشواهد الفلسفية والشعرية والأمثال وكتب اللغة والعرفان، لكن اهتم كثيرًا بإبراز آراء مدرسة أهل البيت عليهم السلام لذلك أخذ من كتب فقهاء الإمامية كثيرًا ولكنه لم يترك بقية فقهاء الإسلام.
إن من أهم موارده وحسب الأهمية الكتب الاتية:
1- (تمهيد القواعد) للشهيد الثاني زين الدين بن علي (ت 965هـ).
2- (تبصرة المتعلمين في أحكام الدين) للعلامة الحلي الحسن بن يوسف (ت 726هـ).
3- (جواهر الكلام في شرح شرائع الإسلام) لمحمد حسن النجفي الجواهري (ت1266هـ).
4- (حاشية على التبصرة) لمحمد كاظم الخراساني المعروف بالاخوند (ت1329هـ).
5- (الروضة البهية في شرح اللمعة الدمشقية) للشهيد الثاني (ت965هـ).
6- (شرائع الإسلام في مسائل الحلال والحرام) للمحقق الحلي (ت676هـ).
7- (صحيح البخاري) لمحمد بن إسماعيل (ت256هـ).
8- (العروة الوثقى) و(ملحقات العروة الوثقى) لأستاذ الشيخ السيد اليزدي (ت1337هـ).
9- (عناوين الاصول) لمير عبد الفتاح المراغي (ت1250هـ).
10- (عوائد الأيام من مهمات أدلة الاحكام) لأحمد بن محمد مهدي بن أبي ذر النراقي (ت1245هـ).
11- (القواعد والفوائد) للشهيد الأول محمد بن مكي (ت786هـ).
12- (القاموس المحيط) للفيروزآبادي (ت817هـ) 0
13- (كنـز العمال في سنن الأقوال والأفعال) للمتقي الهندي (ت975هـ).
14- (الأشباه والنظائر) لابن نجيم المصري الحنفي (ت970هـ).
هذه جملة من موارد الشيخ -رحمه الله- التي استقى منها معلوماته في كتابه (تحرير المجلة)، وما تبقى اعتمد على اجتهاده في المناقشة وإبراز الأدلة التي يعتقد أنها صحيحة فقد تكون موافقة أو مخالفة، لذا قام الشيخ بعرض أدلة الجميع على بساط البحث العلمي حتى رأْي أستاذه وهي الطريقة العلمية التي تحرك الأفكار والرؤى وتحدث حركة علمية مزدهرة.
ثانيا: نماذج
إن الذي نرجحه هو الأخذ من كل جزء ممارسة واحدة لنرى كيف يعالج الشيخ -رحمه الله- هذه المواد القانونية بالدراسة والعمق وتقليب الآراء بعرضها ومقارنتها مع غيرها، فيعد بحق المجدد الوحيد من فقهاء الإمامية في العصر الحديث في حقل الدراسات المقارنة وعلى أهم كتاب في القانون المدني يدرس في كليات الحقوق في العالم الإسلامي.
الجزء الاول:
اخترنا المادة: 175 وهي في البيع المعاطاتي فقد جاء في نصها: (حيث ان القصد الأصلي من الإيجاب والقبول هو تراضي الطرفين، فينعقد البيع بالمبادلة الفعلية الدالة على التراضي ويسمى هذا: بيع التعاطي، مثال ذلك: أن يعطي المشتري للخباز مقدارًا من الدراهم فيعطيه مقدارًا من الخبز بدون إيجاب وقبول أو أن يعطي المشتري الثمن للبائع ويأخذ السلعة ويسكت البائع)(165).
قال الشيخ: (هذا هو بيع المعاطاة المشهور وفي عبارة (المجلة) أيضًا من نوع التسامح حيث جعل القصد الأصلي من العقد أي – الإيجاب والقبول – هو التراضي مع أن الرضا والتراضي إذن وإباحة…)(166)، ثم يذكر الشيخ أن المعاطاة هي أخت العقد اللفظي، واختلاف الفقهاء من الإمامية على أشده في موضوعها وحكمها ويستعرض الأقوال التي تنتهي إلى ستة ولكنها بين إفراط وتفريط، ثم يحقق هذه الأقوال تحقيقًا علميًا يصل إلى أن المعاطاة هي أن يدفع كل من اثنين ماله إلى الآخر عوض ما يدفعه الآخر له(167).
