المقدمة:
على الرغم من غنى العلوم في التراث الإسلامي، إلا أن علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) لم يلق الاهتمام في الدوائر العلمية والبحثية العربية والإسلامية، كما هو الحال في المؤسسات العلمية الغربية وباحثيها، سواء في البحوث الميدانية التطبيقية، أو في الدراسات الأكاديمية، كالدراسات الفلسفية، والنفسية، والتربوية.
كما وأن نظرية النشوء والارتقاء، وكون الأنثروبولوجيا أداة من الأدوات المهمة التي خدمت الاستعمار في طريقه التوسعي، وأسباب أخرى، هي التي شكلت الحساسية من هذا العلم، لذا فلابد أن يدرس علم الإنسان في المجتمع العربي باعتباره موضوعاً للمعرفة الأنثروبولوجية، وأنه تراث متعدد الأوجه، يرتبط بترسيخ الأخلاق في النفوس، بتلاؤم الناس، أو اختلافهم، وبإنتاج معارف مناسبة.
وعلى الرغم من اعتراف بعض مفكري أوربا بتأثير التراث الحضاري العربي الإسلامي على الحضارة الغربية، إلا أنه ساد اتجاه ناكر ومتنكر لهذه الحقيقة التاريخية، من خلال السعي نحو طمسها، أو التقليل من شأنها، وقد دعم هذا الاتجاه حركة الاستعمار الأوروبي للعالمين العربي والإسلامي، مؤكداً عجز العرب والمسلمين عن الابتكار والإبداع، والإسهام في ركب الحضارة الإنسانية، الأمر الذي يجعل من (التغريب) أمراً ضرورياً لمواكبة تطورات العصر الحديث.
ونحن وفي هذا البحث المتواضع سوف نحاول أن ندرس أبرز معالم هذا العلم في محاولة ليس منشؤها (أسلمة المعرفة) بل من أجل ترسيخ حقيقة كون الدين الإسلامي كان ولا يزال الرائد في كثير من العلوم والمعارف.
وسوف نحاول أن نبين ونوضح هذا البحث بأبسط الطرق الممكنة داعين من المولى العزيز القدير أن يوفقنا لكل ما به الخير والصلاح، إنه نعم المولى ونعم النصير. والحمد لله رب العالمين.
تعريف الأنثروبولوجيا:
وهنا سوف نحاول الوقوف على تعريف هذا المصطلح للوقوف على ماهيته وحقيقته، فنقول:
الأنثروبولوجيا هي: علم الإنسان، وقد نحتت الكلمة من كلمتين يونانيتين هما (anthropos) ومعناها “الإنسان”، و(logos) ومعناها “علم”، وعليه فإن المعنى اللفظي لاصطلاح الأنثروبولوجيا (anthropology) هو: علم الإنسان(1).
و تعرف الأنثروبولوجيا تعريفات عدة أشهرها:
1- علم الإنسان.
2- علم الإنسان وأعماله وسلوكه.
3- علم الجماعات البشرية وسلوكها وإنتاجها.
4- علم الإنسان من حيث هو كائن طبيعي واجتماعي وحضاري.
5- علم الحضارات والمجتمعات البشرية(2).
وقد عرفته عالمة الأنثروبولوجيا الشهيرة (مارغريت ميد)(3) بقولها: (أن الأنثروبولوجي يحاول وصف الخصائص الإنسانية، والبيولوجية، والثقافية للجنس البشري عبر الأزمان، وفي مختلف المناطق، ويحلل الصفات البيولوجية والثقافية والمحلية كأنساق مترابطة ومتغيرة، كما يصف ويحلل النظم الاجتماعية والتكنولوجية، ويبحث الإدراك العقلي للإنسان وابتكاراته ومعتقداته ووسائل اتصالاته)(4).
وعرفه شاكر مصطفى سليم بأنه: (علم دراسة الإنسان طبيعياً واجتماعياً وحضارياً)(5).
وتُعرف الأنثروبولوجيا بأنها العلم الذي يدرس الإنسان من حيث هو كائن عضوي حي، يعيش في مجتمع تسوده نظم وأنساق اجتماعية في ظل ثقافة معينة، ويقوم بأعمال متعددة، ويسلك سلوكاً محدوداً، وهو أيضاً العلم الذي يدرس الحياة البدائية، والحياة الحديثة المعاصرة، ويحاول التنبؤ بمستقبل الإنسان معتمداً على تطوره عبر التاريخ الإنساني الطويل، ولذا يعتبر علم دراسة الإنسان (الأنثروبولوجيا) علماً متطوراً، يدرس الإنسان وسلوكه، وأعماله(6).
وعلم الأنثروبولوجيا: ذلك العلم الشمولي الذي يدرس الإنسان وأعماله، الذي تتمحور أبحاثه حول طبيعة الإنسان كمخلوق ينتمي إلى العالم الحيواني، وإنه الوحيد الصانع للثقافة، ومبدعها، والقادر على التعبير عما يجول في داخله بكلمات منطوقة مُرمَّزَة، والقادر على التفكير المجرد، والعيش ضمن جماعة، يرتبط أفرادها بروابط اجتماعية، وثقافية، وروحية غير ثابتة، لارتباطها بظروف موضوعية متنوعة، ومتحركة، تحيط بهذه الجماعة أو تلك التي تختلف في الزمان والمكان، والتي تنعكس بدورها على تلك الروابط، مما يجعلها تتباين شكلاً ومضموناً(7).
ويطلق على هذا العلم عدة مسميات هي: (الأنثروبولوجيا)، و(علم الإنسان)، و(علم الإناسة).
إذن فعلم الأنثروبولوجيا يدرس الإنسان بكونه أحد أفراد مملكة الحيوان، ويدرس سلوك الإنسان في المجتمع، والأشكال الأولى للإنسان، والمجاميع الأولى لبني البشر، كما وتحاول الأنثروبولوجيا كشف وتوصيف المعايير الفيزيقية التي تميز الجنس البشري عن سائر الكائنات الحية الأخرى، وفق دراسات ذاتية ومقارنة حتى داخل الأسرة الواحدة(8).
ولابد أن نعلم أن علم الاجتماع والأنثروبولوجيا علمان متقاربان متشابهان، بحيث لا يمكن للباحث الفصل أو التمييز بين هذين العلمين لدرجة تقاربهما، ولمن أراد التفريق بينهما مراجعة الكتب المختصة في ذلك(9).
بل إن علم الأنثروبولوجيا تندرج فيه كل العلوم التي لها صلة بالإنسان، فهو العلم الشامل لكل ما يختص بالإنسان.
وهذه الشمولية تُستمد من خلال فروع الأنثروبولوجيا المختلفة، والتي تشكل جسراً بين العلوم الاجتماعية، والإنسانية، والطبيعية، والطبية، وغيرها من العلوم(10).
ومهمة الأنثروبولوجيا الأساسية هي تمكيننا من فهم أنفسنا عن طريق فهم ثقافتنا بالإضافة للثقافات الأخرى، وينصب اهتمامه على عوامل الوحدة، والاختلاف في المجتمع البشري، لكي نقدر أن نفهم بعضنا.
الأنثروبولوجيا من حيث التاريخ:
الظهور الاصطلاحي:
لقد ظهر مصطلح (الأنثروبولوجيا) في بريطانيا عام (1593م)، وكان المقصود به دراسة الإنسان من جميع جوانبه الطبيعية والسيكولوجية والاجتماعية، وظل يحمل معنى الدراسة المقارنة للجنس البشري، ويحاول أصحاب هذا العلم دراسة الإنسان وكل أعماله، أي كل منجزاته المادية والفكرية، أي الدراسة الشاملة للإنسان، أما كعلم إنسان مختص لم يعرف في الغرب إلا منذ قرنين من الزمان، وإن الأنثروبولوجيين الغربيين، ولا سيما الأوربيون منهم، يرون أن الأصول النظرية الأساسية لعلم الأنثروبولوجيا ظهرت إبان عصر (التنوير) في أوربا، أي في (عصر النهضة) حيث تمت كشوفات جغرافية، وثقافية، وصناعية كثيرة داخل أوربا وخارجها.
وبذلك نعلم أن علم الأنثروبولوجيا – بما يحمل المسمى من معنى – علم حديث العهد إذا ما قيس ببعض العلوم الأخرى كالفلسفة والطب و الفلك وغيرها.
وعن كلمة (أنثروبولوجيا) يذكر الباحث الفرنسي (جان بوارييه): (إنها ظهرت أولاً في كتابات علماء الطبيعة إبان القرن الثامن عشر لتعنى بدراسة التاريخ الطبيعي للإنسان)(11).
أما عن فروع (الأنثروبولوجيا) المتعددة فلم يشهد هذا العلم قبل النصف الثاني من القرن العشرين تقسيمات، أو فروعاً متعددة، إذ كانت قبل ذلك خاصة بالباحث، والعالم المتخصص بهذا العلم، ومع انطلاقها في الستينات من القرن العشرين أخذت تتبلور حتى وصلت إلى أن تكون علمًا مستقلاً له خصوصيته ومعالمه وأهدافه، لذا فقد شهد القرن العشرين مراحل تكوين الأنثروبولوجيا وتطويرها لتصبح كياناً أكاديمياً، ومهنة عند الكثير من العلماء.
الأنثروبولوجيا من حيث المحتوى والحقيقة:
أما من حيث المحتوى، ألا وهو دراسة الإنسان وكل ما يتعلق به، ودراسة المجتمع، والبحث في الشؤون الإنسانية، والمجتمعات البشرية القديمة قدم الإنسان، وذلك مذ وعى الإنسان ذاته وبدأ يسعى للتفاعل مع بيئته ومجتمعه وأبناء جنسه.
إن الاهتمام بالإنسان، وبكل ما يختص به هو محور الديانات، ورسالات الأنبياء والمرسلين (عليهم السلام)، والكتب السماوية، لكن وبما أن الكثير من التحريف والتزوير قد طرأ على الرسالات والكتب السابقة، فلم يبق لنا إلا مصدر واحد (لا يَأْتِيهِ الْباطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلا مِنْ خَلْفِهِ تَنـزيلٌ مِنْ حَكِيمٍ حَمِيدٍ) (فصلت: 42)، ألا وهو (القرآن الكريم)، وبذلك يصبح علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) علمًا إسلاميًا بامتياز، وضع أسسه القرآن الكريم، ووضحت هذه الأسس في الأحاديث الشريفة للنبي محمد (صلى الله عليه وآله وسلم)، ثم امتاز به الرحالة والمستكشفون والبلدانيون المسلمون، والذين جابوا مختلف الأصقاع من أجل البحث والتنقيب والمقارنة بين المجتمعات البشرية، وبذلك كانوا أنثروبولوجيين بمعنى الكلمة قبل أن يظهر هذا المصطلح في أوروبا.
ولقد قام هؤلاء العلماء المسلمون برحلاتهم اهتداءً واقتداءً بقوله تعالى: (قُلْ سِيرُوا فِي الأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ بَدَأَ الْخَلْقَ) (العنكبوت:20).
وقوله تعالى: (وَمَنْ يُهاجِرْ فِي سَبِيلِ اللهِ يَجِدْ فِي الأَرْضِ مُراغَماً كَثِيراً وَسَعَةً) (النساء:100).
لذا فقد طاف العلماء المسلمون العالم، ودرسوه جيداً، وسجلوا ودونوا كل شيء عن شعوبه، لذا فإن أسس وأهداف الأنثروبولوجيا الحديثة قد حقق أهدافها العلماء المسلمون قبل أن يظهر هذا المصطلح، وقبل أن يصبح علمًا واختصاصًا تُساق له النظريات، وتُكتب حوله الأبحاث، وله فروعه، واختصاصاته في الكليات، والجامعات.
نحو علم إنسان إسلامي:
لابد على الباحث في علمٍ ما، أو من يريد تأصيلِ علمٍ ما أن يراعي عدة أمور، هذه الأمور في الحقيقة هي (العوائق) التي تقف في وجه التقدم والتطور العلمي، وقد وضع هذه العوائق، أو أسس لها، أو جاء بها ما يسمى بـ (النخبة المثقفة) في وجه جميع العلوم عموماً، وفي وجه (علم الإنسان) خصوصاً، بقصد، أو بسذاجة، أو بسبب التماهي، ومن هذه العوائق:
1- تقليد الغرب في مجال العلم، ونظريات العلوم بحسب التأثر الأيديولوجي، والذي يتزعمه تياران رئيسيان هما (التيار الماركسي)، و(التيار الليبرالي)، وبالتالي يأتي المتماهي بشيء مقارب أو موافق أو مطابق لإحدى هذه النظريات وكأنه جاء بشيء جديد، وكأن الذي جاء به هو العلم وما دونه الجهل.
فـ (مما يؤسف له أن الكثير من النظريات و المفاهيم التي تولت دراسة مجتمعاتنا لم نقم بها، بل نعول فيها على غيرنا، ومدارسنا تعتمد على الجاهز، وليس على توظيف رأس المال الحقيقي…)(12).
2- مراوحة (العالِم)، أو (المنظر)، أو (صاحب الاختصاص)، أو (المعلم) على نفس المنهج الذي دَرسه، والذي يُدرسه، بدون أن يظهر أي عنصر تطوري، أو إبداعي، أو تجديدي متمخض عن فهم للعلوم التي حفظها عن ظهر قلب، والتي يسمى بإنه (مختص بها)، أو (صاحب اختصاص).
3- النقل، والتفريع، أو بالأحرى (الاجترار) من المدارس، والنظريات الأخرى (السابقة) (القديمة)، وقولبتها في قوالب معينة معدة مسبقاً، هي في الحقيقة بعيدة كل البعد عن الواقع، وعن التطور الزماني، والمكاني، والبشري (الحضاري).
4- عدم وجود تيار ثقافي يهتم بدراسة مُثل وقيم المجتمع الإسلامي الحقيقي داخل المجتمعات المسلمة، بل نرى استعمالاً مفرطاً للنماذج الغربية بما فيها من قيم وآراء، ومعتقدات بعيدة كل البعد عن واقع المجتمع الإسلامي ومبادئه، وأسسه، وأعرافه. بل إن هناك الكثير من الآراء، والمعتقدات الموجودة في المجتمع الغربي هي وليدة ظروف معينة لا يوجد مثيل أو مطابق لها في المجتمعات الإسلامية لكي نأتي بها كـ (العلمانية) مثلاً.
هذا من جانب، أما من الجانب الآخر، ألا وهو الدعوة لـ (أسلمة العلوم) فهذا ليس بالشيء الصعب، ولا بالمستحيل، ولا بالبعيد المنال، فتعتبر محاولات السيد محمد باقر الصدر (رحمه الله) الأساس والمنطلق في هذا المضمار، وقد تجلى ذلك واضحاً في كتابيه (فلسفتنا)، و(اقتصادنا)، وكذلك محاولات الشيخ مرتضى المطهري (رحمه الله). لذا ومن اللزام علينا أن نجعل هذه المحاولات، وغيرها المنطلق لحركة علمية هــدفها (أسلمة العلوم والمعارف). وفي هذا الصدد فلابد لنا أن نعلم أن (علم الإنسان الإسلامي) غير موجود في عـالمنا، وإننا نفتقر إلى دراسات رصينة في مجال (الأنثروبولـوجيا).
يقول الأستاذ (تقي زادة) مسؤول مركز الدراسات الشيعية: (إن مسألة المعتقدات مثلاً تدرس لكن بأسلوب اجتماعي علمي، في مضمار كلامي، وهنا يكمن النقص في ذلك، كذلك الحال بالنسبة للمطالعات في الفقه والحديث والفلسفة والعرفان، لكن هناك مجالات مفتقدة كعلم الاجتماع مثلاً، أو علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) الشيعية، فلا يوجد لها حيز في الحوزة إطلاقاً، وليست الحوزة وحدها، بل في جميع مؤسسات البلد، وبعد عامين أو أقل وصلت إلى نتيجة تقول؛ إنه لا يوجد أي بلد يمارس هذا العمل أساساً…)(13).
وهذا ما يبرزه الواقع، نعم (لقد ظل علم الإنسان الغربي ردحاً من الزمن أسير نظرة ثقافية محدودة إلى الحقائق والإنسان، حتى أنه لم يكن يعرف معنى الإنسان إلا من خلال الرؤية الثقافية الغربية العوراء التي لا مصدر لتكوينها إلا الوجود الحسي، وأما الوحي وهو المصدر الأهم للمعرفة عند الإنسان المسلم فلم تكن ترى فيه مصدراً للمعرفة أو الثقافة، ولا تزال هذه الرؤية الخاطئة هي المسيطرة حتى الآن)(14).
فالواجب على (أصحاب الاختصاص)، و(أصحاب القرار) أن يقدموا علم إنسان إسلامي من خلال النظرة الإلهية لهذا الكائن، والمتجسدة بكتاب الله تعالى (القرآن الكريم)، وعلى (علماء الإنسان) المسلمين أن يقدموا هذا العلم بنظرة ومنهجية قرآنية، والتي قوامها تكريم الإنسان، ورفع مكانته، فهو خليفة الله في أرضه، وحامل الأمانة الإلهية، وسيد جميع المخلوقات، والمتسلط على جميع الموجودات.
و(على علم الإنسان أن يدرس من جديد الحقائق الأولية البسيطة في المعرفة، وهي ذاتها الحقائق الأولى في الإسلام فالله – جل ثناؤه – واحد، والحقيقة واحدة، وبنو الإنسان جنس واحد)(15).
وعلينا أن نراعي في دراسة أي علم بشكل عام، وفي علم الإنسان بشكل خاص (مصادر المعرفة)، وأهم هذه المصادر هو (الوحي الإلهي)، (كلام الله تعالى)، (القانون الإلهي) الذي وضعه الله تعالى للبشر، والمتمثل بـ (القرآن الكريم).
لذا فإنه (يمكن أن نُعرِّف علم الإنسان الإسلامي بصفة عامة بأنه دراسة المجتمعات الإسلامية على يد علماء ملتزمين بالمبادئ التي تمكننا من إعطاء دراستنا للمجتمعات القبلية والقروية الصغيرة، مكانها داخل الإطار الأكبر للدراسات التاريخية والفكرية للإسلام… وبذا فإننا لا نستبعد غير المسلمين من تلك الدراسة… إن المسلم من وجهة النظر المثالية يعيش حياته طبقاً لما أمر به الله جل ثناؤه، ولكن من وجهة النظر العملية فإنه قد لا يفعل ذلك…)(16).
وإن (القرآن الكريم) و(مبادئ الدين الإسلامي) قد أكدت على أن الفرد المسلم يبقى جزءاً من الجماعة والأمة التي هو تابع لها، وإن أي تعبير أو تصرف مخالف منه يكون مدعاة استهجان تلك الجماعة.
يعتبر (علم الإنسان) من الأدوات المهمة في دراسة المجتمع الإسلامي، فيمكن لهذا العلم أن يقدم المساعدة الكبيرة في فهم المشكلات الاجتماعية، وانعكاساتها على الجوانب الأخرى، ووضع الحلول لها.
ولابد أن نعلم أن المسلمين لا يعيشون وسط فراغ، أو بعيدين عن غيرهم، أو إنهم فقط سكان هذا الكوكب، بل إنهم يعيشون في وسط اجتماعي كبير، وفي عالم واسع تنعكس تأثيراته عليهم على مستويات متنوعة ومختلفة منها الداخلي، ومنها الخارجي، ومنها المتسامح، ومنها المحايد، ومنها العدائي، فلا يمكن أن نجعل أمزجة الناس واحدة، فهم بالأساس متنوعون، ويتنوعون أكثر فأكثر من حيث الانتماءات المختلفة، وهذا التنوع يخلق – وبنسبة ما -الاختلاف، ومع عدم إيجاد الحلول، أو المبادرة إليها تزداد الخلافات، وتتوسع، وتكبر حتى تصل إلى المواجهات، والحروب، والإبادة، وهذا ما تجلى واضحاً في الحربين العالميتين (الأولى) و(الثانية) إذ وجدنا أبناء البلد الواحد، بل المذهب الواحد يحارب بعضهم البعض الآخر بشكل بعيد كل البعد عن الإنسانية.
وإذا كانت المهمة الأولى والرئيسية لـ (علم الإنسان) هي مساعدتنا على فهم أنفسنا، وأن نصل إلى أن الناس جميعاً في جوهرهم وحدة واحدة، فهذا هو هدف (الإسلام)، والذي بينته آيات القرآن الكريم، والأحاديث الشريفة.
ونرجع ونقول وعلى الرغم من غنى العلوم في التراث العربي، إلا أن علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) لم يلق الاهتمام في الدوائر العلمية، والبحثية العربية، كما هي الحال في المؤسسات العلمية الغربية وباحثيها، سواء في البحوث الميدانية التطبيقية، أو في الدراسات الأكاديمية، كالدراسات الفلسفية، والنفسية، والتربوية.
إن نظرية النشوء والارتقاء، وكون الأنثروبولوجيا أداة من الأدوات المهمة التي خدمت الاستعمار في طريقه التوسعي، وأسباب أخرى هي التي شكلت الحساسية من هذا العلم، لذا فلابد أن يدرس الإسلام في المجتمع العربي باعتباره موضوعاً للمعرفة الأنثروبولوجية، وأنه تراث متعدد الأوجه، يرتبط بترسيخ الأخلاق في النفوس، بتلاؤم الناس، أو اختلافهم، وبإنتاج معارف مناسبة.
إن مجال الأنثروبولوجيا واسع سعة الحياة، ويشمل الكثير من مظاهر الحياة الفكرية باتجاهاتها وتياراتها ومذاهبها العديدة، وهو الأمر الذي لم يفهمه الكثيرون من الأنثروبولوجيين في العالم العربي، ممن ضاقت آفاق أفكارهم بحيث انحصرت في عدد من الموضوعات التقليدية، لا يكادون يخرجون عنها، دون أن يجدوا في أنفسهم الجرأة الكافية على ارتياد ميادين المعرفة المختلفة، المتنوعة، والمتباينة، وقد يكون ذلك راجعًا إلى ضعف في الإعداد العلمي والتكوين الثقافي، وعدم إدراك مدى اتساع البحث، ولكنه يرجع بلا شك وفي المقام الأول إلى قصور في ملكة التخيل، وإلى الخوف من الانطلاق والمبادرة(17).
وعلى الرغم من اعتراف بعض مفكري أوروبا بتأثير التراث الحضاري العربي الإسلامي على الحضارة الغربية، إلا أنه ساد اتجاه ناكر ومتنكر لهذه الحقيقة التاريخية، من خلال السعي نحو طمسها، أو التقليل من شأنها، و قد دعم هذا الاتجاه حركة الاستعمار الأوربي للعالمين العربي والإسلامي، مؤكداً عجز العرب والمسلمين عن الابتكار والإبداع، والإسهام في ركب الحضارة الإنسانية، الأمر الذي يجعل من (التغريب) أمراً ضرورياً لمواكبته تطورات العصر الحديث.
فمن الضروري دراسة التراث العربي / الإسلامي دراسة علمية متأنية، لاسيما تلك الأعمال ذات الصلة بالأنثروبولوجيا، من أمثال: (مؤلفات إخوان الصفا، وكتاب الحيوان للجاحظ، وكتابات أحمد بن مسكويه الخاصة بآرائه عن النشوء وتحول الأحياء بعضها من بعض) وغيرها الكثير.
يقول المؤرخ العربي (جمال الدين الشيال): (انقلب الأوربيون إلى ديارهم بعدما منوا بالهزيمة في الحرب الصليبية، وقد بهرتهم أنوار الحضارة العربية الإسلامية وأخذوا مفاتيح تلك الحضارة، فتفرغوا لها… يقتبسون من لآلئها وينقلون آثارها، ويدرسون توليفاتها، وقد ساعدتهم عوامل أخرى، جغرافية، وتاريخية، واجتماعية، واقتصادية، على أن يسيروا بالحضارة في طورها الجديد، على طريقة جديدة تعتمد أكثر ما تعتمد على التفكير الحر أولاً، وعلى الملاحظة والتجربة والاستقراء ثانياً، فمهد هذا كله لهم السبيل إلى كشوف علمية جديدة شكلت الطلائع لحضارة القرنين التاسع عشر، والعشرين… كان الأوربيون يفعلون هذا كله، في حين كان الشرق – بما فيه العالم العربي – قد اتخذ لنفسه، أو اتخذ له القدر، أسلوباً آخر من الحياة، يختلف كل الاختلاف عن الأسلوب الذي اصطنعته أوربا لنفسها، أو اصطنعه القدر لها)(18).
لذا يقول الشيخ النائيني(19) (رحمه الله): (فإن المطلعين على تاريخ العالم يعلمون بأن الأمم المسيحية والأوربية لم يكن لها قبل الحروب الصليبية أي نصيب من العلم والمدنية والنظم السياسية… فأخذوا الأصول الإسلامية في حقلي التمدن والسياسة من الكتاب، والسنة، ومن خطب ومواقف أمير المؤمنين “عليه السلام”. وقد اعترفوا بذلك في تواريخهم السابقة منصفين… وأعلنوا أن جميع ما حصلوا عليه من الرقي والتقدم، وما وصل إليه المسلمون في أقل من نصف قرن، كان نتيجة للالتزام بتلك المبادئ واتباعها. إن حُسن ممارسة الأوربيين لهذه المبادئ، وجودة استنباطهم واستخراجهم لها، وبالمقابل السير القهقرائي للمسلمين ووقوعهم تحت نير الاستعباد المذل، وتحولهم إلى أسرى بأيدي طواغيت الأمة المعرضين عن الكتاب والسنة هو الذي آل بأمر الطرفين إلى ما نشاهده اليوم، حتى نسي المسلمون تلك المبادئ، وأخذوا يظنون أن تمكين النفوس لتلك العبودية، وذلك الاسترقاق هو من وحي الإسلام، واستنتجوا أن هذا الدين ينفي التمدن والعدالة اللذين يمثلان أساس الرقي، وحسبوا أن الإسلام يخالف العقل، وأنه أساس الانحطاط والتخلف)(20).
وهذا ما يؤكده أستاذ التاريخ والعالم الإنكليزي (ج. هرنشو): (فكذلك الصليبيون، خرجوا من ديارهم لقتال المسلمين فإذا هم جلوس عند أقدامهم يأخذون عنهم أفانين العلم و المعرفة…)(21).
ومن كل ما تقدم فلابد لنا من العمل على صياغة وتأسيس (علم إنسان إسلامي) بامتياز، يكون بعيداً عن المؤثرات الداخلية، والخارجية، ونابعاً من رحم الدين الإسلامي الأصيل، أساسه (القرآن الكريم)، و(الأحاديث الشريفة).
القرآن وعلم الإنسان:
وهنا لابد أن نقف على أمر مهم، وحقيقة مهمة جداً ألا وهي؛ إن علم الإنسان القرآني هو العلم الذي يتخذ من القرآن مرجعاً ومنطلقاً مؤسساً لكل ما يتعلق ببني الإنسان، كل ذلك من أجل صياغة تصور جديد وحقيقي نابع من الواقع ومبعد لهيمنة النظريات المادية على هذا العلم بما يرجعه إلى حظيرته الأولية والحقيقية، وبما يحفظ للإنسان خصوصيته وكرامته وموقعه الحقيقي، وما التعدد الشكلي واللوني واللساني والثقافي والمعيشي إلا عنصر تنوع وإثراء وقوة للحضارة البشرية.
قال تعالى: (وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (الروم :22).
إن مسألة اختلاف الألوان، واللغات، وغيرها، وإن سبب ذلك يرجع إلى اختلاف الدماء هو مبني على نظرية (النشوء والارتقاء)، وقضية التطور في الأنواع، القائلة بانتهاء النسل في كل لون إلى غير ما ينتهي إليه نسل اللون الآخر، وبذلك يصبح لكل نوع أب رئيسي، أو (آدم) خاص بهم.
أما القرآن الكريم فظاهر آياته تشير إلى أن هذا النسل الحاضر من الإنسان – في كل مكان – ينتهي إلى ذكر وأب واحد سماه الله تعالى في كتابه (آدم)، وإلى أنثى وأم واحدة لم يسميها تعالى في كتابه، ولكن الروايات تسميها (حواء).
إن السبب الأساسي والرئيسي في جعل القرآن مرجعاً لتأصيل علم الإنسان (الأنثروبولوجيا) لكونه كتاب الإنسانية الخالد، والمرجعية الربانية في العقيدة والشريعة والسلوك، ولأن الدين الإسلامي هو دين الفطرة الإنسانية.
(فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (الروم :30).
إن دراسة الإنسان من منطلق قرآني يمثل النظرة الحقيقية والموضوعية للمراد الإلهي، والنظرة الإلهية لبني البشر، نظرة الخالق، نظرة العارف والعالم بالجنس البشري المستوعبة لدقائق الأمور، ولأساسيات الخلقة، النظرة الشاملة والواضحة والمتوازنة المندرجة ضمن نظام دقيق لتسيير المخلوقات ليس فيه أي خلل أو قصور، ولا يعتريه العطب أو التعب أبداً.
(سُبْحانَ الَّذِي خَلَقَ الأَزْواجَ كُلَّها مِمَّا تُنْبِتُ الأَرْضُ وَمِنْ أَنْفُسِهِمْ وَمِمَّا لا يَعْلَمُونَ) (يس:36).
إن مسألة التواصل، والتلاقح الثقافي هو منهج هدفه إزالة السلبيات، والرجوع إلى قاعدة الأصل الواحد التي نادى بها الإسلام عن طريق كتابه الذي يعتبر الدستور الإنساني.
(يا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ واحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْها زَوْجَها وَبَثَّ مِنْهُما رِجالاً كَثِيراً وَنِساءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَساءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحامَ إِنَّ اللهَ كانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) (النساء :1).
إن القضية هي تلاقح الثقافات والحضارات، ونفي السلبيات، وإزالة الفوارق، ودعم الإيجابيات، وتنمية عمل الخير، ونشر المحبة والألفة والسلام، إذ إن ما يجمع البشر هو أكثر مما يفرقهم، وما تنوع الأجناس، والألوان، واللغات إلا آية من آيات الله تعالى، وما وضعها الله تعالى إلا لحكمة بالغة هدفها الوصول إلى التكامل الجمعي الإنساني الوحدوي، وهذا هو مصداق قوله تعالى:
(وَمِنْ آياتِهِ خَلْقُ السَّماواتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوانِكُمْ إِنَّ فِي ذلِكَ لآياتٍ لِلْعالِمِينَ) (الروم: 22).
وهذا إثبات للإنسان بأن كل ما علمه وسيعلمه لا شيء بالنسبة للعلم الإلهي، وللحكمة الإلهية.
(وَما أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً) (الإسراء :85).
وأن المخلوقات كلها بما فيها الإنسان ما هي إلا خلق الله سبحانه وتعالى، فعلى الإنسان ألا يتعالى، وألا يتبطر، وألا يتكبر ويصنع الفوارق.
(وَما مِنْ دَابَّةٍ فِي الأَرْضِ وَلا طائِرٍ يَطِيرُ بِجَناحَيْهِ إِلاَّ أُمَمٌ أَمْثالُكُمْ ما فَرَّطْنا فِي الْكِتابِ مِنْ شَيْءٍ ثُمَّ إِلى رَبِّهِمْ يُحْشَرُونَ) (الأنعام :38)
كما وأن معتقدات بني الإنسان لها أصل واحد، فالدين واحد وإن ما جرى من تفرق فهو طارئ دخيل، فالفطرة الأولية، والدين الأولي هو التوحيد، وإن تبدلت مسمياته(22).
(شَرَعَ لَكُمْ مِنَ الدِّينِ ما وَصَّى بِهِ نُوحاً وَالَّذِي أَوْحَيْنا إِلَيْكَ وَما وَصَّيْنا بِهِ إِبْراهِيمَ وَمُوسى وَعِيسى أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ كَبُرَ عَلَى الْمُشْرِكِينَ ما تَدْعُوهُمْ إِلَيْهِ اللهُ يَجْتَبِي إِلَيْهِ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ يُنِيبُ) (الشورى :13).
كما وأن الإنسان الأول إنسان كامل بخلاف كل النظريات اللادينية والتي ترجع الإنسان إلى القرد أو إلى السمك أو إلى الحشرات وما شاكلها.
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسانِ مِنْ طِينٍ) (السجدة: 7).
(فَلْيَنْظُرِ الإِنْسانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِنْ ماءٍ دافِقٍ * يَخْرُجُ مِنْ بَيْنِ الصُّلْبِ وَالتَّرائِبِ *) (الطارق: 5 – 7).
(الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ وَبَدَأَ خَلْقَ الإِنْسانِ مِنْ طِينٍ * ثُمَّ جَعَلَ نَسْلَهُ مِنْ سُلالَةٍ مِنْ ماءٍ مَهِينٍ * ثُمَّ سَوَّاهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنْ رُوحِهِ وَجَعَلَ لَكُمُ السَّمْعَ وَالأَبْصارَ وَالأَفْئِدَةَ قَلِيلاً ما تَشْكُرُونَ) (السجدة: 7 – 9).
وإن قضية تطور وارتقاء الإنسان من المشي على أربع ثم على اثنين، وإن أصل الإنسان قرد ما هي إلا مزاعم باطلة، مخالفة للشرع والعقل، فالله سبحانه وتعالى هو الذي خلق المخلوقات كما هي عليه أشكالها اليوم.
(هُوَ الَّذِي يُصَوِّرُكُمْ فِي الأَرْحامِ كَيْفَ يَشاءُ لا إِلهَ إِلاَّ هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (آل عمران: 6).
فالمخلوقات لها خصوصياتها التي اختصها الله تعالى بها لحكمة بالغة من عنده، وهي مخلوقة منذ الخلق ولحد اليوم بنفس أشكالها فلا تغيير ولا تبديل ولا غير ذلك.
(وَاللهُ خَلَقَ كُلَّ دَابَّةٍ مِنْ ماءٍ فَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى بَطْنِهِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى رِجْلَيْنِ وَمِنْهُمْ مَنْ يَمْشِي عَلى أَرْبَعٍ يَخْلُقُ اللهُ ما يَشاءُ إِنَّ اللهَ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ) (النور: 45).
إبطال نظرية النشوء والارتقاء:
وهنا لابد أن نقف على أمر مهم ألا وهو نظرية التطور أو نظرية النشوء والارتقاء التي نادى بها (داروين) ودعاة المذهب اللاديني من بعده حتى اليوم.
لقد زعم البعض بأن فكرة التطور كانت نتيجة لدراسة (فكرة النشوء في علم الحياة) والتي دعى إليها الطبيب الفرنسي (لا مارك)(23) في كتابه (التاريخ الطبيعي للحيوانات اللافقرية) عرض فيه لقضية تطور الأحياء، وبيَّن طريق التطور، ولكنه عجز عن بيان الصلة بين أنواع الأحياء، كما عجز عن بيان العوامل التي أدت إلى التطور.
ثم جاء بعد ذلك الإنكليزيان (تشارلز داروين)، و(ولاس) ليكملا نظرية (لا مارك)، وفي عام (1842م) نشر داروين رسالة موجزة عما سماه بـ (نظرية النشوء والارتقاء) فتلقفها دعاة البوهيمية وأحدثوا حولها ضجة ملأت أرجاء العالم، ولا زالت لها بقايا حتى يومنا هذا في عقول البعض(24).
وبالحقيقة لو دققنا بهذه الفكرة لوجدناها عبارة عن تصور لـ (أسفار الفيدا) الهندية لأصل الخليقة ولكن بشكل معكوس، مع تضمنها لبعض التعديل والتغيير والرتوش.
وفكرة (النشوء والارتقاء) تزعم بأن تطور الخليقة بدأ من الأدنى (الرواشح والديدان والحشرات) إلى الأعلى (القرد)، ثم (القرود العليا)، ثم (الإنسان الأول)، كل ذلك يصور عدم وجود خالق.
ولقد عجز (داروين) من إيجاد حلقة وسطى تربط الزواحف والطيور، كما فشل في إيجاد مثل هذه الحلقة بين القرد والإنسان، فما كان منهم إلا اللجوء للتزوير(25).
وهنالك كلام يُنقل بأن داروين لم يكن ملحداً، ولم يقل بالمصادفة، بل أراد من خلال نظريته أن يقول: (إن الخلق جميعاً نشأ من أصل واحد).
لكن – وبحسب من يقولون ذلك – اُستغلت هذه النظرية من قبل الملاحدة الماديين، فتبنوها، وأخذوا يدافعون عنها، ومن أشهر أولئك العالم البيولوجي الألماني (أرنست هيجل) فقد قام هذا الشخص بتزوير عدة نماذج لإثبات هذه النظرية وذلك عندما رأى أن صورة الأجنة لا تتطابق تماماً مع نظرية التطور، فقام بعمليات ترتيش وحذف في صورة الأجنة البشرية لكي يطابقها مع النظرية التي يتزعمونها، لكن أحد العلماء اكتشف عملية التزوير، وأعلنها في الصحف، وتحدى (هيجل) في ذلك، فما كان من (هيجل) إلا أن يعترف بهذه الجريمة بعد فترة صمت وتردد في مقالة كتبها في (14 / 12 / 1908) قال فيها: (إن ما يُعزيه هو أنه لم يكن الوحيد الذي قام بعملية تزوير لإثبات صحة نظرية التطور، بل إن هناك المئات من العلماء والفلاسفة قاموا بعمليات مماثلة من التزوير لإثبات هذه النظرية…)(26).
وإلى ذلك يشير السيد الطباطبائي (رحمه الله) بقوله: (إن النوع الإنساني، ولا كل نوع إنساني، بل هذا النسل الموجود من الإنسان ليس نوعاً مشتقاً من نوع آخر حيواني أو غيره حولته إليه الطبيعة المتحولة المتكاملة، بل هو نوع أبدعه الله تعالى من الأرض، فقد كانت الأرض وما عليها والسماء ولا إنسان، ثم خلق زوجين اثنين من هذا النوع وإليهما ينتهي هذا النسل الموجود… وأما ما افترضه علماء الطبيعة من تحول الأنواع، وإن الإنسان مشتق من القرد، وعليه مدار البحث الطبيعي اليوم، أو متحول من السمك على ما احتمله البعض، فإنما هي فرضية، والفرضية غير مستندة إلى العلم اليقيني، وإنما توضع لتصحيح التعليلات والبيانات العلمية، ولا ينافي اعتبارها اعتبار الحقائق اليقينية، بل حتى الإمكانات الذهنية، وإذ لا اعتبار لها أزيد من تعليل الآثار، والأحكام المربوطة بموضوع البحث…)(27).
نعم، إن بعض الحفريات التي تمت في مجال (الحفريات البشرية) (paleontology) والذي يعتبر أحد فروع الأنثروبولوجيا العضوية قالت: إن الإنسان القديم والذي كان يعيش على هذه الأرض منذ ما يقارب نصف مليون سنة، كان يختلف عن الإنسان الحالي، حيث كان أكبر حجماً و أقوى بنية، وهذا ما أثبته القرآن الكريم في العديد من آياته.
قال تعالى: (أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوها أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوها) (الروم: 9).
وقال تعالى: (كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً) (التوبة: 69).
مسألة البدائية بين الحقيقة والوضع والتنظير:
لو تفحصنا أكثر الكتب الخاصة بـ (الأنثروبولوجيا)، وبالخصوص في مواضيع (علم الآثار) و(التاريخ)، والمواضيع (الأنثروبولوجية)، وفي أماكن أخرى، نلحظ موضوعًا مهمًا، ومصطلحًا يتكرر، ونردده، ونقرؤه، وكأنه من المسلمات والحقائق، ألا وهو (البدائية)، و(الإنسان البدائي)، فما هذه المرحلة؟، ومن هو هذا الإنسان المشار إليه؟، وهل هناك دليل على وجوده؟
في الحقيقة لقد أصبح من المسلمات أن تتناول كتب الأنثروبولوجيا مرحلة (البدائية) كأنها مرحلة طبيعية، وحقيقية، وواقعية مرت على الجنس البشري، وهي تشكل مرحلة من مراحل عمر هذا الجنس قبل أن يصل إلى مرحلة (العقل). وهم ووفق ذلك وضعوا النظريات الخاصة بذلك، وجعلوها من أساسيات دراسة (الأنثروبولوجيا).
ولو رجعنا إلى العلماء الأوائل الذين وضعوا هذا (المصطلح) فمن أين جاءوا به؟، وما الدليل عليه؟
في الحقيقة إن مسألة تثبيت مرحلة (البدائية) جاءت من جراء دراسة مجتمعات وأقوام موجودة حالياً بحجة أنها تحاكي أو تطابق المجتمعات البدائية، وفي الحقيقة هذا ما تتبناه الفلسفات المادية، وأصحاب النظريات اللادينية.
فقد قام جملة من علماء الإنسان السذج بدراسة أقوام في الكونغو، والأمازون، وأستراليا، وأماكن أخرى، من خلال اعتبارهم الامتداد للطور البدائي، وإنهم يحاكون تلك المرحلة.
والمشكلة هي؛ لنثبت وجود هذه المرحلة، ومن ثم نحاكيها، أو نبني النظريات حولها، أو نبحث عن ما يشابهها، لابد أن نعقد مقارنات نستحصل منها الحقائق اللازمة عن تلك المرحلة الزمنية.
إن الله سبحانه وتعالى هو خالق الإنسان، وهو الذي وضع فيه العقل، وجعله مفكراً عاقلاً متأملاً، تواقًا لبني جنسه، اجتماعيًا بطبعه، محبًا للتعرف على الأشياء، وتواقًا للمعرفة، ولكل ما يساهم في راحته وسكينته، ديدنه التغير والتبدل والتطور لما هو أحسن وأفضل، ولذلك أرسل الله سبحانه وتعالى الرسل والأنبياء (عليهم السلام)، وأشار إلى أن إرسالهم كان (بلغة أقوامهم).
قال تعالى: (وَما أَرْسَلْنا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللهُ مَنْ يَشاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (إبراهيم: 4).
فإن كانت البدائية والتي تساوق الحيوانية والبهيمية مرحلة حقيقية فما الفرق بين الإنسان والحيوان؟، وهذا تأكيد على النظرية (الدارونية) البعيدة عن الواقع، والتي أثبت العلم كذبها، وبالتالي فما الحكمة من إرسال الرسل والأنبياء (عليهم السلام) من أول يوم للإنسان على الأرض، وحتى سني خاتم الأنبياء والمرسلين (صلى الله عليهم وسلم)، والذين بلغ تعدادهم (124000) نبي ومرسل.
قال تعالى: (ثُمَّ أَرْسَلْنا رُسُلَنا تَتْرا) (المؤمنون: 44).
وإذا كانت مرحلة سابقة لمرحلة (العقل) و(التطور) فهذا مخالفٌ للعدل الإلهي، وللخطاب الإلهي القائل بالكرامة الإنسانية.
قال تعالى: (وَلَقَدْ كَرَّمْنا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْناهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْناهُمْ مِنَ الطَّيِّباتِ وَفَضَّلْناهُمْ عَلى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنا تَفْضِيلاً) (الإسراء: 70).
ونحن نعلم بأن الإنسان الأول هو (آدم) وزوجته (حواء) نـزلا إلى الأرض حيث لا إنسان، ثم كونا عائلة، ومن ثم تكون المجتمع، وكذلك نعلم بإن الهداية سابقة للضلال، والتوحيد سابق للشرك، وأن الحضارة والمدنية سابقة للبدائية والتخلف، وما (البدائية) إلا مرحلة افتراضية طارئة جاء بها أصحاب الفلسفات المادية، ودعاة الفكر العلماني اللاديني.
لكن المشكلة الواجب أن نلتفت لها؛ أن قضية (البدائية) موجودة في الكتب والمناهج الدراسية للدول الإسلامية، سواء في (التاريخ)، أو (علم الاجتماع)، أو (علم الإنسان)، أو (علم الآثار)، وبذلك أصبح واقعاً يشكل حيزاً في ذهنيات أبنائنا يتعلمونه من المدارس التابعة لدول ترفع شعار الإسلام؟؟؟!!!
الرحالة والمستكشفون والبلدانيون المسلمون وميلاد علم أنثروبولوجي إسلامي:
لقد عرفنا بأن الأنثروبولوجيا هو العلم الذي يدرس الإنسان، ويدرس أوجه الشبه وأوجه الاختلاف بينه وبين الكائنات الحية الأخرى من جهة، وأوجه الشبه والاختلاف بين الإنسان وأخيه الإنسان من جهة أخرى.
وهو يدرس السلوك الإنساني ضمن الإطار الثقافي والاجتماعي بوجه عام، فلا تهتم الأنثروبولوجيا بالإنسان الفرد، وإنما تهتم بالإنسان الذي يعيش في جماعات وأجناس، وتدرس الناس في أحداثهم وأفعالهم الحياتية.
وفي الحقيقة هذا هو ما فعله (البلدانيون)، و(الرحالة)، و(المستكشفون) المسلمون في رحلاتهم وكتبهم، لقد اقتضت الأوضاع الجديدة التي أحدثتها (الفتوحات الإسلامية) اهتماماً جلياً وواضحاً بدراسة أحوال البلدان المفتوحة، والناس الذين يعيشون فيها، وطبيعة المجتمعات، والديانات، وذلك لعدة أسباب منها على سبيل المثال لا الحصر (لإدارتها، ولجباية الخراج منها، ولغايات علمية)، لذلك برز دور العلماء المسلمين في سبيل وضع الكتب والمعاجم البلدانية، والجغرافية كـ (معجم البلدان) لياقوت الحموي(28)، و(مسالك الأمصار) لابن فضل الله العمري(29)، و(نهاية الأرب في فنون العرب) للنويري(30)، و(عادات الشعوب) للمسعودي(31)، وكتاب (البلدان) لليعقوبي(32)، و(البلدان) للجاحظ.
وبالإضافة إلى اهتمام هذه الكتب، والمعاجم، والموسوعات بجانب (العمران) فقد تميزت أكثر موادها بإنها اعتمدت على عنصر (المشاهدة) و(التجربة الشخصية)، وهذا ما ميزها وجعلها مادة خصبة ومفيدة من الناحية (الأنثروبولوجية) من ناحية دراسة الشعوب والمجتمعات والثقافات الإنسانية.
ومن الدراسات المهمة الأخرى، والمتخصصة دراسة العالم المسلم (البيروني)(33) الذي عاش ما بين (362 – 440هـ)، والذي وضع كتاباً عن (الهند) يمثل تجربته الشخصية والميدانية، والتي دامت (13 سنة)، وعنوان الكتاب هو: (تحرير ما للهند من مقولة مقبولة في العقل أو مرذولة) وصف فيه المجتمع الهندي بما فيه من نظم دينية واجتماعية وثقافية، مع مقارنتها بمثيلاتها لدى العرب واليونان والفرس، وقد تمخضت هذه الدراسة عن حقائق وقواعد ونظريات مهمة في مجال (الأنثروبولوجيا)، وأكدت ريادة العلماء المسلمين في شتى العلوم، ومنها (علم الإنسان).
وكذلك كان لـ (رحلات ابن بطوطة(34)) والتي استمرت (25 سنة)، ولكتاباته طابع أنثروبولوجي برز عند وصفه للناس، وحياتهم اليومية، وسلوكياتهم، وعاداتهم، وتقاليدهم، وقيمهم.
وكذلك ابن خلدون(35)، وبالخصوص في الكتاب المستل من تاريخه والمعروف بـ (المقدمة)، والذي هو مقدمة لكتاب التاريخ المسمى (العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر)، وذلك عند كلامه عن موضوع (العمران).
وكذلك الحال بالنسبة لرحلات (ابن فضلان)(36)، و(ابن جبير)(37)، و(أحمد بن ماجد الملاح)(38)، وما قام به الرحالة الصيني المسلم (تشينغ هي)(39).
* * *
الهوامش
(1) المعجم الموسوعي لمصطلحات الحداثة ونقدها، مادة أنثروبولوجيا / مدخل إلى الأنثروبولوجيا، حسن أبو زيد، ص 13 – 14.
(2) المدخل إلى علم الأنثروبولوجيا، شاكر مصطفى سليم، ص 7.
(3) مارجريت ميد (1901 – 1979 م).
(4) قصة الأنثروبولوجيا، حسين فهيم، ص 13.
(5) قاموس الأنثروبولوجيا، ص 56.
(6) مدخل إلى علم الإنسان، عيسى الشماس، ص 13 – 14.
(7) علم خصائص الشعوب، علي عبد الله الجباوي، ص 7.
(8) المعجم الموسوعي لمصطلحات الحداثة ونقدها، مادة أنثروبولوجيا.
(9) المعجم الموسوعي لمصطلحات الحداثة ونقدها، مادة أنثروبولوجيا.
(10) الثقافة، والصحة، والمرض، رؤية جديدة في الأنثروبولوجيا المعاصرة، يعقوب يوسف الكندري، ص 26.
(11) قصة الأنثروبولوجيا، حسين فهيم، ص 13 – 19.
(12) الإسلام و الأنثروبولوجيا، أبو بكر أحمد باقادر، ص 40.
(13) مجلة المنهاج، العدد 39، ص 79.
(14) نحو علم الإنسان الإسلامي، أكبر أحمد، ص 12.
(15) نحو علم الإنسان الإسلامي، أكبر أحمد، ص 13.
(16) نحو علم الإنسان الإسلامي، أكبر أحمد، ص 114.
(17) الطريق إلى المعرفة، أحمد أبو زيد، ص 7.
(18) رفاعة الطهطاوي، جمال الدين الشيال، ص 5.
(19) الشيخ الميرزا محمد حسين النائيني (1273 – 1355هـ).
(20) تنبيه الأمة وتنـزيه الملة، النائيني، ص 94.
(21) علم التاريخ، هرنشو، ص 31.
(22) هنالك أبحاث تؤكد إن الدين ومنذ بزوغ فجر البشرية هو (الإسلام).
(23) لا مارك (1744 – 1829م).
(24) فلسفة الخليقة، كاظم ناصر الحسن، ص 111.
(25) يراجع لذلك: تهافت نظرية داروين لأورخان محمد علي، ونظرية التطور هل تعرضت لغسيل دماغ للبروفيسور داون. ث. كيس، ونظرية التطور ليست ثابتة لأورخان محمد علي، وقصة الأيمان لنديم الجسر، وحقيقة الخلق ونظرية التطور لفتح الله كولن، ونقد نظرية داروين للشيخ رضا الأصفهاني، والردود الكثيرة لعلماء الشيعة على هذه النظرية وكل ما يتعلق بها.
(26) تراجع الكتب التي ذكرناها مسبقاً.
(27) الجواهر النورانية، السيد الطباطبائي، إعداد وجمع رضوان سعيد فقيه، ص 229.
(28) شهاب الدين أبو عبد الله ياقوت بن عبد الله الحموي (574 – 626 هـ) خطاط، وكاتب، وأديب، من أصل رومي، أهم كتبه ومؤلفاته كتاب (معجم البلدان).
(29) أبو العباس شهاب الدين أحمد بن فضل الله بن يحيى بن أحمد العمري الدمشقي (700 – 749 هـ) مؤرخ وأديب دمشقي، صاحب كتاب (مسالك الأبصار في ممالك الأمصار) وكتب أخرى.
(30) شهاب الدين أحمد بن عبد الوهاب بن محمد النويري، نسبة إلى قرية النويرة بمحافظة بني سويف في مصر (667 – 733 هـ) له العديد من المؤلفات منها موسوعة (نهاية الإرب في فنون العرب) تشتمل على خمسة فنون منها (السماء والآثار العلوية والأرض والآثار السفلية) وهو قسم جغرافي فلكي عام.
(31) المسعودي: (283 – 346 هـ)، مؤرخ وجغرافي، ورائد نظرية (الانحراف الوراثي)، عرف بـ (هيرودوتس) العرب، هو أبو الحسن علي بن الحسين بن علي المسعودي، من ذرية عبد الله بن مسعود، صاحب كتاب (مروج الذهب ومعادن الجوهر)، و(التنبيه والأشراف)، و(المعارف)، و(عادات الشعوب)، له إسهامات أنثروبولوجية عن الشعوب التي زارها ودونها في (مروج الذهب).
(32) أبو العباس أحمد بن إسحاق بن جعفر بن وهب بن واضح اليعقوبي (258 – 284 هـ) كاتب ومؤرخ وجغرافي مسلم، له (تاريخ اليعقوبي، كتاب البلدان).
(33) أبو الريحان محمد بن أحمد البيروني، عالم مسلم أوزبكي (362 – 440 هـ) كاتب ورحالة وفيلسوف وفلكي وجغرافي ورياضي وصيدلي ومؤرخ ومترجم لثقافات الهند.
(34) محمد بن عبد الله بن محمد الطنجي المغربي المعروف بابن بطوطة (703 – 779 هـ) رحالة ومؤرخ وقاضي وفقيه مغربي لقب بأمير الرحالين المسلمين.
(35) عبد الرحمن بن محمد بن خلدون الحضرمي المغربي (732 – 808 هـ).
(36) أحمد بن العباس بن راشد بن حماد البغدادي، عالم إسلامي من القرن العاشر الميلادي، كتب وصف رحلته كعضو في سفارة الخليفة العباسي المقتدر بالله إلى ملك الصقالبة المسمى بـ (الموش بن يلطور) في بلاد (بلغار) (الفولجا) (روسيا) سنة (921م)، فيعتبر أقدم وصف أجنبي لروسيا هو ما كتبه ابن فضلان من خلال زيارته لروسيا.
(37) أبو الحسن محمد بن أحمد بن جبير الكناني، بالمعروف بـ (ابن جبير) الأندلسي (540 – 641 هـ) ولد في فالنسيا، جغرافي ورحالة وكاتب وشاعر عربي أندلسي يرجع نسبه إلى سعيد بن جبير رضوان الله تعالى عليه.
(38) أحمد بن ماجد النجدي الملاح (821 – 906 هـ) ملاح وجغرافي عربي مسلم، برع في الفلك والجغرافيا، سماه البرتغاليون (أمير البحر)، ويلقب بـ (معلم بحر الهند)، ساعد فاسكو دي جاما في اكتشاف طريق جديد إلى الهند حول رأس الرجاء الصالح.
(39) تشينغ هي أو زينج هي أو خي، و يسمى بالعربية (حجي محمود شمس)، بحار صيني مسلم ولد عام (1371م) في أسرة مسلمة تدعى (ما) من قومية (هوي) بمقاطعة (يونان) في جنوب الصين، تربى في بلاط الأمير (تشو دي) من أسرة (مينغ)، تعتبر رحلات (تشينغ هي) سابقة لرحلات البحار الإيطالي (كريستوفر كولمبوس)، والبحار البرتغالي (فاسكو دي جاما)، والبحار البرتغالي (ماجلان)، وقد وصل إلى سواحل أمريكا قبل كولمبوس، وإلى أستراليا قبل (كوك)، توفي سنة (1433م).