أبحاث

أثر التعليل في نقل الأحكام من مقتضى الطلب إلى التخيير “نموذج الاجتهاد المقاصدي”

العدد 145- 146

المسألة الأولى:

تكريم التشريع الإسلامي للمرأة في ضوء الاجتهاد المقاصدي:

أعتقد أنه لن يخالفني أحد إذا قلت: إن للمرأة بنية نفسية وفطرة خِلقية خاصة بها، كما لها بنية جسدية ودورة بيولوجية خاصة بها، أي أن بنيتها النفسية كما الجسدية مخالفة لبنية الرجل، فبينهما تمايزُ تكاملٍ؛ لا اختلاف تضاد، وبالواقع الملموس أن كل واحد منهما محتاج إلى الآخر ومفتقر إليه، في كثير من مجالات الحياة اليومية.

ولذلك جعل الله سبحانه وتعالى، لكل منهما وظيفته الأكثر انسجاما مع مكونات خلقته وبنيته الجسدية والنفسية والفطرية، منذ خلق آدم وحواء إلى قيام الساعة أي بينهما تكامل وظيفي لا تنافر عنصري؛ فكلٌّ مرابط على ثغره لجلب أكثر المصالح ودرء أغلب المفاسد في البناء العمراني والوجدان الاجتماعي، بناء حضاري راشد، ومؤسسات اجتماعية قوية على جميع مستويات الحياة الاجتماعية والاقتصادية، والسياسية…

وهذا كله لا يتأتى إلا بتوزيع محكم للوظائف، دقيق للغاية، منسجم مع البنية الخلقية والنفسية لكل من الرجل والمرأة، تماماً كما في لعبة كرة القدم؛ فلا يمكن للحارس أن يكون مهاجما ولا المدافع أن يحرس المرمى؛ إذ لم يخلق لذلك ولم يدرب عليه، كما أنه لا وظيفة أقل شأناً من الأخرى، ولا أفضل منها، كما هو الحال في التركيبة النفسية لكل من المرأة والرجل، كل له صفات مدح فيه من حيث هو، ومكملة لصفات الآخر، فلا مدح ولا ذم إلا بتكامل الصورة باجتماع صفاتهما معاً.

فلو جُعِلَتِ الأرض في صلابة المحراث، ما وقع الحرث ولو كان المحراث في هشاشة الأرض ورطوبتها لاستحال الحرث، وكذلك الإبرة مع الثوب فلو كانت الإبرة في رخاوة الثوب ونعومته ما وقعت الخياطة، ولو كان الثوب في صلابة الإبرة وقوتها لاستحالة الخياطة(1)؛ فلا رخاوة الثوب ونعومته ذم له، ولا صَلابة الإبرة وقوتها ذم لها، وإنما المدح كل المدح في تكاملهما بالخياطة، أي بأداء وظيفتهما كل من موقعه وبصفاته، ومن الطبع ميل المرء إلى ما ليس فيه ليكتمل الطبع وتتحقق إنسانيته وهو من مقتضى قوله سبحانه: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِّمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلاً)(2)، وقوله سبحانه: (لَقَدْ خَلَقْنَا الإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ)(3).

فالرجل نصف إنسان والمرأة شطره الثاني ليس بالمعنى الغريزي الصرف للكلمة وإنما بالمعنى العمراني الاستخلافي في الأرض التعبدي لله رب العالمين، المصوغ في قوله تعالى: (الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ…)(4) الآية.

فالرجل والمرأة “الذين آمنوا”، وظيفتهما الاستخلافية التوسل بإقامة الصلاة وإيتاء الزكاة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للتمكين في الأرض، الذي هو أعلى مقاصد الحياة الدنيا وعليه يبنى ما بعده من المقاصد الأخروية في كثير من الأحيان.

ومن هنا يتضح أن الإسلام إذا منع المرأة من بعض الوظائف، أو جعل لها أكثر الاحتياط في السفر والحضر فإنما ذلك مراعاة للمقاصد الكبرى لها أولاً، وللاستخلاف التعبدي ثانياً، وكل الوظائف التي جعلها لها … بالقصد الأصلي من تربية الأبناء والتنشئة لهم والاحتضان فإنما ذلك تبعٌ للتركيبة النفسية والفطرية للمرأة، وما سوى ذلك من الوظائف فبالقصد التبعي لا الأصلي، في حدود ما يتلاءم مع طبيعتها ولا يهدم أحد ضروريات وجودها ووظيفتها التكاملية مع أخيها الرجل، “النساء شقائق الرجال”(5).