ثم يذكر أن الألفاظ هي أدوات يبني العقلاء عليها مقاصدهم حكاية أو إيجادًا يعني: خبرًا او إنشاءً والرتبة الثانية هي الأفعال، فإن للأفعال ظهورًا كما للأقوال يشمله قوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللّهُ الْبَيْعَ)(168) ثم ذكر أن الآية: (أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)(169)، لا تشمله لأنها مختصة بالعقود اللفظية، ثم إن دليل اللزوم قاصر عن المعاطاة فتكون جائزة ولكل من الطرفين الرجوع ثم يذكر أمثلة على ذلك.
ناقش الشيخ -رحمه الله- ماجاء في (المجلة) وانتهى إلى أن البيع المعاطاتي بالفعل يكون بيعًا يجب توافر جميع شروط البيع فيه، واستعرض الشيخ هذه الشروط وقال: (إن البيوع الفاسدة مطلقًا لا تدخل في باب المعاطاة)(170).
ثم يسري الفعل من غير البيع من العقود جائزة أو لازمة كالإجارة والهبة، ثم علق الشيخ -رحمه الله- على هذا البحث المهم بقوله: (ومن أراد أن يعرف سعة فقاهة الإمامية ودقة أفكارهم وغزارة مادتهم فليرجع إلى مؤلفاتهم المبسوطة في هذا الباب)(171).
الجزء الثاني:
ومنه اخترنا المادة: 405 في باب الإجارة، وهي تبين معنى الإجارة لغة واصطلاحًا، واعتراض الشيخ -رحمه الله- على المعنى الاصطلاحي إذ فصّل القول فيه وميَّز بينه وبين غيره من التعاريف.
كان نص المادة كما ياتي: (مادة: 405 الإجارة في اللغة بمعنى: الأجرة، وقد استعملت في معنى: الإيجار أيضًا، وفي اصطلاح الفقهاء بمعنى: بيع المنفعة المعلومة في مقابلة عوض معلوم)(172).
وقد اعترض الشيخ -رحمه الله- على استعمال لفظ البيع في تعريف الإجارة وقال إنه: (من قبيل تعريف الشيء بضده)(173)، ثم ذكر أن البيع مختص بنقل الأعيان، والإجارة بنقل المنافع، وهما متباينان مفهومًا ومصداقًا، ثم أعطى تعريفه للإجارة بقوله: (هي تمليك المنفعة المعلومة بعوض معلوم)، وبعد هذا التعريف ذكر أن التمليك جنس وبإضافته إلى المنفعة خرج البيع وغيره من العقود الناقلة كالصلح والهبة، ولكن يمكن أن يشمل التعريف الصلح للتصالح على المنفعة وهبة المنافع هبة معوضة والعارية المعوضة ورد هذا بقوله: (والجميع مدفوع: بأن حقيقة الصلح التسالم وهو يقع على المعاوضة وعلى غيرها، وحقيقة الهبة تتقوم بالمجانية… والعارية إذا دخلها العوض كانت إجارة)(174).
ثم يفصل القول في الإجارة والعارية، والتحقيق في الأخيرة أنها إباحة الانتفاع لا تمليك المنفعة، ثم قال: إنها أشبه بالإيقاع وإن شاع أنها من العقود، أما الإجارة فإنها -وإن كانت حسب الشائع عند الفقهاء- عبارة عن تمليك المنفعة بعوض، ولكنها بالنظر الأدق سلطنة على العين من حيث ملكية منافعها، ثم ينقد (المجلة) في بيان بعض المصطلحات مثل المستأجِر بالكسر والمستأجَر بالفتح والمأجور والأجير والأجرة ومحل الاستغلال، فكلها مواد واضحة وتوضيح الواضح تطويل بلا طائل فيلزم حذف كل ما هو من هذا القبيل(175)، ومنه يعرف قابلية الشيخ -رحمه الله- العلمية في البحث وبيان أصعب المطالب وحل الإشكالات الفقهية لما يمتلك من موهبة علمية رفيعة، فهو محقق من الطراز الاول ومجدد سلك مسلك التحقيق العلمي والوقوف عند الحقيقة والصواب.
الجزء الثالث:
ومنه اخترنا المادة: 881 التي تعرف الغصب، ونصها كما ياتي: (مادة: 881 الغصب هو: أخذ مال أحد وضبطه بدون إذنه ويقال للآخذ: غاصب، وللمال المضبوط: مأخوذ، ولصاحبه: مأخوذ منه)(176).
