أبحاث

التعزير، صوره وضوابطه دراسة فقهية مقاصدية معاصرة

العدد 155

المقدمة:

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستهديه ونستغفره ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ الرسالة، وأدى الأمانة ونصح الأمة، وكشف الله به عنا الغمة، فتركنا على المحجة البيضاء ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك، فصلوات الله وسلامه عليه، وعلى آله وصحبه، ومن دعا بدعوته إلى يوم الدين. وبعد،

فإن الجرائم التي تستوجب العقوبات التعزيرية كثيرة ومتنوعة، وهي في الوقت نفسه متجددة ومتطورة، ولم يكن معظمها معروفا عند سلف هذه الأمة، ومن هنا فإنها تحتاج إلى اجتهاد القاضي وسعة أفقه في اختيار العقوبة المناسبة للجريمة التي تستحقها، فقد يستلزم الأمر أن ينوع القاضي في العقوبات حسب حال المخالفين، مع الأخذ في الاعتبار حكمة مشروعية التعزير، والتي تهدف إلى حماية مصالح الناس وضرورياتهم الخمس: (الدين والنفس والعقل والنسل والمال)؛ حيث لا تقوم الحياة بدونها، ومن هنا كان الاعتداء عليها جريمة تستوجب العقاب، فكل ما يحفظها يعد مصلحة، وكل ما يفوتها يعد مفسدة.

كما أن هذه العقوبات تهدف إلى ردع المجرم عن الجريمة، ومنعها قبل حدوثها، وتسعى إلى اجتثاث جذورها، وفيها – في الوقت نفسه – زجر للآخرين عن ارتكابها؛ لئلا يصيبهم ما أصاب المجرم من العقاب، ومن هنا عبر الفقهاء عن ذلك بقولهم: العقوبات موانع للفعل قبل وقوعه، وزواجر له بعد وقوعه، وبعبارة أخرى: العقوبات زواجر وجوابر، أي أنها تزجر الناس عن فعل الذنب، كما أن تطبيق العقوبة على الجاني تجبر عنه العقوبة في الآخرة – على الراجح من أقوال الفقهاء -، كما أنها لا تكتفي بإصلاح المجرم فحسب، بل تسعى إلى تقويم اعوجاجه، شأنها في ذلك شأن الوالد في تأديب ولده، والطبيب في معالجة مريضه؛ حيث يعمد هؤلاء إلى المعالجة بما يشفى المريض ويؤدب الولد، ولا يهمهم في تلك المرحلة ما يشتهيه المريض أو يحبه الولد.

والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من قواعد الدين الحنيف، وهو أمر لا يتم إلا بالعقوبات الشرعية؛ فإن الله يزع بالسلطان ما لا يزع بالقرآن، وإقامة الحدود واجبة على ولاة الأمور؛ وذلك يحصل بالعقوبة على ترك الواجبات وفعل المحرمات، فمنها عقوبات مقدرة؛ مثل جلد المفتري ثمانين، وقطع السارق…إلخ، ومنها عقوبات غير مقدرة، وهي العقوبات التعزيرية، وتختلف مقاديرها وصفاتها بحسب عظم الذنوب وصغرها؛ وبحسب حال المذنب؛ وبحسب حال الذنب في قلته وكثرته…

مشكلة البحث:

   تكمن مشكلة البحث في معرفة ماهية التعزير وضوابطه، وحكم استحداث طرق معاصرة له، وسلطة ولي الأمر في ذلك، وهل يتغير التعزير بتغير الزمان والمكان والأشخاص.

أهداف البحث:

نظرا لأهميّة موضوع التعزير، وما أثيرت حوله من شبهات من بعض المعاصرين، وكذلك من ناحية طرقه المعاصرة آثرت أن أبين رأي الفقهاء في هذه النقاط، مع بيان ضوابط التطبيق، والله الموفق.

منهج البحث:

   اتبع الباحث المنهج التحليلي الوصفي؛ وذلك لتحليل آراء العلماء وما توصّلوا إليه من أحكام بغية الوصول إلى الرأي الراجح؛ حيث ستتم دراسة هذه القضية من خلال الواقع، والعوامل المؤثرة فيها.

هيكل البحث:

يتكون البحث من مقدمة وتمهيد وثلاثة مباحث وخاتمة وفهارس على النحو التالي:

المقدمة: وفيها أهمية البحث ومشكلته وأهدافه ومنهجه وخطته.

التمهيد وفيه: التعزير: ماهيته وحكمه الشرعي.

المبحث الأول وفيه: وسائل التعزير قديما.

المبحث الثاني وفيه: مستجدات التعزير في ضوء المقاصد الشرعية.

المبحث الثالث وفيه: الضوابط الفقهية للتعزير.

الخاتمة: وفيها أهم التوصيات والنتائج التي خرج بها البحث.

* * *

التمهيد

التعزير: ماهيته وحكمه الشرعي

أولا: التعزير لغة واصطلاحا:

التعزير لغة: من مادة: (عزر)، والعين والزاء والراء كلمتان: إحداهما التعظيم والنصر، وفي التنـزيل: (وَتُعَزِّرُوهُ وَتُوَقِّرُوهُ)(1)، والكلمة الأخرى جنس من الضرب، وأصل التعزير: المنع والرد، فكأن من نصرته قد رددت عنه أعداءه ومنعتهم من أذاه، ولهذا قيل للتأديب الذي هو دون الحد: تعزير؛ لأنه يمنع الجاني أن يعاود الذنب، فهو من الأضداد، وعزر فلانا (عزرا): لامه وأعانه، و(عزره): منعه ورده وأدبه، والتَّعْزِيرُ: ضربٌ دون الحدّ، وذلك يرجع إلى المعنى الأوّل؛ فإنّ ذلك تأديب، والتّأديب نصرة، لكن الأوّل نصرة بقمع ما يضرّه، والثاني: نصرة بقمعه عمّا يضرّه. فمن قمعته عما يضرّه فقد نصرته، ولو كان التعزير هو التوقير لكان الأجود في اللغة الاستغناء به، والنصرة إذا وجبت فالتعظيم داخل فيها؛ والتعزير: التوقيف على الفرائض والأحكام(2).

واصطلاحا هو: تأديب على ذنب لا حد فيه ولا كفارة، فهو عقوبة شرعية غير مقدرة على ذنب لم تضع له الشريعة عقوبة محددة، فللقاضي أن يختار عقوبة من مجموع العقوبات التي تبدأ بالنصح واللوم، وقد تنتهي بالقتل في قول بعض أهل العلم، فهوتأديب استصلاح وزجر على ذنوب لم يشرع فيها حدود ولا كفارات، بما يناسب ظروف الجريمة والمجرم والزمان والمكان(3).

ثانيا: أوجه الاختلاف بين التعزير وبين الحد:

الفروق بين الحد والتعزير كثيرة، منها: أن الحد مقدر، والتعزير مفوض إلى رأي الإمام، وأن الحد يدرأ بالشبهات، والتعزير يجب معها، وأن الحد لا يجب على الصبي، والتعزير يقام عليه.وقيل: الحد مختص بالإمام، والتعزير يفعله الزوج والمولى، وكل من رأى أحدا يباشر المعصية، وأن الرجوع يعمل في الحد لا في التعزير، وأنه يحبس المشهود عليه؛ حتى يسأل عن الشهود في الحد لا في التعزير، وأن الحد لا تجوز الشفاعة فيه، وأنه لا يجوز للإمام تركه، وأنه قد يسقط بالتقادم، بخلاف التعزير(4)، كما أن التعزير يختلف باختلاف الفاعل، فتأديب ذي الهيئة من أهل الصيانة (والمراد: أهل العلم والصلاح والتقوى، لا أهل المال والجاه)؛ أخف من تأديب أهل البذاءة والسفاهة، بخلاف الحدود، فالكل فيها سواء، كما أن التعزير يختلف باختلاف الأزمان والعصور، أما الحدود فلا يجري فيها ذلك، فهي صالحة في كل زمان ومكان، كما أن الحدود لا تسقط بحال، بخلاف التعزير فقد يسقط أحيانا(5)، والتعزير يجوز العفو فيه والشفاعة بخلاف الحدود(6).

ثالثا: حكم التعزير:

التعزير من العقوبات الثابتة شرعا، وقد اتفق الفقهاء أنه مشروع في كل معصية، سواء ترك واجب أو فعل محرم(7)، واستدل على مشروعيته بأدلة كثيرة، منهاالآية الكريمة في معالجة نشوز الزوجة، حيث رسمت للزوج نهجا ينبغي عليه أن يتتبع مراحله قبل أن يلجأ إلى الطلاق، فقال سبحانه وتعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ فَإِنْ أَطَعْنَكُمْ فَلاَ تَبْغُواْ عَلَيْهِنَّ سَبِيلاً)(8)، فالوعظ والإرشاد للزوجة، ثم الهجر في المضجع، وأخيرا الضرب (غير المبرح)- من قبيل العقوبات التعزيرية، واعتبر العلماء هذه الآية سندا شرعيا للتعزير، وأما السنة: عن أبي بردة tقال: سمعت رسول الله rيقول: (لا يجلد فوق عشرة أسواط إلا في حد من حدود الله تعالى)”(9)، وعن عمرو بن شعيب عن أبيه عن جده yأن رسول الله rقال: (مروا أولادكم بالصلاة وهم أبناء سبع، واضربوهم عليها وهم أبناء عشر، وفرقوا بينهم في المضاجع)(10)، وثبت عن عمر بن الخطاب tأنه كان له سجن، وأنه سجن الحطيئة على الهجو، وسجن صبيغا التميمي على سؤاله عن (الذاريات والمرسلات والنازعات) وشبههن، وأمر الناس بالتفقه، وضربه مرة بعد مرة، ونفاه إلى العراق، وقيل: إلى البصرة، وكتب ألايجالسه أحد، قال المحدث: فلو جاءنا ونحن مائة لتفرقنا عنه، ثم كتب أبو موسى إلى عمر أنه قد حسنت توبته، فأمره عمر، فخلى بينه وبين الناس(11)، وثبت عنه tأنه كان يعزر ويؤدب بحلق الرأس والنفي والضرب، كما كان يحرق حوانيت الخمارين والقرية التي يباع فيها الخمر، وأجمع الصحابة – رضوان الله عليهم – على مشروعية التعزير ولم ينقل عن أحد منهم إنكاره، ثم انعقد إجماع العلماء كافة على مشروعيته(12).

ويشهد لذلك العقل السليم، ويعتبر العقوبات ضرورة حتمية لتأديب أصحاب المعاصي والفجور من جهة، وإصلاحهم وإصلاح باقي أفراد المجتمع من جهة أخرى، وزجرهم جميعا عن كل ما يخالف شرع الله؛ حتى تنتهي الجريمة؛ وتقل الرذيلة؛ ويحل مكانهما الأمن والفضيلة، ويكون الناس عباد الله إخوانا، آمنين على أنفسهم وأموالهم وأعراضهم.

رابعا: حكمة مشروعية التعزير:

ليس مقصود الشارع من إقامة الحدودمجرد الأمن من المعاودة، ولو أريد هذا لكان قتل صاحب الجريمة فقط أجدى، وإنما المقصود الزجر والنكال والعقوبة على الجريمة، وأن يكون إلى كف عدوانه أقرب، وأن يعتبر به غيره، وأن يحدث له بما يذوقه من الألم توبة نصوحا، وأن يذكره ذلك بعقوبة الآخرة، إلى غير ذلك من الحكم والمصالح(13)، وبهذا يتبين أن العقوبات الشرعية كلها أدوية نافعة يصلح الله بها مرض القلوب، وهي من رحمة الله بعباده ورأفته بهم الداخلة في قوله تعالى: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلاَّ رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ)(14)، فمن ترك هذه الرحمة النافعة لرأفة يجدها بالمريض، فهو الذي أعان على عذابه وهلاكه، وإن كان لا يريد إلا الخير(15).

إن الله تعالى لم يرسل الله رسوله rإلا رحمة للعالمين، فالله أنـزل شريعته للناس وبعث رسوله فيهم لتعليم الناس وإرشادهم، وقد فرض العقاب على مخالفة أمره؛ لحمل الناس على ما يكرهون، ما دام أنه يحقق مصالحهم، ولصرفهم عما يشتهون، ما دام أنه يؤدي لفسادهم، فالعقاب مقرر لإصلاح الأفراد ولحماية الجماعة وصيانة نظامها. والله الذي شرع لنا هذه الأحكام وأمرنا بها، لا تضره معصية عاصٍ، ولو عصاه أهل الأرض جميعا، ولا تنفعه طاعة مطيع، ولو أطاعه أهل الأرض جميعا(16)، ويعتبر العقاب بذلك ذريعة لمنع الجرائم على ما يقع منها، فإن العقاب ردع للجاني، وزجر لغيره، ومنع لتكرار الوقوع وذلك ببيان وخامة نتائجه بالحس والعيان، لا بالفرض والتقدير، لذا كانت العقوبة أمرا لابد منه؛ لتطهير المجتمع من آفاته، واستئصال جراثيمه أو تحقيق ويلاتها(17).

فمن أهم مقاصد التعزير تأديب الجاني؛ لأن التعزير شُرِعَ للتطهير(18)، والتأديب راجع إلى المقصد الأسمى لإصلاح أفراد الأمة الذين منهم يتقوم مجموعها، فبإقامة العقوبة على الجاني يزول من نفسه الخبث الذي بعثه على الجناية(19)، فيعود الجاني إلى حال الصلاح والاندماج في المجتمع؛ كعضو صالح منتج، وينطوي على ذلك استقامته وصلاح حاله مما يجعله إيجابيا في القيام بحقوق الله تعالى وحقوق عباده مشاركا في بناء مجتمعه وعمارة أرضه وإنصاف المجني عليه، ودفع الظلم عنه وشفاء صدره من الغيظ الذي لحقه جراء تعدي الجاني عليه، وإصلاح المجتمع، وهو أمر مطلوب شرعا، ويظهر ذلك بتوطين الأمن في المجتمع المسلم، فتزول المنكرات أو تضعف وتسود السكينة ويهنأ الناس في بلادهم ودورهم، مما يمكن من أداء الواجبات ورعاية مصالح الناس الدينية والدنيوية، وهذا من أعظم مقاصد التشريع الجنائي في الإسلام(20)، وكذلك زجر غيره عن الجريمة…، وبذلك تكون منفعة الزجر مزدوجة، فهو يمنع الجاني من العود، ويرده عنها، ويمنع كذلك غيره من ارتكابها ويبعده عن محيطها(21)، كما أن في طبيعة النفوس الحنق على من يعتدي عليها عمداً والغضب ممن يعتدي خطأ، فتندفع إلى الانتقام، وهو انتقام لا يكون عادلا غالبا؛ لأنه صادر عن حنق وغضب تختل معهما الروية وينحجب بهما نور العدل، فكان من مقاصد الشريعة أن تتولى هذه الترضية، وتجعل حدا لإبطال الثأرات القديمة(22).

خامسا: مصدر التعزير:

يرجع التعزير شرعا إلى اجتهاد من له سلطة التعزير، فكلام أهل العلم متوارد على أن التعزير اجتهادي لا توقيفي، وأن ولي الأمر مخير فيه بحسب المصلحة(23)، قال الزيلعي: “وليس فيه شيء مقدر؛ وإنما هو مفوض إلى رأي الإمام، على ما تقتضي جنايتهم؛ فإن العقوبة فيه تختلف باختلاف الجناية…”(24)، وقال القرافي: “إن التعزير يختلف باختلاف الأعصار والأمصار؛ فرب تعزير في بلد يكون إكراما في بلد آخر؛ كقلع الطيلسان بمصر تعزير، وفي الشام إكرام، وكشف الرأس عند الأندلس ليس هوانا، وبالعراق ومصر هوان”(25)، وقال ابن فرحون: “التعزير لا يختص بالسوط واليد والحبس، وإنما ذلك موكول إلى اجتهاد الإمام”، وقال شيخ الإسلام ابن تيمية – بعد ذكره لجملة من الجنايات والمعاصي: “… فهؤلاء يعاقبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا بقدر ما يراه الوالي على حسب كثرة ذلك الذنب في الناس وقلته، فإذا كان كثيرا زاد في العقوبة، بخلاف ما إذا كان قليلا، وعلى حسب حال المذنب، فإذا كان من المدمنين على الفجور زيد في عقوبته، بخلاف المقل من ذلك، وعلى حسب كبر الذنب وصغره؛ فيعاقب من يتعرض لنساء الناس وأولادهم ما لا يعاقبه من لم يتعرض إلا لامرأة واحدة، أو صبي واحد…”(26).

فتقرر أن التعزير مجال للاجتهاد من قبل ولي الأمر، فله أن يجتهد فيه بحسب حال الجريمة، وما يترتب عليها، وبحسب مرتكبها، وهذا يعطي أحكام الشريعة المرونة في مواكبة التطور، وذلك بمواجهة مختلف صور الجريمة والانحراف التي تستجد، فتتفاوت العقوبات التعزيرية في الشدة وعدمها ونوعها، حسب تفاوت صور الجرائم وأثرها، وهناك قول عند الأحناف بمنع تفويض التعزير؛ لاختلاف حال القضاة، وهذا قال به الطرسوسي في (شرح منظومة الكنـز)، وقد وجهّوا هذا الرأي بأن المراد من تفويض التعزير إلى القاضي ليس معناه التفويض لرأيه مطلقا؛ بل المقصود القاضي المجتهد، والمفهوم من هذا أن المنع متوجه إلى غير القاضي المجتهد، وقيل: هو الرأي الضعيف عند الحنفية(27).

قال الإمام ابن القيم: “ولما كانت مفاسد الجرائم متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم، فمن سوّى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع”(28)، وقال أيضا: “من المعلوم ببدائه العقول أن التسوية في العقوبات مع تفاوت الجرائم غير مستحسن؛ بل مناف للحكمة والمصلحة، فإنه إن ساوى بينها في أدنى العقوبات؛ لم تحصل مصلحة الزجر، وإن ساوى بينها في أعظمها؛ كان خلاف الرحمة والحكمة…. كذلك التفاوت بين العقوبات مع استواء الجرائم قبيح في الفِطَر والعقول، وكلاهما تأباه حكمة الرب تعالى وعدله وإحسانه إلى خلقه…، فإن التعزير لا يتقدر بقدر معلوم، بل هو بحسب الجريمة في جنسه وصفتها وكبرها وصغرها، وعمر بن الخطاب قد تنوع تعزيره في الخمر: فتارة بحلق الرأس، وتارة بالنفي، وتارة بزيادة أربعين سوطا على الحد الذي ضربه رسول الله rوأبو بكر(29).

سادسا: مقدار التعزير:

ليس لأقل التعزير حد؛ بل هو بكل ما فيه إيلام الإنسان، من قول وفعل، وترك قول، وترك فعل، فقد يعزر الرجل بوعظه وتوبيخه والإغلاظ له في القول، وقد يعزر بهجره وترك السلام عليه؛ حتى يتوب إذا كان هذا هو المصلحة، كما هجر النبي rوأصحابه الثلاثة الذين خلفوا عن تبوك، وقد يعزر بعزله عن ولايته، كما كان النبي rوأصحابه يعزرون بذلك؛ وقد يعزر بترك استخدامه في جند المسلمين، كالجندي المقاتل إذا فر من الزحف؛ فإن الفرار من الزحف من الكبائر، وقطع أجره نوع تعزير له، وكذلك الأمير إذا فعل ما يستعظم، فعزله عن إمارته تعزير له، وقد يعزر بالحبس أو الضرب أو بتسويد وجهه وإركابه على دابة مقلوبا…(30).

والفقهاء في مقدار التعزير على أقوال:

أحدها: أنه بحسب المصلحة، وعلى قدر الجريمة، فيجتهد فيه ولي الأمر.

والثاني: أنه لا يبلغ بالتعزير في معصية قدر الحد فيها، فلا يبلغ بالتعزير على النظر والمباشرة حد الزنا، ولا على السرقة من غير حرز حد القطع، ولا على الشتم بدون القذف حد القذف. وهذا قول طائفة من أصحاب الشافعي وأحمد، وهذا أحسنها.

والثالث: أنه يبلغ بالتعزير أدنى الحدود: إما أربعين، وإما ثمانين وهذا قول كثير من أصحاب الشافعي وأحمد وأبي حنيفة.

والرابع: أنه لا يزاد في التعزير على عشرة أسواط، وهو أحد الأقوال في مذهب أحمد…

وهل يجوز أن يبلغ بالتعزير القتل؟ فيه قولان: أحدهما: يجوز، كقتل الجاسوس المسلم، إذا اقتضت المصلحة قتله، وهذا قول مالك وبعض أصحاب أحمد، واختاره ابن عقيل، وقد ذكر بعض أصحاب الشافعي وأحمد نحو ذلك في قتل الداعية إلى البدعة، كالتجهم والرفض، وإنكار القدر، وقد قتل عمر بن عبد العزيز غيلان القدري؛ لأنه كان داعية إلى بدعته، وهذا مذهب مالك – رحمه الله- وكذلك قتل من لا يزول فساده إلا بالقتل، وصرح به أصحاب أبي حنيفة في قتل اللوطي، إذا أكثر من ذلك تعزيرا…(31).

سابعا: مراتبه:

التعزير على مراتب: تعزير أشراف الأشراف وهم العلماء بالإعلام، وهو أن يقول له القاضي: بلغني أنك تفعل كذا وكذا، فينـزجر به، وتعزير الأشراف وهم الأمراء والدهاقين بالإعلام والجر إلى باب القاضي والخصومة في ذلك، وتعزير الأوساط، وهم السوقة بالجر والحبس، وتعزير الأخسة بهذا كله، وبالضرب(32)، أي أن أحوال الناس على مراتب، فالمراد بالمرتبة الأولى وهي أشراف الأشراف من كان ذا مروءة صدرت منه الصغيرة على سبيل الزلة والندور، فلذا قالوا تعزيره بالإعلام؛ لأنه في العادة لا يفعل ما يقتضي التعزير بما فوق ذلك، ويحصل انـزجاره بهذا القدر من التعزير، فلا ينافي أنه على قدر الجناية أيضا، حتى لو كان من الأشراف لكنه تعدى طوره، ففعل اللواطة، أو وجد مع الفسقة في مجلس الشرب ونحوه، لا يكتفى بتعزيره بالإعلام فيما يظهر لخروجه عن المروءة، لأن المراد بهاالدين والصلاح ولو تكرر منه الفعل يضرب، فهذا صريح في أنه بالتكرار لم يبق ذا مروءة، …، وقيل: الاكتفاء بتعزيره بالإعلام إنما هو مع ملاحظة السبب، فلا بد أن لا يكون مما يبلغ به أدنى الحد، كما إذا أصاب من أجنبية غير الجماع. فهذا صريح في أن من كان من الأشراف يعزر على قدر جنايته، وأنه لا يكتفى فيه بالإعلام، إذا كانت جنايته فاحشة، تسقط بها مروءته، فالمعتبر حال الجناية والجاني(33)، وقد يكون التعزير بالحبس، وقد يكون بالصفع، وبتعريك الآذان، وقد يكون بالكلام العنيف أو بالضرب، وقد يكون بنظر القاضي إليه بوجه عبوس، فإن العقوبة فيه تختلف باختلاف الجناية، فينبغي أن تبلغ غاية التعزير في الكبيرة، كما إذا أصاب من الأجنبية كل محرم سوى الجماع، أو جمع السارق المتاع في الدار ولم يخرجه، وكذا ينظر في أحوالهم، فإن من الناس من ينـزجر باليسير، ومنهم من لا ينـزجر إلا بالكثير(34).

فتأديب ذي الهيئة مِنْ أَهْلِ الصِّيَانَةِ أَخَفُّ مِنْ تَأْدِيبِ أَهْلِ البذاء وَالسَّفَاهَةِ، فَإِنْ تُسَاوَوْا فِي الْحُدُودِ الْمُقَدَّرَةِ، فَيَكُونُ تَعْزِيرُ مَنْ جَلَّ قَدْرُهُ، بِالإِعْرَاضِ عَنْهُ. وَتَعْزِيرُ مَنْ دونه بزاجر الكلام، وغاية الاستخفاف الذي لا قذف فيه ولا سب، ثم يعد بمن دون ذلك إلى الحبس، الذي ينـزلون فيه على حسب رتبهم، وَبِحَسَبِ هَفَوَاتِهِمْ، فَمِنْهُمْ مَنْ يُحْبَسُ يَوْمًا، وَمِنْهُمْ من يحبس أكثر منه إلى غير غاية مقدرة، ثُمَّ يُعْدَلُ بِمَنْ دُونَ ذَلِكَ إلَى النَّفْيِ والإبعاد، إذا تعدت ذنوبه إلى اجتلاب غيره إليها، واستضراره بها(35)، لذلك كان من صفات العالم أنه ناظر في المآلات قبل الجواب عن السؤالات(36).

لذلك نرى في القرآن – في آية تعزير الزوجة الناشز – أنه سبحانه وتعالى ابتدأ بالوعظ، ثم ترقى منه إلى الهجران في المضاجع، ثم ترقى منه إلى الضرب (غير المبرح)، وذلك تنبيه يجري مجرى التصريح في أنه إذا حصل الغرض بالطريق الأخف وجب الاكتفاء به، ولم يجز الإقدام على الطريق الأشق(37)، وعلى الإمام مراعاة الترتيب والتدريج اللائق بالحال في القدر والنوع، كما يراعيه في دفع الصائل، فلا يرقى إلى مرتبة، وهو يرى ما دونها كافيا مؤثرا(38)، فالإمام يتحتم في حقه ما أدت المصلحة إليه، لا أن هاهنا إباحة ألبتة، ولا أنه يحكم في التعازير بهواه وإرادته كيف خطر له، وله أن يعرض عما شاء، ويقبل منها ما شاء، فهذا فسوق وخلاف الإجماع(39)، ومن المعلوم ببدائه العقول أن التسوية في العقوبات مع تفاوت الجرائم غير مستحسن، بل مناف للحكمة والمصلحة؛ فإنه إن ساوى بينها في أدنى العقوبات لم تحصل مصلحة الزجر، وإن ساوى بينها في أعظمها كان خلاف الرحمة والحكمة؛ إذ لا يليق أن يقتل بالنظرة والقبلة ويقطع بسرقة الحبة والدينار، وكذلك التفاوت بين العقوبات مع استواء الجرائم قبيح في الفطر والعقول، وكلاهما تأباه حكمة الله تعالى وعدله، فأوقع العقوبة تارة بإتلاف النفس إذا انتهت الجناية في عظمها إلى غاية القبح كالجناية على النفس أو الدين أو الجناية التي ضررها عام؛ فالمفسدة التي في هذه العقوبة خاصة، والمصلحة الحاصلة بها أضعاف أضعاف تلك المفسدة، كما قال تعالى: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ يَاْ أُولِيْ الأَلْبَابِ)(40)، فلولا القصاص لفسد العالم، وأهلك الناس بعضهم بعضا ابتداء واستيفاء، فكان في القصاص دفعا لمفسدة التجرؤ على الدماء بالجناية وبالاستيفاء، وقد قالت العرب في جاهليتها: (القتل أنفى للقتل)، وبسفك الدماء تحقن الدماء؛ فلم تغسل النجاسة بالنجاسة، بل الجناية نجاسة والقصاص طهرة(41)، فلما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة – وهي ما بين النظرة والخلوة والمعانقة – جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم؛ فمن سوى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع(42).

المبحث الأول

صور التعزير قديما

تعددت صور التعزير قديما، وروعيت فيه حالة الجناية، وحال الجاني، وظروف الزمان والمكان، ومن ذلك:

أولا: الإيلام النفسي بالقول:

ويكون بالوعظ والتوبيخ: فيعزر الرجل بوعظه أو بنصحه أو بزجره بالصوت العالي، والتوبيخ بذكر قبح ما فعل في وجهه ترهيبا وترغيبا؛ لأن من الناس من ينـزجر بالنصيحة، ويكون ذلك في التذكير بالله والترغيب فيما عند الله من ثواب والتخويف فيما لديه من عقاب، ومنهم من ينـزجر بالتخويف والإنذار، لذا جاء النبي r، مبشرا ونذيرا في آن واحد، وهذا النوع مشروع، فقد سب أبو ذر رجلا عيَّره بأمه، فقال له النبي r: (يا أبا ذر أعيرته بأمه؟ إنك امرؤ فيك جاهلية)(43). وقال عليه الصلاة والسلام: (لي الواجد يحل عرضه وعقوبته)(44)، وقد فسر النيل من العرض بأن يقال له مثلا: يا ظالم، يا معتد، وعن أبي هريرة tأن رجلا شرب الخمر، فأتي به لرسول الله rفقال: (اضربوه)، قال أبو هريرة: فمنا الضارب بيده، ومنا الضارب بنعله والضارب بثوبه، ثم قال رسول الله rلأصحابه: (بكتوه)، فأقبلوا عليه يقولون: ما اتقيت الله، ما خشيت الله، ما استحييت من رسول الله)(45)، وهذا التبكيت من التعزير بالتوبيخ، والتوبيخ قد يكون بإعراض القاضي عن الجاني أو بالنظر إليه بوجهٍ عبوس وقد يكون بإقامة الجاني من مجلس القضاء وقد يكون بالكلام العنيف على شريطة أن لا يكون فيه قذف، كما يكون التعزير النفسي بالتشهير إضافة إلى التوبيخ، فيكون توبيخا عاما أمام الناس؛ جاء في الكافي (عن شاهد الزور): ومتى ثبت أنه شاهد زور، عزره الحاكم، بما يراه من الضرب أو الحبس، وشهره، بأن يقيمه للناس في موضع يشتهر أنه شاهد زور؛ لأن فيه زجرا له ولغيره عن فعل مثله(46)، ثم في التشهير نوع تعزير، وهو تعزير لائق بجريمته؛ لأن بالشهادة لا يحصل له سوى ماء الوجه، وبالتشهير يذهب ماء وجهه عند الناس؛ فكان هذا تعزيرا لائقا بجريمته، فيكتفى به(47). وقد استدل ابن حجر من حديث ابن اللتبية على جواز توبيخ المخطئ(48).

ثانيا: العقاب والإيلام الاجتماعي:

ويكون بالحبس، وهو لغة: المنع من الحركة(49)، واصطلاحا: تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه، وفي معنى الحبس: السّجن، وهو بفتح السين بمعنى الحبس(50)، وبكسرها المكان الذي يحبس فيه الإنسان، وفي التنـزيل: (قَالَ رَبِّ السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِمَّا يَدْعُونَنِي إِلَيْهِ وَإِلاَّ تَصْرِفْ عَنِّي كَيْدَهُنَّ أَصْبُ إِلَيْهِنَّ وَأَكُن مِّنَ الْجَاهِلِينَ)(51)، قرئ بالفتح على المصدر، وبالكسر على الموضع(52)، وهو مشروع بقول الله تعالى: (يِا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ حِينَ الْوَصِيَّةِ اثْنَانِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ أَوْ آخَرَانِ مِنْ غَيْرِكُمْ إِنْ أَنتُمْ ضَرَبْتُمْ فِي الأَرْضِ فَأَصَابَتْكُم مُّصِيبَةُ الْمَوْتِ تَحْبِسُونَهُمَا مِن بَعْدِ الصَّلاَةِ فَيُقْسِمَانِ بِاللّهِ إِنِ ارْتَبْتُمْ لاَ نَشْتَرِي بِهِ ثَمَناً وَلَوْ كَانَ ذَا قُرْبَى وَلاَ نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللّهِ إِنَّا إِذاً لَّمِنَ الآثِمِينَ)(53)؛ قال القرطبي: وهذه الآية أصل في حبس من وجب عليه الحق(54)، ووجه الدلالة: أن الآية دلت على توقيف الشاهدين في ذلك الوقت؛ لتحليفهما، وهذا نص في جواز الحبس(55)، ومن السنة: ما رواه بهز ابن حكيم عن أبيه عن جده: أن النبي rحبس رجلا في تهمة(56)، وقد أجمع الصحابة y، ومن بعدهم على المعاقبة بالحبس، واتفق الفقهاء على أن الحبس يصلح عقوبة في التعزير، ومما جاء في هذا المقام أن عمر tسجن الحطيئة على الهجو، وسجن صيغا على سؤاله على (الذاريات، والمرسلات والنازعات)، وأن عثمان tسجن صنابئ بن الحارث وكان من لصوص بني تميم وفُتَّاكهم، وأن عليا tسجن بالكوفة، وأن عبد الله بن الزبير tسجن بمكة(57)، وليس للحبس مدة مقدرة بل بحسب اجتهاد الأمام على المصلحة.

ويكون كذلك بالنفي (التغريب): وهو مشروع بلا خلاف بين الفقهاء، ودليل مشروعيته الكتاب والسنة: أما الكتاب فهو قوله تعالى: (أَوْ يُنفَوْاْ مِنَ الأَرْضِ)(58)، ومن السنة أن النبي rقضى بالنفي تعزيرا في المخنثين؛ إذ نفاهم إلى المدينة، ففي الحديث: عن ابن عباس رضي الله عنهما، قال: لعن النبي rالمخنثين من الرجال، والمترجلات من النساء، وقال: «أخرجوهم من بيوتكم»(59)، وفي الحديث أن النبي rأتى بمخنث قد خضب يديه ورجليه بالحناء فقال له النبي r: (ما بال هذا؟ فقيل: يا رسول الله: يتشبه بالنساء، فأمر به، فنفي إلى النقيع)(60)، وحلق عمر رأس نصر ابن حجاج، ونفاه من المدينة لتشبيب النساء به(61).

 ويكون بالهجربأن يمتنع القاضي والإمام وأصحابه والناس من التعامل مع هذا الشخص؛ لأنه ارتكب جناية من الجنايات، أو فعل معصية من المعاصي؛ فيهجره الإمام إذا كان هناك مصلحة؛ لأن الهجر يؤثر في بعض الأشخاص دون بعض، وقد فعله النبي rمع الذين تخلفوا عن غزوة تبوك؛ حيث هجرهم خمسين يوما، وأمر أصحابه بهجرهم(62) إلى أن نـزل فيهم قرآن، قال تعالى: (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ * وَعَلَى الثَّلاَثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُواْ حَتَّى إِذَا ضَاقَتْ عَلَيْهِمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ وَضَاقَتْ عَلَيْهِمْ أَنفُسُهُمْ وَظَنُّواْ أَن لاَّ مَلْجَأَ مِنَ اللّهِ إِلاَّ إِلَيْهِ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ لِيَتُوبُواْ إِنَّ اللّهَ هُوَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ)(63)، وورد عن النبي rما يحرم الهجر أكثر من ثلاثة أيام، قال صلى الله عليه وسلم: (لا يحل لمؤمن أن يهجر أخاه فوق ثلاثة أيام يلتقيان فيعرض هذا عن هذا)(64)، وجمع أهل العلم بين هذا الحديث وفعل النبي r، فقالوا: الحديث يدل على الخصومة العادية التي تكون بين الأشخاص التي لا تصل إلى درجة الجناية، أو المعصية التي تستوجب تدخل الإمام، وفرض العقوبة(65).

ثالثا: الإيلام الجسدي:

ويكون بالضرب والجلد: وهو مشروع بالكتاب والسنة، فمن الكتاب قوله تعالى: (وَاللاَّتِي تَخَافُونَ نُشُوزَهُنَّ فَعِظُوهُنَّ وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ وَاضْرِبُوهُنَّ)(66)، فالشاهد قوله تعالى: (وَاضْرِبُوهُنَّ) يدل على مشروعية التعزير بالضرب، وإن كان المراد بالضرب هنا غير المبرح، أي الخفيف، ومن السنة قوله r: (لا يجلد أحد فوق عشر أسواط إلا في حد من حدود الله)(67)، فدل الحديث بمفهومه على مشروعية الجلد، وجوازه بعشرة أسواط فأقل في غير الحد، وما روي عن عمر tأن رسول الله rقال: (من غل فاحرقوا متاعه واضربوه)(68)، وضرب عمر tصبيغ بن عسل التميمي على رأسه لما سأل عن ما لا يعنيه(69)، ويجوز الضرب في التعزير بالعصا وبالسوط الذي يجوز في الحد، ورأي الحنفية أنه يكون أقوى من الضرب في الحد، ورأي الشافعية أنه لا بد أن يكون أقل من الضرب في الحد؛ لأن التعزير أخف من الحد في عدده، فلا يجوز أن يزاد عليه في إيلامه ووجعه(70).

وقد يصل التعزير الجسدي أحيانا إلى القتل إذا دعت الضرورة: والأصل أنه لا يبلغ بالتعزير القتل؛ لقوله تعالى: (وَلاَ تَقْتُلُواْ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللّهُ إِلاَّ بِالْحَقِّ)(71)، وقول النبي r: (لا يحل دم امريءٍ مسلمٍ إلا بإحدى ثلاث الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة)(72). ويجوز أن يصل حد التعزير إلي القتل، بشروط مخصوصة في جرائم معينة، مثل: إذا تكرر فعل الجانى وعزر، ولكنه لم يكف عن فعله، فيقتل، كالسارق إذا تكررت منه السرقة بكثرة، ولم ينـزجر وكذا من تكرر الذنب، ومثل ذلك المفرق لجماعة المسلمين، وذلك لقول النبى r: (من أتاكم وأمركم جميع على رجلٍ واحدٍ يريد أن يشق عصاكم أو يفرق جماعتكم فاقتلوه)(73)، والداعي إلى البدع المخرجة من الدين كبدع الجهمية والرافضة ونحوهم، وغير ذلك من الحالات التي يرى الحاكم المسلم أنه يجب القتل فيها؛ منعًا للفساد في الأرض؛ وحفاظا على مصالح العباد، وقد اختلف الفقهاء في جواز أن يبلغ بالتعزير القتل، فذهب بعضهم إلى عدم جواز ذلك، وكان مذهب المالكية هو أوسع المذاهب في ذلك، وأن طائفة من الشافعية وأخرى من الحنابلة أجازوا القتل تعزيرا في بعض الجرائم، وأبو حنيفة – مع بعده عن القتل تعزيرا -، إلا أنه أجاز القتل تعزيرا للمصلحة؛ كقتل المكثر من اللواط، ومالك يرى تعزير الجاسوس بالقتل ووافقه بعض أصحاب أحمد، ويرى أيضا هو وجماعة من أصحاب أحمد والشافعي قتل الداعية إلى البدعة، والتعزير بالقتل ليس لازم كالحد، بل هو تابع للمصلحة دائر معها وجوبا وعدما(74).

رابعا: العقاب المادي

كما أن العقوبات البدنية تارة تكون جزاء على ما مضى، كقطع السارق؛ وتارة تكون دفعا عن المستقبل كقتل القاتل: فكذلك المالية؛ فإن منها ما هو من باب إزالة المنكر؛ وهي تنقسم كالبدنية إلى إتلاف؛ وإلى تغيير؛ وإلى تمليك الغير (المصادرة). فالأول المنكرات من الأعيان والصفات يجوز إتلاف محلها تبعا لها؛ مثل الأصنام المعبودة من دون الله؛ لما كانت صورها منكرة جاز إتلاف مادتها؛ فإذا كانت حجرا أو خشبا ونحو ذلك جاز تكسيرها وتحريقها. وكذلك آلات الملاهي مثل الطنبور يجوز إتلافها عند أكثر الفقهاء وهو مذهب مالك؛ وأشهر الروايتين عن أحمد. ومثل ذلك أوعية الخمر؛ يجوز تكسيرها وتخريقها؛ والحانوت الذي يباع فيه الخمر يجوز تحريقه… وقد أمر عمر بن الخطاب بتحريق حانوت كان يباع فيه الخمر لرويشد الثقفي؛ وقال: إنما أنت فويسق لا رويشد. وكذلك علي بن أبي طالب أمر بتحريق قرية كان يباع فيها الخمر، وذلك لأن مكان البيع مثل الأوعية. وهذا أيضا على المشهور في مذهب أحمد ومالك وغيرهما(75).

فالتعزير في الأموال جائز عند مالك – رحمه الله – وهو قول قديم عند الشافعي – رضي الله عنه – بدليل أنه أوجب على من وطئ زوجته الحائض في إقبال الدم دينار، وفي إدباره نصف دينار رواه ابن عباس، وفي من غل الزكاة تؤخذ منه ويؤخذ شطر ماله عقوبة له واستدل بحديث بهز بن حكيم عن أبيه عن جده أن النبي r: قال: «في كل أربعين من الإبل السائبة بنت لبون من أعطاها مرتجزا فله أجرها، ومن منعها فأنا آخذها وشطر ماله عزمة من عزمات ربنا ليس لآل محمد فيها شيء»(76)…، وروي أن عمر أراق لبنا مغشوشا. وعن علي tأنه أحرق طعاما محتكرا بالنار، قال الغزالي: للوالي أن يفعل ذلك إذا رأى المصلحة فيه، وأقول: وله أن يكسر الظروف التي فيها الخمور؛ زجرا، وقد فعل ذلك في زمن رسول الله r؛ تأكيدا للزجر، ولم يثبت نسخه، ولكن كانت الحاجة إلى الزجر والفطام شديدة، وإذا رأى الوالي باجتهاد مثل تلك الحاجة جاز له مثل ذلك، … فإن قلت: هل للسلطان زجر الناس عن المعاصي بإتلاف أموالهم وتخريب دورهم التي فيها يشربون ويعصون، وإحراق أموالهم التي يتوصلون بها إلى المعاصي؟ فاعلم أن ذلك لورود الشرع به لم يكن خارجا عن سنن المصالح، ولكنا لا نبتدع المصالح، بل نتبع فيها، وكسر ظروف الخمر قد ثبت عند شدة الحاجة لا يكون نسخا، بل الحكم يزول بزوال العلة ويعود بعودها، فإنما جوزنا ذلك للإمام بحكم الاتباع، ومنعنا آحاد الرعية منه؛ لخفاء وجه الاجتهاد فيه، بل نقول: لو أريقت الخمور أولا فلا يجوز كسر الأواني بعدها، وإنما جاز كسر الأواني تبعا للخمر فإذا خلت عنها فهو إتلاف مال، إلا أن تكون ضاربة بالخمر لا تصلح إلا لها، فهذه تصرفات فقهية يحتاج المحتسب لا محالة لمعرفتها(77).

وهناك صور معاصرة للتعزير بالمشابهة لذلك، مثل ما تقوم به الحكومات من إتلاف للأجهزة المحرمة، وإتلاف المخدرات والصور المنصوبة والأفلام الخليعة، وكذلك أشرطة الكاسيت إذا كانت أغاني وملاهي، والدشوش التي تتلقى الأشياء المحرمة؛ تبث الصور الفاتنة والصور المحرمة، فينتج من آثار اقتنائها وقوع في الفواحش وفي المنكرات، وما أشبه ذلك، … ونعرف بذلك أن الشريعة جاءت لمصالح العباد وأن كل ما فيه مصلحة للعباد والبلاد فإن الشرع يسعى إليها، ولو لم يكن عليه آية أو حديث، لكنه يدخل في القواعد العامة؛ كقوله r: (لا ضرر ولا ضرار)(78).

المبحث الثاني

مستجدات التعزير في ضوء المقاصد الشرعية

إن العقوبات التعزيرية متعددة ومتطورة، وتمتاز بالمرونة، فنجدها تناسب كل طائفة في المجتمع، وهي كفيلة بردع الجاني، حيث تخول للقاضي أن يعزر مرتكب الجريمة بما يراه زاجرا له من العودة إليها، وهذا لا يمنع جواز الأخذ بعقوبة أخرى لنفس الجريمة ما دامت تحقق منها بين الناس؛ لأن نظام العقوبات لا يختص بقول معين أو فعل معين، ويتسع لكل عقوبة تؤدي إلى إصلاح المجرم وتأديبه، ويعتبرها عقوبة شرعية، ومن هنا يستطيع الحاكم أن يقنن في إطار عام هذه العقوبات، ويضعها في مراتب، ويقسمها، ويضع أمام كل قسم عقوبة رادعة له، ويعطي القاضي صلاحية تقدير حال كل مجرم، وما يستحق من عقاب في دائرة العقوبة المقررة بحدها الأعلى والأدنى، ويجتهد ضمن هذه الدائرة، ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: “المعاصي التي ليس فيها حد مقرر ولا كفارة، كالذي يقبل الصبيان (أي بشهوة) ويقبل المرأة الأجنبية ويباشر بلاجماع، أو يأكل ما لا يحل، كالدم والميتة ولحم الخنـزير، أو يقذف في الناس بغير الزنا، أو يسرق من غير حرز، أو يسرق شيئا يسيرا أو يخون أمانته، … إلى غير ذلك من أنواع المحرمات، فهؤلاء يعاقبون تعزيرا وتنكيلا وتأديبا بقدر ما يراه الوالي، على حسب كثرة ذلك الذنب في الناس وقلته، فإذا كان كثيرا زاد في العقوبة، بخلاف ما إذا كان قليلا، وعلى حسب حال المذنب، فإذا كان من المدمنين على الفجور زيد في عقوبته، بخلاف المقل من ذلك، وعلى حسب كثرة الذنب وصغره، فيعاقب من يتعرض لنساء الناس وأولادهم بما لا يعاقب به من لم يتعرض إلا لمرة واحدة“(79)، فلو أمعنا النظر في هذا النص لوجدناه يصور لنا الجرائم التعزيرية تصويرا جيدا، فبعضها معاص في ذاتها، وبعضها معاص لأنها تؤدي إلى معاص أكبر منها، وجميعها منهي عنها في الدين والأخلاق.

كما يمكننا أن نقيس غيرها عليها؛ لأنها غير محصورة ومتقاربة في ذاتها، فإذا كان الشارع الحكيم قد قدر بعض العقوبات لبعض الجرائم، فقد كشف لنا المنهاج الذي يتبع بشكل عام في الجرائم والعقاب المترتب عليها حتى تكون العقوبة مانعة للإجرام، وداعية إلى الانـزجار، وباعثة على الاعتبار، وعلى ضوء الكتاب والسنة يستنبط ولي الأمر منها علاجا للجرائم المتجددة في كل زمان ومكان، وهنا نتمثل قول بعض الفقهاء في هذا المقام: يجد للناس من الأقضية بمقدار ما يجد لهم من الأحداث.

إن هذا الباب الذي يضم مختلف هذه الجرائم باب خصب يمد أولياء الأمور بالمرونة الكافية واللازمة لمواجهة مختلف صور الإنحراف التي تصاحب تغيير المجتمعات، فالجرائم التعزيرية تشمل جميع الأفعال التي يرى ولي الأمر تحريمها وفرض عقوبات مناسبة لها، فيجوز لولي الأمر أن يمد القاضي بقائمة من العقوبات المتنوعة ليختار من بينها ما يلائم تلك الأفعال المجرمة، مع الأخذ بعين الإعتبار مدى جسامة الجريمة من جهة وخطورة الجاني من جهة أخرى(80).

لقد جاءت العقوبات مناسبة لكل زمان ومكان شاملة لكل أنواع الوقائع، سواء كانت عقوبات حدية محددة أم عقوبات تعزيرية واسعة، قابلة للتغيير والتنوع، بحسب أحوال الزمن والوقائع، فيحدث للناس من القضاء على وفق ما أحدثوا من القضايا؛ ولأن العقوبات التعزيرية يرجع فيها إلى القاضي قرر الفقهاء النظر في استحداث عقوبات بديلة أو جديدة(81)، ولما كانت مفاسد الجرائم متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة، جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم؛ فمن سوى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع(82)، فمتى قلنا الإمام مخير في صرف مال بيت المال أو في أسارى العدو أو المحاربين أو التعزير، فمعناه أن ما تعين سببه ومصلحته وجب عليه فعله، ويأثم بتركه، فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب، كما ينتقل المكفر في كفارة الحنث من واجب إلى واجب، والإمام يتحتم في حقه ما أدت المصلحة إليه لا أن هاهنا إباحة ألبتة، ولا أنه يحكم في التعازير بهواه وإرادته كيف خطر له، وله أن يعرض عما شاء ويقبل منها ما شاء هذا فسوق، وخلاف الإجماع(83).

ومن هذه النماذج الجديدة للتعزير:

أولا: الإلزام بالأعمـال التطوعية في العقوبة التعزيرية

وهذه من النوازل المعاصرة؛ فإنه لا توجد أدلة صريحة في حكم الأخذ بها، ولكن باستقراء الأدلة الشرعية ومقاصد الشريعة وقواعدها العامة يمكن أن نجد من الأصول ما يمكن أن يستند إليه في القول بمشروعية الأخذ بهذه العقوبة، ومن هذه الأدلة: ما ورد عن أبي هريرة tقال: نهى رسول الله rعن الوصال، فقال له رجال من المسلمين: فإنك يا رسول الله تواصل! فقال رسول الله r: (أيكم مثلي! إني أبيت يطعمني ربي ويسقين)، فلما أبوا أن ينتهوا عن الوصال واصل بهم يوما ثم رأوا الهلال فقال: (لو تأخر لزدتكم) كالمنكّل لهم حين أبوا(84)، وهذا الحديث يعد أصلا في التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية التي هي من قبيل العبادات المحضة القاصرة، وما فعله النبي rمع بعض أسارى غزوة بدر الكبرى من المشركين حيث طلب منهم تعليم أبناء المسلمين الكتابة بدلا من دفع الفداء المالي، فعن عبد الله بن عباس – رضي الله عنهما – قال: كان ناس من الأسرى يوم بدر لم يكن لهم فداء، فجعل رسول الله rفداءهم أن يعلموا أولاد الأنصار الكتابة، قال: فجاء غلام يوما يبكي إلى أبيه، فقال: ما شأنك؟ قال: ضربني معلمي، فقال: يطلب بذَحْلِ بدر(85) والله لا تأتيه أبدا(86)، فهذا الحديث يفيد أن استبدال العقوبة المالية – وهي مبلغ الفداء هنا – بعمل يخدم فئة من المجتمع- وهو تعليم الكتابة للصغار – له أصل في الشريعة من فعل النبي r، فلا مانع من التعزير بذلك وأمثاله، إذا كان فيه مصلحة، وكذلك القياس على إطعام عدد من المساكين في بعض الكفارات، كإطعام ستين مسكينا في كفارة الجماع في نهار رمضان، وفي كفارة الظهار، وإطعام عشرة مساكين أو كسوتهم في كفارة اليمين، فكلا الأمرين إلزام بخدمة فئة محتاجة من المجتمع، وهي محل للتطوع، نتيجة الوقوع في مخالفة شرعية، وهذا وإن كان حكما من الله تعالى كفارة للمعصية، فإن فيه معنى العقوبة(87).

وقد قال المبيحون للأمر: إن التعزيربالأعمال التطوعية وسيلة للإصلاح وللردع والزجر والتأديب، ويصبح مدرسة لتعلم الاحتراف في الجريمة، وفيه تدريب الجاني على العمل عموما وتقبله له، مما يؤدي إلى رفع همته، وانتشال نفسيته التي قد تكون محبطة نتيجة البطالة؛ بل قد تؤدي به هذه العقوبة إلى البحث عن فرصة عمل بعد انتهاء محاكمته، بل قد يجد له فرصة في الجهة التي ألزم بالتطوع فيها نتيجة قناعة المسؤلين فيها بمهارته وجديته وانضباطه، ومن المعلوم أن البطالة من أبرز أسباب الوقوع في الجريمة وخاصة من الأحداث، وفيه إفادة المجتمع والجهات الرسمية وغير الرسمية المنوط بها أدوار خدمية عامة، كالبلديات ودور الرعاية الاجتماعية والمستشفيات ومكاتب الدعوة والجمعيات الخيرية ونحوها بتوفير عدد من الأفراد المتطوعين في خدمة المجتمع.

وهناك قول ثان يقول بعدم مشروعية التعزير بشيء من الطاعات سواء أكانت عبادة محضة أو كانت من أعمال البر التطوعية، وهذا الرأي لا يستند إلى منع الزيادة على العقوبات التعزيرية التي ذكرها الفقهاء المتقدمون في كتبهم، ولكنه يستند إلى أن مقاصد التعزير تمنع من ذلك؛ حيث إن المقصود الأعظم منه العقوبة وردع الجاني، ثم إن التعزير بالأعمال التطوعية المستحبة قد يؤدي إلى نفرة الناس منها، وعدم إقبالهم عليها، وذلك يخالف المقصد الذي هدف إليه الشارع من العبادات؛ فتتحول العبادات إلى عقوبات، كما أن العبادات تفتقر إلى النية التي لا تصح بدونها، والنية لا بد أن تكون طواعية، لا جبر، وأن هذه الأعمال ليس فيها معنى العقوبة(88)، فتمتهن هذه العبادات بتفريغها من معناها الذي شرعت لأجله، إذ إن الجاني في هذه الحالة سيستحضر ما يضاد نية العبادة عند فعله لها؛ لكونه يفعلها مكرها على سبيل العقوبة، كما أنه قد يستند في المنع إلى قاعدة (لا جريمة ولا عقوبة في التعزير بغير نص)، يُضاف إلى ذلك أنه يمكن أن يقتصر التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية التي هي من قبيل العبادات المحضة ذات النفع القاصر على الفاعل على من خفت جريمته، ولم يكن ممن تكررت منه الجريمة، واستهان بأحكام الشرع، بل غلب على الظن استصلاحه بمداومته على العبادة، وإذا سلمنا بوقوع الإشكال الشرعي في التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية – التي هي من قبيل العبادات المحضة ذات النفع القاصر على الفاعل – فإنه لا إشكال في التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية التي ليست من العبادات المحضة، مع تعدي نفعها إلى غير الفاعل، كتنظيف الطرقات أو المشاركة في تعبيدها، وحفر القبور، وتنظيف المساجد، والتدريس، وتعلم المهن والحِرَف، أو تعليمها للغير، والعمل في الجمعيات الخيرية وأقسام الطوارئ والإسعاف في المستشفيات، وخدمة المسنين والمرضى وذوي الاحتياجات الخاصة.

ولو نظرنا للواقع لوجدنا أن تطبيق المسألة لا يخلو من بعض المعوقات مثل: غياب التنصيص عليها في الأنظمة المختلفة، وغياب الآلية الواضحة التي ترسم طريق إنـزال هذه العقوبة على الواقع، وعدم قناعة البعض بها نوعا من العقاب، وغياب البحوث والدراسات التي تظهر فاعليتها وأهميتها(89)، لكننا لو نظرنا لوجدنا أن فيها بعض الفوائد، مثل: المرونة في التطبيق، وقلة التكاليف المادية، والنفع المتعدي، والمخالطة الصالحة، والاندماج مع المجتمع، والألفة مع أعمال الخير والبر، والتوافق مع الفطرة التي تدعو للخير والعمل الصالح، وإشراك المجتمع في معالجة الخطيئة واستشعارها، واكتساب المحكوم عليه خبرات ومعارف تعينه على الخروج من آثار الواقعة التي ارتكبها(90)، وبالموازنة يتبين أن الفوائد كثيرة، وخاصة إذا استطعنا أن نتغلب على المعوقات ببعض التشريعات المساندة، وبذلك يكون رأي الجواز في رأيي أرجح؛ للمصلحة العامة، مع وجود الضوابط الشرعية التي ستأتي معنا إن شاء الله.

ثانيا: المنع من السفر والإقامة الجبرية:

المنع من السفر يعتبر من العقوبات التعزيرية التي ترك الشارع الأمر فيها لولي الأمر، من حيث اختيار نوع العقوبة و مقدارها، مع اعتبار أن ذلك مبني على المصلحة الشرعية لأن تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة(91)، كما أن ما يسمى في عصرنا الحاضر بالإقامة الجبرية يعد من العقوبات التي تكون بديلة عن الحبس، والمراد بالإقامة الجبرية إلزام المحكوم عليه بالإقامة في مكان معين يحدده القاضي، فلا يتجاوزه، ولا ينتقل منه إلى مكان آخر، وهي أيضا من العقوبات التعزيرية المنوطة بتحقيق المصلحة للرعية، وتكون في الغالب عقوبة على الجرائم السياسية دون غيرها من الجرائم العادية.

ومع أن الفقهاء القدامى لم ينصوا على الإقامة الجبرية باسمها، إلا أنه بالنظر إلى حالات تحقيقها للمصلحة فإن الفقه الإسلامي يقبلها؛ لأن الشريعة تهدف إلى جلب المصالح ودرء المفاسد، وتقليل الكُلَف وتخفيف المشاقِّ(92)، فللقاضي أن يحكم بالعقوبات البديلة، متى رأى المصلحة تقتضيه، وفي العقوبات البديلة مصلحة للمجتمع؛ لا سيماوأن العقوبات التعزيرية لا نص فيها، وإنما تعود لاجتهاد القاضي، والبديل لا حصر له، وإنما يتوقف على شخصية المحكوم عليه وما يناسبه، على ألا يخلو الحكم البديل من معنى الردع والزجر لتتحقق العقوبة.

ثالثا: التعزير بالحرمان أو الفصل من الوظيفة والعمل:

المقصد من التعزير الردع والزجر والإصلاح والتهذيب، فإذا كان الحرمان أو الفصل من الوظيفة والعمل يردع العاصي ويزجره عن معصيته، ويكون فيه صلاح نفسه وتهذيبها فيكون مشروعا؛ لأنه يتحقق به المقصود من التعزير، وقد جاءت الشريعة بتحقيق المصالح ودرء المفاسد، وقد يكون هذا المفصول أداة إفساد في المنشأة التي فصل منها قبل فصله؛ فلم يكن ثمت حل لمشكلاته، ولما يسببه من إفساد إلا بالفصل، ولو قلنا بعدم جوازه لأدى ذلك إلى خراب المنشأة؛ لأن بقاءه سيؤدي إلى إفساد غيره، ومن ثم فساد المنشأة التي فصل منها، فكان الفصل هو الحل الأنسب لتقليل المفاسد وجلب المصالح، ومن كان دونه في الإفساد، فيمكن أن يردعه الحرمان، فلا يُسعى إلى المفسدة الأعلى للشَّخص، وهي الفصل، مع إمكان درء مفاسده بالأقل، وهو الحرمان.

رابعا: منها حديثا:

سحب اسمه من قائمة المتعاملين (وهذا يسمى حجرا اقتصاديا)، وبيع أملاكه، ومنع التعامل معه، والتحذير منه (وهذا ما يسمى بالمقاطعة، ولها صور متعددة)، ومنعه من التصرف في ماله وممتلكاته، ومنها شطب اسمه من هيئة كبار العلماء، وإنـزال درجته وقطع أجره من الوظيفة، ومصادرة الطعام من البائع لو كان محتكرا، وهدم بيوت الفسق والفجور، وحرق آلات الجريمة أو إتلافها أو هدمها لو بناء، والحرمان من الحقوق الوظيفية، والنفقة للزوجة والأولاد، والتهديد بصوره المختلفة، وسحب رخصة المحل أو السيارة أو المهنة….، ومنها: استحداث العقوبة في الفقه الإسلامي، وبعض العقوبات المستحدثة في مجال تنظيم الأسرة، وفي مجال تنظيم المرور والطرق، وفي مجال تنظيم مؤسسات الدولة، كما يمكن استحداث العقوبات في مجال تنظيم الفرد وحمايته، وفي مجال حماية الحريات الفردية، وفي مجال حماية الضروريات الخمس، وفي مجال تنظيم الأخلاق، وبعض العقوبات المستحدثة على النفس والعقوبات المستحدثة على المال والجرائم متعددة متشعبة ومتجددة، ويصعب حصرها وتقنينها؛ نتيجة للتطور الإجتماعي واتصال الحضارات، فأصبح العالم قرية صغيرة، فهناك على سبيل المثال لا الحصر جرائم الإنترنت وغسيل الأموال والجرائم الاقتصادية والإخلال بالسلامة العامة وإثارة الفتن وجرائم أمن الدولة، وغير ذلك من الجرائم التي لم يرد نص من الكتاب أو السنة بتحديدها أو تحديد عقوبتها، ففيهما من النصوص المرنة والقواعد الكلية من السعة ما يسوغ لولي الأمر تقدير هذه الجرائم وما يناسبها من العقوبة على ضوء الكتاب والسنة، فله بذلك سلطة موسعة (بعكس سلطته في الحدود والقصاص)، ولكنها مقيدة بقواعد العدالة، ومتناسبة مع الجريمة وعقوبتها، بحيث يقدر ما يكفي للزجر، فلا ينبغي ولا يشترط في العقاب، ولا يجعل هواه مسيطرا عليه، فيشق على رعيته.

وهذه العقوبات البديلة من باب التعزير؛ وحيث إن التعزير في الشريعة الإسلامية يدور مع المصلحة وجودا وعدما، فقد عدها بعض الباحثين من فقه المستجدات والنوازل التي تنـزل فيها النصوص على الواقعة الجديدة التي لم تكن من قبل، فيمكن لكل ولي أمر أن يوقع التعزيرات المناسبة التي تكفل صلاح المجتمع والأمة، والعقوبات البديلة، إذا كانت مستمدة من القياس الصحيح الذي لا يصادم قاعدة شرعية معروفة أو نصًا من الكتاب والسنة، فإنه يعمل بها، فالعقوبات البديلة عن الأحكام التعزيرية تأتي تحت ما يسمى بالمصلحة العامة التي جاءت الشريعة بدعمها فيما لا يخالف الأحكام المحددة شرعا، فالعقوبات البديلة لا يوجد شرعا ما يمنع من تطبيقها، لذا أرى من الضروري أن تقنن هذه العقوبات، فتقنين العقوبات التعزيرية مطلب عصري في ظل ظهور كثير من المستجدات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية، وحتى لا يحصل التفاوت الكبير بين القضاة في هذه المستجدات. وعدم تقنينها قد يؤدي إلى تعثر العقوبات البديلة، وتقدير العقوبات التعزيرية في القضاء الشرعي متروك لاجتهاد القاضي، وليس في الشرع تقييد لعقوبات محددة عدا أن هنالك عقوبات قانونية منصوص عليها في بعض الأنظمة، مثل نظام مكافحة الرشوة والتزوير والتزييف وجرائم الشيك وغيرها من الأنظمة الأخرى، التي نصت نظاما على مقدار العقوبة ونوعها وهي مقننة، والقضاة الشرعيون نجدهم يجتهدون في إيقاع العقوبة التعزيرية بما يكفل حماية المجتمع؛ جلبا للمصالح ودرءا للمفاسد؛ خاصة إذا ما أردنا حماية الأحداث من اكتساب خبرات غير سوية، والعقوبات البديلة تعتبر من الأحكام القضائية الجديدة لدى بعض القضاة التي يتوجب تفعيلها والأخذ بها؛ نظرا للحاجة الماسة للاستفادة من طاقات الشباب في خدمة المجتمع، بدلا من تعطيلها وكبتها في السجن؛ وحماية للأحداث وذوي الجنح الصغيرة من الاختلاط بأرباب السوابق والإجرام، ولا يوجد أي عقبات سوى أن تقنن الأحكام التعزيرية.

المبحث الثالث

الضوابط الفقهية للتعزير

حتى يكون التعزير عادلا، ومحققا لمصلحة الأمة لابد من ضبطه بضوابط شرعية محددة، حتى لا يتسلط أولو الأمر، ويترك لهم مجال مفتوح لدخول ذوي الأهواء، وتفسد الحياة الإنسانية بالتسلط من قبل فئة ضد فئة، كما أننا لابد أن ننظر إلى المجرم من ناحية أخرى، وهي ناحية العلاج، كالطبيب يعالج مريضه لا يبغي من وراء العلاج الموت والتلف، ومن هذه الضوابط ما يلي:

الضابط الأول:أن لا تكون العقوبة هنا مما يترتب عليه إهانة للكرامة الإنسانية، بل يجب أن تراعي كرامة الإنسان وحقوقه المشروعة في دين الإسلام، فالإسلام جعل لجنس الإنسان – أياكان مسلما أو كافرا – كرامة وحقوقا، يقول الله جل وعلا: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(93)، والمرجع في ذلك هو الشرع وكذلك العرف السائد عند الناس في البلد الذي تطبق فيه العقوبة، ونظير ذلك ما أنكره بعض الفقهاء من تسويد الوجه – أي صبغه باللون الأسود تعزيرا(94).

الضابط الثاني:ألا يترتب على هذه العقوبة مفسدة أعظم منها، كأن تكون مما يؤدي إلى الوفاة، أو إتلاف عضو أو ذهاب منفعته، وهذا متفق عليه عند الفقهاء؛ لأنه مناقض للغرض من فرض التعزير شرعا(95).

الضابط الثالث:أن تكون هذه العقوبة بقدر الجناية، ومتكافئة معها؛ انطلاقا من مبدأ العدالة الذي جاءت به الشريعة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللّهَ إِنَّ اللّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(96)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُكُمْ أَن تُؤدُّواْ الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُم بَيْنَ النَّاسِ أَن تَحْكُمُواْ بِالْعَدْلِ إِنَّ اللّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُم بِهِ إِنَّ اللّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً)(97)، وقوله تعالى: (إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ وَإِيتَاء ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)(98)، والسياسة نوعان: سياسة ظالمة، فالشرعية تحرمها، وسياسة عادلة، تخرج الحق من الظالم، وتدفع كثيرا من المظالم، وتردع أهل الفساد، ويتوصل بها إلى المقاصد الشرعية للعباد، فالشرعية يجب المصير إليها والاعتماد في إظهار الحق عليها، وهي باب واسع تضل فيه الأفهام وتزل فيه الأقدام، وإهماله يضيع الحقوق ويعطل الحدود ويجرئ أهل الفساد ويعين أهل العناد، والتوسع فيه يفتح أبواب المظالم الشنيعة ويوجب سفك الدماء وأخذ الأموال غير الشرعية، ولهذا سلك فيه طائفة مسلك التفريط المذموم؛ فقطعوا النظر عن هذا الباب، إلا فيما قل؛ ظنا منهم أن تعاطي ذلك مناف للقواعد الشرعية، فسدوا من طرق الحق سبلا واضحة، وعدلوا إلى طريق من العناد فاضحة؛ لأن في إنكار السياسة الشرعية ردا للنصوص الشرعية وتغليطا للخلفاء الراشدين وطائفة سلكت في هذا الباب مسلك الإفراط؛ فتعدوا حدود الله، وخرجوا عن قانون الشرع إلى أنواع من الظلم والبدع السياسية، وتوهموا أن السياسة الشرعية قاصرة عن سياسة الحق ومصلحة الأمة، وهو جهل وغلط فاحش، … فدخل في هذا جميع مصالح العباد الدينية والدنيوية على وجه الكمال(99)، وبناء على ذلك لا يجوز أن تعظم هذه العقوبة بحيث يقع بها الظلم على الجاني، أو أن تترتب عليها عقوبة أخرى غير مقصودة في عين تلك العقوبة، كالتشهير بالجاني، كما لا يجوز أن ينقص منها بحيث لا تؤدي الغرض المقصود، وهو التأديب والزجر والردع والإصلاح.

الضابط الرابع:أن يتناسب العمل المعاقب به مع نوع الجناية التي ارتكبها الجاني، فالتوازن بين العقوبة والجريمة مطلوب، فلا تتساوي العقوبات للجرائم المختلفة، بل يزيد ولي الأمر العقوبة المقدرة على الجريمة، بشرط ألا يسرف في العقاب، ولا يستهين فيه، وعليه أن ينظر إلى أثر هذه الجريمة في المجتمع والأمة وتكرارها وانتشارها وما تؤول إليه من فساد، وهذا أمر مقرر شرعا: (وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا)(100)، كما أنّ الجناة ليسوا على مستوى واحد، فمنهم أهل الصيانة والحياء، ومنهم من يكون في موقع المسئولية، كرجال الأمن، فينظر حال المجرم، وبناء عليه يحقق ويشدّد العقوبة…وهكذا(101).

الضابط الخامس:أن يخصص تطبيق عقوبة الإلزام بالأعمال التطوعية بالجرائم الصغيرة التي تحصل من صغار السن، أما أصحاب الجرائم الكبيرة كالتي تتعلق بالقتل أو تهريب المخدرات أو تمس أمن الدولة أو نحو ذلك، فلا تشملها، بل لها عقوباتها التي تناسبها، يقول الفقهاء: لما كانت مفاسد الجرائم بعد متفاوتة غير منضبطة في الشدة والضعف والقلة والكثرة، جعلت عقوباتها راجعة إلى اجتهاد الأئمة وولاة الأمور، بحسب المصلحة في كل زمان ومكان، وبحسب أرباب الجرائم في أنفسهم؛ فمن سوى بين الناس في ذلك وبين الأزمنة والأمكنة والأحوال لم يفقه حكمة الشرع(102).

الضابط السادس:أن يراعى أن تكون عقوبة الإلزام بالأعمال التطوعية متضمنة تكليف الجاني بالعمل في المهنة أو الحرفة التي يجيدها، فالسباك في السباكة، والنجار في النجارة، والكهربائي في الكهرباء، وفني التكييف في صيانة وتركيب المكيفات، …وهكذا؛ وذلك لتكون العقوبة أكثر إفادة للمجتمع.

الضابط السابع: ألا يتعدى أثر العقوبة إلى غير الجاني، كالحكم بقيام الجاني بحلق الرؤوس أو الحجامة ونحوها، مما يلحق معرتها أهل الجاني وأقاربه(103).

الضابط الثامن:أن يكون إيقاع العقوبة بالأعمال التطوعية عدلا، وألا تكون سببا للنفرة من العمل التطوعي، وأن يتم التنفيذ تحت إشراف قضائي، وألا يكون الضرر متعديا إلى غير الجاني، وأن يظهر منها القصد من العقاب وهو الزجر والردع والإصلاح والتهذيب(104)، فالعقوبات التعزيرية يجب أن تشرف عليها عدة جهات تعنى بالمطالبة بها، ومن ثم العمل لإيقاعها، ثم السعي لتنفيذها، ولابد من التكامل التعاوني بين هذه الجهات؛ لأنه إذا لم يحصل التنسيق والتعاون لم تتحقق النتائج، فلو طالب بإيقاع عقوبة لم يتصورها القضاء ويدرس أبعادها ونتائجها، فإنه لن يحكم بها، كما أن القضاء لو حكم بحكم لا يوجد لدى جهات التنفيذ الآلية المحققة لإيقاعه؛ فإنه لا نفاذ لهذا الحكم، ولا ثمرة له.

الضابط التاسع:أن يراعى في العقوبة التعزيرية تحقق المقاصد الشرعية من العقوبة التعزيرية وصدور التنظيمات القضائية ممن له سلطة التنظيم؛ لتكون منظمة لهذا النوع من العقوبات تنفيذا ونوعا؛ لضمان انتظام الأحكام القضائية المتعلقة بهذا النوع من العقوبات، وضمان تقاربها في التطبيق بين القضاة.

الضابط العاشر:ألا تبلغ العقوبة التعزيرية الحد في جنسها، فالجلد لا يزاد فيه عن عشر جلدات إلا في حالات معيّنة وقيل تجوز الزيادة ولكن من غير جنسها وهو اختيار بعض الحنابلة(105)، فمثلا لا يبلغ القذف بغير الزنا حد القذف ثمانين جلدة، ويجوز أن يعزر على التزوير بالجلد ثلاثمائة جلدة أو أقل أو أكثر، وقيل لا حد لأكثر التعزير(106)، كما يجب ألا تكون العقوبة في قدرها الأدنى، بحيث لا تتلاءم مع الجريمة والعوامل المؤثرة في المجازاة عليها، فيجب أن يكون وسطا متلائما مع الجريمة، فلا يزاد في التنكيل، وهو لا يستحق ذلك، ولا يبالغ في التخفيف؛ حتى يتحقق الزجر والردع للمجرم؛ وحتى لا تنتهك حرمات الله؛ وتظلم الأمة وتنشر الجرائم في المجتمع(107).

الضابط الحادي عشر:التدرج في العقوبة من الأرفق إلى الأشد، وهو مسلك رسمته الشريعة الغراء؛ استصلاحا للجاني؛ وتحقيقا للمصلحة، وأن توقع العقوبة وتقديرها؛ بشرط ألا يضار الجاني بعقوبة لا يستحقها ولا تساوي جرمه؛ فلا يجب الانتقال إلى عقوبة أشد مع وجود عقوبة أخف؛ ترتيبا شرعيا(108)، فمتى قلنا: إن الإمام مخير في صرف مال بيت المال أو في أسارى العدو أو المحاربين أو التعزير، فمعناه أن ما تعين سببه ومصلحته وجب عليه فعله، ويأثم بتركه، فهو أبدا ينتقل من واجب إلى واجب، كما ينتقل المكفر في كفارة الحنث من واجب إلى واجب، والإمام يتحتم في حقه ما أدت المصلحة إليه، لا أن هاهنا إباحة ألبتة، ولا أنه يحكم في التعازير بهواه وإرادته كيف خطر له، وله أن يعرض عما شاء ويقبل منها ما شاء، هذا فسوق وخلاف الإجماع(109).

الضابط الثاني عشر:ضبط سلطة القاضي وولي الأمر في الاجتهاد التعزيرى المعاصر، ويجب النظر في المآلات، فعلى القاضي، وهو بصدد تقدير العقوبة التعزيرية أن ينظر نظرين متوازنين: أحدهما: أن ينظر نظرا خاصا في العقوبة التي يتجه إلى تقريرها وفقا للأوضاع المعتادة. ثانيهما: أن ينظر إلى مآل هذه العقوبة لو قرّرها، فإن ظهر له بعد هذه الموازنة عدم المواءمة في العقوبة ومآلاتها أعاد النظر فيها مرة أخرى ونظر في تقرير يميّزها، مما يكون أقعد بمراعاة مآلها، وإن رأى مواءمة بينهما طبقه على الواقعة وحكم وألزم، فسلطة القاضي في التعزير للمصلحة العامة ليست تحكمية: فالحالات التي يُعزَّر فيها على فعل لم ينص على تحريمه بذاته من قبل لا يمكن حصرها، وإن القاضي ليس له أن يحكم بالعقوبة في الحالة التي تعرض عليه إلا إذا كان فيها ما يمس النظام العام أو صالح الجماعة، فإن لم تكن كذلك قضى بالبراءة، وإذا عاقب فليس له أن يعاقب إلا بإحدى عقوبات التعزير، فسلطة القاضي إذن ليست مطلقة ولا تحكمية، وإنما هي مقيدة بقيود بينتها الشريعة وأوجبت توفرها، فسلطة القاضي هنا لا تزيد شيئا عن سلطته في جرائم التعزير المنصوص على تحريمها، وكل ما يمكن قوله عن هذه السلطة أنها سلطة واسعة أعطيت للقاضي ليحسن اختيار العقوبة وتقدير ظروف الجريمة والمجرم، ولم تعط إليه ليخلق الجرائم وينشئ العقوبات، ومهما وسَّعت الشريعة من سلطة القاضي فإنها لم تخرج عن قاعدتها العامة التي تقضي بأن لا جريمة ولا عقوبة بلا نص، بل ظلت الشريعة متمسكة بهذه القاعدة، وإن طبقتها على وجه خاص في حالة التعزير للمصلحة العامة.

فللسلطان سلوك السياسة، وهو الحزم عندنا ولا تقف السياسة على ما نطق به الشرع، قلت: ولا تخرج عما أمر به أو نهى عنه(110)، والظاهر أن السياسة والتعزير مترادفان، ولذا عطفوا أحدهما على الآخر لبيان التفسير…، فالباحث المنصف الذي جمع إلى سعة المعرفة صفاء النية وبعد تفهمه لما جاء في باب التعزير يلمس بوضوح أن سلطة القاضي في تحديد وإقامة العقوبات التعزيرية ليست سلطة تحكمية؛ لأنها بإشراف ولي الأمر، وإنما هي سلطة موسعة يتمتع بها ليتمكن من مواكبة التطور بمواجهة صور الانحراف الذي تستحدث تبعا له، ليستطيع من خلالها علاج المجرم والجريمة وفق الإطار الذي رسمته الشريعة، وسارت عليه القوانين بأمر من الحاكم للدولة، فلا يجوز للقاضي أن يتعداه؛ لأن سلطته مقيدة، وليست مطلقة؛ لأنها سلطة اختيار وتقدير لا سلطة تحكم واستعلاء؛ حيث تهدف إلى تقدير خطورة الجريمة والمجرم واختيار العقوبة الرادعة والمناسبة للجريمة، وهي كفيلة لتحقيق العدالة ورفع الظلم، ولا عجب إذن أن نقول: المرونة وصلاحية القاضي في نظام التعزير يعدان من أهم الروافد للتشريع الجنائي المتطور، كيف لا وهما يستندان إلى مصادر شرعية ثابتة بالكتاب والسنة، ومنوطان بالمصلحة العامة ومصالحها المعتبرة التي تسعى لحفظ “الدين والعقل والنفس والمال والولد”، ويشهد لذلك قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلاً)(111)، فأوجب الله علينا في هذه الآية طاعته سبحانه وتعالى باتباع أوامره واجتناب نواهيه، كما أوجب علينا أيضا طاعة رسوله محمد r، وهذا واضح في سنته، وطاعته واجبة استقلالا، ثم عطف الله سبحانه على طاعته وطاعة رسوله طاعة أولي الأمر، كالأمراء والعلماء والحكام والقضاة، ولكن لم تجب طاعتهم استقلالا، بل جاءت معطوفة ومقيدة لطاعة الله وطاعة رسوله؛ لأنه لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق، وهكذا فهم السلف الصالح من هذه الأمة، وأجمعت الأمة من بعدهم على هذا بأن السلطة منوطة بالمصلحة العامة التي لا تخالف نصا من نصوص الشرع، وتكون ملائمة للشريعة، وتتجه إلى حفظ الضروريات الخمس، وبما يحقق غايات الإسلام الكبرى، حيث جعل طاعته مشروطة بطاعة الله U، فإن عمل في حدود ما أنـزل الله وجبت طاعته، وإن تجاوز هذه الحدود فلا سمع ولا طاعة(112).

وعلى هذا فإذا عُرضت الجريمة على القاضي فليس له أن يتسرع ويصدر الحكم بالعقوبة بدون ضوابط ومعايير، بل يجب عليه أن يستبعد أساسا جميع العقوبات المخالفة للشريعة مما فيها من تمثيل أو تعسف أو انتقام، كما أن عليه أن ينظر في العقوبات الشرعية، فيختار منها أكثرها وأقربها ملاءمة للجريمة والجاني وظروف المجتمع، فيقدِّر جسامة الجريمة ومدى خطورتها وتكرُّرها، كما ينظر في شخصية المجرم، فقد يكون من الجناة العتاة الذين لا يفيد فيهم ولا يصلحهم إلا القسوة في العقوبة، وقد يكون من الأشخاص الذين لم يعتادوا الإجرام، بل وقعت منه على سبيل الغلط والغفلة، فمثل هذا تكفي فيه العقوبة المخففة، بل قد يكفيه عقابا الإحضار إلى مجلس القضاء، كما ينظر كذلك إلى المجتمع من حيث تضرره بهذه الجريمة، ومن حيث العلاج والردع الذي سوف تحققه العقوبة لمريدي الإجرام.

وهكذا يستطيع القاضي أن يضع الأمور في مواضعها، فيتشدد فيما تُطلب فيه الشدة ويتساهل فيما ينبغي فيه التساهل، وكل ذلك بحسب ما يمليه عليه اجتهاده، مما هو في حدود الأصول الشرعية، فلا يختار العقوبة التعزيرية اختيارا عشوائيا، أو على حسب رغبته وهواه، كما في كفارات اليمين مثلا، والتي يختار منها الشخص واحدة مما يشاء، بل لابد أن يكون اختياره للعقوبة تدريجيا، حيث يجب عليه في البداية، وبعد ثبوت الجريمة أن يختار، فإذا أراد أن يختار وجب عليه أن يتوخى الأصلح والأنجع، ثم إذا ظهرت له واحدة من العقوبات، فعلم أنها الأصلح والأنجع فلا يتعداها إلى غيرها، بل تجب(113)، وأيضا فإن توسيع سلطة القاضي في العقوبات بإعطائه حدَّين أعلى وأدنى هو ما تتجه إليه القوانين الحديثة اليوم(114)، فقد تكون الجريمة التعزيرية من النوع الذي من جنسه الحد، فإذا كانت كذلك، فلا يجوز أن تبلغ عقوبتها الحد المقدر فيما هي من جنسه، وذلك مثل سرقة مادون النصاب، وكذلك الاختلاس والنهب، فلا يجوز أن تبلغ عقوبتها حد القطع، ومثل مقدمات الزنا لا يبلغ بها حد الزنا، ومثل المضمضة بالخمر لا يبلغ بها حد شرب الخمر، ومثل السب والشتم لا تبلغ العقوبة فيها حد القذف بصريح الزنا، ومثل تقطيع أطراف الميت أو قطع رقبته أيضا لا يبلغ بذلك حد القصاص، ونحو ذلك، وهكذا تكون الجرائم المنصوصة عقوبتها دليلا ومرشدا للقاضي في فرض العقوبات التعزيرية التي من جنسها، ولم تصل إلى مرتبتها، وهذا حتى عند من قالوا بجواز التشديد في عقوبة التعزير من حبس مؤبد أو قتل…(115).

ويرى بعض الفقهاء أن يتم تقييد سلطة القاضي في اختيار عقوبة الجريمة التعزيرية بأن توضع عقوبة أو عقوبات لكل جريمة تعزيرية بعينها، ويتم حصرها وتوزيعها على القضاة كي يطبقوها ولا يتعدوها إلى غيرها، شريطة ألا يكون في ذلك تأثير على النصوص الشرعية، وأن يُعيَّن لكل جريمة عقوبتان فأكثر حتى يستطيع القاضي إعطاء كل حالة ما يناسبها، فلا تتقيَّد سلطته تقييداً حرفيا، تمشيا مع روح التشريع الإسلامي في التجريم والعقاب التعزيري، كما ينبغي أيضا أن لا يكون هذا التحديد للعقوبات التعزيرية نهائيا، بل يتم تغييرها وتبديلها كلما جدَّت مصلحة أو دل دليل(116).

الخاتمة والنتائج والتوصيات

الحمد لله الذي بنعمته تتم الصالحات، والصلاة والسلام على أشرف الخلق وحبيب الحق، محمد r، وبعد،

فقد أتم الله تعالى على نعمته بتمام هذا البحث الذي أسأله سبحانه أن يكون خالصا لوجهه الكريم، وان ينفع به الإسلام والمسلمين، وقد توصلت من خلاله إلى عدة نتائج منها ما يلي:

أولا:اهتمام الشريعة الإسلامية بأمر التعزير، وسن التشريعات التي تكفل حفظ الحياة الإنسانية، لأن الحفاظ على الإنسان من مقاصدها الكلية الخمسة التي تجب المحافظة عليها.

ثانيا:يرجع التعزير شرعا إلى اجتهاد من له سلطة التعزير، فكلام أهل العلم متوارد على أن التعزير اجتهادي لا توقيفي، وأن ولي الأمر مخير فيه بحسب المصلحة.

ثالثا:ليس لأقل التعزير حد؛ بل هو بكل ما فيه إيلام الإنسان، من قول وفعل، وترك قول، وترك فعل، فقد يعزر الرجل بوعظه وتوبيخه والإغلاظ له في القول، وقد يعزر بهجره وترك السلام عليه؛ حتى يتوب إذا كان هذا هو المصلحة.

رابعا:التعزير على مراتب، والتسوية في العقوبات مع تفاوت الجرائم غير مستحسن، بل مناف للحكمة والمصلحة؛ فإنه إن ساوى بينها في أدنى العقوبات لم تحصل مصلحة الزجر، وإن ساوى بينها في أعظمها كان خلاف الرحمة والحكمة.

خامسا:يكون التعزير بالوعظ والتوبيخ ويكون بالحبس، ويجوز أن يصل حد التعزير إلي القتل، بشروط مخصوصة في جرائم معينة، مثل: إذا تكرر فعل الجانى وعزر، ولكنه لم يكف عن فعله، فيقتل، كالسارق إذا تكررت منه السرقة بكثرة.

سادسا:إن العقوبات التعزيرية متعددة ومتطورة، وتمتاز بالمرونة، فنجدها تناسب كل طائفة في المجتمع وكفيلة بردع الجاني، حيث تخول للقاضي أن يعزر مرتكب الجريمة بما يراه زاجرا له من العودة إليها.

سابعا: جاءت العقوبات مناسبة لكل زمان ومكان شاملة لكل أنواع الوقائع، سواء كانت عقوبات حدية محددة أم عقوبات تعزيرية واسعة، قابلة للتغيير والتنوع، بحسب أحوال الزمن والوقائع، فيحدث للناس من القضاء على وفق ما أحدثوا من القضايا، فإذا كان الشارع الحكيم قد قدر بعض العقوبات لبعض الجرائم، فقد كشف لنا المنهاج الذي يتبع بشكل عام في الجرائم والعقاب المترتب عليها حتى تكون العقوبة مانعة للإجرام، وداعية إلى الانـزجار، وباعثة على الاعتبار.

التوصيات:

أولا:إصدار قوانين تحكم التعزير؛ حتى لا يترك الأمر للأهواء الشخصية، مع وجود بدائل مختلفة.

ثانيا:أرى من الضروري أن تقنن هذه العقوبات، فتقنين العقوبات التعزيرية مطلب عصري في ظل ظهور كثير من المستجدات الاقتصادية والاجتماعية والتقنية، وحتى لا يحصل التفاوت الكبير بين القضاة في هذه المستجدات. وعدم تقنينها قد يؤدي إلى تعثر العقوبات البديلة، وتقدير العقوبات التعزيرية في القضاء الشرعي متروك لاجتهاد القاضي.

ثالثا:حتى يكون التعزير عادلا، ومحققا لمصلحة الأمة لا بد من ضبطه بضوابط شرعية محددة، حتى لا يتسلط أولو الأمر، ويترك لهم مجال مفتوح لدخول ذوي الأهواء، وتفسد الحياة الإنسانية بالتسلط من قبل فئة ضد فئة.

رابعا:عمل حسبة على من يقوم بالتعزير، ويمكن أن يتم تقييد سلطة القاضي في اختيار عقوبة الجريمة التعزيرية بأن توضع عقوبة أو عقوبات لكل جريمة تعزيرية بعينها، ويتم حصرها وتوزيعها على القضاة كي يطبقوها ولا يتعدوها إلى غيرها، شريطة ألا يكون في ذلك تأثير على النصوص الشرعية، وأن يُعيَّن لكل جريمة عقوبتان فأكثر حتى يستطيع القاضي إعطاء كل حالة ما يناسبها.


 

الهوامش

(1) سورة الفتح: من الآية: 9.

(2) انظر: معجم مقاييس اللغة، لابن فارس بن زكرياء، المحقق: عبد السلام محمد هارون، الناشر: دار الفكر، عام النشر: 1399هـ/1979م، 4/311، النهاية في غريب الحديث والأثر، لابن الأثير، الناشر: المكتبة العلمية، بيروت، 1399هـ/1979م، تحقيق: طاهر أحمد الزاوى، محمود محمد الطناحي، 3/228. المعجم الوسيط، مجمع اللغة العربية بالقاهرة، (إبراهيم مصطفى/ أحمد الزيات/حامد عبد القادر/محمد النجار)، نشر: دار الدعوة، 2/598. المفردات في غريب القرآن، للراغب الأصفهانى، المحقق: صفوان عدنان الداودي، الناشر: دار القلم، الدار الشامية، دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى، 1412هـ، ص 564.

(3) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج، للخطيب الشربيني، الناشر: دار الكتب العلميةالطبعة: الأولى، 1415هـ/1994م، 5/526، السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، لابن تيمية، الناشر: وزارة الشئون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، المملكة العربية السعودية، الطبعة: الأولى، 1418هـ، ص 79، الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، لابن القيم، الناشر: مكتبة دار البيان، ص 16.

(4) رد المحتار على الدر المختار لابن عابدين، الناشر: دار الفكر، بيروت، الطبعة: الثانية، 1412هـ/1992م، 4/60، الفروق (أنوار البروق في أنواء الفروق) للقرافي، الناشر: عالم الكتب، 4/204.

5) الفروق، للقرافي، 4/181.

6) مغني المحتاج، 5/526.

(7) والمعاصي ثلاثة أنواع: نوع فيه حد ولا كفارة فيه، كالزنا والسرقة، وشرب الخمر، والقذف. فهذا يكفيه الحد عن الحبس والتعزير. ونوع فيه كفارة، ولا حد فيه، كالجماع في الإحرام ونهار رمضان، ووطء المظاهر منها قبل التكفير، فهذا تغني فيه الكفارة عن الحد، وهل تكفي عن التعزير؟ فيه قولان للفقهاء، وهما لأصحاب أحمد وغيرهم. ونوع لا كفارة فيه ولا حد، كسرقة ما لا قطع فيه، واليمين الغموس عند أحمد وأبي حنيفة، والنظر إلى الأجنبية ونحو ذلك، فهذا يسوغ فيه التعزير وجوبا عند الأكثرين، وجوازا عند الشافعي. انظر: الطرق الحكمية في السياسة الشرعية، ص 93، 94.

(8) سورة النساء، الآية: 34.

(9) صحيح البخاري، المحقق: محمد زهير بن ناصر الناصر، الناشر: دار طوق النجاة، الطبعة: الأولى، 1422هـ، كتاب: الحدود، باب: كم التعزير والأدب، 8/174، رقم الحديث: (6848)، صحيح مسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، كتاب: الحدود، باب: قدر أسواط التعزير، 3/1332، رقم: 1708.

(10) سنن أبي داود، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا، بيروت، كتاب الصلاة، باب: متى يؤمر الغلام بالصلاة، 1/133، برقم: 495، مسند الإمام أحمد بن حنبل، المحقق: شعيب الأرنؤوط، عادل مرشد، وآخرون، الناشر: مؤسسة الرسالة، الطبعة: الأولى، 1421هـ/2001م، مسند عبد الله بن عمرو، 11/284، 285، برقم6689، وحسنه الألباني في الجامع الصغير وصححه في الإرواء. انظر: إرواء الغليل في تخريج أحاديث منار السبيل للألباني، إشراف: زهير الشاويش، الناشر: المكتب الإسلامي، بيروت، الطبعة: الثانية 1405هـ/1985م، 1/266، برقم: 247.

(11) أقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لابن الطلاع، ويقال الطلاعي، الناشر: دار الكتاب العربي – بيروت عام النشر: 1426 هـ ص 9، 10.

(12) انظر: المجموعشرح المهذب للنووي، الناشر: دار الفكر 20/ 123، فتح القدير، للكمال ابن الهمام، الناشر: دار الفكر 5/345، المغني، لابن قدامة، الناشر: مكتبة القاهرة، 9/178، تبيين الحقائق، شرح كنـز الدقائق، للزيلعي، الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية – بولاق، القاهرة، الطبعة: الأولى، 1313 هـ، 3/207، شرح الخرشي على خليل، الناشر: دار الفكر للطباعة، بيروت، بدون طبعة وبدون تاريخ، 8/110، الأحكام السلطانية للماوردي، الناشر: دار الحديث، القاهرة، ص 344، مجموع فتاوى ابن تيمية، المحقق: عبد الرحمن بن محمد بن قاسم، الناشر: مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف، المدينة النبوية، المملكة العربية السعودية، 1416هـ/1995م، 35/402.

(13) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن قيم الجوزية، تحقيق: محمد عبد السلام إبراهيم، الناشر: دار الكتب العلمية – ييروت الطبعة: الأولى، 1411هـ/1991م، 2/82.

(14) سورة الأنبياء، الآية: 107.

(15) مجموع الفتاوى، 15/291.

(16) التشريع الجنائي الإسلامي، مقارنا بالقانون الوضعي، عبد القادر عودة، 1/609.

(17) الجريمة والعقوبة في الفقه الإسلامي، للشيخ محمد أبو زهرة، ص 21.

(18) انظر: تبيين الحقائق 3/207، الأحكام السلطانية للماوردي ص 345، شرح فتح القدير، لابن الهمام، 5/345، حاشية ابن عابدين، 4/60، كشاف القناع للبهوتي، الناشر: دار الكتب العلمية، 6/121.

(19) المقاصد لابن عاشور، ص 381-382.

(20) ضوابط تقدير العقوبة التعزيرية، للشيخ عبد الله بن محمد آل خنين، مجلة القضائية، السعودية، العدد الأول، محرم 1432. ص 60 – 63.

(21) انظر: تبيين الحقائق، 3/208، بدائع الصنائع، للكاساني، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الثانية، 1406هـ/1986م، 7/65. تبصرة الحكام، لا بن فرحون، الناشر: مكتبة الكليات الأزهرية، الطبعة: الأولى، 1406هـ/ 1986م، 2/289، كشاف القناع 6/127.

(22)  انظر: مقاصد الشريعة، لابن عاشور، ص 282.

(23) انظر: مجمع الأنهر في شرح ملتقى الأبحر، لداماد أفندي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ 1/610، الفتاوى الهندية، لجنة علماء برئاسة نظام الدين البلخي، الناشر: دار الفكرالطبعة: الثانية، 1310هـ، 2/168، الدر المختار4/63، الفروق4/183، تبصرة الحكام، 2/291-292، إعلام الموقعين، لابن القيم، 2/128. قال القرافي: واعلم أن التوسعة على الحكام في الأحكام السياسية ليس مخالفا للشرع، بل تشهد له الأدلة المتقدمة، وتشهد له أيضا القواعد الشرعية من وجوه: أحدها: أن الفساد قد كثر وانتشر بخلاف العصر الأول، ومقتضى ذلك اختلاف الأحكام بحيث لا تخرج عن الشرع بالكلية؛ لقوله – صلى الله عليه وسلم – «لا ضرر ولا ضرار»، وترك هذه القوانين يؤدي إلى الضرر، ويؤكد ذلك جميع النصوص الواردة بنفي الحرج. وثانيها: أن المصلحة المرسلة قال بها جمع العلماء، وهي المصلحة التي لم يشهد الشرع باعتبارها ولا بإلغائها، ويؤكد العمل بالمصالح المرسلة أن الصحابة – رضوان الله عليهم – أجمعين عملوا أمورا لمطلق المصلحة لا لتقدم شاهد بالاعتبار، نحو كتابة المصحف، ولم يتقدم فيه أمر ولا نظير، وولاية العهد من أبي بكر لعمر – رضي الله عنهما – ولم يتقدم فيها أمر ولا نظير، … وغير ذلك كثير جدا فعل لمطلق المصلحة. وثالثها: أن الشرع شدد في الشهادة أكثر من الرواية لتوهم العداوة، فاشترط العدد والحرية، ووسع في كثير من العقود للضرورة كالعرايا والمساقاة والقراض، وغيرها من العقود المستثناة، وضيق في الشهادة في الزنا فلم يقبل فيه إلا أربعة يشهدون بالزنا كالمرود في المكحلة، وقبل في القتل اثنين، والدماء أعظم؛ لكن المقصود الستر، ولم يحوج الزوج الملاعن إلى بينة غير أيمانه، ولم يوجه عليه حد القذف، بخلاف سائر القذفة لشدة الحاجة في الذب عن الإنسان وصون العيال والفرش عن أسباب الارتياب وهذه المباينات والاختلافات كثيرة في الشرع لاختلاف الأحوال، فلذلك ينبغي أن يراعى اختلاف الأحوال في الأزمان، فتكون المناسبة الواقعة في هذه القوانين السياسية مما شهدت لها القواعد بالاعتبار، فلا تكون من المصالح المرسلة، بل أعلى رتبة، فتلحق بالقواعد الأصلية. ورابعها: أن كل حكم في هذه القوانين ورد دليل يخصه أو أصل يقاس عليه، وقد تقدم ذكرنا لكلام بعض العلماء، وهو المذهب على أنه قال: إن لم نجد في جهة إلا غير العدول أقمنا أصلحهم وأقلهم فجورا للشهادة عليهم، ويلزم مثل ذلك في القضاة وغيرهم؛ لئلا تضيع المصالح وتتعطل الحقوق والأحكام، وما أظن أنه يخالفه أحد في هذا، فإن التكليف مشروط بالإمكان، وإذا جاز نصب الشهود فسقة لأجل عموم الفساد جاز التوسع في الأحكام السياسية لأجل كثرة فساد الزمان وأهله، وقد قال عمر بن عبد العزيز: سيحدث للناس أقضية بقدر ما أحدثوا من الفجور، قال القرافي: ولا نشك أن قضاة زماننا وشهودهم وولاتهم وأمناءهم لو كانوا في العصر الأول ما ولوا ولا عرج عليهم، وولاية هؤلاء في مثل ذلك العصر فسوق، فإن خيار زماننا هم أراذل ذلك الزمان، وولاية الأراذل فسوق، فقد حسن ما كان قبيحا واتسع ما كان ضيقا، واختلفت الأحكام باختلاف الأزمان. وخامسها: أنه يعضد ذلك من القواعد الشرعية أن الشرع وسع للمرضع في النجاسة اللاحقة لها من الصغير، مما لم تشاهده كثوب الإرضاع، ووسع في زمان المطر في طين المطر (كما ذكره محمد في طين بخارى) على ما فيه من القذر والنجاسة، … ولذلك قال الشافعي: ما ضاق شيء إلا اتسع يشير إلى هذا الموطن، فكذلك إذا ضاق علينا الحال في درء المفاسد اتسع، كما اتسع في تلك المواطن. وسادسها: أن أول بدء الإنسان من زمن آدم uكان الحال ضيقا، فأبيحت الأخت لأخيها وأشياء كثيرة وسع الله تعالى فيها، فلما اتسع الحال وكثرت الذرية حرم ذلك في زمن بني إسرائيل، وحرم السبت والشحوم والإبل وأمورا كثيرة، وفرض عليهم خمسون صلاة، وتوبة أحدهم بالقتل لنفسه، وإزالة النجاسة بقطعها إلى غير ذلك منالتشديدات، ثم جاء آخر الزمان وضعف الجسد وقل الجلد، فلطف الله بعباده، فأحلت تلك المحرمات، وخففت الصلوات، وقبلت التوبات، فقد ظهر أن الأحكام والشرائع بحسب اختلاف الزمان، وذلك من لطف الله Uبعباده، وسنته الجارية في خلقه، وظهر أن هذه القرائن لا تخرج عن أصول القواعد، وليست بدعا عما جاء به الشرع المكرم. انتهى انظر: معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف: أبو الحسن، علاء الدين، علي بن خليل الطرابلسي (المتوفى: 844هـ)، الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ ص 176 – 178.

(24) تبيين الحقائق، للزيلعي، 3/208.

(25) الفروق، للقرافي، 4/183.

(26) السياسة الشرعية، لابن تيمية، ص 120.

(27) رد المحتار على الدر المختار، 5/385.

(28) إعلام الموقعين، 2/128.

(29) المرجع السابق، 2/82، 87.

(30) السياسة الشرعية، لابن تيمية، 91، 92.

(31) الطرق الحكمية، لابن القيم، ص 94، 95.

(32) فتح القدير لابن الهمام الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ5/345.

(33) انظر: رد المحتار على الدر المختار، لابن عابدين، الناشر: دار الفكر – بيروت الطبعة: الثانية، 1412هـ – 1992م 4/62، بتصرف.

(34) تبيين الحقائق شرح كنـز الدقائق وحاشية الشِّلْبِيِّ الزيلعي الحنفي الناشر: المطبعة الكبرى الأميرية – بولاق، القاهرة الطبعة: الأولى، 1313هـ، 3/207، 208.

(35) الأحكام السلطانية للفراء لابن الفراء صححه وعلق عليه: محمد حامد الفقي الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، لبنان الطبعة: الثانية، 1421 هـ – 2000 م ص 279.

(36) الموافقات المؤلف: إبراهيم بن موسى بن محمد اللخمي الغرناطي الشهير بالشاطبي (المتوفى: 790هـ) المحقق: أبو عبيدة مشهور بن حسن آل سلمان الناشر: دار ابن عفان الطبعة: الطبعة الأولى 1417هـ/ 1997م 5/233.

(37) التفسير الكبير لفخر الدين الرازي الناشر: دار إحياء التراث العربي – بيروت الطبعة: الثالثة – 1420هـ، 10/72.

(38) مغني المحتاج إلى معرفة معاني ألفاظ المنهاج للخطيب الشربيني دار الكتب العلمية الطبعة: الأولى، 1415هـ – 1994م، 5/225.

(39) الفروق، للقرافي، 4/182.

(40) سورة البقرة، الآية: 179.

(41) إعلام الموقعين عن رب العالمين، 2/79.

(42) إعلام الموقعين 2/84.

(43) صحيح مسلم، كتاب: الإيمان، باب: إطعام المملوك مما يأكل، وإلباسه مما يلبس، ولا يكلفه ما يغلبه3/1282، رقم 1661.

(44) المستدرك على الصحيحين، للحاكم تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا، الناشر: دار الكتب العلمية – بيروت، الطبعة: الأولى، 1411 – 1990، كتاب: الأحكام، 4/114، برقم: 7065، وقال صحيح الإسناد ولم يخرجاه، السنن الصغرى للنسائي، تحقيق: عبد الفتاح أبو غدة، الناشر: مكتب المطبوعات الإسلامية – حلب، الطبعة: الثانية، 1406 – 1986، كتاب: البيوع، باب: مطل الغني 7/316، برقم: 4689، وحسنه الألباني في الإرواء وصحيح الجامع. انظر: إرواء الغليل 5/259، برقم: 1434.

(45) سنن أبي داود، المحقق: محمد محيي الدين عبد الحميد، الناشر: المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، كتاب الحدود، باب الحد في الخمر، 4/163، برقم: 4478، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح 2/174، برقم: 3621.

(46) الكافي في فقه الإمام أحمد لابن قدامة الجماعيلي المقدسي، الناشر: دار الكتب العلمية، الطبعة: الأولى، 1414هـ/1994م، 4/279.

(47) المبسوط للسرخسي الناشر: دار المعرفة – بيروت الطبعة: بدون طبعة، تاريخ النشر: 1414هـ/1993م، 16/145.

(48) عن أبي حميد رضي الله عنه قال: استعمل رسول الله rرجلا من الأسد (بني أسد) يقال له ابن اللتبية على الصدقة، فلما قدم قال: هذا لكم وهذا أهدي لي، فقام رسول الله rعلى المنبر فحمد الله وأثني عليه وقال: (ما بال عامل أبعثه فيقول: هذا لكم، وهذا أهدي لي، أفلا قعد في بيت أبيه أو في بيت أمه حتى ينظر أيهدي إليه أم لا، والذي نفس محمد بيده لا ينال أحدكم منها شيئا إلا جاء به يوم القيامة يحمله على عنقه، بعير له رغاء أو بقرة لها خوار أو شاة تيعر، ثم رفع يديه حتى رأينا عُفرتي إبطيـه ثم قال: اللهم هـل بلغـت مرتين). صحيح البخاري كتاب الأحكام، باب هدايا العمال 9/ 70، رقم 7174، صحيح مسلم بشرح النووي كتاب الإمارة باب: تحريم هدايا العمال 3/ 1364، برقم: 1832. فتح الباري، لابن حجر 13/167.

(49) جمهرة اللغة، لابن دريد، المحقق: رمزي منير بعلبكي، الناشر: دار العلم للملايين، بيروت الطبعة: الأولى، 1987م، 1/277.

(50) مجموع فتاوى ابن تيمية 35/398.

(51) سورة يوسف، الآية: 33.

(52) لسان العرب، لابن منظور، الناشر: دار صادر، بيروت، الطبعة: الثالثة، 1414هـ، 13/203.

(53) سورة المائدة، الآية: 106.

(54) تفسير الإمام القرطبي، تحقيق: أحمد البردوني وإبراهيم أطفيش، الناشر: دار الكتب المصرية، القاهرة، الطبعة: الثانية، 1384هـ/1964م، 6/352.

(55) فتح القدير للشوكاني، الناشر: دار ابن كثير، دار الكلم الطيب، دمشق، بيروت، الطبعة: الأولى: 1414هـ، 2/99.

(56) المستدرك على الصحيحين، للحاكم، كتاب العلم، فصل: في توقير العالم، 1/214، برقم: 432، سنن أبي داود، كتاب الأقضية، باب الحبس في الدين وغيره، 3/314، برقم: 3630، سنن الترمذي، أبواب الديات، 4/28، برقم: 1417، وحسنه الألباني في الإرواء والمشكاة. انظر: إرواء الغليل 8/55، 56، برقم: 2397.

(57) أقضية رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لابن الطلاع، ص 9، 10.

(58) سورة المائدة، من الآية: 33.

(59) صحيح البخاري، كتاب: الحدود، باب: باب نفي أهل المعاصي والمخنثين، 8/171، برقم: 6834.

(60) سنن أبي داود، كتاب: الأدب، باب: في الحكم في المخنثين، 4/282، برقم: 4928.

(61) أقضية رسول الله r، لابن الطلاع، ص 9، 10.

(62) صحيح البخاري، كتاب المغازي ،بابحديث كعب بن مالك، 6/3،رقم الحديث 4418، ومسلم: كتاب التوبة، باب توبة كعب بن مالك وصاحبيه، 4/2120، برقم: 2769.

(63) سورة التوبة، الآية 117، 118.

(64) رواه البخاري كتاب الأدب باب الهجرة، 8/20، رقم الحديث 6073، صحيح مسلم، كتاب: البر والصلة، باب: تحريم التحاسد والتباغض والتدابر، 4/1983، رقم 2558.

(65) التعليق على السياسة الشرعية، ص334.

(66) سورة النساء، آية: 34.

(67) صحيح مسلم، المحقق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء التراث العربي، بيروت، كتاب: الحدود، باب: قدر أسواط التعزير، 3/1332، رقم: 1708.

(68) سنن أبي داوود، كتاب الجهاد، باب: في عقوبة الغال، 3/69، برقم: 2713، وضعفه الألباني في: ضعيف سنن أبي داود، 2/348، برقم: 468.

(69) جامع الفقه، 6/546.

(70) المجموع، للنووي 20/121.

(71) سورة الإسراء، من الآية: 33.

(72) صحيح البخاري، كتاب الديات، باب قول الله تعالى: (أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ وَالْعَيْنَ بِالْعَيْنِ وَالأَنفَ بِالأَنفِ وَالأُذُنَ بِالأُذُنِ وَالسِّنَّ بِالسِّنِّ وَالْجُرُوحَ قِصَاصٌ فَمَن تَصَدَّقَ بِهِ فَهُوَ كَفَّارَةٌ لَّهُ وَمَن لَّمْ يَحْكُم بِمَا أنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ)، 9/5، برقم: 6878، صحيح مسلم، كتاب القسامة والمحاربين والقصاص و الديات، باب: ما يباح به دم المسلم، 3/1302، برقم: 1676.

(73) صحيح مسلم، كتاب الإمارة، باب: حكم من فرق أمر المسلمين وهو مجتمع، 3/1480، برقم: 1852.

(74) مجموع الفتاوى، 28/109.

(75) مجموع الفتاوى، 28/113.

(76) سنن أبي داود، كتاب الزكاة، باب: في زكاة السائمة 2/101، برقم: 1575، وحسنه الألباني في صحيح الجامع وصحيح سنن أبي داود، وقال: قلت: إسناده حسن، وصححه الحاكم والذهبي وابن الجارود. انظر: صحيح سنن ابي داود، 5/296، برقم: 1407.

(77) انظر: معالم القربة في طلب الحسبة، لابن الأخوة، الناشر: دار الفنون، كمبردج، ص 194، 195.

(78) الموطأ، للإمام مالك، المحقق: محمد مصطفى الأعظمي الناشر: مؤسسة زايد بن سلطان آل نهيان للأعمال الخيرية والإنسانية، الإمارات الطبعة: الأولى، 1425هـ/2004م، كتاب الأقضية، باب: القضاء في المرفق، 4/1078، برقم: 600، سنن ابن ماجه، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، الناشر: دار إحياء الكتب العربية – فيصل عيسى البابي الحلبي، كتاب الأحكام، باب: من بنى في حقه ما يضر بجاره، 2/784، برقم: 2340، وصححه الألباني في السلسلة الصحيحة، 1/498، برقم: 250.

(79) انظر: السياسة الشرعية، لابن تيمية، ص 120.

(80) انظر: مجموع الفتاوى 23/ 108.

(81) التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية والاجتماعية، د. ناصر بن إبراهيم المحيميد، مجلة العدل، العدد 43، رجب 1430هـ.

(82) إعلام الموقعين 2/84.

(83) الفروق، 4/182.

(84) صحيح البخاري، كتاب الحدود، باب: كم التعزير والأدب، 8/174، برقم: 6851، وصحيح مسلم، كتاب الصيام، باب: النهي عن الوصال في الصوم، 2/774، برقم: 1103.

(85) قال ابن منظور: “الذَّحْل: الثأر… يقال: طلب بذحله أي بثأره”. لسان العرب، مادة «ذحل» 11/256.

(86) أخرجه الإمام أحمد في مسنده، مسند عبد الله بن العباس، 4/92، قال المحقق: حسن، علي بن عاصم -وإن كان فيه ضعف- قد توبع، ومن فوقه ثقات من رجال الصحيح. داود: هو ابن أبي هند. وأخرجه البيهقي من طريق علي بن عاصم وخالد بن عبد الله، كلاهما عن داود بن أبي هند، بهذا الإسناد.

(87) انظر: التشريع الجنائي الإسلامي، عبد القادر عودة، 1/683.

(88) التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية والاجتماعية، د. ناصر بن إبراهيم المحيميد، مجلة العدل، العدد 43، رجب 1430هـ، ص 136، 137.

(89) المرجع السابق، ص 133.

(90) المرجع السابق، ص 134، 135.

(91) السيوطي، الأشباه والنظائر، ص121.

(92) السياسة الشرعية في إصلاح الراعي والرعية، ص101.

(93) سورة الإسراء، الآية رقم 70.

(94) انظر: فتاوى ورسائل سماحة الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ، 13/67.

(95) المرجع السابق، 12/113.

(96) سورة المائدة، الآية: 8.

(97) سورة النساء، الآية: 58.

(98) سورة النحل، الآية: 90.

(99) معين الحكام فيما يتردد بين الخصمين من الأحكام المؤلف: أبو الحسن، علاء الدين، علي بن خليل الطرابلسي الحنفي (المتوفى: 844هـ) الناشر: دار الفكر الطبعة: بدون طبعة وبدون تاريخ، ص 169.

(100) سورةالشورى، من الآية: 40.

(101) ضوابط تقدير العقوبة التعزيرية، للشيخ عبد الله بن محمد آل خنين، مجلة القضائية، السعودية، العدد الأول، محرم 1432.ص 100.

(102) إعلام الموقعين، 2/84.

(103) ضوابط تقدير العقوبة التعزيرية، للشيخ عبد الله بن محمد آل خنين، مجلة القضائية، السعودية، العدد الأول، محرم 1432. ص 93.

(104) التعزير بالإلزام بالأعمال التطوعية والاجتماعية، د. ناصر بن إبراهيم المحيميد، مجلة العدل، العدد 43، رجب 1430هـ. ص 132.

(105) انظر: الإنصاف 10/ 248، الطرق الحكمية، ص 147.

(106) إعلام الموقعين، 2/48.

(107) ضوابط تقدير العقوبة التعزيرية، للشيخ عبد الله بن محمد آل خنين، مجلة القضائية، السعودية، العدد الأول، محرم 1432هـ. ص 78، 88.

(108) المرجع السابق، ص 96، 97.

(109) الفروق، 4/182.

(110) كشاف القناع عن متن الإقناع، منصور بن يونس بن صلاح الدين بن حسن بن إدريس البهوتى، الناشر: دار الكتب العلمية، 6/127.

(111) سورة النساء: 59.

(112) صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب قول الله تعالى: (أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ)، 9/61، برقم: 7137.

(113) الفروق للقرافي 4/182، السياسة الشرعية لابن تيمية ص 56، التشريع الجنائي الإسلامي، 1/148و630.

(114) التشريع الجنائي الإسلامي، 1/162.

(115) مجموع الفتاوي، لابن تيمية 28/108.

(116) الجريمة، لأبي زهرة ص131، التشريع الجنائي الإسلامي، لعبد القادر عودة، 1/ 630.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر