أبحاث

المحكم والمتشابه وتأويل الراسخين

العدد 145 - 146

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله، أما بعد، فإن موضوع هذه المقالة هو نظرة عامة في مصطلحات مبحث الدلالة، من زاوية مقاصد وضْعها واستعمالها، مع البحث عن إمكان ترتيب جديد لمباحث الدلالة في أصول الفقه. فقد استفدنا تلك الخطة من قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنـزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ فَأَمَّا الَّذِينَ في قُلُوبِهِمْ زَيْغٌ فَيَتَّبِعُونَ مَا تَشَابَهَ مِنْهُ ابْتِغَاء الْفِتْنَةِ وَابْتِغَاء تَأْوِيلِهِ وَمَا يَعْلَمُ تَأْوِيلَهُ إِلاَّ اللّهُ وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِّنْ عِندِ رَبِّنَا وَمَا يَذَّكَّرُ إِلاَّ أُوْلُواْ الألْبَابِ)(1).
نعلم أن أصول الفقه فن شيّده العلماء ليرسموا فيه منهجا متبعا في فهم خطاب الشارع، فإذا تدبرنا في الآية نجد أنها تشير إلى منهج التلقي لآيات الكتاب بالتنبيه على أن الآيات على درجتين من حيث وضوح المعاني واشتباهها، كما تنبه على أن المخاطبين بها ليسوا سواء في امتلاك الوسائل والأدوات التي بها يتحقق الفهم ويُدْرَك المعنى، أي أن المخاطَبين ليسوا سواء في العلم وأن منهم الراسخين وغير الراسخين، ومن هذا الوجه يلتقي موضوع أصول الفقه ومآل الآية، والله أعلم .

يصح أن ننظر في موضوع هذه المقالة من وجه آخر، فنقول إننا نريد في هذه المقالة أن نقوِّم التراث الأصولي تقويما مجملا بعرضه على الآية المذكورة، وإنّ سبيلَ التقويم هو النظر في التراث الأصولي من جهة المقصد، أعني مقصد وضع أصول الفقه فنا مستقلا.

ولا غرابة في طلبِنا الجذور النظرية لأصول الفقه في مضمون الآية المذكورة فقد نـزل الله تعالى الكتاب: (تِبْيَاناً لِّكُلِّ شَيْءٍ)(2)، ويستبعد أن يكون الكتاب تبيانا لكل شيء ولا يكون بيانا لنفسه ولو بإيجاز في كيفية قراءته، وأعني بالقراءة هنا معنى واسعا وهو فهم الخطاب بالوصل بين أجزائه وصلاً يظْهر معه وجه الإعجاز وينتفي عنه الاختلاف. إن الآية بيانٌ وجيز لكيفية تلقي آيات القرآن، فهو دليل الاستعمال لكتاب الله تعالى -إن صح التعبير- وإن صنائع الأصوليين في مجملها تفسير للآية وشرح لمعانيها، والله أعلم.

قد ذكرت دعواي هذه في بعض مواضع الأطروحة إيجازًا وإيماءً، ففهم أستاذي الكريم حميد الوافي ما أومأت إليه فقال عند المناقشة: “إن الباحث يرى أن يعاد بناء مباحث الأصول على مصطلحَي المحكم والمتشابه. وعلى الأقل مبحث الدلالة”، ثم كرّ على دعواي بالنقد فقال، ما مفاده بإيجاز: أن البناء الذي يريده الباحث يخالف سنن الأصوليين الأحنافَ منهم وغيرَ الأحناف في مصطلحاتهم، وأنه ما استطاع أحد من الأصوليين ولا من علماء القرآن أن يقول: “نقرر مبدأ الإحكام أو مصطلح المحكم لفظا جامعا” وأن مصطلحاتهم التي قرروها بعد مراحل بيانيةٍ مستوحاةٌ من الخطاب نفسه ومن العربية، ونبه أيضا إلى أن الأحناف استعملوا ألفاظا لمراتب الدلالة وأن الخطاب القرآني يتدرج عندهم درجات مفصلة، وأن المحكم والمتشابه يندرجان خلال تلك الدرجات، وليس الخطاب عندهم على درجتين كما يريده الباحث، وتساءل الأستاذ أيضا: ما الفروق المنهجية والمعرفية بين المصطلحين؟

قد دفعني انتقاد الأستاذ الكريم إلى مزيد من التفكير في المسألة ونبهني إلى أن دعواي تحتاج إلى شرح وتفصيل ثم احتجاج لما فصل وتدليل.

ما كنت متكلّفا حين قلت يمكن أن نعتبر الآية نواة لأصول الفقه، وإنما الأمر أني تبينت بعد التتبع والتأمل أن محور أصول الفقه هو البيان ودرجاته، وكذلك الآية فإن محورها البيان وأنها تحيط بأمر البيان من جانبيه من جانب المخاطَب ومن جانب الخطاب نفسه، ولما وجدت الآية وعلم الأصول متفقين في المقصد صح عندي اعتبار الآية معيارا يقاس عليه أصول الفقه وتبنى عليه مباحثه وتشذَّب به زوائده.

ومما زادني جرأة على اعتبار المصطلحين قطبا لأصول الفقه أن الشاطبي رحمه الله قد قرر هذا الاعتبار صراحة في الموافقات حيث بيَّن معاني المحكم والمتشابه وإنا نتخذ مقالته بابا نلج منه إلى الموضوع، قال رحمه الله:

“المحكم يطلق بإطلاقين عام وخاص فأما الخاص فالذي يراد به خلاف المنسوخ، وهي عبارة علماء الناسخ والمنسوخ سواء علينا أكان ذلك الحكم ناسخا أم لا، فيقولون هذه الآية محكمة وهذه الآية منسوخة، وأما العام فالذي يعنى به البيِّنُ الواضح الذي لا يفتقر في بيان معناه إلى غيره، فالمتشابه بالإطلاق الأول هو المنسوخ وبالإطلاق الثاني الذي لا يتبين المراد به من لفظه كان مما يدرك مثله بالبحث والنظر أم لا وعلى هذا الثاني مداركُ كلام المفسرين في بيان معنى قول الله تعالى: (هُوَ الَّذِيَ أَنـزلَ عَلَيْكَ الْكِتَابَ مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ)، ويدخل تحت المتشابه والمحكم بالمعنى الثاني ما نبَّه عليه الحديث من قول النبي r: “الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات” فالبيّن هو المحكم وإن كانت وجوه التشابه تختلف بحسب الآية والحديث، فالمعنى واحد لأن ذلك راجع إلى فهم المخاطب وإذا تؤمل هذا الإطلاق وجِد المنسوخُ والمجمل والظاهر والعام والمطلق قبل معرفة مبيِّناتها داخلةً تحت معنى المتشابه كما أنّ الناسخَ وما ثبت حكمُه والمبيَّنَ والمؤوَّل والمخصَّص والمقيَّد داخلةٌ تحت معنى المحكَم” (3).

قلت: إن كلام الشاطبي صريح في إلحاق مفاهيم مبحث الدلالة(4) بالمحكم والمتشابه، إذ ضَمّ إلى المتشابه المجملَ والظاهرَ والعام والمطلق قبل معرفة مبيناتها كما ضم إلى المحكمِ المبيَّن والمؤول والمخصص والمقيد. وليس لصنيع الشاطبي معنى سوى أن تلك المصطلحات الثنائية تفيد الطالب المتفقه معنى واحدا في فقه النصوص، أي أن الوظائف الدلالية لتلك الألفاظ واحدة بالنسبة إلى أصول الفقه وإنما الاختلاف في زاوية النظر والأسامي، فإذا سمينا النص الفلاني عاما أو خاصا فقد نظرنا فيه من قبل قصد الشارع في اتساع دلالة اللفظ، هل قصد الشارع كل ما يدخل تحت اللفظ بحسب عرف أهل اللسان أم قصد بعضه، فالبعض الذي لا بد منه محكم وما يتردد فيه النظر هو متشابه، وبعبارة أخرى إن توسع عموم الألفاظ لبعض المعاني وانحساره عن بعضٍ خفاءٌ في المعنى وتشابهٌ.

وكذلك الأمر إذا سمينا الكلام ظاهرا فإنه من الظهور بمعنى الغلبة أو بمعنى البُدُوّ، أي المعنى الذي يغلب في البال ويتبادر إليه عند الوهلة الأولى مع تجويز معنى آخر يحتمله اللفظ إذا وصل بالنصوص التي تبين معناه، وأما المؤول فهو ما صرف معناه عن الظاهر حين أُضيف إلى النصوص الأخرى فيتعين المعنى لأحد محامل اللفظ فهو بذلك أصبح نصا من وجه آخر إذا اعتبرنا مصطلح النص مقابلا للظاهر مكانَ المؤول.

والأمر جار أيضا في المجمل والمبين فإجمال الشيء في اللسان هو جمعه عن تفرقة … يقال أجملت له الحساب والكلام(5) كما قال ابن منظور، وأما معناه المصطلحي فقد عرفه فخر الإسلام البزدوي الحنفي المتوفى عام 482 الهجري بأنه ما ازدحمت فيه المعاني واشتبه المراد اشتباها لا يدرك بنفس العبارة بل بالرجوع إلى الاستفسار(6) وأما المبين الذي يقابل المجمل فهو ما اتضح معناه بالنصوص الأخرى.

ولا يختلف مصطلحا المطلق والمقيد عن هذا النظر في شيء كبير حيث إنّ التقييد زيادة شرح يقيد بها اللفظ عن إطلاقه ويخصص به عمومه.

وبذلك يتبين أن الاختلاف بين هذه المصطلحات الثنائية الاستعمال إنما هو في زاوية النظر كما قلنا، ويمكن أن ننظر في معانيها من زاوية أخرى كالنظر من جهة الوضع اللساني على سبيل المثال فنسمي بعض كلام الشارع مجازا وبعضه حقيقة أو نسميهما تصريحا وكناية حيث إن المعاني التي أرادها الشارع قد صيغت بلسان العرب الذي فيه المجاز والحقيقة والصريح والكناية، فقد سوغ أبو حامد الغزالي رحمه الله هذا الاعتبار قَبل الشاطبي إذ قال عند تعريف التأويل : “… ويشبه أن يكون كل تأويل صرفا للفظ عن الحقيقة إلى المجاز وكذلك تخصيص العموم يرد اللفظ عن الحقيقة إلى المجاز فإنه إن ثبت أن وضعه وحقيقته للاستغراق فهو مجاز في الاقتصار على البعض فكأنه رد له إلى المجاز إلا أن الاحتمال تارة يقرب وتارة يبعد…”(7).