بعد أن ذكر المحقق لهذا الكتاب في مقدمته أنه لم يعثر على نسخة من كتاب (مجلة الاحكام العدلية)، لكنه من هنا تم العثور على نسخة منها وبدأت المقارنة من هذا الموضع مع ما جاء في كتاب (تحرير المجلة)(177)، اعترض الشيخ -رحمه الله- على طريقة الفقهاء من العامة والخاصة بإفرادهم كتابًا خاصًا بالغصب، إلا أن كل المباحث التي يذكرونها ليست من آثار الغصب أصلاً (وإنما هي من آثار اليد والغصب فرع من فروعها وهي الأصل).
وقد بيّن في غير هذا الموضع أن الغصب هو: الاستيلاء على مال الغير بغير إذنه أو إذن الشارع ويترتب عليه حكمان:
1- الحكم التكليفي: وهو الحرمة واستحقاق العقوبة.
2- الحكم الوضعي: وهو كون المال في عهدة واضع اليد(178).
لقد اقترح الشيخ -رحمه الله- أن يسمى هذا الباب بـ (كتاب أسباب الضمان)، ومنه يلحظ دقة الشيخ العلمية في العنوان والمعنون، ثم شرع في بيان أسباب الضمانات بعد أن عرفها بقوله: (ونعني به: صيرورة مال شخص في عهدة آخر بأن يؤديه إليه عينًا أو بدلاً مثلاً أو قيمة)(179)، وبعد هذا التعريف شرع في ذكر أسباب الضمان فقال: (وإن كانت كثيرة، ولكن أشهر أصول الضمانات وأكثرها وقوعًا وأوسعها فروعًا أربعة هي:
1- اليد.
2- الإتلاف.
3- الالتزام.
4- الغرور.
وعرف اليد بأنها: (الاستيلاء على مال الغير بغير حق يعني: بغير إذن من المالك ولا الشارع…)، ثم ذكر أن الفقهاء قد اختلفوا في تعريف الغصب، فـ (المجلة) ذكرت أنه الأخذ، لكن جملة من متون فقهاء الإمامية عرفوه بأنه: الاستقلال بإثبات اليد على مال الغير عدوانًا.
وبعد المناقشة في الأقوال استقرب القول الأخير قال: (أقربها إلى الحقيقة وإن كان لا يخلو من خدشة)، يعني ذلك حتى هذا القول قابل للمناقشة أيضًا، ثم ذكر أن هناك تعبيرات أخرى قاصرة وأشدها قصورًا ما ذكرته (المجلة)، إذ لا يعتبر في الغصب الأخذ وحده، وناقش قول الإمامية القائل بالاستقلال بأنه لا يكفي وكذلك التعبير بإزالة اليد المحقة ووضع اليد المبطلة ويصل إلى أحسن التعاريف بالمعنيين:
1- المعنى العام: الاستيلاء على مال الغير بغير عوض.
2- المعنى الخاص: الاستيلاء على مال الغير عدوانًا.
ثم يقول: (ومن الغريب أن (المجلة) جعلت الآخذ هو الغاصب ثم غفلت عن جعل المأخوذ مغصوبًا والمأخوذ منه مغصوبًا منه… إلخ)(180).
وهذا البحث له شرح مميز في هذا الجزء وغيره من مواد شرح (المجلة).
الجزء الرابع:
ومنه اخترنا المادة: 1685 المتعلقة ببيان نصاب الشهادة ونصها: (مادة: 1685، نصاب الشهادة في حقوق العباد رجلان أو رجل وامرأتان، وتقبل شهادة النساء فقط في حق المال في المحال الذي لا يمكن اطلاع الرجال عليها)(181).
علق الشيخ -رحمه الله- على هذه المادة بقوله: (هذا البحث من أهم مباحث الشهادة)، لأن نصاب الشهادة مهم في حكم الحاكم وهو يختلف حسب اختلاف الحقوق، فعلى القاضي معرفة ذلك لأنه يشترط الرجال في بعض الشهادات ولا يشترط في غيرها.
ونقد الشيخ -رحمه الله- هذه المادة بقوله: (وماذكرته… ناقص ومع نقصه مختل مضطرب)(182)، ويبين الشيخ رحمه الله آراء الإمامية في تقسيم الحقوق إلى قسمين:
1- حقوق الخالق جل شأنه.
2- حقوق المخلوق.
ثم إن أظهر حقوق الله سبحانه هي العقوبات والحدود التي فرضها على مرتكبي الكبائر المحرمة في الإسلام بل في عامة الشرائع، أما نصاب الشهادة فجعلها على قسمين:
القسم الأول: نصابها أربعة رجال أو ثلاثة وامرأتين وهو جريمة الزنا المحصن الموجب للرجم، ورجلين وأربع نساء وهو زنى غير المحصن الموجب للجلد.
ونصاب الأربعة منصوص عليه، قال تعالى: (فَاسْتَشْهِدُواْ عَلَيْهِنَّ أَرْبَعةً مِّنكُمْ)(183)، وقوله تعالى: (لَوْلا جَاؤُوا عَلَيْهِ بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء)(184)، أما نصاب النساء مقام الشاهد والشهود فقد ثبت بالسنة، وعلل نصاب الأربعة بأنه شهادة على اثنين الزاني والمزني بها، لكنه قال عن هذا التعليل: (والخدشة فيه واضحة)، وفي بعض الأحاديث كما ذكر أنه تعبد خاص وإيماء إلى بطلان القياس وإلا فالقتل أعظم جريمة عند الله وأضر في المجتمع مع أنه لم يعتبر في إثباته الأربعة.
ولم يذكر الشيخ -رحمه الله- حكمة الأربعة إلا التعبد وأن هناك حكمة دقيقة اعتذر عن ذكرها بقوله: (لا مجال لذكرها في هذا المقام)(185).
وممن يلحق بالأربعة من الجرائم قال: (ويلحق بالزنا أخواه اللواط والسحاق)، أما إتيان البهائم ففيه خلاف.
القسم الثاني:
ما لا يثبت إلا بشاهدين من الرجال وهو: ما عدا ما تقدم من باقي الجرائم والجنايات كالقتل والسرقة وشرب الخمر والارتداد وهذا مجمل حقوق الخالق.
أما حقوق المخلوق فهي أيضًا على أنواع:
1- ما لا يثبت إلا بشاهدين كالطلاق والوكالة والوصية العهدية والأهلة والنسب.
2- ما يثبت بشاهد وامرأتين وشاهد ويمين كالديون من القرض والغصب وعقود المعاوضات وغيرها.
3- ما يثبت بالرجال منفردين وبالنساء منفردات أو منضمات.
ثم أعطى قاعدة كلية بالنسبة لإثبات الحق بشهادة النساء منفردات فقال: (وكل مورد يثبت به الحق بشهادة النساء منفردات فلا يكفي فيه أقل من أربع)(186).
واذا لم يكمل النصاب كانت الشهادة لغوًا لا أثر لها إلا في موردين:
أ- الوصية التمليكية، فإنه يثبت بالواحدة ربع وبالاثنين نصف وبالثلاث ثلاثة أرباع وبالأربعة الكل.
ب- الاستهلال: أي الشهادة بولادة الجنين حيًا، فيثبت بالواحدة ربع الميراث وهكذا…
أما بالنسبة إلى العقود والإيقاعات فقال -رحمه الله-: (لا تجب… لا وضعًا ولا تكليفًا)، أما الطلاق فإنه لا يصح بدون حضور الشاهدين العدلين ويستحب فيما عدا ذلك.
ويلخص كل ما بحثه بمنهجية أخرى أكثر عمقًا فيقول:
أولاً: النصاب في حقوق العباد لا ينحصر في الرجلين أو الرجل والمرأتين بل يحصل بالواحد مع اليمين أي يمين المدعي.
ثانيًا: شهادة النساء في الجملة تقبل في المال وغيره في حقوق العباد وغيرها في ما يمكن اطلاع الرجال عليه وغيره.
ثالثًا: أن التعبير بالمال ثم تقييده بالمحال التي لا يمكن اطلاع الرجال عليها يشبه أن يكون تهافتًا، فإن كثيرًا من المحال التي لا يمكن الاطلاع عليها لا تعلق لها بالمال أصلاً كعيوب النساء الموجبة لفسخ عقد النكاح.
رابعًا: ليس المدار في صحة شهادة النساء عدم إمكان اطلاع الرجال فإن جميع موارد قبول شهادتهن كالولادة وعيوب النساء يمكن اطلاع الرجال عليها، ولكن يعسر ذلك في الغالب على الرجال لا إنه لا يمكن فتدبره جيدًا.
وعلق على ما أورده من بحوث قيمة في هذا المقام فقال: (اغتنم هذا البحث فإنه ثمين ومتين نافع)(187).
