سؤال النهضة بين شكيب أرسلان ومالك بن نبي
The Renaissance Question between Shakib Arslan and Malek Bennabi
مقدمة:
تنتمي هذ الدراسة إلى حقل الدراسات الفلسفية والحضارية الإسلامية الحديثة، فهي تأخذ على سبيل التحليل والمقارنة رؤية عَلَمين من أعلام النهضة الإسلامية للشروط الحضارية الموجبة لنهضة العالم الإسلامي، أحدهما من شرق العالم الإسلامي والعربي، وهو [شكيب أرسلان (1871- 1946)]، والآخر من مغربه، وهو [مالك بن نبي (1905- 1973)].
هذا ومن نافل القول بمركزية سؤال النهضة وتصدره الأبحاث العربية والإسلامية منذ أنّ خطّ أرسلان رسالته “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟”. فليس مبالغة، ولا مجاملة، القول من إنّ كل المحاولات اللاحقة على هذه الدراسة من مختلف المفكرين والمصلحين باختلاف مرجعياتهم ومناهجهم ومواقفهم من أزمة العالم العربي والإسلامي هي على التحقيق تجسيد لتفاعل هؤلاء المفكرين والمصلحين مع هذا السؤال، لأنّ الأزمة، منذ ذلك الزمان إلى يومنا هذا، هي أزمة واحدة، حتى لو زادت تعقيداً، أزمة عالم عربي وإسلامي متخلف في مقابل عالم غربي متقدم.
إنّ تفاعل أقلام المفكرين من عالمنا الإسلامي والعربي مع سؤال النهضة يكاد لا يحصى فمِن مطالِب بالإصلاح، ومطالِب بالتجديد، ومطالِب بالتحديث…، تراكم الخطاب على الخطاب والهم واحد، هو الخروج من وضع التخلف والجمود إلى استئناف النهضة التي انقطع عنها المسلمون منذ القرن الثالث عشر([1]).
لا مشاحة إذًا أنّ نموذجي الدراسة شكيب أرسلان ومالك بن نبي، واجها أزمة العالم الإسلامي بكل مضاعفاتها الوجودية والمعرفية والقيمية، لأجل ذلك راح كل منهما يرسم سبيله في تشخيص الأزمة([2])، وبالتالي وضع العلل العميقة الموجبة لاستعادة الدور الحضاري الذي فُقد منذ عصر الموحدين.
قد يلحظ القارئ تبايناً بين العلَمَين في الاهتمامات، حتى في الوضعية الحضارية بينهما، فشكيب أرسلان مثلاً يمثل نهاية دورة حضارية كانت تجلياتها تتراءى في تفكك الخلافة العثمانية، وظهور القوميات التركية والعربية، والصراع حول من يخلف الخلافة. كما بدأ يلوح في الأفق مشروع احتلال فلسطين، وقسمة العالم الإسلامي إلى مغرب وشرق أوسط. أما بن نبي فهو شاهد على بداية دورة حضارية جديدة بدأ فيها العالم الإسلامي يشهد تحركاً ثقافياً وإصلاحياً باشره جمال الدين الأفغاني ومحمد عبده كرد فعل على الوضع الذي عاشه شكيب أرسلان من قبل. غير أنّه ليس بمُجدٍ إقرار التعارض بينهما لمجرد تلك الاعتبارات، فظاهر تلك الـمُضادة سرعان ما يتهافت متى أخذنا بعين الاعتبار نص رسالة شكيب أرسلان “لماذا تأخر المسلمون وتقدم غيرهم؟” (1931)، ونص مالك بن نبي “شروط النهضة” (1949). حيث الأوّل جاء استجابة لسؤال قدّمه المسلمون في جاوة الإندونيسية عن سبب تخلف المسلمين مقارنة بتقدم غيرهم من الأمم الشرقية والغربية. أمّا الثاني فقد جاء بحثاً في ذات الشروط الموضوعية والسّنن النّفسية والاجتماعية والتاريخية لتأخر العالم الإسلامي من تقدم([3]).
في هذا السّياق تأتي محاولة كل منهما لتفسير مشكلة تخلف العالم الإسلامي تحليلاً وتعليلاً، وبالتّالي طرح منهاجية حضارية بديلة تجعل من مسألة النهوض والاستئناف لها ممكناتها الموضوعية، وأنّ الإنسان المسلم فرداً كان أو جماعة أو مؤسسات يمكنهم تفعيل هذا الهدف الحضاري.
بقي أن نذكّر بنوعية المنهج المتبع في هذه الدراسة، فهو منهج تحليلي مقارن. حيث سمح لنا الأوّل بما يتضمنه من عمليات عقلية مركبة من تفسير (يتجلى في هذا السياق بشرح موضوع البحث استناداً على عملية تأويل النصوص المنتقاة)، ونقد (وذلك بالوقوف عند مكاسب النصوص والأفكار وحدودها فهو عملية تقييمية بالأساس)، واستنباط (باستنتاج الأحكام الكلية من مقدماتها الجزئية. ولا شك أن الشروط الأربعة التي قمنا برصدها تنزل منزلة هذه الأحكام المستنبطة استناداً على النصوص المشتركة بين العَلمين).