وقال الجويني في تعريف المحكم والمتشابه: “والمختار عندنا أن المحكم كل ما علم معناه وأدرك فحواه. والمتشابه هو المجمل”(8) كل هذا شاهد على ما قلنا.

يجوز أن نتوسع في ربط مصطلحات أصول الفقه بعضها ببعض وحمل بعضها على بعض، فَنعدّ الاجتهاد والقياس بحثا عن عموم النصوص وخصوصها بالنسبة إلى الحوادث الجديدة، أو نعدهما إحكاما للنصوص عند تشابهها حيث إن القياس هو البحث عن الأصل الذي يلحق به حكم الحادثة إذا تجاذبها غير واحد من الأصول فيصح أن يقال يشبه أن تكون المسألة الفلانية داخلةً تحْت معنى آية فلانية أو تحت آية أخرى أو تحت نص ثالث.

إن صحةَ ضم المصطلحات بعضها إلى بعض تتبين إذا تأملنا في المقاصد التي من أجلها وضعت تلك المصطلحات ولها استعملت، والبحث عن هذه المقاصد في حقيقة الأمر بحث عن بداية أصول الفقه كيف بدأ أمره، فإن أصول الفقه من الفنون المستحدثة في الملة(9) كما نبه إليه ابن خلدون فلا بد أنّ دافعا دفع العلماء إلى وضعه فنا مستقلا أو اشتقاقه من علوم أخرى؟

لعلّ جوابَ هذا السؤال أو بعض جوابه مكْنونٌ فيما صنع الإمام الشافعي حين أرسى القواعد الأولى لهذا العلم، فقد علم أن أهل الرأي كانوا يهجرون بعض الأحاديث النبوية وكان متعلَّقَهم أن تلك الأحاديث تعارض معاني القرآن، كما تعلقوا بأن جلَّ الأحاديث المعارضة ظنية الثبوت وهي عندهم لا تفيد العلم بِتعبيرهم، وكان أهل الحديث يعملون بتلك الأحاديث ويدعون إليها وينكرون على أهل الرأي تركَهم إياها.

بل كان الخلاف أقدم زمانًا وأوسع نِطاقاً في ردّ النصوص بعضها ببعض ولم يكن مقتصرًا على المسائل الفقهية في زمن محدود، فقد اختلف الصحابة في بعض الروايات فردها بعضهم متمسكا بآيات من القرآن، كما أن الاختلاف تجاوز الأحكام العملية إلى ما يصنف في العقائد فقد أشار الجصاص إلى خلاف عقدي نجم من تعارض ظواهر النصوص وعلل الخلاف بغفلة إحدى الفرق عن أصل العموم بحسب رأيه(10)، كما أفرد ابن قيم الجوزية وارث أهل الأثر في زمنه فصلا في هذا المعنى في كتابه الأصولي “إعلام الموقعين” فوصف خلافَ أهل الرأي بأنه: “فِعل الذين يستمسكون بالمتشابه في رد المحكم”(11) ثم عدّ ستا وخمسين مسألة بعضها في العقائد وبعضها في الفقه. وهذا يدل على أن نطاق الخلاف كان واسعا جدا كما يدل على أن ابن قيم الجوزية كان يميل إلى أخذ المحكم والمتشابه بمعناهما الواسع كما فعل الشاطبي والغزالي.

أتى الشافعي إشكالَ التعارض من قِبَل أصل لُغَوي مسلَّم وهو أصل العموم والخصوص إذ بيَّن للناس في الرسالة مفصلا(12) أنّ مراد المتكلم من اللفظ قد يضيق نطاقه وقد يتوسع على ما عهِدته العرب في لسانها، وهذا يعني أنه لا تعارض بين الآيات والأحاديث كما يتوهمه أهل الرأي، إذ تحتمل النصوص العموم والخصوص وتأتلف فيما بينها بهذه الطريقة.

إن تأصيل الشافعي يتضمن فائدة بالنسبة إلى ما نحن فيه من مقاصد وضع المصطلحات واستعمالها وهي أن العام والخاص مصطلحان تُمثِّلان طرفَيْ الوضوحِ والاشتباه، حيث إنّ العام يحتمل التخصيص بدرجات مختلفة فهو إذاً غير واضح الدلالة، بينما اللفظ المخصوص يفيد القطع فهو إذاً واضح الدلالة وإذا ثبت هذا صحّ أن نقول إنّ مقصد الشافعي من وضع لفظ العام ومقابله الخاص هو التعبير عن أن الكلام له طرفان من حيث الوضوح والاشتباه.

إن مقصد التنبيه على طرفي الوضوح والاشتباه مراعًى في مصطلحات أخرى لمبحث الدلالة مما وُضع في أصول الفقه من بعد أو حمل إليه من الفنون الأخرى كالمطلق والمقيد والمجمل والمبين والحقيقة والمجاز وغير ذلك، ومن الشاهد على ذلك أن أبا بكر الجصاص نقل عيسى ابن أبان كان يستعمل لفظ العام بمعنى المجمل إذ قال:

“المجمل على وجهين: أحدهما يقارب معناه معنى العموم (لأن العموم) لا بد من أن يشتمل على جملة إذا كان يقتضي جمعا من الأسماء وكل جمع فهو جملة، فمعنى العام والمجمل لا يختلفان في هذا الوجه، فجائز أن يعبر بالمجمل عن العام وقد ذكر أبو موسى، عيسى بن أبان رحمه الله العام في مواضع فسماه مجملا، وهذا كلام في العبارة لا يقع في مثله مضايقة”(13) ثم ذكر رحمه الله معاني المجمل وأوجه الإجمال، ولا يلاقي العمومُ المجملَ إلا من جهة دلالتهما على طرف الاشتباه في الكلام فلذا استعملهما ابن أبان بمعنى واحد وننبّه هنا إلى أن ابن أبان عاش ما بين الشافعي والجصاص، وأن الجصاص هو المؤلف الثاني بعد الشافعي بحسب ما بأيدينا اليومَ من المصادر كما هو معلوم.

إن تنبيه الشافعي إلى تفَاوت الوضوح في البيان لا يختص بما دونه في أصل العموم والخصوص بل قد أشار إلى هذا الاعتبارِ في الرسالة في مواضع أخرى من حيث هو أصلٌ لُغَوي عهدته العرب في كلامها إذ قال:

“والبيان اسم جامع لمعانٍ مجتمعة الأصول متشعبة الفروع فأقل ما في تلك المعاني المجتمعة المتشعبة أنها بيان لمن خوطب بها ممن نـزل القرآن بلسانه متقاربة الاستواء عنده وإن كان بعضها أشد تأكيد بيان من بعض ومختلفة عند من يجهل لسان العرب”(14)، وقال في موضع آخر حيث أشار إلى سنن العرب في الكلام: “تكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ كما تعرف الإشارة ثم يكون هذا عندها من أعلى كلامها لانفراد أهل علمها به دون أهل جهالتها(15).

نستفيد من تقارير الشافعي فائدتين: فالأولى أن البيان له وجوه ومراتب من ناحيتين: فمن ناحية مصدر البيان، ومن ناحية وضوح البيان، فالناحية التي تعنينا هنا هي الثانية ويفهم اعتبارها من قوله: “تكلم بالشيء تعرفه بالمعنى دون الإيضاح باللفظ”، ومن قوله أيضا: “بعضها أشد تأكيد بيان من بعض” كما بيَّن ذلك فيما يلي من كلامه إذ ذكر آياتٍ وَرَدَ فيها المعنى مؤكدًا.

وأما الفائدة الثانية فهي أن كون البيان على مراتب أمر إضافي لا يضر كون البيان بيانا، أي أن المعاني الخفية التي يدل عليها الكلام بيانٌ مفيد لمن يفهمه وبلاغ، فهي حجة وإنّ تفاوت مراتب البيان راجع إلى علم المخاطب بسنن العرب في البيان، فالمعاني الواضحة والخفية متقاربة الاستواء عند من يعلم سنن العربية ومختلفة عند من يجهل لسان العرب، وإن المعاني بواضحها وخفيّها مجتمعة الأصول أي تجتمع في البيانية فهي بيان وإن كانت متشعبة الفروع أي مهما تشعبت أساليبها واختلفت درجاتها في الوضوح، وهذا يفيد أن مراتب البيان إضافية نسبية وهي تنجم من تفاوت المخاطبين في العلم، إنّ إضافيةَ مراتب البيان أصل مهمّ وسنرجع إليه وسنقول فيه.

يصحُّ أن ندعي مقصدًا آخر من استعمال مصطلحات مبحث الدلالة وهو التنبيه على الاقتران المعنوي بين نصوص الشريعة لجبر الغموض والاشتباه عن بعضها وهو فائدة تستفاد من عقد التقابل بين المصطلحات، وذلك أننا إذا قلنا هذا كلام عام ننبه على وجود المخصصات من جهة مفهوم المخالفة أو إذا قلنا هذا مجمل ندل المخاطب من جهة مفهوم المخالفة على وجود المبين حتى يراعيهما معًا في تبين المعنى ولا يبادر إلى الحكم بالظن والخرص في توجيه نص ظني، وكذلك المتشابه فإذا وصفنا النص بالتشابه نشير إلى وجود معاني مختلفة يحتمله اللفظ حتى يبتغي سبيلاً إلى إحكام اللفظ وضبطه بأحد تلك المعاني.

بهذا يتبين أن تلك المصطلحاتِ وسائلُ نظرية وأبواب اعتبارية فتحها العلماء ليطلَّ الطالب على الاقتران المعنوي بين نصوص الشريعة من أوجه مختلفة ولكي لا يخرج النص الجزئي عن معناه المراد وليتبين كيف يتصل الدليل الجزئي بالنظم الكلي للشريعة ويرى كيف يزولُ الاشتباه العارض ويرتفع ما وهمه من التعارض.