الجزء الخامس:
هذا الجزء من استدراك الشـيخ -رحمه الله- على ما جاء في (المجلة) الَّفه على طريقة مواد (المجلة)، ذكر فيه (263) مادة مبتكرة، فهو مبتكر الصياغة القانونية على مذهب الإمامية، عنونه بعنوان الأحوال الشخصية وإن كان هذا المصطلح من المصطلحات الغربية، ولم يعرف في الموسوعات الفقهية عند جميع المسلمين إلا بفقه الأسرة أو شؤونها لذلك قدم الشيخ -رحمه الله- تمهيدًا مهمًا في مبدأ الحياة العائلية وتكوين الأسر تكلم فيه عن الأسرة التي تكوِّن الأمة، وبالأمم تتكون القافلة البشرية، وهو بحث مهم ذكر فيه غاية الشريعة وأهدافها من تكوّن الأسر والعلاقات الاجتماعية فيما بينها.
هذا الجزء قد خلا من مباحث الميراث مع أهميتها في حل النـزاعات القانونية وحاجة الحاكم إلى الفصل فيها وتتمة إلى القانون المدني لكل بلدان الإسلام.
اخترنا بحث الوقف لأهميته في التضامن الاجتماعي وتقوية أواصر المجتمع، بدأ الشيخ -رحمه الله- في لفظ الوقف فذكر أنه تعبير لم يرد في الكتاب الكريم أصلا ولا في السنة والحديث إلا نادرًا، وإنما التعبير الشائع في السنة الشريفة هو الصدقة والصدقة الجارية.
ويستدل على ذلك بما أوقفه أمير المؤمنين والزهراء سلام الله عليهما: (هذا ما تصدق به علي وفاطمة)(188)، فكان التعبير بالصدقة وليس بالوقف وكذلك بالحديث المشهور من ترك صدقة جارية وغيرها.
ويتعرض الشيخ -رحمه الله- إلى إشارة مهمة هي انعكاس هذا المشروع الخيري إلى مجموعة من المتنفذين باستغلال هذه الأوقاف العامة لمصالحهم الخاصة، أما الخاصة فقد صارت من أقوى أسباب الفتن والفساد والبغضاء والشحناء بين الأقارب، وقد أدى إلى تلف الأموال والنفوس وسببه الجهل المتفشي وغلبة الحرص والاستئثار.
وفرق الشيخ -رحمه الله- بين الصدقة والهبة، فان كان بلا قربة فهو الهبة وإن قصد القربة فهو الصدقة، وذكر أنواع الصدقات وهي كما يأتي:
1- منقول: وهو واجب ومستحب، فالواجب الزكاتان زكاة الأموال وزكاة الأبدان، واستدل على زكاة الفطرة بقوله تعالى: (قَدْ أَفْلَحَ مَن تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)(189)، والصلاة في القرآن الكريم دائمًا أو غالبًا مقدمة على الزكاة إلا في هذا المقام، لأن زكاة الفطر يجب تقديمها على صلاة العيد، أما المستحب فهي الصدقة المتعارفة على الفقراء.
2- غير المنقول: مثل العقار والدار فهي أيضًا نوعان:
أ- إذا قصد القربة والدوام بإخراج العين من ملكه فهو الوقف.
ب- إذا لم يملك الرقبة بل ملك المنافع فهو الحبس (العمرى، الرقبى، السكنى).
ويتعرض الشيخ -رحمه الله- إلى مسلك المشهور في تعريف الوقف والفرق بينه وبين الحبس، إذ جعلوا الفرق بينهما كالفرق بين البيع والإجارة ومن أجل ذلك وقعوا في محاذير أشكل عليهم التفصي عنها.
وبعد الشرح لكل ذلك يحقق المطلب فيقول: (والتحقيق عندنا…)(190)، وهذا التحقيق من البحوث الجديدة والمهمة فقد قال: (ان الوقف ليس إخراجًا عن الملك ولا تمليكًا للغير بل هو تقييد الإنسان ملكيته المطلقة)، وعلى هذا القول تبقى الملكية على حالها لكنها مقيدة بإيقاف جميع التصرفات أي لا يقدر الإنسان الذي أوقف أو تصدق على البيع أو الرهن أو أي تصرف يتعلق برقبة الأرض الموقوفة.
فهنا ملكيتان:
1- ملكية واقفة مقيدة.
2- ملكية متحركة مطلقة.
فالشيخ -رحمه الله- لا يؤيد ما ذهب إليه المشهور بخروج الملكية عن نفسه للغير، ولكن يمكن أن يقال كما ذكر تمليك المنافع لغيره، والنتيجة التي وصل اليها أن الوقف مثل التحبيس وأنواعه لذلك قال: (فالوقف من هذه الجهة مثل التحبيس…)، وهذا المعنى مطابق لما جاء في الحديث النبوي الشريف تحبيس الأصل وتسبيل المنفعة.
حاول الشيخ -رحمه الله- أن يفرق بين الوقف والحبس (في الفقه الإمامي) فذكر مايأتي:
1- أنه في الوقف منع نفسه عن التصرف بالعين مع بقائها في ملكه بخلافه في التحبيس فانه يتصرف بها كيف شاء.
2- أنه ملك المنافع للغير في الوقف ملكية دائمة وفي التحبيس ملكية مؤقتة.
وبهذه النتيجة حل جملة من الإشكالات في المواد المتضمنة صيغة الوقف وشروطه وأحكامه، ثم ذكر أنواع الوقف كما يأتي:
أ- الخاص: ماكان على أفراد معينين متعاقبين.
ب- العام: ما كان على الجهات العامة كالقناطر والمساجد والمدارس، ويلحق به ما كان على كلي كالفقراء وطلاب العلوم.
وبعدها بين أركان الوقف الأربعة وهي:
1- صيغة الوقف.
2- الواقف.
3- الموقوف.
4- الموقوف عليه.
ويأتي بعد ذلك الأحكام العامة… هذا ما قدمه الشيخ -رحمه الله- من مباحث الوقف والآراء فيه وصاغه على شكل مواد قانونية(191).
* * *
الهوامش
(1) كاشف الغطاء، محمد الحسين، تحرير المجلة، تحق: محمد الساعدي، (قم: المجمع العالمي للتقريب بي المذاهب الإسلامية، 1422هـ)، ج1،ص 109 0
(2) المصدر نفسه، ج1،ص 110.
(3) فوزي، أحمد، سيرة وحكايات 6 رجال فكر وقانون، (بغداد: مطبعة الانتصار،1985م)، ص 54.
(4) تحرير المجلة، ج1، ص 110.
(5) البقرة / 148.
(6) النساء / 95؛ الحديد/10.
(7) تحرير، ج1، ص 110.
(8) الحكيم، محمد جعفر، تاريخ وتطور الفقه والأصول في حوزة النجف الأشرف العلمية، (بيروت: المؤسسة الدولية للدراسات والنشر، 1423هـ)، ص 74 0
(9) تحرير، ج1، ص 426.
(10) المصدر نفسه، ج1، ص 426.
(11) المصدر نفسه، ج1، ص 426.
(12) المصدر نفسه، ج1، ص 426.
(13) البستاني، محمود، محمد الحسين كاشف الغطاء فقيها، بحث منشور في مجلة آفاق نجفية، العدد 2 للسنة الأولى 1427هـ/ 2006م، ص 328 0
(14) المصدر نفسه، ص 329.
(15) شاكر، أحمد محمود، (نظام الطلاق في الإسلام)، مجلة آفاق نجفية، العدد2 لسنة 1427هـ/2006م نقلا عن مجلة الرسالة المصرية والمنشور سنة 1936م وهو عبارة عن رسالة جوابية نقدية لهذا الكتاب من قبل الشيخ رحمه الله، ص 352.
(16) كاشف الغطاء، محمد الحسين، جنة المأوى، تحق: محمد علي الطباطبائي، (قم: دار أنوار الهدى، 1426هـ)، ص 284.
(17) المصدر نفسه، ص 293.
(18) تحرير المجلة، ج3، ص 296.
(19) تحرير المجلة، ج1، ص612.
(20) المصدر نفسه، ج1، ص550.
(21) المصدر نفسه، ج1، ص605-632.
(22) المصدر نفسه، ج3، ص 91-95.
(23) المصدر نفسه، ج3، ص113-115.
(24) المصدر نفسه، ج3، ص117- 120.
(25) تحرير، ج3، ص 128- 143.
(26) المصدر نفسه، ج3، ص 143.
(27) المصدرنفسه، ج3، ص153.
(28) المصدر نفسه، ج3، ص154.
(29) المصدر نفسه، ج3، ص158.
(30) المصدر نفسه، ج3، ص182.
(31) المصدر نفسه، ج3، ص259.
(32) المصدر نفسه، ج3، ص 265- 268.
(33) المصدر نفسه، ج 3، ص 351.
(34) المصدر نفسه، ج4، ص 20.
(35) المصدر نفسه، ج4، ص 55- 60.
(36) المصدر نفسه، ج4، ص 219- 228.
(37) تحرير، ج4، ص 283.
(38) المصدر نفسه، ج4، ص 296- 304.
(39) المصدر نفسه، ج4، ص 321- 329.
(40) المصدر نفسه، ج4، ص 332- 337، وهي المادة: 1705.
(41) المصدر نفسه، ج4، ص 393- 397.
(42) المصدر نفسه، ج4، ص 428- 442.
