مبدأ ولاية الفقيه بين مثالية النظرية وتحولات التطبيق
The Principle of "Authority of the Jurist" Between Idealistic Theory and Implementer Changes العدد 129
مقدمة:
برزت منعطفات هامة خلال التاريخ الإسلامي على مستوى الفكر والحركة. وتعتبر الثورة الإيرانية بدون شك إحدى هذه المنعطفات الهامة، حيث بلور مفكروها نقلة نوعية في الفكر الشيعي المعاصر.
كما أضاف البعد الثوري الحيوية الحركية على هذا المضمون الفكري الجديد. وقد تعدت الأثار السياسية والفكرية للثورة الإيرانية حدود البلاد، سواء بصورة متعمدة فيما عرف بتصدير الثورة، أو عن غير قصد كنتيجة طبيعية للحدث الهام. والواقع، أن أهمية البعد الفكري لا تقل بأي حال من الأحوال عن دلالات البعد الثوري الحركي. فقد جاءت الثورة الإيرانية كنتاج لتحولات نوعية في الفكر الشيعي، تمخضت بدورها عن سلوكيات حركية متميزة في سجل الحركة الشيعية.
إن التفرد الشيعي في التاريخ الإسلامي يرجع بالأساس إلى عاملين: تجلَى الأول في ظهور الشيعة كحركة سياسية، بالأساس معارضة، حيث خاضت معارك سياسية وحربية ضد الخلافة الأموية ومن بعدها العباسية. ويعبر العامل الثاني عن الدور المحوري الذي لعبه أئمة الشيعة في قيادة الحركة، حتى تاريخ الغيبة الكبرى لآخر الأئمة في القرن العاشر، والتي أدت إلى فقدان الشيعة لقيادتهم الروحية والسياسية، بينما استمر اضطهاد العباسيين لهم. ولذلك، طوّر فقهاء الشيعة فقه التقية، بمعنى الابتعاد عن الانخراط في الشؤون والممارسات السياسية، بغض النظر عن طبيعة الحاكم وسلوكياته. وفي غياب الإمامة وغلبة التقية السياسية، تعايش غالبية الشيعة مع الخلفاء والحكام المتعاقبين. إلا أن الثورة الإيرانية استطاعت إحداث تحول فكري هام، وهو بلورة مبدأ ولاية الفقيه، وبمقتضاه ينوب الفقيه عن الإمام في قيادة الجماهير الشيعية، على مستوى التوجيه الروحي والسياسي الحركي. وترجع الجذور الفكرية لمبدأ ولاية الفقيه إلى جهود مجموعة من علماء الفقه الشيعي، وعلى رأسهم الإمام أية الله الخوميني.
وقد تعرض مبدأ ولاية الفقيه لعدة هزات، على المستوى الفكري والإطار الحركي، قبيل وفاة الخوميني وبعد وفاته. أدت هذه الهزات الفكرية إلى تحولات ملموسة في تطبيق مبدأ ولاية الفقيه مع اختيار علي خامنئي، المرشد الحالي للجمهورية الإيرانية، وشروعه في ممارسة سلطاته السياسية والروحية في البلاد وخارجها. وتَعْرِض هذه الدراسة جذور مفهوم ولاية الفقيه وتحولاته، فضلاً عن أثاره السياسية، في الفقه الشيعي الإيراني. كما تناقش التحولات الفكرية والتطبيقية التي طرأت عليه بعد وفاة منظِّره آية الله الخوميني عام 1989، والتحديات التي تواجه المبدأ على مستوى الفكر والحركة. وتقسم الدراسة إلى مبحثين، يركز الأول على الجذور التاريخية والأطروحات الفكرية المتعددة لمبدأ ولاية الفقيه وتطوره على يد آية الله الخوميني. ويعني المبحث الثاني بالتحولات النظرية والتطبيقية للمبدأ قبيل وفاة الخوميني وبعدها، والتحديات التي تواجه المفهوم داخل إيران وخارجها.
المبحث الأول:
ولاية الفقيه في الفقه الشيعي: الجذور التاريخية والتطورات الفكرية
الجذور التاريخية لمبدأ ولاية الفقيه:
مر الفقه الشيعي بثلاثة مراحل فيما يتعلق بالعلاقة بالسلطة السياسية. تمثل أولها في ظهور الشيعة كحركة سياسية معارضة، عانى مؤيدوها تحت إمرة أئمتهم الإثنى عشر من القمع الشديد خلال الحكم الأموي والعباسي(1). واضطر الشيعة بنهاية هذه الحقبة في عام 260 هجرياً إلى مواجهة عواقب اختفاء الإمام الثاني عشر محمد العسكري، بما يعنيه ذلك من غياب القيادة السياسية والروحية(2). وبناءً على ما اعتبر غيبة الإمام، طوَّر فقهاء الشيعة مذهب التقية، حيث استمر افتقاد السلطة السياسية للشرعية في نظرهم، كما رفضوا استبدال قيادة الإمام الغائب بأية قيادة بديلة(3). ودشن تأسيس الحكم الصفوي في إيران في القرن السادس عشر مرحلة جديدة للفقه الشيعي، حيث اعتبر المذهب الشيعي هو مذهب الدولة الرسمي. واستعان الصفويون بعديد من العلماء الشيعة في المناصب الرسمية والاجتماعية، لإضفاء الشرعية على حكمهم، خاصة مع تأجج الصراع الصفوي- العثماني(4). وقد تراجع الدور السياسي للفقهاء الشيعة في العهد القجاري، لكنهم استمروا في التواجد على صعيد الشؤون الاجتماعية بقوة(5). وبرغم التواجد الملموس لفقهاء الشيعة في العهد الصفوي والقاجاري، إلا أنهم استمروا بعيدين عن مراكز صنع القرار والقضاء.
ومع بداية القرن العشرين، دخلت إيران مرحلة جديدة بتعرضها لموجات من التحديث في عديد من مجالات الحياة(6). وتراجعت أدوار الفقهاء الشيعة بصورة ملموسة بعد تحالف نخبة المثقفين مع السلطة السياسية وقوات الاستعمار البريطاني لتغليب المؤسسات غير الدينية على المؤسسة الدينية. إلا أنه واقعياً، فبخلاف التحالف السابق بين السلطة والاستعمار والمثقفين، لم تكن هناك قوى مؤثرة في المجتمع غير القيادات الدينية الشيعية. واستدعت الأوضاع السياسية والاجتماعية تحرك هذه القيادات فيما يتعلق ببعض القضايا المحورية في المجتمع، مثل قضية فتاوى التبغ (1891-1892)، والثورة الدستورية في عام 1906(7). وأحيت قيادات هذه الثورة نظرية عن الحركية السياسية لأحد أبرز فقهاء الشيعة في القرن الحادي عشر الميلادي وهو الشريف مرتضي(8). وبعد سقوط نظام مصدق عام 1953، أصبح فقهاء الشيعة مجدداً القوة الأكثر تأثيراً وتماسكاً في المجتمع الإيراني، مما دفعهم لقيادة ما عُرِف بالثورة البيضاء على حكم الشاه عام 1963. إلا أنه ينبغي الإشارة إلى أن القيادات الشيعية اهتمت بخروج الاستعمار من البلاد أكثر من تركيزها على إصلاح حكم الشاه(9).
التطورات الفكرية لمبدأ ولاية الفقيه:
يصعب القول بمسؤولية أية الله الخوميني منفرداً عن تطوير مبدأ ولاية الفقيه. فمن ناحية، ظهرت عدد من المحاولات الفقهية السابقة حول تنشيط الحركة السياسية الشيعية، وكذلك تطوير الأدوار السياسية للعلماء كمندوبين عن الإمام الغائب(10). وكان “محمد بن مكي الجزيني العاملي” في جبل عامل بلبنان عام (876هـ= 1471م) صاحب أول تطوير حقيقي في الفقه الشيعي فيما يتعلق بنظرية ولاية الفقيه، حيث وسَّع الجزيني نطاق عمل الفقهاء، الذي كان قاصرًا على الفتاوى الفقهية وما يحصلونه من نسبة الخُمس، وعمق تأثيرهم في حياة الشيعة مستندا إلى ما يسمى “نيابة الفقهاء العامة” عن “المهدي المنتظر”، وشملت هذه النيابة القضاء والحدود وإقامة صلاة الجمعة(11).
ومن ناحية أخرى، قدم مفكر الثورة علي شريعتي أطروحته حول ولاية المفكر الملتزم، والتي تشابهت مع مفهوم ولاية الفقيه. وبرغم وجود بعض الاختلافات بين مبدأ ولاية الفقيه ومفهوم ولاية المفكر الملتزم، إلا أن أطروحة شريعتي مهدت الطريق لرؤية الخوميني لتصل وتُقبل لدى قطاعات المثقفين. فقد اتفق المفهومان حول محورية دور القائد في تطوير الحركة السياسية الشيعية، وركزا على قيادته الروحية للأمة جنباً إلى جنب مع القيادة السياسية. وطرحت فكرة شريعتي فقهاء الشيعة كأحد بدائل المفكر الملتزم المقبول كقائد، وهو ما استطاع الخوميني التركيز على الجانب الديني فيه واعتبار الفقيه البديل الوحيد “المقبول” في قيادة الأمة، نظراً لنيابته عن الإمام الغائب.
وتقوم الولاية لدى شريعتي على إعادة تفسير الشريعة الإسلامية بشكل يحررها من الممارسات الزائفة، وصياغتها بما يتناسب مع المستجدات المعاصرة(12). وبرغم انطباق شروط المفكر الملتزم على فقهاء الشيعة، إلا أن شريعتي قيد ولايتهم باعتبارها لابد ألا تتعدى المرحلة الانتقالية، كما يجب أن تتم بصورة جماعية(13). ولم يستطع شريعتي استبعاد فقهاء الشيعة من دائرة الفئات المقترحة للولاية، كما استبعد الخوميني المثقفين، نظراً لتماسك المؤسسة الدينية وقدراتها التنظيمية وسيطرتها الروحية على الجماهير. واشترط شريعتي في ولاية المفكر الملتزم؛ وجود المفكر الذي يملك الأيديولوجيا ولا يكتفي بالمعارف الدينية التقليدية. وكذلك، لابد من وجود الإلتزام بمسار الرسول r وآله وحوارييه، وثلاثيتهم وهي: العقيدة والوحدة والعدالة الاجتماعية، والتركيز على مقتضيات الأيديولوجيا: الإيمان والصراع والتضحية(14).
مبدأ ولاية الفقيه قبل الخوميني:
ظهرت بعض الاجتهادات في فترة الثورة الدستورية (1905-1911) تسعى لإثبات التكليف الديني في مباشرة الفقيه للحقوق العامة، ولكن داخل هذه الجماعة تعددت الاجتهادات أيضا حول شكل الولاية وحدودها وسلطاتها، ومن هذه الاجتهادات(15):
* الولاية العامة لعامة الفقهاء:
ترتبط بولاية فقهاء الشيعة على الشؤون الاجتماعية والأحوال الشخصية لعموم الجماهير الشيعية. ومن أبرز الداعين إليها محمد مهدي نراقي كاشاني وآية الله العظمى كلبايكاني المتوفى عام 1993.
* ولاية شورى الفقهاء:
يطالب آية الله العظمى السيد محمد شيرازي بإنشاء مجلس فقهاء يتكون من أصحاب أعلى درجات العلم الديني لضمان الطابع الإسلامي للدولة. ويرى أن على كل آية عظمى في المجلس المقترح خدمة تابعيه في منطقته باعتباره مرجعهم الأعلى في المسائل الشرعية والاجتماعية والأخلاقية، وأن حل القضايا التي تتخطى حدود المناطق يتم باقتراع الأغلبية في المجلس(16).
* الولاية المقيدة بالانتخابات:
قدم الميرزا محمد حسين النائيني نموذج الولاية المقيدة بالإنتخابات خلال الثورة الدستورية في إيران 1905-1911. فقد دعا إلى وجود هيئة دستورية متمثلة بالجمعيات العمومية، أو البرلمانات، أو المجالس التمثيلية، تكون قوة ضابطة ورادعة ومسددة. ويعتبر النائيني أن “صيغة الشورى لا تتناقض مع دور الفقيه في المذهب الإمامي، فالدور الذي تفرضه نيابة الإمام، والذي يتمثل في القيام بالوظائف الحسبية (…) مع عدم ثبوت النيابة العامة في جميع الوظائف، يندرج في نظام شوروي حيث تتحقق الشوروية الملية العمومية، لا مع البطانة وخواص شخص الوالي فقط، بل مع عموم الأمة(17).” ومن أبرز الداعين إلى هذا النموذج آية الله حسين علي منتظري وفقهاء حوزة مدينة قم الإيرانية.
* الولاية الرشيدة:
شرح سيد محمد باقر الصدر نظرية “الخلافة الشعبية برقابة المرجعية الدينية،” معتبراً أن الحقوق السياسية للشعب مستقلة عن الفقهاء بشكل رسمي، ويجب أن يكون هناك مزيد من الرقابة على وضع الفقهاء. وعلى المستوى التنفيذي يتم اختيار المرجع الديني بشكل اعتيادي تقليدي، وليست بالانتخابات الديمقراطية(19).
* الولاية المطلقة: ودعا إليها الإمام الخميني:
ولاية الفقيه لدى الخوميني:
انطلقت رؤية الخوميني في ولاية الفقيه من عدة منطلقات:
أولاً: اعتبر الخوميني أن الحظر على النشاط السياسي لفقهاء الشيعة منذ غيبة الإمام الثاني عشر يُعَد من الأخطاء الكبرى. فمن ناحية، فإن الفقهاء والعلماء مسؤولين عن تطبيق أحكام الشريعة، والتي لم تنزل للتنفيذ فقط في القرنين الأوليين من الهجرة، أثناء عهد الرسول r والأئمة. ومن ناحية أخرى، يعد تطبيق هذه الأحكام ضرورة في فترات الحكم المستبد، كما الحال في الظروف المعاصرة(19).
ثانياً: إن العلماء هم أكثر الفئات علماً بأحكام الشريعة الإسلامية، وبالتالي فهم الأكثر قدرة على النيابة عن الإمام الغائب في طبيق الشريعة. ولابد ألا تقتصر قيادة العلماء على القيادة الروحية، بل تمتد إلى الزعامة السياسية، تأسياً بالأدوار السياسية للإمام الغائب(20).
وبناءً على ذلك، فقد صاغ الخوميني نظريته عن ولاية الفقيه، من حيث ضرورة ممارسة الفقهاء أدوار سياسية، بجانب الإرشاد الروحي للأمة. ويقوم العلماء يتعيين القيادات السياسية الأخرى وذوي المناصب التنفيذية، فليس من الضروري ممارسة الفقهاء للمناصب السياسية بأنفسهم. ويكون العلماء مسؤولين فقط أمام الحوزة، وليس تجاه الجماهير أو الفئات الأخرى من المجتمع(21).
ارتكز الخوميني على نظرية ولاية الفقيه المطلقة، والتي تعتمد على أربعة أركان أساسية(22):
أولاً: الولاية: ومعناها التصدي والأولوية في إنجاز شئون الآخرين، فالولاية هي القيامة على الناس، وليس للناس أي دخل في تنصيب أو عزل الولي الفقيه، أو في أعمال وإنجازات الولاية، فجميع الأوضاع العامة تضمن مشروعيتها بانتسابها للولي الفقيه، وينحصر دور الشعب -بشكل تشريعي- على الطاعة والتبعية الكاملة لأوامره ونواهيه، فهذه ولاية قهرية، وليست اختيارية، دائمة أبدية دوام العمر، وليست مؤقتة، عامة على الجميع بدون قيد أو شرط.
ثانياً: النصابة: ومعناها أن تعيين الشخص الصالح للحكم محدد من قبل الإمام الغائب، أي معهودة للفقهاء، ولا يمكن أن يتم اختيار “الولي الفقيه” بناء على رغبة الشعب. ويعزل الفقيه المفتقد لشروط الفقه والعدالة نفسه بنفسه أو بواسطة الله سبحانه.
ثالثاً: الإطلاق: بمعنى أن نطاق سلطة الولي الفقيه تنسحب على المجال العام وقضايا الحكم والسياسة، فلا يوجد ما هو خارج عن محيط ولاية الفقيه، لأن صلاحيات الولي الفقيه هي نفسها اختيارات النبي r والأئمة. وتتمتع هذه الأمور فقط بوجوبية التبعية والإذعان الخاصة بالأمور الشرعية، بل إنها مقدمة كلياً على كل الأحكام الشرعية الفرعية. رابعاً: التفقه أو الفقهية: وتعد أهم الشروط الواجب توفرها لإدارة المجتمع، فالفقه يلعب دورا أساسيا في تشكيل المجتمع وأساليب إدارته، فكل تشكيل سياسي لا بد أن يعتمد على أسس فقهية، فللفقيه القدرة على حل كل مشاكل العالم السياسية والاقتصادية والعسكرية، لقدرته على إرشاد المجتمعات(23).
الجماهير في ولاية الفقيه:
يلاحظ تغييب الخوميني لأدوار الجماهير في بلورة النظام السياسي المستند إلى مبدأ ولاية الفقيه، متشابهاً مع علي شريعتي، فالولاية والقيادة للنخبة الدينية، كما الفكرية لدى شريعتي، بحيث تكتفي الجماهير بالاتباع. ورأى الخوميني، أسوة بالدور التاريخي للجماهير الشيعية، ضرورة سريان اتِّباع الجماهير للولي الفقيه بصورة دائمة. فطالما امتلك الفقيه العلم والمعرفة بالأحكام الشرعية فهو واجب اتباعه. ولا يوجب الخوميني على الفقيه الشفافية في اتخاذ القرار مع الجماهير أو المحاسبة، فهو مسؤول فقط أمام أقرانه من فقهاء الحوزة(24).
وفي المقابل، اعتبر علي شريعتي اتباع الجماهير لولاية المفكر الملتزم مرحلي خلال فترة انتقالية، حتى تمتلك الجماهير الوعي الكافي للحركة. فالمفكر الملتزم يؤدي دوراً في تعريف الجماهير بالحضارة الإسلامية ورفع وعيها بالمعرفة المعاصرة، حتى تبلغ الوعي المناسب بقضايا الأمة، وتمارس دورها الحضاري(25). كما أعطى فقهاء الشيعة الداعين لأشكال ولاية الفقيه الأخرى، مثل الولاية المقيدة بالإنتخابات وشورى الفقهاء، مساحات متباينة لأدوار سياسية فعالة للجماهير الشيعية. إلا أنهم اتفقوا على الاستمرار في التقاليد الشيعية المتعلقة باعتبار الأئمة مراجع التقليد من قبل الجماهير. وشدد الخوميني على محورية دور الفتاوى والتقاليد الدينية في تأجيج حماس الجماهير للثورة، مستخدماً فكرة الشهادة ونموذج الإمام الحسين للتركيز على ضرورة وإلحاح الثورة ضد الشاه(26). وفي مراحل ما بعد الثورة، أكد الخوميني على الأدوار التنفيذية للجماهير بدون مشاركة في عملية صنع القرار أو المحاسبة. فالعلاقة بين الفقيه والجماهير لدى الخوميني علاقة هيراركية من الأعلى إلى الأسفل.
وفيما يتعلق بالمثقفين، وبرغم قبول علي شريعتي لإمكانية اعتلاء الفقهاء قمة نموذج المفكر الملتزم ذو الولاية، فإن الخوميني لم يطرح هذه الرؤية، حيث الولاية للفقيه حصرياً. واقتصر دور المثقفين على الجوانب التنفيذية للحكم الخاضعة لسلطة الفقيه، كما الحال مع الجماهير(27). فالفقيه الولي لدى الخوميني عالم دين فقط. وبرغم دعوة الخوميني إلى التجديد في تفسير الشريعة والابتعاد عن توافه الأمور، إلا أنه لم يركز على ضرورة إلمام الفقيه بالعلوم الحديثة أو الحرص على توعيته بالأبعاد الحضارية للإسلام. وفي المقابل، تعامل شريعتي مع المفكر الملتزم باعتباره يجب أن يكون ملماً بالفكر والعلوم الحديثة، كذلك إلمامه بالإسلام كحضارة وليس فقط كأحكام(28).
وبناءً على ذلك، فإن مبدأ ولاية الفقيه لم يبتكره آية الله الخوميني من العدم، بل إن الجذور التاريخية للمبدأ تؤكد على جانبين:
يتمثل الجانب الأول في وجود اجتهادات فقهية شيعية سابقة على جهود الخوميني الفكرية، انصبت نحو بلورة أدوار سياسية، بدرجات متفاوتة، للفقهاء الشيعة، فضلاً عن قيادتهم الروحية للجماهير المتبعة.
ويعبر الجانب الثاني عن وجود بيئة سياسية وفكرية مواتية لدى شيعة إيران في الستينيات والسبعينيات لظهور أطروحات تجسد محورية الزعيم الفرد في قيادة الأمة، سواء كان فقيهاً أو مفكراً ملتزماً. وقد مهدت هذه الاجتهادات الفقهية التاريخية والبيئة المواتية الطريق لمبدأ ولاية الفقيه لتحتل صدارة أطروحات الثورة، فضلاً عن دور شخصية الخوميني الكاريزمية في تجسيد الزعيم القائد. وارتكزت أطروحة الخوميني على إطلاق صلاحيات الولي الفقيه، مقابل تهميش الأدوار السياسية للجماهير والمثقفين، وغياب المحاسبة والشفافية في سلطات الولي وممارساته.
