تظل الأفكار والرؤى النظرية محل لتداول النخب المثقفة و العلماء، قد يكون لها نصيب من الانتشار بحسب قدرة أصحابها على الاحتكاك بالناس، وهذا ما صنعته جماعة الإخوان بأفكار ورؤى مدرسة المنار، وهذا ما حاولنا إيضاحه في البحث السابق(**)، ولكن تظل هذه الرؤى – مهما كانت قدرتها على الإقناع- أماني وأحلام، لا تستطيع الشعوب أن تتواصل معها حتى تنـزل إلى أرض الناس، وتتحول لمشاريع تتعامل مع مشاكلهم، سواء بالحل أو المشاركة في المعاناة، وتتحول كلمات الفكرة إلى ثمرة يأكلها الناس، ووصفات العلاج إلى دواء يتعامل مع أوجاع الناس ويطببهم، تحقيقا للقانون القرآني: (فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ) (الرعد – آية 17).
وفي هذه السطور نتجه لدراسة كيفية تحويل الجماعة الكلمات إلى مشروعات وخدمات تنفع الناس، وهو ما صنع لمدرسة المنار وجود بين الناس على يد جماعة الإخوان في الربع الثاني من النصف الأول من القرن العشرين، إذ تحولت الفكرة إلى مشروعات خدمية واقتصادية، وتحولت وسائل نشر الفكرة لصوت يتكلم عن حقوق الشعب ويطالب بالاصلاح الاجتماعي والاقتصادي، مما صنع للفكرة حركة تتفاعل مع فئات المجتمع في كل مكان في مصر.
وسوف نتناول في السطور التالية العناصر التالية:
– نشأة العمل الاجتماعي.
– مجتمع جماعة الإخوان المسلمين.
– المشكلة وقواعد الإصلاح الاجتماعي.
– والمجتمع الريفي.
– والمجتمع الإداري والصناعي.
– والمرأة والطفل.
– والخدمات الاجتماعية.
– والاقتصاد.
– أبرز البرامج الاجتماعية والاقتصادية.
نشأة العمل الاجتماعي في مصر:
لم تكن جماعة الإخوان في عملها الاجتماعي فريدة من نوعها فقد سبقتها في هذا المضمار العديد من الجمعيات الإسلامية وغير الإسلامية، بل إن أول من شرع في تأسيس هذا الشكل من العمل الاجتماعي في مصر كانت الجمعية الخيرية اليونانية الأولى في الإسكندرية عام 1821م، ثم بدأت الجمعيات الخيرية الإسلامية فكانت الجمعية الخيرية الإسلامية الأولى عام 1878م، والثانية التي أسسها الشيخ محمد عبده عام 1892م، ثم جمعية الدعوة والإرشاد لمؤسسها الشيخ محمد رشيد رضا بالاشتراك مع الشيخ محمد عبده، والتي تعطل عملها حتى عام 1912م، وقد كان الدافع وراء الجمعيات الإسلامية طغيان النفوذ الأجنبي ونشاط البعثات التبشيرية في المجالات الاجتماعية والتعليمية، لذا فقد اتجهت هي الأخرى لنفس الاتجاه من العمل الاجتماعي وتأسيس المدارس الوطنية، ولم يقتصر الأمر على الاتجاه الإسلامي، فقد شعر الأقباط المصريون بحاجتهم لهذا الأمر فأسسوا جمعية التوفيق القبطية لرعاية الفقراء ونشر التعليم عام 1891م(1).
هذا من الناحية الشكلية ولكن الإخوان تميزوا بأن العمل الاجتماعي لديهم مرتبط بهدفهم من التغيير، فالعمل الاجتماعي عند الجماعة يرتبط بالإطار الفكري الذي التزمت به الجماعة، فالإخوان يرون أن التغيير له أحد طريقين إما الثورة أو التطور الاجتماعي، والأمم التي اتبعت الطريق الأول انتفعت كثيرا ولكنها ضحت أكثر كفرنسا في ثورتها فقد قتل الزعماء بعضهم بعضا، وكذا الثورة الروسية، والنهضة في هذه الحالة لا تضمن حرية الفكر للناس وتقتل الكرامة فيهم، والثورة المسلحة تسير بعقل رجل واحد وقد يخطئ فيرتكب الأضرار العظيمة(2)، أما التطور الاجتماعي فهو الطريق الذي آمن به الإخوان على أنه يجب أن يراعي عوامل التطور في الأمم ولابد أن يتصف بالشمول فلا يكون التقدم في ناحية دون الأخرى(3).
وقد اتجهت الجماعة إلى النشاط الاجتماعي منذ يومها الأول في الإسماعيلية، وقد تشعب هذا النشاط مع ازدياد انتشار الجماعة ونموها الذاتي، وقد كان هذا الانتشار في ذاته أحد وسائل التأثير في المجتمع، فبهذا الانتشار – الذي وصل إلى كثير من قرى الريف فضلا عن المراكز والمدن(4)– وصلت الجماعة بأفكارها ومبادئها إلى كافة فئات المجتمع وطبقاته، وما أن نمت قدراتها حتى أخضعت كل من ينتمي إليها لبرامجها ومناهجها المرسخة لأفكارها ومبادئها، ولذلك يعتقد الباحث أن توصيف مجتمع الجماعة من الداخل لا يقل أهمية عن شرح نشاطها الاجتماعي وأثره، وذلك أن الأعضاء الذي بلغ تعدادهم مئات الآلاف عام 1953م هم أكثر تأثرًا عمن اتصلوا بالجماعة وهم خارجها(5).
مجتمع جماعة الإخوان المسلمين:
استطاعت الجماعة أن تصنع داخلها مجتمعا خاصا بها، ووفرت لهذا المجتمع برامج تشغل وقته وتستثمر طاقاته المختلفة، وأوجدت له بدائل عن كل ما يجده في المجتمع المصري، بما في ذلك المجال الفني، فكانت هناك المسرحيات والأناشيد والموسيقي الإخوانية، والمجال الرياضي، فكانت الفرق الرياضية المختلفة التي تشارك في دوري الألعاب لمختلف الرياضيات الموجودة بمصر(6)، وقد كان للمجتمع الإخواني ضوابط داخلية، وضوابط تحكم تصرفاته تجاه المجتمع المصري، وسنبدأ بالحديث عن الفرد الإخواني.
الفرد عند الإخوان هو حجر الزاوية في الإصلاح الاجتماعي وإليه توجهت البرامج التربوية التي اعتمدتها الجماعة، ووجهت إليه تكليفات من خلال جدول يسجل فيه أداءه لهذه الواجبات من عدمه(7)، بالإضافة لهذا أصبح على العضو في الجماعة أن يلتزم بالسلوك الاقتصادي الذي نظمته الجماعة، وخلاصته أنه يجب أن يكون إنسانا منتجا فلا يكفي بثروته إن كان غنيا، ولا بوظيفته الحكومية إن توفرت له، وأن يحرص على أن يشارك في عمل حر مهما كان ضئيلا، هذا من ناحية الدخل، أما مصارف دخله فيجب أولا أن يؤدي الزكاة إن وجبت عليه، ثم يشارك في الدعوة بجزء منه، وأن يدخر منه للطوارئ، وألا يتورط في الكماليات، وفي شراء مستلزمات بيته يكون حريصا على تشجيع المصنوعات الإسلامية والمنشآت الاقتصادية الإسلامية(8)، وفي هذا السبيل أسس الإخوان شركة التوكيلات التجارية، ومن أنشطة الشركة توفير اللوازم المنزلية والسلع الاستهلاكية للإخوان بسعر الجملة، هذا غير تحريم التعامل الربوي في أي من شؤون حياته(9).
ومن الناحية الاجتماعية، فقد حرمت على العضو بها لعب القمار وشرب الخمر والتدخين، والإفراط في القهوة والشاي، وألا يقترب من أماكن اللهو، وأن يتجنب أصدقاء السوء، ويقترب من أعضاء مجموعته من الإخوان، وأن يحرص على الاجتماعات الإخوانية، وان يجتهد في إحياء العادات الإسلامية في مظاهر الحياة مثل التحية واللغة والزي، ومواعيد العمل والراحة، والقدوم والانصراف، والطعام والشراب، وأن يحرص على التأثير في محيطه المنزلي وفي عمله بما يقرب الآخرين من فكرة الإخوان(10).
ومن مجموع الأفراد تبدأ الجماعة في تكوين البيئة المحيطة بالأفراد، فيتم تقسيمهم مجموعات صغيرة بين خمسة إلى عشرة أفراد، ويوضع لهذه المجموعات التي سميت الأسر نظام يكفل الترابط بين أفرادها، وأعمدته التعارف والتفاهم والتكافل(11)، وأسس صندوق الإخوان التضامني، وهو صندوق تجمع فيه اشتراكات الأعضاء وتبرعاتهم ويرسل خمس مال الصندوق للمركز العام لاستثماره في التأمين الاجتماعي الإسلامي للجماعة، والأسرة الإخوانية تنتخب رئيسها ويسمى نقيبا(12)، والأسرة تعتبر وحدة متكاملة تسأل جماعيا عن أعمالها، وتكوِّن كل أربع أسر “عشيرة”، وكل خمس عشائر تكوِّن رهطان وكل خمسة رهوط تكوِّن كتيبة. وفي البداية كانت تتبع المرشد العام شخصيا – وقد بدأ هذا النظام في خريف 1937م- يقوم بنفسه بمتابعة أعمالها وتربيتها، ولكن مع تزايد الأعداد وضعت القيادة العليا في يد قسم جديد بالجماعة هو قسم الأسر وذلك في سبتمبر 1943م، ومنه صدرت عدة نشرات خاصة لتحكم النشاط الداخلي للأسر(13).
والمجتمع الإخواني يحرص على تثقيف أفراده، لذا يشترط أن يتعلم أعضاؤه القراءة والكتابة ويضع لهم برامج ثقافية متدرجة المستويات، ولكنه في ذات الوقت يحرص على عزل أفراده بعيدا عن المؤثرات الثقافية الخارجية، فيطلب من كل عضو أن يكون له مكتبة مهما كانت صغيرة، وأن يكون فيها رسائل الإخوان وكتبهم فضلا عن جرائدهم ومجلاتهم، ولكنه يجب أن يقاطع كل الكتابات التي تناهض الفكرة الإسلامية(14)، وكذلك يجب مقاطعة الأندية والجماعات والمدارس والهيئات التي تناهض فكرة الإخوان (الإسلامية)، وأن يقطع صلته بأي هيئة أو جماعة لا يكون الاتصال بها في مصلحة فكرته، وخلاصة وضعه في الجماعة أن يكون “كالجندي في الثكنة ينتظر الأمر”(15).
ومجتمع الجماعة لا يقبل الاختلاط بأي صورة، فالمرأة معزولة عزلا تاما عن كافة أنشطة الجماعة ومراكزها، حتى درس الثلاثاء والذي يعتبر المؤتمر الأسبوعي الحاشد وغالبا ما يلقيه المرشد العام شخصيا، لا مكان فيه للنساء، وتم وضع شكل تنظيمي مستقل تماما، وقيادته غالبا ما وضعت في يد زوجة أحد الإخوان القياديين حتى لا يحدث أي اختلاط في الاتصال، كما كان مكان إدارة تنظيم الأخوات المعروف باسم “الأخوات المسلمات” بعيدًا عن المركز العام(16)، والمجتمع الإخواني يقاطع المحاكم الأهلية وكل قضاء غير إسلامي، ويحرص على إماتة العادات الأجنبية(17)، ولفض أي خلاف بين الإخوان في أي مستوى وضعت لائحة التحقيقات(18)، وللانضمام للإخوان وضعت شروط العضوية، وكذلك وضعت ضوابط الترقي، بمؤسسات الجماعة المختلفة(19)، وإن ظل هناك شروط غير مكتوبة للترقي في تنظيمات الجماعة العلنية، مثل القدرة الخطابية، والتفرغ النسبي لأنشطة الدعوة، والنشاط في أداء التكليفات، والطاعة التامة خاصة عندما يتصل الأمر بالمرشد العام، فإن التفكير في الاعتراض عليه أو التصريح بذلك قد يقذف بصاحبه خارج الجماعة، وإن كان هذا الأمر قاصرا على حسن البنا، وقد تغير ولم يعد له هذه الخطورة بعد إغتياله، ولكن ظل في الجماعة سمت عام هو عدم الاقتراب من الأقوال وأفكار الرجل بأي اعتراض أو مراجعة(20).
هذا المجتمع الإخواني وإن كان منعزلا في بعض جوانبه ومعتزلا لبعض الأشكال والهيئات والثقافات في المجتمع المصري، إلا أنه مجتمع مأمور من جانب الجماعة على إصلاح ما يمكن من المجتمع المصري، فيشترك في مقاومة الأوبئة التي أصابت الريف المصري، ويرفع شكايات المظلومين إلى المسئولين، وبصورة إجمالية العمل على الخير العام، والقيام بالخدمة العامة في كافة المجالات الممكنة(21)، وإن كان ذلك مرتبطا بالأشكال التنظيمية حتى لا يحدث تعارض أو إهدار للجهود من جانب، وليكون الأداء حاملا للسمت الإخواني من جانب آخر.
المشكلة الاجتماعية:
الأمر لم يكن عند الإخوان عملا خيريًا للمحتاجين من أبناء الشعب ولكنه استيعاب للمشكلة الاجتماعية بأبعادها المختلفة في نواحي البلاد، لذا نراهم يحددون إلى جانب الأهداف العامة للجماعة أهدافًا خاصة لا يصير المجتمع المصري إسلاميا إلا بتحقيقها، فيصفون حجم المشاكل بأن “أكثر من 60% من المصريين يعيشون أقل من معيشة الحيوان، ولا يحصلون على القوت إلا بشق النفس وأن مصر مهددة بمجاعة قاتلة ومعرضة لكثير من المشكلات الاقتصادية التي لا يعلم نتيجتها إلا الله، وأن مصر بها أكثر من 320 شركة أجنبية تحتكر كل المرافق العامة وكل المنافع الهامة في جميع أنحاء البلاد، وأن دولاب التجارة والصناعة والمنشآت الاقتصادية كلها في أيدي الأجانب المرابين، وأن الثروة العقارية تنتقل بسرعة البرق من أيدي الوطنيين إلى أيدي هؤلاء، وأن مصر أكثر بلاد العالم المتمدين أمراضا وأوبئة وعاهات، وأن أكثر من 90% من الشعب المصري مهدد بضعف البنية وفقد الحواس ومختلف العلل والأمراض، وأن مصر لا زالت إلى الآن جاهلة لم يصل عدد المتعلمين فيها إلى الخمس، بما في ذلك أكثر من مائة ألف شخص لا يتجاوز تعليمهم برامج مدارس الإلزام، وأن الجرائم تتضاعف في مصر وتتكاثر بدرجة هائلة حتى أن السجون لتخرج أكثر مما تخرج المدارس، وأن مصر لم تستطع إلى الآن أن تجهز فرقة واحدة في الجيش كاملة المعدات”(22).
ولذا فأهداف الإخوان الخاصة أن “يعملوا لإصلاح التعليم ومحاربة الفقر والجهل والمرض والجريمة وتكوين مجتمع نموذجي يستحق أن ينتسب إلى شريعة الإسلام”(23)، وعلى ذلك فإن الجماعة “ستحارب الفقر فتدعو إلى تعديل هذه الأوضاع الاجتماعية المقلوبة، وتدعو إلى التقريب بين أفراد الشعب وطبقات الأمة، فلا تخمة في الثراء يقابلها مغبة وبؤس في عامة الفقراء”(24)، فالفقراء سيجدون في الجماعة ملجأهم والناطقة بشكواهم، ليس فقط لأنهم ضعفاء بل لأن الجماعة ترى في “العامل والفلاح والموظف الصغير، كل أولئك عماد الأمة ودعامة الدولة وأغلبية الشعب فسنعمل على أن تسن القوانين التامة لإنصافهم وتأمنهم على حياتهم وحياة أسرهم وأولادهم”(25).
أما الجهل فالجماعة “ستحارب الجهل وقد جندنا له جيشا من أبنائنا وإخواننا في الريف والبلدان”، وهذا بالإضافة إلى فتح أبواب الصحافة الإخوانية في خدمة “أولى العلم وأنصار العرفان”.
وكذلك المرض “سنحارب المرض وقد أنشأنا له في فروعنا المصحات والمستوصفات والمستشفيات وسننشر على صفحاتنا ما تدبجه أقلام رجال الطب من نصائح وإرشادات وتوجيهات”(26).
وأخيرًا “سنحارب الخلاعة والمجون وفساد الأخلاق حتى يعود إلى الأمة مجدها على كواهل شباب نقي وفتية أطهارًا”(27).
الإخوان والإصلاح الاجتماعي:
وقد حددت الجماعة مجموعة قواعد عامة للإصلاح الاجتماعي هي:
1- إعلان الأخوة بين الناس والقضاء على روح الكراهية والتعصب.
2- النهوض بالرجل والمرأة جميعا وإعلان التكافل والمساواة بينهما في الحقوق الإنسانية.
3- تأمين المجتمع بتقرير حق الحياة والتملك، والعمل، والصحة، والحرية، والعلم، والأمن لكل فرد، وتحديد موارد الكسب.
4- ضبط الغريزتين – غريزة حفظ النفس (البحث عن الطعام) وحفظ النوع (الغريزة الجنسية) وتنظيم مطالب الفم والفرج.
5- الشدة في محاربة الجرائم الأصلية.
6- تأكيد وحدة الأمة والقضاء على كل مظاهر الفرقة وأسبابها.
7- إلزام الأمة بالجهاد في سبيل مبادئ الحق التي جاء بها هذا النظام.
8- اعتبار الدولة ممثلة للفكرة وقائمة على حمايتها ومسؤولة عن تحقيق أهدافها في المجتمع الخاص وإبلاغها إلى الناس جميعا(28).
وللوصول إلى هذا النظام الاجتماعي لابد من الأخذ بشعائر عملية منها:
– الكسب والعمل على تحريم السؤال.
– الجهاد والنضال وتجهيز المقاتلين ورعاية أهليهم ومصالحهم من بعدهم.
– الأمر بالمعروف وبذل النصيحة.
– النهي عن المنكر ومقاطعة مواطنه وفاعليه.
– التزود بالعلم والمعرفة لكل مسلم ومسلمة في فنون الحياة المختلفة كل فيما يليق به.
– حسن المعاملة وكمال التخلق بالأخلاق الفاضلة.
– الحرص على سلامة البدن والمحافظة على الحواس.
– التضامن الاجتماعي بين الحاكم والمحكوم بالرعاية والطاعة معا(29).
والجدير بالذكر أن جماعة الإخوان وضعت هدف الإصلاح الاجتماعي هو تحقيق نموذج “الحياة الطيبة”، بما يعني رفض نموذج “مجتمع الرفاهية” المنقول عن الغرب، وأن فلسفة المجتمع عند الجماعة تقوم على “الفرد للجماعة والجماعة للفرد والكل للإسلام”، وأنه متى حدث تعارض بين مصلحة الفرد ومصلحة الجماعة، أهدرت الحقوق الفردية مع تعويض أصحابها وأقيمت حقوق الجماعة بما يؤدي إلى الخير العام(30).
وبعد عرض هذه القواعد العامة، سنعرض بالتفصيل لموقف الجماعة تجاه أقسام المجتمع المختلفة، والبدء بالشريحة الأكبر في مصر،وهو المحتمع الريفي.
الإخوان والمجتمع الريفي:
يشتمل المجتمع الريفي على ثلاثة عناصر رئيسة هي:
1- الفلاح.
2- الأرض الزراعية.
3- مالك الأرض الزراعية.
وقد لاحظ الإخوان منذ البداية تردى الأوضاع الريفية، وكثيرا ما كتب حسن البنا في جرائد ومجلات الإخوان يصف سوء حالة الفلاح، وانتشار الجهل والفقر والمرض في الريف المصري(31)، وكان البنا نفسه من أصل ريفي لذا فهو على معرفة بأوضاعه، وأضافت جولاته بين القرى لنشر دعوته معرفة تفصيلية بهذه الأوضاع(32)، ويجمل هذه الأوضاع في المؤتمر السادس للإخوان عام 1941م، فيقول:
“الفلاحون في مصر يبلغون ثمانية ملايين والأرض المنزرعة نحو ستة ملايين من الأفدنة وعلى هذا الاعتبار يخص الفرد الواحد نحو ثلثي فدان، إذا لاحظنا إلى جانب هذا أن الأرض المصرية تفقد خواصها لضعف المصارف وكثرة الاجهاد، إنها لهذا السبب تأخذ من السماد الصناعي أضعاف غيرها من الأرض التي تقل عنها جودة وخصوبة، وأن عدد السكان يتكاثر سريعا، وأن التوزيع في هذه الأرض يجعل من هذا العدد أربعة ملايين لا يملكون، ومليونين لا يزيد ملكهم عن نصف فدان، ومعظم الباقي لا يزيد ملكه على خمسة أفدنة، علمنا مبلغ الفقر الذي يعانيه الفلاحون المصريون ودرجة إنحطاط مستوى المعيشة بينهم درجة ترعب وتخيف، إن أربعة ملايين من المصريين لا يحصل أحدهم على ثمانين قرشا في الشهر إلا بشق النفس، فإذا فرضنا أن له زوجة وثلاثة أولاد وهو متوسط ما يكون عليه الحال في الريف المصري، بل في الأسر المصرية عامة، كان متوسط ما يخص الفرد في العام جنيهين، وهو أقل بكثير مما يعيش به الحمار، فإن الحمار يتكلف على صاحبه… ما مجموعه 340 قرشا، وهو ضعف ما يعيش به الفرد من هؤلاء الآدميين في مصر، وبذلك يكون أربعة ملايين مصري يعيشون أقل من عيشة الحيوان”(33).
أما بالنسبة لكبار الملاك فإنه بالبحث وجدهم “مكبلين بالديون أذلاء للمحاكم والبنوك، إن البنك العقاري وحده يحوز من الرهون قريبا من نصف مليون فدان، ويبلغ دينه على الملاك المصريين 17 مليونا من الجنيهات إلى أكتوبر سنة 1936م، وهذا بنك واحد”(34).
من هذا العرض نخلص بأن الإخوان لم ينظروا للأمر على أنها مشكلة الفلاح بفقره وجهله ومرضه، ولكنها مشكلة تدهور المجتمع الريفي بكل عناصره لذلك شكلوا في عام 1946م، لجنة الإصلاح الريفي(35)، وتبدأ الجماعة في وضع تصور لإصلاح الريف فترى أنه أولا يجب تحسين العلاقة بين الملاك والفلاحين وغرس الثقة المتبادلة بينهما وروح التعاون النفعي، فإن في ذلك نواة الإصلاح لكافة شئون الريف، أما الأمر الثاني فهو اقتصادي بحت، فمن دراسة الصادرات والواردات يتضح أن الريف يلقي بخاماته إلى الخارج بثمن بخس ويستوردها مجهزة بثمن باهظ، كما أن الأرض لا يحسن استغلالها على الوجه الأكمل، والفلاح المصري لا يعمل أكثر من 150 يومًا في السنة ويقوم بتوزيع دخله بعد ذلك على أسرته طوال أيام السنة فيكون الفقر وصاحبيه الجهل والمرض نتيجة منطقية بعد ذلك.
لذا فالإخوان يرون أنه يجب أولا أن يعمل الفلاح وكذلك زوجه وذريته كل فيما يناسبه بقية أيام السنة، ويكون إنتاجهم مهيئا لرفع مستوى أسرة الفلاح من جانب لزيادة دخلهم، ويكون هذا الإنتاج محل واردات يدفع فيها المالك والفلاح من دمهم وعرقهم(36).
ومن حسن المنطق أن يتم تقسيم ريف مصر كله إلى مناطق، وتتم دراسة حالة الصادرات والواردات وما تجود به كل منطقة من إنتاج واستعدادها للإنتاج من كافة الوجوه، ثم تلزم كل منطقة إلزاما بإنتاج نوع أو أنواع خاصة، بحيث يكون المجموع الإنتاجي لكافة المناطق كافيا لسد العجز الإنتاجي، وفي هذا السبيل يوصي الإخوان بجعل التعليم الزراعي المتوسط إقليميا لتوفير الاختصاص ويأتي بعد ذلك دور الهندسة الريفية في تنظيم المباني الريفية الحالية، وابتكار أنواع جديدة منها بحيث يخدم كل ذلك غرض الوصول إلى الإنتاج الكامل(37).
هذا بالإضافة إلى نقطة محورية ألا وهي علاقة العزبة بالقرية فيجب أن تكون القرية مجموعة من العزب، ويربط هذه المجموعة أنواع معقولة من المنشآت العامة الصحية والاجتماعية والثقافية والإنتاجية حسب ظروف البيئة المحيطة بها، وأن تستقل كل عزبة باستغلال بقعة أرض لا يزيد زمامها عن 300 فدان(38)، على هذا تكون قواعد الإصلاح الريفي خمس قواعد:
1- إصلاح العزبة يسبق إصلاح القرية.
2- القرية مجموعة من العزب التعاونية أو الشخصية.
3- العزبة هي التي تصلح نفسها بنفسها وكذلك القرية.
4- منبت الإصلاح الريفي في تعميم الصناعات اليدوية في الريف.
5- نموذجية الإصلاح الريفي في تحقيق الاستقلال الاقتصادي والقضاء المبرم على الجهل والمرض والفقر(39).
وقد بدأ الإخوان في تنفيذ مقترحاتهم في عزبة بنواحي أسيوط بأرض أحد الإخوان، وقد اجتهدوا أن يجعلوها نموذجا لمقترحاتهم وأفكارهم من فصل مبيت الإنسان عن حظائر الحيوان، ووضع نظام لجمع فضلات الحيوان والإنسان لاستخدامها كأسمدة، وتشييد منازل الفلاحين بمساحات تسمح بمزاولة الأعمال اليدوية المختلفة، وعمل نظام للأفران يجنب المساكن ويلات الحريق، ونظام للمياه لإمداد المغاسل والحمامات بها، وعمل خزانات بجوار الأفران لتسخين المياه إذا لزم الأمر، مع توفير الخدمات الصحية ومخازن المحاصيل بشكل يستوعب أكبر كمية منه، واستخدام المواد البيئية مثل جريد النخل في تأثيث المنازل(40).
وقد اجتهدت الجماعة من خلال أكثر من 500 فرع لها تابعين لقسم البر والخدمة الاجتماعية في مساعدة الفلاحين(41)، وذلك عن طريق تنظيف القرية وشوارعها بأيدي جوالة الإخوان من أبناء القرية، وإضاءة شوارعها بإعداد فوانيس بتبرعات أهل القرية وإضاءتها والإشراف عليها، وتقديم الخدمة الصحية المستطاعة، والاشتراك في مقاومة الأوبئة مثل الملاريا والكوليرا، فتم تجنيد جميع جوالة الإخوان لمواجهة هذا الخطر، وكذلك في مساعدة الأهالي أثناء فيضان النيل الطاغي عام 1945م(42)، هذا بالإضافة لفتح العديد من فصول محو الأمية والمستوصفات والاستعانة فيها بأبناء القرية من الأطباء حتى لو كانوا مسيحيين(43).
ولكن الجماعة بدأت تدريجيًا تنحاز لصالح الفلاحين بعد حدوث أكثر من صدام مع الملاك، وحدوث العديد من الاضطرابات بسبب موقفهم في مواجهة تعنت بعض كبار الملاك(44)، فتم تأسيس قسم الفلاحين في عام 1951م، ورسالته كما تم الإعلان عنها:
1- نشر الفكر الإسلامي في محيطهم وتوضيح حقيقة تعاليم الإسلام التي تنصف كل طبقات الشعب، وتربية الفلاحين تربية إسلامية على أساس الأخوة في العقيدة والمصالح المشتركة.
2- وضع برنامج عملي لحل مشكلة الفقر بين الفلاحين وما يتصل بها من مشاكل الملكية الزراعية، وعلاقة الملاك والمستأجرين والعمال الزراعيين مستمدة من روح الإسلام وتعاليمه وعلى ضوء الدراسات الفنية ثم العمل على تحقيق هذا البرنامج.
3- دراسة نواحي الإصلاح الريفي صحيا وزراعيا و اقتصاديا وتوجيه الفلاحين إلى إتباع الأصول الفنية فيها ومحاولة تنفيذ ذلك عمليًا.
4- الدفاع عن الفلاحين وحمايتهم من الاضطهاد ومطالبة الدولة بإصدار التشريعات الاقتصادية والاجتماعية الكفيلة بضمان حقوقهم من كافة النواحي، وقد خصصت الصحافة الإخوانية ركنا ثابتا فيها لعرض مشاكل الفلاحين وشكاياتهم(45).
وقد يكون هذا التحول له أكثر من مبرر، قد يكون بسبب الصدام السابق التنويه عنه، وقد يكون للوقوف أمام الحركة الشيوعية التي تجد في أمثال أوساط العمال والفلاحين مجالا للانتشار(46)، وقد يكون نوعًا من الميل في اتجاه الاشتراكية من جانب قيادة الجماعة خاصة أن كتابات عن الاشتراكية الإسلامية بدأت تظهر، بل نرى اتجاها في فكر الجماعة ينادي بأن “للحكومة الإسلامية أن تأخذ من فضول أموال الأغنياء فتردها على الفقراء ولو لم يكونوا بحاجة إليها، إذا اقتضت ذلك مصلحة عامة”(47)، ويقرر أن هذا الأخذ ليس فقط لسد حاجة الأفراد متفرقين، ولكن أيضًا بما يكفي حاجة هؤلاء مجتمعين، أي حاجة مجتمعهم بعد حاجة أفرادهم، وذلك على سبيل الحفاظ على تقدم المجتمع وقوته، ولا حدود لهذا، بل الأكثر أن هذا الاتجاه ينتقل من فضول الأموال إلى الجزء المخصص للإنفاق على صاحب المال نفسه فيذكر “أما حد الضرورة في الإنفاق فإنه يمتد من الفضول إلى نفس الجزء المخصص لسد حاجة المستخلف على المال (صاحب المال)” ومبرر ذلك “لسد بعض حاجة الآخرين ولتوفير المال الضروري لصيانة أمن الدولة الخارجي والداخلي”(48).
وقد أعلنت الجماعة في بيانها الذي أعلنته في 2 أغسطس 1952 (أي بعد ثورة 23 يوليو) ضرورة تحديد حد أعلى للملكية الزراعية، وبيع الزائد للفلاحين المعدمين بأسعار معقولة على أجل طويل، وقد ورد في أحد رسائل الجماعة بتحديد الملكية في حدود مائة فدان (الحد الذي وصل إليه في دراسة مجلس النواب قبل الثورة)، أو خمسين فدان (كما ورد في اقتراح محمد خطاب وإبراهيم شكري عضوي مجلس النواب)، ولكن الإخوان رأوا أن تكون البداية بأن يكون الحد الأقصى خمسمائة فدان حتى لا تتورط الدولة في مصادرة مساحة واسعة من الأرض، وانتهى الأمر في 9 سبتمبر 1952 بصدور قانون 178 لسنة 1952، والذي تم تحديد الملكية الزراعية بمائتي فدان. كما ورد في إعلان الإخوان السابق، أن هذه الخطوة تغطي جميع المشتغلين بالزراعة لزيادة عددهم عن المساحة المنـزرعة، لذا يجب أن يتم تنظيم علاقة المالك بالمستأجر تنظيما عادلا يعطي المستأجر جزاء عمله والمالك حقه، ويرى الإخوان المقاسمة بالنصف في حالة المزارعة أقرب الصورة للعدالة، وقد أقر نفس القانون مبدأ اقتسام المحصول في حالة المزارعة، أو الالتزام بدفع قيمة إيجارية تقدر بسبعة أمثال الضريبة، كما أقرت الدولة فيما بعد سياسة التخصص الإنتاجي للمناطق الزراعية(49).
الإخوان والمجتمع الإداري والصناعي:
يشتمل المجتمع الإداري والصناعي يشتمل على العناصر الآتية:
1- العامل والموظف.
2- المصانع والإدارات.
3- أصحاب رؤوس الأموال وكبار رجال الدولة.
وقد كانت نشأة جماعة الإخوان وبذرتها الأولى على أيدي ستة من عمال الإسماعيلية، وكان انتشارها في طورها الأول بين العمال بالدرجة الأولى، لذا فهي قريبة من مشاكلهم وأوضاعهم منذ يومها الأول(50)، وكان احتكاك مؤسس الجماعة بحكم وظيفته كمدرس بمشاكل زملائه وأمثالهم من المعلمين والموظفين، مما ساعده على التعرف على معاناتهم وشكاياتهم أيضًا(51)، لذا كان اهتمام الجماعة بهذه الفئات مبكرا عن أي فئة أخرى، وزاد من اهتمام الجماعة فيما بعد بدء انتشار الحركة الشيوعية في أوساط العمال(52).
اعتمدت الجماعة في البداية على أن تدفع أعضاءها من العمال إلى المطالبة بحقوقهم دون تدخل من الجماعة(53)، وتدريجيا أصبح في صحافة الإخوان أماكن ثابتة لعرض شكاوى العمال ومحاولة طرحها أمام أعين المسئولين(54)، وكانت الجماعة أول من احتضن نقابة معلمي التعليم الإلزامي، وهي سابقة على نقابات العمال المقررة بالقانون الصادر عام 1942، وجمعت أفرادها في مراكزها العامة، بذلك نجحت في استمالة أكبر وأخطر تجمع غير سياسي في مصر، وكان ذلك في عام 1937م(55)، ثم أسست الجماعة قسما خاصا بالعمال في عام 1945م، بعد ما حققت انتشارا مؤثرا في التجمعات العمالية(56)، وكذلك عندما أيقنت أن لا فائدة من التوجه إلى الرأسماليين، إذ كانت تنظر للمسألة في البداية على أنه وضع متدهور، فالبطالة بين العمال منتشرة والشركات الأجنبية تحتكر الأنشطة المختلفة في طول البلاد وعرضها، إذ بلغ عددها حوالي 320 شركة، وفي مقابل ذلك حوالي إحدى عشرة شركة مصرية حتى عام 1938م(57)، ومن هنا كان حرص الإخوان على تنشيط الاتجاه إلى الصناعة لتحقيق الاستقلال الاقتصادي للبلاد الذي يساوى عندهم الاستقلال السياسي، ولا قيمة للثاني إن لم يتحقق الأول(58).
ولكن مع الوقت بدأت الجماعة تستوعب شكل الحياة الاقتصادية المصرية والتي تسودها روح الاستغلال، كما أن كبار موظفي الدولة ووزرائها يعملون على تمكين الشركات الأجنبية من رقبة الاقتصاد المصري عن طريق مراكزهم، وذلك لأنهم يعملون في نفس الوقت كمستشارين أو أعضاء مجالس إدارة في كثير من هذه الشركات والبنوك الأجنبية(59)، ولذلك يبدأ الإخوان بالتحرك في الأوساط العمالية بشكل أكثر فاعلية، إذ ينظمون الإضرابات والإعتصامات، ولكنهم يعترضون على أسلوب الحركة الشيوعية الذي أدى في بعض الأحيان إلى تدمير بعض المنشآت في المحلة الكبرى، وينادون أن أي تحرك عمالي يجب ألا يؤدي إلى تدمير وسائل الإنتاج التي يعملون عليها(60)، ومن ناحية أخرى تعمل الجماعة على توفير فرص العمل من خلال تنشيط الأعمال الحرفية والمنزلية كبديل مؤقت للعاطلين، وإنشاء عدة شركات مساهمة، وأسهم هذه الشركات تباع للعاملين بها بالتقسيط لتحقيق “الاشتراكية الشعبية”(61)، وفي نفس الوقت إلزام أعضاءها بالاشتراك في النقابات العمالية القائمة، ومن ليس له نقابة يعمل على تأسيس رابطة أو نقابة تجمعه مع أمثاله، وهذا للمطالبة بحقوقها من أجهزة الأمة في الفترة السابقة على 23 يوليو 1952م(62)، والجدير بالملاحظة أن قسم العمال في الجماعة رغم حرصه على تثقيف العمال إسلاميا وعماليا بما يعرفهم حقوقهم فينص في المادة (10) منه على أنه “ليس من أغراض القسم التدخل في شؤون النقابات أو اتحاد العمال أو مشاكلهم مع أصحاب العمل والجهات المختصة إلا بالوساطة الودية إذا طلب إليه أحد الطرفين ذلك، وليس من غرضه التدخل في المسائل الحزبية أو السياسية”(63).
ويبدو أن هذه المادة وضعت حتى لا يظهر القسم بمظهر المنافس لدور النقابات العمالية وإن كان هذا لم يمنع الإخوان من التحرك بأعضائها في النقابات والتجمعات العمالية للمطالبة بحقوق العمال(64)، وكذلك نشطت جانب تولي المحامين فيها لقضايا العمال، وتنظيم حملات صحفية لنصرة قضايا العمال أمام الرأسماليين(65).
وفي نفس المضمار تحرك الإخوان بين الموظفين، وكونت – تقريبا في نفس الوقت- قسم روابط الموظفين، والذي اتسم طابعه بالهدوء النسبي في مطالبة الحكومة بتعديل أجور الموظفين، وتصحيح الكوادر الوظيفية بما يفتح الطريق أمام الكفاءات للترقي(66)، كما وجهت النقد لكبار رجال الإدارة لانتشار الرشوة والمحسوبية والأنانية بينهم، مما أدى إلى أن يسود العمل العجز والتكاسل والتعقيد، إذن فالمسئولية في تدهور حال الإدارة المصرية ترجع إلى الحاكم والمحكوم على السواء، لذا يجب أن يتم تصحيح هذه الأوضاع كلها(67)، والمشكلة في نظر الإخوان تتمثل في أمرين، أولهما عامل الأمان بالنسبة لمن يعمل من الفصل التعسفي أو في حالة عجزه عن العمل، والثاني في مستوى الأجور الذي لا يتناسب مع مستوى المعيشة وكذلك مع مستوى الأرباح المحققة من وراء عمل العمال والموظفين(68)، لذا ترى الجماعة أنه يجب على الحكومة أن تشجع الصناعات الصغيرة حتى تقوى، وهذا بتمويلها، ثانيا أن تحث الحكومة الأغنياء على إنشاء المصانع على أساس قومي وليس استغلاليا، فيأخذ العمال حقوقهم كاملة، ثالثا يجب على الحكومة أن تقوم بالإكثار من المصانع التي تتبع الوزارات المختلفة، فتكوَّن أولا مدارس فنية يتخرج فيها العمال الفنيون، ويحصل فيها العمال على الأجور والحقوق التي تجعلهم قدوة ومثلا لسائر العمال، ثم بعد ذلك أو معه يتم تأمين العامل والموظف من الفصل بوضع نظام قانوني بحيث لا يتم الفصل إلا بعد العرض على هيئة مشتركة من الحكومة وأصحاب العمل والعمال، وتحديد الأسباب التي يتم الفصل بموجبها بحيث لا تتعدى ارتكاب أعمال مخلة بالشرف أو الإضرار بمصلحة العمل، وتأمين وضع العامل والموظف في حالة العجز عن العمل بما يحفظ كرامته، وأخيرًا تنظيم مسألة الأجور بتحديد حد أدنى للأجور وتحديد نظام للعلاوات الدورية والمكافآت للمجدين في عملهم، وتحديد الراحة السنوية لهم بما لا يقل عن أسبوعين سنويا(69).
ويضاف لهذه المطالب مطالبة الجماعة بتمصير الشركات الأجنبية، وبصورة خاصة التي تسيطر على المرافق الحيوية للبلاد(70)، وتأميم الشركات ذات الطبيعة الحيوية مثل شركات النقل والمواصلات، والنور والمياه، وأن الإعتذار بأن الدولة ليس لديها الخبرة الفنية، وأن إدارتها بغير الطريقة الاستغلالية الفردية سوف لا يحقق عائدا، مردودًا عليه، بأن العمال المصريين هم الذين يديرون عجلة العمل في هذه الشركات، وأن أمر العائد والربح من الممكن تحقيقه مع تغيير أسلوب التفكير في المجتمع، من العمل بجد واجتهاد من أجل الخير العام(71)، كما طالبوا بتحديد ساعات العمل وفقا للنظام المقرر دوليا، ومراجعة كافة التشريعات العمالية وتعديلها بما يحقق مطالبهم ويرفع الظلم عنهم(72).
وتقديرًا لمبادئ الإخوان التي تحض على تنمية الثروة القومية، وبرامجهم التي تسير في هذا الاتجاه، تم تعيين مجموعة من الإخوان في المجلس الدائم لتنمية الإنتاج القومي والذي صدر به مرسوم قانون في 2 أكتوبر 1952، ومهمته بحث المشروعات الاقتصادية التي تعمل على تنمية الإنتاج القومي في النواحي الزراعية والصناعية والتجارية، وكذلك في مجلس الخدمات العامة المنشأ في 17 أكتوبر 1953م، والذي يبحث الخطوط الرئيسية في التعليم والصحة والعمران والمرافق العامة(73).
الإخوان والمرأة والطفل:
يرجع النشاط النسائي لجماعة الإخوان إلى عام 1932م في الإسماعيلية حيث تكونت أول لجنة للأخوات المسلمات تحت اسم “فرقة الأخوات المسلمات”، واستمر النشاط فترة ليست بالطويلة ثم أصابه الفتور بعد إقامة رئيسته في الحجاز، ثم تجدد النشاط عام 1944، وتكونت لجنة جديدة في 14/4/1944م، واتخذت مقرًا لها منفصلا في 17 شارع سنجر الخازن بالحلمية الجديدة بالقاهرة، وأطلق على اللجنة الجديدة اسم “قسم الأخوات المسلمات” ولها هيئة تأسيسية من خمسين أختًا، ينتخب منهن إثنتا عشرة أختا كلجنة لمتابعة القسم منهن رئيسة ووكيلة(74)، وقد انتشرت فروع القسم في أنحاء القطر المصري حتى بلغت حوالي خمسين شعبة (فرعا) تضم خمسة آلاف عضوة، وقد توجه نشاط القسم إلى الأعمال الاجتماعية بصورة عامة في محيط النساء، وكذلك العمل على تثقيف العضوات من خلال برامج ثقافية ونشرات دورية(75)، هذا غير حرص الصحافة الإخوانية على تخصيص مساحة شبه ثابتة لمعالجة قضاياها ومشاكلها(76).
أما موقف الجماعة من المرأة فسوف نعرضه من خلال النقاط التالية:
– نظرتهم للمرأة.
– موقفهم من دورها في المجتمع ومشاركتها في الحياة الاجتماعية.
– موقفهم من تعليمها.
– موقفهم من ممارسة حقوقها السياسية وتولى المناصب العامة.
– موقفهم من قضية تعدد الزوجات والطلاق.
– موقفهم من قضية تحديد النسل.
– الإخوان والطفل المصري.
ينظر الإخوان إلى المرأة على أنها المعلم الأول للأمة متى صلحت(77)، وإنها الشرارة الأولى لفساد الحياة الاجتماعية بأسرها متى “طغت”، وطغيانها هو خروجها عن حدود الدين، ومخالفتها لوظيفتها الطبيعية في الحياة وتزينها وتبرجها، ومتى دانت بالإباحية والتهتك كان ذلك أول مؤذن بدبيب الفساد إلى صميم الأمة القوية(78)، ومتى صلح حالها كانت مشاركة للرجال في مواطن الخيرات، وميادين المكرمات ورمزا لعلو الهمة وجلائل الأعمال(79).
أما دورها في المجتمع، فإن الإخوان يرون أن الحياة قد قسمت الأعمال إلى قسمين رئيسيين، أولهما كسب العيش ووسائله إدارة المزارع والمتاجر والمصانع وما نحوها، والثاني إدارة المنزل وتهيئة لوازم الأسرة والحمل والرضاعة وتربية الأولاد وما إليها، وأي من الرجل أو المرأة لا يستطيع أن يقوم بكلا الأمرين، وقد تهيأ الرجل للأولى بقوة الجسم والعضلات وسعة الحيلة، وتهيأت المرأة للثانية باللين في مشاعرها وفي جسمها(80)، وعلى ذلك، فإن واجب المرأة الأساسي هو رعاية بيتها وأطفالها ولا تخرج للعمل إلا لضرورة ترغمها على ذلك ولا يكون خروجها للعمل نظاما اجتماعيا سائدا كما ينادي البعض(81)، أما مشاركتها في الحياة الاجتماعية فهي تشارك في الأعمال الاجتماعية في محيط نسائي، وذلك لأن المجتمع الإسلامي في نظر الإخوان – مجتمع انفرادي لا مجتمع مشترك، ولا مجال فيه للاختلاط إلا في ظل ضوابط شرعية محددة، ولحالات معينة، ومهما قيل عن فوائد الاختلاط فإن المفاسد المحققة تربو على الفوائد المظنونة في وهم الداعين إليه، وعلى ذلك فالستر في الملابس أدب من آداب الإسلام، وتحريم الخلوة بين المرأة والرجل حكم من أحكام الدين، والعكوف في المنازل للمرأة حتى في الصلاة شعيرة من شعائره، والبعد عن الإغراء بالقول والإشارة وكل مظاهر الزينة وبخاصة عند الخروج حد من حدود الشريعة(82).
أما تعليم المرأة فيجب أن تتعلم ما لا غني لها عنه، مثل القراءة والكتابة والحساب والدين وتاريخ السلف الصالح، وتدبير المنزل والشؤون الصحية وسياسة الأطفال وكل ما تحتاج المرأة لرعاية بيتها وتربية أطفالها(83)، وهذه الأبواب هي التي حازت اهتمام أبواب المرأة في الصحافة الإخوانية(84)، أما العلوم الأخرى التي لا تحتاج إليها في بيتها فعبث لا طائل من ورائه مثل القانون واللغات أو الدراسات الفنية الخاصة، فالمرأة “للمنزل أولا وأخيرًا”(85).
أما حق الانتخاب والترشيح للمجالس النيابية فإن الجماعة ترى أن الإسلام وإن كان أقر حق المرأة في الانتخاب، لكن المرأة المصرية غير مؤهلة لهذا الدور الآن، فيجب أن تنهض من أميتها، وجهلها بدينها، وتعرف ما لها وما عليها قبل أن تقوم بهذا الدور(86)، أما الترشيح للمجالس النيابية أو تولى الوظائف العامة فلا يجوز لها بأي حال(87)، وأن سكوت الشريعة عن التصريح بتحريم هذا، لا يعني عدم تحريمه، وإلا كان “ضرب الوالد جائز لأن المنهي عنه في الآية أن يقال لهما أف ولا نص على الضرب”(88)، أما مسألة تعدد الزوجات والطلاق، وقد توجهت الدولة إلى تقييد حرية الزوج في استخدام حقه في تعدد الزوجات وجعل الطلاق أمام القاضي، فالجماعة ترى أن من حق الحكومة أن تقيد هذه النواحي بحيث تُرشِّد من سوء الاستخدام لهذه الحقوق، ولوضع حد للفوضى التي أوجدها سوء استعمال الجماهير لهذه الحقوق، وأن من يقول بعدم حق الحكومة في التدخل في الأمور الشرعية متعللا بعدم إسلاميتها، فإن الأمر صائر إلى يد القضاة الشرعيين ولا شك في إسلامية هؤلاء، وأن الحكومة مجرد مراقب للتنفيذ، ولكن قبل إقرار الأمر يجب ألا يكون هذا التدخل إرضاء لشهوة البعض،أو رغبة بعض الأشخاص، وأن تكون المصلحة العامة هي القصد وراء هذا العلاج حتى يؤتي ثمرته(89).