فمَنَع الإسلام المرأة أن تسافر وحدها من غير ذي محرم مؤتمن على دينها وعرضها. وقال الدكتور أحمد الريسوني في معرض حديثه عن المقصد الشرعي من منع المرأة من السفر بغير محرم: “ذكرت العلماء الذين لا يرون أن النهي عن سفر المرأة مسألة تعبدية ذكرت بالخصوص ابن العربي فهو يقول: مدار المسألة على الأمن والسلامة، وبناء عليه فكل سفر فيه أمن وسلامة ذهاباً وإقامةً وعودةً فلا مانع منه بالنسبة للمرأة، وكل سفر فيه مخاطر وإذايات محتملة فلابد فيه من محرم”(6)، إذا كان ذلك المحرم مؤتمناً – كما هو معروف عند الناس أصحاب الفطر السليمة-، أما بعد أن زاغت الفطرة عن سَكَّتِها عند بعض الناس؛ فلابد أن يكون المحرم غيوراً على عرض محارمه؛ فالأحاديث صحيحة في النهي “عن سفر المرأة بدون محرم يرافقها، في بعضها لثلاثة أيام وفي بعضها ليومين وفي بعضها ليوم وليلة، ومما لاشك فيه أننا نجد في حالات كثيرة أن سفر المرأة تتوقف عليه مصالح معتبرة في الشرع وفي حياة الناس (…) فعدد من العلماء من مذاهب مختلفة يرون أن النهي عن سفر المرأة بدون محرم هو لغرض حفظ المرأة وتجنبها ما تكون عرضة له في أسفارها… وفي الحالات التي تطمئن فيها وتأمن فيها وتأمن المرأة نفسها على سلامتها أن سفرها بدون محرم لا بأس به ولا مانع منه… ولذلك قالوا من قديم بجواز الحج للمرأة بدون محرم إذا كانت في رفقة مأمونة.. ومتى تحقق الأمن في سفر فللمرأة أن تسافره… فتصبح المسألة ليس مدارُها على السفر وعدمه بل على الأمن وعدمه، وإذا فهم هذا؛ فحالات من السفر تخرج عن النهي وحالات غير السفر تدخل في النهي”(7).

وإنما ذكر السفر لمظنة عدم الأمن فيه أكثر من غيره، فالمقصود من منعها هو أمنها وسلامتها في عرضها وأموالها؛ فعلة عدم الأمن أنـزلت المنع من السفر، وبزوال العلة يزول المنع.

المسألة الثانية:

إلا أن التعليل يجب على المجتهد المقاصدي أن يكون يقظاً متفطنا في أمره ومسالكه، فكثيراً ما تكون بعض الأحكام معللة بأكثر من علة؛ في نص واحد، أو تذكر علة في نص وعلة أخرى في نص آخر، وقد تكون واحدة منصوص عليها صراحة وما هي إلا جزء علة وأخرى يتوصل إليها من النص نفسه أو غيره بالسبر والتقسيم، أو المناسبة أو الإيماء والتنبيه…، إذاً لابد، قبل الحكم بالعلة الواحدة، من جمع النصوص الواردة في المسألة الواحدة وتخريج مناطها وتنقيحه بمسالك التعليل وسياق الكلام ومقاصده.

ومن أمثلة ذلك: “أن الفقهاء قديماً قرروا أن علة المعتدة من وفاة أو طلاق، علة ذلك، براءة الرحم، أي لمعرفة أن المرأة غير حامل ممن فارقها بموت أو طلاق، والقاعدة الأصولية أن العلة تدور مع الحكم وجودا وعدما”(8)، والوسائل الطبية الحديثة اليوم استطاعت الوصول إلى معرفة براءة الرحم من آنه؛ فهل نقول سلام على العدة مادام أيقنا أن الرحم لا تحوي جنيناً! ويمكن للمرأة أن تتزوج بعد الطلاق البائن مباشرة أو موت زوجها دون أن تعتد، وربما تتزوج أربع مرات في شهر واحد، كلا إن الناظر في مقاصد التشريع الإسلامي وفلسفة التكريم للمرأة ليستنبط علة معنوية ترفع من شأن المرأة وهي أن المرأة المحصنة العفيفة، ينبغي أن تفارق وتخالف غيرها من المسافحات المتخذات الأخلة، أي أن المرأة البغي هي التي رجل داخل وآخر خارج”(9)(*).

فجعلت العدة للمرأة المحصنة العفيفة أربعة أشهر وعشرا للمتوفى عنها ، وثلاثة قروء للمطلقة، لتفارق غيرها من غير المحصنات الفاسقات ولتسترجع راحتها النفسية المصدومة بمفارقة من كانت تحت إحصانه، وترتب أوراقها لتستأنف حياتها بشكل طبيعي، وها هي العلة ليست واحدة، فبراءة الرحم جزء علة ولا تكتمل إلا بما ذكر وأشياء أخرى لا يعلمها إلا هو سبحانه وتعالى.

