(1)
كأنه كان يعرف قِصَر عمره، ورحيله المفاجئ وهو فى ربيع الحياة وقمة العطاء، فآثر أ. د. “هاني عطية” أن يتفرغ لهموم أمته، ومشكلات وطنه، فلم يتخذ له زوجة، ولم يترك وراءه ذرية، وإنما كان “تخصصه” هو معشوقه، وما خلّفه من مؤلفات وطلاب هم ورثته وأبناؤه، ولم أر بين شباب هذا الجيل من وهب حياته من أجل قضية معرفية مثلما رأيت
“هاني عطية“. هجر تخصصه الأول بعد حصوله على بكالوريوس العلوم من جامعة القاهرة، وهاجر إلى أرض الغربة من أجل استثمار علمى فى عالم المكتبات اطمأنت إليه نفسه، ووجد فيه منطلقًا لتفجير ملكاته، فعاد إلى مصر وهو يمتلك معارف عصرية نحن بحاجة إليها، فأسس مراكز علمية، ومواقع إلكترونية، ونادته جامعة القاهرة العريقة ليكون أحد علمائها فى كلية الآداب فرع بنى سويف- عندما كانت فرعًا- فتدرج فيها مدرسًا فأستاذًا له تميزه وتفرده، وشهد له أصدقاؤه وزملاؤه ومريدوه، بدماثة خلقه، وعلو همته وغزارة علمه، وهو من القلّة التى تُعد على أصابع اليد الواحدة بين أبناء جيله الذى ترك وراءه مدرسة علمية تترسم خطاه، وتحمل آراءه وأفكاره فى جامعة القاهرة، وفى “إسلام أون لاين” ولاتنسى له مجلة “المسلم المعاصر” مساهماته فى تطوير موقعها على الشبكة العنكبوتية، ورؤيته الثاقبة فى كثير من لقاءاته العلمية والفكرية، وأبحاثه ودراساته التى تركت لدى جمهور المستقبلين صدًى كبيرًا ومتابعة خاصة، وهكذا استطاع أ.د. “هاني عطية” فى سنوات قليلة أن يضع من البصمات على الأرض العلمية فى مصر، ما يجعله فى تخصصه رائدًا، ومن خلال مدرسته الأكاديمية قائدًا، وهو من أفضل من تولى موقعًا جامعيًا يجعله خلية نحل، فقد كان وكيلاً لكلية الآداب بجامعة بنى سويف وساهم فى النهوض بها صرحًا متميزًا بين نظائرها فى الجامعات المصرية.
(2)
لقد جاء “هاني عطية” من أسرة علمية مجاهدة، فوالده أ.”محيى الدين عطية” شخصية حركية بارزة لها تاريخها فى الكفاح الوطنى، وألمعيتها فى العطاء العلمى، بالإضافة إلى شاعريته الرقيقة، ورؤيته الإسلامية الواضحة فى عالم تحيط به الغيوم من كل جانب، ولعل إنجازات “محيي الدين عطية” الأب فى مجال الفهرسة ونشاطه فى الميادين الموسوعية هى التى فتحت “لهاني عطية” الابن الباب واسعًا فى طريق عالم هذا الفن الواسع الرحيب.
وعم أ.د.”هاني عطية” هو المفكر الإسلامى العربى أ.د. “جمال الدين عطية” الذى تحتاج عطاءاته وإنجازاته العلمية والحركية والعملية إلى دراسات متأنية، وكتابات متعمقة فهو رجل القانون الدولى المتعدد المواهب زعيمًا حركيًا، وأستاذًا جامعيًا، ومؤسسًا لبنوك ومجلات وصحف، فهو أمة وحده، وأظنه كان معينًا وقدوة “لهاني عطية“، أخذ منه هدوء الأعصاب، وتنوع الثقافة، وتحرى الدقة فى كل ما كتب، كما أخذ من والده” محيى الدين عطية” خفوت الصوت، وشاعرية الأسلوب، وصوفية الإحساس، وليس غريبًا على أسرة مجاهدة بالنفس، ومجاهدة بالعقل، ومجاهدة بالمال أن يكون أبرز أبنائها على هذا الدرب الذى يحيط به التفوق العلمى والأخلاقى من كل جانب، وقد رزق الله- جلّ فى علاه- هذا الفتى المتفوق الشهادة جزاء ما قدم لوطنه وأمته.
وبعد فهذه إشارات وتنبيهات للراحل الذى افتقدناه- كُتبت على عجل- هى دعوة للاحتفاء بتراثه وتقديمه من أهل الاختصاص ومنا، وهى دعوة لأن تفرد “المسلم المعاصر” محورًا خاصًا عن إنجازاته العلمية والعملية يكتبها أصدقاؤه ومريدوه، وهذا الاحتفاء هو احتفاء بالجانب المشرق من حياة أمتنا، وإبراز لصفحات مضيئة ينبغى أن تظل مشاعل على الدرب يستهدي بتجربتها الغنية كل من سافر على ذات الطريق، وجذبته هذه المسالك، “فهاني عطية” سيظل الأسوة لأجيال كثيرة قادمة.
(3)
“هاني عطية” أيها الابن الحبيب، أيها الشهيد الحي في رحاب فضل الرحمن، إن العين لتدمع، وإن القلب ليحزن، ولا نقول إلا ما يرضي ربنا وإنا لفراقك لمحزونون.
ابنى الشهيد هانى عطية
طبت حيًا، وطبت شهيدًا