أبحاث

تأويل الخطاب القرآني بين الانضباط النصي والانفلات الدلالي

العدد 122

مقدمة:

لا مناص لنا من الإقرار بأن الـمُنعم للنظر، والمستقصي للتأمل في المقاربات النقدية المعاصرة للنص القرآني يلفي أنها سلكت مسلكين في المعالجة: مسلك الإسراف والتسيّب في الاستنباط الدلالي؛
أو ما يمكن تسميته بالقراءات المعاصرة للقرآن الكريم؛ وفي هذا المضمار نجد قراءات محمد شحرور وحسن حنفي ونصر حامد أبو زيد ومحمد أركون وغيرها؛ وهي قراءات يُحتاج في تقويمها إلى لطف نظر، وفضل روية؛ ذلك أنها خرجت بالممارسة التأويلية عن إطارها الطبيعي؛ أي بعيدا عن سياق التأصيل المنهجي والفلسفي الذي يفضي إلى طرح معضلة التأويل طرحًا علميًّا واعيًا بأبعادها المختلفة: العقدية والفلسفية والكلامية والأسلوبية. أما المسلك الثاني؛ فهو مسلك التقيد بظاهر النص وحرفيته وصيغته الكتابية؛ ولعل التيار السلفي بفروعه المختلفة يجسد هذا المنحي التأويلي.

ولا نعدو الصواب حين نقول: إن الذي حرّك دواعي هذه الدراسة القلق المعرفي والحيرة العلمية من كثرة انتشار المناهج الخاطئة في قراءة القرآن الكريم؛ والتي تجاوزت حدود الحزم والاحتياط؛ بيد أن الواجب المحتوم في الممارسة العلمية قوة الحجة وسلطان الدليل. ومن هنا تجيء ضرورة مناقشة قضية تأويل النص القرآني في بعض التأني والتفصيل الضروريين.

ولا جرم أن القراءة المتأنية الهادئة للتراث التفسيري للقرآن الكريم، ومعانية مسؤولة واعية لبعض الممارسات التأويلية المعاصرة يقودنا إلى الوقوف على الأسباب العامة التي أفضت إلى الانفتاح والانفلات الدلالى في القراءات المعاصرة للخطاب القرآني.

ولعل تجريب تقنيات المنهجية المعاصرة، في مجال العلوم الإنسانية وتطبيقها على النص القرآني دون تكييفها لمنطق النص وهديه، ومراعاة أساليب العربية عمّق من الإشكالية؛ بل لم يساعد بأية حال الباحثين في هذا الاختصاص على تقصي السعي إلى نمو قراءة معتدلة راشدة. وقد تحدث العلماء عن معضلة التأويل قديمًا وحديثًا؛ فشققوا القول في أنواعها ومعاقدها وأطرافها؛ ولكنهم لم يخرجوا بذلك التنويع عن فلك التشبث بظاهر النص، والاعتصام بأسواره وحدوده؛ أو الانفلات من أسر النص وسياجه إلى فضاءات دلالية لا نهائية متناسلة لا تقف عند حد؛ بل تنكر الحدود والثوابت.

هذه حقيقة لا يمكن إنكارها؛ بل تثير بعض التساؤلات المحورية الآتية: هل التشبث بالمعني التاريخي للتفسير بالمأثور هو غلق لباب الاجتهاد، أو تعطيل لإعمال النظر وإلطاف التأمل؟ ولماذا لا يفهم هذا التمسك بظاهر النص من باب الحيطة والاحتراز من فتح مجال التأمل والتأويل على مصراعيه للطوائف الدينية والمذهبية لتتخذ من النص القرآني معيناً لعقائد الطائفة المنصورة أو الفرقة السلفية الناجية أو الفرق العلمانية الأخرى ؟. وهل التوظيف الإيديولوجي للتأويل هو الذي أخرجه عن إطار الاستثمار المعرفي الأصيل؟ وهل التقيد بالمعني الأزلي للنص القرآني هو تعطيل لطاقته الأسلوبية؟ وما حدود سلطة المضمون الإيديولوجي في قراءة القدماء والمحدثين؟ وهل الاعتصام بسياج النص القرآني والتمسك بحدوده يتعارض مع الإمكانات التعبيرية للنص؟ ألا يُعد الاكتفاء بالملامسة الخارجية للنص القرآني عند الحَرفيين أو الظاهريين هو إهدار لمكنوناته الدلالية وضمور لمستوياته الأسلوبية والجمالية؟ وهل هناك حرية فكرية مطلقة في مقاربة النص القرآني؟. وهل اختراق المجال اللفظي ضروري لكشف النقاب عن مستويات الدلالة؟ وهل القراءة الحرة المنسلخة عن الصيغة الحرفية للنص القرآني تعني الانسلاخ عن سياقه الحضاري والمعرفي والحيوي؟ وما المانع من اعتماد المؤول على آلية الانفتاح الدلالى مادام مراعيًا لمقاصد النص ومسؤولياته؟ وهل الخضوع لأحادية المعني يصطدم مع التوسع الدلالى للنص القرآني؟ أَلا يُعد الانفتاح اللانهائي للدلالة مظهراً من مظاهر عبثية المعني؟ وهل عدم ثبات الدلالة هو مصدر هذا الانفتاح المطلق؟ وهل القراءة المتجددة الواعية البعيدة عن الأهواء والنـزوات كفيلة بتوليد دلالات جديدة وكشف مناطق من النص بعيدة؟ وما هي الضوابط التي تحقق الجمع بين حماية القرآن من الانفتاح على أي قراءة من جهة؛ وتعمل في الوقت ذاته على توسيع معاني القرآن لكي لا تبقي محصورة عند تاريخ نزولها من جهة أخرى؟. وهل الممارسة التأويلية ممارسة منتجة للمعنى أم هي ممارسة مجانية؟

ولا غرو من أن محاولة الإجابة عن هذه التساؤلات كانت المفتاح الذي حرَّك دواعي البحث والتنقير في تخوم هذه الإشكاليات لإدراك متزايد للتناقضات الجوهرية في فكر كثير من المنهجيات النقدية المعاصرة والقراءات المنفلتة.

ولا جدال في أن قابلية النص القرآني للتجدد والاختلاف، وتوسيع مجال نظره الدلالى والفلسفي هو الذي يسوغ مشروعية التوسل بمصادر جديدة في التفكير التأويلي تدلل على خلود القرآن الكريم واستمراره في التدفق الدلالي، والإفراز البياني، وانفتاحه لقراءات متعددة واعية بالمعني التاريخي؛ تتيح ضروباً من الفهم والاستنباط توافق مرامي النص القرآني ومقاصده السَنية؛ ولا ريب أن طبيعة النص القرآني المتحركة تأبى الثبات والاستقرار؛ وهذا ما عبّر عنه القدماء في كذا موضع، كقول الإمام الزمخشري – رحمه الله – : (وتدبر الآيات: التّفكر فيها والتأمل الذي يؤدي إلى معرفة ما يُدبر ظاهرها من التأويلات الصحيحة والمعاني الحسنة؛ لأن من اقتنع بظاهر المتلوّ، لم يحل منه بكثير طائل، وكان مثله كمثل من له لقحة درور لا يحلبها، ومهرة نثور لا يستولدها)(1).

ومقتضى كلام الزمخشري أن الاكتفاء بظاهر النص هو تضييق لمسالك التأمل في ثراء النص القرآني وغني دلالاته؛ فالوقوف عند عتبة المتلو – على حد تعبير الزمخشري – هو قصور في الفهم وعجز عن إدراك طاقات النص القرآني التعبيرية؛ ولعل الصورة التشبيهية التي توسل بها الإمام للتعبير عن حاجة المؤول لاختراق المعهود والجاهز تكفي للتدليل على مشروعية منهج التفكر السليم الذي يفضي إلى تفجير العبارة القرآنية.

أولاً: مسلك الانضباط النصيّ في التأويل التراثيّ :

لا ريب أن الموسوعة التفسيرية الضخمة في علوم القرآن تشهد برحابة الفضاء المعرفي الذي احتضن مختلف المذاهب والطوائف الدينية؛ وهو فضاء يعكس جواً من المعارضة والمناقشة العلمية والمساجلة المعرفية؛ وهي مساجلات لم تخلُ من التوظيف الإيديولوجي والتوجيه الطائفي للنصوص القرآنية؛ ولعل من تجليات هذا الصراع المذهبي انقسام مذاهب المفسرين إلى قسمين : قسم التفسير بالمأثور مع اختلاف درجات تعلق المفسرين بمصادر الاستشهاد بالكتاب والسنة وأقوال الصحابة والقراءات القرآنية؛ وقسم التفسير بالرأي بنوعيه الممدوح والمذموم؛ وهو ما عقب عليه ابن تيمية بقوله: ( والعلم إما نقل مصدق عن معصوم، وإما قول عليه دليل معلوم، وما سوي هذا فإما مزيف مردود، وإما موقوف لا يُعلم أنه بهرج ولا منقود)(2)؛ وأغلب الظن أن القسمة الثنائية هي التي ولَّدت جدلاً مستعصياً في إمكانية إيجاد صيغة من التفسير تغرف من معين السلف الصالح؛ وفي الوقت ذاته تنفتح على النصوص مسترشدة بمعطياتها اللغوية وسياقها الحضاري والروحي؛ وهذا ما أشار إليه أحد الباحثين المعاصرين بقوله: (فانقسام مثقفي الأمة ومفكريها بين الاتجاهين الإسلامي والعلماني يعود من حيث دواعيه النظرية إلى الكفاية المتمثلة في تشديد الفئة السابقة على مصدرية الوحي المعرفية ومرجعيته القيمية وإصرار الفئة اللاحقة على كفاية العقل في توليد التصورات وإنشاء القيم) (3).

وحسبنا دليلا على معضلة تباين القدماء والمحدثين في قضية التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي الإحساس الذي صاحبَ كثيرا من مفسري القرآن من القدماء والمحدثين في الإقرار بصعوبة مسلك التفرقة ولطف مأخذها؛ وهذا ما عبّر عنه السيوطي –رحمه الله – في معرض حديثه عن بُعد ملتمس التمييز بين التفسير والتأويل بقوله: ( قد نبغ في زماننا مفسرون لو سئلوا عن الفرق بين التفسير والتأويل ما اهتدوا إليه) (4).

وظاهر كلام السيوطي – رحمه الله – أن التفرقة بين التفسير والتأويل محوجة إلى مُكنة معرفية، وعُدة تفسيرية تتجاوز حدود الجاهز في التفسير؛ وتتخطي عتبة القراءة السطحية للنص القرآني التي تكتفي بالإبلاغ والإخبار إلى معايشة علمية، ومخالطة فكرية وروحية؛ وهذا ما أشار إليه محمد حسين الذهبي – رحمه الله – قائلاً: (وكأن التفرقة بين التفسير والتأويل أمر معضل استعصي حله على كثير من الناس إلا من سعي بين يديه شعاع من نور الهداية والتوفيق) (5).

ولا نزاع في أن القراءة الهادئة المتأنية لحرص القدماء على الحسم في معضلة التفرقة بين القراءة الموضوعية، والقراءة الذاتية للنص القرآني؛ تعكس حقيقة جوهرية مفادها أن: الانحراف المعرفي الذي وقع عند بعض الطوائف المذهبية والدينية كالمعتزلة والروافض، والخوارج والمشبهة وغلاة الشيعة والمتصوفة في استنطاقها للنصوص القرآنية – وتسبب في انفراط عقد الأمة -؛ مرده إلى بعض التأويلات النافرة والتمحلات البعيدة المستكرهة التي لم تلتزم بجوهر التفرقة بين التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي؛ ووضعهما في الإطار المعرفي الصحيح الذي يراعي مقتضيات المنهجية العلمية في المقاربة، وينأي بنفسه عن التوظيف الفكري للنصوص؛ بغية خدمة السلطان على حساب البرهان، والبيان(6).

وبعبارة أكثر بياناً وإشراقاً فإن مكمن إشكالية التأويل في التراث العربي الإسلامي يُعزي أساساً إلى القراءة الموجهة المغرضة التي تتوسل بأدوات غير منهجية؛ تطمح إلى افتعال هذا التعارض المتوهم بين النقل والعقل؛ ومن الغريب الواقع أن تتكلف بعض الطوائف المذهبية في تعميق الهوة بين التفسير والتأويل؛ بيد أن النظرة التكاملية لمعضلة النقل والعقل هي التي تفضي إلى القراءة التأويلية الواعية والمنضبطة؛ وهذا ما أومأ إليه أبو حامد الغزإلى قائلاً: (بين المعقول والمنقول تصادم في أول النظر وظاهر الفكر، والخائضون فيه تحزبوا إلى مفرط بتجريد النظر إلى المنقول، وإلى مفرط بتجريد النظر إلى المعقول، وإلى متوسط طمع في الجمع والتلفيق) (7).

لقد أدرك أبو حامد الغزإلى – رحمه الله – بدرجة عالية من الوعي المعرفي أن الفريقين من المتمسكين بالمأثور والمتشبثين بالتأويل تنكبوا جادة الصواب في إدراك حقيقة مضامين النص القرآني وآليات اشتغاله؛ مما أفضي إلي: ( التطرف في تناول الدلالة، سواء أكان تعمقاً أم أخذاً ظاهريًّا فإنه يؤدي في النهاية إلى نتائج بعيدة عن مفهوم النص القرآني، وعن مهمة التأويل الصحيح من الناحية اللغوية والعقلية) (8).

ومن المقرر عند أصحاب التفسير بالمأثور أن مسلك التقيد بظاهر النص، وحرفيته هو الموصل إلى حقائقه التعبيرية والجمالية؛ وحجة النّصيين أن النقل هو الأصل والعقل تابع له؛ لصفة القصور الذاتي فيه خاصة ما ارتبط بالتأويل الاعتقادي والكلامي؛ وهو ما ذهب إليه ابن تيمية؛ وفي هذا المضمار يقول: (إذا تعارض الشرع والعقل وجب تقديم الشرع؛ لأن العقل مصدق الشرع في كل ما أخبر به، والشرع لم يصدق العقل في كل ما أخبر به، ولا العلم بصدقه موقوف على كل ما يخبر به العقل) (9).

وقد يكون لهذا التعليل الذي قدمه ابن تيمية – رحمه الله – وهو من أكثر المنكرين للتأويل – نصيب من الصحة؛ ذلك أن الإقرار بمركزية العقل في الممارسة التأويلية للنص القرآني دون الاستعانة بالنقل تجاوز غير مشروع؛وهذا ما أدركه بعض القدماء كالسيوطي الذي ذهب إلى أنه: (لا يجوز التهاون في حفظ التفسير الظاهر بل لابد منه أولاً. إذ لا يطمع في الوصول إلى الباطن قبل إحكام الظاهر، ومن ادّعي فهم أسرار القرآن ولم يُحكم التفسير الظاهر كمن ادّعي البلوغ إلى صدر البيت قبل أن يجاوز الباب) (10).

فإحكام البنية السطحية للنص القرآني مدخل محوري لاستكناه حقائقه ومكنوناته؛ وهي مرحلة أولية في كل ممارسة تأويلية وأسلوبية؛ بيد أن الوقوف عند الإطار الظاهري للنص دون الولوج في تخومه ومضايقه قد يفضي إلى القراءة الحرفية الجاهزة التي تخنق مسالكه وتحيله إلى جثة هامدة فاقدة لنبض الحياة؛ وأعتقد أن ثراء النص القرآني وكثافة مادته الدلالية واتساع مجاله اللفظي، لا تسمح بمثل هذا الضرب من القراءة التي يسميها بعض المحدثين باللاقراءة؛ ومن خصائصها الجوهرية أن النص: (تنصيص على المراد، والمعني صريح، والقول محكم، والقصد جلي) (11).

ومن هذا الطريق ثبت أن القراءة الحرفية للنص القرآني هي قراءة لا تستجيب للانعتاق والتمرد على الظاهر الذي يكفل استقامة النص، وإصابة جادته؛ وأغلب الظن أن حرص القدماء على التحوط من العدول عن الظاهر إلى الباطن دون الاستئناس بالبنية السطحية له ما يسوغه؛ ذلك أن: (هذا الموقف أمام النصوص الدينية يوحي بانطباع عن هذه الفترة يتمثل في شدة التحرج الديني عند السلف احتراماً وتقديساً للنص القرآني مما جعلهم لا يقولون بالرأي فربما يعرض الرأي إلى القول بالهوى، فقد كان النص الديني في تلك الفترة محوطاً بسياج يقفون دونه تورعاً وحيطة) (12).

وجامع القول: إنّ مسلك الانضباط النصي في التفسير التراثيّ عند الظاهريين كان يعكس حرص القدماء على الولوج في لجج التأويلات التي تستند إلى تكلفات باردة، وتعسفات جامدة؛ وذلك مع التحوط والاحتراز؛ إلا أن بعض المفسرين قد استثمروا أيضاً الترجيح المعتمد على الاستدلال؛ فالقول بأن أصحاب التفسير بالمأثور كانوا على درجة واحدة من التمسك بظاهر العبارة القرآنية قول فيه تبسيط شديد يأباه الإنصاف، ويجحده العقل؛ ذلك أن العلماء قد اختلفوا في المقدار الذي بيّنه النبي محمد e لأصحابه من المعاني اللغوية ومُشكل القرآن وغريبه؛ فلقد تفاوت الصحابة – رضي الله عنهم – في القوة الاستيعابية للنص القرآني؛ نتيجة لاختلاف المدارك والمفهوم؛ وهذا ما أشار إليه أحد المعاصرين بقوله: (منهم من كانت عبقريته في الرواية، ومنهم من كانت عبقريته في الدراية، ومنهم من كانت عبقريته في الأمرين معاً) (13).

غير أن محمد أركون أحد أقطاب القراءة الحداثية للقرآن الكريم يرى أن الفرق بين المفسر القديم والمؤرخ الفيلولوجي المعاصر أن الأول يحرص على توضيح المعاني حسب نظرية خاصة في العلاقات بين اللغة والفكر، تلك النظرية التي تقول إن ألفاظ اللغة لها مدلول خاص، معروف ومتداول لدي الناطقين بهذه اللغة ويدركه كل من يستعمل هذه اللغة إدراكًا عفويًا، بينما النظرية الحديثة للعلاقات بين اللغة والفكر تقول بأن اللغة منظومة من العلامات الصوتية وكل علامة تشير إلى صورة ذهنية قبل أن تشير إلى الشيء(14).

ولعل المستقرئ لجهود فقهاء العربية، كابن جني وابن فارس والثعالبي والجرجاني والجواليقي وغيرهم يدلل على تهافت هذا الرأي؛ ذلك أن بعض مباحث فقه اللغة التي اكتشفها ابن جني مثلاً لا تبعد كثيراً عن مبادئ دي سوسير التي أقرها محمد أركون؛ وفي هذا السياق يشير أحد المعاصرين قائلاً: (الجرجاني درس علاقات النَّظم دراسة ما زلت مقتنعاً بأنني لم أجد ما يضطرنّي إلى تعديلها – حتي جزئياً – في الدراسات الغربية) (15).

فالقول بأن المترجم المعاصر مقيد بقواعد علم الفيلولوجيا، والمفسر القديم يعتمد على ما يمكن تسميته (منطق الإيمان) قصد التوفيق والتعديل لإبراز إعجاز القرآن؛ وأنه لا يعتني بتاريخ المعجم العربي للبحث عن السياق الاجتماعي والثقافي الذي يعتمد عليه الخطاب القرآني(16)؛ قول ظاهر الفساد، واضح البطلان، ويشهد على فساده وتهافته هذه الموسوعة اللغوية والتفسيرية التي أنجزها القدماء؛ ويكفي دليلاً على ذلك أصالة مباحث أسباب النزول وعلم المناسبة وغيرهما.

ثانياً: مسلك الانفلات الدلإلى في قراءة النص القرآني:

لا مرية في أن النظر الحصيف في تاريخ الصراع بين التفسير بالمأثور، والتفسير بالرأي يهدي إلى القول بإيجاد ما يشفع لأصحاب الاتجاه الظاهري تمسكهم بحرفية النص وظاهره؛ ذلك أن ما حدث من انفلات في قراءة النص القرآني قديماً وحديثاً هزّ أركان القراءات الموضوعية؛ إذ: (رهن المعني في دلالته التاريخية مثَّل خطراً على الفكر الإسلامي، وعلى النص القرآني ذاته، إذ جرَّد كلام الله من الشهادة الخالدة على الناس والتحرك الإيجابي مع صيرورة التاريخ البشري. لقد كانت دوافع أصحاب هذا الاتجاه مفهومة، إذ واجهوا تياراً لا يقل خطورة على النص منهم، وهو تيار غالى في تجاهل المعني التاريخي وأنتج تأويلات شاذة بعيدة عن مقصدية المبدع المنـزل)(17).

ولعل مما له دلالة في هذا الصدد كثرة التأويلات المنحرفة عن المعني التاريخي للقرآن الكريم؛ وهي تأويلات تستند في عمقها إلى تكييف النص القرآني للمعتقدات المذهبية والطائفية لكي يستجيب النص لآراء أصحابها: (الذين أخطأوا في الدليل والمدلول مثل طوائف أهل البدع اعتقدوا مذهباً يخالف الذي عليه الوسط الذين لا يجتمعون على ضلالة، كسلف الأمة وأئمتها، وعمدوا إلى القرآن فتأولوه على آرائهم تارة؛ يستدلون بآيات على مذهبهم ولا دلالة فيها، وتارة يتأولون ما يخالف مذهبهم بما يحرفون به الكلم عن مواضعه) (18).

ومقتضي ظاهر كلام ابن تيمية – رحمه الله – أن النص القرآني في التراث التفسيري كان مصدراً لتأويلات غير مسؤولة لم ترق إلى مستوي النضج المعرفي؛ ولعل من تجليات هذا القصور العلمي في استنطاق النص؛ طبيعة الأدوات الموظفة في التفسير؛ وهي آليات مشبعة بالمذهبية والطائفية؛ فضلاً عن تسخير اللغة لخدمة هذه التوجهات العقائدية؛ ومن ثم توارت جماليات العبارة القرآنية خلف أسوار التحكم في النص؛ دون مراعاة مقاصده؛ والوقوف عند قدسيته وحرمته التي لا تصطدم أبداً مع استكناه مكنوناته وحقائقه الجمالية والأسلوبية؛ وأغلب الظن أن الصراع السياسي بين مختلف الطوائف الإسلامية آنذاك ولّد هذا الاحتقان في التنافس على الخطاب القرآني بوصفة معيناَ لكل هذه الصراعات الكلامية والفلسفية التي جنت على القيمة الفنية والإعجازية للقرآن الكريم؛ غير أن المستقرئ للقراءات المعاصرة للقرآن يلفي أنها تجاوزت حدود هذه الطوائف المبتدعة كالخوارج والباطنية والبهائية والإمامية الاثنا عشرية وغيرها إلى فضاءات معرفية ترتبط أساساً بهذا الانفجار المعرفي الحاصل في مجال الدراسات النقدية المعاصرة؛ خاصة مع ظهور المقاربات البنيوية والأسلوبية والسيميائية ونظريات التلقي وغيرها؛ حيث استعانت ببعض هذه المنهجيات النقدية المعاصرة في استنطاق النص القرآني؛ دون مراعاة خصوصية الخطاب القرآني؛ فتناسلت المقاربات لدرجة يصعب معها الاهتداء إلى روح النص وجوهره؛ ذلك أنها هزّت أركان المعرفة العلمية بدورانها في فلك الدائرة التأويلية؛ إذ: (لا توجد ذات قصدية وواعية تكون مرتكزاً للعملية التاويلية، ولا توجد موضوعات خارجية مستقاة عن هذه الذات، ولكن كل ما هنالك منظورات متباينة ومتزاحمة، أي عملية من التأويلات المتناسلة التي لا نهاية لها … وذلك لأن الوجود – في نهاية الأمر – ليس إلا إعراضاً وسطوحاً لا ماهية لها) (19).

ولا جرم أن التأمل الحاد في جوهر هذه المقاربات النقدية المعاصرة يقتضي منا معاودة النظر في كثير من المسلمات التي تم الاعتداء عليها من قبل دعاة الانفتاح المطلق للقراءة؛ وهو إنفتاح يعكس الفوضي العارمة التي خيمت على مناهج تحليل الخطاب القرآني؛ فاستحال النص الديني إلى مدونة تمارس عليها المقاربات الغربية مختلف أشكال الاستنطاق والقسر والإجبار؛ مسترشدة بفلسفة إنعدام المعرفة اليقينية، والتأويلات اللامتناهية؛ وقد أدرك كثير من المشتغلين بالدراسات التأويلية العربية حجم الفوضى التأويلية التي عبّر عنها أحد الدارسين المعاصرين بقوله: (تقودنا فوضى القراءة إلى الشك في كل شيء في نهاية الأمر، وهو ما يعيدنا مرة أخري إلى ارتباط نظريات التلقي الجديدة، التي لا تقول بتعدد قراءات النص الواحد، بل بلا نهائيتها، باستحالة المعرفة اليقينية) (20).

وقليل من الأمثلة يغني عن الإفاضة في كشف جوهر القراءات الحداثية للنص القرآني ليجد المتأمل فيها ملامح وتجليات غياب كل مرتكزات النص؛ انطلاقاً من مؤلفه إلى بنيته النصية إلى إطاره الحضاري والروحي؛ وهذا ما أقَّره أحد كبار الحداثيين العرب بقوله: (فالنص القرآني يستمد خصائصه النصية المميزة له من حقائق بشرية دنيوية، اجتماعية ثقافية لغوية في المحل الأول. إن الكلام الإلهي المقدس لا يعنينا إلا منذ اللحظة الأولي التي نطق به محمد فيها باللغة العربية) (21).

ومن الثابت في العقول والقائم في النفوس أن الدعوي المجردة غير مقبولة بإجماع العلماء؛ وكان الأحرى بهذا الباحث أن يجري مجرى التثبت والاحتياط أولى من هذا الافتراء البارد؛ ذلك أن ربط النص القرآني بالإطار المادي التاريخي والثقافي؛ يخفي حقيقة مصدر التنـزيل؛ ومن ثم يفقد القرآن قدسيته وحرمته وإعجازه؛ وهذا مخالف باتفاق أهل التحقيق من علماء الإعجاز؛ لأن مخالفة النظم القرآنّي ومغايرته لنَظْمِ البشر وبلاغتهم، مما هو معروف عند ذوي الصناعة والاختصاص؛ وفي هذا السياق يقول شيخ البلاغيين عبد القاهر الجرجاني – رحمه الله -: (وغلطُ الناس في هذا الباب كثير. فمن ذلك أنك تجد كثيراً ممن يتكلم في شأن البلاغة، إذا ذكر أن للعرب الفضل والمزية في حسن النظم والتأليف …، وهو خطأ عظيم وغلط مُنكَرٌ يُفضي بقائله إلى رفع الإعجاز من حيث لا يعلم. وذلك أنه لا يثبتُ إعجاز حتي تثبت مزايا تفوق علوم البشر، وتقْصُرْ قوى نظرهم عنها، ومعلوماتٌ ليس في مُنن أفكارهم وخواطرهم أن تفضي بهم إليها، وأنْ تطلعهم عليها، وذلك محال فيما كان عِلمًا باللغة؛ لأنه يؤدي أن يَحْدثَ في دلائل اللغة ما لم يتواضع عليه أهل اللغة، وذلك ما لا يخفي امتناعه على عاقل) (22).

ولا غرو من اطّراح التعويل على قراءة بعض الحداثيين التي تلغي كل ما أثر من التفسير عن النبـي e والصحابة والسلف؛ بيان ذلك أن هدفهم فهم القرآن فهماً مجرداً عن الأصول النقلية وضوابط التفسير بالمأثور؛ وهذا استناداً إلى مقولة انتفاء القصدية؛ واختفاء كل مسلمات النص، ذلك: (أن قصد المؤلف غير موجود في النص، والنص نفسه لا وجود له. وفي وجود ذلك الفراغ الجديد الذي جاء مع موت المؤلف وغياب النص تصبح قراءة القارئ هي الحضور الوحيد. لا يوجد نص مغلق ونهائي، لا توجد قراءة نهائية وموثوق بها، بل توجد نصوص بعدد قراء النص الواحد، ومن ثم تصبح كل قراءة نصًّاً جديدًاً مبدعًاً) (23).

وليس من الغرابة ان نجزم بأن هذا التناسل المزعوم في قراءة النص القرآني؛ قصد توسيع معانيه وكشف المسكوت عنه يخفي هوس التدمير والإعتداء على حرمة النص القرآني وقداسته؛ بيان ذلك أن النص الواحد الذي يستجيب لقراءات لا نهائية؛ فيه كثير من التبسيط الذي يتجاهل الفوارق الجوهرية بين النص القرآني وغيره من النصوص المتداولة؛ والواقع أنه ليس من قبيل المبالغة القول: إن ما يسمى بالقراءة المعاصرة للنص القرآني هو في جوهره مسلك لا يساعد إطلاقاً على نضج العملية التأويلية بقدر ما يفضي إلى تسيّبها وتلاشيها واندثارها؛ لأن قراءة السلف الصالح – على ما فيها من تضييق لمسالك النظر والتأويل – إلا أنها أضافت إلى صرح الممارسة التأويلية إضافات معرفية، وإضاءات منهجية صعبة المرتقي، بعيدة المهوي؛ وهذا لا يمنع في الوقت ذاته من استشراف مناهج العلوم الألسنية والأسلوبية والسيميائية في مقاربة النص القرآني مقاربة تنسجم مع مقاصد المؤلف وتراعى خصوصيات العبارة القرآنية.

ثالثاً: نماذج من مسلك الانفلات الدلالى في بعض القراءات المعاصرة للنص القرآني:

إن دراسة واعية مسؤولة لبعض النماذج التأويلية المعاصرة للنص القرآنيّ تدلل على أن الممارسة التأويلية عند بعض دعاة الحداثة محوجة إلى مراجعة نقدية أصيلة؛ لما فيها من الاضطراب المنهجي والتعدي على أصول العربية وضوابطها وقوانينها في استنطاق النص؛ ويكفي للتدليل على هذا الانحراف بعض تخريجات الباحث محمد شحرور لبعض الآيات القرآنية في سورة النور ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور:31)؛ إذ يقول: (والجيب كما نعلم هو فتحة لها طبقتان لا طبقة واحدة، لأن الأساس في (جيب) هو فعل (جوب) في اللسان العربي له أصل واحد وهو الخرق في الشيء ومراجعة الكلام (السؤال والجواب) فالجيوب في المرأة لها طبقتان أو طبقتان مع خرق وهي ما بين الثديين وتحت الثديين وتحت الإبطين والفرج والإليتين هذه كلها جيوب، فهذه الجيوب يجب على المرأة المؤمنة أن تغطيها لذا قال: ﴿وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ (النور:31) (24).

لا يحتاج الأمر إلى أكثر من مراجعة بسيطة لبعض التفاسير المعتبرة للتدليل على تهافت هذه القراءة وسقوطها؛ فهي قراءة ظاهرة الفساد، واضحة البطلان؛ ولعل مصدر الزلل في تفسيرها مجانبة الباحث لتخريج كلمة (جيب) لأنها لا توافق ما استقر في المعاجم العربية؛ فضلا عن شذوذها عن المصادر النقلية والعقلية في التفسير؛ وفي هذا المقام ردّ أحد الباحثين المعاصرين على هذا التخريج؛ نري من الضروري التطرق إليه؛ إذ يقول مساعد الطيار: (وهذا الكلام فيه اعتداء على العربية وادّعاء عليها في معني الجيوب، لأن المعني الذي ذكره للجيب (فتحة لها طبقتان) معنًى حادث، وكأنه أخذه من المعنى الدارج بين العامة وهو تسمية المخبأة جيب) (25).

ولعل مما له دلالة في هذا الصدد تفسير محمد شحرور لسورة القدر؛ الذي تجاوز فيها ما أستقر في التفاسير المأثورة وغيرها؛ وخالف معهود العرب ومألوفهم في التعبير؛ إذ يقول: (ليلة القدر خير من ألف شهر) وهنا الشهر لا تعني الشهر الزمني كأن تقول ألف شهر أي 83 سنة وثلث، أما إذا فهمناها عل أنها الشهرة، والإشهار فيتطابق المعنى مع مفهوم الإنزال) (26).

وواضح من كلام الباحث محمد شحرور أن المدة الزمنية ليست مقصودة في العبارة القرآنية؛ وإنما دلالة الإشهار هي محل الاعتبار؛ مع أن الأحاديث النبوية الصريحة والصحيحة في باب الفضائل والحث على الرباط في سبيل الله الذي يتجاوز في الأجر ألف ليلة من العبادة له دلالة في هذا السياق.

وقريب من هذا ما ذكره محمد شحرور في قراءته المعاصرة لقوله تعال ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ)﴾ (النور:31)، بجواز رؤية المحارم المرأة عارية؛ ولم يحدد إطلاقاً المراد بلفظة (عارية)، وما حدود الزينة الظاهرة شرعاً ؟ يقول الباحث: (قد يقول البعض: هذا يعني أن المرأة المؤمنة يحق لها أن تظهر عارية تماماً أمام هؤلاء المذكورين أعلاه والمذكورين في نص الآية. أقول: نعم يجوز إن حصل ذلك عَرَضاً، وإذا أرادوا أن يمنعوها فالمنع من باب العيب والحياء (العرف) وليس من باب الحرام والحلال لأنه شملهم مع الزوج. أي إذا شاهد والد ابنته وهي عارية فلا يقول لها: هذا حرام ولكنه يقول لها هذا عيب)(27).

إن هذا الاستنتاج الذي خلص إليه الباحث لا يخلو من العجلة؛ وكان لزاماً عليه أن يستظهر آراء المفسرين وذوي الشأن؛ خاصة أن الأمر يتعلق بمسألة تشريعية بحتة؛ والخوض في هذه المسائل يحتاج إلى أناة وصبر؛ وليس بخافٍ ما قد توحي به عبارة (عارية) التي تعمد الباحث في تركها غائمة عائمة دون تفصيل؛ ولا ريب أن هذه الكلمة هي المولدة والمستقطبة لهذا الاستنباط الشرعي؛ بيان ذلك أن المراد من قوله تعالى ﴿وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ (النور:31) المحافظة على ستر المرأة وصونها مما يخدش وجه العفة والحياء والعِرض؛ كما أن القرآن الكريم حددَ المسموح من مواقع الزينة؛ وبيّن مقداره؛ وذلك ما ذهب إليه الإمام الزمخشري في تفسير الآية قائلاً: (وذكر الزينة دون مواقعها: للمبالغة في الأمر بالتصوّن والتستر، لأن هذه الزينة واقعة على مواضع من الجسد لا يحل النظر إليها لغير هؤلاء، وهي الذراع والساق والعضد والعنق والرأس والصدر والأذن، فنهي عن إبداء الزينة نفسها…. وهذا معني قوله: ﴿إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا﴾ يعني إلا ما جرت العادة والجبلة على ظهوره والأصل فيه الظهور، وإنما سومح في الزينة الخفية أولئك المذكورون لما كانوا مختصين به من الحاجة المضطرة إلى مداخلتهم ومخالطتهم، ولقلة توقع الفتنة من جهاتهم. ولما في الطباع من النفرة عن مماسة القرائب، وتحتاج المرأة إلى صحبتهم في الأسفار للنزول والركوب وغير ذلك) (28).

ومقتضي كلام الزمخشري أن المسموح به في إبداء الزينة سبعة أعضاء كما سبق؛ وشتان بين أن يري المحارم المرأة عارية كما تقدم ذكره في تفسير محمد شحرور؛ وبين أن تبدي ما حدده الشرع من الظهور لحاجتين تجيز هذا الظهور:

أولاهما: حاجة اجتماعية تتعلق بمخالطة المرأة للمحارم.

وثانيهما: لحاجة نفسية ترتبط بالفطرة الإنسانية والجبلة البشرية في استحالة الاعتداء على المحارم؛ إلا عند ذوى النفوس المريضة؛ والعقول العليلة.

ولعل من أبرز أقطاب القراءة المنفلتة عند بعض الحداثيين العرب قراءة نصر حامد أبو زيد لكثير من آيات القرآن الكريم؛ وهو باب يطول استقصاؤه، وتكفي الإشارة إلى بعض المواطن للتدليل على تهافت قراءته؛ وهي قراءة لن يكتب لها الاستقرار؛ لأنها تفتقد إلى السند الوثيق؛ وينقصها التحقيق؛ وفي هذا المضمار يقول الباحث في تفسير قوله تعالى: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ﴾ (العلق:1): (الأمر بالقراءة هنا أمر بالترديد، و(اقرأ) معناها (ردّد) وذلك على خلاف الفهم الشائع حتي الآن والمستقر نتيجة تطور دلالة الفعل (اقرأ) مع تطور مماثل في إطار الثقافة أدي إلى تحويلها من الشفاهية إلى التدوين) (29).

ولا جدال في أنّ التوسل بأمهات التفسير في تخريج الآية الكريمة يقودنا إلى أن مفهوم القراءة المراد من الآية يختلف اختلافاً جوهرياً عن دلالة القراءة في التصور الحداثي المعاصر لتفسير القرآن الكريم؛ لأن القراءة كما يريدها دعاة الحداثة هي خلق جديد للنص من خلال حرية القارئ المطلقة في التصرف فيه؛ غير أن القراءة المرادة في الآية السابقة كما تقّر بذلك تفاسير القرآن المعتبرة هي: الوحي المنـزل على النبي r؛ وهو الأميّ الذي لا يكتب ولا يقرأ؛ ومن زعم خلال ذلك فقد أعظم القول على الله تعالي؛ وفي هذا السياق رّد أحد المعاصرين على نصر حامد أبو زيد الذي فسَّر القراءة بالترديد؛ مدرجاً إياها ضمن القراءة بالمفهوم الفونولوجي للكلمة: (إنه أثبت أن هذا المعني خلاف الفهم الشائع، ولو سار قوم على مذهبه هذا لخرج لكتاب الله تفسيرات كتفسيرات الباطنية لا مرجع لها إلا فهم القارئ للنص، وهو حر في فهمه، وهذا خطر عظيم وداء جسيم) (30).

كما نجد من القراءات المعاصرة للآية السابقة ما ذكره حسن حنفي من معنًى للقراءة لا ينسجم مع سبب نزول الآية وسياقها الدلالي؛ حيث يري أن كلمة (اقرأ) الواردة في أول آية من سورة العلق تعني الإدراك والفهم؛ وهو مفهوم منافِ لما استقر في المنظومة التفسيرية للآية الكريمة؛ وفي هذا المضمار يقول: (فالقراءة هي الذات والنص هو الموضوع. وإن أول سورة نزلت في القرآن هي (اقرأ) كفعل أمر، ولما كانت الإجابة (ما أنا بقارئ) أي القراءة بمعني مخارج الحروف وإصدار الأصوات بالفم بعد التعرف على الحروف بالعين ثم تصحيح هذا المعني الصوتي بمعني آخر هو (افهم) في اقرأ باسم ربك الذي خلق… أي افهم وأدرك وتصور. فالقراءة نطق،والنطق بداية الوعي باعتباره فهماً) (31).

وجليّ من خلال تخريج الباحثين لكلمة (اقرأ) أن نصر حامد أبو زيد يربط دلالة الكلمة بالترديد، وهذا يوحي بدلالة تسميع المحفوظ؛ وهو منافٍ لرد المصطفي r في الرواية الصحيحة (ما أنا بقارئ)؛ وحسن حنفي يعزو دلالة القراءة إلى التصور والإدراك؛ وكلاهما بعيد عن جوهر القراءة وما هيتها كما أرادها القرآن الكريم؛ وفي هذا الشأن يقول ابن كثير – رحمه الله -: (فأول شيء نزل من القرآن هذه الآيات الكريمات المباركات وهنّ أول رحمة رحم الله بها العباد وأول نعمة أنعم الله بها عليهم، وفيها التنبيه على ابتداء خلق الإنسان من علقة وأن من كرمه تعالى أن علم الإنسان ما لم يعلم فشرَّفه وكرَّمه بالعلم وهو القدر الذي امتاز به أبو البرية آدم على الملائكة، والعلم تارة يكون في الأذهان، وتارة يكون في اللسان وتارة يكون في الكتابة بالبنان ذهني، ولفظي، ورسمي) (32).

وأغلب الظن أن انفلات القراءة المعاصرة من عقال الأصول النقلية المأثورة؛ والتي يراها دعاة الحداثة قيداً يحول دون انطلاق التأويل إلى فضاءات معرفية حرة طليقة اليد؛هو الذي أنتج هذه التفسيرات الممجوجة التي تغفل المعجم التاريخي لأسباب النزول؛ ومن ثم فإن التفسير بالمأثور والتفسير بالرأي الراجح والذي يشهد على توهج معرفي يُعد في نظر الحداثيين مبالغة في عرض مسألة التأويل على نحو لا يؤدي إلى الإقناع؛ بل إن نصر حامد أبو زيد يرى في هذه الموسوعة التفسيرية الضخمة أنها جمدت النص القرآني، ولم تساعد على نمو التفكير العقلاني المستنير الذي يتصرف في نص بلغ درجة من الكفاية اللغوية تصرفاً منفلتا متميعاً؛ يفضي إلى تأويلات لا تبعد عن بعض تأويلات الخوارج وغلاة الشيعة والصوفية؛ غير أن عين الإنصاف ترى في هذه الموسوعة إضافة معرفية وإضاءة نوعية على ما في هذه التفاسير من مآخذ – كما أسلفنا -؛ حجته في ذلك إنكار الوجود الأزلي للقرآن الكريم في اللوح المحفوظ؛ ذلك أنه يري أن: (التصورات الأسطورية المرتبطة بوجود أزلي قديم للنص القرآني في اللوح المحفوظ باللغة العربية ما تزال تصورات حية في ثقافتنا؛ وذلك لأن الخطاب الديني يعيد إنتاجها بشكل متكرر عبر قنواته التعبيرية) (33).

لا يسع منصفاً أن يرى هذا الرأي في غاية الفساد والسقوط؛ ذلك أن نفي مفهوم الأزلية عن النص القرآني لا يفتح بحال دلالته على آفاق معرفية راقية؛ بل إن إثبات هذا الوجود الأزلي شرعاً وعقلاً هو مصدر الإعجاز ومكمن الكفاية اللغوية والمعرفية؛ وقد صدق الله تعالى؛ إذ يقول: ﴿بَلْ هُوَ قُرْآنٌ مَّجِيدٌ فِي لَوْحٍ مَّحْفُوظٍ﴾ (سورة البروج: 21-22).

رابعاً: عقلنة الممارسة التأويلية وانضباطها:

لا نزاع في أن قصور بعض مناهج العلوم الإنسانية والاجتماعية المعاصرة عن إنجاز قراءات أمينة راشدة للنص القرآني؛ حرّك دواعي البحث والتنقير عن آليات تعصم المؤول من الوقوع في زيغ التأويل المكروه والممجوج؛ ولعل حجم الاعتداء المعرفي الذي وقع على النص القرآني من قبل بعض المقاربات النقدية دفع بأصحاب الشأن إلى وضع قيود تحول دون تجاوز الحدود؛ وفي هذا السياق: (أدى البروز القوي لنظريات التلقي والتأويل واستقواء الاتجاهات التداولية في المجال الألسني إلى إعادة الاعتبار مرة أخرى لأهمية – بل لضرورة – تحديد ضوابط للتأويل تعصم المعنى من الذوبان، وتحد من سلطة القارئ في إملاء أهوائه وميوله على النص)(34).

ولكن ما هو قمين بالانتباه أن الحديث عن الضوابط في قراءة النص القرآني لا ينبغي أن يفهم في إطار تضييق مسالك النظر والتأمل؛ بل إن ثراء مادة الوحي وخصوبتها هي التي تسوغ هذا الانضباط حتى لا يقع الانفلات؛ ويمكننا أن نبيّن بوضوح معالم هذه الضوابط في الآليتين الآتيتين:

1-  حاجتنا إلى التأويل المنفتح والمنضبط: لا ريب أن القراءة المنفتحة هي القراءة التي تفضي إلى إثراء النص وتوسيع نطاقه الدلالي؛ وبالتالى تقودنا إلى توسيع طاقات العبارة القرآنية؛ بيان ذلك أن لفظ الانفتاح لا يعني الانفلات من أسر اللغة، وعبثية القراءة وتناسلها ولا نهائيتها، وإنما التسلح بالوعي التأويلي باعتباره إطاراً مرجعياً للقراءة الأسلوبية(35)؛ وقد عبّر مصطفى ناصف تعبيراً راقياً عن مفهوم الثراء، لا تثريب علينا من الاستشهاد به في هذا المقام؛ إذ يقول: (الضوابط هي أدوات الثراء، وصلاحيته للحياة ومقاومة العدوان. لقد افترض الباحثون المتقدمون أن كل إخلال في تأويل كلمة عدوان على الجماعة والماضي والحاضر، عدوان على الثراء. الثراء إذن له قوانين ومن هنا كان مبدأ الترجيح بين التأويلات) (36).

ولا مشاحة في أن خصوبة النص القرآني، وغني وسائله التعبيرية هو الذي فتح مجال التأمل الراشد، والتبصر الواعي في دواخل النص القرآني؛ وهو تحرك اقتضته الحكمة الإلهية التي استوجبت تنافس البشر وتدافعهم في طلب المعرفة؛ ذلك أن الاكتفاء بالجاهز قد يعطل من المدارك الإنسانية، ويقضي على سنة التطور والاختلاف؛ وهو ما أشار إليه الجاحظ – رحمه الله -: (ولو شاء الله أن ينـزل كتبه ويجعل كلام أنبيائه وورثة رسله لا يحتاج إلى تفسير لفعل، ولكنا لم نر شيئاً من الدين والدنيا دُفع إلينا على الكفاية، ولو كان الأمر كذلك، لسقطت البلوى والمحنة وذهبت المسابقة والمنافسة(37).

ولا غرو من أن التأويل بهذا المفهوم الجاحظيّ يعني من وجوه: اختبار العقل البشري؛ والتمييز بين مختلف الشرائح البشرية في الإدراك الإنساني؛ ذلك أن النص المكشوف الذي لا يتجاوز عتبة الإخبار يستوي في فهمه عامة الناس؛ وبهذه المساواة تختفي القراءة الإبداعية، وتهيمن القراءة الخطية التي لا تفضي إلى إنتاج المعرفة الإنسانية.

ومن ثم فالانفتاح الواعي على معاني النص هو الذي يسوغ مشروعية القراءة الحضارية الأمينة؛ويدحض حجة القائلين بالانفتاح اللانهائي للنص؛ قصد الإساءة إليه؛ وهذا ما أقرّه أحد كبار المهتمين بالدراسات التأويلية في الغرب؛ إذ يقول أمبرتو إيكو: (إن النص المفتوح يبقي نصاً، يبعث قراءات لا نهائية، وهذا لا يعني أنه يسمح بأي قراءة ممكنة) (38).

(un texte “ouvert” reste un texte , et un texte suscité d’infinies lectures sans pour autant autoriser n’importe quelle lecture possible).

وظاهر كلام أمبرتو إيكو أن التأويل ممارسة مسؤولة تراعي فيها خصوصية التعبير اللغوي؛ هذه الخصوصية هي التي تجعل المؤول يكشف النقاب عن مكنوناته، ولطائفه وأسراره؛ من خلال مراعاة مقاصد المرسل والنص الذي يُعد علامة بارزة في العملية التأويلية؛ وقد أبرزَ إيكو مركزية النص في الممارسة التأويلية قائلاً: (ليس صحيحاً بأن كل القراءات مقبولة، بعضها خاطئة؛ ذلك أن بعض التأويلات تمسك وبعمق أكثر من غيرها ببنية النص)(39).

(Il nést pas vrai que toutes les lectures soient également valables, certaines sont assurément erronées…certaines interpretations saisissent plus profondément que d’autres la structure d’un texte).

  1. 1. الممارسة التأويلية المنتجة للمعنى ضرورة معرفية وحضارية:

يلاحظ المستقرئ للمقاربات النقدية المعاصرة أنها تسعي إلى تغييب النص، وقطعه عن إطاره الروحي والثقافي والإنساني؛ ذلك أن النص في تصورهم ليس حقيقة موضوعية؛ وهذا قصور في الفهم وعجز عن إدراك حقيقة العملية التأويلية؛ لأن: (النص ممارسة ذات معنى وليس فعلاً مجانياً) (40).

إذن ليس النص القرآنيّ منفتحًاً انفتاحاً مطلقاً على قراءات تناسلية لا محدودة؛ وإنما ينبغي مراعاة السياق التاريخي والنصيّ والدلالي؛ ولا تثريب على المؤول إن تذرع بما جادت به المعارف الإنسانية من فلسفة، ومناهج مقاربة وأدوات إجرائية، ومنهجية تكشف عن عالمية القرآن الكريم، وإشعاعه الرباني المتجدد؛ لأنه: (ينبغي أن نسلم أن لا وصول إلى النصوص الأصلية على الوجه الذي أنشأها به أصحابها ولا على الوجه الذي أدركها به المعاصرون لهم، أي السلف الصالح، إلا عبر طبقات من التجربة وشبكات من المعرفة متأخرة عن عصر هذه النصوص) (41).

وحاصـل الأمر: أنّ سمـو النص القـرآني وخلوده يكمن في قراءاتـه المتجددة الكاشفة عن تعبيره الوامض، وإيحائه المعبّر؛ ولعل مما يعطي مشروعية هذا التعدد طبيعة النص الخلاقة التي تستجيب لاستنطاق منهجي رشيد؛ ولا ضير في التوسل بالعلوم الألسنية والسيميائية والأسلوبية؛ شريطة أن تكيف وفق منطق النص القرآني، وتراعي مقاصده وغاياته؛ بيان ذلك أن الكف عن التأويل أو الاكتفاء بظاهر العبارة القرآنية قد يحجب عنا مسالك الاختلاف مع النص؛ وهو اختلاف أقرّه الشرع والعقل متي توافرت شروط الممارسة التأويلية الهادئة غير المستفزة التي تحكمها الذاتية والهوي والتسلط.

الهوامش

(1) الزمخشري، تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنـزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الطبعة الأولى، مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم المقدسة، إيران 1414 هـ، الجزء الثاني، ص90. واللقحة الدرور: الناقة الحلوب الغزيرة اللبن، والمهرة: ولد الفرس.

(2) ابن تيمية، كتاب مقدمة في التفسير ضمن مجموع فتاوى شيخ الإسلام أحمد بن تيمية، جمع وترتيب عبد الرحمان بن محمد بن قاسم، المكتب التعليمي السعودي بالمغرب، المجلد الثالث عشر، ص329-330.

(3) لؤي صافي، الوحي والعقل بحث في إشكالية تعارض العقل والنقل، مجلة (إسلامية المعرفة)، السنة الثالثة، العدد الحادي عشر، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ماليزيا، شتاء 1418هـ/1998م، ص49-50.

(4) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، قدم له وعلق عليه محمد شريف سكر، راجعه مصطفي القصاص، الطبعة الأولى، دار إحياء العلوم، بيروت، 1407هـ – 1987م، الجزء الثاني، ص 489.

(5) محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، مكتبة وهبة، القاهرة،ط4، 1988، الجزء الأول، ص20.

(6) خليق بالإيماءة في هذا المقام التنويه بالدراسة الموضوعية التي أنجزها العلامة يوسف القرضاوي – حفظه الله ورعاه – حيث تطرق إلى مختلف الطوائف المذهبية في التراث العربي الإسلامي التي تناولت معضلة تأويل النص القرآني؛ مستعرضاً أهم أصولها المعرفية والفكرية منتقداً لبعضها في الوقت ذاته؛ وبعد مسح تاريخي مُركز لتأويلات الفلاسفة والصوفية وغلاة الشيعة والمتكلمين وغيرهم خلص إلى الرأي الراجح الذي يعد خلاصة معرفية للتأويل الصحيح المستقيم والمنضبط بضوابط العقل والنقل؛ إذ يقول: (وأنا أرجح رأي السلف – وهو ترك الخوض في لجج التأويل، مع تأكيد التنـزيه – فيما يتعلق بشئون الألوهية، وعوالم الغيب والآخرة، فهو المنهج الأسلم، إلا ما أوجبته ضرورة الشرع أو العقل أو الحس، في إطار ما تحتمله الألفاظ، وفيما عدا ذلك، فلا مانع من التأويل بشروطه وضوابطه، إذا كان هناك موجب للتأويل). يوسف القرضاوي، من محاذير التفسير: سوء التأويل. مجلة (إسلامية المعرفة)، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، السنة الثانية، العدد الثامن، ذو الحجة 1417هـ / 1997، ص 120.

ولا شك أن نص الشيخ الجليل يوسف القرضاوي فيه شيء من خفاء يقتضي بعض التدبر والتأمل؛ ويحتاج إلى قدر كبير من الأناة؛ ذلك أن ترك الخوض في الممارسة التأويلية على إطلاقه ليس صحيحاً؛ وإنما الحذر من الولوج في الآيات ذات الحساسية العقدية والكلامية؛ وهذا المنحي هو منشأ الصراع بين مختلف الطوائف والفرق والنِحل في التراث الإسلامي؛ وهو حذر له ما يسوغه بالنظر إلى حجم المأساة الإنسانية التي يعيشها العالم الإسلامي المعاصر جراء القراءة المغرضة للنص القرآني؛ ولعل الانهيار المعرفي والأخلاقي الذي نعايشه يشهد بذلك؛ والمستقرئ للتراث التفسيري للقدماء يجد سندا لهذا الاحتراز الذي عبّر عنه يوسف القرضاوي؛ وفي هذا السياق يقول ابن قيم الجوزية في عبارات حاسمة حازمة:

(فأصل خراب الدين والدنيا إنما هو من التأويل الذي لم يرده الله ورسوله بكلامه ولا دل عليه أنه مراده، وهل اختلفت الأمم على أنبيائهم إلا بالتأويل؟ وهل وقعت في الأمة فتنة كبيرة أو صغيرة إلا بالتأويل؟ فمن بابه دخل إليها، وهل أريقت دماء المسلمين في الفتن إلا بالتأويل). ابن قيم الجوزية، أعلام الموقعين عن رب العالمين، تحقيق وضبط عبد الرحمان الوكيل، دار الكتب الحديثة، الجزء الرابع، ص 316.

(7) أبو حامد الغزالي، قانون التأويل ضمن مجموعة رسائل الإمام الغزالى، وضع حواشيه وخرج أحاديثه وقدم له أحمد شمس الدين، ط1، دار الكتب العلمية، بيروت، لبنان، 1409هـ – 1988، ص123.

(8) السيد أحمد عبد الغفار، ظاهرة التأويل وصلتها باللغة، دار المعرفة الجامعية، الإسكندرية، ص154.

(9) درء تعارض العقل والنقل، تحقيق محمد رشاد سالم، جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، المملكة العربية السعودية، ط1، 1399هـ- 1979، ص138.

(10) السيوطي، الإتقان في علوم القرآن، الجزء الثاني، ص523. ولا نزاع في أن ظاهر النص القرآني هو الأصل والمعتمد وعليه مدار الطلب في التفسير والتأويل؛ غير أن هذا الاحتراز من مجاوزة الظاهر إلى الباطن ينبغي أن يُفهم في إطار التدرج في الكشف الأسلوبي عن الخصائص التمييزية للنص القرآني؛ وهو ما أشار إليه السيوطي ذاته: (قال العلماء يجب على المفسر أن يتحرى في التفسير مطابقة المفسّر، وأن يتحرز في ذلك من نقص لما يُحتاج إليه في إيضاح المعني، أو زيادة لا تليق بالغرض، ومن كون المفسّر فيه زيغ عن المعني وعدول عن طريقة).

الإتقان في علوم القرآن، الجزء الثاني، ص523-524. ولا جرم أن سلطان العبارة النافذ قد لا يكفل استقامة المعني؛ لأن غياب التدقيق في انتقاء الألفاظ الخادمة للمعاني يشيع الفساد في التأويل والاستبداد بالرأي.

(11) على حرب، قراءة ما لم يُقرأ (نقد القراءة)، مجلة (الفكر العربي المعاصر)، العدد 60/61، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، جانفي فيفري، 1989، ص43. للإحاطة الشاملة بأهم مقومات القراءة الحرفية ينظر المرجع نفسه، ص44.

(12) السيد أحمد عبد الغفار، ظاهرة التأويل وصلتها باللغة، ص32. ينظر المرجع نفسه، ص68. للوقوف بشكل مفصل ودقيق على نماذج لتأويلات ممجوجة منحرفة نافرة. ينظر على وجه الخصوص:

*ابن قتيبة، تأويل مختلف الحديث، ط كردستان العلمية، القاهرة، 1362هـ ، ص15.

*ابن قتيبة، الاختلاف في اللفظ والرد على الجهمية والمشبهة، تحقيق محمد زاهد، ط السعادة، القاهرة، 1349، ص12-16-17-33.

*أمالى السيد المرتضي، تحقيق محمد السيد النعساني، ط الخانجي، القاهرة، 1907م، الجزء الثالث، ص 46-47. ففي هذه المواطن ما هو قرة عين الناظر .

*يوسف القرضاوي، من محاذير التفسير: سوء التأويل، مجلة إسلامية المعرفة، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، السنة الثانية، العدد الثامن، ذو الحجة 1417هـ / 1997، ص 120-121-122-123-124-125-126-127-128-….،،144 ففي هذه الصفحات تفصيلات شافية وفاضلة عن الكفاية.

*تفسير القرآن الكريم الشهير بتفسير المنار، محمد رشيد رضا، الجزء الثالث، الطبعة الثانية، دار المعرفة للطباعة والنشر، بيروت، لبنان.

(13) صبري المغولي، منهج أهل السنة في تفسير القرآن الكريم، ط دار الثقافة والنشر والتوزيع، القاهرة، 1986م، ص 69. ومن الغريب الواقع أن ابن تيمية يرى في تفسير صحابة رسول الله e المعتمد ومدار الطلب؛ والعدول عن تفسيراتهم بدعة؛ مع إقراره بأحقية الاجتهاد؛ وفي هذا السياق يقول ابن تيمية – رحمه الله  : (من عدل عن مذاهب الصحابة والتابعين وتفسيرهم، إلى ما يخالف ذلك، كان مخطئًا في ذلك، بل مبتدعاً وإن كان مجتهداً مغفوراً له خطؤة). مقدمة التفسير، ص91. غير أن المستقرئ للأصول النقلية يلفي أن الصحابة كانوا يتفاوتون في فهم معاني القرآن؛ وهذا ما أشار إليه أحد الباحثين المعاصرين بقوله: (إن الرسول e بيّن الكثير من معاني القرآن؛ لأصحابه، كما تشهد بذلك كتب الصحاح، ولم يبين كل معاني القرآن؛ …. وإن مما يؤيد أن النبي e لم يفسر كل معاني القرآن، أن الصحابة رضوان الله عليهم أجمعين، وقع بينهم الاختلاف في تأويل بعض الآيات، ولو كان عندهم فيه نص عن رسول e ما وقع الاختلاف، أو لارتفع بعد الوقوف على النص). محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، الجزء الأول، ص55-56.

(14) ينظر في هذا الخصوص كتاب محمد أركون Mohammad Arkoun, lectures du coran , Paris,1982.

(15) كمال أبو ديب، مجلة (فصول)، الأسلوبية، ندوة العدد (الأسلوبية)، وقد عقدت هذه الندوة ضمن (مهرجان شوقي وحافظ) الذي أقيم بالقاهرة، عام 1982، العدد الأول، المجلد الخامس، القاهرة، 1984م، ص224. وإلى المعني ذاته أشار محمد مندور قائلاً: (مذهب عبد القاهر هو أصح وأحدث ما وصل إليه علم اللغة في أوربا لأيامنا هذه، هو مذهب العامل السويسري التبت فرد ناند دي سوسير…).

النقد المنهجي عند العرب، دار نهضة مصر للطباعة والنشر، الفجالة، القاهرة، ص334. ينظر المرجع نفسه، 333-334-339.وهي المكانة التي شهد بها الكثير من الباحثين: (أما الجرجاني فقد كانت نظرية (الكلام النفسي) هي عمدته في قضية (اللفظ والمعنى) الذي ظل النقد العربي يبدئ فيها ويعيد، دون طائل، منذ عهد الجاحظ، وبفضل هذه النظرية تقدم الجرجاني خطوة أخري نحو (السيميولوجية) التي رسم (سوسير) خطوطها الأساسية في مطالع هذا القرن). شكري محمد عياد، المؤثرات الفلسفية والكلامية في النقد العربي والبلاغة العربية، مجلة (الأقلام)، العدد الحادي عشر، السنة الخامسة عشرة، آب، وزارة الثقافة والإعلام، دار الجاحظ، بغداد، 1980م، ص11.

(16) هذا رأي مصطفى عبد الغني الذي تولى المرافعة عن ترجمة جاك بيرك؛ مستعرضا صعوبة ترجمة القرآن الكريم؛ ومسترشدا برأي محمد أركون. للإحاطة الشاملة بتفصيل هذه المرافعة ينظر: مقال: ترجمة جاك بيرك للقرآن: من القراءة إلى التفسير، مجلة (الاجتهاد)، العدد التاسع والأربعون، السنة الثانية عشرة، دار الاجتهاد للأبحاث والترجمة والنشر، بيروت، لبنان، شتاء العام 2001-1421/1422هـ ، ص115 ،116 ،117،…….137.

(17) مصطفى تاج الدين، النص القرآني ومشكل التأويل، مجلة إسلامية المعرفة، العدد الرابع عشر، ص15-16.

(18) ابن تيمية، مقدمة التفسير ضمن مجموع الفتاوى، جمع وترتيب عبد الرحمان محمد بن قاسم، مكتبة المعارف، الرباط، المغرب، المجلد الثالث عشر، ص356-357. الراغب في الاستزادة في موضوع الفرق المبتدعة في التفسير ينظر كتاب: محمد حسين الذهبي، التفسير والمفسرون، الجزء الأول، الفصل الرابع، ص343،344،…..،452 والجزء الثاني، الفصل الرابع، ص3 ،4،…….398.

ففي هذين الفصلين تفصيلات مجزية مغنية، وغير مقصرة عن الغاية.

(19) رفيق عبد السلام بوشلاكة، مأزق الحداثة: الخطاب الفلسفي لما بعد الحداثة، مجلة (إسلامية المعرفة)، السنة الثانية، العدد السادس، المعهد العالمي للفكر الإسلامي، ماليزيا، ربيع الآخر 1417هـ/ سبتمبر 1996، ص118. للإحاطة الشاملة بأهم ركائز التفكير الفلسفي لمقاربة التفكيكيين؛ ينظر دراستنا: قراءة النص الأدبي في ضوء فلسفة التفكيك، مجلة (عالم الفكر)، العدد2، المجلد33، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، أكتوبر – ديسمبر 2004م. ص 49 ،50،……85؛ ففي هذه المقاربة إضاءات معرفية وفلسفية فاضلة عن الكفاية.

(20) عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة (من البنيوية إلى التفكيك)، المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، الكويت، ذو الحجة 1418هـ، إبريل/ نيسان1988م، ص105.

(21) نصر حامد أبو زيد، النص، السلطة، الحقيقة، ط1، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 1995 ص97. يعد الباحث نصر حامد أبو زيد من أكثر دعاة القراءة المنفتحة للنص القرآني؛ وهو في مقاربته للنص يستعين بأدوات التحليل المادي التاريخي الماركسي.

(22) عبد القادر الجرجاني، دلائل الإعجاز، قرأه وعلق عليه محمود محمد شاكر، مكتبة الخانجي بالقاهرة، الطبعة الخامسة 1424هـ – 2004م، ص249.

(23) عبد العزيز حمودة، المرايا المحدبة، ص59. لا ريب أن الإقرار بوجود المؤلف إقرار بوجود النص؛ وهذا يفضي حسب بعض القراءات المعاصرة للنص القرآني إلى تأكيد مصدرية الوحي وهو ما يتنافى مع أبرز أصول القراءة الحداثية؛ وهو انتفاء القصدية؛ ذلك أن: (دعاة انتفاء القصدية ينكرون كل مركزية وكل محور إنه فكر اللامحور واللاتمركز (Le Dé centrement) إنه مع الشرود والتبعثر والضلال التائه واللاوصول). هاشم صالح، التأويل/ التفكيك (مدخل ولقاء مع جاك دريدا) مجلة (الفكر العربي المعاصر)، العدد 54/55، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، جويلية أوت 1988، ص103. ومما هو أصل في هذا الباب أن بعض دعاة القراءة المعاصرة للنص القرآني ينطلقون من مبدأ القراءة اللانهائية للنص؛ أو ما يمكن أن نسميَّه عبثية الممارسة التأويلية التي تفضي إلى أن: (المعني يستعصي أبداً على الحضور لأنه يحمل أثر الآخر الذي يسكننا، أو يهجس بالآخر الذي لا يحضر، أي لا نهاية له، بل لا هوية له. وبسبب هذه الغيرية ينفتح النص على الاختلاف انفتاحاً يتجلي فيضاً في المعني). على حرب، قراءة ما لم يقرأ (نقد القراءة)، مجلة (الفكر العربي المعاصر)، العدد 60/61، مركز الإنماء القومي، بيروت، لبنان، جانفي، فيفري، 1989، ص49. للوقوف بشكل مفصل على مفهوم الانفتاح المطلق للنص؛ وقابليته لأي قراءة؛ ينظر مقال: حسن حنفي، قراءة النص، مجلة (البلاغة المقارنة ألف)، العدد الثامن، الجامعة الأمريكية، القاهرة، ربيع 1998،ص16 -17.

(24) محمد شحرور، الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، الأهالى للطباعة والنشر والتوزيع، الطبعة الأولى، دمشق، 1999م ص606-607.

(25) مساعد الطيار، التفسير اللغوي للقرآن الكريم، ط1، لبنان، دار ابن الجوزي، 2002م، ص625. وحسبنا أن نشير هنا إلى جملة من آراء المفسرين في تخريج الآية الكريمة يقول ابن كثير – رحمه الله – تعليقاً على قوله تعالى: ﴿َلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ﴾ : (يعني المقانع يعمل لها ضيقات ضاربات على صدورهن لتواري ما تحتها من صدرها وترائبها ليخالفن شعار نساء الجاهلية فإنهن لم يكن يفعلن ذلك بل كانت المرأة منهن تمر بين الرجال مسفحة بصدرها لا يواريه شيء وربما أظهرت عنقها وذوائب شعرها وأقرطة آذانها فأمر الله المؤمنات أن يستترن في هيئاتهن وأحوالهن). تفسير القرآن العظيم، دار المعرفة، بيروت، لبنان، 1405هـ- 1984م، الجزء الثالث، ص283-284. وقريب من هذا المعني ما أشار إليه الإمام الزمخشري – رحمه الله : (كانت جيوبهن واسعة تبدو منها نحورهن وصدورهن وما حواليها، وكنّ يسدلن الخمر من ورائهن فتبقي مكشوفة. فأمرن بأن يسدلنها من قدامهنّ حتي يغطينها، ويجوز أن يراد بالجيوب: الصدور تسمية بما يليها ويلابسها) تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، مكتب الإعلام الإسلامي في الحوزة العلمية بقم المقدسة، إيران، الطبعة الأولي، 1414هـ، الجزء الثالث، ص231. وغني عن البيان الإشارة إلى الفرق بين قراءة معاصرة متحررة من كل القيود والحدود، وقراءة السلف الصالح أهل التحقيق والعرفان. فليرجع من أراد مزيدَ البيان بهذا الشأن إلى الدراسة القيمة للباحث أحمد عمران الذي ردّ رداً علمياً على محمد شحرور في كتابه: القراءة المعاصرة في الميزان، لبنان، دار النفائس، ط1، 1415هـ-1995م. ففي هذا الكتاب إشارات لطيفة وتنبيهات فاضلة عن الكفاية.

(26) محمد شحرور، الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، ص206. غير أن الاستعانة بذوي الاختصاص وهم أهل الصناعة والتمييز، وإليهم يفزع عند اشتباه أحوال المسائل التفسيرية، يرون رأياً مخالفاً لما ذهب إليه محمد شحرور في تفسير سورة القدر؛ بيان ذلك أن المدة الزمنية (ألف شهر) هي محل الاعتبار، وعليها مدار طلب الإكثار من القربات في هذه الليلة؛ وفي هذا الصدد يقول الزمخشري – رحمه الله -: (ثم بيّن ذلك بأنها خير من ألف شهر، وسبب ارتقاء فضلها إلى هذه الغاية ما يوجد فيها من المصالح الدينية التي ذكرها: من تنزل الملائكة والروح، وفصل كل أمر حكيم، وذكر في تخصيص هذه المدة أن رسول الله r ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر، فعجب المؤمنون من ذلك، وتقاصرت إليهم أعمالهم، فأعطوا ليلة هي خير من مدة ذلك الغازي). تفسير الكشاف، الجزء الرابع، ص780. وقريب من هذا التأويل ما ذكره ابن كثير – رحمه الله – للتوسع والاستفاضة في تخريج سورة القدر، ينظر، تفسير القرآن العظيم، الجزء الرابع 529-530-531-532-533-534-535. ففي هذه الصفحات تفصيلات مشبعة.

(27) محمد شحرور، الكتاب والقرآن قراءة معاصرة، ص607. الراغب في تتبع استنباطات الباحث وآرائه في بعض الآيات القرآنية الرجوع إلى الباب الثالث من كتابه المذكور سابقاً: الفرع الأول: الحدود في التشريع والعبادات، ص453 ،454،….531، وكذا الفصل الثالث: نموذج للفقه الجديد في دراسة موضوع المرأة في الإسلام، ص597 ،598،……،628.

(28) الزمخشري، تفسير الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل، الجزء الثالث، ص230-231.

(29) نصر حامد أبو زيد، مفهوم النص (دراسة في علوم القرآن)، المركز الثقافي العربي، المغرب، الطبعة الأولي، حزيران 1990، ص66 ينظر المرجع نفسه، ص67-68-69.

(30) مساعد الطيار، التفسير اللغوي للقرآن الكريم، ص626. لقد اختلط الأمر على بعض الحداثيين العرب الفرق الجوهري بين كلمتي:  (réciter) و (lire) وفي تأويل لفظ (اقرأ) الواردة في أول سورة العلق؛ وفي هذا الصدد تشير المعاجم الغربية إلى :  (réciter: dire par Coeur.

(lire: identifier et assembler des lettres, former mentalement ou à voix haute les sons qu’elles représentent et leur associer un sens). Larousse dictionnaire de français plus de 60000 mots/ VUEF 2001,PP, 355-246.

(31) حسن حنفي، قراءة النص، مجلة (البلاغة المقارنة ألف)، العدد الثامن، الجامعة الأمريكية، القاهرة، ربيع 1998، ص9.

(32) ابن كثير، تفسير القرآن العظيم، الجزء الرابع، ص528.

(33) نصر حامد أبو زيد، النص، السلطة، الحقيقة، الطبعة الأولى، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 1995، ص133. ينظر المرجع نفسه، ص214. ومن الدراسات المعاصرة الجادة التي رمت الكشف عن قصور منهجية التنوير الغربي؛ دراسة العالم الفذ محمد عمارة في كتابه: (في فقه المواجهة بين الغرب والإسلام)، الطبعة الأولى، مكتبة الشروق الدولية، القاهرة، 1423هـ-2003م، ص147 ،148 ،149 ،150 ،151 ،152. ففي هذه الصفحات تفصيلات معرفية مضيئة تكشف عوار بعض المقاربات التأويلية للنص القرآني التي تجاوزت حدود الانضباط المعرفي؛ مستعينة بأدوات التأويل الغربي الوضعي والمادي. وتحديداً مقاربات نصر حامد أبو زيد، وحسن حنفي.

(34) مصطفي تاج الدين، النص القرآني ومشكل التأويل، ص22 للإحاطة الشاملة بتفاصيل حدود التأويل وضوابطه ينظر: الكتاب القيم لأمبرتو إيكو: Umberto Eco, Les Limites de L’interprétation (1990 Italien) traduit par Myriem Bouztter, 1992,Edition Grasset ,Paris 1992

فقد أفرد الباحث فصلاً كاملاً بعنوان: Les Conditions minimales de I’interprétation ,PP, 237,238,239,…..,252

ففي هذه الصفحات إضاءات جليلة القدر، عظيمة الفائدة؛ تفي بالغرض المقصود. ومن الباحثين المعاصرين فى معضلة التأويل “حسين الواد” الذي يقترح جملة من الضوابط التي تحد من تسيّب الممارسة التأويلية؛ وفي هذا المضمار يقول: (لقد رأى الدارسون في هذا الموطن، أن عملية التخاطب نفسها تفرض شيئاً من التحديد لتكاثر القراءات، الأثر الأدبي، مهما كان غامضاً يحتوي على دلالات معينة يتقيد بها تأويله ويحُد به فهمه، وأول هذه الحدود اللغة التي يظهر فيها، فإن العلامة فيها تحيل على ثقافة وعلى حضارة وعلى مجتمع). في مناهج الدراسات الأدبية، منشورات عيون، المغرب، 1984، ص76.

(35) ينظر دراستنا: قراءة النص الأدبي من المنظور الأسلوبي الحديث، مجلة ثقافات، كلية الآداب، جامعة، البحرين، العدد 7/8 صيف/خريف 2003، ص32-33,……,39. سيجد القارئ الكريم في هذه الدراسة مقاربة علمية لأبرز آليات القراءة الأسلوبية للنص الأدبي.

(36) مصطفى ناصف، نظرية التأويل، النادي الأدبي الثقافي، جدة، المملكة العربية السعودية، الطبعة الأولى، ذو الحجة 1420هـ – مارس 2000م، ص201.

(37) الجاحظ، البيان والتبيين، تحقيق وشرح عبد السلام هارون، الطبعة الرابعة، مكتبة الخانجي، القاهرة، 1395هـ- 1975، الجزء الثالث، ص376. وقريب من هذا المعني ما أشار إليه ابن قتيبة: (ولو كان القرآن كله ظاهراً مكشوفاً حتى يستوي في معرفته العالم والجاهل لبطل التفاضل بين الناس وسقطت المحنة وماتت الخواطر…. وعلى هذا المثال كلام الرسول r وكلام صحابته والتابعين، وأشعار الشعراء، وكلام الخطباء- ليس منه شيء إلا وقد يأتي فيه المعني اللطيف الذي يتحير فيه العالم المتقدم، ويقرّ بالقصور عنه النقاب المبرَّز). تأويل مشكل القرآن، تحقيق أحمد صقر، القاهرة، دار التراث، 1973، ص86.

Umberto Eco , Les Limites de L’interprétation ,P 130. (38)

Umberto Eco , Les Limites de L’interprétation ,P 43. (39)

Julia Kristiva, la revolution du langage ,poins ,Editions du seuil ,1974, p, 340 (40).

وفي هذا الصدد يري أحد الباحثين المعاصرين أن النص الأدبي تحكمه جملة من الآليات والقيود والضوابط التي تمنع من انزلاقه أو ذوبانه؛ لأن: (النص ليس هراءً وإنما له آليات نموه وانتظامه وليس تأويله سائباً غير خاضع لأية إلزامات أو هذياناً محموماً). محمد مفتاح، مجهول البيان ، ط1، دار توبقال للنشر، الدار البيضاء، المغرب، 1990، ص108.

(41) طه عبد الرحمان، العمل الديني وتجديد العقل، ط2، المركز الثقافي العربي، الدار البيضاء، المغرب، 1997، ص 101.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر