المقدمة:
لا تزال قضية التجديد في الدين عامة، وفي الفقه خاصة من أهم القضايا التي تنال مساحة من الاهتمام في طور ما يعيشه العالم الإسلامي من أحداث توجب عليه أن يفيق في ظل هذه المتغيرات الدولية، وأن ينتبه لنفسه، وأن يسعى للإصلاح والتجديد من داخله، وقد عاش المسلمون قرونا من التبعية والتقليد أوقفت الحضارة الإسلامية قرونا من الزمن، وجعلت خير أمة من أواخر الأمم، إن لم تكن في ذيلها، وقد بدا في العصر الحديث من ينادي بالنظر إلى تراث هذه الأمة، وإعادة التفكير في طرحه من جديد، و البعد عن التبعية العمياء، مع عدم طرح القديم كلية، بل تكون النظرة الفاحصة الثاقبة، والحفاظ على الثوابت، والتجديد في المتغيرات، وطرح ما يناسب البيئة والزمان، من أهم ضوابط التجديد الديني عامة، والفقهي خاصة.
وإن عاشت الأمة فترة من الزمن بعيدة عن الاجتهاد، واستدركت هذا منذ سنوات عدة، فلا يمكن القطع بأن مساحة الاجتهاد المطروحة كافية، بل يجب اعتماد الاجتهاد منهج حياة للمسلمين، وأن تتسع رقعته أكثر مما هي عليه، وأن يترك التخوف من مس التراث القديم، مادامت النية لله خالصة، والأسباب متوافرة، والمرتكزات التي نعتمد عليها متوازنة، لا إفراط فيها ولا تفريط.
وإن من أهم ما نلاحظه في مجال التجديد الفقهي الاهتمام بالمقاصد الشرعية ، والكليات العامة، والقواعد الفقهية، وكل هذه ضوابط هامة في عملية التجديد، حتى لا ينشغل الناس بالترجيح بين المسائل الجزئية، بل امتلاك أدوات الاجتهاد، ومن أهمها المقاصد والقواعد العامة التي تجعل علماء الأمة قادرين على إيجاد الرؤية الشرعية فيما يستجد من أحداث من خلال تطبيق المقاصد والأصول والقواعد، والاستقراء الناضج للقرآن الكريم والسنة النبوية، دون تقديس أقوال المفسرين أو الشراح، مع الاستفادة منها.
ومن هنا، كان لزاما أن يهتم الباحثون بالتجديد الفقهي، مصدرا، ومادة، وخطابا، ومنهجا، حتى تستكمل مسيرة التجديد التي بدأت، عسى أن تؤتي ثمارها بإذن ربها، وما ذلك على الله بعزيز.
يأتي هذا البحث في خمسة مباحث، هي:
المبحث الأول: مفهوم التجديد
المبحث الثاني: ملامح التجديد الفقهي
المبحث الثالث: التجديد في التأليف الفقهي
المبحث الرابع: الثابت والمتغير في التجديد
المبحث الخامس: مرتكزات التجديد الفقهي
المبحث الأول
مفهوم التجديد
التجديد في اللغة:
التجديد في أصل اللغة يأتي بمعان متعددة، منها:
1- إعادة الشيء إلى سابق عهده وأصله، بعدما بلى.
2- وهو أيضا يحمل معنى الإصلاح، فتجديد الشيء يعني إصلاحه وترميمه، وإكمال الناقص فيه، وإبدال التالف بشيء نافع(1).
3- وهو أيضا يحمل معنى إدخال ما لم يكن في الشيء، فيكون التجديد إنشاء، و ليس إكمالا فحسب.
و على هذا، فإن التجديد إما أن يكون إعادة الشيء على ما كان عليه، أو جلب شيء جديد لم يكن موجودا. غير أن التجديد في الدين لا يكون بإدخال شيء جديد عليه، لأن الله تعالى أتم لنا الدين وأكمله، كما قال: (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلامَ دِينًا)(2)، ولكن التجديد قد يكون في بعض الصور والهيئات، أو التجديد في أجزاء الشيء الكلي، من باب توليد المعاني والمفاهيم من خلال النص، أو فهمه على نحو جديد لم يكن معروفا في العصور السالفة، أو إسقاطه على نحو يتوافق مع الواقع بما لا يتصادم مع كليات الدين.
التجديد في القرآن الكريم والسنة:
القرآن – وإن لم يتناول لفظ “التجديد”-، فإن مفهومه من أهم المحاور التي ركز عليها، سواء أكان تجديدا للتوحيد، أو تجديدا لرسالة الإصلاح في الأرض.
أما السنة فقد أوردت لفظ التجديد، ورسخت أيضا معانيه، فقد ورد اللفظ في حديث أبي هريرة عن النبي (صلى الله عليه وسلم): “إن الله يبعث لهذه الأمة على رأس كل مائة سنة من يجدد لها دينها”(3).
والمقصود بتجديد الدين أي إحياء ما اندرس من معالمه، وانطمس من أحكام الشريعة وما ذهب من السنن، وخفي من علوم الشريعة والتزكية والأخلاق(4).
كما بيَّن الرسول (صلى الله عليه وسلم) أن الإيمان يبلى في نفس الإنسان كما يبلى الثوب، وهو يحتاج إلى تجديد وإعادة الروح والنشاط فيه؛ فقال (صلى الله عليه وسلم): “إن الإيمان يخلق في جوف أحدكم كما يخلق الثوب، فاسألوا الله – تعالى – أن يجدد الإيمان في قلوبكم”(5).
كما جاء التجديد بمعنى الإعادة في قوله (صلى الله عليه وسلم): “لا تسبوا الدهر، فإن الله عز وجل قال: أنا الدهر، الأيام والليالي لي أجددها وأبليها وآتى بملوك بعد ملوك”(6).
صور التجديد(7) :
ومن خلال النظر إلى تعريف التجديد في اللغة والاصطلاح والقرآن والسنة، يمكن أن نضع صورا للتجديد، هي:
الصورة الأولى:
إحياء ما اندرس من المفاهيم الشرعية المستمدة من الكتاب والسنة، والتصدي للبدع التي تظهر من حين لآخر، ورد الناس إلى جوهر الإسلام الصحيح(8).
فالتجديد ” لا يعني أبدا التخلص من القديم، أو محاولة هدمه، بل الاحتفاظ به، وترميم ما بلي منه، وإدخال التحسين عليه(9)…
الصورة الثانية:
التجديد بمعنى التنمية والتوسع، وإضافة أمور لها صلة وثيقة بالشيء المجدد، فتضيف إليه مابه يكتمل البنيان.
الصورة الثالثة:
التجديد بمعنى التمحيص والتحرير والترجيح فيما فيه تنازع بين العلماء، كل في فنه(10).
فالتجديد يقتضي عدة أمور، هي:
1- الاحتفاظ بجوهر البناء القديم، والإبقاء على طابعه وخصائصه، بل إبرازه والعناية به.
2- ترميم ما بلي منه، وتقوية ما ضعف من أركانه.
3- إدخال تحسينات عليه لا تغير من صفته، ولا تبدل من طبيعته.
التجديد في الدين:
ومن خلال هذه التعريفات يمكن لنا أن نفهم التجديد في الدين على أنه إحياء وبعث لما تركه المسلمون منه، وإماتة لما دخل عليه مما يناقضه من البدع والمستحدثات التي لا تتماشى مع رسالته ومنهجه، وتطوير وسائله بما يتماشى مع واقع الناس وحياتهم، وبما لا يخل من ثوابته، ويشمل التجديد في الدين كل فروعه من العقيدة والعبادة والمعاملات والأخلاق والسلوكيات، وبما يغطي علاقة الإنسان بربه، وعلاقة الإنسان بغيره، سواء أكان هذا الغير قريبا أو بعيدا، مسلما أو غير مسلم، كائنا حيا أو جمادا، ويشمل أيضا نواحي الحياة كلها، مما يخص شئون الدين المحضة من العبادة والعقيدة، وبما يتعلق بحياة الناس و له ارتباط ديني في شئون الاقتصاد والسياسة والثقافة والفكر والفن وغيرها من مجالات الحياة.
التجديد الفقهي:
التجديد الفقهي يمثل جزءا من التجديد الديني، لأن الفقه هو العلم بالأحكام الشرعية العملية المكتسبة من الأدلة التفصيلية، وهو أيضا يمثل جزءا من خطاب الله تعالى لعباده المكلفين، بما يشمل ذلك الخطاب الخاص للإنسان، أو الخطاب العام للجماعة المسلمة والمجتمع.
و التجديد الفقهي عملية متشابكة، تشمل: المحتوى الفقهي، وطرق العرض، ومنهج التناول، وهي أيضا تشمل التراث الفقهي بتنوعاته، كما يشمل أيضا المنهج الأصولي المتعلق به.
الخطاب الفقهي:
والخطاب الفقهي هنا لا أعني به التحدث أو الكلام الذي يخرجه الفقيه لمن يستمع إليه فحسب، بل يشمل كل أنواع الخطاب، من المكتوب والمسموع والمرئي.
ولهذا يقال: ألقى خطابا، أي خطبة أو كلاما مسموعا، و كتب خطابا، أي رسالة أو كتابا(11).
وترجع أهمية تعريف الخطاب أن ندرك معالم هذا الخطاب حين نتحدث عنه، أو نكتب فيه، فلا يقف عند حد الحديث، فالحديث عن الخطاب الفقهي لا يقف عند ما يقوله الفقهاء بألسنتهم فحسب، بل يشمل ما يكتبونه في كتبهم وبحوثهم ورسائلهم، وهذا يعني أن نبحث في مناهج الفقهاء وتأليفهم، وطريقة عرضهم، واللغة التي يكتبون بها، والمرتكزات التي يعتمدون عليها، ومصادرهم التي يرجعون إليها.
المبحث الثاني
ملامح التجديد الفقهي
التجديد الذي ننشده له ملامح يظهر من خلالها، ومن أهمها:
أ- الاستقاء من المصادر الأصيلة:
إن من أهم مرتكزات التجديد الفقهي الرجوع إلى المصادر الأصيلة التي أخذ منها الفقهاء، وهي مصدرا التشريع: الكتاب والسنة، وكلما امتلك الفقيه أدوات الاجتهاد، ورجع بها إلى المصادر الأصيلة كلما كان ذلك طريقا للاجتهاد الصائب، وابتعادا عن أسر التقليد، المتمثل في أفهام الفقهاء مع الاستفادة منهم، وذلك أن أخْذ الفقهاء من الكتاب والسنة، وأخْذ من تلاهم من كلامهم دون الرجوع إلى القرآن الكريم، الذي يصلح لكل زمان ومكان، يعني أن المتأخرين سيأخذون من اجتهاد الفقهاء، وأن الفقهاء لم يأخذوا فهم القرآن كاملا، لأن طبيعة كلام الله تعالى غير طبيعة كلام خلقه، فإذا كان المأخوذ منه ناقصا لا يرتقي إلى درجة التعبير الصادق بشكل كامل من المصدر، فإن الأخذ عن فهم المصدر يجعل الكلام المأخوذ أبعد عن المصدر بمسافات أكبر من كلام من أُخذ منهم.
ولهذا يعيب الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله- على الذين اختاروا التقليد سنة لهم، وابتعدوا عن الكتاب والسنة، وارتضوا أقوال الرجال وحدها، فيقول في معرض حديثه عن موقف بعض الناس من المرأة وأن حبسها في البيت أَولى:”لكن المسلمين لما استوعروا سبل التربية المهذبة للذكور والإناث -بسبب انحرافهم عن القرآن- لجأوا إلى السجن والقصر فكان ما كان.
هجر المسلمون القرآن إلى الأحاديث..
ثم هجروا الأحاديث إلى أقوال الأئمة.
ثم هجروا أقوال الأئمة إلى أسلوب المقلدين..
ثم هجروا المقلدين وتزمتهم إلى الجهال وتخبطهم..
وكان تطور الفكر الإسلامي، على هذا النحو وبالاً على الإسلام وأهله. روى ابن عبد البر عن الضحاك بن مزاحم:”يأتي على الناس زمان يعلق فيه المصحف حتى يعشش عليه العنكبوت، لا ينتفع بما فيه، وتكون أعمال الناس بالروايات والأحاديث”(12). وسبيل الرشد في هذه العملية أن نعود إلى القرآن، فنجعله دعامة حياتنا العقلية والروحية، فإذا وصلنا إلى درجة التشبع منه، نظرنا في السنة فانتفعنا بحكمة رسول الله عليه الصلاة والسلام وسيرته وعبادته وخلقه وحكمه، ولا يجوز أن يتكلم في السنة رجل قليل الخبرة بالقرآن، أو قليل الخبرة بالمرويات أو ضعيف البصر بمواقعها ومناسباتها. “(13).
ولهذا ورد عن السلف الأول انشغالهم بالقرآن، ودعوتهم أن يكون شغل الإنسان بالقرآن أكثر من أي شيء آخر، فعن الزهري عن عروة أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أراد أن يكتب السنن فاستفتى أصحاب النبي – عليه الصلاة والسلام- في ذلك، فأشاروا عليه بأن يكتبها، فطفق عمر يستخير الله فيها شهرا. ثم أصبح يوماً، وقد عزم الله له، فقال: إني كنت أريد أن أكتب السنن، وإني ذكرت قوماً كانوا قبلكم كتبوا كتباً فأكبوا عليها وتركوا كتاب الله. وإني-والله-لا أشوب، وفي رواية: “لا أنسي كتاب الله بشيء أبدا”(14).
وقد جعل الإمام الشافعي القرآن هو الهادي إلى السبيل في كل شيء، ومنها الأحكام الشرعية، فقال: “وليست تنـزل بأحد نازلة في الدنيا إلا وفي كتاب الله الدليل على سبيل الهدى فيها”(15).
إننا نلحظ أن عرض القرآن الكريم للقضايا والأحكام يختلف اختلافا واضحا عن عرض الفقهاء له، وذلك أن الفقهاء عرضوا القضايا والأحكام بطريقة قانونية أحيانا، وتدريسية أحيانا أخرى، تقف عند حد المحظور والمباح، فتعريف النكاح مثلا أن موضوعه الاستمتاع والجماع نظرة قاصرة عن الزواج كما نفهمه من القرآن الكريم، يقول ابن مفلح من فقهاء الحنابلة: “قال ابن خطيب السلامية في نكته على المحرر: وحيث قلنا بالوجوب فالواجب هو العقد، وأما نفس الاستمتاع فقال القاضي: لا يجب، بل يكتفى فيه بداعية الوطء، وحيث أوجبنا الوطء فإنما هو لإيفاء حق الزوجة لا غير. انتهى. (قلت): إيجاب العقد فقط قريب من العبث، بل الواجب العقد والاستمتاع في الجملة؛ لأنه موضوع النكاح، لا لمجرد العقد”(16).
وجاء في كتاب غرر الأحكام من كتب الحنفية عن معنى النكاح: “معناه شرعا (عقد موضوع لملك المتعة) أي حل استمتاع الرجل من المرأة”.
وعلق منلا خسرو في شرحه على هذا النص قائلا: “ولذا قال قاضي خان، إنه في اللغة والشرع حقيقة في الوطء، مجاز في العقد”(17).
ولا شك أن الاستمتاع جزء هام من الزواج، غير أننا نعتبر تعريف الفقهاء غير جامع ولا مانع، لاقتصاره على جزء من أجزاء النكاح كما هو في القرآن الكريم، الذي تحدث عن النكاح قائلا: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)(18).
أما فيما يخص الزواج والعلاقة بين الزوجين، فهي تظهر في كتب الفقه كحقوق وواجبات، أما القرآن والسنة، فتظهر الأسرة كمؤسسة اجتماعية لها أهداف متنوعة، تقوم على التراحم والتواد، وحسن العشرة، ومراقبة الله تعالى، والمعاملة بالفضل، وغيرها من المعالم والمرتكزات التي تساعد على نجاح الأسرة، وحين نقدم الأسرة على أنها حقوق وواجبات يعني أننا نؤصل مفهوم الندية، وأن الأسرة تأخذ الشكل القانوني في التعامل بين الزوجين، وهذا بخلاف ما يظهر في القرآن الكريم والسنة النبوية.
ولا يعني هذا القول بخطأ ما ورد في كتب الفقه – حتما – فيما يخص العلاقة بين الزوجين، ولكنها صورة ناقصة يجب أن تستكمل بالرؤية المتكاملة للأسرة، بما فيها هذا الجزء الذي لا يمكن من خلاله رؤية الصورة كاملة بشكل واضح، كما جاء في مصادر الوحي.
ومن هنا، فإن الدعوة إلى التجديد يجب أن يصحبها النظر الثاقب في القرآن والسنة، وجمع الآيات والأحاديث الصحيحة في الموضوع محل البحث والنظر، وأن نخرج بنظرية الوحي في الموضوع بشكل عام، من خلال الإطار الخاص بالأحكام، والإطار المتعلق بالتعامل والسلوك، واستصحاب الأخلاق الفاضلة، ومراقبة الله تعالى في كل هذا، حتى نخرج بصورة نحسب أنها أقرب إلى صورة الموضوع في مصادر الوحي.
ثم تعتبر بعد ذلك الأدوات الأخرى للاجتهاد، والتي تساعد الفقيه على الوصول للرؤية الوحيية للموضوع، ونقصد بها الاجتهاد بما فيه من الإجماع والقياس والاستصحاب والاستحسان ومراعاة العرف والعادات مالم تصادم شيئا من الشرع، وغيرها من أدلة الأحكام.
ب – امتلاك أدوات فهم النص:
النص وحده غير كاف لاستنباط الأحكام منه، أو فهمها على الفهم الصحيح، بل يجب أن يمتلك الإنسان أدوات الفهم والبحث،حتى يصل إلى الفهم المراد من النص، أو استنباط الحكم الذي أورده الشارع، وهذا هو محل الاجتهاد وامتلاك أدواته.
وقد تنبه عبد العزيز البخاري الحنفي وغيره من الأصوليين والفقهاء إلى أهمية الأخذ من القرآن الكريم والسنة النبوية على نحو من الاجتهاد والنظر وامتلاك الأدوات التي تؤهل للفهم الصحيح، فجعلوا الحديث عن أصول الشرع ثلاثة: الكتاب والسنة والإجماع، وقسمت إلى أربعة وجوه، هي:
1- وجوه النظم صيغة ولغة، ووضعوا فيها: الخاص والعام والمشترك والمؤول.
2- وجوه بيان النظم، ووضعوا فيها: الظاهر والنص، والمفسر، والمحكم والمتشابه، والخفي والمشكل.
3- وجوه استعمال النظم، ووضعوا فيها: الحقيقة والمجاز، والصريح والكناية.
4- وجوه وقوف السامع على مراد المتكلم ومعاني الكلام، ووضعوا فيها: الاستدلال بعبارة النص، الاستدلال بإشارة اللفظ، الاستدلال بدلالة النص، الاستدلال باقتضاء النص(19).
وهناك أدوات خاصة بالقرآن الكريم، من العلم بأسباب الناسخ والمنسوخ، وأسباب النـزول، ومعرفة علوم القرآن، والقدرة على تفسير النص القرآني، ومعايشة القرآن معايشة تولد صحبة للقرآن، مما يساعد على استنباط الأحكام بشكل صحيح، وغير ذلك من الأدوات.
وفي السنة النبوية يجب العلم بمصطلح الحديث وعلوم القرآن، والعلم باللغة العربية وأساليبها، وفهم الحديث على الوجه الصحيح، من خلال الرجوع إلى أقوال الشراح، وألا يؤخذ الحديث دائما على ظاهره، وأن نفهمه فهما جديدا لا يتناقض مع الثوابت، وأن نميز الصحيح من غيره، وأن نفهم الأحاديث حسب قواعد اللغة العربية، وأن نجمع الأحاديث في الباب الواحد، وأن نلجأ إلى التأويل السائغ إن كان الحديث يقبل هذا، ونحافظ على صحة الحديث، إن حكم عليه العلماء بالصحة، وأن يكون الاجتهاد في الحكم على الحديث مشتملا السند والمتن أيضا، وأن يقدم الأصح من الحديث على الصحيح، وأن نعرف الناسخ والمنسوخ منه، والتنبه إلى علم أسباب الورود في الحديث، لنعرف متى قال الرسول هذا؟ ولمن قاله؟ وأين قاله؟ فإن إدراك الملابسات والظروف التي أحاطت بالحديث تساعد على فهمه فهما جيدا، وأن ينتبه إلى أن صحة الحديث شرط للعمل به،غير أنه ليس كل حديث صحيح يعمل به، فقد يوقف العمل بالحديث لأمور معينة، وأنه ليس كل حديث ضعيف لا يعمل به، فهناك من الأحاديث الضعيفة التي تلقتها الأمة بالقبول،وغير ذلك من ضوابط التعامل مع السنة النبوية(20).
ج- الأخذ من تراث الفقهاء على نحو من الاختيار:
وهذا يعني ألا نطرح كل ما كتبه الأقدمون، ولكن نستفيد من آرائهم، مادامت صالحة لزماننا، دون تعصب لفقيه دون فقيه، أو مذهب دون مذهب، فالانتفاع بكل فقيه ذكي مخلص للإسلام أمر واجب الفعل، وكل ما تركه المسلمون ثروة علمية هائلة، فالاختلاف الفقهي قد يكون اختلافا محمودا، وهو لا يعني التناقض كما يفهم كثير من الناس، وإنما هو ثروة فقهية طائلة، المهم أن ندرك متى نعمل هذا الرأي في وقته وزمانه ومكانه والحال المناسبة له، ومتى نترك الآخر، ثم متى نأخذ المتروك ونترك المأخوذ به؟.
ومن هنا يمكن أن نعتبر الآراء المختلفة ممكنة الإعمال، وكما يقول الفقهاء: إعمال الشيء خير من إهماله(21)، فنعمل وجوب النقاب في البيئة التي يتناسب معها، ونعمل سنيته في البيئة التي تناسب القول بسنيته، وكذلك مع حال كل امرأة، ونعمل تولي المرأة القضاء والحكم في البيئة المناسبة، ونعمل جواز تولي المرأة تزويج نفسها في بيئته، وهكذا…
وقد تكون هذه مظلة جديدة إن اتفق عليها، تجمع الفقهاء، وتنهي كثيرا من حرب الكلام في المسائل الخلافية، لأن الله تعالى رضي لنا أن تكون هناك ثوابت لا تتغير، وهناك أمور خلافية، ستبقى خلافية إلى أن يقوم الناس لرب العالمين، فإن الخلاف في المسائل مشهور منذ العصر الأول إلى يومنا هذا، وسيبقى إلى يوم الدين، ومن الحكمة أن نستثمر الوقت والجهد في غير الترجيح بين الاختلافات، إلا في مقام الإفتاء، أو في مقام التدريب على البحث، أو في المراكز الأكاديمية، والمؤسسات العلمية ونحوها.
وإن كانت كل أمة تحترم تراثها وعلماءها، فمن الواجب في مقام التجديد أن نستفيد من جهد العلماء، فنقبل منهم، ونخالفهم مع احترامنا الكامل لهم،ولما بذلوا من جهد في خدمة الإسلام والمسلمين، فنتعامل مع تراثنا بالإفادة منه دون تقديس، والنقد والمراجعة دون تبخيس.
د- مراعاة الواقع المعيش:
ومن أهم ضوابط التجديد أن يراعي الفقيه الواقع الذي يعيشه، وألا يجعل نفسه دائرا في فلك التراث القديم فحسب، بل يجب أن يراعي واقع الناس،وأن يسعى لتحقيق مصالحهم التي لا تتناقض مع حقائق الشريعة، ومراعاة واقع الناس وإن كانت سمة تجديدية، فإنها ليست وليدة العصر، فقد نادى بها الأئمة من السلف، كالإمام أحمد، وابن القيم وابن تيمية والقرافي وابن عابدين وغيرهم.
يقول ابن القيم: “فصل في تغيير الفتوى، واختلافها بحسب تغير الأزمنة والأمكنة والأحوال والنيات والعوائد”:
“الشريعة مبنية على مصالح العباد هذا فصل عظيم النفع جدا وقع بسبب الجهل به غلط عظيم على الشريعة أوجب من الحرج والمشقة وتكليف ما لا سبيل إليه ما يعلم أن الشريعة الباهرة التي في أعلى رتب المصالح لا تأتي به؛ فإن الشريعة مبناها وأساسها على الحكم ومصالح العباد في المعاش والمعاد، وهي عدل كلها، ورحمة كلها، ومصالح كلها، وحكمة كلها؛ فكل مسألة خرجت عن العدل إلى الجور، وعن الرحمة إلى ضدها، وعن المصلحة إلى المفسدة، وعن الحكمة إلى العبث؛ فليست من الشريعة وإن أدخلت فيها بالتأويل؛ فالشريعة عدل الله بين عباده، ورحمته بين خلقه، وظله في أرضه، وحكمته الدالة عليه وعلى صدق رسوله صلى الله عليه وسلم أتم دلالة وأصدقها، وهي نوره الذي به أبصر المبصرون، وهداه الذي به اهتدى المهتدون، وشفاؤه التام الذي به دواء كل عليل، وطريقه المستقيم الذي من استقام عليه فقد استقام على سواء السبيل. فهي قرة العيون، وحياة القلوب، ولذة الأرواح؛ فهي بها الحياة والغذاء والدواء والنور والشفاء والعصمة، وكل خير في الوجود فإنما هو مستفاد منها، وحاصل بها، وكل نقص في الوجود فسببه من إضاعتها، ولولا رسوم قد بقيت لخربت الدنيا وطوي العالم، وهي العصمة للناس وقوام العالم، وبها يمسك الله السموات والأرض أن تزولا، فإذا أراد الله سبحانه وتعالى خراب الدنيا وطي العالم رفع إليه ما بقي من رسومها؛ فالشريعة التي بعث الله بها رسوله هي عمود العالم، وقطب الفلاح والسعادة في الدنيا والآخرة..”(22).
ونلحظ أن كثيرا ممن يتحدثون عن التجديد والاجتهاد يذكرون هذا النص في معرض تغير الفتوى باختلاف الزمان والمكان، غير أن نص الإمام ابن القيم لم يحصره في هذا، فهو يذكر بأن يراعي الفقيه تغير الفتوى باختلاف الزمان والمكان، وكذلك أيضا: الحال والنية والعوائد، وألا يقتصر الاختلاف على الزمان والمكان فحسب.
كما أنه لفت الانتباه إلى أن الشريعة مبنية على مصالح العباد، وقوام ذلك العدل والرحمة، وهذه أسس يجب مراعاتها في الاجتهاد والتجديد، فكل اجتهاد أو تجديد خرج عن المصلحة، أو لم يراع العدل والرحمة، فليس بتجديد مقبول، بل هو تجديد غير صالح لعالم الإنسان، لأن قوام الدين بقاء الشرع كما أشار ابن القيم.
بل نعجب حين نقرأ للشهاب القرافي المالكي أن التقليد والجمود على القديم نوع من الضلالة، فيقول عند الحديث عن التفرقة بين قاعدة العرف القولي والعرف الفعلي بعد شرح الفرق بين القاعدتين:” وعلى هذا القانون تراعى الفتاوى على طول الأيام فمهما تجدد في العرف اعتبره ومهما سقط أسقطه ولا تجمد على المسطور في الكتب طول عمرك بل إذا جاءك رجل من غير أهل إقليمك يستفتيك لا تجره على عرف بلدك واسأله عن عرف بلده وأجره عليه وأفته به دون عرف بلدك والمقرر في كتبك فهذا هو الحق الواضح والجمود على المنقولات أبدا ضلال في الدين وجهل بمقاصد علماء المسلمين والسلف الماضين”(23).
وقد بين الفقيه الحنفي ابن عابدين الحكمة من مراعاة التغير في الزمان والمكان والحال والنية والعوائد أن عدم مراعاتها يفسد ما بنيت عليه الشريعة من التيسير، فكثير من أحكام الناس مبنية على العرف والعادة، وإبقاء الحكم دون النظر إلى عرف الناس، يجلب الفساد والضرر، وهما مرفوعان في الشريعة، ليبقى العالم على أتم نظام، وأحسن الأحكام، ولهذا، فإن الفقهاء القدامى لم يبقوا على ما قاله فقهاؤهم، مراعاة لتغير زمانهم(24).
هـ- البعد عن التعصب للآراء أو المذهب:
إن من أهم معوقات التجديد الاتباع الأعمى والتقليد بلا اقتناع، فلا يمكن لإنسان أن يسلم نفسه شخصا ما مهما كان، في كل صغيرة وكبيرة، وإن كان هذا في شئون الحياة، فكيف بشأن الدين!
إن من المعلوم أن كلا يؤخذ منه ويترك، إلا المعصوم صلى الله عليه وسلم، لأن الله تعالى حفظه من الخطأ فيما يخص تبليغ الدين، بل كل اجتهاد للرسول صلى الله عليه وسلم كان الوحي معه يصوب له، كاجتهاده في الأسرى، وغيرها من الحوادث.
والتقليد لذاته مذموم في القرآن، كما قال تعالى: (وَكَذَلِكَ مَا أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي قَرْيَةٍ مِنْ نَذِيرٍ إِلَّا قَالَ مُتْرَفُوهَا إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ (23) قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ قَالُوا إِنَّا بِمَا أُرْسِلْتُمْ بِهِ كَافِرُونَ (24) فَانْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَانْظُرْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ)(25).
وقد قال الإمام ابن تيمية رحمه الله: “ومن نصب شخصاً كائناً من كان فوالى وعادى على موافقته في القول والفعل فهو (مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا)(26)، وإذا تفقه الرجل وتأدب بطريقة قوم من المؤمنين مثل أتباع الأئمة والمشايخ فليس له أن يجعل قدوته وأصحابه هم المعيار فيوالي من وافقهم ويعادي من خالفهم..)(27).
وقد ذم الإمام ابن القيم التقليد في أكثر من موضع، كما هو الشأن في مدارج السالكين(28)، وكذلك في كتابه “إعلام الموقعين عن رب العالمين”، في باب: في عقد مجلس مناظرة بين مقلد وبين صاحب حجة منقاد للحق حيث كان، إذ بلغت أوجه إبطال التقليد أكثر من ثمانين وجها”(29).
وقد وجدنا من فقهائنا القدامى من لا يتعصب لإمام المذهب، بل يخرج عنه، إذا ثبت لديه الدليل بضعف رأي شيخه، فكم خالف الإمام ابن تيمية والإمام ابن القيم – رحمهما الله- مذهب الحنابلة، وهما منه، وخالف الأصحاب في مذهب الأحناف الإمام، وهناك مسائل معروف فيها رأي الشيخين خلاف رأي الإمام، وقد يجتمع الثلاثة: محمد ابن الحسن، وأبو يوسف وزفر، وقد كان الإمام الطبري شافعي المذهب، وخالف الشافعي في مسائل كثيرة، حتى استوى له منهج فقهي، فاستقل بمذهب الجريريين، نسبة إلى اسمه “محمد بن جرير الطبري”، وكذلك كان الإمام البخاري شافعي المذهب، وقد استقل بمذهب البخاريين، والإمام ابن حزم كان شافعي المذهب، ثم أصبح إماما في مذهب الظاهرية، بل هو يعد المؤسس الحقيقي للمذهب، وللكمال بن الهمام آراء كثيرة تخالف مذهب الحنفية، وهو منهم، وللإمام ابن قدامة آراء تخالف مذهب الحنابلة، وهو منهم، وللإمام الشوكاني آراء تخالف مذهب الزيدية وهو منهم، بل هناك اختلاف في المذهب الواحد، بخلاف ما هو مشتهر، ولكن الذي يخرج للناس هو الرأي المعتمد في المذهب حسب قواعد كل مذهب في الرأي المعتمد، وهذا كله يدلنا على أنه ما يجب أن يتحيز أحد لشيخ، فإنه لا يعرف الحق بالرجال، وإنما يعرف الحق بذاته(30).
وما أحسن ما قاله ابن مسعود – رضي الله عنه -: “لا يتبعن أحدكم دينه رجلا، إن آمن آمن، وإن كفر كفر، فإنه لا أسوة في الشر”(31).
وهذا التقليد والتعصب المذموم هو ما كان في مقام العلماء المجتهدين، وفي مقام الإفتاء، أو ما كان في مقام العامة بحيث يتبع رأيه بالكلية، ولو بلا دليل، وإن كان المستفتي هو الذي يسأل المفتي، فإن عملية الإفتاء لها أطراف لا تتم بشكل صحيح إلا إذا توافرت، وهي: المستفتي، والمفتي، والمستفتى فيه، وكلما كان المستفتي مجتهدا في شرح المسألة، شارحا إياها بشكل تفصيلي صحيح، كلما كان اجتهاد المفتي أقرب للصواب.
وإن كان من تقليد واجب، فهو أن نقلد الفقهاء في منهجهم، حيث إنهم “عاشوا عصرهم وأبدعوا، لا أن نقلدهم في التقيد بآرائهم والانصراف عن الإبداع لعصرنا،… وأن نضيف إلى كتب التراث عند إعادة طباعتها حواشي بالاجتهادات الجديدة في المواضيع التي اختلفت فيها هذه الاجتهادات، عن آراء الفقهاء الأقدمين”(32).
و- الجمع بين النظرة التكاملية والشمولية:
إن مجال الاجتهاد والتجديد في الأحكام الشرعية يستوجب أن يكون هناك إلمام بالعلوم التي تتشابك مع علوم الشريعة، فالحديث عن أحكام الأسرة وما تبعها من قضايا الخطبة والنكاح والطلاق وظواهر العنوسة والتعدد، وعلاقة الرجل بالمرأة، وغيرها من القضايا الظواهر يجب أن يتشابك في الحديث عنها علماء الشريعة مع علماء الاجتماع، وأن نخرج برؤية تكاملية، لأن النظر بعين الفقه وحده غير كاف لأن يقدم صورة تناسب الناس، ذلك أن الفقهاء يرون الحدود والرسوم الموجودة في كتب الفقه وحدها، وعرض القضايا من منظور اجتماعي وحده فيه – غالبا – ما يجيء بعيدا عن مراعاة الضوابط الشرعية، وهذا الانفصام يجب ألا يكون موجودا في مجال التجديد، وعلاجه في أمرين:
الأول: أن يتم بحث المسائل المشتركة بين الفقه والعلوم الأخرى بالجمع بين علماء الشريعة وعلماء العلوم الأخرى، فيعرض كل واحد ما عنده، حتى يخرجوا بصورة شاملة كاملة، مع الحفاظ على الثوابت، ولكنه تفسير للظواهر في العلوم، وفهم للنصوص الشرعية على الوجه الأحسن، الذي ينـزل النصوص الشرعية منـزلتها الصحيحة، ولا يساء فهمها.
الثاني: أن يتخصص عدد من العلماء في التخصصات المختلفة، فيتخصص البعض في الاقتصاد، فيدرس الاقتصاد كعلم محض، مع دراسة الاقتصاد الإسلامي، ويتخصص البعض في السياسة فقها وعلما، والبعض الآخر في الاجتماع فقها وعلما، وهكذا.
وأقل ما يمكن في هذا أن يمتلك الفقيه أدوات البحث في العلم الذي يتخصص فيه، أو يتملك المتخصص في الاقتصاد أو السياسة وغيرهما أدوات البحث الشرعي، ثم يعرض أيضا على متخصصين من باب الاطمئنان، وقد بدأت المجامع والمؤسسات الفقهية الكبرى تبني مثل هذه الفكرة، حتى يعود للفقه دوره في الحياة، والأمر يحتاج إلى دور أعمق.
وقد يدخل في هذا أيضا ألا يقدم الفقه على أنه رسوم وحدود، دون أن يصاحب معه الحكمة من الحكم، وأن يصاحب الحكم الدعم المعنوي الذي يدفع الناس إلى الالتزام بأوامر الله تعالى من خلال تزكية النفس، تحلية وتخلية، وأن يعرض الفقه كعلم وكعمل معا، وذلك أن العلم بخطاب الله تعالى لعباده وحده غير كاف، وليس المقصود به الوقوف عند حد المعرفة وحدها، بل لابد أن يصاحب هذا الخطاب خطاب آخر يدعو إلى الالتزام بأوامر الله تعالى؛ إذ المقصود من العلم الالتزام بمقتضاه، وهذا منهج القرآن في عرض الأحكام.
ز – مراعاة لغة العصر والبعد عن التعقيد:
إن إدراك الفقيه أن ما هو موجود في الكتب الفقهية القديمة، يحوي ما هو ثابت، وما هو متغير، وأن المتغير نتاج بشري، له ارتباط بالبيئة والزمان وثقافة الكاتب، وطريقة عرضه، ولغة عصره، يجعل من اليسر أن نعيد النظر فيما كتب، وأن نستفيد منه ما كان صالحا لنا، وأن نستبعد ما لا فائدة منه، وليس في هذا تقليل من شأن العلماء، بل هو أداء لرسالة الفقه على وجه صحيح، فإن أبا حنيفة أو مالكا أو ابن حزم أو غيرهم ما أجبرونا أن نجعل كتبهم هديا نقتدي بها في كل شئون حياتنا، وما طلب أحد منهم منا ذلك، فيكون من العبث أن نتبرع بما لو عرفوا ما وافقوا عليه.
وكما هو معلوم أن القاموس اللغوي يختلف من مجتمع لآخر، ومن زمن لآخر، فإن كثيرًا من الألفاظ المبثوثة في كتب الفقه غير موجودة في زماننا، ولهذا يجب أن نكلم الناس بما يفهمون وما يعرفون، ومراعاة لغة العصر أمر أرشد إليه القرآن بقوله تعالى:(وَمَا أَرْسَلْنَا مِنْ رَسُولٍ إِلاَّ بِلِسَانِ قَوْمِهِ لِيُبَيِّنَ لَهُمْ فَيُضِلُّ اللَّهُ مَنْ يَشَاءُ وَيَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)(33)، وفي حديث أبي ذر قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “لم يبعث الله عز وجل نبيا إلا بلغة قومه”(34)، ويمكن أن نفهم اللسان هنا بلسان المقال، ولسان الحال، فيكون المبلغ عالما بلغة قومه وحالهم، متفحصا أمورهم، عارفا بأعرافهم وتقاليدهم، فيجيء الخطاب الفقهي متوافقا مع لسان وحال القوم، لأن هذا هو مفتاح الفهم والإدراك، كما أنه طريق إلى الإيمان والعمل.
ومن سبيل ذلك أن تترجم المقادير والمكاييل التي تملأ كتب الفقه ولا يفهمها الناس، وأن تستبدل المصطلحات الغامضة بمصطلحات مفهومة للناس، وأن تشرح المصطلحات بعبارات سهلة ميسورة. وأن يكتب الفقه بلغة سلسة، لا يهتم فيها بالنقل عن الغير، لأن هذا مجاله البحث العلمي الأكاديمي، وإن كانت كثير من العلوم قد أصبحت سهلة ميسورة للناس، مثل كثير من مبادئ السياسة والاقتصاد والفكر، فلأن أهلها يسروها على الجمهور العام، ويبقى على علماء الشريعة أن يبذلوا جهدا كبيرا في هذا التيسير، وإن كان العلماء قد قاموا فيه بجهد، إلا أنه يحتاج إلى نوع من الاستكمال.
ولا بأس إن كان البعض يجيد البحث العلمي والخروج بالنتائج المبنية على المعطيات أن يقوم غيره بعملية التحرير وإعادة الصياغة بشكل يحافظ على جوهر القضايا، وبلغة سلسة مفهومة، وقد درجت الصحافة على تخصيص قسم للتحرير الصحفي “desk” فلا بأس بأن يستفاد من هذه الفكرة، على أن يقوم بالتحرير وإعادة الصياغة متخصصون في الفقه أيضا، ولكن عندهم القدرة على التيسير في العرض، وأن تكون لغتهم سهلة مفهومة.
ومن أهم المجالات التي تحتاج إلى هذه الطريقة الفتاوى، فكثير من الفتاوى أشبه ببحوث فقهية، فيتناول الفقيه المسألة ببيان آراء الفقهاء، ثم عرض الأدلة تفصيلا ومناقشتها، ثم بيان الرأي الراجح عنده، أو يترك المسألة للمستفتي يختار ما يريد من الآراء المختلف فيها، فهذه أشبه ببحوث فقهية، وليست فتاوى، تريد أن تنـزل النصوص الثابتة على الواقع المتغير بلغة يفهمها المستفتون، وخاصة أن الناس قد ابتعدوا عن الثقافة الدينية والفقهية بشكل كبير، فليس من الحكمة أن نحشو لهم من كتب الأقدمين ما لا يفهمون، حيث درج بعض المفتين أن يكتبوا الرأي ثم يستدلون عليه ببعض النقول من أكثر من كتاب، فينقلون بعد تلخيصهم الحكم ما كتبه ابن قدامة في المغني، وابن حزم في المحلى، والنووي في المجموع، وابن رشد في بداية المجتهد ونهاية المقتصد، وغيرها من كتب الفقه، والأولى أن يكون هناك نهج معاصر في صياغة الفتاوى يحافظ على بنائها الأصولي، ويجعلها – في ذات الوقت- أقرب لفهم العوام من غير المتخصصين.
ولا بأس أن يأخذ الباحثون الشرعيون دورات في مجال التحرير والصياغة، بما يتوافق مع التيسير والتسهيل، والحفاظ على المحتوى الفقهي المقدم.
بل إن من أهم وسائل تجديد الفقه وتطويره أن ينال الفقهاء قسطا من علوم الحياة، فيما يخص الإدارة والاقتصاد وعلوم الحاسب الآلي، والتدرب عليه، وغيرها مما يمكن الاتفاق عليه، لأن حصر الفقيه عقله في كتب التراث وحده طريقه التقليد غالبا، والانفتاح على علوم الحياة نافع للدنيا والدين.
ح – حسن العرض:
وحسن العرض جزء منه التيسير في الكتابة والعرض، غير أنه من المهم أيضا أن نستفيد من الوسائل الحديثة في عرض المادة الفقهية، من الخرائط والرسوم التوضيحية، وعرض بعض المواد الفقهية في شكل: ” power point”، أو في صورة ” flash”، أو ملف مصور، أو كتاب مصحوب بصور، أو فيلم تسجيلي، أو شرائط فيديو، أو غيرها من وسائل التعليم الحديثة، فمثل هذه الأشياء تساعد على حسن عرض المادة الفقهية، وتجعلها سهلة للناس، يمكن لهم الاستفادة منها، وألا ينحصر الفقه على الكتب والبحوث والمؤتمرات فحسب.
وقد كان العلماء قديما ينظمون الفقه والأصول وغيرهما على هيئة أبيات شعرية، حتى تكون أسهل في الحفظ، وهذا كان يناسب زمانهم، فيكون من الأولى أن ننظر وسائل عصرنا، وأن نعرض الفقه في تلك القوالب الحديثة، فلسنا متعبدين بالوسائل مالم ينص عليها الشارع الحكيم، ويبقى الكتاب ودرس المسجد وغيرهما أمورا أساسية لا يمكن الاستغناء عنها، مع هذه القوالب الحديثة.
ط – التفرقة بين مضامين المصطلحات ومكان عرضها
ومن الأمور التي تساعد على ضبط العرض للفقه إدراك مساحات التباين والتقارب بين المصطلحات، فيفرق بين الحكم الشرعي و الفتوى، وبين الفتوى والقضاء، وبين الفقه في دروس العلم المتخصصة والبحث، وبين عرضها أمام عوام الناس.
فلا يمكن تقديم الفقه للطلاب في الجامعات وأماكن العلم، مثل أن تقدم في المساجد وعلى الفضائيات وشبكة الإنترنت، فلكل مكان جمهوره وثقافته، وكذلك ما يعرض لطلاب العلم وما يعرض على عوام الناس، والتفريق بين العرب وغيرهم ممن لهم لسان آخر، ونحو ذلك.
وننبه هنا على أن هناك جامعات إسلامية عريقة في عدد من الدول الإسلامية يفد إليها طلاب علم من غير العرب، ومازالت المناهج واحدة دون إدراك للفوارق اللسانية واللغوية، والأجدر أن يخص كل فريق بمنهج يوافق لسانه، ويتواءم مع قدرته على استعمال اللغة؛ حتى يكون سفير علم لقومه وعشيرته.
ك – النية الصادقة والاستعانة بالله:
ويبقى الضابط الأهم في هذا كله، النية الصادقة لله تعالى، والاستعانة به حتى يفتح على الفقيه آفاقا للتجديد، وذلك أن غياب الضمير يقلب الموازين، وقد يكون من عنده علم قادرا على أن يقدم الحلال حراما والحرام حلالا، وأن يسوق من الأدلة ما لا يفهمه غيره، بحيث يثبت صحة ما قاله، أو يتكلم بطريقة توقع الناس في الإبهام والإيهام، فإذا سئل عن غالب ما فهمه الناس درء عن نفسه بأنه لم يقل هذا الكلام، وإنما هذا فهم الناس لكلامه عن طريق الخطأ، ولو أراد إفهامهم بطريقة أيسر لفعل.
وقد قال تعالى: (وَإِذْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ لَتُبَيِّنُنَّهُ لِلنَّاسِ وَلا تَكْتُمُونَهُ فَنَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ وَاشْتَرَوْا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلاً فَبِئْسَ مَا يَشْتَرُونَ)(35). وقال أيضا: (وَلاَ تَقُولُوا لِمَا تَصِفُ أَلْسِنَتُكُمُ الْكَذِبَ هَذَا حَلاَلٌ وَهَذَا حَرَامٌ لِتَفْتَرُوا عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لاَ يُفْلِحُونَ)(36).
المبحث الثالث
التجديد في التأليف الفقهي
كان تراث الأمة على وجه العموم، والتراث الفقهي على وجه الخصوص مثار اهتمام بالغ عند علماء الأمة، لأنه يمثل الجانب الثقافي من حضارة الإسلام، فضلا عن أنه يمثل فهم علماء المسلمين للوحي المنـزل على نبي هذه الأمة – صلى الله عليه وسلم-.
وإن ثقافة التراث الإسلامي شابها نوع من الدخل والدخن، وابتعدت عن النبع الصافي الأول أيام الوحي، وقد نافح العلماء لتنقية التراث الإسلامي مما شابه.
فالثقافة الإسلامية في العصور الأخيرة داخلها أغيار شتى، وانتشرت بها ظنون وأوهام لا صلة لها بالإسلام أو هي غريبة عنه.
والطريق الذي أتى بها هو من الإسرائيليات أو النصرانيات أو الإغريقيات.
وقد تناول الشيخ محمد الغزالي – رحمه الله- هذه القضية، فقال: “والفقهاء في الكتاب والسنة جازمون بأن تركة العلوم الشرعية التي آلت إلينا مثقلة بانحرافات واضطرابات شتى، وأنها بحاجة ماسة إلى غربلة شاملة تنقيها من الدخيل الضار- وما أكثره – وتردها إلى أوضاعها الأصيلة كيما تخدم الحق، وتنفع الناس.
في علم العقيدة – الموسوم بعلم الكلام – مباحث…. خلقها الفراغ، والسماح لفلسفة يونان أن تقتحم بأوضارها محاريب الفكر الإسلامي.
ويجب بتر هذه الإضافات، ورجع العلم المظلوم إلى مادته الأولى، يصور جوهر الإيمان، وينير القلوب إلى كهربائه.
ونستطيع القول بأن أكثر الكتب المؤلفة في هذا العلم لا تصلح لا لعصرها، ولا لعصرنا.
وفي علم الفقه متون وشروح وحواش أغلبها من إنتاج المتأخرين، وهي رديئة العرض، سقيمة الأسلوب.
وحقائق العبادات والمعاملات مبعثرة فيها بعثرة مزعجة، فضلا عن المنحى المذهبي الذي جعل كل طائفة منها تمثل جانبا من الفكر القانوني، لا يغني عن الجوانب الأخرى.
وفي كتب السيرة والتاريخ حشد هائل من المرويات التي لا تثبت على التمحيص، ومع أن جهابذة النقاد زيفوا كثيرا من تلك النقول المريبة، فإنها بقيت في مكانها دون أن تحذف وتواري في الثرى…….
وفي كتب التفسير – خصوصا ما تتداوله العامة – كتفسير الخازن – هراء كثير، وهذا الكتاب لا يصلح للقراءة إلا بعد حذف صفحات منه.
ومنهج التفسير نفسه ينبغي أن يراجع.
وهناك كتب السنة التي لابد من إعادة تبويبها، وتهذيب سياقاتها حتى يتسنى للجمهور أن يستفيد من حكم النبوة المسجلة فيها.
إن الثقافة الإسلامية الآن، وبعد القرون الميتة التي اجتررناها أخيرا يجب أن يعاد النظر فيها طولا وعرضا، لأنها – للأسف – لا تيسر حقائق الإسلام، كما أتت من عند الله.
وليست هناك قداسة لإنتاج أحد من الخلق، إنما القداسة للوحي الأعلى وحده.
وفي مقدورنا على ضوء كتاب ربنا وسنة نبينا أن نربط الأجيال الحديثة بالإسلام عن طريق كتب تستقي من النبع الأول، وتتحامى تخليط المخلطين وتنتفع بجهود ذوي البصائر من الأولين والمحدثين”(37).
ومن الواجب أن تساق المعارف الإسلامية سوقا رقيقا، سائغا للمطالعين، وأن يكون في أسهل أسلوب وبمنطق مبين.
وهذا يتماشى مع طبيعة الدين، فهو بريء من الالتواء والغموض، بعيد عن التقعر والتكلف.
وإن كان الدين يحتاج إلى نوع من اليسر في عرض منهجه، حتى يتبين، فإن الكتابة فيه- وفي الفقه خاصة- يجب أن تكون كذلك، حتى يعود إليها الناس بين الحين والآخر، خاصة في عصر يسعى فيه أصحاب الأفكار إلى عرض أفكارهم بنوع من الإثارة والتشويق.
ومن العجيب أن تكون هناك شروح أشبه بألغاز تحتاج إلى شرح، والغرض منها شرح الإسلام وهي تعقيد له أو حجاب دونه.
وإن كنا لا نستطيع أن ننكر أن هناك بدايات طيبة في التأليف الميسر، يجمع فيه أصحابه بين حسن التصور والتصوير، إسهاما في خدمة الثقافة الإسلامية.
وهذه الدعوة ترمي إلى أن يكتب الفقه في كل عصر بلغته، حتى يكون أيسر للفهم والوصول إلى ذهن الدارس أو القارئ.
على أن هذا لا يعني محو ما كتبه الأقدمون، فليس كل ما كتب في القديم صعب اللغة، فهناك من كتب بلغة سهلة يسيرة، وهو سهل المنال، كما أن التواصل بين المتعلمين وتراثهم أمر هام في تأصيل التعلم، حيث يجعل له ثقلا ووزنا، فما كتبه ابن قدامة في المغني، أو ابن حزم في المحلى أو ابن تيمية في الفتاوى وفي كثير من كتبه، قد لا يشعر الإنسان بالفارق الزمني، وخاصة أنه يقرر أحكاما شرعية، ويسجل آراءاً فقهية.
أما الذي يشبه الألغاز فهو ما كُتب من مختصرات وشروح، فالكتب التي أخذت هذا المنحى من الاختصار أو الشرح يغلب عليها الدوران في فلك الاختصار الذي يجعل اللغة محكمة، أو الشرح الذي يبين مراد المختصر، ولكنها لغة عصرهم، ولا يمكن أن نحكم عليهم في عصرنا، استنادا إلى لغة عصرهم، بل نحاكم كلا بلغة عصره ومصره، على ألا نجعل لغتهم مقدسة لا يمكن الاقتراب منها، وألا نقدم الفقه إلا باللغة التي قد كتبوها(38).
ويلاحظ أن الأمة اهتمت اهتماما كبيرا بالتأليف الفقهي، يكاد يقارب نصف ما أنتجته الأمة من كتبها، وأنها أسرفت في التأليف في فقه العبادات حتى بلغ حد السرف، مما يُرى من تأليف الشروح والمختصرات وشروح المختصرات، وظهرت فيه المذهبية بأجلى صورها، حتى كاد الاجتهاد أن يموت، ولكن قامت في العصر الحديث بعض المحاولات التي يظن أن الأمة كانت بحاجة إليها، من التأليف التيسيري في العبادات وغيرها، وخاصة أن لغة العصر الذي نعيشه، ليست هي اللغة القديمة التي كتب الفقهاء بها كتبهم، ولا يعني ذلك البعد السحيق بين اللغتين، بقدر ما أن هناك كلمات ومترادفات سادت في عصرهم، وليس لها استعمال في عصرنا، فكان من الواجب أن يقوم تأليف تيسيري، حتى يعرف الناس أمور دينهم.
وقد انتشرت مثل هذه المحاولات الجادة، وكثرت، وأصبحنا في حاجة إلى الانتقاء منها وترشيدها، ووقف التأليف فيها، والنظر إلى الجوانب التي نفتقر إليها في التراث الفقهي.
ولعل مما تسبب في مثل هذا غياب العمل المؤسسي قديما وحديثا بشكل كبير، فقد كان التأليف وما يزال –إلى حد بعيد – يأخذ النظرة الفردية لا الجماعية ولا المؤسسية في التأليف.
وهناك من المجامع الفقهية والمؤسسات التي تعنى بالتأليف الفقهي ما يمكن أن تقوم بدور التنسيق، بحيث تخرج لنا مؤلفات تجمع بين الأصالة والمعاصرة، كما أنها تحدد ما تحتاجه الأمة في التأليف، ويكون بإشراف متخصصين في المجالات التي سيؤلف فيها، مع بقاء التأليف الفردي.
ويمكن لأي مؤسسة أن تعتني بالفرع العلمي الذي تهتم به، فتقوم مؤسسة بالتأليف في مجال الفقه، وأخرى في الحديث، وثالثة في التفسير وعلوم القرآن، ورابعة في العقيدة وغير ذلك من فروع العلم الشرعي.
بل من الواجب أن تكون هناك لجنة عليا تتابع سير التأليف حسب منهج موضوع ومدروس.
وهذه الفكرة وإن كانت سائدة في التأليف الخاص بالعلم التجريبي، فإن حاجة العلوم الشرعية إليها أمسُّ، وأحسب أنها ستؤتي ثمارها بإذن ربها، إن خلصت النوايا، وأخذ بالأسباب.
على أنه لا يفهم من هذا ذم الكتب القديمة، فإنها تراث الأمة الباقي، وإن كانت اللغة تمثل عصرها المكتوبة فيه، ولا يزال طلاب العلم، يسلكون هذه السبيل يتعلمون من هذه الكتب، ولكن المقصود من التيسير هو ما يخص عوام الناس، أو الثقافة العامة، حتى تصل للجميع.
غير أنه يجب أن نلحظ أن الأمة بدأت تفيق من أسر الكتابة في الفقه التقليدي، وأن بعضا من علمائها بدءوا يكتبون بنوع من اليقظة والتجديد في أواخر العصر الحديث، وخاصة فيما يخص مجال التشريع.
فقد “تمت خطوة أخرى بأن أخذ رجال القانون الأصلاء يعودون به إلى منابعه من الإسلام العظيم، بعد أن نما الإحساس بضرورة حسم هذا الاستعمار التشريعي، والعودة بأمتنا الكبرى إلى مواريثها وأمجادها”(39).
أطروحة في تصنيف علوم الشريعة:
يمثل التصنيف في علوم الشريعة حلقة من حلقات الإبداع العقلي والفكري عند المسلمين، وقد أبدع الأوائل فيما كتبوه من تصانيف، كما قام عدد من علمائنا في عصرنا ببذل جهد كبير في التصنيف والتأليف الشرعي، فهناك جهود مباركة وكثيرة في هذا المقام، غير أن هذا لا يمنع أن ننظر إليها نظرة تقييمية تقويمية، حتى نخرج بأطروحات تساهم في تيسير علوم الشريعة على المسلمين، وطلاب العلم خاصة، وهذه بعض الأطروحات في المجالات الشرعية.
الفقه:
من الأولى تأليف منهج قائم على الإفادة من فقه المذاهب؛ لأنه طريق التعلم كما يرى مشايخنا، لكن بالابتعاد عن الأسلوب القديم وعدم التقيد بالكلمات؛ لأن هذا يجعل الطلاب يميلون إلى الحفظ أكثر من الفهم، فلابد من إدراك المقصود، مع مرونة في الوسائل.
فيمكن القيام بتأليف منهج قائم على “تيسير فقه المذاهب”، يكون على مرحلتين:
الأولى: فقه كل مذهب في كتاب واحد ميسر، أقرب إلى الابتداء في معرفة الفقه المذهبي.
الثانية: فقه المذهب بشكل موسع، بحيث يكون الطالب متخصصا في المذهب، عالما بغالب مسائله.
ويقوم هذا التأليف على ما يلي:
1- اعتماد المصادر الأصيلة في المذهب، بحيث يكون الكتاب معبرا بحق عن المذهب لا يخرج عنه.
2- اعتماد منهج المذهب في ترجيح الآراء، فمن المعلوم لكل دارس أن هناك اختلافا داخل المذهب الواحد يشبه الاختلاف المذهبي بين المذاهب، ولكن هناك قواعد في ترجيح الرأي المعتمد.
3- عرض المادة بأسلوب سلس يسير، يقرب المسائل للفهم ويدعو إلى الحفظ.
4- اجتناب الكلمات الوعرة، والمصطلحات التي تليق بزمان التأليف لا زماننا.
5- الابتعاد عن الأمثلة القديمة التي ليس لها محل اليوم، مع استبدالها بأمثلة تتناسب مع وقتنا.
6- تمليك الطلاب منهج المذهب قبل فروعه.
7- تقديم نبذة عن تاريخ المذهب والأصول التي بني عليها، وأهم الأعلام فيه، وأهم المصنفات فيه قديما وحديثا، تكون بمثابة التمهيد والتقديم بين يدي المذهب.
المقترح الآخر: الفقه المعاصر
تصنيف كتاب فقه معاصر جامع، يقوم على ما يلي:
1- الإفادة من الفقه المقارن القديم بالاختيار والانتقاء، دون الوقوف على ما ورد في القديم فحسب.
2- إدخال المستجدات الفقهية داخل أبوابها، بحيث لا يبدو للناظر أن التأليف الفقهي مقتصر على الإفادة مما كتبه الأقدمون دون مراعاة فقه عصرنا، فسنجد في كل باب من الأبواب الفقهية القديمة مسائل حديثة ليست مدونة في كتاب فقه جامع.
3- زيادة أبواب فقهية نتجت عن عصرنا، مثل: الفنون والإعلام، الرياضة، الطب، المعاملات البنكية، العلوم والتكنولوجيا، مع الإفادة من بحوث المجامع الفقهية والمؤسسات الفقهية المعاصرة، وبحوث المؤتمرات، بحيث نخرج للناس كتابا جامعا في الفقه المعاصر، يمكن تسميته “الفقه المعاصر” أو “الفقه الجامع”، أو “الجامع في الفقه” وغير ذلك، بحيث يكون مرجعا رئيسا في الفقه.
إن ما كتبه الشيخ سيد سابق – رحمه الله- في زمانه، وهو عهد قريب، كان يعتبر تفردا، فلماذا نقف عند حدوده الماضية ولا نكتب لعصرنا ووقتنا، مع اعتبار أن ما حدث من تغيرات في الفترة الوجيزة الأخيرة قذفت لنا مالم يقذف في قرون ماضية، ومازال البحث متناثرا غير جامع ولا مجموع في مصنف واحد، مع كثرة البحوث في القضايا المستجدة، وهذا ييسر العمل، حيث إننا لن نبدأ من فراغ.
وبجوار هذا، لا مانع من مادة تعرف بـ (التراث)، أو (منهج التعامل مع التراث) بحيث نعلم فيه طلاب العلم كيفية الإفادة من كتب التراث والتعامل معها في جميع صنوف المعرفة الإسلامية.
التأليف في أصول الفقه:
ويمكن التعامل بهذا المنهج مع أصول الفقه، مع إدراج الزيادات فيه من:
1- قواعد الأصول بجوار قواعد الفقه.
2- المقاصد الشرعية.
علما أن تيسير الأصول مبذول فيه عمل كبير جدا أكثر من الفقه، لكنه يحتاج إلى إعادة بلورة كل المحاولات وجعلها في نسق علمي متكامل.
الحديث الشريف:
بالنسبة للسنة والحديث، أرى إضافة بعض العلوم، من المهم دراستها، وهي:
1- علم أسباب ورود الحديث، وهو علم يشبه علم أسباب نـزول القرآن، وهو يحل مشكلة كبيرة من حيث معرفة الملابسات والظروف التي أحاطت بالحديث النبوي، وهو علم مهمل من الأمة، لم يكتب فيه من علماء الأمة كلها قديما إلا ثلاثة، وفي عصرنا يعتبر علما ميتا.
2- علم فقه الحديث: وهو علم متناثر في بطون أمهات الشروح، ولا يقصد بفقه الحديث معرفة الأحكام الفقهية، وإنما يقصد به معرفة الأحكام العامة التي اشتمل عليها الحديث، سواء تتعلق بفهم الحديث من ناحية المعنى، أو من ناحية ما اشتمل عليه من أخلاق وآداب وعقيدة وفقه وغيرها. وأرى أن تخصيصه كعلم هو نقلة نوعية نحتاج إليها، بجوار الاهتمام بمصطلح الحديث وعلم الجرح والتعديل، لأنه يسد ثغرة كبيرة في الشبهات التي تثار حول السنة النبوية والحديث الشريف من أعداء الإسلام ومن بعض علمائه المخلصين، الذين تغافلوا عن علم “فقه الحديث والسنة”، حتى حدا ببعضهم الحكم على أحاديث صحيحة بأنها ضعيفة مع كونها في الصحيحين: البخاري ومسلم لمجرد أنهم لم يرجعوا إلى الشروح.
3- أن نجمع في منهج دراسة السنة والحديث: علوم المصطلح، وعلوم الفهم، لنكمل الصورة، وليكون منهجا متكاملا.
علم التفسير:
أما بخصوص علم التفسير، فأضيف على دراسة كتب التفسير ما يلي:
1- دراسة مناهج التفسير القديمة والمعاصرة.
2- دراسة علم التفسير الموضوعي، وفيه بحوث جامعية كثيرة جدا لكنها متناثرة، وهو من أحدث المناهج، بالإضافة إلى علم التفسير التربوي، والتفسير العلمي وغيرهما.
علم العقيدة:
أرى أننا بحاجة إلى منهج جديد في تناول العقيدة، يقوم على:
1- الإفادة مما كتبه الأقدمون، والتمرس على الانتفاع بكتبهم.
2- الإفادة مما كتب متناثرا عن علم التوحيد في كتب شروح السنة دون الوقوف على الكتب المتخصصة في العلم ذاته، فهناك كتاب التوحيد من صحيح البخاري، وشرح ابن حجر عليه، وكذلك في صحيح مسلم وشرح النووي وغيرهما من كتب الحديث وشروحها؛ حيث إنها تعطي صورة أوفق وأقرب لروح العلم قبل أن يتلبس بعلم الكلام والفلسفة.
3- عدم الوقوف على كون علم العقيدة علما هو أقرب إلى علم الكلام، بل إعادة النظر إلى علم العقيدة بحيث يستفاد منه في القرب من الله تعالى، وإحسان الصلة به سبحانه، لا أن يتوقف على أنه مباحث كلامية دون النظر إلى مقصوده من تحقيق توحيد الله تعالى وإخلاص العمل له، فكيف نُخرج للناس برنامجا عمليا في الإيمان بالله، والإيمان بالكتب والإيمان بالرسل والقضاء والقدر وإشكالياته المعاصرة وغير ذلك مما يجعل علم التوحيد علما ملتصقا بحياة الناس.
4- أن يركز على مقصود العلم الأول وهو الإيمان الصادق الصحيح، وإدراك مقاصد العقيدة، وأن يظهر هذا في التأليف بشكل جلي.
التجديد في التصنيف الفقهي:
من الملاحظ في كتب الفقه أن ترتيبها لم يكن واحدا، فلكل مذهب طريقة في ترتيب الأبواب الفقهية، فكان كل مذهب يلحظ أسبابا تدفعه إلى جمع بعض الموضوعات في باب واحد، بينما يرى غيرهم أسبابا تدفع بين ربط موضوعات تتشابه مع المذهب الآخر في بعض الأشياء، وتختلف عنهم، ومن هنا كان البحث عن الموضوع الفقهي يحتاج إلى دربة ومعرفة لطريقة كل مذهب حتى يمكن له الوقوف على المسألة أو الموضوع في كل المذاهب.
ولقد ألف بعض المعاصرين في هذا الشأن ما يزيل اللبس، ويساعد في معرفة المسائل والأبواب وترتيبها، من ذلك ما كتبه الدكتور عبد الوهاب أبو سليمان: “ترتيب الموضوعات الفقهية ومناسباته في المذاهب الأربعة”(40)، كما يمكن الرجوع إلى ما كتبه شيخنا الدكتور إسماعيل سالم – رحمه الله –(41)، وغيرهما ممن اهتم بالتصنيف الفقهي.
غير أنه من الملاحظ أن التصنيف الذي سار عليه الفقهاء قديما لا يزال موجودا إلى يومنا هذا، بالرغم من المستجدات الفقهية التي تقذف بها الحياة يوما بعد يوم، وهذا يستدعي سرعة اقتراح تصنيف جديد للفقه الإسلامي يساير الواقع الذي يعيشه الناس، فيشمل فقه الأقليات، وفقه الفنون والإعلام، وفقه التقنيات الحديثة، و الفقه الإداري، والفقه الدستوري، وفقه الأمة، وهي القضايا العامة، وإفراد فقه المرأة بباب، وفقه الشباب بباب، كما يمكن اعتماد طريقة البحث العلمي في هذا التصنيف، من تقسيم الفقه إلى أبواب، والأبواب إلى فصول، والفصول إلى مباحث، والمباحث إلى مطالب، والمطالب إلى مسائل، حتى تظهر بشكل منهجي.
وقد كان للدكتور جمال الدين عطية محاولة في إيجاد تصنيف جديد، يشمل:
1- الشريعة: التاريخ والنظرية
2- الإيمان
3- الأخلاق
4- مقاصد الشريعة وقواعدها الكلية
5- حقوق الإنسان وواجباته
6- الضوابط الشرعية للعلوم
7- الشعائر
8- الأحوال الشخصية
9- المعاملات المدنية والتجارية
10- التشريع الجنائي
11- نظام الحكم
12- القضاء والإجراءات والإثبات
13- الإدارة المالية
14- المالية العامة
15- العلاقات الدولية
16- القانون الدولي الخاص.
وفصَّل تحت كل باب ما يندرج تحته من قضايا ومسائل(42).
وهي محاولة جادة يشكر لصاحبها أنه من أوائل من بادر بوضع تصنيف فقهي جديد، غير أنه يمكن النظر فيه واستكماله ووضع بعض الأبواب التي أشرت إليها.
المبحث الرابع
الثابت والمتغير في التجديد
1- هل هناك مجالات لا تقبل التجديد؟
إذا رجعنا إلى معنى التجديد من كونه تجديد ما بلي، وإرجاع الشيء إلى أصله، فهذا يعني أن التجديد يدخل في كل شيء، أما التجديد بمعنى إدخال الجديد، فهذا الذي يجب أن نفرق فيه بين ما يقبل التجديد على هذا النحو والمعنى، وبين ما لا يقبل.
فمن الأشياء التي لا تقبل التجديد العبث في الثوابت والمسلمات، كمحاولة إعادة التفكير في طبيعة المواريث، وأن أنصبة المرأة التي تختلف عن الرجل راجعة إلى طبيعة البيئة التي كانت تعيش فيها المرأة، أو أن وظيفة المرأة اختلفت من زمن الوحي إلى زماننا هذا، أو محاولة استنطاق المفتين بجواز الإفطار في رمضان إن كان يقلل الإنتاجية، أو أنه يجوز للمرأة أن تعدد الأزواج كما يجوز للرجل، أو محاولة إلغاء الحدود في الإسلام لأنها تجعل صورته مشوهة أمام غير المسلمين مما يمنع دعوتهم إليه، أو غيرها من الأمور التي تريد أن تهدم الثوابت وما هو معلوم من الدين بالضرورة، غير أنه يجب أن ننبه أن الحديث عن الثوابت يكون من حيث الكلية، أما من حيث التفصيلات والجزئيات التي تقبل التحليل فهي محل اجتهاد، فتعدد الزوجات يأخذ الأحكام الخمسة من الوجوب والحرمة والجواز والكراهة والاستحباب، وأن الحدود يجب مراعاة تطبيق شروطها، لا أن تطبق دون مراعاة هذه الشروط وغيرها، لأن عدم مراعاة مثل هذه الضوابط هي مخالفة صريحة للتشريع، وسوء فهم له ولتطبيقه، وهذا محل ضرر على الرؤية الشرعية.
ومثاله أيضا: السعي للقضاء على الجهاد القتالي في الأرض التي احتلت، ولكن قد يكون التفكير في كيفية هذا الجهاد، ومتى يكون نافعا، وهل يحتاج الناس إلى هدنة تحقق لهم مصلحة كي يستعدوا لإخراج العدو؟ ولكنه من غير المقبول أن ينادى بالتصالح مع عدو احتل أرضا وهتك عرضا وهدم وسعى في الأرض فسادا، فمثل هذا يجب جهاده دفعا، والآيات التي تتحدث عن مشروعية الجهاد كثيرة في القرآن الكريم، وهي في غالبها واضحة الدلالة.
فكل أمر ورد فيه دليل قطعي الثبوت والدلالة، فلا مجال للاجتهاد فيه، وقد قال الإمام الغزالي – رحمه الله – فيما مجاله الاجتهاد: “والمجتهَد فيه كل حكم شرعي ليس فيه دليل قطعي…. وإنما نعني بالمجتهَد فيه ما لا يكون المخطئ فيه آثما؛ ووجوب الصلوات الخمس والزكوات وما اتفقت عليه الأمة من جليات الشرع فيها أدلة قطعية يأثم فيها المخالف فليس ذلك محل الاجتهاد”(43)، وقد ورد عن الأئمة قولهم: “لا مساغ للاجتهاد في مورد النص”(44).
وفيما سوى هذا، فإنه قابل للاجتهاد والتجديد، فكل مسألة ليس فيها نص، أو فيها نص ظني الثبوت، أو ظني الدلالة، فهو قابل للاجتهاد في أي باب من أبواب الفقه، سواء أكان في العبادات أو المعاملات المالية، أو الأحوال الشخصية، أو الفقه الإداري، أو الفقه الدستوري، أو الفقه الجنائي، أو الفقه الدولي، أو غير ذلك.
المبحث الخامس
مرتكزات التجديد الفقهي
يرتكز تجديد الخطاب الفقهي على بعض المحاور التي تسهم في عملية التجديد البنائي له، بحيث لا يكون تعديلا للقديم فحسب، بل انتقاء من القديم، ومحافظة على الثوابت، وفقه جديد لما هو مستحدث ومستجد في حياة الناس، وهذا الفقه الجديد يجب أن يبتعد عن الغوص في المسائل الجزئية فيما كتبه الأقدمون، ولكنه يستفيد من مناهجهم في التفكير والاستنباط والتحليل وإبداء الرأي في المسائل، ولا يعني هذا أيضا الوقوف على منهجهم وحده، لأن منهج القدماء هو أيضا نتاج بشري، ولكن نستفيد من المنهج بما يتوافق مع رؤية المنهج الذي نراه نحن أوفق لزماننا وعصرنا.
ومن أهم مرتكزات التجديد الفقهي ما يلي:
أولا – الاجتهاد:
والاجتهاد هو لب التجديد، وتجديد بلا اجتهاد صورة بلا حقيقة، وإن كان الاجتهاد قد أغلق قرونا من الزمن، ثم فتح – نحو أو آخر- مرة أخرى، ولكن الخطوة التالية هي أن يكون الاجتهاد منهج حياة في البحث الفقهي، بل وفي الفكر والحياة أيضا، وأن يدرك أن أية محاولة لإغلاق باب الاجتهاد هو في حقيقتها إماتة لحياة الفقه، إذ لا فقه بلا اجتهاد.
وفي ظني أن الاجتهاد يجب أن يشمل كل المصادر والأبواب الفقهية، بل كل ما يمت إلى الفقه بصلة يجب فيه الاجتهاد، مادام قابلا لذلك.
والاجتهاد في الفقه يجب أن يشمل: المنهج والمصدر والمسائل.
1- أما الاجتهاد في المنهج، فيشمل أصول الفقه، لأنه منهج الفقهاء في الاستنباط، وكثير من مسائل أصول الفقه تحتاج إلى نوع من التنقية، فيحذف منه ما لا يدخل في العلم، ويضاف إليه ما يندرج تحته، ويضبط علم الأصول على نحو يساعد على الاجتهاد الأسلم.
2- أما الاجتهاد في المصدر، فهو يعني أن تكون هناك رؤية للإفادة من القرآن الكريم والسنة النبوية على نحو يساعد على الاجتهاد، فالقول بأن آيات الأحكام خمسمائة، أمر يحتاج إلى إعادة نظر، كما أشار إلى ذلك غير واحد من العلماء قديما وحديثا، وكذلك الشأن في أن الأحكام من السنة تؤخذ من أحاديث الأحكام وحدها، فالإفادة من القرآن والسنة يجب أن تكون بمنهج شمولي، لا يقف عند حد الآية أو الحديث الذي اشتمل على الحكم فحسب، بل يجب أن يضم إلى الرؤية الكاملة للقرآن والسنة، حتى تتم الاستفادة بشكل أكثر عمقا.
3- والاجتهاد في المسائل يجب أن يشمل أمرين:
الأول: الاجتهاد في المسائل القديمة برؤية معاصرة، تتوافق مع الواقع الذي نعيش فيه، اعتبارا للتغيرات الحادثة والهائلة التي نعيشها في عصرنا.
ومن الأمثلة على ذلك:
أ- إعادة النظر في القول بتحريم بيع الذهب والفضة المصنوعين، حيث إن وظيفة الذهب والفضة تغيرت، والقول بأنه يجب بيع الذهب قبضا، ولا يجوز فيه التأجيل، ولا التقسيط، لأن الذهب كان هو العملة السائدة، أما الآن، فجزء كبير من الذهب سلعة، فإذا تغير التكييف الفقهي للشيء، تغير معه الحكم.
ب- الاجتهاد في حكم بعض أنواع الأموال التي قال الفقهاء إنه ليس فيها زكاة، مثل زكاة الزهور مثلا، فإن الزهور وغيرها من الأشياء الأخرى التي قال عنها الفقهاء إنه ليس فيها زكاة، مبني على أنه لم يكن لها قيمة، أما الآن، فيستخرج منها العطور التي تجلب لأصحابها ثروة طائلة، وكيف نقول بأن من يمتلك قراريط صغيرة، يتعب في زراعتها أن عليه زكاة، أما الذين يتاجرون في الزروع والفواكه وغيرها ليس عليهم زكاة؟!
ت- ومن الأمور التي تحتاج إلى نوع من الاجتهاد استثمار أموال الزكاة، وأن إعطاء الفقير كل المال قد يؤدي إلى الحاجة، وفي استثمار أموال الزكاة يمكن أن يكون هناك وقف لهؤلاء الفقراء، يمكن من خلاله إقامة بعض المشاريع والمؤسسات التي تدر عليهم ربحا دائما، مع مراعاة أن تكون هناك ضوابط وشروط لمثل هذا الاستثمار.
ث- وتوقيت رمي الجمار، وما ينجم عنه من وفاة عدد من الحجاج كل عام، هذا يوجب على الفقهاء أن يجتهدوا في مثل هذه المسألة، وأن يتوسعوا في الوقت، دفعا للضرر، فإن الله تعالى ما أوجب الحج ليموت الناس، بل إن كثيرا من أداء مناسك الحج الآن تخرج الناس عن روح الحج المقصود، فلا يدرك الناس الحكمة منه، فتزاحم الناس وتقاتلهم ينفي المعاني الروحية لحج بيت الله الحرام، فنسعى – عبر اجتهاد جماعي معتبر – لتنظيم رحلة الحج بشكل يخفف الأضرار، ويعيد للحج جوهره. وقد أخذ كثير من علماء المسلمين – ومنهم علماء بالمملكة العربية السعودية- بتيسير الفتوى في هذا الشأن، بالإضافة إلى التوسعات في المناسك مما خفف حدة الضرر الواقع على الحجيج أحيانا.
ج- ومن المسائل التي قالها الفقهاء: إن الجهاد يجب أن يكون بإذن الإمام، فماذا لو لم يكن هناك إمام؟ وماذا لو كان الإمام خائنا يعين المحتل؟؟
ح- ومن المسائل القديمة التي قال بها الفقهاء: إن جهاد القتال واجب على كل فرد عند احتلال العدو أرضه، فتخرج المرأة بغير إذن زوجها، ويخرج الولد بغير إذن والده، فهل يعني هذا أن يخرج الناس كلهم، مع كونهم ليس عندهم خبرة بالقتال ولا فنونه، مما يوطد الاحتلال، ويجلب الهزيمة للناس؟ أم أن الأمر يحتاج إلى نوع من الاجتهاد يجعل الجهاد يؤتي ثمرته، ولا يوقف الحياة المدنية، فماذا عن الفلسطينيين ومدارسهم ومؤسساتهم في الدولة؟ وهل خروج إنسان لا يجيد القتال ليتعلم لينفع بلده، لا يعد هذا نوعا من الجهاد؟
خ- كما تحدث الفقهاء عن فقه الأنفال، وتقسيماته، وما للراكب والماشي، وهذه تقسيمات قديمة، كما يمكن إعادة النظر فيما يوزع على الأفراد من الأنفال بنوع من الاجتهاد الجديد، فالجندي قديما كان معه سلاحه ووسيلة الانتقال وآلة القتال، لكن الدول الآن تدرب أبناءها على القتال، وتوفر لهم كل ما يحتاجونه، فهل يبقى فقه الأنفال كما هو؟
د- وقد سبقت الإشارة إلى تعريف الفقهاء للزواج، وهو أمر يحتاج إلى إعادة نظر أيضا.
ذ- وهناك من قضايا المرأة التي تحتاج إلى نوع من الاجتهاد المعاصر، كعدم قبول شهادة المرأة في الحدود، وهو ماعليه رأي جمهور الفقهاء، وذلك راجع لطبيعة المرأة في المجتمع، لكن المرأة الآن غير ما كانت عليه، فهل يؤخذ بشهادتها في كل شيء، مع الانضباط أن شهادتها نصف شهادة الرجل في بعض أنواع الشهادة، لنص القرآن الكريم في ذلك أم لا؟
ر- وهل يصح أن نحكم بما قاله الفقهاء أنه يجوز للوالد أن يزوج ابنته بدون رضاها إن كانت صغيرة؟ وغيرها من قضايا المرأة في تولي بعض المناصب السياسية ككونها عضوا في المجالس النيابية، أو وزيرة دولة، أو غيرها مما يتعلق بالنشاط السياسي داخل المجتمعات الإسلامية.
ز- ومفهوم دار الحرب ودار الإسلام، والذي ساد فترة من الزمن، ومازال بعض فقهاء الجماعات الإسلامية يستندون إليه، لأنه راجع إلى أقوال أئمة كبار، فمثل هذا يجب إعادة النظر فيه بشكل قاطع من اجتهاد جماعي، وبيان أن مثل هذه التقسيمات وليدة الوضع الدولي آنذاك، وأنه يجب أن تكون هناك تقسيمات أخرى غير التي كانت موجودة في عصور سلفنا.
الثاني: أما النوع الثاني من الاجتهاد فهو الاجتهاد في المسائل المستحدثة على رؤية جديدة لا ترجيحا من بين الآراء القديمة، إذ من غير المقبول أن نقابل ما يستجد من حوادث وظواهر لم تكن في عهد أسلافنا، فإذا بنا نرجع إلى أقوالهم، ونحاول أن نخرجها على بعض المسائل القديمة، وهذا العمل مناقض للتجديد، بل هو في الحقيقة نوع من التأخر، وعودة إلى الوراء ما عرفها أسلافنا، بل كان بعضهم يرفض أن يفتي في مسألة لم تحدث بعد، فإذا سئل عن شيء سأل المستفتي: هل وقعت؟ فإذا قال: لا. فيقول له: اذهب، فإذا أتت، فائتني.
وهذا نص صريح في رفض الأقدمين أن نرجع إلى أقوالهم في مسائلهم القديمة إن لم يكن بينها اشتراك، لنقابل بها الحوادث الجديدة.
وقد قذفت لنا الحياة المعاصرة مسائل كثيرة، من ذلك:
أ- المعاملات المالية الحديثة: مثل البورصة وتجارة الأسهم، وعلاقتها بالربا، وهل كل ما دخل فيه الربا حرام، أم يمكن التغاضي عن النسبة القليلة.
ومن ذلك البيع عبر وسائل الاتصال الحديثة، وأين محل اتحاد المجلس، والقبض فيه، وإمكانية الغش والتزوير فيها.
ومسائل التأمين على الحياة والبضائع، والتأمين الاجتماعي، والتأمين الصحي وغيرها من مسائل التأمين.
وكذلك معاملات البنوك باختلافها، وهل البنك التجاري شر كله؟ أم أنه لا بأس بالتعامل معه في بعض المعاملات؟ وما هو التكييف الفقهي لطبيعة البنوك؟ وهل هو يقوم على الإقراض بالربا وحده؟ وما الموقف من المعاملات المالية في البنوك الإسلامية؟ وما هي أهم الفروق بينهم؟ إلى غيرها من المسائل التي استحدثت في المعاملات المالية الحديثة.
ب- ومن تلك المسائل المستحدثة المسائل الطبية الحديثة، مثل نقل الأعضاء وزراعتها، وهل يجوز للإنسان أن يتبرع بشيء من أعضائه، إبقاءً على حياة آخر؟ وهل يجوز للورثة التبرع بأعضاء الميت؟ وما علاقة هذا بالحساب والحياة في القبر؟
وهل يجوز استئصال الرحم إن كان على المرأة ضرر؟ وهل الرحم ملك للمرأة يحق لها التصرف فيه أو استئصاله؟
وما الموقف من الاستنساخ بكل أنواعه؛ الاستنساخ البشري، والاستنساخ في الحيوان، والاستنساخ في النبات وغير ذلك.
وماذا عن الحمل خارج الرحم، وطفل الأنابيب، وما الموقف من الجينات والوراثة..إلخ.
وغير ذلك مما استجد في فقه الزواج والطلاق، والعلاقات الدولية، وفقه الأقليات، وغير ذلك من الأبواب الفقهية المستجدة.
ثانيا – التيسير ورفع الحرج:
إن الناظر لفقه عصر الرسول صلى الله عليه وسلم، وفقه الخلفاء الراشدين يلحظ أنه كان مبنيا على التيسير، وأنه ما خير رسول الله صلى الله عليه وسلم بين أمرين إلا اختار أيسرهما، مالم يكن إثما، فإن كان إثما، كان أبعد الناس عنه”(45)، وقد كان هذا أيضا هو منهج الصحابة بشكل عام، ومنهج كثير من التابعين، وكلما ابتعدنا عن الصدر الأول، كلما ظهر لنا فقه سد الذرائع، فقد يكون الشيء مباحا، ولكن يحكم عليه بأنه حرام، سدا للذريعة، وكما قال سفيان الثوري – رحمه الله: “إنما العلم أن تسمع بالرخصة من ثقة وأما التشديد فيحسنه كل أحد”(46).
ومع كون الآيات واضحة في أصل التيسير، غير أن عددا من الفقهاء ما يزال يجعل سد الذريعة، – وهو أمر اجتهادي – يقدم على النص، وحاكما عليه، فيحكم البعض بحرمة عمل المرأة على الإطلاق، مع كونها كانت تعمل في عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، ويحكم بحرمة الاختلاط لذاته، مع كونه كان ملمحا من ملامح المجتمع المسلم في الصدر الأول، ويرى حرمة الكلام بين الجنسين، مع أنه كان يحدث في مسجد الرسول صلى الله عليه وسلم وأمامه، ونحن ندرك أن مثل هذه الأحكام صادرة عن حسن النية، غير أن حسن النية وحده غير كاف، لأن الفقه بالدليل، وليس بحسن النية، ولا بالتضييق على خلق الله، وذلك أن مثل هذا التضييق يجعل الناس تلجأ للحرام، ونحن في حاجة إلى أن نعيد الفقه على أساس أن الأصل في الأشياء الإباحة، وأن مساحة الحلال واسعة، وأن التحريم ضيق، مما يعيد للحرام هيبته وخشية الناس من اقترافه، وهذا نوع من أنواع التجديد، لأن هذا هو منهج الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته الكرام.
وهناك عدد من الآيات التي تدعو إلى التيسير ورفع الحرج عن الأمة، من ذلك قوله تعالى بعد الحديث عن تشريع الصيام: (يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ)(47)؛ وقال بعد إباحة ملك اليمين للزواج: (يُرِيدُ اللَّهُ أَن يُخَفِّفَ عَنكُمْ وَخُلِقَ الإنسَانُ ضَعِيفًا)(48)، وبعد أحكام الطهارة قال تعالى: (مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُم مِّنْ حَرَجٍ وَلَكِن يُرِيدُ لِيُطَهِّرَكُمْ وَلِيُتِمَّ نِعْمَتَهُ عَلَيْكُمْ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ)(49)، وفي الحديث عن عذر الضعفاء والمرضى في الجهاد قال: (لَيْسَ عَلَى الضُّعَفَاءِ وَلا عَلَى الْـمَرْضَى وَلا عَلَى الَّذِينَ لا يَجِدُونَ مَا يُنفِقُونَ حَرَجٌ إذَا نَصَحُوا لِلَّهِ وَرَسُولِهِ مَا عَلَى الْـمُحْسِنِينَ مِن سَبِيلٍ)(50)، وبعد الأمر بالجهاد قال: (هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ)(51)، ورفع عن الأعمى والمريض والأعرج الحرج في أن يأكل من بيت أبيه أو أمه أو أقاربه أو أصدقائه، فقال: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْـمَرِيضِ حَرَجٌ وَلا عَلَى أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُوا مِنْ بُيُوتِكُمْ)(52)، وقال أيضا: (لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلا عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلا عَلَى الْـمَرِيضِ حَرَجٌ)(53)، ولما زوَّج الله رسولَه – صلى الله عليه وسلم – زينب بنت جحش بعد طلاقها من زيد بن حارثة، إلغاءً لعادة التبني، قال: (لِكَيْ لا يَكُونَ عَلَى الْـمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِي أَزْوَاجِ أَدْعِيَائِهِمْ إذَا قَضَوْا مِنْهُنَّ وَطَرًا)(54)، ومع كل هذه الآيات، وغيرها من الأحاديث فمازال عدد من الفقهاء يتبنى فقه التعسير وسد الذرائع، فهو مقدم عندهم على التيسير في الفتوى.
ثالثا – مراعاة المقاصد الشرعية:
ومن أهم مرتكزات التجديد الفقهي مراعاة المقاصد الشرعية، وذلك أن الله تعالى جعل كل الأحكام لها تعليل يضبطها، ومعرفة هذا التعليل يدرك من خلاله مقاصد التشريع، واكتساب هذه المقاصد تولد عند الفقيه القدرة على الاجتهاد والتجديد، أما الاقتصار على حفظ ومعرفة الأحكام في المسائل، دون الغوص في مقاصدها، فهو نوع من التقليد الذي يحجب الرؤية عن التجديد في إعادة النظر للأمور القديمة لتكون أنسب لعصرنا، كما أنها – من باب أولى – تحجب الفقيه عن الاجتهاد والتجديد فيما هو مستحدث من المسائل.
بل إن حديث القرآن الكريم للقضايا والأحكام جاء معللا في كثير من المواطن، لمعرفة المقصد منه فمن ذلك أن الصلاة (تَنْهَى عَنِ الفَحْشَاءِ وَالمُنْكَرِ)(55)، وأن الزكاة (تُطَهِّرُهُم وتُزَكِّيهُم بِهَا)(56)، وأن الصيام مقصوده التقوى (لَعَلَّكُم تَتَّقُونَ)(57)، وأن الحج لذكر الله تعالى ولتحقيق منافع الناس: (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُم وَيَذْكُرُوا اسْمَ اللهِ)(58)، وغير ذلك من الأحكام المعللة.
وإن كان إدراك الفقيه لمقصد الحكم يولد عنده قدرة على التجديد، فإن معرفة مقاصد الأحكام عند الناس يدفعهم للالتزام بطاعة أوامر الله تعالى، واجتناب نواهيه.
ومن الملاحظ أن الدراسات الحديثة اهتمت كثيرا بفقه المقاصد، وخرجت فيه دراسات كبيرة، يحسن الانتفاع بها، ومن ذلك:
1- مقاصد الشريعة: التشريع الإسلامي المعاصر بين طموح المجتهد، وقصور الاجتهاد..نور الدين بوثوري – دار الطليعة – بيروت.
2- اعتبار المقاصد في الشريعة الإسلامية.. عبدالعزيز بن عبد الرحمن السعيد.. رسالة ماجستير بجامعة الإمام محمد بن سعود.
3- الاجتهاد المقاصدي.. حجيته..ضوابطه.. دلالاته..نور الدين خادمي..كتاب الأمة – الدوحة 1998.
4- مقاصد الشريعة الإسلامية.. محمد الطاهر بن عاشور.
5- مقاصد الشريعة الإسلامية.. علال الفاسي.
6- المقاصد العامة للشريعة الإسلامية.. الدكتور يوسف حامد العالم.. المعهد العالمي للفكر الإسلامي..
7- نظرية المقاصد عند الإمام الشاطبي.. الدكتور أحمد الريسوني.. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
8- الشاطبي ومقاصد الشريعة. للدكتور حمادي العبيدي.
9- نظرية المقاصد عند ابن عاشور.. إسماعيل الحسني.. المعهد العالمي للفكر الإسلامي.
10- مقاصد الشريعة الإسلامية.. الدكتور أنيس عبادة..دار الطباعة..القاهرة 1967.
وأرى أنه من التجديد أن يلحق بالمسائل أو الأبواب ما يتعلق بها من مقاصد،بحيث يظهر الباب بمسائله من خلال الأحكام الشرعية، ومن خلال المقاصد التي من أجلها وضع.
ويمكن أيضا تصنيف المقاصد أو توضع تحتها الأبواب والمسائل الفقهية.
رابعا – مراعاة الأصول والقواعد
والانضباط بالأصول والقواعد حام للفقيه من الانـزلاق وراء الغوص في المسائل الجزئية دون الإدراك للرؤية الكلية، كما أنه يعد من أهم آليات التجديد، وهو حافظ له من الهوى، لأنه ينظم العقل الفقهي، ويجعله يسير في أطر من القواعد والأصول، تلك التي تمثل الآليات الحاكمة، والضوابط الحامية لنجاح عملية الاجتهاد والتجديد.
ومن ذلك إعادة الاستفادة من علم قواعد الفقه، والذي يجمع المسائل الكثيرة تحت قاعدة واحدة، ولعل من أهم المشاريع التي تخدم هذا الهدف ما يقوم به مجمع الفقه بجدة لعمل موسوعة تشمل القواعد الفقهية، بإشراف لجنة معْلَمة القواعد الفقهية، التي يرأسها الدكتور جمال الدين عطية.
وكذلك أيضا مشروع الموسوعة الأصولية، والتي تقوم عليها وزارة الأوقاف والشئون الإسلامية الكويتية، استكمالا لمشروعها الأول: الموسوعة الفقهية.
وهي مشاريع جيدة، تسهم بشكل فعال في تطوير عملية الاجتهاد والتجديد في الفقه والفكر، بل وفي الحياة بشكل عام.
***
الهوامش
(1) راجع: الوسيط، مادة، ج د د، والمحيط لأديب اللجمي وآخرين.
(2) المائدة: 3.
(3) سنن أبى داود، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة رقم (4270) راجع عون المعبود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، ج11/385. دار الكتب العلمية – بيروت -، الطبعة: الثانية: 1995م. وقال المناوي: قال الزين العراقي: وسنده صحيح. راجع: فيض القدير شرح الجامع الصغير عبد الرؤوف المناوي، ج2/282، المكتبة التجارية الكبرى – مصر – 1356هـ، الطبعة: الأولى.
(4) انظر فيض القدير ج 2/282، وعون المعبود شرح سنن أبي داود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، ج 11 / 260، دار النشر: دار الكتب العلمية – بيروت -الطبعة الثانية: 1995م.
(5) رواه الحاكم في المستدرك، كتاب الإيمان، ج 1/45. تحقيق مصطفى عبد القادر عطا، دار الكتب العلمية، الطبعة الأولى: 1990م.
(6) رواه أحمد في المسند، حديث رقم (9126) ج2/395، وحديث رقم (22706)، ج5/299، ومسند أبي يعلى، حديث رقم (6066)، ج10/452، وأصله الصحيحين، بلفظ:” يسب بنو آدم الدهر، وأنا الدهر” حديث رقم(5827) ج5/2286، وهو في مسلم باختصار في باب: النهي عن سب الدهر، حديث رقم: (2246)، ج4/1762- 1763.
(7) راجع: المستجدات الفقهية لدار الإفتاء المصرية..دراسة فقهية أصولية من سنة 1987 حتى 2005، مسعود صبري، رسالة دكتوراه بكلية دار العلوم قسم الشريعة مخطوط حتى كتابة هذه السطور.
(8) التجديد في أصول الفقه.. دراسة وصفية نقدية، الدكتور شعبان محمد إسماعيل، ص: – 3927، مكتبة دار السلام بالقاهرة، والمكتبة المكية بمكة المكرمة، الطبعة الأولى:1420هـ= 2000م. بتصرف.
(9) الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، الدكتور يوسف القرضاوي، ص: 30، مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة: 1424 هـ = 2003م.
(10) التجديد في أصول الفقه.. دراسة وصفية نقدية، الدكتور شعبان محمد إسماعيل، ص: – 3927، مكتبة دار السلام بالقاهرة، والمكتبة المكية بمكة المكرمة، الطبعة الأولى:1420هـ= 2000م. بتصرف.
(11) راجع الوسيط والمحيط، مادة: خ ط ب.
(12) جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر النمري، ج 2 ص 129،دار الكتب العلمية – بيروت – 1398.
(13) فقه السيرة، ص:46-47.
(14) المدخل إلى السنن، ج1/714.
(15) البحر المحيط للزركشي، ج2/177.
(16) الفروع لابن مفلح، ج 5/147
(17) درر الحكام شرح غرر الأحكام، ومعه غرر الأحكام، ج1/326.
(18) الروم: 21.
(19) راجع: كشف الأسرار،لعبد العزيز البخاري، ج1/30 -78.
(20) راجع: جهود الشيخ محمد الغزالي في الحديث والفقه، مسعود صبري، ص:150-185، رسالة ماجستير بكلية دار العلوم، قسم الشريعة..مخطوطة.
(21) راجع: حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين، أبو بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، ج 2 /369 دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت.
(22) إعلام الموقعين عن رب العالمين، لابن القيم، ج3/11-12.
(23) أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي،ج1/176-177، طبع عالم الكتب.
(24) راجع: رسائل ابن عابدين، ج2/125.
(25) الزخرف: 23ـ25.
(26) الأنعام: 159.
(27) راجع: الفتاوى لابن تيمية، ج20/8.
(28) راجع: مدارج السالكين،ج2/387، 390.
(29) راجع: إعلام الموقعين عن رب العالمين، ج2/201-279.
(30) راجع: الفتاوى الكبرى الفقهية، ابن حجر الهيتمي، ج 3 /25 : دار الفكر .
(31) جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر النمري، ج 2 ص 114 دار الكتب العلمية – بيروت – 1398، البحر المحيط في أصول الفقه بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، ج 4 ص 564:، تحقيق: ضبط نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية – لبنان/ بيروت، الطبعة: الأولى :- 1421هـ – 2000م، إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول محمد بن علي بن محمد الشوكاني، ج 1 ص 448،، تحقيق: محمد سعيد البدري أبو مصعب، دار الفكر – بيروت الطبعة: الأولى: 1412 – 1992 .
(32) تجديد الفقه الإسلامي، للدكتور جمال الدين عطية، ص: 21،طبع دار الفكر.
(33) إبراهيم: 4.
(34) أخرجه أحمد في مسنده، ج5/158. قال السيوطي: صحيح. الجامع الصغير من حديث البشير النذير، للسيوطي ج2 / 230.
(35) آل عمران: 187.
(36) النحل: 116
(37) الخديعة..حقيقة القومية العربية، الشيخ محمد الغزالي، ص:217-218.
(38) راجع: جهود الشيخ محمد الغزالي في الحديث والفقه، مسعود صبري، ص: 256-257.
(39) هذا ديننا للشيخ الغزالي، ص: 270-271.
(40) الكتاب منشور ضمن سلسلة بحوث الدراسات الإسلامية بجامعة أم القرى، سنة: 1408هـ.
(41) راجع: البحث الفقهي: طبيعته.. خصائصه.. أصوله.. مصادره، للدكتور إسماعيل سالم، ص: 95-118، طبع دار الزهراء.
(42) راجع: تجديد الفقه الإسلامي، ص: 48، و76-140.
(43) راجع: المستصفى للغزالي، ص: 345، طبع دار الكتب العلمية.
(44) راجع: إرشاد الفحول للشوكاني، ص: 222.
(45) حديث متفق عليه.
(46) الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق: سالم محمد عطا- محمد علي معوض، ج 8 ص 275، دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى، و أدب المفتي والمستفتي، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي أبو عمرو، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر ج 1 /112، مكتبة العلوم والحكم , عالم الكتب – بيروت – 1407، الطبعة: الأولى، و آداب الفتوى والمفتي والمستفتي يحيى بن شرف النووي أبو زكريا دار الفكر -، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، ج 1 /38. الطبعة: الأولى: دمشق – 1408هـ – 2000م.
(47) البقرة: 185.
(48) النساء: 28.
(49) المائدة: 6.
(50) التوبة: 91.
(51) الحج: 78.
(52) النور: 61.
(53) الفتح: 17.
(54) الأحزاب: 37.
(55) العنكبوت: 45.
(56) التوبة: 103.
(57) البقرة: 183.
(58) الحج: 28.
أهم المراجع
1- القرآن الكريم
2- آداب الفتوى والمفتي والمستفتي يحيى بن شرف النووي أبو زكريا دار الفكر -، تحقيق: بسام عبد الوهاب الجابي، الطبعة: الأولى: دمشق – 1408.
3- أدب المفتي والمستفتي، عثمان بن عبد الرحمن بن عثمان الشهرزوي أبو عمرو، تحقيق: د. موفق عبد الله عبد القادر، مكتبة العلوم والحكم , عالم الكتب – بيروت – 1407، الطبعة: الأولى.
4- إرشاد الفحول إلى تحقيق علم الأصول محمد بن علي بن محمد الشوكاني، تحقيق: محمد سعيد البدري أبو مصعب، دار الفكر – بيروت الطبعة: الأولى: 1412 – 1992.
5- إرشاد الفحول في تحقيق الحق في علم الأصول للشوكاني – دار الفكر – بيروت، و مطبعة مصطفى البابي الحلبي.
6- الاستذكار الجامع لمذاهب فقهاء الأمصار، أبو عمر يوسف بن عبد الله بن عبد البر النمري القرطبي، تحقيق: سالم محمد عطا-محمد علي معوض، دار الكتب العلمية – بيروت الطبعة: الأولى.
7- إعلام الموقعين عن رب العالمين لابن قيم الجوزية (أبي عبد الله محمد بن أبي بكر بن أيوب الحنبلي) – دار الكتب العلمية- بيروت.
8- أنوار البروق في أنواع الفروق للقرافي، طبع عالم الكتب.
9- البحر المحيط في أصول الفقه بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله الزركشي، تحقيق: ضبط نصوصه وخرج أحاديثه وعلق عليه: د. محمد محمد تامر، دار الكتب العلمية – لبنان/ بيروت، الطبعة: الأولى :- 1421هـ – 2000م .
10- تجديد الفقه الإسلامي، للدكتور جمال الدين عطية،،طبع دار الفكر.
11- جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر النمري، دار الكتب العلمية – بيروت – 1398.
12- جامع بيان العلم وفضله، يوسف بن عبد البر النمري، دار الكتب العلمية – بيروت – 1398.
13- جهود الشيخ محمد الغزالي في الحديث والفقه..مسعود صبري.. رسالة ماجستير بقسم الشريعة، كلية دار العلوم.
14- حاشية إعانة الطالبين على حل ألفاظ فتح المعين لشرح قرة العين بمهمات الدين، أبو بكر ابن السيد محمد شطا الدمياطي، دار الفكر للطباعة والنشر والتوزيع – بيروت.
15- الخديعة (حقيقة القومية العربية وأسطورة البعث العربي) الشيخ محمد الغزالي – دار الروضة للنشر – القاهرة – بدون تاريخ.
16- درر الحكام في شرح غرر الأحكام لمنلا خسرو (القاضي محمد بن فراموز الحنفي) – دار إحياء الكتب العربية
17- رسائل ابن عابدين لابن عابدين الحنفي.
18- سنن ابن ماجه (محمد بن يزيد القزويني) دار الفكر – بيروت- تحقيق: محمد فؤاد عبدالباقي.
19- سنن أبي داود (سليمان بن الأشعث السجستاني) – دار الفكر – بيروت – تحقيق: محمد محيي الدين عبدالحميد.
20- سنن الترمذي (محمد بن عيسى الترمذي) – دار إحياء التراث العربي – بيروت – بيروت- دار إحياء التراث العربي – بيروت.
21- صحيح البخاري (محمد بن إسماعيل الجعفي) – دار ابن كثير اليمامة-1407هـ، تحقيق: د.مصطفى ديب البغا.
22- صحيح مسلم (مسلم بن الحجاج النيسابوري) – دار إحياء التراث العربي – بيروت- تحقيق محمد فؤاد عبد الباقي
23- عون المعبود، محمد شمس الحق العظيم آبادي، دار الكتب العلمية – بيروت -، الطبعة: الثانية: 1995م.
24- الفتاوى الكبرى لابن تيمية (تقي الدين أحمد بن عبد الحليم ابن تيمية الحنبلي) – دار الكتب العلمية – بيروت.
25- الفروع لابن مفلح (شمس الدين أبو عبد الله محمد بن مفلح المقدسي الحنبلي) – عالم الكتب، وطبعة دار الكتب العلمية، بيروت 1418هـ.
26- الفقه الإسلامي بين الأصالة والتجديد، الدكتور يوسف القرضاوي، مكتبة وهبة، الطبعة الثالثة: 1424 هـ = 2003م.
27- فقه السيرة للغزالي – دار الريان للتراث – القاهرة 1407هـ.
28- فيض القدير للمناوي (عبدالرؤوف المناوي) – المكتبة التجارية – مصر، 1356هـ.
29- كشف الأسرار عن أصول فخر الإسلام البزدوي (علاء الدين عبد العزيز بن أحمد البخاري) ، تحقيق: محمد المعتصم بالله البغدادي، دار الكتاب العربي – بيروت 1414هـ -1988م.
30- المحيط لأديب اللجمي وآخرين.
31- المستجدات الفقهية لدار الإفتاء المصرية..دراسة فقهية أصولية من سنة 1987 حتى 2005، مسعود صبري، رسالة دكتوراه بكلية دار العلوم قسم الشريعة مخطوط.
32- المستدرك على الصحيحين للحاكم النيسابوري (محمد بن عبد الله) – تحقيق: مصطفى عبد القادر عطا- دار الكتب العلمية – بيروت –1411هـ.
33- المستصفى للغزالي (أبي حامد محمد بن محمد) – تحقيق: محمد عبد السلام عبد الشافي – دار الكتب العلمية – بيروت 1413هـ، وكذلك الطبعة الأميرية.
34- مسند أحمد (أحمد بن حنبل الشيباني) – مؤسسة قرطبة – مصر – بدون.
35- هذا ديننا للغزالي- دار الثقافة – الدوحة قطر – بدون تاريخ.