المبحث الثاني:
ولاية الفقيه بعد الخوميني: التحولات والتحديات
التحولات في تطبيق مبدأ ولاية الفقيه:
ارتبط مبدأ ولاية الفقيه، على المستوى التطبيقي، بشخصية آية الله الخوميني التي أهلته لتَبَوء مكانة الولي الفقيه الأول في إيران. فقد اشترط الخوميني في مقومات الولي عدد من الخصائص تتوافر فيه بالأساس، بحيث انطبقت شروط الولي الفقهية والسياسية عليه. وبناءً على ذلك، قام الخوميني بإدراج مبدأ ولاية الفقيه في الدستور الإيراني عام 1979، مما أدى إلى دمج أكبر سلطة سياسية ودينية في يد فقيه شيعي أعلى، هو الخوميني نفسه. وطبقاً لويلفريد بوختا، أنشأ الخوميني بموجب المادة 107 في دستور عام 1979 مؤسسة تتجاوز سلطاتها بكثير، تلك التي كانت ممنوحة للشاه بموجب دستور 1906. وتؤسس المادة 110 من الدستور صلاحيات الولي الفقيه وحقوقه، وتفوضه في الاضطلاع بمسؤولية العمل كقائد عام للقوات المسلحة بأفرعها وإعلان الحرب أو السلم وتعبئة القوات المسلحة وتعيين وعزل الأفراد التاليين: ستة أعضاء من علماء الدين في مجلس صيانة الدستور، المكوَّن من 12 عضو والمسؤول عن تحديد مدى توافق مواد الدستور والقوانين مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ ورئيس السلطة القضائية؛ ورئيس مؤسسة الإذاعة والتليفزيون؛ والقائد الأعلى لقوات الحرس الثوري الإسلامي؛ والقيادات العليا للقوات المسلحة وقوى الأمن. ويمارس المرشد الجديد عمله من خلال مكتب الإرشاد الأعلى، بمساعدة أربعة من علماء الدين، فضلاً عن شبكة من الممثلين في كل الوزارات والمؤسسات الحكومية الهامة ومعظم الهيئات الثورية والدينية(29).
وقد واجهت إيران الدولة وولاية الفقيه النظرية اختباراً صعباً بعد وفاة الخوميني، فلم يعد الدمج بين السلطات السياسية والدينية واقعياً، حيث انفرط عقد المقومات الدينية والسياسية المطلوب توافرها في الولي الفقيه. فمن جانب، أخفق علي خامنئي المرشد الأعلى الجديد في توكيد ذاته كسلطة دينية، مما أبقى له فقط السلطة السياسية العليا. ومن جانب أخر، ابتعد معظم آيات الله العظمى الذين يتفوقون على خامنئي في مؤهلات العلوم الدينية عن السياسة والحكم، إما قسراً كما حال آية الله العظمي حسين منتظري، أو رفضاً لفكرة حكم رجال الدين للدولة(30).
ويفتقر علي خامنئى، خليفة الخوميني، للمؤهلات الدينية التي تؤهله لقيادة الجماهير الشيعية روحياً، فضلاً عن افتقاده الكاريزما التي كان يتمتع بها سلفه. فمن ناحية، يقضي المذهب الشيعي الإثنى عشري بأن يختار أتباعه أحد آيات الله العظمى مرجعاً للتقليد يتبعونه في السلوكيات الدينية والمعاملات الاجتماعية، كما يؤدون إليه خُمس دخلهم. وينتخب علماء الدين في الحوزات الشيعية، من خلال عمليات طويلة وغير رسمية تستغرق عادة ما بين عقدين وثلاثة، عالم الدين الذي يحصل على لقب آية الله العظمى. وقد كان آية الله العظمى الخوميني مرجعاً لملايين الشيعة الإيرانيين، فضلاً عن وجود ستة مراجع شيعية عظمى أخرى في مناطق متفرقة داخل إيران وخارجها(31).
وقد كان علي خامنئي “حجة الإسلام”، وهي درجة علمية أقل من آية الله، حتى وفاة الخوميني عام 1989، إلا أنه كان الشخص المفضل لدى مجلس الخبراء المسؤول عن تعيين خليفة للخوميني. ولم تفلح خطوة المجلس في ترقية خامنئي درجة في هرم العلم الديني، ورفع رتبته إلى “آية الله”، ومنحه سلطة الإفتاء، في منحه القبول لدى جماهير الشيعة. ويتشكك الكثيرون منهم في قدرته على الإفتاء. وبالتالي، تقوضت شرعية خامنئي إلى حد كبير، ومن ورائها أركان مبدأ ولاية الفقيه الأكثر قدرة سياسياً وغزارة علمياً. ولا يزال خامنئي غير قادر على الحصول على لقب آية الله العظمى، والذي يشترط له أن يمضي ثلاثة عقود أخرى، على الأقل، من دراسة العلوم الدينية، فضلاً عن كتابة رسالة علمية، وهو بحث كبير في علوم الدين يعترف به آيات الله العظمى الآخرون(32).
وقد كان من المفترض أن يكون آية الله العظمى حسين علي منتظري خليفة الخوميني، إلا أن الخلافات السياسية بينهما في أعقاب انتقاد الأول لعمليات الإعدام الجماعية عام 1988، والتي طالت المساجين السياسيين من مناهضي الثورة ، أدت إلى استبعاد الخوميني لمنتظري من خلافته وإرغامه على الاستقالة في مارس 1989. وخلق هذا الاستبعاد أزمة خلافة، حيث تنص المادة 109 من الدستور على ضرورة أن يكون الولي الفقيه مرجع تقليد قادر على الإفتاء، وباستبعاد منتظري لم يعد هناك خلفاء مناسبون من بين رجال الدين المنخرطين في السياسة. ولذلك أمر الخوميني بإلغاء هذه المادة بصورة قانونية. ولم يعد الدستور المعدل عام 1989 ينص على ضرورة كون الولي الفقيه مرجع تقليد(33).
ويبرر محمد قوجاني، رئيس تحرير مجلة شرق الإيرانية هذا التعديل بأنه “بالتزامن مع إعادة بناء مؤسسة الحكومة واستبدال السلطة بالجمهورية سعى الإمام الخميني في العقد الأخير من حياته لإصلاح الحوزات العلمية. يكتب في إحدى أهم رسائله الموجهة الى محمد علي الأنصاري: “في الحكومة الإسلامية يجب أن تكون أبواب الاجتهاد مفتوحة دائما.. الاجتهاد المصطلح في الحوزات لا يكفي. فإذا كان شخص أعلم الناس في العلوم المعهودة في الحوزات ولكنه لا يستطيع تمييز المصلحة أو الأشخاص الصالحين والنافعين من الأشخاص غير الصالحين، وبشكل عام يفتقد البصيرة الصحيحة وقوة اتخاذ القرار، فهذا الشخص لن يكون في المسائل الاجتماعية والحكومية مجتهدا”. (صحيفة الإمام، المجلد 21، ص 177 – 178). وبهذا المنطق، حذف الإمام في مرحلة إعادة صياغة الدستور (في سنة 1989) اشتراط المرجعية من شروط القائد في الجمهورية الإسلامية واكتفى بالاجتهاد كشرط لتصدي مقام ولاية الفقيه(34).” واستناداً إلى هذا التعديل الدستوري، انفصلت المرجعية عن القيادة بدل الزام دمج الإثنين، كما أعطيت القيادة السياسية مزيداً من السلطات التنفيذية والحكومية. وفي المقابل، تركت شؤون الحوزات العلمية لمراجع التقليد، مع احتفاظ المرشد الأعلى الجديد بموقعه ومرتبته الدينية”(35).
ويتناقض هذا الفصل بين القيادة الدينية في الجمهورية الإسلامية عن قيادة الجمهورية مع الأفكار المؤسسة لنظرية “ولاية الفقيه”. ويعتبر المراقبون أن هذا الفصل يبدو وكأنه انتقص من المكانة الروحية والدستورية لمرشد الجمهورية، بينما غلب السياسي على المذهبي في إيران عن طريق الاستقواء بالدولة في مواجهة المنافسين الدينيين. ولذلك، فبرغم السلطات الدستورية التي يتمتع بها مكتب المرشد الأعلى، إلا أن الضعف أصاب المؤسسة بعد وفاة الخوميني بصورة ملحوظة. ويعني هذا الفصل عملياً انتهاء مبدأ “ولاية الفقيه”، حيث لعب مبدأ ولاية الفقيه دوراً في تثبيت الدولة الدينية في إيران، مقترناً بشخصية الخوميني، بينما ساهم في المرحلة التالية في تسويغ هذه الدولة والاحتفاظ بسلطاتها، ولكن بشروط السياسة الدنيوية(36).
تحديات تواجه مبدأ ولاية الفقيه:
بالإضافة إلى صعوبات اختيار الولي الفقيه المناسب، يواجه مبدأ ولاية الفقيه تحديات فكرية وعملية جمة في داخل إيران وخارجها. وتتركز هذه التحديات في جانبين؛ الرفض الفكري لمبدأ ولاية الفقيه، كلياً أو جزئياً، وتزايد الفعالية السياسية للجماهير الشيعية، وتبرز هذه التحديات على الصعيدين الداخلي والخارجي.
على الصعيد الداخلي:
أولاً: ترفض عديد من الحركات السياسية والفكرية والدينية داخل إيران مبدأ ولاية الفقيه. ويمكن تقسيم هذه الحركات إلى نوعين:
1. الحركات السياسية غير الدينية: وتبرر هذه الحركات رفضها لمبدأ ولاية الفقيه بالصلاحيات الواسعة المعطاة للولي الفقيه، بينما تتقازم أمامه أدوار الجماهير والفئات الأخرى في المجتمع. وبالتالي، تثير هذه الرؤية ذكريات ممارسات الشاه الديكتاتورية. فعلى سبيل المثال، يعتبر مهدي بزرجان، مؤسس حركة المعارضة الوحيدة المعترف بها في البلاد حركة حرية إيران أنه من “منظور سياسي تشكل ولاية الفقيه استبداداً وتعني النكوص إلى الدولة التي طالما أملنا أن نتغلب عليها بالثورة الإسلامية. ومن زاوية دينية هي شرك بالله وفرعونية(37).”
2. الحركات الدينية: وتنقسم بدورها إلى ثلاث فئات؛ المعارضة المطلقة لحكم رجال الدين للدولة، ومعارضة الولاية المطلقة للفقيه، ومعارضة مؤسسة المرشد بحالتها الراهنة.
أ- المعارضة المطلقة: يعارض معظم آيات الله العظمى مبدأ ولاية الفقيه، في الغالب سراً، ومن أبرزهم حسن طبطبائي القمي في مشهد بإيران، والسيستاني في النجف، وميرزا حسن حائري إحقاقي في الكويت(38). ويدعو هؤلاء العلماء إلى انسحاب علماء الدين التام من العمل السياسي لأسباب مثل الرغبة في الحفاظ على سلامة الدين أو خشية ضياع سمعة العلماء بين الجماهير(39).
ب- معارضة الولاية المطلقة للفقيه: يطرح آية الله العظمى السيد محمد شيرازي ولاية مجلس شورى الفقهاء، حيث يطالب بإنشاء مجلس فقهاء يتكون من أصحاب أعلى درجات العلم الديني، بحيث يمارس كل آية عظمى في المجلس المقترح دوره كمرجع تقليد في منطقته في المسائل الشرعية والاجتماعية والأخلاقية. ويتم حل القضايا الوطنية باقتراع الأغلبية في المجلس(40).
ج- معارضة مؤسسة المرشد بحالتها الراهنة: يقبل عدد من آيات الله بمبدأ ولاية الفقيه، إلا أنهم ينتقدون المرشد الحالي. ويطالبون بإدخال بعض الإصلاحات، سواء بإصلاح المؤسسة نفسها أو بإحلال شخص تراه أكثر أهلية محل صاحب المنصب الحالي. ومن أبرز شخصيات هذه المجموعة، مصطفى المحقق الداماد في طهران وأبو القاسم موسوي أردبيلي وأحمد أذري القمي في قم. ويميل معظم هؤلاء إلى تأييد آية الله العظمى حسين منتظري(41). وفي هذا الإطار، يتميز آية الله منتظري بكونه الأقرب إلى الثورة الإسلامية، والأغزرعلماً وحركية، مما أهله لتولي خلافة الخوميني منذ عام 1985 وحتى أجبر على الاستقالة في مارس 1989. ويؤيد منتظري مبدأ ولاية الفقيه، حتى باعتباره الأنسب للمسلمين السنة، “بشرط أن تنتخبه الأغلبية على أساس أنه المرشح الأجدر والأغزر علماً في الدين والأكثر حنكة في السياسة. وقطعاً يجب أن ينتخب بوساطة الناس أو بوساطة الخبراء الذين يختارهم الناس(42).” وتتضمن دعوة منتظري لانتخاب الولي إمكانية مساءلته من قبل الناس والدستور الإيراني.
ثانياً: تزايد الفعالية السياسية للجماهير الشيعية: خلال السنوات التي أعقبت وفاة الخوميني، حدث توسع ملموس في أدوار الجماهير الإيرانية، وازدادت فعاليتهم السياسية بصورة ملحوظة. ويعزى هذا التزايد في الفعالية السياسية إلى ظهور جيل جديد من الشباب الإيراني خفتت لديه شرعية الثورة، وفي المقابل لم تتمكن الحكومة الإسلامية من حفر شرعية الإنجاز في أذهانه. كما أن التحديات الفكرية والعملية التي تواجه المرشد الحالي، بل ومبدأ الولاية المطلقة للفقيه برمته باتت تلقي بظلالها على قوة المرشد السياسية، وتطرح تساؤلات حول جدوى استبعاد معظم فئات الشعب من المشاركة في صنع القرار.
وفي هذا الصدد، تعد إشارات الرئيس الإيراني السابق محمد خاتمي ذات دلالة، خاصة أنه يدين بالفضل للشباب والنساء بالأساس في الصعود إلى سدة الحكم، وترجيح كفته على مرشح المؤسسة الدينية علي أكبر ناطق نوري في انتخابات 1997. فيؤكد خاتمي أنه “يمكن أن يؤمن البعض بأن الشعب لا يمتلك دوراً في منح المشروعية للسلطة، وهذا رأي نحترمه في الإطار النظري، غير أننا نعتمد اليوم مبدءاً تعبر عنه فكرة إسلامية وردت في الدستور، وهي تقرر أن للشعب حقوقاً لدى السلطة، وأن ثمة مسؤوليات تقع على عاتق السلطة إلى جانب ما تمتلك من حقوق وصلاحيات(43).” واعتبر خاتمي أنه برغم أهمية ومحورية دور الفقيه المرشد في النظام السياسي الإيراني، إلا أن أهمية حقوق العباد تجعل من الضروري اتخاذ تدابير تنفيذية إضافة إلى التقوى، بل ينبغي أن يكون هناك إشراف ورقابة لضمانة تواصل التقوى. ويقصد خاتمي بهذه الرقابة قيام مجلس خبراء القيادة، الذي يضم مائة وعشرين فقيهاً منتخبين من الشعب مرة كل خمسة أعوام وتتركز مهامه في انتخاب الولي الفقيه والإشراف على أدائه كي يضمن ديمومة المواصفات القيادية كالتقوى والعلم والحكمة(44).
على الصعيد الخارجي: نموذج مبدأ ولاية الفقيه في لبنان:
يعد تطور الحركة الشيعية في لبنان مختلفاً عن النموذج الإيراني، حيث تقدم التعددية الدينية والمذهبية والسياسية في الواقع اللبناني إطاراً مختلفاً للحركة الشيعية في لبنان. وقد استمر الشيعة في لبنان في تلقي العلم في الحوزات العراقية والإيرانية، واستيراد التحولات الفكرية في الفقه الشيعي من علماء الحوزات. إلا أن شيعة لبنان استطاعوا أن يطوعوا الأفكار والرؤى الفقهية الشيعية حول القيادة والحركة السياسية، بما يتناسب مع واقعهم ومعطياته المختلفة. وبناءً على ذلك، ظهرت أبعاد وقراءات جديدة لمبدأ ولاية الفقيه كمفهوم محوري في الفكر الشيعي لدى شيعة لبنان.
فقد ظهرت حركة موسى الصدر في أوائل الستينيات، باعتبارها من أولى محاولات تسييس الشيعة بشكل طائفي، في ظل أجواء من الحرمان المزمن لمناطق الاطراف وضواحي العاصمة، ذات الأغلبية الشيعية، ووجود عدم توازن بين القوى الاساسية داخل سلطة الدولة وأدواتها من حيث تركيبتها الطائفية. ولم يلق الصدر في العشر سنوات الأولى من وجوده في لبنان، 1959-1969، حفاوة تذكر. ويعود ذلك بالأساس إلى غلبة التوجهات الحزبية والأيديولوجية على شباب لبنان. وتلخصت دعوة الصدر، التي اعتمدت على جاذبيته الشخصية والأجواء السياسية المشحونة قبيل الحرب الأهلية اللبنانية، “بالتخلي عن الحزبية التي أرهقت، في رأيه، الشيعة وفرقتهم، ووزعتهم شيعا على أحزاب الايديولوجيا، من دون أية فائدة تذكر(45).” ويشير حسين الأمين إلى أن “الامام الصدر كان يعرف ما يريده أبناء طائفته ألا وهو الحفاظ على الشرعية ضمن اطار الدولة وإعادة توازنها ضمن الوحدة الوطنية. ثم تأكيد الانتماء الوطني والعربي تعزيزا وإسهاما في الصراع العربي الاسرائيلي(46).” ودعم الصدر دعوته بإنشاء مرجعية دينية لحركته (المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى)، ثم عندما انفجرت الحرب الأهلية (1975) أنشأ منظمة «أمل» كذراع سياسية له، وكميليشيا طائفية مسلحة(47). وما لبث حزب الله بزعامة الشيخ صبحي الطفيلي أن انشق عن المنظمة في منتصف الثمانينيات.
واستناداً إلى الطبيعة التعددية للمجتمع اللبناني، بما في ذلك تعددية الرؤى لدى التيارات السياسية الشيعية، انقسم الشيعة اللبنانيون ما بين مؤيد لمبدأ ولاية الفقيه، كما حال القيادة السياسية لحزب الله، وما بين داعم لتعدد مراجع التقليد، مثل المجلس الشيعي الأعلى. كما أن الممارسات السياسية لمؤيدي ومعارضي مبدأ الولاية، على حدٍ سواء، خلقت تحديات سياسية وفقهية لجوهر مبدأ ولاية الفقيه السياسية والروحية لدى الشيعة خارج إيران.
* التحديات السياسية: برغم إعلان السيد حسن نصر الله، زعيم الحزب، البيعة للمرشد الإيراني خامنئي في عام 2005، إلا أن بعض الممارسات السياسية للحزب تكشف عن وجود قدر من التباين في الرؤى بين الحزب والمرشد الأعلى. وتستند ممارسات حزب الله السياسية إلى محاولاته التوفيق بين أطروحاته الدينية والواقع السياسي اللبناني المتشابك. فقد أحدث حزب الله نقلة في سياسته عندما قرر الدخول في الحكومة اللبنانية غير الإسلامية والانخراط فيها، باعتبارها حكومة وطنية، بينما ظلت الحكومة الإسلامية في إيران فقط لإعطاء الشرعية الإلهية في الجهاد بالنفس في وجه إسرائيل(48).
كما أن المرجع الشيعي البارز محمد حسين فضل الله، المرشد الروحي لحزب الله، دعا إلى ضرورة احترام الفقيه لمصالح اتباعه، بحيث لا يعطي رأياً يضرهم، وإلا فقد الثقة به وفقد موقعه. كما شدد على ضرورة موازنة اتباع مبدأ ولاية الفقيه بين مصالح البلاد التي يعيشون فيها وبين أراء الفقيه، بما في ذلك مناقشته في فتاواه(49). وتشير اجتهادات فضل الله إلى قبوله على مضض لمبدأ ولاية الفقيه، حيث سبق وأعلن تفضيله لمبدأ الولاية لكل مرجع توافرت فيه الشروط، أو الاستعاضة عن ولاية الفقيه بمجالس الشورى والخبراء الأتقياء الراشدين(50).
* التحديات الفقهية: يعتبر المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى أن الفقيه “الجامع للشرائط” تكون ولايته واجبة على جميع المسلمين، وهو ليس مرجعاً في الفتيا فقط، بل له الولاية العامة، فيُرجع إليه في الحكم والفصل والقضاء، وذلك من مختصّاته. إلا أنه مع افتقاد هذا الفقيه الأعلم في الفقه ولكنه على رأس الدولة الإسلامية والأرشد في السياسة فبإمكان العامة تقليد مرجع آخر أعلم في الفقه، لكن يلتزمون في الأمور العامة بالولي الفقيه(51). وفي هذا الصدد، يفتقر علي خامنئي المرشد الحالي لمقومات الفقيه الجامع للشرائط، مما أدى إلى تراجع في سلطته الروحية على جماهير الشيعة في لبنان. ويعتبر آية الله السيستاني في النجف الأبرز في منافسة خامنئي على زعامة الشيعة العرب، برغم معارضته لمبدأ ولاية الفقيه السياسية. وبالإضافة إلى قدرات السيستاني الفقهية، يمتلك قدرات مالية ضخمة من خلال سيطرته على مؤسسة الخوئي الخيرية في لندن، والتي يؤدي إليها ملايين الشيعة في العالم خمس دخلهم لتمويلها. بل إن السيستاني استطاع استبعاد حلفاء طهران، المرشد الديني لحزب الله محمد حسين فضل الله والأمين العام حسن نصر الله، من عضوية المجلس الإسلامي الشيعي الأعلى، بفضل علاقات مؤسسة الخوئي الوثيقة مع المجلس(52).
وبعبارة أخرى، فإن مبدأ ولاية الفقيه يواجه تحديات داخلية وخارجية، تمثلت بالأساس في وجود معارضة لمبدأ الولاية المطلقة للفقيه على الجوانب السياسية والروحية. واستندت هذه المعارضة إلى ضعف المرشد الحالي وافتقاره للمقومات الفقهية الواجبة للولاية الروحية من جانب، مما استلزم تعدد مراجع التقليد. وبالتالي، تراجعت السلطة الدينية للفقيه الولي بصورة ملموسة. ومن جانب أخر، ظهرت معطيات سياسية متزايدة الأهمية، مثل تنامي الفعالية السياسية للجماهير الإيرانية أو تعقد التوازنات السياسية في لبنان. وأدت هذه المعطيات إلى تبلور اجتهادات مختلفة تجاه المواقف السياسية لجماهير الشيعة في داخل إيران وخارجها، تتناسب بالأساس مع المطالب السياسية والمصالح الوطنية، ولا تتبع بالضرورة إرشادات الولي الفقيه.
الخاتمة:
والخلاصة أن مبدأ ولاية الفقيه يضرب بجذور التاريخية قبل آية الله الخوميني. فقد اجتهد عدد من فقهاء الشيعة لإيجاد أدوار سياسية، بدرجات متفاوتة، للفقهاء الشيعة، فضلاً عن قيادتهم الروحية للجماهير المتبعة. كما تواجدت في الستينيات والسبعينيات بيئة سياسية وفكرية مواتية لدى شيعة إيران في لظهور أطروحات تجسد محورية الزعيم الفرد في قيادة الأمة، سواء كان فقيهاً أو مفكراً ملتزماً. واستطاع الخوميني بلورة هذه الاجتهادات الفقهية التاريخية، واستثمار البيئة المواتية، بفضل مكانته الفقهية وشخصيته الكاريزمية، ليخرج بمبدأ الولاية المطلقة للفقيه. وارتكزت أطروحة الخوميني على الإطلاق في صلاحيات الولي الفقيه، مقابل تهميش الأدوار السياسية للجماهير والمثقفين، وغياب المحاسبة والشفافية في سلطات الولي وممارساته.
إلا أن التحولات السياسية في المراحل اللاحقة، قبيل وفاة الخوميني وبعدها، ساهمت في تقويض أركان مبدأ ولاية الفقيه. فقد أدت الاعتبارات السياسية المحضة إلى استبعاد آية الله منتظري، المرشح الأكثر ملائمة، من خلافة الخوميني، ليحل محله علي خامنئي. ونتيجة لافتقاد المرشد الحالي للمقومات الفقهية الضرورية كمرجع تقليد أعلى، انفصلت القيادة السياسية عن القيادة الروحية. ويتناقض هذا الفصل بين القيادة الدينية في الجمهورية الإسلامية عن قيادة الجمهورية مع الأفكار المؤسسة لنظرية “ولاية الفقيه”. ويعني هذا الفصل عملياً انتهاء مبدأ “ولاية الفقيه”.
وبرغم البقاء النظري لمبدأ ولاية الفقيه، إلا أن الممارسات السياسية والدينية لقيادات وجماهير الشيعة داخل إيران وخارجها خلقت تحديات فكرية وعملية له. فقد تنامت المعارضة لمبدأ الولاية المطلقة للفقيه على الجوانب السياسية والروحية، مستندة إلى افتقار المرشد الحالي للمقومات الفقهية الواجبة للولاية الروحية، مما استلزم تعدد مراجع التقليد. كما تنامت الفعالية السياسية للجماهير الإيرانية وتعقدت التوازنات السياسية الداخلية لدى شيعة الخارج، في لبنان على سبيل المثال. وبالتالي، تبلورت اجتهادات مختلفة تجاه المواقف السياسية لجماهير الشيعة في داخل إيران وخارجها، تتناسب بالأساس مع المطالب السياسية والمصالح الوطنية، ولا تتبع بالضرورة إرشادات الولي الفقيه.
ويتضح مما سبق، أن مبدأ ولاية الفقيه ارتبط إلى حدٍ كبير بشخصية آية الله الخوميني، والذي رسم ملامح ومقومات الولي كأقرب ما يكون إليه شخصياً. وأدى هذا إلى نجاح تطبيق مبدأ الولاية في أثناء حياة الخوميني. إلا أن تغليب الاعتبارات السياسية على المقومات الدينية في اختيار خليفة الخوميني، برغم افتراض تأسيس مبدأ الولاية على عكس ذلك، قوض أركان ولاية الفقيه. فعندما افتقر الولي الفقيه لمقومات الإرشاد الديني والقيادة الروحية ضعفت سلطاته السياسية، بل واضطر لعقد تحالفات سياسية مع المستفيدين من هيراركية الجمهورية الإيرانية بوضعها الراهن. أي أن مبدأ ولاية الفقيه بات يحتاج الكثير من المراجعات النظرية، في ضوء التطبيقات العملية والتحديات الداخلية والخارجية التي تواجهه، وإلا اندثرت دولته.
مراجع الدراسة:
1. Akhavi, Shahrough, Shari’ati’s Social Thought, in Nikki R. Keddie (editor) Religion and Politics In Iran: Shi’ism from Quietism to Revolution (New Havens: Yale University Press, 1983).
2. Algar, Hamid, The Roots of the Islamic Revolution (Ontario: The Open Press, 1983).
3. Cole, Juan R., Imam Jurisprudence and The Role The Ulama: Mortaza Anzari on Emulating The Supreme Example, in Nikki R. Keddie (editor) Religion and Politics In Iran: Shi’ism from Quietism to Revolution (New Havens: Yale University Press, 1983).
4. Khomeini, Hamid Algar (translator and annotator) Islam and Revolution: Writings and Declarations of Imam Khomeini (Berkeley: Mizan Press, 1981).
5 . Rose, Gregory, Velayat-e Faqih and The Recovery OF Islamic Identity in The Thought of Ayatollah Khomeini, in Nikki R. Keddie (editor) Religion and Politics In Iran: Shi’ism from Quietism to Revolution (New Havens: Yale University Press, 1983).
6. Tabari, Azar, The Role of The Clergy in Modern Iranian Politics, in Nikki R. Keddie (editor) Religion and Politics In Iran: Shi’ism from Quietism to Revolution (New Havens: Yale University Press, 1983).
7. Watt, Montogomery, The Significance of The Early Stages of Imami Shi’ism, in Nikki R. Keddie (editor) Religion and Politics In Iran: Shi’ism from Quietism to Revolution (New Havens: Yale University Press, 1983).
المراجع العربية:
الكتب:
1. أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي (لندن: دار الشورى، 1997)
2. إبراهيم الدسوقي شتا، الثورة الإيرانية (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1988)
3. عبد الرزاق الجبران، علي شريعتي وتجديد التفكير الديني: بين العودة إلى الذات وبناء الأيديولوجية ( بيروت: دار الأمير للثقافة والعلوم، 2002)
4. علي شريعتي، إبراهيم الدسوقي شتا (مترجم) العودة إلى الذات (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1986)
5. محمد خاتمي، سرمد الطائي (مترجم)، الديمقراطية وحاكمية الأمة (دمشق: دار الفكر، 2003)
6. وجيه كوثراني، الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في إيران الصفوية-القاجارية والدولة العثمانية (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2001)
7. ويلفريد بوختا، من يحكم إيران؟ بنية السلطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دراسات مترجمة (17) (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2003)
المقالات:
1. حسين الأمين، الشيعة ودورهم في حماية مشروع الدولة اللبنانية، http://www.montadaalquran.com، 28 مارس 2005
2. عادل عبد المهدي، ولاية الفقيه: الديمقراطية والثيوقراطية، مجلة التوحيد (طهران: مؤسسة الفكر الإسلامي، السنة 16، العدد 92، يناير 1998)
3. عفاف الجمري، المرجعية وولاية الفقيه، جريدة الوقت البحرينية، 22 أغسطس 2006
4. علي الشفيعي، مشروعية ولاية الفقيه، مجلة التوحيد (طهران: مؤسسة الفكر الإسلامي، السنة 16، العدد 92، يناير 1998)
5. غسان الإمام، شيعة لبنان: الهجرة من الحزبية إلى الطائفية، الشرق الأوسط اللندنية، 8 أغسطس 2006
6. محمد الأرناؤوط، جذور ولاية الفقيه ما بين لبنان وإيران، شبكة أقلام الثقافية، بدون تاريخ
7. محمد السعيد عبد المؤمن، المرجعية الشيعية في إيران والعراق، islamonline.net، 25 سبتمبر 2003
8. محمد حسين فضل الله، مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 15 مارس 2007
9. محمد قوجاني، موقع الإمام الخوميني وولاية الفقيه في المذهب الشيعي، جريدة القبس الكويتية، 9 يونيو 2006
10. مصطفى اللباد، حدائق الأحزان: إيران وولاية الفقيه (القاهرة، دار الشروق، 2006) نقلاً عن حامد محمود، ولاية الفقيه بين الفرسية والشيعية، islamonline.net، 9 يناير 2007.
الهوامش
1 لمزيد من التفاصيل، انظر:
W. Montogomery Watt, The Significance of The Early Stages of Imami Shi’ism, in Nikki R. Keddie (editor) Religion and Politics In Iran: Shi’Ism from Quietism to Revolution (New Havens, Yale University Press, 1983) pp21-23
2 لمزيد من التفاصيل، انظر: Ibid, pp23-32
3 لمزيد من التفاصيل حول نظرية الإمامة في الفقه الشيعي، انظر:
أحمد الكاتب، تطور الفكر السياسي الشيعي (لندن: دار الشورى، 1997)
4 Azar Tabari, The Role of The Clergy in Modern Iranian Politics, in Nikki R. Keddie (editor) op.cit., pp47-48; Hamid Alger, The Roots of The Islamic Revolution (Ontario, The Open Press, 1983) pp13-15
5 Ibid, pp48-49
6 Ibid, pp59-60
7 لمزيد من التفاصيل، انظر:
إبراهيم الدسوقي شتا، الثورة الإيرانية (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1988)؛ وجيه كوثراني، الفقيه والسلطان: جدلية الدين والسياسة في إيران الصفوية – القاجارية والدولة العثمانية (بيروت: دار الطليعة للطباعة والنشر، 2001)
8 لمزيد من التفاصيل، انظر:
Juan R. Cole, Imam Jurisprudence and The Role The Ulama: Mortaza Anzari on Emulating The Supreme Example, in Nikki R. Keddie (editor) op.cit., pp33-47
9 Khomeini, Hamid Algar (translator and annotator) Islam and Revolution: Writings and Declarations (Berkeley, Mizan Press, 1981) pp40-54
10 لمزيد من التفاصيل، انظر: محمد الأرناؤوط، جذور ولاية الفقيه ما بين لبنان وإيران، شبكة أقلام الثقافية، بدون تاريخ
11 محمد الأرناؤوط، جذور ولاية الفقيه ما بين لبنان وإيران، شبكة أقلام الثقافية، بدون تاريخ
12 Hamid Algar, op.cit., pp 71-82; Shahrough Akhavi, Shari’ati’s Social Thought, in Nikki R. Keddie (editor) op.cit., pp136-140
13 Ibid., pp 106-120
14 لمزيد من التفاصيل حول رؤية علي شريعتي حول مفهوم “ولاية المفكر الملتزم”، انظر:
عبد الرزاق الجبران، علي شريعتي وتجديد التفكير الديني: بين العودة إلى الذات وبناء الأيديولوجية ( بيروت: دار الأمير للثقافة والعلوم، 2002) ص 259-287
15 لمزيد من التفاصيل، انظر: مصطفى اللباد، حدائق الأحزان: إيران وولاية الفقيه (القاهرة، دار الشروق، 2006) نقلاً عن حامد محمود، ولاية الفقيه بين الفارسية والشيعية، islamonline.net، 9 يناير 2007
16 ويلفريد بوختا، من يحكم إيران؟ بنية السلطة في الجمهورية الإسلامية الإيرانية، دراسات مترجمة (17) (أبوظبي: مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية، 2003) ص 123
17 وجيه كوثراني، مرجع سبق ذكره، ص 140-141
18 محمد السعيد عبد المؤمن، المرجعية الشيعية في إيران والعراق، islamonline.net، 25 سبتمبر 2003
19 Khomeini, op.cit., pp40-54
20 Ibid, pp55-65
21 Gregory Rose, Velayat-e Faqih and The Recovery of Islamic Identity in The Thought of Ayatollah Khomeini, in Nikki R. Keddie (editor) op.cit, pp176-190;
عادل عبد المهدي، ولاية الفقيه: الديمقراطية والثيوقراطية، مجلة التوحيد (طهران: مؤسسة الفكر الإسلامي، السنة 16، العدد 92، يناير 1998)؛ علي الشفيعي، مشروعية ولاية الفقيه (طهران: مؤسسة الفكر الإسلامي، السنة 16، العدد 92، يناير 1998)
22 محمد السعيد عبد المؤمن، المرجعية الشيعية في إيران والعراق، islamonline.net، 25 سبتمبر 2003
23 المرجع السابق
24 Gregory Rose, op.cit, pp 176-180; Khomeini, Islam and Revolution, op.cit, pp 75-125
25 عبد الرزاق الجبران، مرجع سبق ذكره، ص 259-287
26 Khomeini, Islam and Revolution, op.cit, pp 174-176, 200-207, 212-227, 239-240
27 Gregory Rose, op.cit, 175-185
28 Hamid Algar, op.cit, pp 71-82;
علي شريعتي، إبراهيم شتا (مترجم) العودة إلى الذات (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1986) ص 115-127
29 ويلفريد بوختا، مرجع سبق ذكره، ص 69-75
30 المرجع السابق، ص 22
31 المرجع السابق، ص 75-76
32 المرجع السابق، ص 77
33 المرجع السابق، ص 76
34 محمد قوجاني، موقع الإمام الخوميني وولاية الفقيه في المذهب الشيعي، جريدة القبس الكويتية، 9 يونيو 2006
35 المرجع السابق
36 لمزيد من التفاصيل، انظر: مصطفى اللباد، نقلاً عن حامد محمود، مرجع سبق ذكره
37 ويلفريد بوختا، مرجع سبق ذكره، ص 111
38 المرجع السابق، ص 119-120
39 المرجع السابق، ص 121
40 المرجع السابق، ص 123
41 المرجع السابق، ص 124
42 المرجع السابق، ص 125-126
43 محمد خاتمي، سرمد الطائي (مترجم)، الديمقراطية وحاكمية الأمة (دمشق: دار الفكر، 2003) ص 18
44 المرجع السابق، ص 21
45 غسان الإمام، شيعة لبنان: الهجرة من الحزبية إلى الطائفية، الشرق الأوسط اللندنية، 8 أغسطس 2006
46 حسين الأمين، الشيعة ودورهم في حماية مشروع الدولة اللبنانية، http://www.montadaalquran.com، 28 مارس 2005
47 غسان الإمام، مرجع سبق ذكره
48 عفاف الجمري، المرجعية وولاية الفقيه، جريدة الوقت البحرينية، 22 أغسطس 2006
49 المرجع الشيعي محمد حسين فضل الله، مقابلة مع جريدة الشرق الأوسط اللندنية، 15 مارس 2007
50 عفاف الجمري، مرجع سبق ذكره
51 المرجع السابق
52 ويلفريد بوختا، مرجع سبق ذكره، ص 121