(43) المصدر نفسه، ج5، ص 10- 193 ؛ جنة المأوى، ص 284.
(44) تحرير، ج2، ص 24.
(45) المصدر نفسه، ج2، ص 389.
(46) المصدر نفسه، ج3، ص 121.
(47) تحرير، ج3، ص 121.
(48) المصدر نفسه، ج3، ص 182.
(49) المصدر نفسه، ج3، ص 92.
(50) المصدر نفسه، ج3، ص 113.
(51) مجلة الاحكام العدلية، شكلها ونسقها خطاط جلالة الملك المحامي نجيب بك هواويني، ط2 (دمشق: قوزما، 1923م)، ص 301.
(52) تحرير، ج3، ص 441.
(53) مجلة الأحكام، ص 306.
(54) تحرير، ج3، ص 307.
(55) مجلة، ص 443.
(56) تحرير، ج4، ص 84.
(57) المصدر نفسه، ج4، ص 148.
(58) المصدر نفسه، ج4، ص 152.
(59) تحرير، ج4، ص 488.
(60) ينظر: تحرير، ج5، ص 10- 17.
(61) المصدر نفسه، ج1، ص 313.
(62) المصدر نفسه، ج1، ص 319.
(63) للمزيد: ينظر، تحرير، الأجزاء كلها إلا الجزء الخامس.
(64) المصدر نفسه، ج1، ص 405.
(65) المصدر نفسه، ج3، ص 27.
(66) تحرير، ج2، ص 333.
(67) المصدر نفسه، ج3، ص 170.
(68) المصدر نفسه، ج3، ص 179.
(69) المصدر نفسه، ج3، ص 327.
(70) المصدر نفسه، ج3، ص 333.
(71) المصدر نفسه، ج3، ص 492.
(72) المصدر نفسه، ج 4، ص 283.
(73) المصدر نفسه، ج4، ص 509.
(74) تحرير، ج1، ص 110.
(75) المصدر نفسه، ج1، ص 114.
(76) المصدر نفسه، ج1، ص 114.
(77) المصدر نفسه، ج1، ص 115.
(78) المصدر نفسه، ج1، ص 135.
(79) تحرير، ج1، ص 159.
(80) المصدر نفسه، ج1، ص 159.
(81) المصدر نفسه، ج1، ص 169.
(82) المصدر نفسه، ج1، ص 193.
(83) المصدر نفسه، ج1، ص 214.
(84) المصدر نفسه، ج1، ص 289.
(85) المصدر نفسه، ج1، ص 289.
(86) تحرير، ج1، ص 289.
(87) المصدر نفسه، ج1، ص 397.
(88) المصدر نفسه، ج1، ص 397.
(89) المصدر نفسه، ج1، ص 398.
(90) المصدر نفسه، ج1، ص 398.
(91) المصدر نفسه، ج1، ص 411.
(92) المصدر نفسه، ج1، ص 522.
(93) تحرير، ج1، ص 523.
(94) المصدر نفسه، ج1، ص 524.
(95) المصدر نفسه، ج1، ص 525.
(96) المصدر نفسه، ج1، ص 526.
(97) المصدر نفسه، ج1، ص 526.
(98) المصدر نفسه، ج1، ص532.
(99) المصدر نفسه، ج1، ص 532.
(100) المصدر نفسه، ج1، ص 542.
(101) المصدر نفسه، ج2، ص 8.
(102) تحرير، ج2، ص 9.
(103) المصدر نفسه، ج2، ص 45.
(104) المصدر نفسه، ج2، ص 189؛ وهي المادة: 598 التي ترفع الضمان من الشريك الذي تأول العقد واستباحة منافع حصة شريكه بدون إذنه.
(105) المصدر نفسه، ج2، ص 261، 263، 283.
(106) المصدر نفسه، ج2، ص 380.
(107) المصدر نفسه، ج2، ص 405.
(108) الصدر نفسه، ج2، ص 412 ؛ وللمزيد: ينظر من 404- 412 فالشيخ يشكو من حرمان كتابه من النقد وفيه فوائد جمة.
(109) تحرير، ج3، ص 8.
(110) المحقق الحلي، جعفر بن الحسن، شرائع الإسلام، تحق: عبد الحسين محمد علي، (النجف الأشرف: مطبعة الآداب، 1969م)، ج2، ص 171.
(111) المصدر نفسه، ج2، ص 173.
(112) تحرير، ج3، ص 11.
(113) المصدر نفسه، ج3، ص 25.
(114) تحرير، ج3، ص 49.
(115) المصدر نفسه، ج3، ص 72.
(116) المصدر نفسه، ج3، ص 66.
(117) المصدر نفسه، ج3، ص 73،
(118) المصدر نفسه، ج3، ص 82، 331.
(119) تحرير المجلة، ج1، ص 209- 214.
(120) المصدر نفسه، ج1، ص 214- 288.
(121) المصدر نفسه، ج1، ص 214.
(122) المصدر نفسه،ج1، ص 288.
(123) المصدر نفسه، ج1، ص 591.
(124) تحرير، ج1، ص 612.
(125) المصدر نفسه، ج1، ص 612.
(126) المصدر نفسه، ج1، ص 613.
(127) المصدر نفسه، ج2، ص 101.
(128) المصدر نفسه، ج2، ص 203.
(129) المصدر نفسه، ج3، ص 312.
(130) المصدر نفسه، ج3، ص 313.
(131) المصدر نفسه، ج4، ص 100.
(132) تحرير، ج4، ص 203.
(133) المصدر نفسه، ج4، ص 499.
(134) المصدر نفسه، ج4، ص 512.
(135) المصدر نفسه، ج4، ص 513.
(136) تحرير، ج1، ص 115.
(137) المصدر نفسه، ج1، ص170.
(138) المصدر نفسه، ج1، ص 171.
(139) المصدر نفسه، ج1، ص 171.
(140) المصدر نفسه، ج1، ص 171 ؛ ذكر المحقق في هامشه أنه مثل يضرب لمن ذهب من ماله شيء ثم ذهب بعده ما هو أجل منه: وهو صدر بيت لامرىء القيس وعجزه ولكن حديثا ما حديث الرواحل.
(141) المصدر نفسه، ج1، ص 300.
(142) تحرير، ج1، ص 184.
(143) المصدر نفسه، ج1، ص 424.
(144) المصدر نفسه، ج2، ص 403.
(145) المصدر نفسه، ج3، ص 223.
(146) المصدر نفسه، ج 3، ص 266.
(147) المصدر نفسه، ج 3، 312.
(148) هامش المحقق، ج 3، ص 312.
(149) تحرير، ج 3، ص 337.
(150) المصدر نفسه، ج3، ص 498.
(151) المصدر نفسه، ج 4، ص 34.
(152) المصدر نفسه، ج 4، ص 36.
(153) المصدر نفسه، ج 4، ص 283.
(154) المصدر نفسه، ج4، 284.
(155) المصدر نفسه، ج4، ص 285.
(156) المصدر نفسه، ج4، ص 337.
(157) تحرير، ج4، ص 337.
(158) المصدر نفسه، ج4، ص 335.
(159) المصدر نفسه، ج4، ص 483.
(160) المصدر نفسه، ج 5، ص 117.
(161) تحرير، ج5، ص 17.
(162) المصدر نفسه، ج5، ص 138.
(163) المصدر نفسه، ج5، ص 138.
(164) المصدر نفسه، ج5، ص 138.
(165) تحرير، ج1، ص 356.
(166) المصدر نفسه، ج1، ص 356.
(167) المصدر نفسه، ج1، ص 358.
(168) البقرة / 275.
(169) المائدة /1.
(170) تحرير، ج1، ص 361.
(171) المصدر نفسه، ج1، ص 362.
(172) تحرير، ج2، ص 7.
(173) المصدر نفسه، ج2، ص 8.
(174) المصدر نفسه، ج2، ص 8.
(175) المصدر نفسه، ج2، ص 9.
(176) تحرير، ج3، ص 113.
(177) ينظر: هامش المحقق، ج3، ص113.
(178) المصدر نفسه، ج3، ص 125.
(179) المصدر نفسه، ج3، ص 114.
(180) تحرير، ج3، ص 115.
(181) تحرير، ج4، ص 296.
(182) المصدر نفسه، ج4، ص 299.
(183) النساء / 115.
(184) النور / 13.
(185) تحرير، ج4، ص 300.
(186) المصدر نفسه، ج4، ص 303.
(187) تحرير، ج4، ص 304.
(188) الطوسي، أبو جعفر محمد بن الحسن، تهذيب الأحكام في شرح المقنعة، تعليق: علي أكبر الغفاري، (طهران: مكتبة الصدوق، 1417هـ)، ج9، ص 169 في باب الوقوف والصدقات وفي عدة أحاديث ذكرت كلمة الصدقة ولكن وردت كلمة الوقف أيضًا.
(189) الأعلى / 14- 15.
(190) تحرير، ج5، ص 140.
(191) تحرير، ج5، ص 141.