فائدة أخرى من استعمال مصطلحات مبحث الدلالة هي الإشارة إلى تقديم بعض النصوص على بعض في الخلاف الفقهي، فإذا قالوا هذا كلام مجمل أو عام أو ظاهر أو نص فإنما هم يعنون أنه كذلك بالنسبة إلى المسألة الجزئية التي عقدوا لها الكلام أي إنهم يقارنون بين نصين أو أكثر في مسألة واحدة، فيقولون على سبيل المثال هذا مجمل وعامّ والآخر أوضحُ منه وأقطع دلالةً فيقدم عليه ولا يقدم الظني على القطعي، فإذا تأملنا في هذا المقصد نجد أنه ليس مقصدا منفردا وإنما هو تقييد للمقصد الأول المذكور، ذلك أن المقصد من التنبيه على طرفي الوضوح والاشتباه هو تقديمُ الواضح على غير الواضح وجعلُ الأول أصلاً والثاني تبعاً وهو فائدة عملية نحتاج إليه في الخلاف الفقهي.

خلص من البيان الذي سلف أن المقاصد من استعمال ألفاظ مبحث الدلالة ثلاثة فالأول التنبيه على طرفي الوضوح والاشتباه لنصوص الشريعة في استعمال ثنائي لهذه الألفاظ، وأما الثاني فهو الإشارة إلى الاتصال المعنوي بين نصوص الشريعة بالاستعمال الثنائي لها أيضا فقد بيّنا أن هذا المعنى يستفاد من قبل مفهوم المخالفة، وأما المقصد الثالث فهو الفائدة الفقهية وهي تقديم النصوص بعضها على بعض في الخلاف الفقهي وتحصل هذه الفائدة إذا استعملت الألفاظ المذكورة مزدوجة ثنائية أيضا. ونضيف إلى هذه الثلاثةِ الفائدةَ التي استنبطناها من تقرير الشافعي ليتبين مقصدنا من هذه المقالة وهي إضافية مراتب البيان.

لم يثبت أصول الفقه على أول حدِّه الذي رسمه الشافعي إذ حدثت من بعده مقاصدُ أخرى غير ما ذكرنا كما أُدخلت فيه ألفاظٌ أخرى لتكون بمضي الأزمان مصطلحات كلفظ المجمل على سبيل المثال، فقد أفرد الجصاص للمجمل فصلا بعد أن كان المجمل لفظًا نكرة يستعمل في الفقه بمعناه اللغوي، فقد نقلنا ما ذكر الجصاصُ من كلام عيسى بن أبان أو كألفاظ أخرى نقلت إلى أصول الفقه، وناقلها أبو زيد الدبوسي فيما يبدو كما قال الأستاذ داوود إيلطاش في بحثه الذي أعده لنيل الدكتوراه(16) فقد خصّ الدبوسي بابًا بهذا المعنى في كتابه تقويم الأدلة حيث قال: باب القول في الأسماء الظاهرة التي تتفاوت معانيها ظهورا من الأسماء المستعملة بين الفقهاء”: هذه الأسماء أربعة الظاهر والنص والمفسر والمحكم…”(17).

ثم بيّن معاني الألفاظ المذكورة والفروق فيما بينها مع الإشارة إلى اختلاف أهل العلم في محامل بعض تلك الألفاظ، ثم ذكر مقابلاتها مع الشرح والبيان أيضا فقال: “ولهذه الألفاظ أضداد هي الخفيّ ضدُّ الظاهر، والمشكلُ ضد النص، والمجمل ضد المفسر، والمتشابه ضد المحكم …”(18).

إن العنوان الذي عنون به الدبوسي البابَ لحَرِيّ بالوقوف والتأمل، فقد زعم أن تلك الألفاظ التي يستعملها الفقهاء وأضدادَها مرتبةٌ بحسب وضوح الدلالة وخفائها، وهذا شيء لم يقله الجصاص من قبله، كما أنه يعارض ما نريد إثباته من إمكان إرجاع مصطلحات مبحث الدلالة إلى مصطلحي المحكم والمتشابه بحسب المقاصد المذكورة، لأننا نقول إن الظاهر والنص والمفسر والمحكم عبارة عن النص الواضح معناه وإنما الفرق في التسمية وفي زاوية النظر، والدبوسي يقول إن تلك الألفاظ تفيد مراتب مختلفة في الوضوح وكذلك أضدادها. ولا بد من دفع هذا الإشكال حتى تسلم دعوانا من النقد والنقض.

هل كان الفقهاء يعتبرون هذا الترتيب كما أشار إليه الدبوسي؟ والجواب عندي أنه لا يصح عزو ذلك إلى الفقهاء، فمن زعمه فقد تكلّف وذلك أن الذين استعملوا هذه الألفاظ إن كانوا هم الفقهاءَ فإن الفقهاء يتكلمون في غالب الأمر في المسائل الخلافية الجزئية، فإذا قالوا هذا كلام مجمل أو ظاهر أو نص فإنهم يَعنون أنه مجمل أو ظاهر أو نص بالنسبة إلى المسألة الجزئية المختلف فيها، أي إنهم يقارنون بين نصين أو أكثر في مسألة واحدة فيقولون على سبيل المثال هذا مجمل والآخر أوضح منه وأقطع دلالةً فيقدم عليه كما قلنا من قبل، وكذلك الأمر بالنسبة إلى أصل العموم والخصوص فإن الشافعي رضي الله عنه حين قرر هذا الأصل لم يرِِد أن يصنف نصوص الشريعة بأن النصوص الفلانية عامة والنصوص الأخرى خاصةٌ على الإطلاق، فإن الخصوص والعموم أمران نسبيان كما نبه إليه أبو حامد الغزالي رحمه الله(19)، وإنما أراد الشافعي الربط والتأليف بين نصين متعارضين في مسألة معلومة بالنظر فيهما من جهة عموم المقصد وخصوصه، وهذا يعني أن ألفاظهم ثنائية الاستعمال وإضافية الحدود كما قلنا.

وإذا كان الأمر عند الفقهاء كما ذكرنا فلا ينبغي أن تحمل ألفاظهم على ما يتجاوز مقاصدهم من وصف أدلة الشريعة وصفا كليا مع ترتيب مزعوم، وإن الذي يبدو من عرف الفقهاء المتقدمين أنهم نطقوا بتلك الألفاظ بمعانيها اللغوية المقاربة من غير قصد منهم إلى ترتيب، وإن الأمر ليس كما يومئ إليه كلام الدبوسي وكما تلقاه الناس من بعده بالقبول وتبنوه إلى يومنا هذا إذ ظنوا خطأً أنَّ تلك الألفاظَ مصطلحات ثابتة، وأن حقائقها غير اعتبارية، وأن نصوص الشريعة موزعة عليها ومصنفة بحسبها.

إن الفروق المزعومة في ترتيب الألفاظ المذكورة بما يدل على تدريج الوضوح في كلام الشارع إما أن تدرك من جهة المعاني اللغوية لتلك الألفاظ وإما تفهم من قبل النصوص التي ضربت لتلك المراتب مثلا في كتب الأصول، فأما إثباتها من قبل المعاني اللغوية فهو عسير، وأما إثباته من قبل الأمثال فهو أبعد إذ يظهر من مؤلفات الأصوليين أنه عسر عليهم أن يضربوا أمثالا من النصوص لكل قسم من تلك الأقسام بما ينفصل بعضها عن بعض بفواصل مفهومة، فقد صدر من بعضهم كلام هو عندي اعتراف وإن كان ظاهره عذرا واحتجاجاً، قال علاء الدين البخاري بعد أن ذكر معارضة افترضها على لسان خصمه فيما يخص الفروق بين بعض ألفاظ الدلالة وفي وجوب تقديم بعضها على بعض:

“المثال ليس من اللوازم لأن الأصل يتمهد بالدليل والبرهان لا بالمثال وإنما إيراد المثال للتوضيح والتقريب فلا بد من إقامة البرهان على المدعي أولا ثم إيراد المثال بعد إن شاء للإيضاح على سبيل التبرع فإذا تمهد الأصل فلا عليك أن لا يتعب في طلب المثال”(20).

قلت: ما أتعبهم شيءٌ سوى أنهم افترضوا الترتيب المذكور بين تلك الألفاظ وتركوا المأخذ السهل الذي ذكرنا.

كل هذا يبيِّن عندنا ويدل على أن المقصد الأم في استعمال ألفاظ الدلالة في أصول الفقه قد خفي بمضي الأزمان من حيث لم يشعر الناس، إذ كان المطلوب من استعمال هذه الألفاظ فائدة عملية -كما سبق شرحها- ثم نسي هذا المقصد فأخذ الناس يحاولون أن يؤسسوا منهجا نظريا بمعزل عما يفيد طالب الفقه في فهم الشريعة وفي الخروج من مشكلاتها العارضة.

فإن قال قائل: إن ترتيب الأصوليين هذه المصطلحات محمود وذو حكمة لأن ترتيبهم مؤسس على حقيقة لغوية بيانية وهي تفاوت نصوص الشريعة من حيث وضوح الدلالة وغموضها وإنهم على هذه الحقيقة البيانية جَرَوْا حين فرقوا بين التفسير والتأويل وحين صنفوا الدلالات إلى مراتبها المبينة في كتب الأصول من عبارة النص وإشارته واقتضائه ومفهومه الموافق ومفهومه المخالف وفحواه ولحنه وغيرها، ثم إن تقسيمهم العلل إلى أنواعها وتصنيفَهم القياس إلى قياس العلة وقياس الشبه فضلاً عن كون القياس رتبةً بيانية مستقلة راجعٌ في حقيقة الأمر إلى تفاوت الوضوح في مراد الشارع من كلامه كما يجوز أن نعد تقسيم الأحناف المكروه إلى كراهية التنـزيه وكراهية التحريم مُفَرَّعا عن الأصل نفسه، كلُّ هذا إجماع منهم أو كالإجماع على وجود التفصيل في ترتيب درجات البيان وإن اختلفوا في كمية الدرجات وفي الألفاظ والأسامي التي أطلقوها وأنت تخالف إجماعهم وتستبدل بتقسيمهم المفصّل تقسيما ثنائيا تتضمنه الآية المذكورة بزعمك، والحاصل أن الأصوليين عبْرَ القرون إلى التفصيل والتوضيح قصدوا وعلى الحقيقة البيانية المذكورة أسسوا حين شيّدوا هذا الصرح الذي تريد هدمه، فأي أساس تبني عليه بنيانك وماذا يضير عندك أن يكون الترتيب أدقّ تفصيلا وأكثر توضيحا ولماذا تحجر الواسعَ المفيدَ لغير فائدة وتستبدل الأصل المعروف بِِغَرِِيبٍٍ مُريب؟

والجواب وبالله التوفيق: أننا لا نريد هدم أصل، وإنما نريد الكشف عن الأصل، ولا نريد تحجير الواسع، وإنما نريد حبْك الأهداب وجمع الشتات وربط الفرع بأصله ونريد التنبيه على أن الذي زاده اللاحق اختلف في مقصده عما وضعه السابق، فإذا اختلف مقصد الأصوليين المتأخرين عن مقصد الفقهاء السابقين الذين وضعوا تلك المصطلحات فلا يعد ما نريده خلافا لإجماعهم إن كان ثَمّ إجماعٌ، فقد بيّنا أن استعمال الفقهاء للألفاظ ثنائي ونسبي، وأنهم بتلك الألفاظ الثنائية مثّلوا للواضح ولغير الواضح للتنبيه على الاقتران المعنوي بينهما بأن غير الواضح يُحمل على الواضح ويُبيَّنُ به، وفي هذا فائدة عملية في الخلاف الفقهي بينما الترتيب المفصل قد غاب فيه المقصد العملي المذكور عن زاعميه وقائليه من الأصوليين، وإن عدم تنبيههم على المقاصد المذكورة وكثرةَ اختلافَهم فيما بينهم لَشاهدٌ على دعوانا.

إن الفرقَ بين التفسير والتأويل(21) أو انقسامَ الدلالة إلى عبارة النص وإشارته واقتضائه وغير ذلك أو انقسامها إلى المنظوم والمفهوم والمعقول(22) بعبارة الغزالي أمورٌ لم نجهلها ولم نغفل عنها في هذه المقالة كما لم نجهل التمييز بين المعنى الذي قصد وسيق له الكلام وبين غيره من المعاني(23)، وهو ما عبر عنه الشاطبي إذ قسّم مدلولات النصوص إلى المعاني الأصلية والمعاني التبعية لتفاوت الدلالة اللغَوية(24)، وإنما نريد هنا التنبيه على أن تلك التقاسيم تخص الطرُقَ اللغوية للكلام وأنه لا فائدة من إطالة الوقوف عليها لعسر تفصيل درجاتها كما بينا ولاستغنائنا بالتقسيم الثنائي عن معرفة تلك الدرجات، إذ يكفينا أن نصطلح على أن الكلام ينقسم إلى واضح وغير واضح لأجل المقاصد العملية المذكورة، وأننا من أجل ذلك نلح على أن تقسيم الكلام إلى محكم ومتشابه تصنيفٌ كافٍ ومأخذٌ قريب.

والحاصل أننا لا ننكر الأمور التي قررها العلماء وإنما نريد التنبيه على نسبية تلك الأمور وأنها تقريبية وأن كثيرا من أهل الأصول شُغِلوا بالتدقيق والتحقيق في أمور إضافية وألفاظ اعتبارية وراموا بناءَ منهجٍ نظري مفصَّل قبْل التأمل والتساؤل: هل نحتاج إلى هذا التفصيل؟ وهل يغني عنا مشكلة في فقه النصوص؟

قد يصحّ أن نعلل وضع بعض مصطلحات الدلالة بأمر آخر وهو أن قول الله تعالى: (مِنْهُ آيَاتٌ مُّحْكَمَاتٌ هُنَّ أُمُّ الْكِتَابِ وَأُخَرُ مُتَشَابِهَاتٌ) لما كان واردًا في وصف آيات الكتاب بحسب الظاهر خصّ العلماء المحكم والمتشابه بالآيات ولاسيما ما يتعلق بالشؤون الإلهية منها لكون التشابه فيها أظهر من غيرها فاحتاجوا إلى ألفاظ أخرى لهذا التخصيص.

أو يصح أن يكون الإحكام أخذًا بمعنى منع النسخ، وأخذ التشابه بمعنى ورود النسخ وإمكانه، ووضعوا الألفاظ الأخرى للدلالة على الاشتباه الذي يعرض من غير جهة النسخ. واستعمال اللفظين بهذا المعنى ظاهر عند الأحناف فقد اعتبروه وافترضوه على أنفسهم، إلا أن الآية ليس فيها ما يدل على التخصيص ويجوز أن نحمل اللفظين على أوسع مما اعتبروه كما يشهد لذلك قوله عليه السلام: “الحلال بيّن والحرام بيّن وبينهما أمور مشتبهات” والحديث قد ذكره الشاطبي فيما اقتبسنا من كلامه وعلق عليه بما يؤكد دعوانا فقال: “فالبيّن هو المحكم وإن كانت وجوه التشابه تختلف بحسب الآية والحديث، فالمعنى واحد؛ لأن ذلك راجع إلى فهم المخاطب”.

إن ما ذُكر في الاعتراض من كون الترتيب المذكور أدق تفصيلا وأكثر توضيحا لا يضطرنا إلى مراعاته واتخاذه أصلا لأنه تفصيل مبني على تصور تجريدي وقليل النفع عمليًّا، كما أنه لا يوالف المقاصد المذكورة لوضع تلك الألفاظ واستعمالها. ولعلّ النظرَ الأمثل في توجيه تلك الألفاظ هو القول بأنها إضافية وأنها وضعت ثنائية للتنبيه على طرفي الوضوح والاشتباه فحسب، وأن بعضَها بديل عن بعض وأن كلَّها تعنى الحقيقةَ الواحدة وتدلُّ على المقاصد المذكورة من زوايا مختلفة، كما تدل على المعنى الواحدِ ألفاظٌ مترادفة متقاربة فقد قلنا في هذا المعنى بأن تقارير الأصوليين شرح مفصل للآية المذكورة التي تتضمن التقسيم الثنائي، فإذا أخذت تلك المصطلحات بهذا المعنى فتنويع الألفاظ وكثرتها لا يضر بل ينفع كما ينفع في شرح الكلمة ذكر مرادفاتها ومقارباتها وإلا فعناءٌ من غير غناء والله أعلم.

ونؤكِّد مرّة أخرى على أننا لا نقول إن تقاسيم الأصوليين الأحناف أو غير الأحناف ومصطلحاتهم لا تغني في فهم النصوص من شيء، بل نعلم أنهم أرادوا أن يبينوا أسباب الغموض والخفاء في خطاب الشارع فوضعوا مصطلحاتهم في مباحث الدلالة ورتبوها بحسب تلك الأسباب، إلا أن فائدتها العمليةَ قليلةٌ وأنها لا تنبني على المقاصد المذكورة آنفا. ثم إننا إذا قارنّا ترتيبهم بالترتيب الذي يستفاد من الآية على ما ادعينا نجد أن ترتيب الآية أولى بالأخذ والاعتبار من غيره لفضائل وميزات.

فمن فضائله أنه يتضمن إضافية البيان بدلائل كثيرة. إن إضافية مراتب البيان مع مراتب المخاطبين أمر مهِِم لا يستغنى عن ذكره، وإننا نظن أن أهمّ سبب لكثرة اختلاف الأصوليين في حدود المصطلحات في مبحث الدلالة هو إغفال الإضافية.

ميزة أخرى للترتيب المستفاد من الآية هي إشاراتها إلى وجود نَظْم كلّي لآيات الكتاب وأن فروع الشريعة يُتِمُّ بعضها بعضًا في نظم محكم متحد، وأن تلك الإشارات تستفاد من ألفاظ الآية ومن نَسَقِِ ألفاظها وتركيبها كما سنبينه بإذن الله تعالى، إن الألفاظ الأخرى كالمبيَّن والمجمَل قد تقوم مقام المحكم والمتشابه لتضمنه تقسيم الدلالة إلى واضح وغير واضح كما يتضمنه المحكم والمتشابه، ولكنها خالية من الدلالة على الإضافية أو على اتحاد نظم الشريعة.

وميزة أخرى أن المحكم والمتشابه والتأويل قرآنية الجذر والقرآنُ حكيمٌ معجزٌ وإن كل لفظ فيه مظنة لإعجاز بياني، فانتقاء المصطلحات من القرآن أولى وأحرى كما هو عادة متبعة في هذه الأمة.

يصحُّ أن نقيس هذا الإشكال الأصولي الذي نحوم حوله على أصل بياني يخص لسانَ العربِِ ولا يبعد قياسنا هذا حيث كان محور أصول الفقه هو البيان، إن الأصل الذي أعنيه هنا ما بيّنه الشاطبيّ في تقرير مفصّل من أنّ “معهودَ العرب أن لا ترى الألفاظ تعبدا عند محافظتها على المعاني وإن كانت تراعيها أيضا”(25)، واستدل عليه بأدلة وعدّ إنـزال القرآن على سبعة أحرف أمرا جاريا على هذا الأصل، وقال أيضا: ولم يكونوا بحيث يتعمقون في كلامهم ولا في أعمالهم إلا بمقدار ما لا يخل بمقاصدهم…”(26) وما قاله الشاطبي صحيح فإذا تأملنا فيما كثر في كلام العرب من الحذف والمجاز وغيرهما نجد أن كلَّها ترجع إلى أصل واحد وهو وضع الألفاظ وإصلاحها لأجل المعاني مع طلب الوجازة واجتناب الكلفة ونحْنُ نقيس مسألتنا على هذا الأصل فنسائل: هل تعمق الأصوليون في الألفاظ لأجل المقاصد أم لا؟ والجواب: أن تلك الألفاظ كانت تستعمل بمعانيها اللغوية لأجل المقاصد التي ذكرنا أو لبعضها ولكن لما خفي المقصد ونسي المعنى الأساس شغل الناس بالألفاظ والمباني ووقع بينهم ما وقع من الاختلاف وكان ذلك لغفلتهم عن السنة البيانية التي هُدِيت إليها هذه الأمة.

لعل فيما قدمنا كفاية في بيان مقاصد مصطلحات الدلالة، وفي بيان مواضع بعضها من بعض، وفي أن الترتيب بين تلك المصطلحات -على ما زعمه الدبوسي وتبعه الناس عليه من بعده- أمر يستغنى عنه، ونريد فيما يأتي أن نبين مزايا لفظي المحكم والمتشابه على غيرهما من المصطلحات وكونهما جامعين دون غيرهما، فلا بد من ذلك إذ أعرضنا عن التقسيم المفصّل وزعمنا أن المحكم مع مقابله المتشابه يحويان فوائد المصطلحات الأخرى، وأنّ الآية تتضمن منهاجا شاملا وكافيا في قراءة كتاب الله تعالى أعني بالقراءة معنى واسعا كما سبقت الإشارة إليه.

سلف القولُ منّا بأن الآية التي نريدها قطبًا لأصول الفقه محورها البيانُ، كما أنّ علم أصول الفقه محوره البيانُ أيضا، فإنه فاتحة الكتاب في رسالة الشافعي الذي هو أول مؤلف في الأصول إذ بدأ التقرير بقوله: “كيف البيان”، وإذا كان البيانُ قطبَ أصول الفقه فلا بد أن نقف عليه ونسائل كما ساءل الشافعي كيف البيان، فقد ذكرنا عن الشافعي أنه نبَّه إلى أصلين عند جواب هذا السؤال: أحدهما كون البيان على مراتب ووجوه من جهة وضوح الدلالة وظهور المعنى، فالبيان بعبارته متشعب الفروع. والأصل الثاني هو ثبات المعنى والمقصد، أي أن البيانَ بيانٌ لأهله وإن تشعبت فروعه واختلفت أساليبه وتفاوتت معانيه وضوحا، إن اختلاف مراتب البيان حقيقة ولكنه حقيقة نسبية تنجم من تفاوت المخاطَبين في القدرة على تلقي المعنى، وإذا تأملنا في هذين الأصلين نجد أنهما ينبنيان على بنية آلة البيان وخصائصها، أي بنية لسان العرب الذي به أنـزل القرآن؛ ولذا فإن عربية القرآن أصل أصيل وليس بأمر عارض، فلقد نبه الشافعي إلى أصالتها في فهم خطاب الشارع وأصر عليها في رسالته من غير مبالغة وأورد فيها آيات من الكتاب، والشافعي محق فإن عربية القرآن أمر نُص عليه فيما يزيد على عشرة مواضع كقول الله تعالى: (إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيّاً لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ)(27) ويبعد أن يكون المعنى في تلك الآيات مقصورا على الظاهر الذي يقتضيه السياق القريب من زوال حجة المخاطبين العرب من جهة اللسان حيث إن الله تعالى خاطبهم بلسانهم الذي يفهمونه ويتخاطبون به فيما بينهم كما جاء في آية أخرى: (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ)(28)، بل السياق أوسع من ذلك ونظن أن الشافعي يشير إلى معنى أعمق في هذه الآيات.

إنّ إضافيةَ مراتب البيان تعني عندنا إضافية المحكم والمتشابه، وإن إضافيتهما لهَي أحدُ الأصول التي تقوم عليها دعوانا في هذه المقالة فلا بد أن نحتج لها ونذكر أدلتها.

فمن أدلتها الواقع والتجربة، فقد عرف أبو إسحاق الشاطبي للمتشابه إضافيته حيث قال إن المتشابه في الشريعة قليل ثم افترض اعتراضا على مقالته وأجاب عنه ممهدا بقاعدة “وهي أن المتشابه الواقع في الشريعة على ضَرْبَيْن أحدهما حقيقي والآخر إضافي”(29) وبيان ذلك عنده بإيجاز متضمن في قوله: “…المنسوخ والمجمل والظاهر والعام والمطلق قبل معرفة مبيناتها داخلة تحت معنى المتشابه…”(30) وأما بعد معرفة مُبيّناتها فتصير محكما. فالمتشابه إذاً متردد ومتبدل بحسب زَمَنين أو بحسب مخاطَبَين إذا علم المبيناتِ أحدُهما وجهلها الآخر، ولا يبعد أن يكون الشاطبي استفاد هذه الحقيقة من الواقع والتجربة حيث يشتبه على الطالب كثيرٌ منْ نصوص الشريعة وأحكامها في أول الأمر ثم تنجلي له شيئا فشيئا كلما تقدم في مراقي العلم، إنه وتيرة الرسوخ في العلم والتفقه في الدين وهي مسيرة مستمرة لا تقف سواء لطالب الفقه أم لطالب علم آخر حتى يَأتيه اليقينُ.

وجهٌ آخر يدلّ على نسبية مراتب البيان هو النظر في عبارات الآية المذكورة من جهة الجُذور اللغوية لمفرداتها ومن جهة الصيغ الصرفية ومن جهة التقابل الذي عقد بين المحكم والمتشابه.

إن الإحكام لا يدل في اللغة على الوضوح كما لا يدل التشابه على الغموض إلا مجازا واستعارةً، فلأي شيء استعملَ هذا المجازُ واختير هذان الجذْران في هاتين الصيغتين من بين ألفاظ كثيرة تصلح لهذا الغرض؟ فلا بد من البحث عن ذلك.

فأما المحكم فهو من الحَكَمَة وهي حديدة اللجام التي تكون في فم الفرس يقال: “حكم الفرس وأحكمه” كما قال أصحاب المعاجم، واستعير منه معنى المنع والضبط فقد أنشدوا في هذا المعنى قول الشاعر: “أبني حنيفة أحكموا سفهاءكم … إني أخاف عليكُمُ أن أغضبا”(31) وعلى هذا فإن قول الله تعالى: (مُّحْكَمَاتٌ) يعني أحكمت عبارتها بأن حفظت من الاحتمال والاشتباه(32) كما قال الزمخشري باختصار، وهذا إن كان يدل على شيء فهو يدل عندي على أن وضوح اللفظ لا يكون من نفس اللفظ بل بأمر خارج عنه أي أن اللفظ أو العبارة كان مترددا في نفسه ومتشابها بين المعاني وسائبا غير مضبوط فأضيف إليه أمر آخر فأحْكِم وضُبِطَ، هذا ما يفهم من جذر الكلمة ومن صيغتها الصرفية بطريق مفهوم المخالفة حيث إن المحكم اسم المفعول غير اسم الفاعل وإن الفعل لا يصدر من المفعول بل من الفاعل.

وأمّا المتشابه فهو من الشبه ومعناه في اللغة معلوم، قال الزمخشري: وقد أشبه أباه وشابهه، وما أشبهه بِأبيه… وتشابه الشيئان واشتبها(33)، ولعل وجه المجاز في هذا اللفظ أن الغمُوضَ يعتري العبارة من قَبلِ إمكان حمْلَها على غير واحد من المعاني أي أنّ العبارة يُشْبِهُ أن يكون أريد بها هذا المعنى كما يشبه أن يكون أريد بها معنى آخر أو معنى ثالثٌ، فقد أوجز أبو السعود بيانَ هذا المعنى عند تفسير الآية فقال: “( مُتَشَابِهَاتٌ) صفةٌ لأخَر وفي الحقيقة صفةٌ للمحذوف أي محتملاتٌ لمعان متشابهة لا يمتاز بعضها عن بعض في استحقاق الإرادة بها ولا يتضح الأمر إلا بالنظر الدقيق والتأملِ الأنيق(34)، وبهذا يتبين أنّ خفاءَ قصْد المتكلِّم في المتشابهات لا يأتي من جهة ركاكة العبارة أو خلَل نظمها أو جهالة مفرداتها بل تكون العبارة محكَمَة النظْم ثابتَة الإسناد إلا أنها يعرضها الخفاءُ من قبل تردد العبارة بين معان محتملة، فقد فسَّر الزمخشريُّ المتشابهَ بهذا المعنى بإيجاز فقال: (مُتَشَابِهَاتٌ) مشتبهات محتملات(35)، وهذا المعنى من المتشابه يؤكد المعنى الذي ذكرناه للمحكم ويضافره، أعني كونَ العبارة بيّناً أي محكَما بغيرها وغامضا أي متشابها في نفسها.

ثم إنّ المتشابه قد صيغَ في صيغة اسم الفاعل، وهذا أيضا يشير إلى الأصل المذكور إشارة أخرى خفيةً، وذلك أنَّ الفعلَ يصدر من الفاعل، وإذا كان كذلك فإن معدن التشابه هو المتشابه نفسه بخلاف المحكَم فإن الإحكام يأتي من قبل أمر آخر غير المحكم كما بيّنا، والحاصل مما تقدم أن سبب الخفاء في المتشابه هو اقتصار النظر عليه منفردا ومعزولا عن غيره وأن السبيل إلى الوضوح هو النظر في الأمور الخارجية، أي أن الكلام متشابه بالإضافة إلى نفسه ومحكم إذا أضفناه إلى غيره.

يتأكد البيان السابق بالتأمل في لَفْظ التأويل الذي اختير للتعبير عن بيان المتشابه فالتأويل من الأَوْل الرجوع، آل الشيء يؤول أَوْلا ومَآلا رجع، وأوَّل إليه الشيء رجعه، وأُلْت عن الشيء ارتدَدْت(36)، فتأويل المتشابه بحسب هذا المعنى إرجاع اللفظ إلى أحد المعاني المحتملة كما تؤيده الموارد المختلفة لهذا اللفظ في القرآن، كما في تأويل الرؤيا وتأويل الأحلام الذي ورد في سورة يوسف، فإن تأويل الرؤيا ظنّ وتقدير في كيفية تحققها ووقوعها في الوجود بين تقديرات كثيرة محتملة، وكذلك إتيان تأويل الآيات المتعلقة بالوعد والوعيد الأخرويّين فإن الأمور الأخروية أمور مخيّلة عندنا وغير مشهودة، وإن مجيء تأويلها هو وقوعها وتحققها مشهودة وعيانا، فقد جمع عبد القاهر الجرجاني هذه المعاني عند تعريف التأويل إذ قال: “حقيقة قوْلِنا تأوّلتُ الشيء، أنك تطلّبت ما يؤول إليه من الحقيقة، أو الموضعَ الذي يؤول إليه من العقل”(37) وهذا يبين أن التأويل يكون حيث تكون للعبارة معان تتجاذبها ومحامل تتشابه فيها حتى يرجع اللفظُ أي يؤول إلى أحدها، وفي ذلك تأكيد معنى المتشابه بالمحمل الذي ذكرنا إذ قلنا إن المتشابه لا يعني الغموض المطلق. فلو استُعمل هنا مكانَ التأويل لفظٌ آخر كالتفسير والتبيين لَخَلَتْ عبارة الآية من تأكيد إضافية المتشابه من هذا الوجه ولجَاَز أن يوهم أن ثَمَّ خفيّا مطلقا.

ودليلٌ آخر على إضافية مراتب البيان هو ورودُ لفظَيّ المحكم والمتشابه في صيغة النكرة، وهذا قد يكون لنسبيتهما حيث تكون الآية محكمة تارة وتكون متشابهة تارة أخرى بحسب مخاطَبين أو زمنَين كما قلنا، وإذا كان كذلك حسن أن ينكَّر اللفظان والله أعلم.

ومن الأدلّة على إضافية المحكم والمتشابه هو ما في الآية من التنبيه على رسوخ الراسخين في العلم ووقوف تأويل المتشابه على ذلك بحسب إحدى القراءتين الصحيحتين، فقد علم أن الوقفَ جائزٌ على موضعين في الآية فالمعنى بحسب ذلك أن الراسخين في العلم يعلمون تأويل المتشابه، وما علم الراسخون تأويل المتشابه إلا برسوخهم في العلم وإنهم بذلك اُسْتثْنوا مع الله تعالى من غيرهم، هذا ما يفهم من أسلوب الاستثناء ومِن جهة مفهوم المخالفة، وإذا علم الراسخ تأويل المتشابه فقد زال عنه التشابه وصار عنده محكما وإن كان عند غيره متشابهًا، وهذا يدل على إضافية المتشابه التي نريد إثباتها.

إن تمييز الراسخين في العلم من غيرهم كما تدل عليه الآية أصل ينبني عليه ما قرره الأصوليون في أبواب الاجتهاد، فقد أفردوا في تلك الأبواب حديثا لبيان ضرورة رجوع العامي إلى أهل الاجتهاد وصفات المجتهدين وشروط الاجتهاد وجواز تقليد المجتهد مجتهدا آخر وغير ذلك من المسائل فإنهم حاموا في تلك التقارير حول معنى الرسوخ في العلم وتأثيره في فهم الشريعة وبيان المعايير المعتمدة في تمييز الراسخ من غير الراسخ، هذا نظر لائح لمن أدرك أن حقيقة الاجتهاد هو رد متشابهات الأمور والحوادث إلى محكمات الشريعة، وهذا يؤيد دعوانا في أول المقالة ويبين أننا ما زعمنا عَبَثًا أن تقارير الأصوليين في مجملها شرح مفصل للآية والله أعلم.

ودليل آخر أن إنكار إضافية المتشابه يستلزم قبول وجود الخفاء المطلق لبعض نصوص وهو يعارض ما وصف الله تعالى به القرآن نفسه من أنه بيان إذ قال سبحانه: (هَـذَا بَيَانٌ لِّلنَّاسِ)(38)، وقال: (الَر كِتَابٌ أُحْكِمَتْ آيَاتُهُ ثُمَّ فُصِّلَتْ مِن لَّدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ)(39) وأما إذا حملنا التشابه على معنى الاحتمال كما قلنا وسلّمنا بإمكان توجيه المتشابه وتأويله بأحد الاحتمالات يرتفع هذا الإشكال.

إن إضافية المتشابه لا تخفى على من علِم أن مواضع الأشياء تتعين بحسب موضع الناظر إليها، فنسائل بناء على هذا الأصل النظري المسلم: على من تتشابه الآية فهل تتشابه على المخاطبين أم تتشابه على الله تعالى؟ والثاني باطل لأنّ الله تعالى هو صاحبُ الخطاب فيستحيل أن يتشابه عليه كلام نفسه حيث أنشأ الألفاظ لأجل المعنى الذي يريده، وإذا كان الأمر كذلك فالمتشابه غير حقيقي بل هو متشابه بالإضافة إلى المخاطبين، وإن المتكلم سبحانه جعل كلامه كذلك لإحقاق مقاصد ولم يَعْيَ عن البيان عجزاً، وهو أصل معروف في لسان العرب، أعني أن يتعمد المتكلم إبهام كلامه على بعض السامعين دون بعض بضرب من البيان فقد نبَّه الشاطبي في الموافقات إلى هذا الأصل اللغوي إذ قال: “… إلا أن يقصدوا أمرا خاصا لأناس خاصة فذاك كالكنايات الغامضة والرموز البعيدة التي تخفى عن الجمهور ولا تخفى عمن قصد بها…”(40) ويجوز أن نقيس مسألتَنا على هذا الأصل البياني وإن كان الشاطبي ساق هذا الأصل لغرض آخر غير الذي نحن فيه.

إنّ إضافية المحكم والمتشابه أو إضافية مراتب البيان لتؤيد دعوانا وتجعل لنا عذرا في شكِّنا في فائدة الترتيب المزعوم للمصطلحات المذكورة آنفا كما يفيدنا هذا النظر فوائد ويدل على مغزى كثير من المشكلات في الأصول، وأعني بالنظر هنا أن الوضوح أمر إضافي، فالخطاب واضح إذا أضيف إلى سياقه ومتشابهٌ إذا عُزِِل وأضيف إلى نفسه، فمِن تلك المشكلات مسألة العموم والخصوص، فقد نبَّه أبو إسحاق الشاطبي رحمه الله إلى موضع غفلة الأصوليين في خلافهم وخرج من الإشكال بالعموم المعنوي(41)، فقد بيّن رحمه الله أن معنى اللفظ إنما يتعدد عند الانفراد وعند عزله عن السياق ولا يتعين عمومه وخصوصه، وأما إذا انتظم في سياق فإن اللفظ لا محالة يتعيَّن لأحد تلك المعاني التي يحتملها عند الانفراد، ومن هاهنا أتى الشاطبي نظر الأصوليين فخطّأهم بأنهم تصوروا اللفظ بالوضع الإفرادي ولم يحاولوا تأسيس أصل مبني على الوضع الاستعمالي(42) الذي يرتبط فيه اللفظ بسياق معلوم وينتظم بحسب مقاصد المتكلم، إن هذا الأصل يصلح مقياسا لباب الأمر كما يصلُح لإشكالات أخرى تتجاوز حدود أصول الفقه فقد بيّنا ذلك في البحث الذي أعددناه للدكتوراه.

وليس الإشكال المذكورُ قضيةً ذهنية مجردة، فقد اشتكى الشاطبي بأنّ بعض ما قرره الأصوليون في مسألة العموم يتضمن توهين الأدلة الشرعية وتضعيف الاستناد إليها(43)، والشاطبي محقّ في شكواه، وإني أشكو كشكواه فيما نحن فيه من معاني المصطلحات، فذلك أن الأستاذ قد قال عند انتقاده أن بعض الأصوليين قرروا إن النص الذي يدرك معناه القطعي من ذات لفظه نادرٌ في نصوص معدودة أشهرها قول الله تعالى: (قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ) قلت: لا شكَّ أنّ هذا التخصيص والتحجير لم يرده الأولون حين نطقوا هذه الكلمة ولكن اللاحق لما غفل عن المقاصد السابق ذكرها وعن تأثير القرائن في قيام المعنى ظنّ أنه يعثر على خطاب منفرد يقوم له معنى قطعي وخَصَّص به مصطلح النص محجِّرا معناه وأعني بالقرائن كل ما له تأثير في تعيّن المعنى وتبيّنه من المعاني الكلية والجزئية لنصوص الشريعة ومن معرفة الواقع الذي ورد له الكلام أو ما سماه الشاطبي بقوله مقتضيات الأحوال التي هي ملاك البيان(44).

إن كان لمصطلح النص معنى ضيق كهذا الذي ذكر فإنه لا يصلح لوصف نصوص الشريعة في علم الفقه لندرة الموصوف أو لفقدانه، ولا سيما إذا أخذنا الفقه بمعنى ضيق وخصصناه بالأحكام العملية، لأن الآية المذكورة هي في وصف الله، وكذلك الآيات الأخرى التي ضربوها مثلا للنص بحسب معناه الذي حجروه.

ثم إن الآية لا تقوم مثلا لما يريدون؛ لأنهم لم يدركوا القطع من لفظ الآية وحده بل أدركوه من مجموع ما ثبت عندهم من نصوص كثيرة ومعَانٍ تبين هذا المعنى وتُثْبِِته وتؤكده، وكذلك الآيات الأخرى التي ضربوها مثلاً للنص، والله أعلم.

الخاتمة:

يصح أن نعتبر هذه المقالة محاولة بيان الإعجاز بالنسبة إلى الآية المذكورة، إنه إعجاز يختفي في إيجاز البيان، فقد حاولنا فيما مضى أن نبيّن كيف تحيط هذه الآية الوجيزة بإشاراتها ودلالاتها بأمر البيان الذي هو قطب أصول الفقه، كما أردنا أن نثبت أنّ كلّ لفْظ في الآية مصطلحٌ جامعٌ، وأنّ الألفاظَ التي أنشئت في مباحث الدلالة من علم الأصول أو نقلت إليه من غيره شرح لمعاني الآية وبيان لها من زوايا مختلفة، وأن تلك المصطلحات لا تقوم مقام ألفاظ الآية ولا تبلغ رتبتها من جِِهَة تشعّب دلالاتها وإحاطتها، ولذلك ينبغي أن يجعل المحكم والمتشابه والتأويل في مركز أصول الفقه ولا ينبغي إقصاؤها وإخفاؤها بين المصطلحات الأخرى بالتخصيص والتحجير، وإنّ حقّ المصطلحات الأصولية أنْ تُؤخَذ مأخذَ الشرح للآية لمن لا يفهمها.

إنّ الآية تشير إلى خصائص المنهج البياني القرآني إشاراتٍ لطيفةً، إنّ تلك الخصائص ليست معانيَ جزئيةً ظنناها وزعمناها بل هي أصول نظرية تواترتْ عليها دلائلُ وتضافرَتْ فيها شواهدُ، ونحب أن نلخص تلك الخصائص لنبني عليها معاني أخرى مما تشير إليه الآية ولم نذكرها.

فمنها ما سبق بيانه إذ قلنا إنّ الوضوحَ والتشابه ليسا أمرين ثابتين مطلقين بل هما إضافيان ويتفاوتان بحسب مراتب المُخَاطبِين في العلم كما يتفاوتان بالإضافة إلى عناصر البيان.

ومنها أن البيان على مراتب من حيث هو بيان أي من حيث الوضوح وجلاء المعنى بغض النظر عن تفاوت المخاطبين فيما بينهم وأن للمراتب طرفين، طرفَ الوضوحِ وطَرفَ الخفاءِ فالمعنى يتعين في الطرف الأول ويثبت ويتبين، وأما الطرف الآخر فالمعنى لا يتعين فيه ويتردد بين محامل مختلفة ومعان محتملة فلا بدَّ من ضبطه وإحكامه بإرجاعه إلى أحد المعاني الممكنة أي لا بد من تأويله.

إنّ تردد الكلام بين معاني مختلفة أمرٌ ينشأ من بِنية اللسان العربي الذي هو آلة البيان(45) وذلك أن الألفاظَ في العربية وأساليب تركيبها ليّنَة مَرِِنة وهي تحتمل وجوها وتصلح لأن تُنظم أنماطا وتؤلف ألوانا وأنها في هذه الخصيصة تُقام لأجل المعاني وتُصلَح لها لا العكس وأن العربي المبين لا يشاحّ في الألفاظ ولا يشاد فيها ما لم يُخْلِلْ بمراده ومرامه بل يتصرف فيها حذفًا ومجازًا، وتشبيهًا وتمثيلاً، وتضادًا وترادفًا واشتراكًا وإنه يتكلم في أكثر كلامه إيجازًا وإيماء وإيحاء لاعتماده على فطنة المخاطَب للمعنى المراد وهو عندهم من أعلى كلامهم بوصف الإمام الشافعي(46)، فإذا كان القرآن بلسان عربي مبين فهو بيانٌ لعربي مبين وإن تشابه واستبهم على الأعجمي الذي لا يعلم ما العربيةُ، وإذا كان القرآن بيانًا عربيًّا وكانت مراتب البيان العربي أمرًا إضافيًّا لم يكن التشابه في القرآن مشكلا أو هو مشكل له مخرج وسبيل إلى حلّه من جهة اللسان.

إلا أن التشابه في القرآن وغيره لا يأتي كل حين من قبل اللسان ولكن يعرض من جهة المعنى، وأن العربي قد لا تنفعه عربيته إذا ما تردد الكلام بين معان متشابهة ومحامل مخيّلة والمخرجُ من التشابه حينئذ هو طلب مقاصد المتكلم من سبل أخرى غير العبارة المتشابهة وهو يكون باستقراء نصوص القرآن أو بالنظر في سنة النبي التي هي بيان للقرآن في مجملها أو بالنظر في خلق الله والتأمل في سننه، فإن الكلام في حقيقته إنما هو ترجمة عن الواقع والخلق المشهود فمن لم يعرف موضوع الكلام وموقعه فقد يفوته المعنى أو بعض المعنى من هذه الجهة، وإذا راجعنا نصوص القرآن الكريم أو ما يبينه فسنجد ما يرفع الاشتباه عن العبارة المتشابهة ويُقرِّبُنا إلى أحد معانيها المحتملة أو نتمكن من نفي بعض المحامل على الأقل، أعني المحامل التي تنقض سائر النصوص الأخرى ولا توالفها؛ وذلك أن النصوص لا اختلاف فيما بينها إلا أن يكون اختلافا يحمل على النسخ، والنسخ تخصيصٌ بالأزمان من جهة المقاصد على رأي سديد(47) وإن الشريعة محكمةٌ من جهة المعاني والمقاصد ولا اختلاف فيها فهي من عند الله الواحد الأحد: (وَلَوْ كَانَ مِنْ عِندِ غَيْرِ اللّهِ لَوَجَدُواْ فِيهِ اخْتِلاَفاً كَثِيراً)(48).

إذا زال الإشكال عن العبارة المشكلة وارتفع عنها التشابه والتردد فقد تأتى تأويله، والتشابه بحسب هذا النظر يكون إضافيا أي أن الكلام متشابه بالإضافة إلى نفسه عند قَطْعه عما يتصل به من النصوص الأخرى كما قلنا وأما إذا وصلنا المتشابه بغيره وأضفناه إلى النصوص الأخرى للاتصال المعنوي الذي يستفاد من وحدة المتكلم ومن ضرورة عقلية(49) فقد أوّلناه وأحكمناه.

ولا نقول هاهنا إن النصوص الكثيرة لا تحتمل إلا نظمًا واحدًا بل تحتمل غير واحد من النُظُم، وإن ما قرره العلماء من جواز الخلاف في الفروع الفقهية وتعدد الحق فيها رأي مؤسس على هذا النظر إذا تأملنا، فقد أشرنا إلى أصله اللغوي البياني إذ قلنا إن الألفاظ لينة مرنة في العربية وهي تحتمل وجوها وتصلح لأن تُنظم أنماطا وتؤلف ألواناً ولعل هذا أحد وجوه الإعجاز، حيث إن نصوص القرآن الكثيرة لا تختلف ولا تتعارض فيما بينها بل تحتمل وجوهًا من النظم وتقبل أشكالاً من الإحكام.

إذا تأملنا في الإحكام والتشابه مَليًّا نتبين أن محور الأمر فيهما هو معرفة النظم الكلي للشريعة أعنى نظم معاني النصوص والمواضع التي تنـزل عليها، إنه نظم يتم فيه الأجزاء بعضها بعضا ويتضافر فيما بينها وإن الإحكام هو إحكام النظم وإتمامه كما أن مراعاة النظم الكلي هي الميزة التي بها يميّز تأويل الجاهلين من تأويل الراسخين، ذلك أن الراسخين في العلم هم المطلعون على النظم الكلي للشريعة لإحاطتهم بأطرافها ولاستقرائهم نصوصها ولتحصيلهم أحكامها ومعرفتهم بمقاصدها المتعددة ولفطنتهم لروابطها الكلية، وإذا ما استشكل العالم الراسخ أمرا أو أشكلت عليه نازلةٌ سلك فيها سبيل التأويل بما عنده من مصادر العلم أي أرجع النازلة إلى مصادر الشريعة وطلب لها بين معاني نصوصها ومقاصدها موضعا يلائمها ولا ينبو عنها أي يتحرّى العالمُ للنازلة موقعا يتمّ به النظمُ المعنوي للشريعة ويُحْكم ولا ينخرم.

وأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه من القرآن لأنّ لهم في المتشابهات متمسكا في تقوّل أوهامهم ومفترياتهم على الله تعالى؛ إذ تحتمل المتشابهات معانيَ مختلفة لما في بنْية اللغة العربية من مرونة ولا سيما إذا قطعت الجملة عن سياقها، وإذا وجد الزائغون للمتشابه معنى متخيلا يوافِق أغراضَهم وأهواءهم اتبعوه وإن كان ظنيّا، ولم يبالوا أين ينـزل هذا المعنى المتخيل من نظم الشريعة، وهل يوالف معانيها الثابتة أم يخالفها وينقضها، وهم بذلك يقطعون ما أمر الله به أن يوصل فيفصلون النص عن السياق الكلي للشريعة وليس لهم في تصحيح تأويلاتهم شيء سوى دعاوى متشابهة ظنية (إِن يَتَّبِعُونَ إِلاَّ الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلاَّ يَخْرُصُونَ)(50).

لعل الزيغ المذكور في الآية إنما يَنْجُم من اتباع الأهواء، والأهواءُ لفظٌ قوبل في القرآن بالعلْم؛ إذ حذّر اللهُ رسوله في آيات كثيرة من اتباع أهوائهم وأمره بأن يتبع العلم الذي جاءه، وإذا كانت متشابهات الشريعة بابا يلج منه الزائغون أصحاب الأهواء ليدّعُوا أهواءهم علمًا، وليلبسوا الحق بالباطل فلا بد أن يُسدَّ في وجوههم بابُ تأويل المتشابهات وهو يكون بضبط التأويل كما ذكرنا لا بمنعه، فكيف يمنع وقد دعا النبي r لابن عباس بالفقه وعلْم التأويل؛ إذ قال: “اللهم فقهه في الدين وعلمه التأويل”(51) فكان بذلك حبرَ الأمة وغواصَ الشريعة.

إن التأويل ليس ممنوعا في ذاته وإنما يمنع على غير أهله ممن يحرفون الكلم عن مواضعه لينتقض نظمها المحكم وليختل معناها المراد، أو يمنع التأويل ويحظر على الجاهلين والمبطلين والغالين الذين ذكرهم النبي في قوله إذ قال عليه الصلاة والسلام: “يرث هذا العلمَ منْ كلِّ خلَف عدولُه ينفون عنه تأويلَ الجاهلين وانتحال المبطلين وتحريف الغالين”(52).

وختام القول إن أصول الفقه منهج مفصّل وُضع لفهم خطاب الشارع وإن الآية تختصر ذلك المنهج النظري وتوجزه ببنائه على أربعة أشياء فذلك أن الخطاب إما محكم وإما متشابه وأن المخاطَب إما راسخ وإما غير راسخ.

إلا أن الآية لا تقتصر على بيان المنهج النظري فحسب بل تكشف عن نوايا المخاطبين وتنبئ عن صدقهم في تلقي الآيات فهمْ بين طرفين:

فإما هو سعيد متواضع يعترف بفقره في العلم وحاجته إليه ويطلبه صادقا ويرجع إليه رجوع الافتقار(53)، فإذا وجد العلم محكما وراسخا أسلم له وإذا وجد تشابها ابتغى سبيلا إلى إحكامه وسأل عن تأويله.

وإما هو شقي مريب، في نفسه أغراض وفي قلبه أمراض، لا يعترف بفقره في العلم ولا يرجع إليه رجوع الافتقار ولا يصدق في طلب الحق ليسلم له بل يطلب شاهدا على أغراضه ومصدّقا لمزاعمه كما يطلب العزّة والغلبة في أغراضه وأمانيه ويخالف غيره بغيا كما اختلف السابقون بغيا بينهم، فلذلك يتبع المتشابهات الظنيات ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويلها إذ يريد إثبات أحكامه السابقة في نفسه وإن ظن وزعم أنه يطلب مراد الله من كلامه.

إن المتشابهات فتنة للإنسان، وإن الشيطان يأتيه من قبلها لا من قبل المحكمات، وإن الله تعالى يفتن الناس ليميز الصادقين من غير الصادقين، وإن مقتَلَ الإنسان في فتنته بالمتشابهات هو عدم اعترافه بنقصه وضعفه وألاّ يكون صادقًا مع الله ثم مع غيره، وأن يبتغي العزة بغير الله وينسى أن الله يُعزّ بالحق من يشاء ويذل من يشاء.

لعل سر الأمر هو معرفة الله تعالى فإن من عرف الله لا يزيغ قلبه عنه ومن أجل ذلك أرشد الحكيم سبحانه إلى الدعاء في ختام الآية وذكَّرهم بالموت والحشر والحساب لِيهدم أهواءهم التي تزيغ قلوبَهم (رَبَّنَا لاَ تُزِغْ قُلُوبَنَا بَعْدَ إِذْ هَدَيْتَنَا وَهَبْ لَنَا مِن لَّدُنكَ رَحْمَةً إِنَّكَ أَنتَ الْوَهَّابُ رَبَّنَا إِنَّكَ جَامِعُ النَّاسِ لِيَوْمٍ لاَّ رَيْبَ فِيهِ إِنَّ اللّهَ لاَ يُخْلِفُ الْمِيعَادَ)(54).

***

الهوامش

(1) آل عمران: 7 .

(2) النحل: 89 .

(3) الموافقات 3/ 63.

(4) ومبحث الدلالة عمدة أصول الفقه كما قال أبو حامد الغزالي فانظر المستصفى ص180.

(5) لسان العرب مادة جمل 11/ 128.

(6) كشف الأسرار عن أصول البزدوي 1/ 54.

(7) المستصفى ص196 .

(8) البرهان 1/ 284.

(9) انظر مقدمة ابن خلدون ص491.

(10) قال الجصاص: “فبان بما وصفنا أن العموم من مفهوم لسان العرب، وإن ذلك مذهب السلف من غير خلاف بينهم فيه، وما خالف في هذا أحد من السلف ومن بعدهم. إلى أن نشأت فرقة من المرجئة ضاق عليها المذهب في القول بالإرجاء فلجأت إلى دفع القول بالعموم رأسا لئلا يلزمها لخصومها القول بوعيد الفساق بظواهر الآي المقتضية لذلك” انظر الفصول في الأصول 1/ 110 .

(11) إعلام الموقعين عن رب العالمين 2/ 220.

(12) الرسالة ص53 .

(13) الفصول 1/ 63.

(14) الرسالة ص21.

(15) الرسالة ص52.

(16) Davut İltaş, Fıkıh Usulünde Mütekellimin Yőnteminin Delalet Anlayışı, 30

هو بحث متقَن نشرته باللغة التركية مؤسسة إيصام (İSAM)، ويمكن أن نترجم عنوانه بـ “مفهوم الدلالة في أصول الفقه على طريقة المتكلمين”.

(17) تقويم الأدلة لأبي زيد الدبوسي ص116 .

(18) تقويم الأدلة لأبي زيد الدبوسي ص117 .

(19) انظر المستصفى ص224 .

(20) كشف الأسرار عن أصول البزدوي 2/ 35.

(21) انظر كشف الأسرار لأصول البزدوي 1/ 45، فقد ذكر البزدوي فرقا بين المفسر والمؤول وزاد علاء الدين البخاري مقالته بيانا وشرحا والمسألة تحتاج إلى بسط.

(22) المستصفى ص180 .

(23) كشف الأسرار 1/ 47، 68.

(24) انظر الموافقات 2/ 72، ناقش الشاطبي حجية المعاني التبعية في تقرير مفصل وقد علقنا عليه في بحث الدكتوراه.

(25) الموافقات 2/ 62.

(26) الموافقات 2/ 56.

(27) الزخرف: 1-3.

(28) إبراهيم: 4.

(29) الموافقات 3/ 68.

(30) الموافقات 3/ 63.

(31) أساس البلاغة للزمخشري مادة حكم ص: 137 .

(32) الكشاف 1/ 527.

(33) أساس البلاغة مادة شبه ص: 320 .

(34) إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم 1/ 439.

(35) الكشاف 1/ 528.

(36) لسان العرب مادة أول.

(37) أسرار البلاغة ص88 .

(38) آل عمران: 138.

(39) هود: 1.

(40) الموافقات 2/ 65.

(41) الموافقات 3/ 194.

(42) الموافقات 3/ 200.

(43) الموافقات 3/ 200.

(44) الموافقات 3/ 202.

(45) إن تردد الكلام بين معان متعددة أو كون البيان على مراتب متفاوتة في الوضوح أمر لا يخص العربيةَ وحدها دون اللغات الأخرى بل هو أمر يرجع أصله إلى منهج البيان الإنساني باستعمال التعميم والتخصيص في الكلام. ولما كان البيان الإنساني متجليا ومتمثلا في إحدى اللغات البشرية لا محالة وكانت العربيةُ أظهر اللغات من حيث خصائص البيان أضفنا هذا الأمر إلى العربية مجازا على عادة الأصوليين.

(46) الرسالة ص52.

(47) قال إمام الحرمين الجويني في البرهان: “وقد صرح الأستاذ أبو إسحاق: بأن النسخ تخصيص الزمان” 2/ 843، وقال أيضا: “قال الفقهاء: النسخ تخصيص في الأزمان دون المسميات المندرجة تحت ظاهر اللفظ” 2/ 856.

(48) النساء: 82 .

(49) أعني هنا أن التعميم فعل غير متكلف للعقل فهو ضروري.

(50) يونس: 66 .

(51) مسند أحمد بن حنبل بداية مسند عبد الله بن عباس المجلد الأول الصفحة 266.

(52) السنن الكبرى للبيهقي 10/ 209، باب الرجل من أهل الفقه يسأل عن الرجل من أهل الحديث إلخ.

(53) عبارة بليغة استعملها الشاطبي فانظرها في الموافقات 4/ 126.

(54) آل عمران: 8، 9.

المصادر والمراجع

– القرآن الكريم

– أساس البلاغة لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار الله المتوفى 538هـ، تحقيق: محمد باسل عيون السود، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1419هـ.

– أسرار البلاغة لعبد القاهر الجرجاني المتوفى سنة 474 بتحقيق: هالموت رِيتر، مكتبة المتنبي بالقاهرة الطبعة الثانية 1399هـ.

– إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية المتوفى عام 751هـ، عني بطبعه وتصحيحه: محمد منير عبده أغا الدمشقي، دار الحديث، القاهرة بدون تاريخ.

– البرهان في أصول الفقه لإمام الحرمين أبي المعالي عبد الملك الجويني المتوفى 478هـ، بتحقيق: الدكتور عبد العظيم محمود الديب، دار الوفاء القاهرة، الطبعة الثالثة 1420هـ.

– تقسير أبي السعود (إرشاد العقل السليم إلى مزايا الكتاب الكريم) لقاضي القضاة أبي السعود بن محمد العمادي الحنفي المتوفى سنة 982هـ، تحقيق: عبد القادر أحمد عطا، مكتبة الرياض الحديثة بدون تاريخ.

– تقويم الأدلة في أصول الفقه لأبي زيد عبيد الله بن عمر بن عيسى الدبوسي الحنفي، تحقيق وتقديم: الشيخ خليل محيي الدين الميس، دار الكتب العلمية بيروت الطبعة الأولى 1421هـ.

– الرسالة للإمام محمد بن إدريس الشافعي، بتحقيق: أحمد محمد شاكر، دار الكتب العلمية، بيروت، بدون تاريخ.

– السنن الكبرى للبيهقي (وفي ذيله الجوهر النقي)، إعداد: الدكتور يوسف عبد الرحمن المرعشلى، دار المعرفة بيروت بدون تاريخ.

– الفصول في الأصول تأليف أبي بكر أحمد بن علي الرازي الجصاص المتوفى سنة 370هـ، دراسة وتحقيق: الدكتور عجيل جاسم النشمي، وزارة الأوقاف والشؤون الإسلامية، الطبعة الثانية 1414هـ.

– الكشاف عن حقائق غوامض التتريل لأبي القاسم محمود بن عمرو بن أحمد الزمخشري جار الله المتوفى عام 538هـ، تحقيق وتعليق ودراسة: الشيخ عادل أحمد عبد الموجود والشيخ على محمد معوض، الناشر مكتبة العبيكان، الرياض الطبعة الأولى 1418هـ.

– كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي، المؤلف علاء الدين: عبد العزيز بن أحمد البخاري الحنفي المتوفى سنة 730هـ، مطبعة الشركة الصحافية العثمانية بدون تاريخ.

– لسان العرب للعلامة أبي الفضل جمال الدين محمد بن مكرم ابن منظور الإفريقي المصري، دار صادر ودار بيروت، تأريخ 1388هـ، بغير تحقيق.

– المستصفى في علم الأصول لأبي حامد الغزالي المتوفى 505هـ، بتصحيح: محمد عبد السلام عبد الشافي، دار الكتب العلمية، بيروت، 1417هـ.

– مسند الإمام أحمد بن حنبل، دار الدعوة، استانبول 1982م.

– مقدمة ابن خلدون، تأليف عبد الرحمن بن محمد بن خلدون المتوفى 808هـ، تحقيق: هيثم جمعة هلال، مؤسسة المعارف، بيروت – لبنان، الطبعة الأولى 1428هـ.

– الموافقات في أصول الشريعة للإمام أبي إسحاق الشاطبي، بشرح: الشيخ عبد الله دراز، دار الكتب العلمية بيروت بدون تاريخ .

– Fıkıh Usulünde Mütekellimin Yőnteminin Delalet Anlayışı.Doktora tezi.Davut İltaş. İsam yayınları. İstanbul 2011 .

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر