محاور نقدية إسلامية
للأخ الباحث : رشدى عبيد
يمثل الكتاب الذى بين أيدينا حاولة طموحة وخصبة فى مجال النقد والدراسة الأدبية (الأسلامية )، وهو إذا كان ينطوى على عدد من البحوث يعالج فيها المؤلف أكثر من قضية، إلا أنه ليس صعباً أن يجد القارئ فيه ما يمكن اعتباره هندسة منهجية مقنعة تندرج فى معمارها هذه البحوث، فتغدو – بالتالى – متسقة متوازنة .. فالبحثان الأولان يتناولان نوعين أدبيين هما القصة والمسرحية، والبحثان اللذان يليانهما يعالجان مذهبين أدبيين هما الوجودية والواقعية أما البحثان الأخيران فيناقشان اثنتين من القضايا الأدبية الملحة هما
(( الألتزام )) و (( تشكيل النموذج الأدبى )) .
ويكون الكاتب بفصوله الستة التى يقيم المؤلف بنيانها من منظور إسلامى مقارن، إغناء قيماً لمكتبة الأدب والنقد الإسلامى التى تتطلب المزيد بمواجهة تيار الإبداع .
بنظرة أخرى على البحوث، أو الفصول الستة،يتبين للمرء أن المؤلف عرف كيف يختار (( الموضوعات )) الأكثر إلحاحاً فى دائرة الأدب الإسلامى، لكى يعرضها للبحث والمقارنة والنقد والتمحيص .
ليس هذا فحسب، بل إن ما يربط المعالجات الست أمر آخر : المنهج المتوحد الذى تعالج فى ضوئه مفردات كل موضوع، وأدوات العمل نفسها التى تعتمد هنا وهناك .. وبطبيعة الحال فإن الرؤية الإسلامية التى تستمد توثيقها المقنع من الأصول، وتجادل – فى الوقت نفسه – معطيات الأدب الوضعى، ستظل المنطلق والبؤرة للفصول جميعاً .. الحكم الفصل الذى يضع تحت المنظور الإيمانى المتألق سائر المفردات ..
فما هى الملامح الأساسية لهذا المنهج ؟
يملك المؤلف نفسياً طويلاً .. يقلب الظاهرة على وجوهها كافة، ويتابع انعكاساتها جميعاً . إنها – أى الظاهرة – عنده ليست مرآة مسطحة تمنح الرائى صورة واحدة، إنها عشرات السطوح المنكسرة التى تعكس حشوداً من الظواهر والأشياء، ولسوف يكون البحث ناقصاً إن عجز عن متابعة هذه الانعكاسات جميعاً، وأشار إلى ما هو مزيَف ومزّور منها، وما هو صادق أصيل .
إننا بمجرد متابعة العناوين الفرعية لكل فصل سيتأكد لنا هذا بل إن المؤلف بسبب من إلحاحه المتزايد على تغطية كهذه، يفجر عبر مقاطع فصوله عناوين تتميز أحياناً بالجدة والغرابة، وتتجاوز المألوف المكرور .
لنتابع – على سبيل المثال – فصله الثالث (( مع الأدب الوجودى وجهاً لوجه ))، ولسوف نجده يضع فى خطته هذه المفردات التى يعرف كيف ينتقى لكل واحدة منها العنوان المناسب الذى يتميز بالدقة والأناقة معاً، فضلاً عن الخصب والتنوع . متعمداً فى ذلك نمطين من العناوين : رئيسية وفرعية . فهو يبدأ بهذه العناوين الفرعية: (( الجذور التاريخية للمذهب الوجدودى ))، (( الوجودية تعويض فاشل عن الإيمان ))، ((رؤية العالم عبثاً ))،
(( العزلة الأبدية ))، (( وتشكيل العالم بالأهواء ))، (( وليد مشوه اسمه اللامعقول ))، (( بيوت العنكبوت )) .
ويثنى بعنوان رئيسى (( نقض الوهم الوجودى )) الذى ينطوى بدوره على العناوين الفرعية التالية : (( الشعور بالعبثية علة فى النفس و (( الجدل الجشى متناقضى ))، (( الأدب الوجودى لا وجودى )) (( نفى الالتزام الوجودى ))، (( الضعف الفنى لهذا الأدب ))، (( معمول الوجودية يحاول هدم الفكر الدينى ))، (( تناقضات لا نهائية : صراع بين القيم وإثبات الذات ))، و (( بين طلاقة الحرية وقيد الالتزام ))، (( احترام الوجود والعدم ))،
(( إشكالية الجدل بين النظرية والتطبيق )) .
بعدها نلتقى بعنوان رئيسى آخر (( الفكر الإسلامى والقضايا الوجودية )) وهو يتضمن العديد من المفردات .. ثم عنوان رئيسى قال (( المنظور الإسلامى لظاهرة الموت مقارنا بالمنظور الوجودى )) ينطوى هو الآخر على حشد من العناوين الفرعية .
أما (( الموت فى القرآن )) فيمضى لمعالجة المسائل التالية : (( الموت سنة حتمية حكيمة ))، (( كلنا يكره الموت)) (( إيمان بالأجل واطمئنان إلى المصير )) .
وتحت العنوان الرئيسى التالى (( الأدب الإسلامى : خطوات واثقة على الطريق، رؤى شعرية للموت )) يعالج المؤلف المفردات التالية : (( ليس جسداً وحده ))، (( والبعث الحق ))، (( الموت استشهاداً جواز سفر إلى الجنة )) (( واختياره عزيمة ))، (( وكفى به واعظا ))، (( نغمات حزينة ))، (( الموت غبطة ))، (( الموت روح وريحان)) .
ثم تتدفق عشرات العناوين الأخرى فيما لا يتسع المجال لإيراده، ويكفى أن نحيل القارئ عليه .
قد يعترض (( البعض )) على هذا السخاء فى العناوين، وقد يرى فيه تقطيعا لسياق المعالجة الأساسية . وقد يرتأى آخرون، ربما أكون معهم، فى أن بالإمكان لم لكل مجموعة من العناوين، تعالج قضية نمطية ما، تحت عنوان أو رقم متسلسل واحد كى لا يتشتت القارئ .
وهذه مسألة أخرى .. والمهم أن هذا الخصب والتنوع إن دل على شئ فإنما يدل على تعددية الزوايا التى عالج المؤلف من خلالها هذه الظاهرة أو تلك من الظواهر التى رصدها فى محاورة الستة .
والمؤلف يغذى عناوينه ويبنى مادتها من موارد أساسية ثلاثة :
1 – النص الوضعى غربياً كان أم عربيا .
2 – النص الإسلامى متمثلاً بمعطيات القرآن والسنة من جهة، وبكتابات الإسلاميين من جهة أخرى .
3 – المقارنة والاستنتاج وبلورة منظومة الحقائق الأساسية فى دائرة الموضوع مجال المعالجة .
وبنظرة على تهميشات الفصول يمكن أن نتبين كيف أن المؤلف لم يأل جهداً فى متابعة (( المادة )) الضرورية فى كل دائرة من الدوائر الثلاث وإغنائها بما تتطلبه من مفردات، وكيف أن در على توظيف عدد ليس بالقليل من البحوث والدراسات فى محاورخ جميعاً .
قد يؤخذ عليه نوع من الأسراف فى (( التنصيص ))، حتى إن النصوص لتمتد، متتابعة، عبر صفحات بأكملها، يأخذ بعضها برقاب بعض لكن المؤلف عرف كيف يوازن هذه الكثافة بنوع من الحضور الشخصى الذى يعرف كيف يخضع النص للرقابة والمقارنة، وكيف يوظفه لتأكيد رؤيته الإسلامية بصدد هذه النقطة أو تلك .
ومما لاريب فيه أن الدراسة المقارنة تتطلب (( النص )) لكى تمضى إلى هدفها، فهى – بالتالى – لا تقدر على أن تعمل فى الفراغ . ولابد من معطيات، ومعطيات مضادة، يمكن بعرض بعضها على بعض أن تتجلى الحقائق، وتتبلور القيم والنتائج، بل قد يؤخذ على المؤلف ما هو نقيض هذا :
إفلات عدد من البحوث والدراسات من بين يديه – لسبب أو آخر – رغم أهميتها البالغة لهذه المسألة مدار البحث أو تلك .
مثلا : نجد تحت عنوان (( التوظيف الأمثل للكلمة دلالياً وإيقاعياً )) من الفصل الأول، اعتماداً على (( روح المعانى )) للألوسى، و (( الكشاف )) للزمخشرى، ولكننا لا نجد إفادة تذكير من الدراسات الأكثر حداثة، وإيغالاً فى الظاهرة، تلك التى قدمتها ( البنيوية ) و ( الدلالية ) (السيميائية ) واللسانيات عموما ..
مهما يكن من أمر، فلقد كان المؤلف يملك قدرة واضحة على الجدل والمقارنة، والتنفيد والإثبات ، ولقد توصل فى أعقاب كل جولة إلى حشد من القيم والظواهر والاستنتاجات، تمثل بمجموعها – ولا ريب – إضافة ذات غناء لدراسات الأدب الإسلامى المعاصر .
لنيتسع المجال – بطبيعة الحال – لإيراد الشواهد، ولكننا نؤشر على نماذج منها على سبيل المثال لا الحصر، وبمقدور القارئ أن يتابع حشودها عبر فصول الكتاب كله .
فى أحد مقاطع فصل (( قصة يوسف فنياً )) نقرأ : (( ليس غرضنا من هذا التقديم أن نشد القاص المسلم إلى نمط هذه القصة الأسلوبى شداً لا فكاك منه، أو أن نحرمه من إيداع ألوان من القصة غير اللون التاريخى، فالواقع الإسلامى وغير الإسلامى زاخر بالأحداث التى بوسع القاص روايتها وتصويرها وتحليلها وتوظيفها لبيان جمال الخير وعقبه، وقبح الشر ودمامته وظلمته .
ثم إن فى قصص القرآن ( التمثيلى ) إشارة خضراء له لينتج قصصاً إن لم تكن أحداثها قد وقعت بالفعل كلياً أو جزئياً فإنها فى قوة الأحداث الواقعة .. )) .
وفى مقطع آخر من الفصل نفسه نقرأ (( وليس المعقول فى القصة هو المعقول الداجن الأسير بين جدران الحقائق العلمية النسبية والجزئية المتحصلة للإنسان فى زمان ومكان معينين، بل هو المعقول بالقياس إلى قدرة الله الشاملة اللا محدودة، وعلمه بالحقيقة فى شكلها . الكامل والنهائى، لذلك نرى فيها عناصر مدهشة أو خارقة لمعقولنا النسبى المعاصر، كتأويل يوسف عليه السلام لحلم الملك، من ثم تخطيطه اقتصاد مصر وفقاً لدلالات ذلك التأويل، أو استرداد يعقوب لبصره بعد إلقاء قميص يوسف على وجهه، ومعرفة يوسف المسبقة بهذا الخارق .. )) .
وفى أحد مقاطع الفصل الثانى : (( مسرح إسلامى .. نعم )) نقرأ (( كان أثمة المسرح الغربى مجرد مصورين لهذا الإنسان الحائر الرافض أو باكين على مذبح آلامه، أو مبررين له ما هو بصدده من خطأ وانحراف وشرود، سواء كانوا تقليديين أو رمزيين أو طليعين غربيين أو شرقيين، فإن إحساسنا بالمسؤولية تجاه هذا الإنسان المغترب عن ذاته وخالقه يتضاعف ويشتد نبضه، وقد يكون ما نقدمه من أدب مسرحى ناجح وجهاً من وجوه أدائنا للشهادة على الناس التى حتمها علينا التزامنا .. )) .
ونقرأ فى مقطع آخر (( إن بوسه الأدب الإسلامى أن ينتج مسرحيات مأساوية النهاية، بصياغة فنية وموضوعية، وضمن سياقات أخلاقية لا تثير أسى المشاهدين على مصارع المفجوعين؛ ذلك لأن النظرة الإيمانية الموقنة بجدية الوجود، وغائية الطبيعة، وعقلانية الخطة الموجهة لنظام الكون، وحرية الاختيار البشرى، والمسؤولية الدينية والأخلاقية، وعدالة القدر الألهى .. هذه الفطرة من شأنها أن لا تنحاز إلى الموقف الإنسانى الجائر، أو تنف مشاعر العطف على الباغين الذين تبلغ تراكمات تجاوزهم لمنهج الحق والخير والعدل والسلام حداً لا يطاق .. فمثل هؤلاء الباغين المعتمدين مستفدون لكل أغراض وجودهم الأنسانى .. )) .
وفى مقطع ثالث نقرأ (( لقد اتبع الرسول (صلى الله عليه وسلم ) كل وسيلة أدبية مشروعة لتأصيل ما أنزل عليه من وحى فى العقول، فلجأ إلى الخطابة مراراً، وعمد إلى ضرب الأمثال والقصص الرمزية، وساق قصصاً تاريخية واقعية، وأستعمل اسلوب الجمع والاستدعاء الجماهيرى فى كل مناسبة تستدعى التنبيه الجماعى أو التثقيف العام )) .
ونقرأ فى الفصل الثالث (( مع الأدب الوجودى وجهاً لوجه )) : إذا كان الكافر يموت متحسراً على كفره
وشروده عن هدى ربه وولوغه المعاصى )) : { حتى إذا جاء أحدهم الموت قال رب ارجعون لعلى أعمل صالحاً فيما تركت } [ المؤمنون : 99 – 100 ]، فيذوق ضعف الممات والملائكة باسطة أيديها إلى كيانه تنزع روحه المتجذرة بنيته فى عنف وإيلام، فليس كذلك المؤمن إذ ليس { سواء محياهم ومماتهم } [الجاثية : 21]، المؤمن يواجه الموت بنفس مطمئنة تحن إلى الرجوع إلى ربها { يأيتها النفس المطمئنة ارجعى إلى ربك راضية مرضية فادخلى فى عبادى وادخلى جنتى } [ الفجر 27 – 30 ]، هو متأكد من صدق البشارة بافتناء الحزن والخوف عن وجوده الآتى المتأيد وتحقق وعد الله .. وهو متيقن أن لا موت بعد الموته الأولى، ولا عدم لا يذكر، بل دار السلام ودار الخلد ودار الفرح الأسمى )) .
ونقرأ فى مقطع آخر (( ففى شعر ( محمد إقبال ) نلحظ حباً عارماً للحياة الطيبة، وتقديراً فريداً لقيمة وجود الإنسان فيها، ودعوة ملحة إلى توظيف كل طاقات الفكر والروح والنفس والحس لتحبيب الحياة الكريمة إلى الإنسان وإعانته على فهمها والاستمتاع بها . ولأشعاره فى هذه المعانى الحيوية رنين وصلصة، وأجراس ذات أصداء مثيرة تخلق أجواء من الحماس للحياة، والصحو على مباهجها والاستشراف إلى آفاقها الوسيعة )).
وفى الفصل الرابع (( ماذا بقى من سحر الواقعية )) نقرأ (( إن واقع الفنان فى التصوير الإسلامى يتميز بالسعة والخصوبة والثراء، فهو واقع ذو ثلاث شعب : الواقع الموضوعى خارج الوعى الإنسانى : الطبيعى والاجتماعى، المنظور واللامنظور، والواقع الداخلى الإنسانى المتمثل فى الوعى واللاوعى، وسائر القوى غير المكتشفة فى الكينونة البشرية، والواقع الفكرى التاريخى والمعاصر المتمثل فى مجمل الخبرات والتجارب، والصور والوثائق، والأحداث، والقيم، وكل ما أفرزه ويفرزه الفكر الإنسانى من العلوم والآداب والفنون، وكل ما أوحى الله به للمختارين من عبادة أنبياء ومرسلين )) .
وفى مقطع آخر نقرأ (( وانطلاقاً من هذه النظرة الشمولية والأخلاقية يطرح القرآن نماذج لشخصيات إيجابية تصدر فى مواقفها الفكرية والعملية عن نداءات فطرتها النقية، وهواتف ضمائرها الحية، ولوازم شعورها بمسؤوليتها الأخلاقية لتكون أسوة حسنة للقارئ وإشارات مضيئة على دربه .. أنبياء .. ورجال عاديون .. وشباب فارقوا زمنهم السعيد .. )) .
كما أننا نقرأ فى الفصل الخامس (( إضاءة إسلامية لفكرة الالتزام )) : إن التقاء هذه القيم فى التصور البشر عموما والإسلامى خصوصاً، ليس التقاء رياضياً بارداً ينحصر فى التلاقى الرأسى المجرد، بل هو تفاعل وانفعال تجاوب وتداخل صميمى، وأى ناقد متوازن .. لابد أن يقيم العمل النقدى من سائر أبعاده وفى حدود الممكن والمتاح من التجربة والخبرة والرؤية، أو كما يقول ستانلى هايمن : (( نريد طريقة متكاملة، فلنقل إن قسطاً صالحاً كبيراً من التكامل ممكن، وأنه فى طوق إنسان واحد أن يستعمل عدداً من الطرق والمذاهب )) .. وفى الفصل الأخير (( تشكيل النموذج الأدبى )) الذى يعالج مسألة مهمة من مسائل نظرية الأدب قلماً تحدث عنها الإسلاميون، نقرأ : (( فالقرآن والسنة إذن حافلان بالنماذج الإنسانية الواقعية والحقيقية، العامة والخاصة، الممثلة بتشبيهات أو المقصوصة ضمن قصص تمثيلية .. هذا القصص مضافاً إلى القصص التاريخى الإسلامى والعالمى الذى يخدم قضية اٍلإيمان .. يشكل رصيداً غنياً للأديب المسلم فى إبداعه للنماذج المثالية أو عرضه للنماذج الواقعية الخالصة، ضمن أدب قصصى أو مسرحى .. يثرى فيه النموذج بمزيد من التحليل النفسى والوصف الخارجى، وإضاءة البعد الاجتماعى ،وتغنى بنية العمل الأدبى بحقائق وعناصر إضافية وتفاصيل جديدة .. )) .
لقد اتيح لى أن أطلع على فصول هذا الكتاب فى مسوداته الأولى، كما أتيح لى أن أطلع عليها فى صيغتها المعدة للطبع، فلم أزدد إلا إعجاباً به وتقديراً لمؤلفه الذى يعد مكتبة الأدب الإسلامى بالمزيد من العطاء .
(2) فى الجمالية الإسلامية للأخ الباحث رشدي عبيد
يثيرهذا الكتاب، أسوة بصنوه (( محاور نقدية إسلامية )) معضلة التعامل مع المعطيات الغربية فى دائرة الأدب الإسلامى .
قد تكون هذه فرصة مناسبة للحديث – بإيجاز – عن الموضوع ما دام أن المؤلف يعتمد على هذا الحشد الكبير من المؤلفات الغربية، وما دام أن الملامح الأساسية للمنهج الذى اعتمده هنا هى نفسها التى أشرنا عليها فى مقدمة كتابه المذكور، حيث يغدو – من قبيل التكرار الذى لا مسوغ له – إعادة التأشير عليها كرة أخرى .
وما كان لمسألة كهذه أن تثار – أساساً – لولا توجس بعض الإسلاميين من الاقتباس الزائد عن الغربيين والذهاب بعيداً لمتابعة كل ما يصدر عنهم، واعتماده، سلباً وإيجاباً، فى تنظيرات الأدب الإسلامى دراسة ونقدا .. الأمر الذى قد يصيب الرؤية الإسلامية بنوع من الغبش، وقد يجئ هذا على حساب الاستمداد من الأصول والانضباط بمعالمها وتوجيهاتها، كما قد يدفع من حيث أراد المرء أم لم يرد إلى شئ من الإعجاب، وربما الانبهار، بمعطيات الغربيين فى دائرة الآداب والفنون .. إلى آخره ..
ويبدو أن أصحاب هذا الرأى لا يريدون أن يفرقوا بين (التأثر ) و ( الانبهار ) بالثقافة الغربية ( بما فيها الآداب والفنون ) وتحكيمها بأنشطتنا الأدبية، وبين محاولة توظيفها فى سياق التصور الإسلامى وبخاصة فى مجال الدراسات المقارنة التى تقضى بحكم المنهج بضرورة الرجوع إلى الوجه الآخر للظاهرة : الوجه الغربى .
ولكن، وبمجرد الرجوع إلى مجمل معطيات الإسلاميين الذين تعاملوا بكثافة مع الثقافة الغربية، فلسوف تتبين المساحة والوسعة التى منحوها للهجوم على هذه الثقافة، والمدى الفسيح – كذلك – لتوظيف أدوات هذه الثقافة فى تعزيز القيم الإسلامية، مما يؤكد بقوة القرينة الثابتة المتكررة، وليس الحكم الانفعالى السريع على هذه الجزئية أو تلك، خطأ التصور السابق .
إن الكتاب الذى بين أيدينا، وصنوه السابق (( محاور نقدية إسلامية )) ليجيئان لكى يؤكدا مصداقية هذا التحليل. فثمة أكثر من (( خدمة )) يمكن أن يؤديها النص الغربى إذا أحسن توظيفه، ويبدو أن أكثرها أهمية ما تحتمه الدراسة المقارنة من عرضهات وجهات النظر المختلفة إزاء الظاهرة الواحدة، فإن كانت الرؤية الإسلامية للظاهر هى الأكثر مقاربة للحق فإن ذلك لن يكتشف ويزداد تألقاً إلا بعرضها ومقارنتها بوجهات النظر الوضعية التى لم تقدر – لهذا السبب أو ذاك – على أن تبلغ ما بلغته (( الإسلامية )) فى تعاملها مع الظاهر والمعطيات .
وهذا واضح تماماً فى فصول الكتاب الذى بين أيدينا، وفى كل المحاولات الإسلامية الجادة التى اتخذت من النص الغربى أداة،أو جسراً، للهجوم على مرتكزات الفكر الغربى وتنفيد حججه ومقولاته ( انظر مثلا فوضى العالم فى المسرح الغربى المعاصر، والطبيعية فى الفن الغربى والإسلامى . الخ ) .
هناك أيضاً خدمة أخرى .. فنحن لو سلمنا بأن لنشاط الأدبى : إبداعاً ونقداً ودراسة، هو خبرة بشرية (عامة )، وأن هذه الخبرة يقضى عليها قانون التراكم والنمو أسوه بالعديد من الخبرات التى تنميها وتنضجها محاولات الجماعات والأمم والشعوب المتنمية إلى أكثر من بيئة ثقافية وأكثر حضارة .. إذا سلمنا بهذا ولابد أن نسلم، عرفنا ما يمكن أن تسديه لنا أدبيات الغربين من خمة بالغة، أيضا إذا أحسن توظيفها فى سياق محاولاتنا الإسلامية، ودونما أى قدر من التنازل عن مقومات هذه الإسلامية .
فهل ينكر أحد مثلاً التفوق الغربى فى التقنيات الفنية للعديد من الأنواع الأدبية وبخاصة المسرح والقصة والرواية، وهل ينكر أحد مدى هذا التفوق فى الأنشطة النقدية، كأساليب عمل وليس كمضامين مذهبية بطبيعة الحال ؟! أفلا نكون قد فرطنا بفرصة ممتازة لإغناء وإنضاج تجاربنا ومحاولاتنا الإبداعية إن نحن أشحنا الطرف عن أدبيات الغربيين فى هذين المجالين ؟ وهل يخطر على بال أحد من الإسلاميين – الجادين – أن توظيف المعطى الغربى يمكن أن يقوده إلى التنازل، بدرجة أو أخرى، عن مقوماته كأديب أو ناقد يملك رؤيته المستقلة ومنظورة للعالم والحياة والأشياء ؟ .
ويكاد يكون من الأمور المتفق عليها، أو بعبارة أدق، من بداهات الأعمال الأدبية الإسلامية أن مفتاحها وبؤرة الاستقطاب فيها هى (( التوحيد )) إحالة كل ممارسة فكرية أو ثقافية أو إبداعية على هذا الأصل الكبير، وقياسها بمدى القرب أو البعد عن مطالبه وضروراته .
فإذا عرفنا أن التوحيد بفهومه الشامل نقيض كل ما هو من أسس الثقافة الغربية ومقوماتها فى شتى المناحى، فكيف يوصف التعامل مع هذه الثقافة بصيغة الانبهار والتقبل والتسليم، وكيف يكون انعكاساً للأدب الغربى والفكر الغربى والفلسفة الغربية، وكيف تكون (( الإسلامية )) صدى للاستشهاد بالمعطى الغربى شرحاً أو تعديلاً أو إضفاء مسحة جديدة فوق ركامه ليبدو إسلامياً؛ وكيف تكون مرفوضة خاطئة الدعوة لأن تصير صلة الأديب المسلم بالأدب الغربى صلة يومية تتابع ما يصدر عن الغرب من كتابات ساعة بساعة ؟
فلو إننا قلبنا فصول الكتاب الذى بين أيدينا، وصنوه (( محاور نقدية )) فإننا مؤلفه لا يعدو، فى تعامله مع النص الغربى، إحدى هاتين الصيغتين : مقارنة المنظور الغربى بالمنظور الإسلامى،ودحضه وتفنيده وإثبات تفوق المنظور الإسلامى وأحقيته بالعمل والديمومية والانتشار .
أو الإفادة من الخبرة الغربية لإضاءة هذه المسألة أو تلك من المسائل العديدة التى تعالجها فصول الكتاب .
وليس بمقدور قارئ جاد أن يجد فى هذا التوظيف ما يمس قناعات مؤلفه ومقوماتها الإسلامية من قريب أو بعيد، ولعل عناوين الفصول نفسها تؤكد هذا الذى لا يحتاج إلى إثبات .
وسيكون من فضول القول التأكيد على أن التعامل مع الثقافة الغربية – ليس فى مجال الأدب وحده وإنما فى سائر العلوم الإنسانية – لن يجيئ سليم العواقب، ناضج الثمار إلا بعد أن يكون المثقف والباحث المسلم، قد تحقق بالحصانة العقيدية والثقافة فى دائرة (( الإسلامية )) .
ولا أعتقد أن المؤلف كتابى (( رؤية علمية لٍلإيمان )) و (( النبوة فى ضوء العلم العقل )) يمكن أن يضل طريقه أو يتنازل عن مقوماته الإسلامية وهو يتجول وسط حشود النصوص الغريبة فى دراساته المقارنة التى بين أيدينا، أو فى تلك التى تضمنها مؤلفه السابق (( محاور نقدية )) أو فى مؤلفاته اللاحقة التى ستعتمد، أغلب الظن، المنهج نفسه ما دام أن الرجل يجد فى التعامل مع النص الغربى فرصة طيبة للهجوم على مرتكزات الثقافة الغربية، ولتأكيد تفوق المعطيات الإسلامية، ولتحقيق إضاءة أشد لهذه المسألة أو تلك من المسائل التى تهم النقاد ودارسى الأدب .
وإذا كان رسولنا ومعلمنا عليه أفضل الصلاة والسلام قد دفعنا إلى تعلم لغة الأقوام الأخرى، وهى وعاؤهم الثقافى، لكى نعرف أكثرونأمن مكرهم .. وإذا كان صلى الله عليه وسلم قد اعتبر الحكمة – التى هى حصيلة لخبرة والتجربة التى أنضجها – الزمن، وأمرنا أن نلتقطها أنى وجدناها .. فلا تكون آداب الغربيين، بأسودها وأبيضها، فرصة للتحقق أكثر بمقوماتنا الأدبية فى دائرة الإسلامية .
الأسود، لكى يزداد الموقف الإسلامى إشعاعاً وتألقاً .. الأبيض، لكى نغنى تجاربنا وخبراتنا، وكثير منها وليد ناشئ بمحكمة الآخرين التى هى ليست كفراً ولا ضلالاً كلها !!
ويتمنى المرء أن لو نأخذ جميعاً بمنطق المرونة والإدراك لمطالب العصر من أجل إتاحة المجال لكل تيارات (( الإسلامية )) فى دائرة الأدب أن تشق طريقها وتعمقه،وتغنى معطياتها بالمزيد ما دامت جميعاً تصب فى بحر التصور الإسلامى وتخدم هذا الدين المتفرد . على الأقل بنياتها الصادقة المخلصة .. ومن أجل إفساح الطريق أمام الأصوليين والمحدثين .. التراثيين والمعاصرين .. المتعاملين مع العلوم الشرعية أو مع فكر الغرب وثقافته .. كل يستمد من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم معالم الطريق الصعب الطويل، وكل يعمل قلمه وخبرته من أجل أن تتجمع الجهود بمحبة وإخلاص لكى تبنى صرح الأدب الإسلامى الموعود .
والكتاب الذى بين أيدينا خطوة مباركة على هذا الطريق وهو يكتب عن الجمالية فى الإسلام، ويحلل المنظور الإسلامى للفن، ويقدم رؤيته الإسلامية لمذاهب الفن الغربى، ويفسر الموقف الإسلامى من التصوير .
وكما هو الحال فى كتابه السابق (( محاور نقدية إسلامية )) فقد أتيح لى أن أطلع على فصول هذا الكتاب فى مسوادتها الأولى، كما أتيح لى أن أطلع عليها فى صيغتها المعدة للطبع فلم أزدد إلا إعجاباً به وتقديراً لمؤلفه الذى يعد مكتبة الأدب الإسلامى بالمزيد من العطاء .
حول مفهوم الشعر الإسلامى للدكتور على كمال الدين
هذه خطوة أخرى على طريق الأدب الإسلامى فى تصوره المتميز وسعيه لبلورة منهج أصيل فى الدراسة والنقد والتنظير والإبداع .
وهى فصل تمهيدى لرسالة بعنوان ( الشعر الإسلامى فى عصر صدر الإسلام : دراسة فكرية فنية ) تقدم بها الأخ الدكتور على كمال الدين لنيل درجة الدكتوراه فى الأدب العربى من قسم اللغة العربية بكلية آداب جامعة الموصول تحت إشراف الدكتور محمد قاسم مصطفى .
وإنها لبادرة تستحق الشكر والتقدير ينفذها القسم المذكور، إذا يفتح صدره ويحشد قدراته العلمية لإنجاح أول محاولة مع الأدب الإسلامى بمفهومه ذاك، قد تعقبها محاولات أخرى .
والأمر نفسه يسجل للباحث الذى قرر أن يقتحم الميدان وأن ينفذ واحدة من أكثر الدراسات العلمية دقة وإحاطة وإحكاماً .
ولقد سبق للأدب الإسلامى، فى محاوره التنظيرية والدراسية والنقدية، أن اجتاز عتبات الأكاديمية منذ أكثر من عقد من الزمن فى العديد من الجامعات العربية والإسلامية، وبخاصة المغرب الشقيق الذى نوقشت فيه عشرات الرسائل حول موضوعات شتى تتمحور عند هذا الأدب أو تنبثق عنه .
والحق أن فكرة طبع الفصل التمهيدى فى غلاف مستقل جاءت تنفيذاً لاقتراح قدمه الأستاذ الدكتور جليل رشيد فالح، أستاذ البلاغة فى كلية آداب جامعة الموصل عبر مناقشته للرسالة، وهو اقتراح فى محله تماماً، تشجيع عليه أسباب فنية وأخرى موضوعية، إذا يمثل هذا الفصل مدخلاً مناسباً للعديد من الدراسات المعنية بتاريخ الأدب العربى من منظور إسلامى أصيل .
عرفت ( على كمال الدين ) منذ سنوات، وازدادت معرفتى به عمقاً خلال عمله فى رسالته هذه للدكتوراه . إنه يعرف كيف يمسك بتلابيب الموضوعات التى يتعامل معها – إذا صح التعبير – فيقلبها على وجوهها فلا يكاد يترك صغيرة ولا كبيرة إلا أخضعها للفحص والاختبار، وبما أنه يتعامل مع حشود الشواهد الشعرية، فإن نفسه الطويل هذا سيوظف وقفاته المتأنية عند كل شاهد منتزعاً منه أقصى ما يستطيع أن يقوله .
وهو – على ذلك – قارئ جيد للنص الشعرى، يملك قدرة ملحوظة على سبر غوره والإيغال فى طبقاته الظاهرة والخفية،الموضوعية والفنية، والتأشير – بالتالى – على خصائص الخطاب الذى يبدعه الشاعر بمفرداته كافة .
أغلب الظن أن هذه المقدرة ستعرف كيف تشق طريقها مستقبلاً لكى تصوغ المزيد من البحوث الموغلة فى شرايين تراثنا الأولى الذى لم تتم قراءة كل صفحاته بعد، والذى هو بحاجة إلى مزيد من الدارسين والنقاد .
وعلى كمال الدين، مع هذا الشرط المنهجى، يملك إخلاصاً ملحوظاً للكشف عن البعد الإسلامى فى المعطى الأدبى التراثى،وفق مطالب البحث العلمى، وليس خارجها أو فى تضاد معها بطبيعة الحال . وليس أدل على ذلك من الصفحات التى بين أيدينا والتى لم يتعجل الباحث فيها استنتاجاً أو رأياً ما قبل أن يتابع النصوص التنظيرية أو النقدية التى تغذيه وتشكله، فضلاً عن قدرته الملحوظة على لم شتات النصوص التى تؤكد إسلامية الجهد الأدبى فى مساحات طيبة من تراثنا النقدى، والجمالى بعامة . هذا الإخلاص الذى هو جد ضرورى فى دراستنا المعاصرة التى حاقت بمساحات واسعة منها رياح التشريق والتغريب من أجل الكشف عن الوجه الأصيل لتراثنا الأدبى كما تشكل بالفعل، فى رحم العقيدة والرؤية الإسلاميتين، لا كما يراد له أن يكون .
قد يختلف المرء معه فى هذه المفردة أو تلك، وعبر هذا الاستنتاج أو ذاك، لكن الإخلاص العقدى والمنهجى الذى هو أحد ملامح جهده الدراسى – أو ثوابته بعبارة أدق – تجعل الإنسان يقدر النتائج التى توصل إليها، ويحترم اليد التى صاغتها .
والصفحات التى بين يدى القارئ يمكن أن تتمحور فى محاولة الباحث تحديد مصطلح ( الشعر الإسلامى ) الذى قد يتجاوز – بالضرورة – حدود النوع الأدبى، إلى الأدب والفن فى آفاقهما على امتدادها . وهو ينطلق من حقيقة أن (( مفهوم الشعر الإسلمى مفهوم قديم ومعاصر لا ينحصر بزمن معين ولكن يبدأ مع الإسلام ويستمر معه حتى اليوم بتصورات متباينة )) .
فهو إذن يكسر الحاجز الزمنى – ابتداء فليس ثمة فى النهر المتدفق ما يعطيه تسمية هنا وأخرى هناك، إنما هو المنبع الواحد الذى يتشكل من دفق الرؤية والممارسة الإسلاميتين ثم يمضى إلى هدفه معبراً عن هذه الجزئية أو تلك، مغلباً المضمون على الشكل حيناً، والشكل على المضمون أحياناً، موظفاً لغة قد تتغاير آلياتها بين زمن وزمن ومكان ومكان .
لكن، رغم هذا التنوع فى اتجاهاته كافة، يظل الشعر شعراً إسلامياً، ويبقى النهر واحداً، متفرداً فى اسمه، ومجراه .. فى منابعه ومصائره على السواء .
ومع هذا التحديد لمفهوم الشعر الإسلامى، وبموزاته، يتبنى الباحث رأيا يفترض أن يسلم به أو يحترمه فى الأقل كل المعنيين بالظاهرة الأدبية، ذلك هو أن ظاهرة كهذه لن تتحقق وظيفتها فى الخطاب الإبداعى، ما لم تتحقق باثنتين : المضمون (أو المعنى ) والشكل (أو الأسلوب ) أى الفكر والفن . يتضح هذا من عنوان رسالته ابتداء (( دراسة فكرية فنية )) ويمضى بميزانه الذى لا يتأرجح ولا يميل لكى يؤكد الثنائية نفسها سواء فى تعاملة النقدى مع الشاهد الشعرى، أو فى تنظيراته واستنتاجاته .
يتحرك على كمال الدين فى معالجته ( للمصطلح ) على محورى التراث والمعاصرة ويوغل فى نسيج الجهد الدراسى، والنقدى، والتنظيرى للأباء والأبناء من أجل تأكيد الصلة الوثيقة بين الأدب الإسلامى والعقيدة كتأسيس ضرورى يتشكل فى علاقاته مصطح الشعر الإسلامى، أو الأدب الإسلامى على مداه .
تراثياً، يحشد الباحث (( نصوصا )) ذات قيمة بالغة : لرسول صلى الله عليه وسلم وخلفائه الراشدين (رضى الله عنهم ) ولبعض خلفاء بنى أمية، ولمعظم النقاد القدامى الذين أدلوا دلوهم فى الموضوع وقالوا كلمتهم فيه وبنفس طويل فى البحث،وصبر على العمل، يضع يديه على جملة من النصوص أو الشواهد التى تحمل أهميتها باتجاهين :
أولهما تأكيد الصلة بين الرؤية النقدية والعقيدة، وثانيهما ضرب المقولة الخاطئة حول شكلانية التراث النقدى الإسلامى، والتى بلغت أقصى حدتها فى دراسات الماركسيين، وتقديم (( الشاهد )) على أن هناك إلى جانب تيار الشكلانية، تيار آخر لا يقل عنه عمقا وغناء واتساعاً، هو تيار المضمونية، إذا صح التعبير . ولم يمنح هذا وذاك – بطبيعة الحال – لقاء، بشكل أو آخر بين التيارين، بل إن المرء بحكم ضرورات الجهد الأدبى يميل للتحقيق بلقاء، أو تصالح كهذا .
مهما يكن من أمر فإن الباحث يمضى لكى يستنطق الجاحظ والقرطاجنى وابن عبد ربه وابن سلام وابن رشيق وابن قتيبة، وغيرهم، لكى يخلص إلى هناك (( زحمة فى النصوص التى تعتمد العقيدة مقياساً للحكم على الشعر وتعتمد المضمون الإسلامى ميزاناً لرفعته ))، وأن حكماً نقدياً كالذى قال به القاضى الجرجانى فى (الوساطة بين المتنبى وخصومه ) فى الفصل بين العقيدة والإبداع، والنقدى، واعتباره (( شكلانياً )) ! .
إننا نتذكر هنا ما قاله الباحثان الماركسيان (أوفسيانيكوف) و (سميرنوفا ) فى (موجز تاريخ النظريات الجمالية ) (الذى عربه باسم السقا ونشرته دار الفارابى فى بيروت عام 1979) من أن (( التقيد الطبقى )) لنقادنا القدماء (( يظهر فى طريقتهم الشكلية عند دراستهم للإنتاج الأدبى، وفى تحديد اهتمامهم النظرى بمسائل (جمالية الحديث ) وفى استخفافهم بالمحتوى الفكرى للإنتاج الغنى قبل أى شئ آخر )) ثم يخلصان إلى القول بأن (( تعاليم اللغويين والأدباء العرب هذه هى انعكاس وتعبير نظرى عن المفاهيم الشكلية التى كانت منتشرة بشكل واسع فى الأشعار الديوانية (نسبة إلى الديوان : مكان جلوس الخليفة ) وهى معظمها أشعار منمقة هدفها المدبح ))، وهما يقولان كذلك بأن (( الديانة الإسلامية كان لها تأثير واضح على تطور الفنون والنظريات الجمالية عند شعوب الشرق الأدنى والأوسط ولكن هذا التأثير كان جزئياً (!! ) فقد أوجد الأدباء العرب فى العصور الوسطى نظريات ذات خصائص مميزة تدل على أن مؤلفيها لم يتقيدوا، من وجهة نظرهم، بأى مفهوم ذى صفة دينية . وأكثر من هذا فإن بعض النظريين الأدباء انتقدوا بشكل علنى تدخل الديانة بمسائل النقد الأدبى ))، ويقولان : (( بأن مساعى المفكرين المسلمين ذوى النزعة المحافظة فشلت فى أن تضع حاجزاً أمام الفن المتفائل المتصل بالحياة فى فن العصور الوسطى العربية باستثناء تلك الفترات التى كانت فيها الرجعية هى الغالبة ))، ويقولان : (( إن انتشار الإسلام فى الشرق الأدنى لم يحدث أى تغيير كبير فى محتوى الشعر العربى الذى كان، كما كان فى عصر الجاهلية، بعيداً عن الأفكار الينية الصوفية (!! ) وكان الشعر العربى فى القرون الوسطى أيضاً يتغنى بجميع ملذات الحياة الواقعية .. )) .
والمجال لا يتسع للمزيد من الشواهد على رؤية أحادية كهذه، وبمقدور المرء أن يرجع إلى الطبعة الثانية من الكتاب المذكور (الصفحات 46 – 66 التى تم اقتباس الشواهد الآنفة منها ) . والمهم أننا إذا أحلنا استنتاجات كهذه على النصوص التى استقصاها الباحث، فإنها ستتهافت سواء فى محاولتها فك الارتباط بين الإبداع والعقيدة الإسلامية، أو تأكيدها على شكلانية الجهد الأدبى فى التراث العربى على امتداده .
بعدها يجيئ الباحث إلى محاولات أدباء الإسلامية (( المعاصرين )) لتحديد مصطلح الأدب الإسلامى، وهم – بفضل من الله ومنة – يزدادون عدداً وعطاء يوماً بعد يوم،فيتعامل مع بعضه عشر دارساً منهم، واضعاً نصب عينيه ميزانه ذاك، وهو أن الظاهرة الأدبية لن تحقق وظيفتها فى الخطاب الإبداعى ما لم تتحقق باثنتين: المضمون والشكل أو الفكر والفن .
ومن ثم فهو يقيس معطيات هؤلاء الدارسين بمدى قربهم أو بعدهم عن الميزان، فالأدب الإسلامى فى بنيتة التعبيرية هو كأى أدب فى العالم لابدً أن ينطوى على طبيقتين أساسيتين هما : المعنى الذى يراد التعبير عن مكنوناتة، والتقنيًات الجمالية التى تمكًنه من الوصول إلى الطرف الآخر بأكبر قدر من التوتر والفاعلية والجمالية والتأثير .. لا يتجادل فى هذا اثنان .. ولكن الضرورات التاريخية للخطاب الأدبى الإسلامى ربما تمكن وراء إلحاح بعض الدارسين والأدباء، سواء فى تجاوز المطالب الحرفية أو التساهل معهما فى الأقل لصالح المضمون . لكن هذا وحده قد لايكفى، ولابدً أن يفيئ أدباء الإسلامية كافة إلى الميزان إذا أرادوا أن يكون أدبهم أدبا، فضلا عن أن يأخذ طريقه إلى الإنسان والعالم، ويحتلً موقعه المناسب فى خرائط الدنيا.
إن على كمال الدين يتعامل مع أولئك الدارسين فى ضوء هذا المعيار ويصنف معطياتهم على اساسه، ثم ما يلبث أن يخلص تعريف الأدب الإسلامى يقول بأنه (( ذلك الأدب الذى يصدر فكرة وعاطفة صدوراً كلياً أو جزئياً، مباشراً أو موحيا ً باللغة العربية عن التصور الإسلامى المنبثق من القرآن والسنة للوجود، ولا يحده مذهب أدبى، وان أفاد من معطيات المذاهب الأدبية الفنية أو الفكرية التى تلتقى مع قيم الإسلام فى إنسانيتها الأصلية وامتدادها الزمنى )) .
ويصعب التسليم بالشرط الل غوى الذى يشير إلية التعريف، لأن شعراء كسعدى – وشيرازى وحافظ وجلال الرومى ومحمد إقبال وغيرهم كثيرون سيقصون من دائرة ( الإسلامية) دونما مبررات كافية، شرعية أو فنية، رغم أن قصائدهم، أو بعضها فى الأقل، قد تكون أكثر مقاربة لشروط الإسلامية من الكثير من القصائد التى كتبت بالعربية .
وبنظرة تاريخية إلى حضارة الإسلام التى انطوت بنيتها على الوحدة والتنوع ؛ فإننا سنجد كيف أن ثقافات شتى على مدى الجغرافيا الإسلامية، عبرت عن نفسها بلغتها الخاصة، وكانت مفردات هذا التعبير المتنوع تصب – فى معظم الأحيان – فى بحر الوحدة الكبرى لعالم الإسلام، بهمومه وأهدافه وتوجهاته.. بنبضه المتوحد وقيمه المشتاركة .. ولم يقل أحد، أو لم يضع بعبارة أدق، جداراً بين التعبير الإقليمى المتميز عن الذات، وبين مطالب وتصورات الأمة الواحدة على امتدادها فى الزمن والمكان .
مهما يكن من أمر، فإن الباحث لم يلق القول فى شرط اللغة على عواهنة، إنما خصص له مقطعاً فى دراسته فى دراستة ناقش فيه الأوجه المختلفة لإشكالية لغة التعبير، وأعقبه بإضاءات مركزة لإشكاليات أخرى قد لا تقل أهمية كالعلاقة بين الأدب والأديب، والانفتاح على الآداب العالمية، ومقولة ضعف الشعر الإسلامى فى صدر الإسلام .
وهو فى كل الأحوال يغذى مناقشه ويدعمها بالشواهد والنصوص التراثية والمعاصرة، والتى يعرف كيف يضع يده عليها ويؤكد بها حجته .. وهو فى كل الآحوال – كذلك.. يحرص بقوة الإخلاص للحقيقة وحدها، على أن ينقض الرماد عن كل ما دُخن على وجه الإسلامى الأصيل، ويعيد إلية الألق .
دليل مكتبة الأدب الإسلامى للأستاذ الدكتور : عبد الباسط بدر
بعد انتظار طويل لرجل يقدم على المحاولة (3) ها هو ذا الاخ الدكتور عبد الباسط بدر ، يتقدم بدليلة الذى يتضمن جل ما احتواه مكتبة الأدب الإسلامى من دارسات أدبية ونقدية ، كتباً أو مقلات وبحوثاً، وما لا يدرك كله لا يترك جله فبارك الله فى المحاولة الجادة وفى صاحبها.
ولقد تركها (بدر) فى طبعته التمهيدية للدليل ( ربيع الأول 1408 هجريا) مشروعا ً مفتوحاً فى محاولة للاقتراب من الكمال الصعب ، وطلب من كل المعنيين بهذا الأدب أن يدلوا بدلوهم ويعنوه كى يقطع الطريق الطويل ويحقق المقاربة الموعودة .
ليس هذا فحسب ، بل إنه جعل من دليله هذا قسماً أولاَ ، ستتلوه بإذن الله أقسام اخرى تعنى بنتاجات الشعر والقصة والرواية والمسرحية والفنون الإبداعية الأخرى مثل الرحلات والتراجم والسير الذاتية والمذكرات .. إلى اخره ..ذلك من أجل التحقق بمزيد من التنسيق والسيطرة على حشود المعطيات الأدبية وأنماطها كافة .
[2]
فى البدء لابدً من التأشير على أن عملاً كهذا يتضمن أهمية البالغة على مستويين : المستوى الإعلامى والمستوى الدراسى (الأكاديمى ) .
فأما فى أولهما فإن هذا الدليل يأتى تأكيدا إحصائيات منظوراً على حضور الأدب الإسلامى بمواجهة، أو مع الآداب الأخرى فى عصر صراع المذاهب والمبادئ والمعتقدات بكافة واجهاتها وصيغها الفكرية والأدبية .
يأتى _أيضاً_ استجابة لتحدى الصمت والإنكار والحصار القاسى .. يكسر بمنطق الأرقام تخمينات الخصوم وترهاتهم وأوهامهم فى أنة ليس ثمة من أدب إسلامى فى الساحة ، ويحكم عليهم _ بالمنطق نفسه_ بأنهم إن لم يقروا بحقيقة هذا الأدب ، أمراً واقعاً فإنهم يختارون أن يصيروا كالنعام الذى يدفن رأسه فى الرمال فلا يكاد يرعد أو يحس فيما حولية شيئاً ..
بل إن بين مفكرى الإسلام أنفسهم وعلمائهم وباحثيهم من ينفى _ لهذا السبب أو ذاك _ أن يكون هناك أدب إسلامى معاصر !
ولعلنا لا نبالغ إذا قلنا بأن بين أكاديميى الأدب الإسلامى بمفهوماته التاريخية الصرفة ، من ينكر أن يكون لهذا الأدب ، وبالمواصفات التى يتبناها تلامذته ، حقيقة أو وجود !
كلنا نعرف هذا جيدا ، وقد لمسناه لمس اليد فى قراءاتنا وحوارنا فى المنتديات ، وأروقة الجامعات ، الجامعات ، وفى الندوات والمؤتمرات ..
الآن .. يجيء هذا الدليل لكى يقدم لأولئك وهؤلاء مائة وتسعين باحثاً وأدبيا جلهم من الإسلاميين ، ومائة كتاب وأربعمائة مقال وبحث هى فى معظمها نتاج فترة لا تتجاوز العقدين أو الثلاثة ، وفى حقل واحد من حقول الأدب هو حقل الدراسات الأدبية والنقدية ،فماذا لو أخرج الأقسام الأخرى ؛ ان أنكون مبالغين إذا قلنا بأن المائة كتاب ستغدو مئات والأربعمائة مقال وبحث ستتجاوز الألف عددا ؟
وأما عل المستوى الثانى فإن هذا الدليل يعد ضرورة بالغة للحلقات الدراسية ودوائر الأنشطة الأكاديمية ، حيث أخذ الاهتمام يزداد ، يوما بعد يوم ، بهذا الأدب فى شتى مناحيه الدراسية والنقدية والإبداعية ، وحيث راح عدد من الراغبين فى التخصص من مختلف الجامعات يهرعون إلى ساحات هذا الأدب لكى يختاروا من معطياتها (مواضيع) لأطروحاتهم التى يريدون بها أن يصبحوا أساتذة جامعيين ، وهم من أجل استكمال أدوات العمل ، بل من أجل إقناع جامعاتهم وأساتذتهم المشرفين بجدية اختيار كهذا ، كان لابد وأن تتوافر بين أيديهم قوائم لبعض نتاجات الأدب الإسلامى ، لكى يكون تحركهم مبنياً على أساس واقع ، ويكون هدفه ليس مجرد حركة فى الفراغ ولا أمانى وأحلاما ..
ولقد كان كثير من هؤلاء الطلبة يبعثون برسائلهم الشخصية إلى هذا الأديب المسلم أو ذاك ، يتوسلون إليهم أن يدلوهم على بعض العناوين الأدبية الإسلامية ، أو يرسلوها إليهم لكى يتمكنوا من إقناع أساتذتهم وجامعاتهم فبعض هؤلاء الأدباء اكتفى بقراءة الرسائل ثم طواها ، وبعضهم الآخر استجاب للتوسلات فأرسل قوائم محدودة تتضمن شيئا مما يريده هؤلاء .
يجيء هذا الدليل لكى يقضى على الارتجال . والتبذير فى الجهد والوقت ، ويختصر الطريق .. ويقدم إعانة جادة وشاملة لكل من يسعى لارتياد آفاق هذا الأدب ، ودراسته ، والكتابة عنه ، فى عصر غدت فيه الأنشطة ( الببليوغرافية ) من ضرورات العلم والمنهج على السواء .
سنقف لحظات عند قائمة الكتب المنشورة فحسب ، فى هذا الدليل ، لأن عجالة كهذه لا تتسع لحديث عن المقالات والبحوث ، ولأن هذه تصب ، فى معظم الأحيان ، فى تنسقٍ تأليفى واحد وتصير كتبا .
اولاً : فمن بين الكتب المائه ، يلحظ المرء أن حوالى 75% منها صدر خلال عقد أو يزيد قليلاً .. يمتد بين منتصف السبعينات وينتهى بمطالع عام 1987 ، وهى ظاهرة تؤكد قدرة هذا الأدب على العطاء والانتشار وما يتميز به من خصوبة وتنوع تعدان بالكثير عبر الزمن القريب الآتى .
بل ان الظاهرة لتؤكد شيئاً اخر .. فالمعطيات تتزايد وتتنوع بصيغ المتواليات الهندسية لا الحسابية ، ذلك أن الأربعة تغدو ثمانية وهذه تغدو ستة عشر والمائة _ من ثم _ ستغدو مائتين بقياسات زمنية متقاربة .. هل نستطيع أن نقول بأننا هاهنا إزاء ما يمكن اعتباره نوعا من التصادى فكلما ازدادت نداءات الصوت الأدبى الإسلامى تنوعا وكثرة وامتدادا ، كلما تلقت وبكثافة أصداء أكثر وأغنى وأعانت بالتالى على هذا التنامى المسارع لمكتبة الأدب الإسلامى المعاصر ؟
ثانيا : ومن بين الكتب المائة يلحظ المرء نصيباً طيباً للأكاديمية ، وهذا يحمل مغزاه الذى سبق وأن ألمحنا إلية ، والذى يؤشر على اهتمام متزايد بهذا الأدب فى أورقة المعاهد والجامعات ، إن على مستوى الأساتذة والمتخصصين أو على مستوى طلبة الدراسات العليا أنفسهم . وهنا يتذكر المرء وعد الدكتور بدر بأن يضيف إلى دليله قوائم بالأطروحات التى كتبت عن الأدب الإسلامى دراسة ونقداً وإبداعاً ، فى سائر الجامعات (ويا حبذا لو يضيف إليها البحوث التى قدمت إلى أقسام اللغة العربية فى عدد من الجامعات لنيل الإجازة _الليسانس أو البكالوريوس _فى اللغة العربية والتى تناولت العديد من جوانب الأدب الإسلامى ) فهى جميعاً تشكل_ولا ريب_ رافداً يغنى مكتبة هذا الأدب ويؤكد فى الوقت ذاته حضوره المؤثر فى الدوائر الأكاديمية .
ثالثا : ومن بين الكتب المائة يلحظ المرء كيف أن نسبة (الدراسة) أعلى من نسبة (النقد ) ومؤشر كهذا لابد وأن ينبه الأدباء الإسلاميين إلى ضرورة أن يرموا بثقلهم فى ساحة النقد ، وبخاصة التطبيقى ، لكى يعيدوا للنسبة توازنها المفقود .
رابعا : ومن بين الكتب المائة يلاحظ المرء نمطين من المؤلفات بعضها سعى لأن يطرح آفاقاً جديدة فى ميدان ذى أبعاد لا تعد ولا تحصى ، وبعضها الآخر مارس نوعاً من التكرار لدى معالجة مواضيع سبق وأن بحثها آخرون ( مع ملاحظة التحفظ المعروف فى ميدان البحث وهو أن الموضوع الواحد يمكن أن يتناوله أكثر من باحث ؛ لأن المنهج قد يختلف وزوايا الرؤية تتفاوت وبالتالى فإن النتائج ستكون متباينة ومتنوعة ). ومع ذلك فإنه لابد أن يكون هناك ، على الأقل عبر المرحلة الزمنية القادمة ، سلم للأولويات تتوزع على هداه القدرات والطاقات وتسعى أولاً لتغطية كافة المواضيع البكر قدر الإمكان ، بعدها يمكن أن تتم معالجة الموضوع الواحد مراراً أخرى .
خامسا : وثمة فى مقابل هذا توازن عفوى مطلوب بين التاريخ (حوالى 40 % ) والمعاصرة (حوالى 60%)
أى ان المائة كتاب تتوزع بشكل عادل بين المؤلفات المعنية بتاريخ الأدب الإسلامى ، من منظور عقيدى بطبيعة الحال ، وتلك التى تعنى بقضايا الأدب الإسلامى المعاصر وهمومه وطموحاته ، وكذلك بصراعاته المتعددة مع المذهب والمعطيات المعاصرة . ويتمنى المرء أن لو يستمر هذا التوازن عبر السنوات القادمة لأنه بدون تجذر فى التاريخ فليس ثمة أصالة لهذا الأدب ، وبدون معاصرة فليس ثمة حضور فى ساحة العالم ، ولابد دوماً من تقابل وتحاور القطبين .
[4]
هذا بالنسبة لفرع واحد من فروع الأدب الإسلامى وهو الدراسة والنقد . ونحن بانتظار الأقسام القادمة من الدليل والتى ستعنى بميدان الإبداع عبر الأنواع والأنماط الأدبية كافة ( أقصوصة وقصة ورواية ومسرحية وشعرا وتراجم ومذكرات وسيراً ذاتية .. الخ) ويقيناً فإن القائمة ستؤثر على تيار من العطاء لا يقل ثقلا وتنوعا ً وخصباً عن التيار السابق .
ولسوف يحكى للعالم بمنطق الأرقام والعطاء المتحقق المنظور ، ان أدبا ً كهذا ، ينطلق من خط بدايته منذ أمد قريب لا يتجاوز العقود المحدودة ، ثم يحقق هذا العطاء الواعد ، رغم كل المحاولات التى سعت ولا تزال لوقفه ، بشكل أو آخر ، عن التدفق والانتشار ، لهو بالتأكيد أدب سيفرض نفسه فى ساحات الآداب المحلية والعربية والإسلامية والعالمية ، مستجيباً لتحدى القهر والصمت والإنكار ، منطلقاً إلى أبعد الآفاق ، متعانقاً بعضه مع بعض عربياً وتركياً وكردياً وأرديا وأندونيسيا وهنديا ، متحققا بأكبر قدر من التنوع المحلى فى إطار التصور الإسلامى الشامل ، ملقياً فى سمع العالم ووجدان الإنسان مالا يمكن أن يقوله أدب آخر غير هذا الأدب ؛ لأنه فى نهاية الأمر _ وبدئه كذلك_ أدب الإنسان على اختلاف الأماكن والأزمان.
الهوامش
- مطبعة الجمهور ، الموصل _ 1977م
- مكتبة تموز الموصل _1986م
- لابد من الإشارة هنا إلى المحاولة المبكرة التى سبق وأن قام بها الأخ الأستاذ محمد الحسناوى بعنوان ( مكتبة الأدب الإسلامى ) (مجلة حضارة الإسلام ، العدد الرابع ، السنة العاشرة ، 1969م) .