ومن أمثلة تظافر علتين من نصين مختلفين أفادت حكماً واحداً من مقصودين قوله r: “جزوا الشوارب وأرخوا اللحى خالفوا المجوس”(10)، وفي رواية “خالفوا المشركين”(11) فعلة الإعفاء منصوص على كونها مخالفة المجوس أو المشركين، فمقصود الحكم مباينة المسلم ومخالفته للمشركين من حيث سيماء صورة وجهه حتى إذا شاب ظهر شيبه على وجهه، وإذا ابتل اخضلت لحيته.

وفي حديث آخر له مقصود آخر يفيد نفس الحكم: “عن أبي هريرة رضي الله عنه، عن النبي r قال من فطرة الإسلام غسل يوم الجمعة، وأخذ الشارب، وإعفاء اللحى”(12)، وعن عائشة رضي الله عنها وأرضاها؛ قالت قال رسول الله r: “عشر من الفطرة قص الشارب وإعفاء اللحية…”(13) الحديث؛ فذكر الحديث الوصف المناسب الذي هو علة الحكم وهو كون ذلك من الفطرة.

فمقصود الحديثين الأخيرين، الحفاظ على فطرة الإسلام الموسومة على وجوه الرجال، لئلا يشبهوا النساء حيث ليس من فطرتهن وجود لحى على وجوههن، تلك فطرة الله التي فطر الناس عليها.

والحكم الجامع بين العلتين(14)، والمقصودين هو إعفاء اللحية وجز الشارب، من شريعة الإسلام لمخالفة المجوس والمشركين، والثاني من فطرة الإسلام في الرجال لمخالفة النساء وعدم التشبه بهن.

وعليه فكل لحية خالفت المشركين والمجوس من حيث حلقهم للحاهم، وحققت عدم التشبه بالنساء من حيث لم يفطرن عليها؛ فهي لحية شرعية سواء طالت إلى حد القبضة أم لا، أُخِذَ منها أو لم يؤخذ، وصلت القبضة أم لم تصل، إنما المحرم هو الحلق وليس الأخذ، وفعل الصحابي الجليل عبد الله بن عمر وغيره ما هو إلا دليل على مشروعية الأخذ منها؛ فهو فهم الصحابي من مقصود الأحاديث وعللها وهو أحد رواته في بعض الروايات، المهم أن تحقق المقصد الذي هو مخالفة المشركين وعدم التشبه بالنساء، وهو مقتضى العلتين المذكورتين في الأحاديث الواردة في هذا الفرع الفقهي؛ فهو المقصود في حكم الوجوب، وإن دلت بعض الأحاديث على ألفاظ مطلقة من حيث اللغة فتُحمل على الندب والاستحباب لقرينة العلتين المذكورتين، وإلا ما كان لذكرهما فائدة، وقد علمنا أن الأحكام تتأثر بعللها تأثيراً بينا واضحاً، لا يُنْكِر ذلك إلا ابن حزم الظاهري؛ فالمقصود سيماء صورة الرجال في الإسلام.

وما أفتى به بعض العلماء المسلمين قديماً وحديثاً بعدم جواز الأخذ منها فإنها عزيمة منهم لحمل الأمة على الأحسن والأفضل حتى لا يتهاون الناس ويتساهلوا من باب سد الذريعة، وهو ما لا يتحمله التعليل المنصوص عليه في الأحاديث، ولكون الحلق لم يعرف بين المسلمين إلا بعد استعمار البلاد الإسلامية من الإفرنج؛ فلا لوم على الأقدمين، وإنما القصد تنقيح وتخريج وتحقيق مناط النصوص قصد إعطاء صورة متكاملة على مقتضى الأحكام في إطار أصولها وكلياتها الشرعية المعتبرة عند الشارع.

المسألة الثالثة:

قد ترد بعض النصوص من فرع فقهي واحد أحدهما مقيد بعلل وأوصاف مناسبة للحكم الجزئي وأخرى مطلقة عن التقييد والتعليل، كما هو الأمر في كفارة الظهار المطلق عن وصف الرقبة بالإيمان، وكفارة القتل الخطأ المقيدة فيها الرقبة بالمؤمنة، فحمل الجمهور المطلق على المقيد لاتحاد الحكم الذي هو وجوب العتق حملاً على سبيل الوجوب، أي لا يجوز في كفارة الظهار إلا عتق رقبة مؤمنة، ومنع ذلك أبو حنيفة لعدم اتحاد الحكم والسبب؛ فسبب الكفارة في الأولى الظهار وفي الثانية القتل الخطأ(15)؛ فمنع ذلك استحباباً أي يجوز في كفارة الظهار عتق المؤمنة، ولا يجب تبعاً للإطلاق اللغوي.

ومما يشبه هذا إلى حد ما: ما ورد من أحاديث مطلقة عن أي تعليل في مقابل أحاديث أخرى معللة في فرع فقهي واحد؛ فمثال الأولى (المطلق عن التعليل) ما رواه مسلم عن قول النبي r: “ثلاثة لا يكلمهم الله يوم القيامة، ولا ينظر إليهم، ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم، قال أبو ذر من هم يا رسول الله؟ قال: المسبل إزاره، والمنان والمنفق سلعته بالحلف الكاذب”.

ومعلوم أن هول الحديث ووعيده الشديد في المنان، والمنفق سلعته بالحلف الكاذب لما لهما من مفاسد وأضرار وخيمة على الفرد والمجتمع في الدنيا والآخرة، كقوله r: “من غش فليس منا”(16).

فيبقى المسبل إزاره ما مفاسده وأضراره، إذا لم يحمل المطلق على المقيد؟ وحديث آخر مطلق عن اعتبار التعليل المنصوص، وفي البخاري: “ما أسفل الكعبين من الإزار فهو في النار”.

ومعلوم لكل ذي فقه معتبر، أن هذا الفرع الفقهي من العادات المجمع على جواز تعليلها بين جميع علماء الأمة باستثناء الظاهرية، وأن هناك أحاديث بنفس الوعيد – كما في الحديث الأول عند مسلم، أو أشد وعيداً كما عند البخاري- وردت مقيدة بعلة التكبر والخيلاء، وهي من نفس الفرع الفقهي أي تخدم نفس الحكم؛ فمنع بعض العلماء وتشدد بعض المتأخرين منهم في منع حمل المطلق على المقيد لتفاوت الوعيد؛ فهل “يا ترى هناك علة وراء هذا الوعيد الذي يخلع لهوله القلوب؟ وهي الخيلاء التي ذكرت صراحة في بعض الأحاديث فينبغي أن يحمل المطلق على المقيد وبذلك يزول اللبس ويستقيم منطق الدين بعضه مع بعض”(17).

وبغض النظر عن الأحاديث المعللة في هذا الفرع الفقهي؛ فما هي علة الأحاديث العارية عن العلة المنصوصة كحديث: “ما أسفل الكعبين ففي النار” أيفهم على ظاهره دون التفات إلى علة أو حكمة هذا الوعيد الوارد في نصه، أم أن هناك علة يمكن استنباطها غير التي ذكرت في الأحاديث الأخرى، وبعبارة أخرى ما هو وجه المناسبة أو المصلحة المتوخاة من هذا النهي، خاصة وأنه من العادات المدركة التعليل والحكم بما نص عليه أو باستنباطها وتخريج مناط الحكم فيها وهذا أمر لا يجادل فيه إلا الظاهرية الذين يفهمون النصوص على ظاهرها دون التفات إلى علة أو حكمة أو وجه مصلحة، ومن قال بذلك يستحسن أن يوافقهم في عدم تعليل حديث ربا الفضل “الذهب بالذهب والفضة بالفضة، البر بالبر… الحديث” حيث حصروا ربا الفضل في الأصناف الستة المذكورة في الحديث دون التفات إلى استنباط العلة.

أما جمهور العلماء فقد أخرجوا مناط هذا الحديث وعللوه بعلة مستنبطة اختلفوا فيها، المهم أن العادات مجمع على تعليلها عند جمهور علماء الأمة إذا استثنينا الظاهرية.

فلماذا يخرج هذا الحديث وهو من عادات اللباس مما اتفق عليه الجمهور، والحق أن الحديث فيه حذف وإضمار جريا على عادات العرب في كلامها؛ فمقتضى الحديث: “ما أسفل الكعبين، خيلاء أو تكبرا، أو تبخترا، أو إسرافا، ففي النار” لصحة الكلام شرعا واستقامت منطق التعليل في العادات عقلا وهو ما دأب عليه الشرع في إظهار وجه الحكمة والمصلحة في ذلك لإخراج الناس من داعية أهوائهم إلى جادة الصواب بناء على حكم وعلل ومصالح بيَّنها لهم وأوضح طريقها، لئلا تكون على الله حجة بعد الرسل في أمور عوائد الناس ومصالحهم الدنيوية وذلك عن طريق العلة المؤثرة وهي المنصوص عليها من الشارع نفسه أو عن طريق استقراء الفقهاء للعلة المستنبطة، المعروفة مسالكها عند علماء المسلمين، باستثناء ابن حزم.

هذا وإن اللسان العربي بمقتضاه المقاصدي المعروف سليقة دأب على عدم ذكر الحكمة أو العلة من الطلب في الأوامر والنواهي في كثير من الأحيان؛ فتعرف بداهة دون حاجة إلى ذكرها كما هو الحال مثلا في زمننا هذا حيث نجد على أبواب المساجد: “أغلقوا هواتفكم” فندرك أن علة الأمر لئلا تشوشوا على المصلين؛ فمن الناس من يغلقه ومنهم من يوقف رناته فقط، وكلاهما امتثال للأمر واتباع لمقتضى الطلب.

“وإنما السنة من اللباس ما ستر العورة وحسن الهيئة ولم يدل على كبر ولا خيلاء ولم ينسب إلى إسراف وتبذير وهو مقتضى الحديث الصحيح من قوله r: “كلوا واشربوا وتصدقوا والبسوا في غير مخيلة ولا إسراف، رواه البخاري، ولذلك قال ابن عباس رضي الله عنهما: “كل ما شئت والبس واشرب ما شئت ما أخطأتك اثنتان إسراف أو مخيلة”(18)…، وأما ما استحدث إثر الاحتكاك بالاستعمار الغربي وثقافته من العادات السيئة كحلق اللحية وارتداء الألبسة الضيقة الواصفة من عورة الإنسان من قبل ودبر وصفا يكاد يكشف ما تحته فهو مما لا ينبغي… إطلاقا، اللهم إلا إذا اضطر إلى شيء من ذلك اضطرارا…”(19).

والأثر الوارد عن عمر رضي الله عنه: “ارفع ثوبك؛ فإنه أنقى لثوبك وأتقى لربك”(20)؛ فعبر باسم التفضيل مما يدل على أنه الأفضل فقط وليس عدم جواز غيره، إذا لم يكن قصد الخيلاء، وكان من الممكن أن يقول له ارفع ثوبك فإنه من التقوى أو إنه تقوى دون استعمال اسم التفضيل الدال على الفضل والندب والاستحباب لكن إتقان اللسان العربي عند السلف كان له دور كبير في التعبير عن الأحكام انطلاقا من مقاصدها.

وحديث النبي r لأبي بكر: “إنك لست ممن يصنع ذلك خيلاء”(21)، ولو كان الأمر على ما هو من العذاب المذكور في الحديث لما تساهل مع أبي بكر بصريح المنطوق ولا أشار له أن حزم مئزرك وخذ الأمر بجد وقوة، لما فيه من عذاب ولم يتركه حتى يتعهده أخذا بالأفضل والأحسن واقتداء بذلك.

فمنطق الاجتهاد المقاصدي: أن الأحكام الجزئية وفروعها، وأصول الشريعة وكلياتها، في توافق تام وتكامل واضح كالبنيان الواحد يشد بعضه بعضاً، أو كالجسد الواحد يتعاون أعضاؤه في خدمته فالجزء والفرع مع الأصل، والكل صورة متكاملة لخدمة التشريع الإسلامي داخل المقاصد العامة ومنصهر في بوتقتها من أجل خدمة الإنسان، انطلاقا من الوحي كتابا وسنة(22).

“ومن استقرأ ما أثير عن فقهاء الصحابة رضي الله عنهم (…) تبين له أنهم كانوا ينظرون إلى ما وراء الأحكام من علل ومصالح وما تحمله الأوامر والنواهي من حِكم ومقاصد (…) فإذا أفتوا في مسألة أو حكموا في قضية لم تغب عن بالهم مقاصد الشريعة وأهدافها ولم يهدروا هذه المقاصد الكلية في غمرة الحماسة للنصوص الجزئية، ولا العكس، بل ربطوا الجزئيات بالكليات والفروع بالأصول والأحكام بالمقاصد بعيداً عن الحرفية والجمود”(23).

فمدرسة الاجتهاد المقاصدي “لا تغفل النصوص الجزئية من كتاب الله تعالى، ومن صحيح سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولكنها لا تفقه هذه النصوص الجزئية بمعزل عن المقاصد الكلية بل تفهمها في إطارها وضوئها؛ فهي ترد الفروع إلى أصولها والجزئيات إلى كلياتها (…) معتصمة بالنصوص القطعية في ثبوتها ودلالتها فالاستمساك بها استمساك بالعروة الوثقى لا انفصام لها”(24).

والحق أن الناظر في منهج العلماء المجتهدين منذ القديم على اختلاف مذاهبهم يجدهم يوسعون في اعتبار المصالح ودفع المفاسد، ولأجل تحقيق ذلك جاءت الشريعة في المعاش والمعاد، وهو “ما اتفق عليه جمهور علماء الأمة من أن الشريعة إنما أنـزلت لتحقيق مصلحة العباد في المعاش والمعاد وأن الله سبحانه لا يعود عليه شيء منها فهو غني عن العالمين وإنما أراد بها الخير والصلاح لخلقه؛ فلابد للعالم من معرفة مقصود الله من شرعه وليس لأحد أن ينفي عن الشريعة الحكمة والمصلحة فيما جاءت به(25).

وقال الإمام ابن القيم رحمه الله: “إن الشريعة مبناها وأساسها على الحِكَم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها ورحمة كلها ومصالح كلها وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور وعن الرحمة إلى ضدها وعن المصلحة إلى المفسدة وعن الحكمة إلى العبث فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله r أتم دلالة وأصدقها”(26).

***

الهوامش

(1) ينظر كتاب “حجاب المرأة” للمودودي؛ فقد أكثر من مثل هذه التقابلات الوظيفية المتكاملة بين الرجل والمرأة.

(2) سورة الإسراء آية 70.

(3) سورة التين، آية 4.

(4) سورة الحج، آية 41.

(5) رواه الترمذي، وصححه الألباني، باب فيمن يستيقظ فيرى بللا ولا يذكر احتلاما، رقم الحديث 113.

(6) محاضرات في مقاصد الشريعة، أ.د. أحمد الريسوني، ص. 279.

(7) محاضرات في مقاصد الشريعة، ص. 246-247-248.

(8) التعليل من المسائل التي تضبط الحكم بعينه وتنـزله في مكانه؛ في كثير من الأحيان نجد أحكاما تحتمل الوجوب، والندب، أو التحريم والكراهة وتكون العلة قرينة ضابطة لمستوى الحكم بالضبط؛ فالإطلاقات اللغوية تحتمل زيادة على الوجوب الندب والاستحباب فتنتصب العلة لأوصاف أقل المطلوب والإطلاقات اللغوية لأعلى مطلوب، كحديث “أرخوا اللحى خالفوا المجوس- الآتي قريبا” فالمطلوب منها على وجه الوجوب ما يخالف المجوس ويحقق المقصود والإطلاق اللغوي للندب والاستحباب -أي إرخاؤها-، وكقوله r: “اقرءوا القرآن فإنه يأتي شفيعا لأصحابه” فيه ما هو على وجه الوجوب وفيه ما هو على وجه الاستحباب والزيادة والفضل، وكقوله تعالى: (أَنفِقُواْ مِمَّا رَزَقْنَاكُم)؛ فالواجب إخراج المقدار المعروف المحدود شرعا بأوصافه، ومن زاد زاد الله له على وجه الندب والاستحباب؛ ومن هنا أَلِفْنا بعض السلف يحملون أنفسهم دون غيرهم على الإطلاق اللغوي مادام يؤدي الواجب وزيادة أو يكون الأمر على الإباحة ويركبونه في صورة التعبد به، وقد أشار الشاطبي إلى هذا في فصل المباح في الرد على بعض أهل الزهد والتصوف؛ فيفهم منه على أنه للوجوب وما هو لذلك، ومنها ما هو واضح كمالك رحمه الله الذي كان لا يتكلم بحديث رسول الله عليه الصلاة والسلام إلا على وضوء، المهم الإطلاق اللغوي، وفعل النبي صلى الله عليه وسلم إذا لم تدل قرينة على صرفه إلى الوجوب فهو على الندب والاستحباب وهذه القرائن من أمثال التعليل وجلب المصالح المعلومة أو درء المفاسد المعلومة وهو ما يسمى بتخريج المناط، وهذا لا يعني أنه لا عبرة بالإطلاق اللغوي أو فعله صلى الله عليه وسلم المجرد عن القرائن أو فعل بعض الصحابة، بل إن ذلك يدل على المشروعية ما لم يدل دليل على أنه خاص بالنبي صلى الله عليه وسلم أو خاص بأمهات المؤمنين من نسائه كعدم الزواج بعده، ووجوب النقاب عليهن، أو خاص بأصحابه كتبشيره بالجنة لبعضهم، وتعديلهم جميعا والثناء عليهم وأنهم عدول لا يعدلون؛ ففعله عليه الصلاة والسلام وأفعالهم غير المجمع عليها ولم يقترن ذلك بقرائن تصرفه إلى الاختصاص أو الوجوب فهو دليل على المشروعية فقط.

المهم أن تجمع كل الجزئيات لتكون فرعا منسجما مع الكليات الشرعية، أما أن نشير بأحكام جزئية خارج مقاصد فروعها وبفروع فقهية خارج الأصول الكبرى في الدين؛ فهذا ما يولد التناقض في الدين وهو بريء منه، وكل ذلك بدعوى التمسك بالكتاب والسنة والتبرؤ من المذاهب!

(9) شريط للدكتور فريد الأنصاري: فقه التصوير، بتصرف.

(10) رواه مسلم، باب خصال الفطرة، رقم الحديث 626.

(11) نفسه، رقم الحديث 625.

(12) رواه ابن حبان، باب غسل الجمعة، 1221.

(13) رواه مسلم، باب خصال الفطرة، رقم الحديث 627.

(14) قال الشيخ ناصر الدين الألباني، علة الإعفاء مخالفة الكفار، وكونها من الفطرة، وقال بوجوب أخذ ما زاد عن القبضة، وإن الزيادة على ذلك من البدع المستحدثة في الدين، تبعاً لحديث عبد الله بن عمر، وأنه لا يجوز الأخذ أكثر من القبضة تبعاً لظاهر عمل الصحابة ابن عمر وغيره، وقال الشيخ العثيمين: ولا يجوز الأخذ منها ولو شعرة واحدة تبعا لظاهر الإطلاق… اللغوي: “أرخوا” وتبعه على هذا النحو أبو إسحاق الحويني المصري وكثير من الحنابلة المعاصرين والحق أن الاجتهاد المقاصدي تبعا لاسمه يتبع مقاصد الأحكام لا ظواهر الألفاظ كما يعتمد العرف أو المصطلح الشرعي أكثر من اعتماده على الإطلاق اللغوي، وقال تقي الدين الهلالي: وهو شيخ السلفية وأعلمهم، في كتابه: الدعوة إلى الله في أقطار مختلفة وهو يتحدث عن معركته مع الشيخ أحمد بن الصديق الغماري في طنجة في سجال علمي مؤدب ظهر للشيخ أحمد بن الصديق الغماري أن الرجل يكتنـز بين جنبيه علما وافرا وأدبا جما فاستدعاه إلى منـزله وقبل الدعوة تقي الدين الهلالي، وقال له ما معناه: إن مظهرك ليس بمظهر العلماء أنت بلباس إفرنجي يعني أوربي وأحلقت لحيتك على عادة النصارى، الشاهد أن تقي الدين الهلالي علق بعد هذا بقوله: وكنت ممن يتأول وجوب إعفاء اللحية ولما تبين لي أعفيتها، والشاهد أيضا أنه قال بعد ذلك ورغم ذلك فإن حلق اللحية ليس من الكبائر –كما نص على ذلك شارح العقيدة الطحاوية- لأن الأحديث الواردة فيه لا وعيد فيها، انظر إلى منطق من جعلها أصل البراء والولاء داخل دار الإسلام!

(15) ينظر لمن شاء التوسع والدقة في مسألة حمل المطلق على المقيد كتاب محمد يعقوبي خبيزة “الأصول اللغوية في تفسير النصوص الشرعية”، وهو قيم في بابه مدقق في منهج علمه.

(16) رواه مسلم، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم من غشنا فليس منا، رقم 295.

(17) فقه مقاصد الشريعة الإسلامية، ص. 54.

(18) رواه البخاري كتاب اللباس رقم الحديث 2180.

(19) مفهوم العالمية لفريد الأنصاري، ص. 48، 49.

(20) رواه البخاري، في باب قصة البيعة والإنفاق على عثمان، رقم: 466.

(21) رواه النسائي باب إسبال الإزار، رقم 5352، وصححه الألباني.

(22) إن فكرة الانطلاق من الكتاب والسنة تبدو عملية تلقائية عادة يمكن لكل شخص حفظ القرآن أو بعضه أو استظهر جملة من الأحاديث النبوية الشريفة في العبادات والمعاملات أن يخوض بحر العمل بالأحكام الشرعية بدون قواعد إجرائية ولا ضوابط تنظم الفهم والعمل بل قد تعدى ذلك مجال التدين الفردي إلى مجال الفتوى والقيادة والتوجيه! ومن هنا تصدر للفتوى من لا علم له أصلا بعلوم الآلة وقواعد الفقه واللغة والأصول حتى إن بعضهم ممن سمع مثل هذه المقالة عن ضرورة إتقان علم الأصول للتحقيق بمرتبة الاجتهاد والفهم عن الله ورسوله ابتدع مقولة أشبه ما تكون بسجع الكهان للدفاع عن نقصه وجهله بهذه الصناعة؛ فقال: “قواعد الأصول أفسدت أحاديث الرسول. كذا! ولعل الشافعي رحمه الله بهذا المنطق الفج أول المفسدين.

إن فكرة الانطلاق من الكتاب والسنة بلا منهج علمي ضابط هي عند التحقيق لا وجود لها بصورة مجردة عن أهل العلم المتحققين به أصلا عن السلف والخلف سواء لأنها ببساطة تعني الفوضاء في الفهم والنظر والعبث بأحكام الكتاب والسنة لا العمل بهما!

إن فكرة العمل بالكتاب والسنة إنما هي عنوان لمنهج علمي قائم البنية راسخ أصيل وليس فكرة هلامية كل يكيفها على حسب هواه!

إن العلم بالكتاب والسنة صار علما على مسمى، لكنه مع الأسف حدث نوع من الانفصام بين الاسم والمسمى إلى درجة أن كثيرا من طلبة العلم تعلق بالاسم وليس له في ذهنه من حقيقة المسمى إلا التوهم والخيال! ومن هنا تم إخراج العمل بالكتاب والسنة على أشكال شتى وصور تختلف تجلياتها من شخص إلى آخر، إلى درجة التناقض والتنافي؛ فتكونت بذلك مدارس بل أحزاب يكفر بعضها بعضا ويلعن بعضها بعضا، ولعبت بعض الجهات الدولية بذلك؛ فكانت الدماء وكان الاقتتال وتلك لعمري أحلك الفتن! … والفتنة أشد من القتل.

فأين العمل بالكتاب والسنة من حيث هو منهج في الفهم والعمل إذاً؟ ما أصوله وما قواعده؟ ما مصطلحاته وما مفاهيمه؟ ثم ما أدواته الإجرائية فهما واستنباطا وتنـزيلا؟ وما قوانينه لدى الإعمال والإهمال؟ أو ليس ذلك علم أصول الفقه إذاً؟ ثم ما محل المذاهب الفقهية المشهورة من هذا وذاك كله، هل فعلا تجاوزتْها الفتن أم أنها لم تزل تضرب خارج المنهج منذ وجدت؟ وتتناقض مع الكتاب والسنة؟ أم أن في الأمر خللا عند الفهم لأصل الإشكال؟ فلا بد من إعادة صياغة السؤال؟ كيف فهم الصحابة رضوان الله عليهم خطاب الكتاب والسنة وكيف أجروه على حياتهم ما بين الفهم والعمل وكيف صار بعدهم فقه التابعين؟ ثم كيف نشأت المذاهب بعد ذلك في التاريخ؟ وما مفهوم المذهب وما معناه؟ أهو – فعلا- شيء غير الكتاب والسنة؟ أم أنه ضرب من التجلي لحقائقهما في المجال البشري؟ هل هو مجموعة من الآراء المجردة عن الاستدلال والاستناد إلى الدليل من الكتاب والسنة أم أنه صورة من صور التنـزيل العملي للمنهج الكلي للكتاب والسنة فهل فعلا رد أبو حنيفة –رحمه الله- خبر الآحاد الصحيح استخفافا بسنة الرسول r ورده مالك –رحمه الله- بشيء اسمه “عمل أهل المدينة”؟ ثم هل فعلا لم يكن الإمام الشاب الشافعي على علم واسع بالأحاديث وعلومها؛ فغلب عليه الاستدلال بكليات لغوية وعمومات قرآنية؟ أم هل تفرد الإمام أحمد –رحمه الله- بإمامة أهل السنة والجماعة؟ أم أن في الأمر نـزعة مذهبية تختفي بوعي أو بدون وعي تحت شعار الكتاب والسنة.

إن الجواب العاجل المتعجل بهذا القول أو ذاك لن يشفي الغليل ولن ينير السبيل في عصر تواترت فيه الفتن والمحن، وعمت الظلمات الفكر والفهم والعمل! وصار لمفهوم الكتاب والسنة تخريجات وتأويلات، تتردد ما بين الحكم بالتبديع والتكفير وإقرار إطلاق النار على المخالف من العلماء والحكام، ومن والى هذا أو ذاك؛ إلى الحكم بوجوب الخنوع والطاعة، والانتظام في ربقة الصبر إلى قيام الساعة! ولو هدم بيتك، وغصب مالك، وانتهك عرضك! ورفعت راية الكفر البواح والشر الصراح! وما بينهما مراتب شتى، وكل باسم (الكتاب والسنة)! فأين الحق من هذا الضباب كله؟!

لابد إذن، من تحقيق مناط الإشكال، بالدرس والتدارس، وتبيين مسارات العلم، منذ بدأت أولى لبناته الاجتهادية، من عهد الصحابة رضوان الله عليهم، إلى أن رسخت أصول المذاهب الفقهية لدى علماء الأمصار، وما تلا ذلك من تطور سلبي أو إيجابي لقضايا المنهج الفقهي وقواعد الأصول. عسى أن ندرك أين جمهور القواعد التي بها يؤخذ الكتاب بقوة! ويعمل بحكمة السنة!.

ومن هناك يمكن أن ننظر إلى حركات التجديد الفقهي في العصر الحديث ما موقعها من التاريخ؟ وما مقدارها من الاتباع أو الابتداع؟ وما نسبتها الحقيقية إلى مفهوم الكتاب والسنة؟.

وعليه؛ فلابد لطالب العالمية من دراسة علم أصول الفقه دراسة متقنة جدا، وإنما الإتقان في هذا السياق: القدرة على استيعاب قواعده ومناهجه التطبيقية في سياق تصوراته الكلية النظريةَ ولا يكون ذلك – بعد دراسة كتبه النظرية المعروفة- إلا بدراسة كتب آيات الأحكام وأحاديثها، وذلك ما اسميه بـ “أصول الفقه المطبق”، وهو شيء لن تجده – على كماله- إلا ضمن ذلك النوع من الكتب والمصنفات، مع كتب علم الخلاف العالي (مفهوم العالمية من الكتاب إلى الربانية، لفريد الأنصاري، ص. 64-67).

(23) دراسة في فقه مقاصد الشريعة، ص. 79.

(24) نفسه، ص. 40-41.

(25) نفسه، ص. 77- 78.

(26) إعلام الموقعين، 3/3.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر