تمهيـد:
تشكل مفردة “البيان” مفهوما مركزيا ونسقيا في “رسالة الشافعي”؛ وذلك من وجوه ثلاثة:
الأول: من حيث انتماء دلالته القرآنية والحديثية إلى حقل الخطاب الشرعي.
والثاني: من حيث استثماره السبقي في باب المنهاج الأصولي في فقه النص.
والثالث: أن “الشافعي” صدَّر به “الرسالة” تعريفا، وبسطا، وتحليلا، لما ينبني عليه من فهوم الخطاب.
فما “البيان” إذن؟ وما موقعه ضمن منهاج فقه الخطاب الشرعي؟ وما أساليبه، وكيفيته؟ وكذا متعلقاته العلمية؟ ثم ما علاقته بالدليل والاستدلال؟ هذه المسائل، وأخرى هي مكونات بحث البيان عند الشافعي، فقد جعله – رحمه الله- في صدر الكتاب تعريفا “ما البيان؟” وكيفية “كيف البيان؟” وتقسيما أيضا “البيان الأول إلى البيان الخامس”. وقبل النظر في ذلك، واستثمارات البيان العلمية، نستهل البحث بالنظر في دلالته اللغوية والاصطلاحية.
أولا: في دلالة البيان
فـالبيان في اللغة هو: الوضوح، والظهور، وهو: “عند أهل اللغة هو ظهور الأمر وكشفه على وجه ينفصل عما ليس منه”([1])، ومنه بَانَ الشيْءُ بياناً إذا اتَّضَح، وظهر. وقيل أيضا “إن البيان هو الدلالة التي تفيد إزالة الشبهة بعد أن كانت الشبهة حاصلة”([2]) ومنه المبين: وهو يقابل المجمل عند الأصوليين، في وضوح الدلالة على المعنى، و”هو ما أفاد معناه إما بالوضع أو بضميمة تبينه وهو يشمل النص والظاهر، فهو نقيض المجمل”([3]) وعرَّفه “الخطيب البغدادي” بقوله: “أما المبين فهو: ما استقل بنفسه, في الكشف عن المراد, ولم يفتقر في معرفة المراد إلى غيره”([4]) لذلك وبهذا الاعتبار، فإن: “التبيينُ يكون أكثرَ تَفْسِيراً مِن الجُمْلة“([5]).
اقرأ المزيد
([1]) الباقلاني، أبو الطيب، التقريب والإرشاد الصغير، تحقيق: عبد الحميد أبو زنيد، مؤسسة الرسالة، ط1،1413/1993، 3/370.
([2]) الرازي، فخر الدين (606هـ)، مفاتيح الغيب أو التفسير الكبير، دار إحياء التراث العربي، بيروت، لبنان، ط3، 1420هـ، 9/370.
([3]) الغرناطي، ابن جزي الكلبي، تقريب الوصول إلي علم الأصول، تحقيق: محمد حسن إسماعيل، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، ط1، 1424/ 2003، ص 162.
([4]) البغدادي، أحمد بن الخطيب. الفقيه والمتفقه. تصحيح وتعليق: إسماعيل الأنصاري. المكتبة العلمية،ط1. 1/232.
([5]) الشافعي، محمد ابن إدريس، الرسالة، ضمن كتاب الأم، دار ابن حزم، بيروت لبنان، دار الوفاء، المنصورة، مصر، تحقيق: رفعت فوزي عبد المطلب، ط4، 1432/2011، 92.