هذا عن موقف الجماعة من تقييد حقوق الرجل في تعدد الزوجات والطلاق، أما قضية تحديد النسل فإن الجماعة ترى أن هذا حق للمرأة متى خشيت على صحتها أو لظروفها الاقتصادية(90)، أما إقراره كسياسة عامة في الأمة، فهنا الجماعة تستمد موقفها من الحدود الجغرافية التي فرضت على المسلمين، فهي ترى أن الوطن بمعناه الإسلامي يحتاج إلى النسل، فهناك مناطق شاسعة في الوطن الإسلامي تحتاج للبشر لزراعتها وتعميرها، هذا غير أن الملاحظ أن هذا التحديد يحدث في الغالب في الطبقة المتعلمة القادرة على التربية الصحيحة، بينما الإكثار يحدث عند الفلاح الجاهل الذي يعتبر أولاده مصدرًا لزيادة دخله وعماد ثروته، وبالتالي – وبهذا الحال – سينتهي الوضع بمشكلة أخرى وهي من أين نأتي بالنسل الذي يستطيع بناء المستقبل وخدمة الوطن(91).
لقد كانت جملة هذه الآراء سببا في ضعف نشاط قسم الأخوات المسلمات بالنسبة لنشاط الجماعة بين الرجال، وإن كانت الأمور حدث بها بعض الإنفراج من اعتبار المرأة قائدة لثورة التغيير الاجتماعي، وذلك عن طريق تنويرها وإماطة اللثام عن مستور الحقائق مما يخفي عليها(92)، ورغم ذلك فإن الدعوة بين النساء لم يكن لها من قوة الإقناع أو الجاذبية في مواجهة تيار قوى ساندته ظروف سياسية واقتصادية واجتماعية سريعة التغير(93).
أما الطفل المصري عند الإخوان، فهو غرس اليوم وأمل المستقبل، فبالأطفال تستمر الدعوة متى ورثوها واقتنعوا بها والأمل معقود عليهم لتحويل الفكرة الإسلامية التي يعيشونها في محيط الإخوان الضيق إلى واقع يسود الحياة كلها، والانتقال بالدعوة من حياة الصبر والكفاح والعمل الدائب إلى حياة التوجيه والقيادة والإمامة(94).
وقد نظمت الجماعة للأطفال مدارس الجمعة، وفكرتها تقوم على تجميع أطفال كل حي أو قرية في مسجد أو شعبة الإخوان صباح كل جمعة، حيث يتلقون على يد معلم من الإخوان دروسا في:
1- العبادات: الطهارة – الوضوء – الصلاة – الصوم.
2- القصص: سيرة الرسول -صلى الله عليه وسلم- وصحابته وغزواته.
– قصص الأطفال الممتازين في التاريخ الإسلامي.
– قصص الأنبياء.
– القصص المحلي: ويحاول المعلم فيها إزالة رهبة الأطفال عن الخرافات المنتشرة في قصص بعض الأشخاص أو الأماكن عن الأرواح الشريرة وما شابه ذلك(95).
3- أناشيد: ويجب فيها أن تخدم تقوية الروح الدينية وإذكاء العاطفة الوطنية وغرس الفضائل الحميدة مع الحرص على تلحينها ليسهل حفظها.
4- محفوظات: من القرآن والأحاديث، وتكون بالقدر المناسب وذات تأثير حسن على الطفل.
5- القراءة والكتابة والمعلومات، ومبادئ الحساب والصحة العامة.
6- قصة مصر: والغرض منها بث الروح الوطنية وتربيته على الحقائق الآتية:
أ. أن أباءه الذين سكنوا هذا الوادي من أقدم العصور كانوا سادة العالم.
ب. أنهم وصلوا إلى ذلك بالجد والعمل والعلم والصبر والدين.
ج. أن المصريين تأخروا عندما تركوا هذه الأخلاق.
د. أن الله منّ عليهم بالإسلام فكتب للعامل منهم نعيم الآخرة وعز الدنيا.
هـ. أننا نستطيع أن نكون كما كانوا.
ويكون ذلك ببداية مبسطة عن تاريخ مصر في مراحله المختلفة بأسلوب قصصي وزيارة الآثار القريبة سواء مصرية قديمة أو إسلامية(96)، يضاف لذلك قيام الأطفال بعمل تمثيليات تعبر عن بعض الأخلاق مثل الشجاعة في قول الحق، أو ما يمثل حالة الناس في ظل الحكم الإسلامي أو غير ذلك، هذا بالإضافة لتدريبهم على بعض الصناعات اليدوية التي تكون ملائمة للبيئة المحيطة، وأخيرًا يضاف بعض الألعاب والتمرينات الرياضية، وقد كان اليوم الدراسي ينتهي بصلاة الجمعة(97).
وقد اهتم الإخوان بهذه النوعية من المدارس بصورة أكبر بعد استئناف نشاطها في 1951م، وأطلق على “مدارس الجمعة” اسم جديد هو “مدارس الجيل الجديد”، كما أطلق عليها اسم “مدارس رياض الأطفال”، واتجهت إلى تأسيس مدارس تسير على مناهج وزارة المعارف، وتربية أبنائها تربية إسلامية بدلا من الاكتفاء بنظام اليوم كل أسبوع، وإعداد المعلمين القادرين على القيام بأمر هذا النشء الجديد(98).
وقد كان من أول مشاريع الجماعة معهد حراء الإسلامي، وقد أنشأته الجماعة في الإسماعيلية عام 1931م، وهو عبارة عن مدرسة يتلقى فيها التلاميذ القراءة والحساب والعلوم والجغرافيا والتاريخ بالإضافة إلى منهج وضعته الجماعة في الدين (لم يضف الدين كمادة أساسية في السنوات الدراسية إلا بعد سنوات)، يضاف لذلك مبادئ التربية الصناعية التي تدعم بالتربية العلمية في بعض الورش والمصانع، وقد تعهد أصحابها بتعليم هؤلاء التلاميذ بعض الصناعات تحت إشراف المعهد، وجعلت للتلاميذ زيا خاصا، وقام بالتدريس فيها نخبة من ذوي المؤهلات، وأضافت الجماعة لنظام الدراسة نظام “اليوم المفتوح” حيث يخرج التلاميذ إلى الحقول والمزارع للتعرف على الطبيعة، وإلقاء دروس بعيدًا عن جو الفصل(99)، وعلى ذات النسق تم تأسيس مدرسة أمهات المؤمنين بالإسماعيلية في نفس الوقت، وإن كان المنهج تم وضعه وفق تصورات الجماعة عن دور المرأة، لذا اشتمل على القراءة والكتابة والحساب والدين وتاريخ السلف الصالح رجالا ونساء وتدبير المنزل والشؤون الصحية ومبادئ تربية ورعاية الأطفال، وقام بالتدريس فيها مدرسات من بلدة الإسماعيلية(100).
الإخوان والخدمات الاجتماعية:
ارتبط الإخوان بمجال الخدمة الاجتماعية منذ نشأتهم ولم يتوقف أفراد الجماعة عن النشاط في هذا المجال في كافة أحوالهم، بل لم تمنعهم الملاحقة البوليسية عن ممارسته في المجتمع المحيط بهم(101)، وقد نصت الجماعة في قانونها الأساسي أن من غايات الجماعة تحقيق العدالة الاجتماعية والتأمين الاجتماعي لكل مواطن والمساهمة في الخدمة الشعبية، ومكافحة الجهل والمرض والفقر والرذيلة، وتشجيع أعمال البر والخير(102).
وتنقسم الخدمات الاجتماعية عند الإخوان إلى أربعة أقسام هي:
1- خدمات مُسَكِنة، كمساعدة الفقراء والمحتاجين.
2- خدمات شافية، كمساعدة العاطل للحصول على عمل، أو علاج المرضى.
3- خدمات واقية، مثل نشر الوعي الصحي، وتوفير وجبات غذائية للفقراء للحيلولة دون وقوعهم في براثن الأمراض لسوء التغذية.
4- خدمات إنشائية، وذلك مثل الأندية والمنشآت التعليمية(103).
ونستطيع أن نحدد أبرز مشروعات الخدمات العامة التي قدمها الإخوان في:
أولا: مجالات الخدمات التعليمية:
1- إنشاء لجنة لتأسيس مدارس ابتدائية وثانوية خاصة للبنين والبنات في مايو 1946م، وتحت إشراف هذه اللجنة بدأ الإخوان في تأسيس عدة شركات مدنية لإنشاء هذه المدارس وإدارتها، فكانت على سبيل المثال شركة مدارس الإخوان المسلمين بالإسكندرية برأسمال أربعة آلاف جنيه، وقد تم بالفعل – عن طريق هذه الشركة – إنشاء روضة أطفال ومدرسة ابتدائية وأخرى ثانوية(104).
2- فتح مكاتب لتحفيظ القرآن الكريم نهارًا، وجعلها فصولا لمحو الأمية وتنمية الثقافة الدينية ليلا للعمال والفلاحين.
3- فتح أقسام خاصة للراسبين في الامتحانات العامة يقوم بالتدريس فيها أساتذة متخصصون.
4- فتح دور لتعليم الغلمان الذين حرموا التعليم بعض الصناعات، بالإضافة لإلحاق بعض هذه الدور بالمعاهد التعليمية التابعة لهم لتدريب الطلاب بها(105).
5- المعاونة الاجتماعية لطلاب البعوث، وذلك بصرف إعانات للمحتاجين منهم والتعاون معهم في تيسير كافة متطلباتهم، وذلك ليكونوا رسلا لدعوة الإخوان في بلادهم عند عودتهم وقد أسست الجماعة قسما خاصًا بهم في عام 1951(106).
ثانيا: مجال الخدمات الصحية:
تأسس القسم الطبي للإخوان في 15 نوفمبر عام 1944، وقد بدأ في أحد العيادات الخاصة حتى تم تجهيز جانب من المركز العام كمستوصف ثم انتقل إلى بناء مستقل، في سبتمبر عام 1946م، كمستشفي وألحق بها معملا للأدوية(107)، وبدأت فروع الجماعة في كل مكان تتجه إلى هذا التقليد، وصار من الأنشطة الثابتة لدور الجماعة في الريف أو الحضر، وكانوا يستعينون بالأطباء المحليين سواء مسلمين أو مسيحيين متى قبلوا التعاون(108)، ومن خلال هذا النشاط سعت الجماعة إلى مشروعات التأمين الصحي الشامل للإخوان أولا ثم للجماهير، وعلى سبيل المثال فقد أعلن عن بدء مشروع للرعاية الصحية الشاملة بالإسكندرية في عام 1952م، وكان ذلك مقابل اشتراك شهري مقداره خمسة قروش(109).
إلى جانب هذا النشاط الطبي قامت الجماعة بنشر الثقافة الصحية، والتعاون مع الهيئات المختلفة في رفع مستوى الوعي الصحي، وكان لهذا الأمر في صحافتها ومجلاتها أبواب شبه ثابتة، وبصورة خاصة في أوقات الأوبئة(110)، وكذلك إقرارها في مناهج الجماعة وتعليماتها لأعضائها، سواء في مدارس الجمعة أو شباب الجوالة أو أعضاء الجماعة بصورة عامة، فكان لابد من الكشف الصحي الدوري والمبادرة لعلاج الأمراض للجميع(111)، وقد كان لجوالة الإخوان دور مشهود عند وقوع كوارث الأوبئة، مثلما كان من دورهم في صعيد مصر عندما انتشر وباء الملاريا وكذلك في مكافحة وباء الكوليرا في الوجه البحري عام 1947م، فكانت تحاصر المناطق الموبوءة لعدم دخول أو خروج أحد منها، والتبليغ عن الحالات المصابة ونشر النصائح الطبية بكافة الوسائل المتاحة من منابر المساجد والملصقات ومكبرات الصوت والقيام بأعمال النظافة في كل مكان، وتطهير المنازل بالمطهرات(112)، هذا غير كشفهم لمصدر الوباء بنشرها لوثائق بريطانية تثبت أن مصدر الوباء هو المعسكرات البريطانية بالقناة، وشرارتها الأولى كانت بإلقائها لجثث بعض المصابين خارج المعسكرات في محاولة منها لأبعاد الوباء عن الجنود الإنجليز دون النظر أنها بذلك تصيب المصريين الذين يعيشون بجوارها، بخلاف العدوى التي أصابت العمالة المصرية بالمعسكرات وانتقالها عن طريقهم للمناطق التي يعيشون فيها(113).
مجال الأنشطة الرياضية:
اهتمت الجماعة بالبناء الجسمي لأعضائها، لذا كان التدريب الرياضي أحد الفروض الأساسية لأفرادها – سواء صغار أو كبار – في المنزل أو الشعبة(114)، كما كان النشاط الرياضي أحد أوجه النشاط الثابتة – قل أو كثر – في دور الجماعة في كل مكان(115)، وتدريجيا اجتذبت الجماعة أصحاب المهارات الرياضية فشكلت منهم فرقا للألعاب المختلفة فكونت فرقا في كرة القدم، وكرة السلة، والكرة الطائرة، ورفع الأثقال، والملاكمة والمصارعة، والدراجات، والسباحة، وتنس الطاولة، ومع توافر الإمكانيات البشرية والمادية شرعت الجماعة في تأسيس أندية مجهزة لكثير من الألعاب، وكان للجماعة قبل قرار الحل في عام 1948م، 99 فرقة كرة قدم، 32 فرقة لكرة السلة، و16 فرقة للملاكمة، و19 فرقة لرفع الأثقال، و8 فرق للسباحة، واستطاع بعضهم الحصول على بطولات محلية وخارجية، وقد تأسس منذ 1951 قسم خاص للتربية البدنية لمتابعة كافة الأنشطة الرياضية(116).
مشروع المدينة النموذجية التعاونية:
على الرغم أن هذا المشروع لم ير النور إلا أنه من الأهمية بحيث لا يغفل، فقد كونت الجماعة باسم الجمعية التعاونية المصرية للتوفير والتسليف لبناء المساكن بمصر القديمة، وقرروا إنشاء مدينة نموذجية تعاونية(117)، وقد ورد في قانونها الأساسي”ويشترط في سكانها حسن السمعة ومكارم الأخلاق والروح التعاوني والخلق الاجتماعي الذي يجعل من الفرد عضوا أصيلا في المجموع يعيش فيه وله ومن المجموع جسما سليما، يجعل الفرد عضوا يعيش فيه ويعمل لخيره ومن المزايا الاقتصادية لذلك المشروع أن تكاليف بناء المسكن وثمن الأرض المقام عليه والحديقة المحيطة به ستكون في حدود ألف جنيه وذلك لاستفادة المشروع من المزايا التي يمنحها قانون التعاون للجمعيات التعاونية وسيقام المسكن على مساحة 400 متر منها 150 متر مباني و250 مترًا للحديقة، وسيكون دفع الثمن على أقساط زهيدة تتناسب مع حالة الطبقة المتوسطة من محدودي الدخل كالموظفين والعمال ومتوسطي التجار، إذ سيدفع العضو خمس الثمن تقريبا مقدما ويسلم إليه المسكن، ويقوم بسداد باقي الثمن على أقساط شهرية في مدة عشر سنوات وستكون جميع المرافق الاقتصادية في المدينة من تجارية وصناعية وغيرها ملكا للجمعية بحيث يعم نفعها على جميع الأعضاء وبذلك يتلاشى نظام الاحتكار ويحل محله نظام التعاون”.
ومن مزايا المشروع الاجتماعية أنه سوف يعمل على “تحقيق التآخي والتآلف بين سكان المدينة بتخير العناصر الصالحة المتقدمة للسكنى بها، كما أنه يرمي إلى إعداد جيل جديد قوى وذلك بإسناد تربية الأبناء وتعليمهم إلى أيد أمينة، فتقوم الجمعية بإنشاء مدارس لرياض الأطفال وللتعليم الابتدائي والثانوي، كما سيعمل المشروع على تحقيق معنى التكافل الاجتماعي بين مجموعة السكان، وتنفيذ فكرة التأمين الاجتماعي والصحي بينهم، وستنشئ الجمعية الأندية الرياضية ومكتبة عامة ومسجد وغير ذلك مما يعتبر مرافق ضرورية للمجتمع الحديث”(118)، وبهذه الصورة فإن الإخوان كانوا ينشدون وضع تصورهم عن المجتمع المثالي الذي وضعه حسن البنا موضع التنفيذ، هذا بخلاف ما يمثله المشروع من تصور لحل مشكلة الإسكان وارتفاع أسعاره.
وقد قام محمد شوقي زكي بدراسة النشاط الاجتماعي لجماعة الإخوان في بحثه المقدم للمعهد العالي للخدمة الاجتماعية بالقاهرة عام 1953م، وقدم فيه الباحث مجموعة من الإحصاءات حول انتشار الخدمات الاجتماعية للجماعة في منطقة القاهرة والجيزة، وحصر أنشطة الجماعة الاجتماعية في الأقسام المختلفة سواء الأنشطة الصحية أو التعليمية أو في مجال الثقافة الإسلامية بالإضافة لمجال مساعدة الفقراء والمحتاجين ومعاونة الدولة في مكافحة الكوارث مثل الأوبئة والفيضانات ونشر روح الخدمة العامة بين الشباب من خلال أنشطتها الكشفية والجوالة الإخوانية وفتح شعب الإخوان لخدمة البيئة المحيطة بها، وأيضًا جعلها ملجأ للمهاجرين من الإسكندرية وغيرها من الأماكن التي تعرضت للغارات أثناء الحرب العالمية الثانية وتقديما لمساعدات والعون لهم(119).
يضاف إلى هذه الخدمات الاجتماعية المتنوعة التي قدمها الإخوان، أنهم تعرضوا لحالة السجون المصرية ووصفوها بأنها أصبحت تكايا للمجرمين ومدرسة لتخريج محترفي الإجرام، هذا بخلاف الظروف غير الإنسانية التي يعيش فيها المسجونون وأنها أصبحت بحالتها هذه عاملا مساعدا على تزايد الجريمة في المجتمع لا علاجها، بدليل تزايد أعداد المسجونين في كل عام عن سابقه، وترى الجماعة أن في تطبيق الحدود الشرعية حسما لهذا الوضع، كما يجب العمل على إصلاح حالة السجون لتصبح لائقة بالآدميين كما هو الحال في السجون الأجنبية، والعمل على تأسيس بعض المدارس الفنية والتعليمية داخلها حتى يحترف المسجون حرفة تغنيه عن العودة للجريمة(120).
وقد كان انتشار الجماعة بين القرى والحواضر المصرية، وما اشتهرعنها من الإقبال على العمل الاجتماعي دافعا لوزارة المعارف أن تطلب مساعدة الجماعة في عام 1946م، في تحقيق برامجها لمحو الأمية ومكافحة الجهل ونشر الثقافة الشعبية ونشر الوعي الصحي بين التلاميذ بصورة خاصة وبين عامة الشعب بصورة شاملة، وقد وافقت الجماعة إلى إمضاء هذا التعاون وتم تشكيل لجنة خاصة للتنسيق بين الوزارة والجماعة(121).
وقد كانت الجماعة دائمة العمل بمفردها أحيانا ومع الجمعيات الإسلامية الأخرى أحيانا في اتجاه القضاء على البغاء وألعاب القمار في المجتمع المصري(122)، وكانت برامج الإصلاح الاجتماعي للجماعة تتضمن بندًا أساسيا هو القضاء على البغاء السري والعلني وألعاب القمار، وقد تحقق الأول في عام 1949م، بينما صدر القانون الخاص بتحريم لعب القمار في يناير 1955م(123).
وفي ضوء هدف الجماعة من تكوين جيل من المسلمين يفهم الإسلام فهما صحيحا، ويعيش ويجاهد به ويقيم حضارة تستند إلى أسسه وتحقق أهدافه(124)، اتصلت الجماعة بكل فئات المجتمع ونظمت في شكلها الإداري أقساما تعمل على توسيع دائرة الاتصال بها، وتعريفها بفكرة الجماعة ومبادئها والعمل على استثمار طاقاتهم وخبراتهم سواء لصالح الجماعة أو لصالح المجتمع(125)، لذلك أسست الجماعة قسم المهن، ومهمته الاتصال بأرباب المهن في مصر وخارجها وكذلك بتجمعاتهم من نقابات أو أندية أو روابط أو جمعيات علمية، ويعمل كل فرع في نطاق تخصصه في إعداد المناهج والخطط الإصلاحية على أساس الفكرة الإسلامية وتطبيقها ما أمكن عن طريق شركات مساهمة أو جمعيات تعاونية مع العمل على تقديم البحوث والدراسات للحكومة لتوجيهها(126)، وكان مثال هذه الفروع فرع الزراعيين والذي أعد دراسات في:
– حفظ الخضر والفاكهة ومستخرجات النباتات الطبية.
– العناية بالإنتاج الحيواني وتربية السلالات الممتازة.
– تربية النحل ودودة القز.
– الصناعات الريفية، وغير ذلك من الدراسات الزراعية.
وكذلك فرع الاجتماعيين الذي جمع كل من له صلة بهذا التخصص(127)، هذا بالإضافة إلى فروع المعلمين والتجاريين والقانونيين والمهندسين والذين عملوا جميعا على إعداد البحوث التوجيهية، وكان من ثمار هذه البحوث بحث في السياسة العامة للتربية والتعليم، وبحث في خطوط الإصلاح على ضوء الإسلام ويقع في قسمين قسم في الاقتصاد والنقد والضرائب، والثاني في الزراعة والتصنيع والمواصلات والعمارة، هذا غير المحاضرات العلمية المتخصصة التي تم تنظيمها بمعرفة الفروع المختلفة(128).
وقد استطاعت الجماعة أن ترسى لنفسها قاعدة قوية داخل الجامعات المصرية، وعن طريق بعض شبابها استطاعت أن تؤسس – تقريبا – بكل كلية مسجدًا للصلاة(129)، وتدريجيا انتشرت بين صفوف الطلاب، وسيطرت على الاتحادات الطلابية بمعظم الكليات منذ مطلع الخمسينيات(130)، ودفعوا بالطلاب إلى خضم الحركة الوطنية، وأقاموا معسكرات التدريب للطلاب بالجامعة لإعداد الراغبين منهم في الاشتراك في المقاومة بمنطقة القناة(131). وعلى صعيد آخر استثمروا طاقات الشباب وقدراتهم في الانطلاق إلى كل مكان بمصر ينشرون فكر الإخوان ويدعون إلى التمسك بالإسلام، وأدخلوا بذلك – ولأول مرة – عنصرا جديدًا ذا تكوين جديد إلى مجال الدعوة الإسلامية، فهذا الشباب مثقف ثقافة جامعية، وهي الثقافة التي تعارف الناس عليها في فترتها الأولى أنها أبعد ما تكون عن الدين، وأهلها غير متمسكين بسلوكياته وآدابه، وإذا بالعامة يجدون منهم من يقف فيهم خطيبا يدعوهم إلى التمسك بالإسلام فكرًا وسلوكًا ونظامًا شاملاً للحياة(132).
وخلاصة الأمر في اعتقادنا، أن قدرة الإخوان على الاتصال بالجماهير من خلال الأعمال الاجتماعية والمشروعات الخيرية، كانت هي السر وراء تغلغلهم في نسيج المجتمع والتواجد بين طبقاته وفئاته المختلفة، وقد ساعد على ذلك حرصهم على إذابة الفوارق الاجتماعية والثقافية داخل النسيج الإخواني(133)، فكانت الأسرة الإخوانية تجمع بين الطالب والتاجر، والعامل والمهني، والأمي والمتعلم، والشيخ والشاب، والغني والفقير وذلك في إطار من التكافل والتكامل، مما جعل الجماعة ضاربة بجذورها بين أبناء الأمة المصرية جميعا.
الإخوان والاقتصاد:
يرتكز النظام الاقتصادي عند الإخوان على عشرة قواعد هي:
1- اعتبار المال الصالح قوام الحياة، ووجوب الحرص عليه، وحسن تدبيره وتثميره.
2- وجوب العمل والكسب على كل قادر.
3- الكشف عن منابع الثروات الطبيعية، ووجوب الاستفادة من كل ما في الوجود من قوى ومواد.
4- تقريب الشقة بين مختلف الطبقات، تقريبا يقضى على الثراء الفاحش والفقر المدقع.
5- تحريم موارد الكسب الخبيث.
6- الضمان الاجتماعي لكل مواطن، وتأمين حياته، والعمل على راحته وإسعاده.
7- الحث على الإنفاق في وجوه الخير وعلى التكافل بين المواطنين، ووجوب التعاون على البر والتقوى.
8- تقرير حرمة المال، واحترام الملكية الخاصة ما لم تتعارض مع المصلحة العامة.
9- تنظيم المعاملات المالية بتشريع عادل رحيم.
10- تقرير مسؤولية الدولة في حماية هذا النظام(134).
وفي ضوء هذه القواعد وضع الإخوان مجموعة اقتراحات لعلاج الأوضاع الاقتصادية في مصر تتمثل في:
(أ) وجوب استقلال النقد واعتماده على رصيد ثابت من موارد الدولة المصرية وذهبها، لا على أذونات الخزانة البريطانية ودار الضرب البريطانية والبنك الأهلي البريطاني، والعمل على الإسراع بالانفصال عن الكتلة الإسترلينية، وتأميم البنك الأهلي، هذا في ظل التعنت البريطاني حول الأرصدة الإسترلينية(135)، وسعى الولايات المتحدة لإضعاف الكتلة الإسترلينية تمهيدًا لاختراق المنطقة وأن تحل بعملتها محلها(136).
(ب) تمصير الشركات، وإحلال رؤوس الأموال الوطنية محل رؤوس الأموال الأجنبية كلما أمكن ذلك، وتخليص المرافق العامة – وهي أهم شيء للأمة – من يد غير أبنائها فلا يصح بحال أن تكون الأرض والبناء والنقل والمواصلات الداخلية والخارجية والماء والنور، حتى الملح والصودا في يد شركات أجنبية تعود بأرباحها على الأجانب ولا يصيب العامل المصري والجمهور الوطني إلا البؤس والشقاء(137)، وترى الجماعة أنه يجب أن يتم تأميم شركة قناة السويس ليكون دخلها لصالح مصر(138).
(ج) استغلال منابع الثروة الطبيعية، ففي أرض مصر ثروات لا ينقصها إلا فكر يوجه، وعزيمة تدفع(139)، ويد تعمل، وسيناء وما فيها مثال على ذلك(140)، وكذلك يجب العناية بالمشروعات الوطنية الكبرى المهملة، ومثال ذلك خزان أسوان(141).
(د) التحول إلى الصناعة فورا، فحرام على أمة تقرأ في كتابها من الثناء على داود عليه السلام (وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ… الآية- سبأ: 10)، ثم لا يكون فيها مصنع للسلاح، ومصنع كامل للأدوات المعدنية(142).
(هـ) إعادة النظر في نظام الملكيات في مصر، فيجب أن تختصر الملكيات الكبيرة ونعوض أصحابها عن حقهم بما هو أجدى عليهم وعلى المجتمع، ونوزع أملاك الحكومة على الفقراء المعدمين، وتشجيع الملكيات الصغيرة(143).
(و) تنظيم الضرائب، لابد من العناية بفرض ضرائب اجتماعية، وعلى رأسها الزكاة، وتكون بالنظام التصاعدي، وبحسب رأس المال لا بحسب الربح، محاربة لحبس الأموال عن التداول، وما جعلت الأموال إلا وسيلة لهذا التداول الذي يستفيد من ورائه كل الذين يقع في أيديهم هذا المال المتداول(144).
(ز) محاربة الربا، فترى الجماعة أنه يجب أن نحرمه ونقضي عليه وعلى كل تعامل على أساسه حالا، وقد أسقطته روسيا الشيوعية وبذلك تسقط حجة القائلين بأنه تقوم عليه دولاب الاقتصاد العالمي كله(145).
(ح) تشجيع الصناعات المنزلية، فيجب تشجيع الصناعات اليدوية المنـزلية، وهو باب للتحول إلى الروح الصناعية والوضع الصناعي(146).
(ط) تقليل الكماليات والاكتفاء بالضروريات وأن يكون الكبار في ذلك قدوة للصغار(147).
والإخوان من منطلق رباط الإسلام الذي يجمع أمة الإسلام فهي تنظر إلى أن الاتصال الوثيق بين بلاده كفيل بتحقيق الاكتفاء الذاتي والاستقلال الاقتصادي، فلا معنى للاستقلال دون تحقق الاستقلال الاقتصادي للأمة، لذا لابد من توثيق الروابط وتوالي البعثات والدراسات والسعى الحثيث لإنشاء أسطول تجاري، وأن تشبع روح الوحدة والتعاون بيننا وبين أمم العروبة وشعوب الإسلام(148).
وقد نص الإخوان على أن من أغراضهم “تنمية الثروة القومية وحمايتها وتحريرها”(149) ولتحقيق ذلك أسست الجماعة مجموعة من الشركات هي:
1- شركة المعاملات الإسلامية برأسمال عشرون ألف جنيه.
2- الشركة العربية للمناجم والمحاجر برأسمال ستون ألف جنيه.
3- شركة الإخوان المسلمين للغزل والنسيج برأسمال ثمانية آلاف جنيه.
4- شركة المطبعة الإسلامية والجريدة اليومية برأسمال مائة وعشرون ألف جنيه.
5- شركة التجارة والأشغال الهندسية بالإسكندرية برأسمال أربعة عشر ألف جنيه.
6- شركة التوكيلات التجارية.
7- شركة الإعلانات العربية.
هذا غير المشروعات الإخوانية الصغيرة مثل المشاغل والمحال التجارية الصغيرة وغيرها(150).
وقد كان حرص الإخوان في كافة شركاتهم على توزيع الأسهم على مجموعة كبيرة من أفراد الشعب ومعظمهم من العمال الذين يعملون في هذه المشروعات أولا ثم غيرهم، وذلك لتحقيق مبدأ “الاشتراكية الإسلامية”(151)، والبعد عن هيمنة أصحاب الأموال المستغلين(152).
البرنامج الاقتصادي لجماعة الإخوان(153):
يتكون البرنامج الاقتصادي من شقين:
أ- القسم العام: وهو يتعلق بالغاية الاقتصادية التي لا يختلف فيها إثنان، والمقصود هو زيادة الإنتاج إلى أقصى حد ممكن بأقل مجهود، وهذه الغاية تنفذ بطرق تختلف باختلاف المثل العليا السائدة، وباختلاف الظروف والملابسات، ومن هذا البرنامج يتضح التركيز على العناصر التالية:
1- الثروة الزراعية والحيوانية، وإمكانيات التوسع فيها، بما في ذلك تحسين أدوات الزراعة والفنون العلمية.. والملكية الزراعية.
2- الثروة المعدنية ما هو موجود منها، وما هو بعد ركاز في باطن الأرض، ومدى استثمار هذه الثروة.
3- الثروة غير المنظورة، ويقصد بها الخدمات التي يحتاج إليها الناس في معاشهم من تجارة ونقل وتأمين.. إلخ، ومدى ترقية الفنون الخاصة بهذه الثروة حتى تؤدي الخدمات بأقل نفقة على أتم وجه، وحتى يزداد الدخل الأهلي وبالتالي حصة الفرد فيه ازديادًا مطردًا.
ب- القسم الخاص: وهو يتعلق بكيفية الوصول إلى هذه الغايات وتنفيذ الوسائل المؤدية إليها، وبعبارة أخرى ينصب هذا القسم على الطرق التي يمكن بها أن تزيد من ثروتنا المنظورة أو المحسوسة من نباتية وحيوانية ومعدنية، وكذلك ثرواتنا غير المنظورة من تجارة واحتراف مهني وتأمين.. إلخ، وواضح أن هذا القسم يختلف عن سابقه فهو ذاتي يتبع المثل الأعلى والطريق السياسي والنهج الاجتماعي التي تعيش الجماعة بمقتضاها.
ويناقش البرنامج اعتراضات المعترضين حول دخول الدين إلى ميدان الاقتصاد، وأن الإسلام دين والاقتصاد علم، وأن الأول عقيدة تلقينية محلها القلب، والثاني علم ينصب على دراسة العلاقة بين الإنسان والمادة، وأن هذا الفصل بعيد عن الصواب، والقائل به إما جاهل – أو متجاهل – بالأديان عامة وبالإسلام خاصة، وذلك أن موضوع الأديان جميعا هو إصلاح أحوال الإنسان المادية والروحية، وأن الإسلام جاء في صلبه نصوص اقتصادية بالغة الوضوح، وفي النهاية سواء كان المعترض من المنكرين للإسلام أو من معتنقيه فإن علاج المشاكل الاقتصادية حسبما قرره الإسلام حق في ذاته، برغم أن ذلك يشترط وجود وسط إسلامي كامل ليظهر أثره الكامل في ميدان الاقتصاد، ولا سبيل لإنكار هذه القوانين الإسلامية العلمية إذا درسناها مجردة مستقلة وبما يمكن اعتباره علم الاقتصاد الإسلامي، ولكن من الصعب تطبيق هذه القوانين في غياب الشروط التي افترضها الإسلام وإن كان من الصعب تطبيق هذه النظم الإسلامية في انتظار تكوين البيئة الإسلامية، ولكن يجب أن نبادر إلى تطبيقها رويدًا رويدا، ونقوم بتصحيح الأوضاع تدريجيًا في اتجاه المجتمع الإسلامي الكامل، وسوف تكون الفائدة بمقدار ما نطبق من النظام الإسلامي الشامل.
ومحور الاقتصاد الإسلامي هو الزكاة، وهي مسئولية مادية فرضها الإسلام على المسلمين جميعا متى توفرت شروطها، وهي تفرض على رأس المال وليس على الربح فقط منعا لكنز الأموال وحضا على استثمارها وتداولها، ويأمر الإسلام بالقوة الإنتاجية ويحض على العمل الصالح، وكل عمل صالح لا يعدو أن يكون إنتاجًا، أي نشاطًا اقتصاديًّا مبذولاً بقصد إشباع رغبة تفئ على الغير نفعا، وعن طريق الاستبدال يتم إشباع كافة الرغبات فالذي ينتج ورقا أو منسوجات لا ينتجها لإشباع رغبته فيها، ولكن ليستبدل بها ما يحتاجه من لوازم الحياة، ولهذا ربط الإسلام الإنتاج بالتداول بأوثق رباط، وقد نظم التشريع الإسلامي التداول (وهو الوساطة بين الاستهلاك والإنتاج) تنظيما من شأنه ألا ينصرف الفرد إلى تعويق الإنتاج أو الحد من الاستهلاك ورتب على هذه الواسطة توازنا دائما بين الأمرين، يحقق أكبر منفعة للفرد وللجماعة في آن واحد.
ويتطرق البرنامج إلى شرح أساس المبادلة، وتعريف النقود ودورها في العملية الاقتصادية ووظيفتها، ثم يشرح منشأ الفائدة الربوية ويعرض لآراء المؤيدين لها مفندًا لها بآراء اقتصاديين معروفين أمثال اللورد كينز وهارود وغيرهم، ويوضح كيفية علاج الأمر بالقواعد الإسلامية، ومعالجة مشاكل الأموال الثابتة في الأرض والعقارات، وكذلك كيفية إجبار الناس على تداول المال بفرض ضريبة شهرية على النقود الورقية وتشجيع الناس على الاستثمار بنظام أطلقوا عليه “الاستثمار الجديد”، وبموجب هذا النظام أو لضمان نجاحه يتم تثبيت الأسعار ولا يتم تحريكها إلا بنظام ثابت، ثم يشرح البرنامج الآثار المترتبة على النظام الجديد للنقد من سعر الصرف ونظام المصارف التجارية وتنظيم التجارة الداخلية والقضاء على كثير من عناصر المضاربة التي تحدد مصير التجار بين الثراء الفاحش أو الخسارة المبينة، وكذلك تنظيم التأمينات الجماعية للعمال والموظفين والزراع من البطالة وأخطار العمل والشيخوخة.
وبالإضافة للنشاط الاجتماعي والاقتصادي للجماعة، فقد تقدمت الجماعة بعدة برامج للإصلاح الاجتماعي والاقتصادي ومن أبرزها.
1- برنامج “المطالب الخمسون”:
وقد تقدمت به الجماعة للحكومة الوفدية في عام 1936م، ورفعته كذلك للملك فاروق، وقد اشتمل البرنامج على عشر نقاط لتحقيق الإصلاح السياسي والقضائي، والنقاط الأربعين الباقية خصصت لعلاج الوضع الاجتماعي والاقتصادي، وقد نشرها الإخوان ضمن رسالة “نحو النور” وقد تضمنت البنود “العناية بشؤون العمال وتحسين حال صغار الموظفين” و”تشجيع الإرشاد الزراعي والصناعي” وأكدت على “ضرورة تحقيق الاستقلال الاقتصادي(154)“.
2- البرنامج الإصلاحي:
وقد قدمته الجماعة إلى الحكومة الوفدية في عام 1937م، واشتمل على تسع نقاط، توجهت النقاط إلى إصلاح التشريع وتوحيد المحكمة المصرية في ظل الشريعة الإسلامية، وإصلاح المدرسة بتوحيدها تحت ظل الإسلام، وإصلاح حال الجيش المصري، وتنظيم عملية التطوع للقادرين، ثم توجه إلى النواحي الاقتصادية والاجتماعية بإصلاح الإدارة والعناية بالأسرة والقرية ومقاومة روح التقليد للأوروبيين(155).
3- رسالة النظام الاقتصادي:
وهي مجموعة من المقالات في جريدة الإخوان المسلمين اليومية عام 1947، شرح فيها حسن البنا النظام الاقتصادي والاجتماعي الإسلامي باستدلالات من القرآن والسنة، وتم نشرها تحت اسم “النظام الاقتصادي”(156).
4- حول إصلاح الأوضاع الراهنة:
وهو بيان الجماعة بعد ثورة 23 يوليو 1952، وقد نشر في مجلة الدعوة في 2 أغسطس 1952، وفيه توضح الجماعة موقفها من عملية الإصلاح الواجبة في المجتمع في مختلف المجالات، فنصت على ضرورة الإصلاح الخلقي والتربوي وتحريم الربا والقمار والخمر، وتنظيم التكافل الاجتماعي عن طريق جمع الزكاة الواجبة على الأغنياء، فإن لم تكف وضعت التشريعات الكفيلة بتحقيقه، كما طالب بإلغاء الرتب والنياشين لتحقيق المساواة بين الجميع وعدم تمييز طائفة بألقاب ورتب لا أساس لها، وإلغاء بورصة العقود وإصلاح السياسة القطنية، وتنظيم التربية العسكرية وتوسيع نطاق التجنيد(157).
برنامجنا الاقتصادي:
وهو الذي نشر في عدة حلقات من مجلة المسلمون في عام 1953/1954 واشتمل على توصيف لكيفية رسم السياسة الاقتصادية وسياسة النقد من غير اللجوء إلى النظام الربوي، كما طالب بتأميم البنك الأهلي المصري الذي كان بمثابة البنك المركزي وكذلك شركات التأمين(158)، وقد سبق الإشارة إليه، هذا غير الكثير من المراسلات إلى أصحاب الشأن من الوزراء حول الإصلاح في وزاراتهم والتي لا تخرج عن المحاور الأصلية في برامجهم السابق ذكرها، وقد أعادوا نشر أبرزها في سلسلة مقالات بعنوان “نحن” في جريدة الإخوان المسلمين اليومية على 23 حلقة عام 1946(159).
خاتمة:
تناولت سطور هذا البحث تحول مدرسة المنار من حالة فكرية لنخبة المجتمع لحالة شعبية تناصر مبادئها، وتمزج بين الدعوة لمبادئ الجماعة والمطالبة بحقوق الشعب بكل فئاته، وتقدم مشروعات خدمية واقتصادية تعمل في واقع الناس، وتضع خططًا لتغيير المجتمع. وبين البحث كيف اجتهدت الجماعة في محاولة تغيير الواقع لتحقيق آمالهم وأحلامهم تحت الشعار الذي وضعه مؤسسها بقوله “إن حقائق اليوم أحلام الأمس، وأحلام اليوم حقائق الغد”، وفي هذا السبيل حاولت أن تربي رجالا يكون كل واحد منهم “يوسف هذه الأحلام”، أو أن يكون محققا الشعار القائل” إن الرجل الواحد باستطاعته أن يبني أمة متى صحت عزيمته”(160)، لذا فإن ما سبق يبني اعتقادا أن الجماعة فكرا وحركة تصب فيما يمكن أن نطلق عليه “المشروع البديل”، “مشروع” ينسجون خيوطه من قواعد الإسلام الكلية دون التورط في اختلافات السابقين واجتهاداتهم المرتبطة بعصورهم، ومن تجارب الأمم السابقة والمعاصرة، إسلامية أو غير إسلامية متى كانت متوافقة مع قواعد الشريعة ومقاصدها. أما كون المشروع بديلاً فهو يريد أن يكون بديلا للواقع الذي استقرت بوصلته على الاتجاه الغربي، وقد أمسك بدفته المؤمنون بالحضارة المادية الغربية، والأمر ليس أمر اصطناع مثالية ليس لها أساس من الواقع، بل محاولة تعي ما تصبو إليه الأمة بمختلف طوائفها، والتعرف على القاسم المشترك بين تطلعات هذه الطوائف، وفتح آفاق جديدة مع الاحتفاظ بهوية الأمة وجذورها، ومن هنا نستطيع أن نفهم ما اعتقده الباحثون صيغا عمومية في فكر الجماعة، ونستطيع أن ننظر إلى البرامج المطروحة من الجماعة سواء ما نفذته على الأرض، او ظل مسطورا في البرامج، على أنها أمثلة – مجرد أمثلة- على صلاحية المشروع ومواءمته للأمة، وتحقيق هذه البرامج للتأثير المطلوب في المجتمع من حيث إثبات صلاحيتها لأن تتعامل مع الواقع وأن تعيش فيه، وبذلك تحقق الجماعة القاعدة الجماهيرية اللازمة لوضع مشروعها موضع التنفيذ. وفي نفس الوقت نجد الجماعة تحرص على أن تتقدم في كل مجال ببرنامج لإثبات قدرة مشروعها على التعامل مع كافة مجالات الحياة، بل وتقوم بتطبيق بعض من هذه البرامج من خلال ممارسات تقوم عليها بنفسها وبرجالها تدريبا لهم من ناحية، ومن ناحية أخرى لإثبات أن برامجها قابلة للتطبيق والنجاح والثبات في أرض الواقع ومثال ذلك:
في المجال الفكري:
قدمت مجموعة من المؤلفات التي تعرض الفكر الإسلامي بشكل تتوافر فيه البساطة والمعاصرة، وتفتح الحوار حول القضايا المعاصرة مثل النظام الاقتصادي الحديث والتأمين ونظام الدولة السياسي وغير ذلك من القضايا التي طرحها أنصار الفكر الغربي في المجتمع المصري، ويقدمون نموذجا للدستور الإسلامي والنظام الاقتصادي الإسلامي للدولة، هذا بخلاف اجتهادهم في وضع تصورات تجتمع عليها الفرق والجماعات الإسلامية ومحاولتهم حل المشاكل التاريخية بين المسلمين، فكان اشتراكهم في تأسيس دار التقريب بين المذاهب الإسلامية بالتعاون مع علماء الشيعة وبعض فرق الخوارج.
وفي المجال الأدبي والفني:
اجتهد الإخوان في تقديم الأشكال الأدبية المحلية والعالمية التي تتفق والإطار الفكري للجماعة والقيم الأخلاقية الإسلامية، فنرى صحافتهم تعرض بصورة مستمرة قصص على أحمد باكثير وعلى يوسف علام(161)، ومن الأدب العالمي تعرض بعض قصص تولستوي وألكسندر بوشكين، بل تقوم بعرض مفصل لفلسفة أرسطو وحياته(162)، وبالإضافة لهذا فقد أخرجت إلى الوجود ما يمكن أن نسميه “المسرح الإسلامي” واستعانت فيه بعدد من المحترفين مثل عبد المنعم مدبولي وسراج منير وزكي طليمات وغيرهم، ويعكس ترحيبهم بإنشاء أول دار عرض سينمائي بأموال مصرية، وتأسيس شركة مصرية للإنتاج السينمائي تضم عددا من الفنانين والأدباء المصريين، موقفا متفهما لدور السينما والفن عموما في الحياة، وقدرته على نشر القيم والأفكار الإسلامية متى توجه إليها(163).
وفي المجال التعليمي:
كانت مدارسهم للبنين والبنات وفصول محو الأمية للرجال والنساء الملحقة بشعب الجماعة المنتشرة بكل مكان نموذجا عمليا لآراء الجماعة سواء في العملية التعليمية أو ضرورة محو أمية الشعب كخطوة لازمة للنهوض به في كافة المجالات.
وفي الصحافة:
قدمت الجماعة نموذجا للصحافة الإسلامية، فأسسوا صحيفة يومية إسلامية هي “جريدة الإخوان المسلمون” وذلك لأول مرة منذ نشأة الصحافة بمصر، ويعتقد الباحث أن هذا الأمر لم يتكرر حتى الآن، كما قدمت العديد من الدوريات المتدرجة المستوى فكان منها دوريات للبحوث العلمية مثل مجلة “المسلمون” وأخرى كاريكاتيرية مثل “الكشكول الجديد”.
بالإضافة لهذا فقد قدمت الجماعة للدعوة الإسلامية نموذجا جديدا من المتحدثين باسم الإسلام، فلأول مرة في مصر يتحدث عن الفكر الإسلامي من على منابر المساجد حاملوا الألقاب الجامعية بجانب أصحاب العمامة الأزهرية، وذلك من خلال برامج ثقافية متدرجة المستوى ومتعددة المناحي، مزاوجة بين القديم والجديد في كل مجال.
وفي مجال التنمية الاجتماعية:
قدمت الجماعة برامج لتنمية المجتمع الريفي والمجتمع الإداري والصناعي، وقامت بتجارب عملية في كل منهما، فبالنسبة للمجتمع الريفي قدمت صورة عملية لبرنامجها لتنمية الريف في نواحي أسيوط، وكذلك في أسوان عندما استصلحت مساحة 800 فدان، وأقامت في كل منها مزارع على أحدث النظم المعروفة حتى عام 1945م(164)، وقدمت كذلك في المجال الإداري والصناعي عدة مؤسسات صناعية تمثل تطبيق عملي لتصوراتهم في الإدارة وملكية العمال لمصانعهم من تقسيط ثمن الأسهم والحرص على أداء الحقوق والواجبات وتعاون جمع ممن في هذه المؤسسات من أجل نجاحها، وقد استطاعت بالفعل أن تضاعف رؤوس أموالها خلال فترات قصيرة مما يعتبر شاهدًا على تحقيق قدر من النجاح.
وفي مجال الخدمة العامة:
أقامت الجماعة العديد من المؤسسات التي تعمل في مجال الخدمة العامة، فقد أقامت المستشفيات والمستوصفات للعلاج بأجر رمزي أو مجانا، والملاجئ للأيتام، والمشاغل للفتيات الفقيرات، وتنظيم مساعدة الأسر الفقيرة وذلك بإمدادها بالمال والكساء أو بتوفير صناعات صغيرة تعينهم على الكسب، هذا بخلاف نشر روح العمل من أجل الخير العام، وذلك بتنظيم فرق كشفية وجوالة تعمل على تنظيف الطرق وإضاءتها في الريف والحضر، واشتراكهم في مكافحة الأوبئة والفيضانات، وإيواء الأهالي أثناء غارات الحرب العالمية الثانية، هذا بخلاف محاربة الجماعة للأمراض الاجتماعية مثل البغاء والقمار وشرب الخمر، وكذلك عقد مجالس الصلح بين المتخاصمين سواء في الريف أو الحضر.
وقد حرصت الجماعة على نشر الاهتمام بالرياضة فكان بكل شعبة تقريبا – مكانا لممارسة بعض أنواع الرياضة، وكان بالجماعة قسما للتربية البدنية يعمل على تنظيم وتنمية الأنشطة الرياضية، وقد كان للجماعة نفسها العديد من الفرق الرياضية في الألعاب المختلفة.
لقد حاولت الجماعة من خلال الأنشطة المختلفة التي قامت بها أن تقدم “نموذجا”، هذا النموذج يعمل على إقناع أوسع قاعدة شعبية بصلاحية “المشروع البديل” الذي تنشده الجماعة، وفي نفس الوقت تعمل وسائل الإعلام بالجماعة في نقد الوضع القائم وكشف سوءاته، ولم تكتف الجماعة بهذا بل وجهت سهام نقدها إلى كافة المشروعات البديلة المطروحة في المجتمع مثل “المشروع الشيوعي” المطروح بقوة من خلال التنظيمات الشيوعية المصرية ومن خلفه دولة شيوعية تمثل نموذجا تطبيقيا ناجحا – في وقته – أمام الشعب المصري، لذا فقد بدأ سعي الجماعة يؤكد على ضرورة وجود دولة تمثل “نموذجا” للمشروع الإسلامي وقد بدأ هذا الاتجاه يتزايد بإطراد منذ عام 1947م.
وفي ضوء ما سبق نستطيع أن نفهم لماذا صارعت الجماعة على السلطة بعد قيام ثورة 23 يوليو 1952م، لقد اعتقدت أنها صانعة حالة “طلب التغيير” في الشعب المصري أو على الأقل شاركت بسهم وافر في صنعها، وكذلك أنها – على أقل تقدير – شاركت في صنع الثورة نفسها، وعلى ذلك فمن حقها أن تحصد ما زرعته طوال سنوات من العمل الدائم، يضاف لذلك أن بعض برامج الجماعة بدأت تخرج إلى أرض الواقع.
في النهاية هناك بعض الاتجاهات برزت يجب أن ننتبه لها:
الاتجاه الأول خاص بتوجه للمرشد الأول -لم ير النور- يجب أن يسجل، إذ يؤكد بعض أعضاء جماعة الإخوان في مذكراتهم المخطوطة عن عام 1948م، أن المرشد الأول للجماعة بدأ يتجه إلى اعتزال السياسة والتركيز على الجانب التربوي، وقد بدأ يعلن هذا بين بعض قيادات الجماعة(165)، وأنه رفض التعاون مع الوفد لإسقاط حكومة السعديين من منطلق أن الجماعة في طريقها لاعتزال العمل السياسي، كما رفض دعوة إبراهيم عبد الهادي الذي كان يشغل رئيس الديوان الملكي للقائه لنفس السبب(166)، ويؤكد هذا الاتجاه أن حسن البنا قام بزيارة لفتحي رضوان عرض فيها أن يتفرغ المرشد العام مع بعض الدعاة من الإخوان للتربية والتكوين لشباب الإخوان وأن يقتصر نشاط الجماعة على هذا المجال، وأن يتم توجيه من يريد أن يشتغل بالعمل السياسي إلى الحزب الوطني ليعمل تحت قيادة الحزب وحسب توجيهاته، وقد حدثت مفاوضات في قيادة كل هيئة على حدة، وبين المرشد وفتحي رضوان، ولكن الأمر رفض من جانب الحزب الوطني(167)، ولم يتم حسمه في هيئة الإخوان بشكل واضح(168)، ولكن البنا صرح في هذا الموقف أن الجماعة لن تستطيع أن تغير كثيرا سواء في القضية الوطنية أو القضية الفلسطينية، ولكنها لا بد أن تخوض غمار هذه القضايا حتى لا تتهم بالخيانة من جانب الآخرين، وقد كان التطبيق العملي لهذه الآراء في أوامره الشفوية للقائمين على تنظيم حركة التطوع لحرب فلسطين أن يجعلوا من بين كل عشرة متطوعين واحدًا فقط من أعضاء الجماعة وتسعة من الجماهير، وبذلك لا تستنزف الجماعة وتخسر أفرادها الذين تم تربيتهم وإعدادهم في معركة خاسرة، ومن جانب آخر تكسب الجماعة تسعة من غير أعضائها لصفوفها(169).
الاتجاه الثاني: نجد أن المرشد الأول -في نفس الفترة- يتجه إلى محاولة فصل التنظيم الخاص المسلح للجماعة عن هيئة الإخوان فصلا تاما، بما يفضي في النهاية إلى إلغاء انتسابه للجماعة، وان كان غير واضح هل كان هذا التوجه لخروج الجهاز القائم عن السيطرة، ومن ثم يريد استبداله بجهاز يسير وفق توجهات الجماعة، أو إلغاء لفكرة تكوين جهاز سري مسلح داخل جماعة إسلامية مدنية علنية، ولكن الثابت أن مفاوضات دارت بين المرشد وقائد التنظيم بهذا الخصوص، وبشكل اكثر تفصيلا بعد مقتل القاضي الخازندار بيد أفراد من التنظيم(170). وهو ما قد يفسر قرار المرشد الثاني للجماعة (الثابت صلته الوثيقة بالبنا قبيل وفاته) بحل الجهاز، ونتيجة لعدم سيره على خطة البنا التدريجية في هذا الفصل، يمكن أن نفهم بعض تصرفات هذا الجهاز معه.
إن هذه الاتجاهات عند المرشد الأول تعكس قدرا من المراجعة من جانبه، والذي أكد عليها القائلون بالأحداث والاتجاهات السابقة الذكر أنها لم تكن مناورة من جانب البنا لعبور الفترة الحرجة التي مرت بها الجماعة عام 1948م، وأن بدايتها كانت سابقة على هذه الفترة، والباحث يعتقد أن البنا لاحظ أن الجماعة بأجهزتها المختلفة تستنزف في المعارك السياسية الداخلية والخارجية، وتتورط في معارك لم تستكمل عدتها لخوضها، وأن الدور المنوط بالجماعة أكبر من هذه المعارك الوقتية مهما كانت خطورتها، إذ أنها تقدم مشروعا بديلا لا لمصر وحدها إنما للعالم الإسلامي كله، وتتصدر لأعمال أشد خطورة وأكبر أثرًا من إسقاط وزارة سعدية.
لقد تواكب مع هذه الاتجاهات اتصال وثيق مع آية الله كاشاني، كاد أن يثمر حلا لأكبر مشكلة في التاريخ الإسلامي، وهي افتراق الأمة منذ فتنة علي ومعاوية إلى سنة وشيعة. وبدأ وضع الأطر النظرية التفصيلية للمشروع الإسلامي، وكان لابد للجماعة أن تنتقل من مجرد توجيه أسهم النقد إلى المشروعات الأخرى إلى التركيز على شرح تفاصيل مشروعها، والانتقال بالجماهير من حالة “طلب التغيير” إلى مرحلة الاقتناع التام بالمشروع الإسلامي أصولا وفروعا، وهذا ما عبر عنه البنا قبل اغتياله بيوم واحد بقوله “.. إن السواد الأعظم يحتاج إلى إحياء تربوي طويل والمعركة قبل ذلك قليلة الغناء..”(171).
الاتجاه الثالث: هو بدء دخول كتابات أبي الأعلى المودودي وأبي الحسن الندوي إلى مصر، وقد كان ذلك على يد مجموعة من الإخوان أطلقت على نفسها “لجنة الشباب المسلم” وذلك تقريبا في عام 1950م، وتدريجيا بدأت تدخل إلى المناهج الثقافية لجماعة الإخوان، وبدأ دخول مصطلحات مثل “الجاهلية” و”الحاكمية” في البناء الفكري، مما كان له آثار عميقة، بعد ذلك سواء على الإخوان أو على الفكر الإسلامي في مصر وخارجها(172).
الهوامش
(1) تاريخ العمل الاجتماعي في مصر، صادر عن الاتحاد العام للجمعيات والمؤسسات الخاصة بالقاهرة – المجلد الأول 1983، صـ15-16.
(2) مصطفي السباعي، حديث الثلاثاء المنشور بمجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (158)، السنة الخامسة 28 يوليو 1947.
(3) نفسه.
(4) محمد شوقي زكي، الإخوان المسلمين والمجتمع المصري بدون دار نشر، بدون تاريخ، صـ42.
(5) نفسه.
(6) نفسه.
(7) حسن البنا، مجموعة الرسائل، دار الشهاب، بيروت، بدون تاريخ رسالة تعاليم، صـ277، وما بعدها، ريتشارد ميتشيل، الإخوان المسلمون – ترجمة د. محمود أبو السعود، صـ237، وما بعدها.
(8) حسن البنا، نفسه، محمد شوقي زكي، المرجع السابق، صـ212.
(9) نفسه.
(10) نفسه.
(11) حسن البنا، نظام الأسر – مجموعة الرسائل، صـ286، ورسالة التعاليم، صـ279.
(12) ريتشارد ميتشيل، المرجع السابق، صـ230.
(13) عبد العزيز كامل، نظام الأسر نشأته وأهدافه – من رسائل قسم الأسر- 1372هـ، صـ4.
(14) حسن البنا، رسالة التعاليم، صـ 278، وما بعدها.
(15) المصدر السابق، صـ256.
(16) لمزيد من التفاصيل حول المرأة في دعوة الإخوان: محمود الجوهري – محمد عبد الحكيم الخيال: الأخوات المسلمات وبناء الأسرة القرآنية، دار الاعتصام، القاهرة، 1989م، محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون – أحداث صنعت التاريخ –رؤية من الداخل 3 أجزاء دار الدعوة، الإسكندرية، 1979م، جـ1، صـ252.
(17) حسن البنا، المصدر السابق، صـ265.
(18) صدر للجماعة قانون نشر في مجلة التعارف العدد (5)، 7 صفر 1359هـ، 16 مارس 1940م للتحقيق في شكاوى الإخوان الداخلية ثم تم تنظيم الأمر بصورة نهائية في اللائحة الداخلية الصادرة مع القانون الأساسي في عام 1951.
(19) الإخوان المسلمون – القانون العام، العدد (6) السنة الخامسة مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، 1935.
(20) حسن دوح، 25 عاما في جماعة صـ33، عبد الحليم أبو شقة: مذكرات مخطوطة حول قضية الاعتراض على المرشد العام من جانب د. محمود أبو السعود وقرار فصله من جانب قيادة الإخوان إلا أن حسن البنا ألغى القرار، وكذلك محمد حامد أبو النصر، حقيقة الخلاف – المرجع السابق، صـ38، وإن كان حسن البنا حاول أن يكفكف من هذه المشاعر ويحد من هذه التصرفات قدر طاقاته.
(21) حسن البنا، المصدر السابق، صـ265، محمد شوقي زكي، المرجع السابق، صـ178.
(22) حسن البنا، بين الأمس واليوم، صـ141-142.
(23) نفسه.
(24) حسن البنا: صحيفتنا بعد أسبوع، جريدة الإخوان المسلمين اليومية – العدد (8) السنة الأولى 13/5/1946م.
(25) نفسه.
(26) نفسه.
(27) حسن البان، المصدر السابق – صحيفتنا في أسبوع.
(28) حسن البنا، بين الأمس واليوم صـ70، أصول الإسلام كنظام اجتماعي مجلة الشهاب العدد الثاني، السنة الأولى ديسمبر 1947.
(29) نفسه.
(30) إبراهيم البيومي غانم: الفكر السياسي، للإمام حسن البنا، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1992م، صـ367-369، حسن البنا، المصدر السابق.
(31) حسن البنا، صوت من الريف، سلسلة مقالات في مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، بداية من العدد (19) السنة الثالثة ولم تكن منتظمة وكلها تصف الأحوال في الريف وبؤسه وتنادي المسئولين أن يصلحوا من حاله.
(32) كانت زياراته محل تفصيل وذكر من الإخوان، على سبيل المثال محمد حامد أبو النصر حقيقة الخلاف بين “الإخوان المسلمون” وعبد الناصر، إنترناشيونال برس، القاهرة، 1987م، صـ17.
(33) حسن البنا، محموعة الرسائل، مصدر سابق، رسالة المؤتمر السادس، صـ16-18.
(34) نفسه.
(35) أول بيان صدر للجنة في 4/6/1946.
(36) بيان لجنة الإصلاح الريفي بالإخوان، الإصلاح الريفي، جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد (27)، السنة الأولى، 4/6/1946.
(37) المقال السابق الإشارة إليه.
(38) عباس قطر مصطفي، الإصلاح الريفي، جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (39)، السنة الأولى، 18-6-1946.
(39) نفسه.
(40) عباس قطر مصطفي، الإخوان المسلمون يبدءون الإصلاح الريفي عمليا في أراضيهم جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (33)، 16/6/1946.
(41) محمد شوقي زكي، المرجع السابق، صـ158، مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (197) 1 مايو 1948.
(42) نفسه.
(43) أحمد البس، الإخوان المسلمون في ريف مصر، دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1987، صـ18.
(44) توجد عدة مقالات حول صدام بين الإخوان والملاك بالإضافة لما ورد في قرار حل الجماعة في ديسمبر عام 1948م ورد حسن البنا عليه في بيان “قضيتنا” ومثال المقالات – محمد فتحي عثمان – الإقطاع يتداعي – الإخوان المسلمون رسل التحرير – مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (190) سنة 1948.
-عائشة مصطفي – مكوس الأسواق العمومية – رفقا بالفلاح المسكين – مجلة الإخوان الأسبوعية، العدد 2 السنة الخامسة، محمد فتحي، في سبيل المستضعفين عهد الإقطاع يتداعى، الدعوة، العدد (23) السنة الأولى، 1951.
(45) ركن الفلاحين، الدعوة، السنة الأولى، العدد (31)، 4/9/1951.
ركن الفلاحين، أصبح ركنا ثابتا في المجلة حتى عام 1954م وكان للفلاحين صفحة بصورة غير ثابتة في دورياتهم السابقة.
(46) محمود عبد الحليم، المصدر السابق، صـ373.
(47) عبد القادر عودة، المال والحكم ي الإسلام المختار الإسلامي، صـ65-67.
(48) نفسه.
(49 بيان جماعة الإخوان السابق الإشارة إليه والمنشور في 2 أغسطس 1952، بمجلة الإخوان النصف شهرية، إبراهيم زهمول، الإخوان المسلمون – الإخوان المسلمون – أوراق تاريخية، دار نبل – سويسرا بدون تاريخ.صـ211-212.
(50) زكريا سليمان بيومي، الجماعات الإسلامية -المرجع السابق، صـ304.
(51) محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون، جـ1، صـ115.
(52) نفسه، صـ484.
(53) حسن البنا، مذكرات الدعوة والداعية، دار الشهاب، بيروت، بدون تاريخ، صـ78.
(54) زكريا سليمان بيومي، الإخوان المسلمون والجماعات الإسلامية في الحياة السياسية المصرية (1928- 1948)، مكتبة وهبة، القاهرة، 1979م، صـ306، محمد فتحي شعير وسائل الإعلام المطبوعة في دعوة الإخوان المسلمين دار المجتمع للنشر والتوزيع، جدة، 1985م، صـ475.
(55) محمود عبد الحليم، الإخوان المسلمون، جـ1، صـ116.
(56) زكريا سليمان بيومي، الجماعات الإسلامية، صـ306.
(57) حسن البنا، رسالة المؤتمر السادس – المصدر السابق، صـ19.
(58) محمود أبو السعود، مقال الاحتلال الاقتصادي جريدة الإخوان المسلمين اليومية، العدد (33) السنة الأولى، 1946، أحمد السكري: مقال مازلنا نحذر.. الإخوان المسلمين اليومية، العدد (16)، السنة الأولى، 22 مايو 1946.
(59) عاصم الدسوقي، مصر في الحرب العالمية الثانية 39-1945، معهد الدراسات العربية القاهرة، 1976م، صـ254-255، إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ412.
(60) محمد شاهين الجوهري، مقال تهديد الصناعات الوطنية وتعطيل الألوف من الأيدي العاملة، جريدة الإخوان اليومية العدد (437)، من المسئول عن الاضطرابات الحالية، 5/10/1947.
(61) لائحة قسم العمال، المصدر السابق.
(62) نفسه، جريدة الإخوان المسلمين الأسبوعية توجيه من قسم العمال، العدد 159، 5/8/1947.
(63) محمد الفولي، مقال، أيها الرأسماليون لا تحاربوا النقابات – الدعوة، السنة الأولى العدد (30)، 28/8/1951.
(64) زكريا سليمان بيومين المرجع السابق، صـ306.
(65) مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية عرض لقضايا العمال وأسماء المحامين من الإخوان الذين يتابعونها العدد (190) 1948م، وما بعدها، وحملات ضد الرأسمالية، وكان ذلك أشد وضوحا طوال عام 1948.
(66) محمد لبيب البوهي، كاد الموظفين – جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد (167)، 20/11/1946.
(67) حسن البنا، رسالة المؤتمر السادس، صـ25.
(68) محمد الشريف، حقوق العمال، مجلة المسلمين الأسبوعية، العدد (146).، 14/7/1947، محمد شاهين الجوهري، تهديد الصناعات الوطنية وتعطيل الألوف من الأيدي العاملة – مقال سبق الإشارة إليه.
(69) محمد الشريف، حقوق العمال، مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية الأعداد(146-147).
(70) سبق الإشارة لهذا.
(71) محمد الفولي، مقال، الحكومة لا تتجاوب مع الشعب وترفض تأميم وسائل النقل الدعوة السنة الأولى، العدد (31)، 4/9/1951.
(72) بيان جماعة الإخوان في 2 أغسطس 1952 الذي سبق الإشارة إليه.
(73) إبراهيم زهمول، المرجع السابق، صـ220.
(74) لائحة قسم الأخوات المسلمات، مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (205)ن 26/6/1948، محمد شوقي زكي: المرجع السابق، صـ193، وما بعدها.
(75) محمد شوقي زكي، نفسه، إبراهيم زهمول، المرجع السابق، صـ195.
(76) أصبح في جريدة الإخوان المسلمين اليومية، مكان ثابت للمرأة، تكتب فيه أقلام نسائية.
(77) حسن البنا، منزلة المرأة في الإسلام وأثرها في الإصلاح، الإخوان المسلمون الأسبوعية العدد (11)، السنة الأولى، 1933م.
(78) إبراهيم البيومي غانم، المرجع السابق، صـ212، نقلا عن حسن البنا – من أعلام النبوة، مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية.
(79) حسن البنا، المصدر السابق.
(80) حسن البنا، وظيفة المرأة في الحياة الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (8) السنة الأولى، 1933م.
(81) حسن البنا: المرأة المسلمة، مجلة المنار، العدد (10)، المجلد (35)- سبتمبر 1940.
(82) نفسه.
(83) نفسه.
(84) كانت الأبواب الثابتة عن: تدبير مصروف البيت، حياكة الملابس لأفراد الأسرة الطبائع النفسية للأطفال في مختلف الأعمار وكيفية معاملتهم، معلومات صحية للمنزل، بالإضافة لبعض القضايا التي تثار حول المرأة ووضعها في المجتمع.
(85) المصدر السابق.
(86) حسن البنا، حق المرأة الانتخابي، جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد (719)، 5/9/1948× حسن الهضيبي، موقف الإخوان من الدستور، إلى الإخوان – النشرة رقم (3).
(87) حسن البنا، حول حديث فضيلة شيخ الأزهر عن ثياب المرأة ومركزها في الحياة العامة، مجلة النذير، العدد (19)، – السنة الثانية – 1939م.
(88) حسن البنا، المرأة المسلمة – المصدر السابق.
(89) حسن البنا، من أهداف الدعوة – الأسرة المسلمة، الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (11)، 20/5/1944.
(90) محمد شوقي زكي، المرجع السابق، صـ199.
(91) حسن البنا، خطر يتهدد الأمة وينذر بفنائها – كيف ولم نلتمس لتحديد النسل مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية – العدد (2) السنة الخامسة.
(92) محمد شوقي زكي، المرجع السابق، صـ195.
(93) زكريا سليمان بيومي، الجماعات الإسلامية، المرجع السابق، صـ299.
(94) منهاج مدارس الجمعة، الرسالة الأولى – من مطبوعات المركز العام للإخوان المسلمين، صـ3-5.
(95) نفسه، منهاج مدارس الجمعة، المذكرة التفصيلية، الرسالة الثالثة، صـ5- 12.
(96) منهاج مدارس الجمعة: الرسالة الثالثة، صت12-32.
(97) منهاج مدارس الجمعة: الرسالة الأولى، المصدر السابق، الرسالة الثالثة صـ20، 35-39، أحمد ربيع عبد الحميد: الفكر التربوي وتطبيقاته لدى جماعة الإخوان – المرجع السابق، صـ180.
(98) محمد شوقي زكي: الإخوان المسلمون – المرجع السابق – صـ187، أحمد ربيع عبد الحميد: نفسه صـ163-169.
(99) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية – المصدر السابق، صـ96، أحمد ربيع عبد الحميد: المرجع السابق، صـ184، كذلك لقاء مع الأستاذ/ فرج النجار وقد كان تلميذا بهذا المدرسة بالإسماعيلية مقابلة بالإسكندرية، 1988.
(100) حسن البنا: نفسه صـ107، أحمد ربيع عبد الحميد: نفسه صـ190-191.
(101) تقارير الأمن العام، محفظة رقم (10) تقرير رقم 5731 بتاريخ 15/1/1949 عن نشاط اجتماعي لمجموعة من الإخوان في السويس بعد قرار الحل عام 1948م.
(102) رؤوف شلبي: حسن البنا ومدرسته “الإخوان المسلمون” دار الأنصار القاهرة، 1978م، صـ265.
(103) محمد شوقي زكي: الإخوان المسلمون – المرجع السابق، صـ139-140.
(104) نفسه، – Harris, Christina Phelps: Nationalism and Revolution in Egypt, The role of the Muslim brother hood Est. Port, 1981, p.157.
(105) حسن البنا: مذكرات الدعوة والداعية – المصدر السابق – صـ86، محمد شوقي زكي: المرجع السابق، صـ141.
(106) محمد شوقي زكي: نفسه، ريتشارد ميتشيل: الإخوان المسلمون، الجزء الأول، ترجمة عبد السلام رضوان الجزء الثاني، ترجمة مني أنيس، مكتبة مدبولي 1985م ج1، صـ353.
(107) نفسه، صـ214.
(108) أحمد البس: الإخوان المسلمون في ريف مصر – دار التوزيع والنشر الإسلامية، القاهرة، 1987م، صـ18.
(109) الدعوة العدد (72)، السنة الثانية، يوليو 1952.
(110) على سبيل المثال: جريدة الإخوان المسلمين اليومية الأعداد من (20) إلى (30) بداية بتاريخ 27 مايو 1946، مقالات يومية عن مكافحة الحمي الراجعة، ودور الإخوان، وطرق الوقاية والعلاج.
(111) حسن البنا: رسالة التعاليم – مجموعة الرسائل.. واجبات الأخ العامل صـ277.
(112) حسن البنا: خطاب إلى وزارة الصحة وتعليمات إلى جوالة الإخوان المسلمين في التعاون في مكافحة وباء الكوليرا – جريدة الإخوان المسلمين اليومية العدد (447) السنة الثانية سبتمبر، 1947.
(113) جريدة الإخوان المسلمين اليومية الأعداد (442) إلى (462) سبتمبر 1947.
(114) حسن البنا: رسالة التعاليم، المصدر السابق، صـ278.
(115) أصبح النشاط الرياضي الإخواني بابا ثابتا في جريدة الإخوان المسلمين اليومية وفيه ذكر لدوري الإخوان ونتائج المباريات في الألعاب المختلفة وكذلك اشتراكهم في المسابقات العامة، وكذلك انظر محمد شوقي زكي: المرجع السابق، صـ152.
(116) محمد شوقي زكي: نفسه.
(117) نفسه.
(118) محمد شوقي زكي: المرجع السابق، صـ 150 – 151 وهو ينقل عن القانون الأساسي للجمعية.
(119) عن مساعدة الإخوان للمهاجرين، تقارير الأمن العام: المحفظة (8) المجموعة الثانية، رقم 1111 سري سياسي 16/6/1941.
(120) الدعوة السنة الأولى، العدد (43)، 1952، الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (10)، السنة الخامسة، 1948.
(121) نص رسالة وزير المعارف للجماعة ورد الجماعة بجريدة الإخوان لمسلمين اليومية العدد (127) السنة الأولى، 1/10/1946
(122) حسن البنا: رسالة نحو النور – مجموعة الرسائل المصدر السابق، صدر عدة نداءات من الجمعيات الإسلامية والإخوان بهذا الخصوص مثال “من الجمعيات الإسلامية إلى وزير الداخلية” الإخوان المسلمين الأسبوعية، العدد (11) السنة الرابعة.
(123) إبراهيم زهمول: المرجع السابق، صـ26.
(124) عبد العزيز كامل: نحو جيل مسلم – مطبوعات قسم الأسر – أغسطس 1954، صـ4.
(125) رؤوف شلبي: المرجع السابق، صـ212.
(126) محمد شوقي زكي: المرجع السابق، صـ145.
(127) نفسه صـ146، إبراهيم زهمول: المرجع السابق، صـ187.
(128) إبراهيم زهمول: المرجع السابق صـ188، محمد شوقي زكي: المرجع السابق، صـ191.
(129) محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون – المصدر السابق، صـ76-84.
(130) إبراهيم زهمول: نفسه، صـ32.
(131) نفسه صـ31، مجلة الدعوة – العدد (38)، السنة الأولى، 6/11/1951.
(132) محمود عبد الحليم: الإخوان المسلمون – المصدر السابق- صـ79.
(133) عبد العزيز كامل: نحو جيل مسلم – المصدر السابق- صـ10.
(134) حسن البنا – مجموعة الرسائل – النظام الاقتصادي صـ233، إبراهيم البيومي غانم المرجع السابق، صـ371-372.
(135) حسن البنا: المصدر السابق، صـ238، إبراهيم البيومي: المرجع السابق، صـ382.
(136) محمود أبو السعود/ مقال الاحتلال الاقتصادي، جريدة الإخوان اليومية العدد (133)، السنة الأولى، 11 يونيو 1946.
(137) حسن البنا: المصدر السابق، إبراهيم البيومي: نفسه صـ372.
(138) مقال “أمموا القناة أو أردموها – مجلة الدعوة العدد (32)، السنة الأولى، 11 سبتمبر 1951.
(139) حسن البنا، المصدر السابق، صـ240.
(140) “سيناء- وجوب التخطيط لاستغلالها قبل الإنجليز واليهود، مجلة الدعوة صـ16، السنة الأولى، العدد الأول، 1951.
(141) حسن البنا، المصدر السابق، صـ240.
(142) نفسه، سورة سبأ آية (10).
(143) المصدر نفسه.
(144) نفسه.
(145) حسن البنا، المصدر السابق، صـ243.
(146) نفسه.
(147) نفسه.
(148) حسن البنا المصدر السابق، صـ244، محمود أبو السعود مقال الاحتلال الاقتصادي، سبق الإشارة إليه.
(149) القانون الأساسي، المصدر السابق، صـ3.
(150) محمد شوقي زكي: المرجع السابق صـ208-212، وبه شرح لنشاط الشركة والمصانع التابعة لها وتطورها حتى عام 1951.
(151) من نص كلمة رئيس مجلس إدارة شركة الإخوان للغزل والنسيج في اجتماع الجمعية العمومية، مجلة الإخوان المسلمين الأسبوعية العدد (207)، 10 يوليو 1948.
(152) محمد شوقي زكي: نفسه.
(153) نشر هذا البرنامج بمجلة “المسلمون” الأعداد (6)، إلى (10) السنة الثالثة، عام 1953.
(154) حسن البنا: رسالة نحو النور – مجموعة الرسائل، صـ55.
(155) إبراهيم البيومي غانم: المرجع السابق، صـ371.
(156) حسن البنا: النظام الاقتصادي – مجموعة الرسائل المصدر السابق، صـ2288.
(157) حول إصلاح الأوضاع الراهنة: البيان سبق الإشارة إليه، ومما يجب ذكره أن بورصة العقود قد ألغيت عام 1961م، وأن الدولة أصدرت عدة تشريعات لتنظيم السياسة القطنية بدءا من 1961م، وكذلك صدر قانون إنشاء الحرس الوطني في أكتوبر 1953 لتوسيع نطاق التجنيد، وكذلك أضيفت التربية العسكرية على المناهج في المدارس والجامعات (إبراهيم زهمول: المرجع السابق صـ214).
(158) راجع” برنامجنا الاقتصادي”، مجلة المسلمون 1953، مصدر سابق، وقد صدرت قرارات تأميم البنك الأهلي وشركات التأمين في 1960/ 1961.
(159) نحن…” جريدة الإخوان المسلمين اليومية من العدد (50) السنة الأولى، 1/7/1946، حتى العدد (75)، السنة الأولى، 30/7/1946.
(160) حسن البنا، دعوتنا – مجموعة الرسائل، المصدر السابق، صـ28.
(161) قد كان للأديب على أحمد باكثير قصة أسبوعيا في صحيفة “الإخوان المسلمون” اليومية طوال عامي 46، 1947، وكان الأديب على يوسف علام يعرض قصصه في مجلة “الإخوان المسلمون” الأسبوعية في نفس الفترة تقريبا.
(162) كانت تعرض هذه القصص في جريدة “الإخوان المسلمون” اليومية مثال ذلك الأعداد (480)، حتى (500) في الفترة من 24/11/1947، وقد عرضت قصص مثل “الشرارة الأولى” وقصة “أنشودة كروتزر”.
(163) جريدة “الإخوان المسلمون” اليومية العدد (575)، 15/3/1948، كما كان احتكاك بعض الفنانين مثل حسين صدقي ببعض الإخوان حافزًا لإنتاج أفلام إسلامية، وقد كان الفنان بسبيله لتأسيس شركة إنتاج سينمائي لإنتاج أفلام إسلامية وذلك بنصيحة من سيد قطب عام 1964م، ولكن إعدام الأخير في عام 1966 أصاب حسين صدقي بحالة نفسية سيئة دفعته لاعتزال الحياة العامة، من حديث مع حرم الفنان حسين صدقي السيدة/ سميرة المغربي، مجلة “لواء الإسلام، العدد (8) السنة الرابعة والأربعون- 1/11/1989.
(164) إبراهيم زهمول: المرجع السابق، صـ21.
(165) عبد الحليم أبو شقة: مذكرات مخطوطة ورقة 3، 4، 5، محمد الغزالي مقال “مراجعة لا رجوع”، مجلة الأمة، العدد (27) السنة الثالثة يناير 1983، صـ10.
(166) نفسه.
(167) في لقاء مع الأستاذ/ فتحى رضوان بمكتبه 5/12/ 1987، وكذلك عبد الحليم أبو شقة نفسه.
(168) لقاء مع الأستاذ/ فريد عبد الخالق بمنزله 15/1/1992.
(169) فريد عبد الخالق: مذكرات مسجلة، ولقاء بمنـزله.
(170) عبد الحليم أبو شقة: المصدر السابق ورقة 34، 35، 36.
(171) محمد الغزالي مقال “مراجعة لا رجوع” سبق الإشارة إليه.
(172) عبد الحليم أبو شقة: مصدر سابق ورقة 56-57، سيد قطب: مقدمة “ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين؟” لأبي الحسن الندوي صـ11-15.