عقد في معهد ماكس بلانك للقانون الدولي والمقارن في هايدلبرج بألمانيا في الفترة من 31/1 إلى 3/2/1996م مؤتمر موضوعه “الحق في محاكمة عادلة”.
وكان قد سبق ذلك صدور تقرير عن اللجنة الفرعية المنبثقة عن لجنة حقوق الإنسان التابعة للمجلس الاقتصادي والاجتماعي للأمم المتحدة حددت فيه معايير قياس مدى احترام الأنظمة القانون والممارسات الفعلية لهذا الحق (في محاكمة عادلة).
وكان الغرض من مؤتمر هايدلبرج هو تطبيق هذه المعايير على قوانين الدول المختلفة من خلال الدر على استبيان موحد أُعِد خصيصاً لهذا الغرض. وطلب من د. جمال الدين عطية تقديم وجهة نظر الشريعة الإسلامية وفقاً لهذا الاستبيان.
وننشر فيما يلي الاستبيان المشار إليه ثم المذكرة المقدمة من د. جمال الدين عطية.
استبيان
عن الحق في محاكمة عادلة
A
المعاملة أثناء الحبس قبل المحاكمة وأثنائها:
1. كيف يُحْمَى الأشخاص المحتجزون من التعذيب والمعاملات الأخرى القاسية وغير الإنسانية والمُحِطَّة؟
2. ما الذي يحمي المتهم الذي يرفض أن يشهد ضد نفسه؟
أ. هل له الحق في عدم الكلام؟ ما العقوبات الرسمية والفعلية التي يتعرض لها: من الشرطة، وجهات التحقيق الأخرى، وعند المحاكمة؟
ب. هل يجوز للمحقق الاستمرار في سؤال المتهم بعد أن أصر على الصمت أو طلب استشارة محامية؟
ج.هل يمكن استخدام صمت المتهم ضده عند المحاكمة؟
د. هل يمكن استخدام إقرار المتهم ضده إذا صدر منه دون استشارة محامية أو معرفة أن له حق استشارته؟
ه. ما الذي يحمي المتهم من إجباره على الاعتراف أو الحصول عليه بطريق غير مشروع منه أو من غيره، واستخدامه ضده في المحاكمة؟
و. هل يجوز استخدام معلومة حصل عليها بالإكراه للوصول إلى معلومة أخرى، وهل يجوز استخدام هذه المعلومة الأخيرة في هذه الحالة في المحاكمة؟
ز. ما تعريف الإكراه؟ هل يشمل تهديد الأقارب والعقوبات الاقتصادية (كالفصل من العمل) وتضليل المتهم بطريق الغش والخداع… إلخ؟
ح.هل خداع المتهم أثناء استجوابه ممنوع؟
ط.هل ينبغي أن يعرف المتهم نتائج اعترافه – كالحكم بالإعدام مثلاً قبل الحصول على اعتراف صحيح منه؟
ي.إذا صدر الاعتراف بناء على اتفاق مع الادعاء، كيف يمكن للمتهم إجبار الادعاء على تنفيذ الاتفاق، وهل يستطيع سحب اعترافه إذا لم ينفذ الاتفاق؟
ك.هل يمكن إجبار المشتبه فيه – في إجراءات إدارية، مدنية، وإجراءات أخرى غير جنائية – أن يدين نفسه بجريمة جزائية؟
ل. هل يمكن استخدام إقراره ضده في إجراءات جزائية؟
م. هل يمكن استخدام الأدلة الأخرى في الإجراءات الإدارية.. ضده في إجراءات جزائية؟
3. كيف يعامل الأشخاص المتهمون المحبوسون بصورة مختلفة عن السجناء المحكوم عليهم، وهل يفصل بينهم؟
4. إلى أي مدى تصل القاعدة (وممارستها) التي تقضي بعدم حجز المتهمين الذين ينتظرون محاكمتهم حتى يمكنهم المعاونة في إعداد دفاعهم؟
أ. ماذا يلزم الادعاء تقديمه للحصول على قرار حبس المتهم أو تمديد حبسه؟
ب. وفي العمل: ما هي النسبة المئوية بالتقريب من المتهمين (في غير مخالفات المرور الصغيرة) الذين يقبض عليهم أو يحبسون، وما هي النسبة المئوية بالتقريب من بين هؤلاء الذين لا يفرج عنهم حتى تمام محاكمتهم؟
5. إلى أي مدى يتاح الشكوى أو الاستئناف أو التعويض من قرار عدم الإفراج أو من ظروف الحبس الاحتياطي أو عدم توافر إجراءات عادلة قبل المحاكمة؟
B
الاتهام
1. ما المدة التي يسمحخلالها بحبس شخص دون توجيه اتهام إليه، أو دون تقديمه للمحكمة؟
أ. ما الذي يحدث عادة في أول جلسة بالمحكمة؟ هل للمتهم الحق في معرفة التهم الموجهة إليه حينئذ؟ وإلا فمتى؟
2. ما هي ضمانات معرفة المتهم دون إبطاء التهم الموجهة إليه؟
أ. في لغة يفهمها؟
ب. وفي أي وقت يحاط المتهم علماً بالأدلة القائمة ضده؟
ج.وما هي المعلومات الخاصة بالأدلة التي يستطيع المتهم الحصول عليها أثناء فترة حبسه؟
د. هل يتطلب القانون من الادعاء أن يقدم الأدلة في صالح المتهم؟
3. كيف يعطى المحبوس الوقت الكافي والتسهيلات لتحضير دفاعه قبل المحاكمة؟
أ. ما المدة التي تمضى منذ حبس المتهم وحتى يكون له حق الاتصال بمحاميه؟
ب. ما المدة التي تتاح للمحامي للإعداد للمحاكمة، وفي أي مراحل الإجراءات؟
ج.هل يتاح للمتهم معرفة الأدلة المحددة المعدة للاستعمال ضده، كأسماء الشهود مثلاً؟
د. ما هي الحماية التي للمتهم ضد مفاجأته بالأدلة أثناء المحاكمة؟
C
حق الدفاع
1. في أي مرحلة من الإجراءات منذ القبض وحتى الحكم يكون للمتهم الحق في أن يكون له محام؟ وفي كل مرحلة هل يكون حضور محام إلزاميّاً؟ وفي حالة عدم كونه إلزاميّاً ها يسمح للمتهم أن يمثله محامٍ على حسابه الخاص؟ وهل يتاح وجود محامٍ مجاناً للمتهم؟
أ. هل يخطر المتهم بأنه له الحق في أن يكون له محامي؟
ب. ما هي ضمانات حصول المتهم على الوقت الكافي لاستشارة محامي؟
ج.ما هي ضمانات حرية المتهم في اختياره محاميه؟
د. ما إجراءات اتصال المتهم بمحاميه؟
2. ما الترتيبات التي تتخذ لتمكين المتهم الذي لا يستطيع تحمل أتعاب المحامي في الحصول على محامي مجاناً؟
أ. ما هي الأتعاب التي يحصل عليها المحامي المنتدب؟ وكيف تقارن بالأتعاب التي يتوقعها عادة المحامي من موكله؟
ب. هل هناك أنواع من الجرائم يرتب فيها المحامي مجاناً للمتهم غير القادر؟
ج.ما هي الظروف التي يسمح فيها بندب محامٍ مجاناً لمراحل الاستئناف وما بعد الإدانة؟
3. هل يمتد حق الشخص في أن يكون له محامٍ حتى بعد الإدانة كالاستئناف والشكاوى وإعادة النظر؟
4. ما هي الحماية التي يحظى بها المتهم لتأمين محامٍ مختص مناسب لتمثيله، وموارد مناسبة لإعداد دفاعه في جميع مراحل التحقيق والمحاكمة والاستئناف وإجراءات ما بعد الإدانة؟
5. ما هي ضمانات خصوصية الاتصال بين المتهم ومحاميه؟
D
المحاكمة
1)ما هي ضمانات حق المتهم في أن يحاكم دون تأخير غير مبرر؟
أ. هل تنطبق الحماية على جميع مراحل المحاكمة (البداية والنهاية والحكم والاستئناف)؟
ب. إحصاءات عن متوسط الفترة الزمنية بين:
1. القبض والاتهام.
2. الاتهام وبدء المحاكمة.
3. بدء المحاكمة وإنهائها وصدور الحكم.
4. بدء الاستئناف ونهايته.
ج.الفروق في المدد السالفة بين أنواع التهم: نظريّاً وعمليّاً؟
د. هل هناك فرق في المدد وفقاً لما إذا كان المتهم محبوساً أو غير محبوس؟
ه. ما هي الإجراءات التي تضمن قصر انشغال المحاكم بالقضايا الهامة؟
وما هي المشاكل الناجمة عن التأخير غير المبرر في إصدار أحكام البراءة بالنسبة للمتهمين المحبوسين والمتهمين الذين توجه إليهم التهمة ولا يحاكمون؟
و. هل يمكن إضافة تهم جديدة في آخر لحظة قبل المحاكمة؟
ز. هل يجوز التنازل عن الحق في محاكمة دون تأخير غير مبرر، أو التفاوض مع سلطة الاتهام حول ذلك؟
ح.في حالة عدم تمسك المتهم بحقه في محاكمة فورية، عل يعتبر ذلك تنازلاً منه عن هذا الحق؟
ط.وإذا لم يتمسك محامي الدفاع بالحق في محاكمة فورية، هل يعتبر ذلك تنازلاً؟
ي.إلى أي حد تساعد قوانين التقادم المسقط على تشجيع المحاكمة الفورية؟ وهل يوجد تقادم مسقط في كل الجرائم؟ وما هي؟
2)ما هي القوانين والقواعد الملزمة لإجراء المحاكمات الجنائية والمدنية علناً؟
أ. عند المحاكمة العلنية، ما هي الضمانات التي تسمح للصحافة بالحضور وعرض الإجراءات في التلفزيون والإذاعة وبالصور ووسائل الإعلام المطبوعة؟
ب. في أي الظروف يقيد حق الجمهور والصحافة في حضور المحاكمة؟
ج.كيف يحمى المتهم قبل المحاكمة وأثناءها من التغطية الإعلامية التي قد تؤدي إلى تحيز الحكم؟
3)ما هي ضمانات محاكمة المتهم في نفس المنطقة التي وقعت فيها الجريمة؟
أ. ما هي الظروف التي تؤدي إلى نقل المحاكمة إلى منطقة أخرى؟
ب. هل يمكن للمحكمة أن تنقل المحاكمة إلى منطقة أخرى إذا ظهر أن المتهم لن يحصل على محاكمة عادلة بسبب التحيزات المحلية؟
4)تحت أي الظروف يسمح بمحاكمة غيابية؟ هل هناك تفرقة بين الحالات التي يتغيب فيها المتهم عن سماع الحكم؟ والتي لا يعود فيها إلى الحضور، والتي يتغيب فيها عن بداية المحاكمة؟
أ. ما هي ضمانة أن يعلم المتهم جميع الأدلة التي تؤخذ في الاعتبار في المحاكمة الغيابية؟
ب. كيف يطبق حق المتهم في أن يكون له محامٍ في حالة المحاكمة الغيابية؟
ج.في أي الظروف يمكن عقد محاكمة لشخص ميت؟
د. في أي الظروف يمكن الطعن في حكم غيابي أو استئنافه أو إعادة النظر فيه؟
5)ما هي الحماية التي تمتع بها ناقص الأهلية من الناحية العقلية في المحاكمة الجزائية؟
أ. كيف يقرر أن الشخص ناقص الأهلية من الناحية العقلية لغرض المحاكمة؟
ب. هل يمكن محاكمة شخص ناقص الأهلية من الناحية العقلية؟
6)كيف يضمن حق المتهم في مساعدة مترجم مجاناً إذا كان لا يفهم لغة المحاكمة؟
أ. هل يقدم المترجم ترجمة كاملة للإجراءات شاملة لمناقشة المحامي والشهود أو لأقوال المتهم فحسب؟
ب. هل تترجم جميع وثائق المحاكمة؟
ج.هل للمتهم حق الاختيار بين المترجمين وفقاً للهجاتهم؟
7)كيف يضمن للمتهم حق حضور شهوده ومناقشتهم بنفس ظروف شهود الاتهام؟
أ. هل مطلوب من المحكمة قبول أي دليل مقدم من المتهم أو محاميه، أو تستطيع أن ترفض بعض الأدلة؟
8)ما هي ضمانات حق المتهم في مناقشة شهود خصمه؟
أ. هل يمكن للمتهم أو محاميه توجيه أسئلة إلى شهود خصمه؟ وفي حالة النفي هل يستطيع المحامي طلب أن تقوم المحكمة بتوجيه بعض الأسئلة؟
ب. إلى أي مدى يمكن للشهود الشهادة على أقوال صدرت عن أشخاص لم يناقشوا في المحكمة؟
ج.إلى أي مدى تقبل كأدلة المستندات التي تحوي أقوالاً لأشخاص لم يناقشوا في المحكمة؟
د. كيف تتصرف المحكمة في شهادات الأشخاص المعرضين للخطر بسبب شهادتهم أو الذين لا يرغبون في الشهادة بأنفسهم؟ هل يمكن أن يقدم شخص آخر (ضابط شرطة، أو شخص آخر أو قاضٍ) شهادة شاهد لا يريد الادعاء له أن يشهد أو لا يستطيع أن يشهد؟
9)ما هي ضمانات حق المتهم في قرينة البراءة؟
أ. ما هي ضمانات منع السلطات من التلاعب بوسائل الإعلام أو بالنظام القضائي بغرض تحيز نتيجة المحاكمة؟
ب. ماذا يضمن للمتهم أن تؤسس محاكمته على الأدلة المقدمة في المحاكمة وحدها؟
ج.ما هي درجة الدليل المطلوب لتقرير مسئولية شخص عن سلوك إجرامي؟ هل ينطبق ذلك على جميع المسائل المتعلقة بتقرير الإدانة بما في ذلك الدفاع الإيجابي؟
د. ما هي درجة الدليل المطلوب لتقرير الحقوق والالتزامات في محاكمة مدنية؟
10) كيف يضمن لطرف في دعوى مدنية فرصة الحصول على شهود ومناقشتهم؟
11) هل يؤخذ بالدليل ضد المتهم إذا كان قد حُصِل عليه نتيجة تدخل تحكمي أو غير مشروع في الحياة الخاصة للمتهم أو عائلته أو منزله أو مراسلاته أو الخاصة بشخص آخر؟
12) إلى أي مدى يكون للمجني عليه حق المساهمة في أي مرحلة من الإجراءات؟
E
تشكيل المحكــمة
1)ما هي ضمانات استقلال القضاة وعدم تحيزهم؟
أ. كيف تطبق “المبادئ الأساسية” عن استقلال القضاة؟
2)في أي الظروف يمكن عقد محاكمة مدنية أو جزائية بواسطة قاضٍ أو محكم أو خبير من غير رجال القانون؟
أ. هل يفصل في القضية قاضٍ مفرد أو مع محلفين أو مع خبراء من غير رجال القانون أو بأي تشكيل آخر؟ هل يفصل في أي جزء من الدعوى (الإدانة أو الحكم مثلاً) بواسطة قاضٍ أو محلف أو خبير؟
ب. هل من حق المتهم أو الطرف في الدعوى أن يحاكم بواسطة محلفين أو خبراء؟
ج.ما هي الشروط اللازم توافرها في المحلف أو الخبير من غير رجال القانون؟ ما هي مدة خدمتهم؟ كيف يتم اختيارهم؟ كم منهم يخدم في كل إجراء؟
د. هل هناك ظروف تقدح في صلاحية شخص في أن يكون محلفاً أو خبيراً، أو تعفيه من ذلك مثل الخدمة العسكرية والمهنة والجنس وسجل السوابق الجنائية، وكونه أجنبيّاً وعضويته في مجموعة سياسية أو اثنية …؟
ه. كيف يمكن لأحد طرفي الخصومة الطعن في صلاحية القاضي أو المحلف أو الخبير من غير رجال القانون إذا كان متحيزاً؟
و. تحت أي الظروف تمنع المحاكمة بواسطة محلف أو خبير من غير رجال القانون؟ هل هناك محاكم متخصصة لا تسمح بالمحاكمات بواسطة المحلفين أو الخبراء من غير رجال القانون؟
F
الحكم والعقوبة
1)في أي الحالات ينبغي على متخذ القرار إصدار تسبيب علني لقراره في قضية جزائية؟
أ. ما مدى التفضيل في الأسباب؟
2)في أي الحالات ينبغي على متخذ القرار إصدار تسبيب علني لقراره في قضية مدنية؟
3)ما حقوق الشخص في ألا تعاد محاكمته عن نفس الجريمة التي سبق أن حكم فيها بالبراءة أو الإدانة؟
أ. هل للشخص الحق في تجنب محاكمة ثانية إذا أعلنت المحكمة عدم قانونية المحاكمة؟
4)ما ضمانات المتهم في ألا يدان على أساس قوانين تصدر بعد الفعل محل المحاكمة (رجعية القانون)؟
أ. إذا تغيرت عقوبة الفعل: ما ضمانات ألا ينال المتهم عقاباً أشد مما كان سارياً وقت الفعل، أو أن يطبق عليه العقوبة الأخف إذا خففت بعد وقوع الفعل؟
5)ما ضمانات عدم حبس شخص لإخلاله بالتزام تعاقدي؟
6)ما ضمانات علانية الأحكام الصادرة في القضايا الجزائية والمدنية؟
7)في أي الحالات تمنع علانية الأحكام؟
8)في أي الحالات تجوز العقوبات الجماعية؟ ما الأشكال المسموح بها للمسئولية الجزائية المعيبة؟
9)هل ألغيت عقوبة الإعدام؟ وفي حالة السلب:
أ. في أي الجرائم تفرض عقوبة الإعدام؟
ب. كيف ومتى يعلم الشخص بعقوبة الإعدام؟
ج.كيف يمكن للمحكوم عليه بالإعدام أن يطلب العفو أو تخفيف العقوبة؟
د. هل ينفذ حكم الإعدام في القاصر (أقل من 18 سنة وقت ارتكاب الفعل) والمرأة الحامل والأم لأطفال صغار والأشخاص المعاقين عقليّاً؟
ه. ما هو الحد الأعلى للسن التي لا يجوز تنفيذ حكم الإعدام لمن تجاوزه؟
و. ما هي الضمانات المقررة كي يكون تنفيذ عقوبة الإعدام أقل إيلاماً؟
10) ما هي ضمانات عدم تعرض الشخص المحكوم عليه لعقوبة قاسية أو محطة أو تتضمن التعذيب أو التشويه؟
أ. ما ضمانات عدم تجاوز العقوبة للحد المقرر؟
11) هل يجوز للمحكمة – أو للادعاء أن يطالبها – إنزال عقوبة أشد على أساس الطريقة التي دافع بها المتهم عن نفسه؟ وهل يجوز للمحكمة – أو للادعاء أن يطالبها – إنزال عقوبة أخف على أساس الطريقة التي تعاون بها المتهم خلال الإجراءات؟
G
الاستئناف أو إعادة النظر في محكمة أعلى
1)كيف يمكن للمحكوم عليه أن يعاد النظر في قضيته في محكمة أعلى؟
أ. ما هي الحدود الواردة على حق الشخص في أن يعاد النظر في قضيته أمام محكمة أعلى؟
ب. ما هي المدة منذ صور الحكم التي يجوز للمحكوم عليه خلالها التقدم باستئناف أو طلب إعادة نظر؟
ج.ما هو نوع الجرائم التي لا يجوز إعادة النظر فيها أمام محكمة أعلى على أساس أنها تافهة أو لأن الحكم صدر فيها بعد قرار المحلفين؟
د. هل يجوز أن يتعلق الاستئناف أو إعادة النظر بمسائل خاصة بالوقائع أو بالقانون أو بكليهما؟
ه. هل للمحكوم عليه حق الاستعانة بمحامٍ في الاستئناف أو إعادة النظر؟
وهل يختلف هذا الحق عنه قبل المحاكمة الأولى أو أثناءها؟
و. هل يجوز للادعاء طلب الاستئناف أو إعادة النظر في أحكام البراءة أو الإدانة؟
ز. هل يجوز أن يجلس القاضي الذي حكم في الدعوى في المحكمة التي تنظر الاستئناف أو إعادة النظر؟
2)كيف يستأنف الشخص حكماً في قضية مدنية؟
أ. ما هي الحدود الواردة في حق الشخص في استئناف الحكم المدني؟
ب. هل يجوز أن يتعلق الاستئناف بمسائل خاصة بالوقائع أو بالقانون أو بكليهما؟
3)في القضايا المدنية والجزائية: في أي مرحلة في المحاكمة يجوز لأحد أطرافها استئناف قرار تمهيدي صادر قبل الحكم النهائي في الدعوى؟
أ. تحت أي الظروف ينبغي على الطرف في الدعوى الانتظار حتى يصدر الحكم النهائي في الاستئناف؟
H
العفو والعفو العام ومحو الأثر
1)ما هي ضمانات حق المحكوم عليه في طلب العفو أو تخفيف العقوبة؟
2)ما هي النصوص المتعلقة بالعفو العام ومحو أثر العقوبة أو أي إجراءات مماثلة؟
I
التدابير الأخرى
1)ما هي التدابير القضائية والقانونية الأخرى التي يمكن للشخص اللجوء إليها عند انتهاك حقوقه الأساسية؟
2)في أي الظروف توقف حقوق مثل Habeas Corpus أو Amparo؟
3)حين يدان شخص ويعاقب على ارتكاب فعل ثم يلغى الحكم، أو يصدر عفو نتيجة ظهور أدلة جديدة توضح أن هناك إساءة تطبيق العدالة، ما هي الطرق التي يمكن أن يتبعها الشخص للحصول على تعويض عن الضرر الذي أصابه؟
4)ما هي التدابير المتاحة للحبس الاحتياطي قبل المحاكمة، إذا لم يدن الشخص؟
5)ما هي التدابير المتاحة للشخص ليثبت انتهاك حقوقه الأساسية المنصوص عليها في الدستور والقانون؟
أ. هل تتاح إجراءات مثل Habeas Corpus أو Amparo؟ وما هي؟
ب. إذا تقرر أن حقوق الشخص قد انتهكت، ما التعويض الذي يغطي الأضرار؟
ج.هل هناك بعض الانتهاكات للحقوق الأساسية التي لا تثار أثناء المحاكمة أو بعدها أو في الاستئناف بواسطة Habeas Corpusأو Amparo؟ نتيجة إجراءات أخرى بعد الإدانة أو القضية المدنية؟
J
إجراءات الأحداث
1)ما هي الفروق بين إجراءات الأحداث وإجراءات البالغين الجنائية؟
2)ما هي الإجراءات الخاصة للأحداث؟
أ. كيف تؤخذ سن الحدث بالاعتبار؟
ب. ما هي الإجراءات الخاصة للفصل السريع في قضايا الأحداث؟
3)هل هناك إجراءات خاصة للأحداث في القضايا المدنية؟
4)ما هي الضمانات لعدم تطبيق العقوبات الجسدية على الأحداث؟
5)كيف يعامل الأحداث بشكل مختلف عن المتهمين البالغين؟
أ. هل يفصل الأحداث السجناء عن المتهمين البالغين؟
6)هل يفصل بين الأحداث المتهمين والأحداث المحكوم عليهم في السجن؟
K
المحاكم العسكرية
1)كيف تختلف الإجراءات في المحاكم العسكرية عنها في المحاكم الجنائية العادية؟
2)إلى أي مدى تتوافر الضمانات المذكورة في الأجزاء من Aإلى Jفي المحاكم العسكرية؟
3)في أي الحالات يجوز للمحاكم العسكرية محاكمة المدنيين أو تؤثر على حقوق المدنيين؟
4)القوانين والقواعد واللوائح والقرارات والممارسات الحاكمة لإجراءات المحكمة العسكرية (شاملة حقوق المدنيين) بالنسبة للمسائل المشار إليها أعلاه.
L
المحاكم الطارئة والخاصة
1)في اي الحالات تطبق إجراءات المحاكم الطارئة أو الخاصة؟
2)فيم تختلف إجراءات المحاكم الطارئة أو الخاصة عن إجراءات المحاكم الجزائية العادية؟
3)إلى أي مدى تتوافر الضمانات المشار إليها في الأقسام من A إلى Jفي المحاكم الطارئة أو الخاصة؟
4)القوانين والقواعد واللوائح والقرارات والممارسات الحاكمة لإجراءات المحاكم الطارئة أو الخاصة والتي قد يكون لها آثار مماثلة للإجراءات الجنائية في المسائل المشار إليها، وكيف تختلف عن الإجراءات العادية؟
M
المحاكم الإدارية
(يرجى التركيز على الإجراءات التي قد يكون لها آثار شبيهة بالمحاكمات الجنائية كالحبس مثلاً).
1)كيف تختلف الإجراءات في المحاكمات الإدارية عن الإجراءات في المحاكم العادية الجنائية والمدنية؟
2)إلى أي مدى يبلغ أطراف المحاكمات الإدارية بالمعلومات التي قد تؤثر عليهم: محاكمة عادلة وعلنية بواسطة محكمة مختصة مستقلة غير متحيزة مشكلة وفقاً للقانون، فرصة تقديم المعلومات المؤيدة لطلباتهم أو دفاعهم، قرارا صادر على أساس المعلومات المقدمة في المحاكمة، وقرار علني؟
3)إلى أي مدى تتوافر الضمانات المشار إليها في الأقسام من Aإلى Jفي المحاكمات الإدارية؟
4)القوانين والقواعد واللوائح والقرارات والممارسات الحاكمة للإجراءات الإدارية، خاصة ما يكون له تأثير شبيه بالإجراءات الجزائية.
مذكرة توضيحية
ملحقة باستبيان “الحق في محاكمة عادلة”
سبق أن أشرت في الرد على الاستبيان المرسل من منظمي الندوة إلى رأي الشريعة الإسلامية بإيجاز في كل مسألة من مسائل الاستبيان.
وذكرت في مقدمة الرد على الاستبيان أن:
لهذه المذكرة خصوصية تعكس خصوصية النظام القانوني الذي تتحدث عنه:
فهو نظام مصدره نصوص دينية.
يفسرها ويفرع عليها جهود بشرية.
هذه الجهود متنوعة في اجتهاداتها (المذاهب) التعددية.
وتطبيقاتها التاريخية تقدم نماذج إيجابية في التعبير عنها وأخرى سلبية في الانحراف عنها، ومنذ القرن الماضي بدأت حركة تقنينها (من مالك إلى المجلة).
وتعددت التقنيات المعاصرة (مشروعات وقوانين).
كل ذلك يشكل صعوبة في الرد على الاستبيان المرسل الذي صمم لتقنيات محددة بغرض الخروج بدراسة مقارنة.
ولعلاج الموقف كان لابد من:
أ. الاقتصار أساساً على النصوص المصدرية.
ب. وعدم اللجوء إلى الاجتهادات البشرية إلا في حالات الاتفاق الغالب (مع الإشارة إلى الرأي المخالف) والقواعد العامة.
ج.وعدم اللجوء إلى النماذج التاريخية إلا لبيان الإمكانية الإيجابية الخلاقة.
د. وعدم الاستعانة بالتقنيات المعاصرة إلا في أضيق الحدود (المجله).
ه. ومع هذا تبقى بعض الأسئلة في الاستبيان غير قابلة للإجابة، إما لأنها لا تنطبق على حالة الشريعة، أو لأنها تتعلق بتفاصيل غير مقننة بعد.
ونظراً لأن معظم الأسئلة تدور حول محاور بعينها فإن الردود بطبيعة الحال سوف لا توضح الصورة الكاملة، خاصة في الأمور التي يكون للشريعة فيها رأي يختلف جذريّاً مع القانون الوضعي.
فتوضيحاً للأمور قمت في هذه المذكرة بجمع الأسئلة ذات المحور الواحد في موضوعات مستقلة، أعرض في كل منها رأي الشريعة، وأُشير إلى المراجع التي يمكن الاستعانة بها لمزيد من التفاصيل.
وقد اقتضى الأمر نقل بعض الأسئلة من القسم الخاص بها في الاستبيان إلى قسم آخر، تقديماً أو تأخيراً؛ لتلحق بمثيلاتها في ذات المحور.
A
المعاملة أثناء الحبس قبل المحاكمة وأثناءها
أولاً: هناك قاعدة شرعية نصت عليها مجلة الأحكام العدلية في المادة 67 ونصها: “لا ينسب إلى ساكت قول، لكن السكوت في معرض الحاجة بيان”.
وسيأتي تفصيل بيان لحالة غير القادر على الكلام بلغة يفهمها من يخاطبه (انظر القسم D).
وللجزء الأول من القاعدة تطبيقات كثيرة مؤداها أنه قال: لا يقال لساكت: إنه قال كذا[1]. أما الجزء الثاني من القاعدة فيعني أن السكوت من القادر على التكلم في معرض الحاجة إلى البيان بيان بشرط:
1. أن يكون هناك دلالة من حال المتكلم.
2. أو يكون هناك ضرورة لدفع الغرر والضرر، يعني أن السكوت فيما يلزم التكلم به إقرار وبيان.
ولكل من الشرطين تطبيقات كثيرة يهمنا في مجال بحثنا هنا منها حالة من سكوت المدعي عن الجواب بلا عذر يُعَدُّ إنكاراً؛ دفعاً للضرر عن المدعي بتأخير حقه[2].
ويترتب على اعتبار السكوت في هذه الحالة إنكاراً، السير في إجراءات الدعوى بدءاً بان يقدم المدعي ما لديه من إثبات على ما يدعيه.
ويلاحظ أن الجزء الثاني من القاعدة تعتبر السكوت في معرض الحاجة بياناً، والبيان كما يكون بمعنى الإنكار كما في الحالة السابقة، فإنه يكون بمعنى الإنكار كما في الحالة السابقة، فإنه يكون بمعنى القبول كما في حالة سكوت الوكيل فإنه يعتبر قبولاً للوكالة، وكما في حالة سكوت المقر له فإنه يعتبر قبولاً للإقرار؛ وذلك لأن كلاًّ من الوكالة والإقرار لا يحتاج إلى القبول، وإن كانت ترتد بالرد[3].
وبناء على هذه القاعدة يمكن الرد على التساؤلات 2أ، 2ب، 2جـ على النحو التالي:
§ هل للمتهم الحق في عدم الكلام؟ نعم له ذلك، ويعد سكوته إنكاراً.
§ ما العقوبات الرسمية والفعلية التي يتعرض لها من الشرطة وجهات التحقيق الأخرى وعند المحاكمة؟ لا يجوز أن تكون هناك أية عقوبات على سكوت المتهم.
§ هل يجوز للمحقق الاستمرار في سؤال المتهم بعد أن أصر على الصمت، أو طلب استشارة محاميه؟ لا يجوز الاستمرار في سؤاله، وينبغي إجابة طلبة استشارة محاميه حتى لا يتورط في أقوال قد تضره عند الدفاع عن نفسه في المحاكمة، وهو حق مقرر له[4].
§ هل يمكن استخدام صمت المتهم ضده في المحاكمة؟ لا يجوز، بل يعتبر الصمت إنكاراً للتهمة، كما قدمنا.
ثانياً: هناك قاعدة شرعية نصت عليها مجلة الأحكام العدلية في المادة 79 ونصها: “المرء مؤاخذ بإقراره”.
والإقرار (أي الاعتراف) في الشرع عبارة عن الإخبار بما عليه من الحقوق، وهو ضد الجحود، وهو حجة شرعية، تَثْبُتُ حجيته بالنقل والعقل.
فمن الأدلة النصية على هذه القاعدة إشارة القرآن الكريم إلى توثيق المداينة بالكتابة كما جاء في قوله تعالى: (وليملل الذي عليه الحق وليتق الله ربه ولا يبخس منه شيئا)[5]، فلو لم يقبل إقراره لما كان لإملاله معنى؛ إذ الإملاء لا يتحقق إلا بالإقرار، وكذلك قوله تعالى: (يا أيها الذين آمنوا كونوا قوامين بالقسط شهداء لله ولو على أنفسكم)[6] فيه توجيه إلى اعتبار هذه القاعدة.
أما كون القاعدة يساندها العقل، فإنه من المعلوم أن الإنسان العاقل لا يقر على نفسه كذباً، ولا يدفع نفسه متعمداً إلى ما فيه ضرر بين؛ ولذلك اعتبره الشرع غير مهتم فيما يقر به على نفسه، وإلى هذا المعنى أشار الله تعالى في قوله: (بل الإنسان على نفسه بصيرة)[7].
واشترط أبو حنيفة أن يكون الإقرار في مجلس القضاء، أما مالك والشافعي وأحمد فلا يشترطون حصول الإقرار في مجلس القضاء[8].
ثالثاً: هل يجوز إكراه المتهم بارتكاب جريمة على الاعتراف بارتكابها؟ يجد البعض صعوبة في فهم آراء الفقهاء في هذا الموضوع، والسبب هو الخلط بين أمور ثلاثة:
1)الحبس أو الضرب توصلاً إلى اعتراف المتهم.
2)الحبس الاحتياطي.
3)الحبس أو الضرب كعقوبة على جريمة ثابتة.
والتمييز ضروري بين هذه الحالات الثلاث حتى يتضح حكم الشريعة في كل منها:
أ. فبخصوص الحبس أو الضرب (وباقي أنواع الإكراه والتعذيب من باب أولى) “أجمعت كافة المذاهب الإسلامية على اشتراط حرية الإرادة والاختيار في المقر حتى يكون إقراره معتبراً يؤاخذ به، وعلى أن إقرار المكره باطل لا يؤخذ به[9]. قال بذلك المذهب الحنفي[10]، والمالكي[11]، والشافعي[12]، والحنبلي[13]، والزيدي[14]، والأباضي[15]، والجعفري[16]، والظاهري[17]. وننقل هنا عبارة ابن حزم الظاهري؛ لأنها بالغة الدلالة:
إن المتهم لا يخلو حاله: إما أن يكون متهماً لم يصح قِبَله شيء، أو يكون قد صح قِبَله شيء من الشر: فإن كان متهماً بقتل أو زنا أو سرقة أو شرب خمر أو غير ذلك فلا يحل سجنه؛ لأن الله تعالى يقول: (إن الظن لا يغني من الحق شيئا)[18]، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: “إياكم والظن فإن الظن أكذب الحديث” وقد كان في زمن رسول الله صلى الله عليه وسلم المتهمون بالكفر وهم المنافقون، فما حبس رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم أحداً[19].
قال ابن حزم: الامتحان في الحدود وغيرها من الجرائم بالضرب أو السجن أو التهديد لا يحل شرعاً؛ لأنه لم يوجب ذلك قرآن ولا سنة ثابتة ولا إجماع، ولا يحل أخذ يئ من الدين إلا من هذه النصوص الثلاثة نصوص التي هي أصول التشريع، بل قد منع الله تعالى من ذلك على لسان رسوله صلى الله عليه وسلم بقوله: “إن دماءكم وأموالكم وأعراضكم وأبشاركم عليكم حرام” فقد حرم الشارع البشرة والعرض فلا يحل ضرب مسلم، ولا سبه إلا بحق أوجبه القرآن أو السنة الثابتة، وقال تعالى: (فامشوا في مناكبها وكلوا من رزقه)[20] فلا يحل لأحد أن يمنع مسلماً من المشي في الأرض بالسجن بغير حق أوجبه قرآن أو سنة ثابتة[21].
ويرى ابن حزم تأسيساً على ما تقدم أنه لو ضرب المتهم حتى أقر فإن إقراره لا يعمل به؛ لأنه أخذ بصفة لم يوجبها قرآن ولا سنة ولا إجماع، وللمتهم المضروب أن يرفع الدعوى ضد من عذبه ليقاد له منه، سواء من عذبه كان هو السلطان أو غيره[22].
وقد استدل كل من الشافعية والحنابلة لرأيهم في عدم الاعتداد بإقرار المكره بقوله صلى الله عليه وسلم: “رفع عن أمتي الخطأ والنسيان وما استكرهوا عليه”.
ب. أما عن الحبس الاحتياطيفسنتناول بحثه بالتفصيل بعد قليل.
ج.رابعاً: بقيت حالة الحبس أو الضرب كعقوبة على جريمة ثابتة: وهي الحالة التي التبست على البعض فخلطوا بينها وبين حالة الإكراه على الإقرار، بينما نحن هنا أمام حالة عقوبة تعزيرية تهديدية. يقول ابن القيم في هذه الحالة:
1. وأما عقوبة من عرف أن الحق عنده، وقد جحده فمتفق عليها بين العلماء، لا نزاع بينهم أن من وجب عليه حق ليس فيه حبس وخاصم بالباطل حبس حتى يخرج ما عليه .. ومن وجب إحضاره من النفوس والأموال استحق الممتنع من إحضاره العقوبة. وأما إذا كان إحضاره إلى من يظلمه أو إحضار المال إلى من يأخذه بغير حق فهذا لا يجب، بل ولا يجوز، فإن الإعانة على الظلم ظلم[23].
2. ويضرب ابن القيم مثالاً آخر؛ حالة المعاصي التي لا كفارة فيها ولا حد كسرقة ما لا قطع فيه، والنظر إلى الأجنبية وغير ذلك، فهذا يسوغ فيه التعزير وجوباً عند الأكثرين، وجوازاً عند الشافعي.
ثم إن كان الضرب على ترك واجب مثل أن يضربه ليؤدب به، فهذا لا يتعدد، بل يضربه، يوماً فإن فعل الواجب وإلا ضرب يوماً آخر بحسب ما يحتمله ولا يزيد في كل مرة على مقدار أعلى التعزير[24].
ثم يعود إلى شرح المثال الأول فيقول:
وأما ضرب المتهم إذا عرف أن المال عنده – وقد كتمه وأنكره – فيضرب ليُقِرّ به. فهذا لا ريب فيه. فإن ضرب ليؤدى الواجب الذي يقدر على وفائه كما في حديث ابن عمر: “أن النبي صلى الله عليه وسلم لما صالح أهل خيبر على الصفراء والبيضاء، سأل زيد بن سعيد – عم حُيَىّ بن أخطب، فقال أين كنز حيى؟ فقال: يا محمد أذهبته النفقات، فقال للزبير: دونك هذا، فمسه الزبير بشيء من العذاب، فدلهم عليه في خربة، وكان حليّاً في مسك ثور” فهذا أصل في ضرب المتهم[25].
وفي موضع آخر بعد أن ناقش ابن القيم آراء الفقهاء في التفرقة بين الدين عوض والدين من غير عوض قال:
والذي يدل عليه الكتاب والسنة وقواعد الشرع: أنه لا يحبس في شيء من ذلك، إلا أنه يظهر بقرينه أنه قادر مماطل، سواء كان دينه عن عوض أو عن غير عوض، وسواء لزمه باختياره أو بغير اختياره، فإن الحبس عقوبة، والعقوبة إنما تسوغ بعد تحقق سببها. وهي من جنس الحدود، فلا يجوز إيقاعها بالشبهة. بل يتثبت الحاكم، ويتأمل حال الخصم ويسأل عنه، فإن تبين له مطله وظلمه ضربه إلى أن يوفى أو يحبسه. وإن لم يتبين له حاله. ولو أنكر غريمه إعساره فإن عقوبة المعذور شرعاً ظلم. وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم لغرماء المفلس الذي لم يكن له ما يوفى دينه: “خذوا ما وجدتم، وليس لكم إلا ذلك” وهذا صريح في أنه ليس لهم إلا أخذ ما وجدوه، ولس لهم حبسه ولا ملازمته.
ولا ريب أن الحبس من جنس الضرب؛ بل قد يكون أشد منه. ولو قال الغريم للحاكم: اضربه إلى أن يحضر المال: لم يجبه إلى ذلك، فكيف يجيبه إلى الحبس الذي هو مثله أو أشد. ولم يحبس الرسول صلى الله عليه وسلم طول مدته أحداً في دين قط. ولا أبو بكر بعده، ولا عمر ولا عثمان، وقد ذكرنا قول عليّ رضي الله عنه[26].
وخلاصة القول أن الحبس أو الضرب عقوبة تعزيرية تهديدية على جريمة ثابتة:
1. هي في الحالة الأولى جريمة المماطلة في دفع المستحق لقوله صلى الله عليه وسلم: “مطل الغنى ظلم يحل عرضه وعقوبته”[27] ولابد فيها من إثبات أنه قادر، أما غير القادر فالتوجيه القرآني بالنسبة له: (وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة وأن تصدقوا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون)[28].
2. وهي في الحالة الثانية عقوبة تعزيرية على المعاصي التي لا كفارة لها ولا حد، ويجوز تكرارها إذا عاد الشخص إلى ارتكاب المعصية.
vومعلوم أن العقوبة التعزيرية ليست محددة، ومتروك تقديرها للقاضي، أو لولي الأمر في حالة التقنين بتحديد عقوبة تعزيرية على أفعال جرمتها الشريعة دون تحديد عقوبة لها، وبإمكان القاضي وولي الأمر تنويع العقوبات التعزيرية بما يتفق مع طبيعة الجريمة وظروف ارتكابها وشخصية الجاني، بدءاً بالتأنيب والتوبيخ وانتهاءً بالعقوبات المالية والبدنية الأخرى فيما دون عقوبة الحد.
خامساً: والآن يحسن بنا أن نعرّف الإكراه الذي يمتنع اللجوء إليه والذي يبطل الإقرار المبني عليه: هل هو محصور في صورة استعمال العنف المادي أم يمتد ليشمل التهديد للشخص نفسه وأقاربه ومصالحه الاقتصادية، كالفصل من العمل مثلاً، وتضليل المتهم بطريق الغش والخداع…؟
هناك تفاصيل كثيرة في الفقه الإسلامي يتبين منها أن الإكراه يمكن أن يكون ماديّاً، ويمكن أن يكون معنويّاً، والإكراه المادي هو ما كان التهديد والوعيد فيه واقعاً، أما الإكراه المعنوي فهو ما كان الوعيد والتهديد فيه منتظر الوقوع. والرأي المرجوح في مذهب أحمد يرى الاكتفاء بصورة الإكراه المادي، ولكن الرأي الراجح في المذهب يرى مع المذاهب الثلاثة الأخرى أن الإكراه المعنوي كذلك يأخذ حكم الإكراه المادي، بمعنى ظان الوعيد بالتعذيب أو بالقتل أو بالضرب أو بغير ذلك إكراه، واشترطوا للإكراه شروطاً إذا توافرت بطل الإقرار الحادث بناء عليه، وهذه الشروط هي:
1)أن يكون الوعيد مما يستضر به بحيث يعدم الرضا أو يفسده، وسواء في ذلك الضرر المادي والمعنوي.
2)أن يكون الوعيد بأمر حال يوشك أن يقع إن لم يستجب المكره.
3)أن يكون المكره قادراً على تحقيق وعيده.
4)أن يغلب على ظن المكره أنه إذا لم يجب إلى ما دعي إليه تحقق ما أوعده به[29].
سادساً: وفي خصوص الغش والخداع، فيرى جمهور الفقهاء عدم جوازه، بل إنهم يستحبون للقاضي أن يثني المتهم عن الإقرار إن هم به وعن المضي فيه إذا بدأه، وأن يعرّض له بالرجوع فيه إن كان مما يقبل فيه الرجوع[30] وخالف ابن حزم في ذلك؛ إذ يرى أن الاحتيال ليس كالإكراه[31].
سابعاً: وفي خصوص أهمية معرفة المتهم نتيجة إقراره يروى عن ابن مسعود أنه أتى بسوداء يقال لها: سلامة، فقال: سرقت؟ قولى: لا، قالوا: أتلقنها؟ قال: جئتموني بأعجمية لا تدري ما يراد بها حين تقر فأقطعها[32].
ثامناً: العدول عن الإقرار جائز في الحدود الخالصة لله تعالى كحد الزنى أو الشرب أو السرقة، وهو رأي جمهور الفقهاء[33] سواء كان الرجوع قبل صدور الحكم أو بعده أو حتى بعد البدء في تنفيذه.
سابعاً: تلقين الإنكار: روى عن الرسول صلى الله عليه وسلم تلقين المتهمين بالزنا والسرقة الإنكار أو الرجوع عن إقرارهم؛ وذلك درءاً للحد عنهم[34]، وكذلك كان يفعل الخلفاء والقضاة من بعده.
عاشراً: الإقرار حجة قاصرة: هناك قاعدة شرعية نصت عليها مجلة الأحكام العدلية في المادة 78، ونصها: “البينة حجة متعدية، والإقرار حجة قاصرة” أي قاصرة على نفس المقر لا تتجاوزه إلى غيره؛ لأن كونه حجة ينبني على زعمه، وزعمه ليس بحجة على غيره، وقيل لقصور ولايته على نفسه، أما البينة فهي تصير حجة على الغير بالقضاء[35]. وعلى هذا جرت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم. فقد روى أبو داود عن سهل بن معد أن رجلاً جاء الرسول فأقر عنده أنه زنى بامرأة سماها له، فبعث رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى المرأة فسألها عن ذلك فأنكرت أن تكون زنت، فجلده الحد وتركها[36].
حادي عشر: تفتيش شخص المتهم ومسكنه واستباحة حياته الخاصة:
لم يتضمن الاستبيان أسئلة عن هذا الموضوع، وأظن أن موضعه في هذا القسم، وبياناً لرأي الشريعة في الموضوع أقرر أن الشريعة الإسلامية تحظر تفتيش الشخص والمسكن واستباحة الحياة الخاصة (بما في ذلك التجسس على مراسلاته ومكالماته الهاتفية) بغرض التحقق من وقوع الجريمة، وهذا الحكم من صميم الشرع، وإنما هي تسمح بذلك فحسب إذا قامت القرائن أو الدلائل على وقوع الجريمة، وهذا الحكم من صميم الشرع، أما تقدير قوة القرائن ومدى كفايتها فمتروك للقائم على تنفيذ حكم الشرع، ولما كان من المقرر أن تقييد حقوق المتهم وحرياته هو خروج على الأصل نزولاً على حكم الضرورة فإنه يتعين ألا يجاوز القيد مداه. ويتحدد هذا المدى بالغاية التي استوجبت فرض القيد، وهو الكشف عن الحقيقة، فما لا تقتضيه هذه الضرورة لا يباح بل يظل على أصله من الحظر. وإذا اقتضت الضرورة تقييد حرية المتهم أو حق من حقوقه فإنه يتعين تنفيذ هذا الإجراء بطريقة تتفق مع الآداب الإسلامية[37].
ثاني عشر: الحبس الاحتياطي:
سبق أن أشرنا تحت “ثالثاً” إلى اللبس الذي يقع فيه البعض بين الحبس كصورة من صور تعذيب المتهم لحمله على الاعتراف، والحبس كعقوبة تعزيرية تهديدية، والحبس الاحتياطي. وقد تناولنا بالبحث الحالتين الأوليين، ونتكلم هنا عن الحبس الاحتياطي.
الأصل عند فقهاء الشريعة أن حرية الإنسان مكفولة، فله أن يتنقل حيث يشاء كما يشاء. وقد منع الفقهاء حبس الإنسان إلا لضرورة توجب الحد من هذا الأصل. وهم حين يتحدثون عن الحبس فإنما يقصدون به مفهومه الواسع، فهو يشمل عندهم كلاًّ من القبض والحبس الاحتياطي بحسب اصطلاح القوانين الوضعية. وقد عرف ابن القيم الحبس الشرعي بأنه ليس الحبي في مكان ضيق، وإنما هو تعويق الشخص ومنعه من التصرف بنفسه. ويجوز الحبس الاحتياطي في كل جريمة تقتضي التحفظ على المتهم، إما ضماناً لعدم هربه أو لتنفيذ حكم الإدانة عند صدوره، وعلى هذا جمهور الفقهاء[38].
غير أنهم يختلفون بعد ذلك فيمن يصح له أن يأمر بالحبس، وفيمن يصح حبسه، وفي أقصى مدة للحبس[39]، ومن تتبع آرائهم يتبين أن الحبس الاحتياطي محاط بقيود منها ما يتصل بالغاية منه، ومنها ما يتصل بصفة الآمر به، ومنها ما يتصل بشروط الأمر به، ومنها ما يتصل بمدته، وتلعب السياسة الشرعية دوراً كبيراً في تحديد هذه القيود وتنظيم أحكامها. وليس في أصول الشريعة العامة ولا في نصوصها الخاصة ما يحول دون تنظيم هذه المسائل على نحو يختلف باختلاف الزمان والمكان إذا اقتضت ذلك دواعي المصلحة العامة[40].
B
الاتهــام
ثالث عشر: وقت معرفة المتهم للتهم الموجهة إليه، وأدلتها:
أ. يقوم نظام الاتهام في الشريعة الإسلامية على طريقين:
الأول: الاتهام الفردي الذي يوجهه من تتعلق به الجريمة وتمس مصالحه شخصيّاً وهو:
§ المجني عليه الذي وقعت عليه الجريمة.
§ أو من يقوم مقامه كالوكيل.
§ أو من تعلقت به أضرار الجريمة ولو لم يكن المجني عليه، كورثة القتيل ونحوه.
فالمتضرر يباشر التهمة ويواصل التقاضي حتى ينتهي الفصل في الخصومة، ويكون هو المدعى، والخصم هو المدعى عليه.
الثاني: الاتهام العام الذي يوجهه – في الجرائم التي تغلب فيها المصلحة العامة – من تتوافر فيه شروط الحسبة، سواء عينته الحكومة لهذا الغرض أو لم تعينه، وهذا أحد تطبيقات واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وهو من فروض الكفاية، وبه تصان مقومات المجتمع وقيمه من أن تنتهك[41]، ويعتبر المدعى في هذه الحالة شاهداً في نفس الوقت[42].
ب. ولقبول النظر في الدعوى شروط تسمى شروط صحة الدعوى: منها أن يكون المدعى به أي موضوع الدعوى معلوماً[43]. فإذا لم يتوافر أحد هذه الشروط لم ينظر القاضي في الدعوى حتى تستكمل.
ج.فإذا استكملت بدأ نظر الدعوى بالاستماع إلى المدعى – في حضور المدعى عليه – ثم يسأل المدعى عليه بماذا يجيب، فإذا طلب نسخة من دعوى المدعى وطلب مهلة للاطلاع عليها وإعداد جوابه، أمر القاضي بإعطائه نسخة من الدعوى، وأمهله مدة مناسبة للإجابة. وكما أن للمدعى عليه هذا الحق عند ابتداء الدعوى فله كذلك أن يطلب الاطلاع على الأوراق والوثائق والمستندات التي يقدمها المدعى، وكذلك شهادات الشهود وأن يأخذ نسخأً من كل ذلك لإعداد دفاعه[44].
C
حق الدفاع
رابع عشر: الدفاع:
أ. توكيل المتهم من يدافع عنه جائز في الشريعة، ويسمى الوكالة بالخصومة، وهي معروفة منذ بداية الإسلام، وهي حق لكل من طرفي الخصومة. والرأي متفق في الفقه الإسلامي على أن تمكين المتهم من الدفاع عن نفسه هو من الشرع لا من السياسة، فلا يجوز لأي سبب من الأسباب حرمان المتهم من هذا الحق[45].
ب. وحتى تتحقق حكمة توكيل من يدافع عن أحد الخصمين، فقد كان القضاة إذا رأوا من أحد الخصمين عجزاً عن الدفاع عن نفسه حرضوه على توكيل من يدافع عنه[46].
D
المحاكمة
خامس عشر: المحاكمة دون تأخير:
أ. يتنازع هذه المسألة اعتباران:
أحدهما: أهمية سرعة البت في القضايا لوصول الحق إلى صاحبه، وأهمية التأني لفهم القضية في جانبيها: الشق المتعلق بالحقيقة أو الواقع والشق المتعلق بتطبيق القانون، وفي كل من الشقين أهمية إعطاء طرفي الخصومة المهلة اللازمة لتقديم أدلته ومناقشته أدلة خصمه. وبين هذه الاعتبارات يتحرك القاضي وهمه الوحيد هو التوصل إلى الحقيقة وتطبيق الحكم الشرعي عليها دون إتاحة فرصة لأحد الخصمين للمماطلة دون مبرر.
ومن هنا كان تحديد المواعيد مما لا يمكن تعميمه فيترك ذلك للقاضي ليقدر كل حالة بقدرها، فقد يؤخر الفصل إلى آخر المجلس أو يوماً أو أياماً أو أكثر من ذلك حسبما تقتضيه الظروف[47].
ب. وهناك آجال إلزامية للقاضي منها على سبيل المثال تأجيل المجنون جنوناً عارضاً لمدة سنة قبل أن يفرق بينه وبين زوجته، وتأجيل التفريق بين المفقود وزوجته أربع سنوات من تاريخ انقطاع أخباره، وتأجيل توزيع حصة الحمل من الميراث، وتأجيل الصغير حتى يبلغ، وتأجيل تنفيذ بعض العقوبات كما في حالة الحامل حتى تضع وتكمل فطام صغيرها[48].
ج.بقى أن نشير إلى أن القضاء الإسلامي عرف ما يسمى بالتعجيز والإعذار.
1. والتعجيز: يكون إذا انقضت الآجال التي ضربها القاضي بناء على طلب أحد الخصمين ولم يأت الخصم المؤجَّل ما وعد بإتيانه، ولم يأت بعذر يوجب له تأجيلاً آخر، فإن القاضي يصدر قراره بتعجيز هذا الخصم، أي باعتباره عاجزاً عن تقديم بينته التي تثبت الدعوى إن كان هو المدعى، أو تثبت دفاعه إن كان هو المدعى عليه، ثم لا يسمع القاضى منه بعد ذلك حجة ولا بينة إذا أتى بها، سواء كان هذا المعجَّز هو المدعى أو المدعى عليه[49].
2. والإعذار – عند المالكية – يكون إذا انتهت المدة التي أجل فيها الحكم، وقبل أن يحكم القاضي فإنه لابد أن يعذر القاضي من توجه عليه الحكم، ويسأله إن بقى لديه حجة ليقطع عذره ولا يبقى له حجة، وهذا يسمى بالإعذار. ولو حكم القاضي قبل أن يعذر من توجه عليه الحكم فلم يسأله إن كان له ما يسقطه لم يصح حكمه. واستثنى فقهاء المالكية بعض الحالات التي لا يجب فيها الإعذار لعدم الفائدة منه، كما في حالة الإقرار في مجلس القضاء، وكحالة المتهم المشهور بالفساد والفجور[50].
د. بخصوص التقادم: فليس هناك حكم مقرر بشأن التقادم في التعازير؛ لأن تنظيم التعزير برمته من شأن ولي الأمر.
أما القصاص فلا يلحقه التقادم؛ لأن القصاص مقرر لحق الأفراد فلا يسقط إلا بالعفو أو الصلح أو الإبراء.
وفي الحدود يرى الجمهور أنه لا يلحقها التقادم خلافاً للحنفية الذين يرون التقادم في الجريمة وفي العقوبة بالنسبة للزنا والسرقة وشرب الخمر، أما القذف فلا يسلمون بالتقادم فيه[51].
وقد عبرت القاعدة الشرعية عن ذلك؛ إذ نصت على أن “الحقوق لا تسقط بتقادم الزمان وإن طالت المدة”[52].
وقد ذهب بعض الفقهاء إلى عدم سماع الدعوى إذا تركها صاحبها مدة طويلة حددها بعضهم بثلاث وثلاثين سنة (السرخسي من الحنفية) وبعضهم بخمس عشرة سنة (الرملي من الشافعية) ومستندهم أن الحق وإن كان لا يسقط إلا أن ولي الأمر يملك منع القضاة من سماع الدعوى بعد مرور مدة معينة على أساس حقه في تخصيص القضاة[53]. وعلى كل حال فمن الصعب تقرير نا إذا كان التقادم يشجع على الإسراع في نظر القضايا؛ إذ الأمر يحتاج إلى دراسة إحصائية ميدانية.
سادس عشر: علانية المحاكمات:
أ. الأصل في المحاكمات أن تكون علنية يحضرها من يشاء، والاستثناء أن تكون سرية إذا رأى القاضي مصلحة الطرفين في ذلك، خاصة قضايا الأسرة التي ينبغي أن يصان لأطرافها خصوصياتهم[54].
ب. وتوسيع نطاق العلانية بحضور وسائل الإعلام ونقلهم ما يجري في المحكمة يخرج بالمسألة من نطاق العلانية إلى نطاق النشر والإعلام الواسع الذي ينبغي الاحتياط لنتائجه، خاصة وأن المتهم برئ حتى تثبت إدانته، وما تلوكه الألسنة من أخبار الجرائم خاصة والقضايا العامة يترتب عليه أضرار يصعب – إن لم يستحل – تلافيها إذا حكم ببراءة المتهم بعد أن لاكت سمعته الألسن.
هذا فضلاً عما يترتب على نشر أخبار القضايا من تأثير على القضاة والشهود، خاصة إذا تناولتها أقلام الكتاب من صحفيين ومحامين بالتعليق والمناقشة؛ لذلك ينبغي الاقتصار بالنسبة لوسائل الإعلام على نشر الأحكام التي تصدر؛ إذ الحكم قرينة على الحقيقة حتى ولو لم يكن نهائياً، على أن يقتصر كذلك على نشره دون مناقشة أو تعليق لما ينبغي لسلطة القضاء من المهابة والاحترام، اللهم إلا في الأوساط الأكاديمية حيث تبحث الأحكام وتناقش لخدمة العلم دون اهتمام بأشخاص الخصوم فيها.
ج.وتنفيذ الأحكام الجزائية ينبغي أن يتم علانية، والنصوص صريحة في هذا الشأن، والحكمة من ذلك هي تحقيق مقصدين أساسيين من مقاصد العقوبة وهما زجر الناس عن ارتكاب: الجرائم، وشفاء صدور المجني عليهم حتى لا يفكروا في الثأر والانتقام. ومن هنا كانت فائدة في أن يتم تنفيذ الحكم في نفس المنطقة التي وقعت فيها الجريمة.
سابع عشر: المحاكم الغيابية:
أ. الأصل هو مبدأ مواجهة الخصوم، أي ألا تتم إجراءات الخصومة من سماع بينة أو إقرار أو إنكار أو شهادة أو غير ذلك إلا بحضور الخصوم أو وكلائهم، وألا يصح القضاء بدون ذلك. وهذا الأصل متفق عليه بين الحنفية وجمهور الفقهاء، غير أن الجمهور لم يمنعهم ذلك الأصل من السير في إجراءات الدعوى إذا امتنع المدعى عليه من الحضور وتعذر حضوره بنائب عنه، وكذلك في حالة الغائب البعيد، بينما الحنفية لا يرون السير في إجراءات الخصومة دون حضور الخصمين.
ومذهب الجمهور من جواز الحكم على الغائب ليس فيه إخلال بحق الغائب؛ إذ إن له حق الحق في الدفاع إذا رجع وأظهر حججه وبيناته، ولكنهم أجازوا الحكم عليه حتى لا يضيع حق المدعى إذا تعمد خصمه عدم الحضور سواء كان متوارياً أو متباعداً.
ب. ولأهمية مبدأ مواجهة الخصوم اتفق الفقهاء على ضرورة إعلان الخصم بالدعوى، فإن لم يحضر يرسل القاضي له رسولاً، فإن لم يحضر معه أحضر بقوة أعوان السلطان[55].
ج.وإذا صدر الحكم في غيبة المدعى عليه ثم عاد الغائب بعد صدور حكم القاضي، وقدم بينة مقبولة تدفع دعوى المدعى، فإن القاضي يصدر قراره بإبطال الحكم الذي أصدره. أما إذا عجز المدعى عليه عن إثبات دفعه فله تحليف المدعى اليمين، فإذا حلف بقى الحكم صالحاً للتنفيذ، وإذا نكل أبطل القاضي الحكم الذي أصدره وبرئ المدعى عليه من الحكم[56].
وهذا يعني أن المدعى له عند إعادة نظر الدعوى نفس المركز القانوني الذي كان سيكون له لو كان حاضراً، وله كذلك نفس الحقوق من اطلاع على المستندات وشهادة الشهود وغير ذلك.
د. أما بخصوص محاكمة الميت فهذا غير جائز في المسائل الجزائية، أما في المسائل المدنية فيختصم الورثة ويكون الحكم نافذاً في حدود التركة. أما ما زاد عن التركة فلا ينفذ به على الورثة.
ثامن عشر: محاكمة ناقص الأهلية من الناحية العقلية:
أ. إذا كان نقص الأهلية من الناحية العقلية معاصراً للجريمة فإن العقوبة ترفع عن الجاني لانعدام الإدراك فيه مع بقاء الفعل مجرّماً. أما من الناحية المدنية فتظل مسئوليته المالية قائمة لأن الأموال والدماء معصومة.
ب. أما إذا كان نقص الأهلية لاحقاً للجريمة وقبل الحكم فإنه يوقف المحاكمة عند المالكية والحنفية؛ لأن شرط العقوبة التكليف فينبغي توافره وقت المحاكمة. أما عند الشافعية والحنابلة فلا يوقف المحاكمة؛ لأن التكليف لا يشترط إلا وقت ارتكاب الجريمة ولكن إقراره لا يقبل.
ج.أما إذا طرأ نقص الأهلية بعد الحكم فيرى الشافعية والحنابلة أنه لا يوقف تنفيذ العقوبة إلا في جرائم الحدود وكان الحكم مبنيّاً على الإقرار وحده، وحجتهم أن العقوبة شرعت للتأديب وزجر الغير؛ فإذا امتنع لنقص الأهلية فيبقى الزجر سبباً لتنفيذ العقوبة. أما المالكية والحنفية فيرون إيقاف تنفيذ العقوبة[57].
تاسع عشر: الاستعانة بمترجم:
إذا كان أحد الخصمين أو كلاهما يتكلمان غير لغة القاضي فلابد من مترجم عنهما. وقد اختلفت المذاهب، فبعضهم اكتفى بمترجم واحد والبعض اشترط اثنين من المترجمين. ولابد على كل حال من توافر شروط العدالة في المترجم فضلاً عن شروط الكفاءة[58].
عشرون: حضور الشهود ومناقشتهم:
أ. يشترط في الشهود شروط معينة من أهمها:
1. العدالة وتعني اجتناب الكبائر وعدم الإصرار على الصغائر، وإذا لم يكن الشهود معروفين للقاضي من حيث عدالتهم فهناك إجراء التحري عنهم، ويعرف باسم تزكية الشهود؛ حيث يبعث القاضي معاونين له يتحرون – بلطف – عن أحوالهم في محال سكنهم وعملهم، فإذا اطمأنوا إلى حسن سيرتهم سمع القاضي شهادتهم، وكذلك إذا طعن الخصم فيهم فإن القاضي يبعث من يسأل عن عدالتهم.
§ وأعوان القاضي الذين يقومون بهذا العمل لا يكونون معروفين للخصوم؛ لكيلا يحاولوا التأثير عليهم.
§ وللمذاهب مناهج مختلفة في كيفية تجريح الشهود وتعديلهم لا يتسع لها البحث.
2. ومن شروط الشاهد كذلك ألا يكون متهماً في شهادته، كأن تكون هناك عداوة بين الشاهد والمشهود عليه، أو أن يكون في شهادته جلب منفعة له أو قيام شركة، أو وكالة بين الشاهد والمشهود له، أو وجود قرابة بينهما أو زوجية.
§ فكل هذه الأمور تقبل الطعن من جانب الخصمين في شهود كل منهما[59].
ب. هذا بالإضافة إلى مناقشة الشهود موضوعيّاً فيما يشهدون به:
1. وفي خصوص إثبات المدعى عليه لدفاعه، للفقهاء بحوث في شهادة النفي، والراجح قبولها إذا أحاط بها علم الشاهد وبينوا الحالات التي يحصل فيها هذا العلم[60].
2. ولا يقتصر حق الخصم في مناقشة أدلة خصمه على مناقشة الشهود، بل يشمل ذلك كل دليل يقدم في المحكمة.
3. ولا يعتد بشهادات مكتوبة لا يحضر أصحابها إلى المحكمة ليناقشوا فيها، ولكن يوجد ما يسمى بالشهادة على الشهادة، أي أن يشهد شاهدان على أقوال شاهد غائب يتعذر حضوره إلى المحكمة، وفي هذه الحالة يخضع الشاهد الأصلي والشاهدان على شهادته لنفس إجراءات التحقق من العدالة، كما تخضع أقوالهم للمناقشة، ثم لا يكون بعد ذلك لها نفس قيمة الشهادة المباشرة لوجود شبهة زائدة فيها عن الشبهة القائمة أصلاً في أي شهادة من احتمال الغلط والسهو والكذب. ولذلك اختلف الفقهاء فيما إذا كانت تقبل في الحدود أو لا تقبل؛ نظراً لأن القاعدة: أن الحدود تدرأ بالشبهات[61].
4. وفي خصوص شهادة رجال الشرطة وموظفي السلطة هناك عناية خاصة من جانب الفقهاء فبعضهم – خاصة بعض المتأخرين – يرون عدم قبول شهادة الشرطة الذين قاموا بظبط المتهم، وذلك من ناحية شبهة أنهم ربما يزيدون في شهادتهم لإتمام المهمة التي بدأوها، ومن ناحية أن الاعتداء من الشرطة على المتهم وحبسه يمنع قبول شهادتهم عليه، والفقهاء مجمعون على التفرقة بين من يعين السلطان على الظلم فشهادتهم لا تقبل، ومن لا يعينونه على الظلم فتقبل شهادتهم[62].
حادي وعشرون: قرينة البراءة:
هناك قاعدتان شرعيتان إحداهما: تقرر أن “اليقين لا يزول بالشك” (المادة 4 من مجلة الأحكام العدلية)[63] والثانية تقرر أن “الأصل براءة الذمة” (المادة 8 من مجلة الأحكام العدلية)[64] وتشمل هاتان القاعدتان المجال المدني كما تشملان المجال الجزائي، وقاعدة “المتهم بريء حتى تثبت إدانته” إن هي إلا تطبيق لهاتين القاعدتين، كما أن القاعدة التي سوف نشير إليها تحت “ثاني وعشرين” وهي درء الحدود بالشبهات تترتب على هذه القاعدة؛ إذ إنه حتى لو قويت الشبهة ضد المتهم ولم تصل إلى حد ثبوت التهمة عليه فإننا نكون أمام تعارض بين مفسدتين؛ إحداهما: هي تفشي الجريمة في حالة ترك المتهم نتيجة عدم ثبوت التهمة، والأخرى: هي إيقاع الظلم في حالة عقابه دون ثبوت التهمة، فيختار أهون المفسدتين وهو تفشي الجريمة، وقد عبر الرسول صلى الله عليه وسلم عن ذلك في الحديث الذي روته عائشة رضي الله عنها: “ادرءوا الحدود عن المسلمين ما استطعتم، فإن كان له مخرج فخلوا سبيله فإن الإمام إن يخطئ في العفو خير من أن يخطئ في العقوبة”[65].
ثاني وعشرون: درجة الذليل المطلوب في المسائل الجنائية والمدنية:
إن نظام الإثبات في الشريعة لا ينتمي إلى أي من النظامين المطلق والمقيد، بل هو أقرب إلى النظام المختلط من حيث تعيين الأدلة ووزن كل منها ومدى حرية القاضي ودوره في الإثبات، ويتوقف ذلك بالدرجة الأولى على موضوع الدعوى.
أ. ففي القضايا الجزائية:
1. يشترط لقبول الإقرار – ضمن شروط أخرى – أن يكون في مجلس القضاء (عند أبي حنيفة)، وأن يكون مبيناً مفصلاً قاطعاً في ارتكاب الفعل، وألا يكون المقر متهماً في إقراره.
وفي خصوص الحدود الخالصة لله تعالى (الزنى والشرب) أن يبقى المقر على لإقراره (أي لا يرجع فيه).
وفي خصوص الزنى أن يحدث الإقرار أربع مرات عند الحنفية والحنابلة (يشترط الحنفية أن يكون في أربعة مجالس) بينما يكتفي المالكية والشافعية بإقرار واحد.
أما باقي الجرائم كالقذف والقتل والجرح وجرائم التعزير فيكفي إقرار واحد[66].
2. أما عن الشهود فيشترط في جميع الجرائم شاهدان عدا جريمة الزنا حيث يشترط فيها أربعة شهود[67].
3. وفي خصوص الجرائم المنصوص على عقوبتها في القرآن والسنة وهي جرائم الحدود، وكذلك في جرائم القصاص تطبق قاعدة الدرء بالشبهات، وللفقه الإسلامي في هذا الصدد نظرية متكاملة مفصلة في الشبهة، سواء فيما يتعلق بالفاعل أو الفعل او المحل أو الطريق أو الإثبات أو الصيغة، وكذلك من حيث قوة الشبهة وضعفها، ومن حيث مقارنتها للفعل أو طروئها بعده، وفي هذه النظرية مجال كبير لاستفادة القانون الوضعي[68].
ب.أما في القضايا المدنية:
1)فيكفي إقرار واحد.
2)وفي الشهود يكفي شاهدان، وفي بعض الحالات يقبل شاهد واحد مع يمين المدعى أو بدونه، أو حتى بقول المدعى مع يمينه أو بدونه، كل ذلك وفقاً للحالات التي ذكرها الفقهاء واختلفوا في معظمها[69].
3)وقد ورد الأمر في القرآن بكتابة الديون المؤجلة، وذلك في آية المداينة[70]، والتي ورغم صراحة الأمر في الآية فقد ذهب جمهور الفقهاء إلى أن الأمر هنا للندب لا للوجوب، بينما رأى البعض أنه للوجوب[71].
ج.وفي القضايا التجارية:
تستثنى آية المداينة الأعمال التجارية من وجوب الكتابة.
د. وهكذا نجد أن القاضي في الشريعة الإسلامية مقيد بأدلة معينة، بل وبعدد معين من الإقرارات والشهود في بعض الحالات، كما أن الفقهاء وضعوا للقاضي قواعد صارمة للترجيح بين الأدلة عند تعارضها، وهذا رأي جمهور الفقهاء، ولكن بعض كبار الفقهاء ومنهم ابن القيم أطلقوا سلطة القاضي في إثبات الدعوى بأي دليل كان على أساس أن المقصود هو ظهور الحق وأن الأدلة ليست من مسائل العبادات، بل هي وسائل إلى تحقيق هذا المقصود[72].
ثالث وعشرون: دور المجني عليه:
أ. المجني عليه هو صاحب الدور الأصلي في الادعاء في الشريعة الإسلامية، وبالتالي فإن دوره كمدعي مستمر منذ بداية الدعوى حتى نهايتها.
ب. ولا يعني هذا عدم جواز قيام نظام “النيابة العامة” أو”الادعاء العام” في القضايا التي يغلب فيها الصالح العام[73]، وكان نظام المحتسب في التاريخ الإسلامي قائماً بهذا الدور.
ج.ولكن قيام جهة رسمية بالادعاء لا تمنع المجنى عليه من ممارسة حقه كمدعي في القضايا من الناحية الجزائية، وتنازله عن حقه لا يمنع “النيابة العامة” من الاستمرار في الدفاع عن الصالح العام، وكذلك تنازل “النيابة العامة” عن الدعوى لا يمنع المجني عليه من الاستمرار في الدفاع عن حقه في المطالبة بمعاقبة الجاني، وهذا بطبيعة الحال إلى جانب حقه الذي لا تشاركه فيه “النيابة العامة” في المطالبة بالتعويض المدني.
د. بل هناك ما يسمى دعوى الحسبة حين يتقدم شخص ليس له مصلحة شخصية برفع الدعوى ويؤدي شهادته فيها فيكون مدعياً وشاهداً في نفس الوقت، وقد حدد الفقهاء أنواع القضايا التي يجوز فيها ذلك، وهي غالباً القضايا المتعلقة بالصالح العام وبمصالح الضعفاء[74].
ه. وفي البلاد الإسلامية التي يطبق فيها هذا النظام حالياً، فإن المحكمة بمجرد رفع الدعوى الجزائية إليها من قبل المجني عليه تقوم بإبلاغ “الادعاء العام” للقيام بدوره في القضية.
E
تشكيل المحكمة
رابع وعشرون: استقلال القضاء:
أ. تشترط الشريعة الإسلامية شروطاً معينة في القاضي[75] منها العلم بالقانون[76].
1)وبالتالي فلا مجال لنظام المحلفين في النظام القضائي الإسلامي.
2)بل لا مجال لقبول المحكمين الذين لا يعرفون القانون؛ إذ شرط المحكم أن تتوافر فيه شروط القاضي.
3)أما الاستعانة بالخبراء فواجبة في الشريعة الإسلامية؛ إذ المبدأ العام (فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون)، والقاعدة الشرعية: “يقدم في كل ولاية من هو أقوم بمصالحها”[77].
ب. وحياد القاضي وموضوعيته في الإسلام يقوم على مبادئ معينة شرحتها بالتفصيل كتب القضاء في الإسلام، ويمكن تلخيصها في الآتي:
1. اشترط شروط خُلقية عند اختيار القاضي منها عدالته، أي تجنبه الكبائر وعدم إصراره على الصغائر والمباحات التي تخل بالمروءة، وواضح أن تعبير القوانين الحديثة بأن يكون القاضي محمود السيرة وحسن السمعة لا يصل إلى المستوى المعبر عنه بالعدالة في الفقه الإسلامي[78].
2. التزام القاضي بضوابط معينة في عمله وفي حياته الخاصة: منها ما يتعلق بحالته النفسية من جوع ومرض وغضب وغير ذلك، وسمته ولباسه، ومراعاة الأدب في مجلس القضاء[79]، ومنها ما يتعلق بتحرره من هوى النفس[80]، وتجرده عن المصلحة في الدعوى، ويدخل في هذا: منعه من التجارة، ومن الاستجابة للدعوى الخاصة، ومن قبول الهدية (والرشوة بطبيعة الحال)، وتنزيهه عن طلب الحوائج، ومنعه من نظر الدعاوى التي هو طرف فيها أو أحد أقاربه أو أصدقائه أو أعدائه[81]، وخالفة هذا المنع الأخير يجعل حكم القاضي ينقض بلا خلاف بين الفقهاء[82].
ج.أما استقلال القضاء في الإسلام فيقوم كذلك على المبادئ التالية:
1. السيادة العليا في الدولة الإسلامية هي الشريعة الإسلامية: هذا هو مفتاح شرعية جميع الأوضاع، وبالتالي هو مفتاح استقلال القضاء عن كل من السلطتين التنفيذية والتشريعية. ومهمة القضاة تطبيق للشريعة ومراقبة سيادتها على جميع الأوضاع، فالقضاة يستمدون قوتهم من قوة الشريعة التي يحرسون سيادتها.
2. والسلطة التنفيذية خاضعة كذلك للشريعة، وطاعة الشعب للحاكم مصدرها قوله تعالى: (أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم) وحدودها قوله عليه الصلاة والسلام: “لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق” “إنما الطاعة في المعروف”.
vوالقضاة في نهاية المطاف هم الذين يقررون ما إذا كان أمر ولي الأمر موافقاً للشريعة فيكون واجب الطاعة، أو مخالفاً للشريعة فيكون مهدراً لا قيمة له.
vولا يقدح في استقلال القضاء في الإسلام عن السلطة التنفيذية ممثلة في الخليفة رئيس الدولة أنه هو الذي يعين القضاة؛ إذ إن الخليفة نفسه يمكن مساءلته مدنيّاً وجزائيّاً أمام القضاء، شأنه في ذلك شأن الأفراد العاديين تماماً، ولا يعرف الإسلام لرئيس الدولة أي امتيازات أو إعفاءات، أو أن ذاته مصونة لا تمس، وكان الرسول صلى الله عليه وسلم نفسه قدوة في هذا المجال[83].
vوإذا كان هذا شأن رئيس الدولة فمن باب أولى أن يكون شأن من هم أدنى منه في سلم السلطة السياسية أو العسكرية، بل قد نشأ في الإسلام نظام خاص لمحاكمة أصحاب النفوذ والسلطان إذا خيف من تطاولهم على القضاء العادي، وهو ما كان يسمى بقضاء المظالم أو ديوان المظالم.
vوقد عرف تاريخ القضاء في الإسلام أمثلة عديدة لعلماء أجلاء رفضوا منصب القضاء أو تركوه بعد ما مارسوه؛ لئلا يتعرضوا للحرج من رجال السلطة إذا حاولوا المساس باستقلال القضاء أو التدخل في شئونه، فضلاً عن الحرج من وساطة المتوسطين وشفاعة الشافعين[84].
3. تقوم بدور السلطة التشريعية بمفهومها المعاصر في الإسلام سلطتان:
سلطة للرقابة هي ما كان يسمى بأهل الحل والعقد وهم زعماء الأمة وممثلوا فئاتها المختلفة والذين لهم حق ترشيح الخليفة ومحاسبته وعزله، وسلطة التشريع وهذه يقوم بها المجتهدون والذين تنحصر مهمتهم في الاجتهاد فيما لم يرد به نص في الكتاب والسنة، أي في منطقة الفراغ التشريعي، وهم في عملهم يتقيدون بمنهج معين هو علم أصول الفقه ويرعون السيادة العليا للشريعة ممثلة في الكتاب والسنة.
vوواضح ان السلطة التشريعية بهيئتيها المشار إليهما لا يمثلون أي تدخل في عمل السلطة القضائية؛ لأن عمل هذه السلطة الأخيرة منحصر في فض المنازعات بين أشخاص محدودين وفي العقاب على الجرائم التي يرتكبها الأفراد أي في مجال تطبيق القانون وليس في مجال وضعه[85].
vولم يكن الأمر هكذا منذ البداية بل كان الفقهاء يشترطون فيمن يتولى القضاء أن تتوافر فيه شروط المجتهد، وبالتالي كان القاضي يقوم باستنباط الحكم في منطقة الفراغ التشريعي ويطبقه على الواقعة أو التصرف المعروض عليه، ولا يكون رأيه بهذا ملزماً لغيره من القضاة، بل ولا له هو في قضية أخرى إذا تبين له سلامة رأي مخالف لرأيه الأول، أي إن القاضي في هذا النظام ليس ملزماً بالسوابق القضائية كما في النظام الأنجلوسكسوني.
vوهذا النظام المبني على شرط الاجتهاد في القاضي وإن اتفق عليه الفقهاء إلا أنه لم يستمر في العمل طويلاً وحل محله تقيد القضاة باجتهادات مذهب معين هو مذهب قاضي القضاة، وهكذا عاد الوضع إلى الفصل بين سلطة المجتهدين وسلطة القضاء. ولكن بقى دائماً نظام المشاورة بين القاضي وأهل العلم ممن يستحب أن يكونوا في مجلس القاضي ليشيروا عليه[86].
vولم يعد بالإمكان حاليّاً تطبيق نظام القاضي المجتهد لأسباب ثلاثة هي: عدم توافر عدد كافٍ من القضاة الذين تتوافر فيهم شروط الاجتهاد، وضرورة توحيد القاعدة القانونية التي يطبقها جميع القضاة، وأهمية معرفة هذه القاعدة مسبقاً حتى يتصرف الأفراد قبل وقوع الواقعة أو إبرام التصرف الذي ستطبق عليه القاعدة في ضوء هذه القاعدة.
F
الحكم والعقوبة
خامس وعشرين: تسبيب الأحكام وعلانيتها:
أ. عرف فقهاء المسلمين فكرة تسبيب الأحكام واستخدمها القضاة بالفعل، وكتب عنها الإمام الشافعي (المتوفى سنة 204 هـ)، كما أخذ بذلك ابن القاسم (المتوفى سنة 191 هـ) وأشهب، وهما من أصحاب الإمام مالك (المتوفى سنة 179 هـ)، ونص الفقهاء على العناصر التي ينبغي أن يشتمل عليها سجل الأحكام.
ويشتمل التسبيب على الأدلة الواقعية والحجج القانونية.
ب. وقد أوجب بعض العلماء التسبيب مطلقاً في جميع الأحكام، بينما أوجبه آخرون في بعض الحالات دون بعض.
ج.ويتضح من كتابات الفقهاء أنه – إلى جانب التسبيب المقيد في السجل – فإنه يستحب للقاضي أن يطيب خاطر المحكوم عليه، بأن يجلّسه ويبين له الحجج والأدلة التي جاء بها كل من طرفي النزاع وكيف انتهى القاضي إلى ما حكم به حتى يتفهم المحكوم عليه أسباب الحكم عليه ولا يقع في نفسه أن القاضي قد ظلمه أو مال مع خصمه، وفي هذا توطيد لثقة الناس في القضاء[87].
د. وقد حث العلماء على أن يقرأ الحكم بصوت عال في الجلسة وبصورة علنية، كما أن نص الحكم في السجل يذيل بذكر إشهاد القاضي على نفسه بما حكم به، ويقرأ ما سجله من حكم على الشاهدين[88].
ه. وكل ذلك سواء في الدعاوى المدنية أو الدعاوى الجوائية.
سادس وعشرين: عدم رجعية القوانين:
أ. تأخذ الشريعة الإسلامية بقاعدة “شرعية الجرائم والعقوبات”، ونتيجة ذلك قاعدة أخرى هي “عدم رجعية التشريع الجنائي إلى الماضي”.
ب. ويستثنى من ذلك حالة كون التشريع الأخير أصلح للمتهم من التشريع القديم الذي وقعت الجريمة في ظله، وهو ما يسمى “رجعية القانون الأصلح للمتهم”. وهذا الاستثناء متفق عليه.
ج.ويرى البعض إضافة استثناء آخر في حالة الجرائم الخطيرة التي تمس الأمن العام والنظام العام[89].
سابع وعشرين: العقوبات الجماعية:
أ. تقرر الشريعة الإسلامية المسئولية الفردية بنصوص صريحة في الكتاب والسنة؛ ولذلك فلا مجال للعقوبات الجماعية في الشريعة الإسلامية.
ب. ولا يصح أن يلتبس هذا مع بعض الأحكام القائمة على أساس التضامن الاجتماعي كالعاقلة والقسامة؛ لأنها في مجال المسئولية المدنية لا الجنائية، والمقصود منها التكافل في دفع التعويض المدني (الدية) لعدم تضييع حق المجني عليه أو ورثته.
ثامن وعشرين: عقوبة الإعدام والعقوبات القاسية أو المحطة أو التي تتضمن التعذيب أو التشويه:
أ-
1. عقوبة الإعدام مقررة في الشريعة الإسلامية في جرائم ثلاثة من أخطر الجرائم التي تهدد حياة الناس وأمنهم وأسرهم، وهي: القتل العمد، والحرابة (ويسميها البعض قطع الطريق أو السرقة الكبرى)، وزنا المتزوج.
2. وعقوبة الإعدام في هذه الجرائم الثلاثة منصوص عليها في الكتاب والسنة؛ ولذلك فهي محل اتفاق بين العلماء.
3. أما ما عدا هذه الجرائم الثلاثة فقد اختلف العلماء بشأنها: فالبعض أجاز توقيعها في الجرائم الخطيرة التي لا يجدى في إصلاح مرتكبها أو زجرهم عقوبة أخرى أيّاً كانت[90].
4. وأيّاً كان الرأي في هذه المسألة فقد نص القرآن على الحكمة من عقوبة الإعدام في جريمة القتل العمد حين قال: (ولكم في القصاص حياة) تأكيداً على أن هذه العقوبة رادعة وزاجرة بما يمنع وقوع جريمة القتل Preventive.
5. ومن ناحية أخرى تعتبر الشريعة هذه الجريمة مما يغلب فيه حق المجني عليه على حق المجتمع، وبالتالي يجوز فيها العفو والصلح مع ورثة المجني عليه.
6. ويؤجل تنفيذ هذه العقوبة على المرأة الحامل حتى تلد وتتم رضاع مولودها حولين كاملين.
ب- يصف بعض المعاصرين العقوبات في الشريعة الإسلامية بأنها محطة وقاسية وتتضمن التعذيب والتشويه، ويقصدون بذلك عقوبات الجلد والرجم والقطع، ونلاحظ في هذا الخصوص:
1. أن هذه العقوبات منصوص عليها في القرآن والسنة وليست من اجتهادات اللفقهاء وأنها موجودة في الشرائع السابقة كاليهودية والمسيحية ولم ينفرد بها الإسلام.
2. أن توقيع هذه العقوبات مرهون بإثبات جرائمها، وقد شددت الشريعة في وسائل الإثبات بما يجعل إثبات جرائم الحدود صعباً للغاية، وأي شك فيه يفسر لمصلحة المتهم، مما يجعل وظيفة هذه العقوبات للتخويف والزجر والوقاية من وقوع الجريمة أكثر مما هي للعقاب الفعلي.
3. أن تنفيذ ما يحكم به من هذه العقوبات – وكذلك عقوبة الإعدام السابق الإشارة إليها – يراعى فيه صور التخفيف التالية[91]:
4. التخفيف بتأجيل تنفيذ الحكم: ويكون ذلك في حالتين:
§ حالة المحكوم عليها الحامل.
§ حالة المريض مرضاً يرجى برؤه قريباً.
5. تخفيف تنفيذ العقوبة في المريض الذي لا يرجى برؤه، أو يرجى ولكن بعذ زمن طويل، أو في الضعفاء، وذلك من وجهين:
§ من حيث الكيفية.
§ من حيث المقدار.
6. إن نظرة الشريعة الإسلامية في موضوع العقوبات تقوم على مراعاة التوازن بين مصالح ثلاث وليس مصلحة الجاني وحده؛ إذ هناك أيضاً المجني عليه والمجتمع، وينعكس هذا في مقاصد العقوبة الثلاثة وهي: تأديب الجاني، وترضية المجني عليه، وزجر الغير عن الاقتداء بالجاني[92].
تاسع وعشرين: استئناف الحكم أو إعادة النظر فيه في محكمة أعلى:
أ. يتنازع هذا الموضوع اعتباران: أحدهما؛ ضرورة استقرار الأحكام وما يترتب عليها من حقوق، وبالتالي أن يكون للحكم حجيته كعلامة على الحق، والثاني؛ ضرورة تصحيح ما يقع من خطأ؛ لأن القضاة بشر يجري عليهم الخطأ.
ب. وللتوفيق بين هذين الاعتبارين وجدت طرق الطعن المختلفة في الأحكام من معارضة واستئناف وتمييز والتماس وإعادة النظر مما هو معروف في النظم القضائية المعاصرة.
ج.وقد عرفت الشريعة الإسلامية جميع طرق الطعن المعروفة حاليّاً وما جدّ الآن من تنظيم لهذه الطرق وتحديد مواعيد لها، وإن لم يكن قد تكلم فيه الفقهاء من قبل، إلا أن قواعد الفقه الإسلامي لا تنافيه بل تتفق معه[93].
د. وإعادة النظر في الحكم تكون من نفس القاضي الذي أصدره أو من غيره من نفس درجته أو من درجة أعلى قاضي القضاة أو ديوان المظالم أو الخليفة على حسب الأحوال[94].
ه. كما أن إعادة النظر تكون بناء على طلب المحكوم عليه أو بدون طلب، على حسب الأحوال كذلك[95].
و. وأما الحالات التي يعاد فيها النظر في الحكم فيمكن تصنيفها إلى الآتي:
1. وجود خطأ مادي في الحكم، فيصحح من قبل القاضي الذي أصدره أو غيره[96].
2. وجود خطأ في استظهار القاضي لوقائع الدعوى بناء على ما قدم إليه من أدلة إثبات وأدلة نفي، وله حالتان:
vحالة صدور الحكم في غيبة المدعى عليه، ثم حضوره بعد ذلك وتقديمه لأدلة نفي لم تكن أمام القاضي حين أصدر الحكم، فيمكن نقض الحكم الغيابي وإصدار حكم جديد من نفس القاضي الأول أو من غيره[97].
vحالة صدور الحكم في حضور الخصوم ووقوع القاضي في خطأ استظهار وقائع الدعوى، فيمكن نقض الحكم من قاضٍ آخر من درجة أعلى من درجة القاضي الأول[98].
3. وجود خطأ في القانون، وله حالتان:
§ مصادمة نص قطعي في الكتاب أو السنة، فينقض الحكم ممن أصدره أو من غيره من نفس الدرجة أو أعلى منها[99].
§ بناء الحكم على رأي اجتهادي، فلا ينقض الحكم من قاض آخر لا من نفس الدرجة أو أعلى منها إذا كان له اجتهاد مغاير، بل ولا ينقض من نفس القاضي الذي أصدره إذا غيّر اجتهاده، وفي هذا وردت القاعدة الشرعية “الاجتهاد لا ينقض بمثله” وهنا يكون استقرار الأحكام واحترام حجية الشئ المقضى به[100].
4. عدم صلاحية القاضي لنظر الدعوى؛ إما لأن له مصلحة فيها، أو لأحد أقاربه أو أصدقائه أو أعدائه، أو لخروج الدعوى عن اختصاصه، فينقض حكمه في جميع هذه الحالات[101].
5. صدور الحكم من قاض جاهل – إذا تبين جهله وعزل من منصبه لهذا السبب، أو من قاض يساير الحاكم الظالم – إذا تغير الحاكم أو مات وحل محله حاكم عادل، فتنقض الأحكام الصادرة منهما[102].
ز. وفيما عدا هذه الحالات التي يجوز فيها نقض الحكم، فإن الحكم يكون له حجية الأمر المقضي:
ويستثنى من ذلك الأعمال الإجرائية والمسائل الأولية فلا يكون لقرارات القاضي في هذه الأمور حجية؛ لأنها تصرفات داخل الخصومة أي قبل الفصل فيها[103].
H
العفو والعفو العام ومحو الأثر
ثلاثين: التوبة والعفو:
أ.
1)نص القرآن الكريم على التوبة كعذر معف من العقاب في شأن جريمة الحرابة (إلا الذين تابوا من قبل أن تقدروا عليهم فاعلموا أن الله غفور رحيم)[104]، فشرط إعفاء المحارب من العقوبة هو أن تكون توبته قبل القدرة عليه، أي قبل أن تصل سلطات الدولة إليه.
§ أما حقوق العباد كأموالهم وأنفسهم فإنها لا تسقط بالتوبة، وإنما تسقط بالعفو إذا عفا صاحب حق القصاص عن اقتضائه أو تنازل صاحب المال عن ماله[105].
2)أما في غير جريمة الحرابة، فقد اختلف الفقهاء إلى رأيين:
§ رأي يرى أن التوبة ليست سبباً للإعفاء في غير جريمة الحرابة، وهذا هو رأي الظاهرية والحنفية والمالكية وفريق من الشافعية والحنابلة.
§ ورأي يرى أن التوبة سبب للإعفاء من العقوبة في الحدود كلها، وقال بهذا الرأي الإمام الشافعي في كتاب “الأم”، وابن القيم في كتابه “إعلام الموقعين” وعزاء إلى الإمام أحمد ابن حنبل.
§ وما سبق إنما هو في الجرائم التي يكون الاعتداء فيها على حق الجماعة، أما إذا كان الاعتداء على حق للفرد فإن التوبة لا تمنع العقاب عليها، وإنما يمنع ذلك العفو.
§ أما في جرائم التعزير، فلا أثر للتوبة إلا إذا نص الإمام أو السلطة المختصة على ذلك.
3)والتوبة في كل ما تقدم تعنى رجوع المرء عن المعصية وندمه عليها مع عزمه على عدم مقارفتها مرة أخرى. ويذهب البعض إلى إعطاء القاضي سلطة وزن هذه التوبة بميزان الواقع، وتقديرها من حيث الصحة والادعاء في ضوء ما يثبت لديه من أدلة وقرائن، فإذا تبين للقاضي أنها وسيلة يلجأ إليها من تكرر وقوعه في هذه الجريمة ليدرأ عن نفسه عقوبتها، فلا تثريب على القاضي – عندئذ – أن يهدر هذه التوبة المدعاة ولا يعتد بها في منع العقاب[106].
ب. والآن نأتي إلى موضوع العفو:
1. وبداية نقرر أن العفو الشامل لا يجوز في جرائم القصاص ولا الحدود ولا التعزير التي ورد بتجريمها نصوص في الكتاب أو السنة.
أما جرائم التعزير التي يقرر التجريم فيها ولي الأمر بما له من سلطة في هذا الشأن فهي التي يجوز فيها العفو الشامل.
وسبب عدم جواز العفو الشامل في النوع الأول هو أن العفو الشامل يمحو عن الفعل وصفه الإجرامي، وهذا الوصف مقرر في هذا النوع بنصوص الكتاب والسنة التي لا يملك ولي الأمر ولا البرلمان رفعه عنها[107].
2. أما العفو الخاص (أي عن العقوبة بالنسبة لشخص أو أشخاص معينين) فهنا ينبغي التفرقة بين الجرائم التي تعتبر اعتداء على حقوق الجماعة:
§ والعفو عن العقوبة في جرائم الاعتداء على المصلحة الفردية لا يجوز إلا من المجني عليه أو ورثته أو أوليائه في حالة وفاته، (كما أن إقامة الدعوى لا تجوز إلا إذا طلب ذلك المجني عليه أو ورثته أو أولياؤه).
وقد يكون العفو عن عقوبة القصاص مقابل الدية أو أكثر أو أقل منها، كما قد يشمل العفو العقوبة والدية معاً.
والعفو عن حق المجني عليه في هذه الجرائم لا يمنع من جواز معاقبة الجاني تعزيراً إذا رأت السلطة المختصة اقتضاء حق الجماعة في العقاب (أي تكون العقوبة عن الحق العام هنا جوازية) كما أن عفو ولي الأمر في جرائم التعزير لا يؤثر على حقوق المجني عليه[108].
§ أما العفو عن العقوبة في جرائم الاعتداء على حقوق الجماعة فلا يملك أحد فيها العفو عن الحق العام حتى لو صدر العفو عن الحق في التعويض ممن له الحق فيه (أي تكون العقوبة عن الحق العام هنا وجوبية)[109]. وهذا بطبيعة الحال دون الإخلال بنتائج التوبة في جرائم الحق العام على النحو الذي سبق أن أشرنا إليه.
I
التدابير الأخرى
حادي وثلاثين: التدابير المتاحة لحماية الحقوق وتعويض الأضرار:
المسألة المطروحة هنا هي أن لأطراف الخصومة حقوق، فما الجزاء المقرر لانتهاك هذه الحقوق، كما أن المجرى العادي لسير الخصومة قد يترتب عليه أضرار، فكيف السبيل إلى التعويض عنها؟
يحكم هذا الموضوع بضعة قواعد فقهية مقررة مثل قاعدة: “لا ضرر ولا ضرار” (المادة 19 من المجلة)[110] وقاعدة “الضرر يزال” (المادة 20 من المجلة)[111] وقاعدة “خطأ القاضي في بيت المال” وغيرها. ونتناول بحث جوانب المسألة المختلفة على النحو التالي:
أ. تحديد المسئول وشروط المسئولية:
قد يرجع السبب فيما يصيب المتقاضين إلى أحد هؤلاء الأشخاص:
1. المدعى الذي يسيء استعمال حق التقاضي، فيرفع الدعاوى الباطلة للإساءة إلى المدعى عليه، أو يلجأ في خصومته التي قد تكون في الأصل محقة إلى أساليب خاطئة كتزوير المستندات والاستعانة بشهود الزور واليمين الكاذبة وغير ذلك، ويدخل في هذا الباب رجال الشرطة والنيابة (أو الادعاء العام) إذا لجأوا إلى اتهام الناس بالباطل أو استخدموا في تحقيقاتهم أساليب غير قانونية كالخداع والتعذيب وغير ذلك[112].
2. المدعى عليه الذي ينكر الحق ويماطل ويطلب التأجيل بقصد إيذاء خصمه وتعطيل وصوله إلى حقه، وقد يستعمل في دفاعه أساليب خاطئة كتزوير المستندات والاستعانة بشهود الزور واليمين الكاذبة وغير ذلك، ويدخل في هذا الباب المسئولون عن جهات الإدارة ومحاموهم إذا اتبعوا نفس الأساليب في الدعاوى المرفوعة ضد جهات الإدارة[113].
وهؤلاء جميعاً يمكن مقاضاتهم إما على أساس إساءة استعمال حق التقاضي وإما على أساس الخطأ في الأساليب المتبعة، وتكون المسئولية مدنية أو جنائية أو الاثنين معاً حسب الأحوال[114].
3. شهود الزور الذين يترتب على شهاداتهم أن يخسر المحق دعواه أو يحصل غير المحق على ما لا حق له فيه، وهؤلاء كذلك تنعقد مسئوليتهم المدنية والجنائية عن جريمة شهادة الزور[115].
ويدخل في هذا الباب مسئولية المزكين للشهود وأهل الخبرة.
4. القاضي الذي يترتب على خطئه أو تعمده وقوع ظلم للمدعى أو للمدعى عليه، وتكون مسئوليته مدنية في حالة الخطأ غير المتعمد ويتحملها بيت المال وحده، أما في حالة الخطأ العمدي فتكون مسئوليته جنائية ومدنية وإدارية، ويتحمل بيت المال المسئولية المدنية هنا ككفيل للقاضي؛ لئلا يضيع حق المظلوم إذا كان القاضي معسراً، وهذا في الخطأ الفاحش أما الخطأ السائغ فلا يسأل عنه القاضي ولا بيت المال[116].
ب.أنواع الضرر وتعويضه:
الفعل الخطأ الذي يصدر من أحد الأشخاص السابق بيانهم والذي يستوجب مساءلتهم مدنيّاً وجنائيّاً وإداريّاً حسب الأحوال يصيب الغير بأضرار، فما هي الأضرار التي تؤخذ بعين الاعتبار:
1. الضرر الجسماني.
2. الضرر الأدبي والمعنوي، ويشمل إساءة السمعة والألم النفسي.
3. الضرر المالي، ويشمل الضرر الذي أصابه والمنفعة التي فاتته[117].
J
ثاني وثلاثين: الإجراءات الخاصة بالأحداث:
أ. تقوم المسئولية الجنائية في الشريعة الإسلامية على عنصري الإدراك والاختيار، ولهذا تختلف أحكام الصغار باختلاف الأدوار التي يمر بها الإنسان من وقت ولادته إلى الوقت الذي يستكمل فيه ملكتي الإدراك والاختيار. وهذه المراحل ثلاثة:
1)الأولى هي ما يسمى بمرحلة الصبي غير المميز، والتي تنتهي ببلوغه السابعة، وهو في هذه المرحلة لا يعاقب جنائيّاً ولا تأديبيّاً عما يرتكبه من جرائم، ولكنه يكون مسئولاً مدنيّاً في أمواله عن تعويض ما يصيب الغير من أضرار.
2)والمرحلة الثانية تمتد من السابعة حتى البلوغ. وقد اختلف الفقهاء في تحديد سن البلوغ إلى عدة آراء: 15/18/19 للرجل، 17 سنة للمرأة.
وفي هذه المرحلة والتي يسمى خلالها بالصبي المميز لا يسأل أو يعاقب جنائيّاً، وإنما توقع عليه عقوبة تأديبية يحددها القانون كالتوبيخ والضرب والتسليم لولي الأمر، وإدخاله الإصلاحية أو وضعه تحت المراقبة إلى غير ذلك من وسائل التأديب، ويكون مسئولاً مدنيّاً في أمواله عن الأضرار التي يلحقها بالغير.
3)ثم تأتي مرحلة البلوغ حيث يكون مسئولاً مسئولية كاملة[118].
ب. وقد عرفت الشريعة الإسلامية منذ عهد مبكر مبدأ “تخصيص القضاء” أي تحديد صلاحية القاضي بمكان أو زمان أو أشخاص أو أنواع من الدعاوى، وعلى هذا الأساس يكون تخصيص قاضٍ لمسائل الأحداث[119].
ج.كما أن في الشريعة الإسلامية أحكام تفصيلية خاصة بالولاية على النفس وعلى المال وبحضانة الصغير والحالات التي يجوز للقاضي فيها التدخل لحماية الصغير.
والأصل أن ولي الصغير هو الذي يمثله في المعاملات وفي التقاضي، وإذا لم يكن له وليّ عينت المحكمة من يمثله[120].
K, L, & M
ثالث وثلاثين: المحاكم العسكرية الطارئة، والخاصة، والإدارية:
أ. تجمع هذه الأنواع الثلاثة من المحاكم في الشريعة الإسلامية عناصر مشتركة تتمثل في:
1. اشتراط أن تتوفر في قضاتها شروط القاضي العادي ومن أهمها العدالة والعلم بالشريعة.
2. وحدة القانون الذي تطبقه هذه المحاكم وهو الشريعة الإسلامية.
وبالتالي فهي ليست أكثر من تطبيقات لفكرة تخصيص القضاء السابق الإشارة إليها[121].
ب. المحاكم العسكرية – إذن – محاكم عادية مختصة بالنظر في قضايا العسكر، وكانت تسمى في التاريخ بقاضي العسكر، وبالتالي فليس له أي ولاسة على المدنيين كما أنه يشترط فيه شروط القاضي العادي، ويحكم بالشريعة الإسلامية بكل ما تعني من ضمانات سبق الحديث عنها في الأقسام السابقة.
والذي ترويه كتب التاريخ هو أن قائد العسكر نفسه كان يخضع لهذا القاضي “المدني”، وهو عكس ما يحدث الآن في بعض الدول الشمولية من إخضاع المدنيين للقاضي “العسكري”.
ج.والمحاكم الطارئة والخاصة بالمفهوم المعاصر لا تعرفها الشريعة الإسلامية، فلا يوجد محاكم خارج القانون العادي وهو الشريعة.
د. وكذلك المحاكم الإدارية ليست إلا تطبيقاً لفكرة تخصيص القضاء؛ إذ لا يوجد قانون خاص يطبق على المنازعات بين الأفراد وجهة الإدارة، ولا تتمتع الإدارة بامتيازات خاصة على الأفراد، فموظفو الحكومة يخضعون لقانون العمل، والعقود التي تبرمها الإدارة تخضع للقانون المدني وهكذا … وفكرة الصالح العام أو المصلحة العامة معتبرة في داخل القانون العادي نفسه بواسطة قواعد شرعية مثل: “التصرف على الرعية منوط بالمصلحة” (المادة 58)، “لا ضرر ولا ضرار” (المادة 19)، “الضرر يزال” (المادة 20)، “الضرورات تبيح المحظورات” (المادة 21)، “الضرورات تقدر بقدرها” (المادة 22)، “يتحمل الضرر الخاص لدفع الضرر العام” (المادة 26)… إلخ.
ه. وقد عرف التاريخ الإسلامي فكرة “ديوان المظالم” وهي محكمة عُليا غرضها الأساسي ضمان سيادة القانون على أصحاب النفوذ والسلطان وضمان الشرعية والعدالة، فهي تطبيق مبكر لبعض الأنظمة القضائية المعاصرة مثل: محكمة التمييز، المحكمة الدستورية، المحاكم الإدارية، محاكم حقوق الإنسان[122].
[1]الزرقا ص 273، الندوى، ص 419.
[2]الزرقا ص 274، 276.
[3]الزرقا ص 277، 278.
[4]بندر ص 337 – 343، طه في المركز العربي جـ1 ص 41.
[5]البقرة الآية 282.
[6]النساء: الآية 135.
[7]القيامة: الآية 14، الندوى ص 381، 382.
[8]عودة جـ 2، ص 437، 489.
[9]عودة جـ 1 ص 563، جـ 2 ص 306، وبندر ص 101 – 118، 180 – 184، طه جابر العلواني في المركز العربي جـ 1 ص 26، 42 – 48، العوا ص 294، السرطاوي في المركز العربي جـ 2 ص 79 – 86، الخليفة في المركز العربي جـ 2 ص 102 – 106، 116 – 124، عوض ص 124، عطية سالم في المركز العربي جـ 2 ص 145.
[10]الحصري جـ 2 ص 18.
[11]الحصري جـ 2 ص 43، 368، نقلاً عن الدسوقي والشرح الكبير، جـ 3، ص 398، وفتح العلي المالك جـ 2 ص 230.
[12]الحصري جـ 2 ص 63، 64 نقلاً عن فتح العزيز شرح الوجيز جـ 11، ص 99 ونهاية المحتاج لشرح المنهاج جـ 5 ص 71، ومغنى المحتاج إلى شرح المنهاج جـ 2، ص 240، وحاشية البجيرمي على منهج الطلاب المسماة التجريد لنفع العبيد. جـ 3 ص 72 – 75.
[13]الحصري جـ 2 ص 74، 186 نقلاً عن المغنى لابن قدامة، جـ 5، ص 109 – 110.
[14]الحصري جـ 2 ص 237 نقلاً عن الروض النضير، جـ 4 ص 250.
[15]الحصري جـ 2 ص 90 نقلاً عن شرح النيل وشفاء العليل. جـ 13 ص 573 – 574.
[16]الحصري جـ 2 ص 82 نقلاً عن تذكرة الفقهاء. جـ 2 ص 146.
[17]الحصري جـ 1 ص 53.
[18]النجم: الآية 38.
[19]المحلى لابن حزم جـ 11 ص 132 – 133 المسألة 2168.
[20]الملك: الآية 15.
[21]المحلى لابن حزم جـ 11 ص 141 المسألة 2137.
[22]المحلى لابن حزم جـ 11 ص 142 المسألة 2173.
[23]ابن القيم ص 106.
[24]ابن القيم ص 106 – 107، وانظر: المناصف ص 283 – 286، الباجي ص 119.
[25]ابن القيم ص 108.
[26]ابن القيم ص 63، 64، والإشارة إلى قول علي رضي الله عنه أنه كان لا يحبس في الدين، ويقول: “إنه ظلم” ابن القيم ص 62 – 63.
[27]العوا ص 250.
[28]عبدالكريم زيدان: نظام القضاء في الشريعة الإسلامية ص 287، والمراجع التي رجع إليها، أدب القاضي للحصاف طبعة طرابزوني 1980م ص 134 – 141، محمد سليم العوا: في أصول النظام الجنائي الإسلامي، دار المعارف، 1979م، ص 250 والمراجع التي رجع إليها.
[29]عودة جـ 1 ص 563 – 581، جـ 2 ص 306 – 311، بندر ص 180 – 184.
[30]عوض ص 127، طه في المركز العربي جـ 1 ص 48، عودة جـ 2 ص 437.
[31]بندر (في المركز العربي ص 118 – 122) يرى رأي ابن حزم في غير الحدود؛ لأنها يتشدد في إثباتها وينبغي فيها الستر، ويقبل فيها الرجوع عن الإقرار، وتدرأ بالشبهات، بل يشرع فيها التلقين للرجوع عن الإقرار.
[32]عوض ص 127.
[33]عودة جـ 2 ص 314، 438 – 440، عوض ص 127، العوا ص 293، بندر ص 366 – 378، طه في المركز العربي جـ 1 ص 49، عطية سالم في المركز العربي جـ 2 ص 142، الغامدي في المركز العربي جـ 2 ص 180، أبو رخية في المركز العربي جـ 2 ص 187 – 198 يوسف علي في المركز العربي جـ 2 ص 203 – 299، محيى عوض في المركز العربي جـ 2 ص 242 – 262، بيانات في المركز العربي جـ 2 ص 275 – 289.
[34]يوسف علي في المركز العربي جـ 2 ص 206 – 211، 217، 219، الحصري جـ 2 ص 378.
[35]الزرقا ص 327، الندوى 361.
[36]عودة جـ 2 ص 304 نقلاً عن فتح القدير 4 ص 108، المغنى 10 ص 168.
[37]عوض ص 123، المناصف، ص 286 – 288، طه في المركز العربي جـ 1 ص 32.
[38]هذا هو رأي جمهور الفقهاء، وهناك رأيان آخران أحدهما لابن حزم وبعض الشافعية ووجه في مذهب الحنابلة أنه لا يجوز حبس المتهم، وثانيهما جواز حبس المتهم في الحدود والقصاص، وهو رأي الحنفية (بندر ص 80 – 100)، انظر كذلك الباجى ص 119.
[39]اختلف في المدة إلى عدة آراء بين من قال: غير مقدرة، ومن قال: شهر، وغير ذلك، وجميعه مما ليس عليه دليل شرعي، وإنما يدخل في باب السياسة الشرعية (بندر، ص 97).
[40]عوض ص 118 – 121، بندر ص 80 – 100، طه في المركز العربي جـ 1 ص 30 – 32.
[41]بندر ص 30، زيدان ص 112.
[42]زيدان ص 113.
[43]زيدان ص 110، رأفت ص 153 – 168.
[44]زيدان ص 139 – 141، البكرى ص 298، والمراجع التي رجع إليها (تبصرة الحكام، والبهجة، وشرح حلى المعاصم، وشرح ميارة، والمعيار)، الباجى ص 136، ابن أبي الدم ص 86، ابن المناصف ص 197.
[45]أبو السعود: بحث مقدم إلى ندوة تدريس القانون 23 – 26/12/1995م جامعة قطر، عوض ص 109 – 112، بندر ص 289 – 305، البكر ص 279 – 284، زيدان ص 129 – 131، المناصف ص 277 – 282.
[46]عوض ص 113، 114، طه: في المركز العربي جـ 1 ص 36 – 41.
[47]بندر ص 305 – 314، زيدان ص 146 – 147، 258، البكر ص 281 – 286.
[48]زيدان ص 146، البكر ص 284.
[49]زيدان ص 147.
[51]عوض ص 315 – 325.
[52]الندوي ص 308
[53]رأفت ص 170 – 172.
[54]زيدان ص 142 – 143، البكر ص 252، 259، مدكور ص 48، 49.
[55]البكر ص 293 – 299، بندر ص 327 – 336، رأفت ص 153 – 163، المناصف ص 257 – 263، ابن أبي الدم ص 205 – 218، 344 – 365، زيدان ص 149 – 154.
[56]زيدان ص 152.
[57]عودة جـ 1 ص 593 – 599.
[58]زيدان ص 143، الزرقا ص 289 في شرح قاعدة “يقبل قول المترجم مطلقاً” المادة 71 من المجلة، البكر ص 722 ، 723.
[59]بندر ص 343 – 360، زيدان ص 166 – 185، البكر ص 285 – 286، الحصري جـ1 ص 215 – 235، 244 – 287، 302 – 332، 348 – 371.
[60]بندر ص 360 – 366، زيدان ص 172.
[61]زيدان ص 170 – 171، الحصري جـ 1 ص 288 – 301، 338 – 347، 423 – 426.
[62]الحصري جـ1 ص 226، 269 – 273.
[63]الزرقا ص 35 – 41.
[65]سنن الترمذي 2/438، 439، وسنن الدار قطني 3/84، والمستدرك للحاكم 4/384، والسنن الكبرى للبيهقي 8/238، العوا ص 87 – 100، وعوض ص 114، بندر ص 383 – 386، الفضلى في المركز العربي جـ 1 ص 189 – 199، مطلوب في المركز العربي جـ 1 ص 221 – 242، العوا في المركز العربي جـ1 ص 243 – 265، منيع في المركز العربي جـ 1 ص 267 – 282، انظر أيضاً: الندوى ص 242، 243 حيث حقق أصل القاعدة، ورأى الشوكاني وغيره أن الحديث موقوف، وانتهى إلى أنه حسن أو صحيح.
[66]بندر ص 176 – 204.
[67]زيدان ص 187 – 194، بندر ص 158 – 160.
[68]أبو زهرة ص 140 – 198، عوض ص 53 – 94، العوا ص 87 – 100، اللحيدان في المركز العربي جـ 1 ص 168.
[69]زيدان ص 188 – 194.
[70]البقرة 282، انظر: أحمد إبراهيم بك: طرق الإثبات الشرعية ص 259 – 263.
[71]أحمد إبراهيم بك: طرق الإثبات الشرعية ص 55 – 67.
[72]أحمد إبراهيم بك: ص 27 – 35.
[73]زيدان ص 131.
[74]زيدان ص 169 – 170، ابن أبي الدم ص 319 – 322.
[75]زيدان ص 5 – 32، البكر ص 315 – 366، 369 – 378، رأفت ص 69 – 133، الباجى 128 – 129، المناصف ص 33 – 35.
[76]رأفت ص 120 – 132، زيدان ص 29، 30، البكر ص 343 – 353.
[77]الندوى ص 400 – 401 عن الفروق للقرافي 3/102، 3/102، 3/206، البكر ص 727 – 730.
[78]زيدان ص 28، 29، 32، رأفت ص 107 – 118، البكر ص 337 – 342، 610 – 631.
[79]زيدان ص 121 – 124.
[80]البكر ص 610 – 621، زيدان ص 71 – 76.
[81]البكر ص 669 – 685، زيدان ص 63 – 67، 49.
[82]زيدان ص 271، 272.
[83]البكر ص 583 – 606.
[84]البكر ص 632 – 642.
[85]البكر ص 643 – 659.
[86]زيدان ص 55، 56، 257.
[87]البكر ص 266 – 271.
[88]البكر ص 271، مدكور ص 49 حيث ذكر أن أول حكم قضائي مسجل هو الحكم الذي أصدره سليم بن عنتر قاضي مصر في خلافة معاوية بن أبي سفيان.
[89]العوا ص 55 – 60، عودة جـ 1 ص 262 – 274.
[90]العوا ص 267 – 268.
[91]أبو زهرة ص 326 – 334.
[92]ابن عاشور ص 155 – 207.
[93]مدكور ص 58، زيدان ص 278 – 282.
[94]مدكور ص 57، بندر ص 323 – 326، زيدان ص 275 – 276، 299 – 309، البكر ص 524 – 537، 215 – 278.
[95]زيدان ص 276 – 278.
[96]مدكور ص 58 – 69، المناصف ص 304، بندر ص 322، 325، البكر ص 186.
[97]زيدان ص 152.
[98]مدكور ص 60 – 69، الزرقا ص 104، الباجى ص 177.
[99]مدكور ص 59 – 62، 63، الندوى ص 412 – 415، المناصف ص 304، بندر ص 315 – 317، 325، رأفت ص 435 – 440 / ابن أبي الدم ص 112، الحصاف ص 213، زيدان ص 270، البكر ص 185.
[100]مدكور ص 63، 64 – 68، الزرقا ص 103 – 104، وفيه يذكر أن هذا فيما إذا كان القاضي مجتهداً، أما القاضي المقيد بمذهب معين، فلو حكم بخلافه ينقض، وإن وافق أصلاً مجتهداً فيه. انظر: أيضاً الندوى ص 130، 138، 197، 210، 304، 402 – 417، الباجى ص 176، المناصف ص 304، بندر ص 317 – 320، الحصاف ص 213، زيدان 267 – 270، البكر ص 179 – 196.
[101]مدكور ص 55، 59، 60، 62، المناصف ص 302 – 304، بندر ص 321 – 326، زيدان ص 271، 272، البكر ص 158 – 187، الحصاف ص 251، ابن أبي الدم ص 107.
[102]مدكور ص 59 – 60، الباجى ص 178، بندر ص 325 – 326، زيدان ص 270، 272، البكر ص 186 – 187.
[103]البكر ص 190، 192.
[104]سورة المائدة: الآيتان 33، 34.
[105]العوا ص 105 – 106، عودة جـ 1 ص 773.
[106]العوا ص 106 – 110، أبو زهرة ص 240 – 256.
[107]العوا ص 76 – 80، عودة جـ 1 ص 81 – 83.
[108]عودة جـ 1 ص 773 – 778، جـ 2 ص 157 – 171، 258 – 260، ويرى عودة أن عقوبة التعزير في هذه الحالة وجوبية. انظر: جـ 1 ص 82، 777، أبو زهرة ص 318 – 323، 535 – 547، العوا ص 80 – 86، 110 – 112.
[109]العوا ص 80 – 86، 110 – 112، عودة جـ 1 ص 81 – 83، 774.
[110]الزرقا ص 113 – 124.
[111]الزرقا ص 125 – 129، الندوى ص 252 – 256
[112]الحصري جـ 1 ص 431، 445، 461، 462، 471، 478.
[113]زيدان ص 303، 304، الحصري جـ 1، ص 471.
[114]عطية ص 79.
[115]زيدان ص 196 – 200، الحصري جـ 1 ص 431 – 507، الحصاف ص 535 – 536، 547 – 548، 5558، البكر ص 565.
[116]زيدان ص 79 – 85، 94، المناصف ص 305، 306، الزرقا ص 104، الندوى ص 393، 394، مدكور ص 61، الحصري جـ 1 ص 431، 445، 446، 462، 464، 477، 478، 499، الحصاف ص 211، 212، البكر ص 556 – 559، 561 – 567.
[117]بندر ص 378 – 383، براج في المركز العربي جـ 2 ص 298 – 302، محمد رأفت سعيد: في المركز العربي جـ 2 ص 332 – 339.
[118]عودة جـ 1 ص 599 – 606.
[119]زيدان ص 45 – 50.
[120]المناصف ص 266 – 270، 273.
[121]زيدان ص 47.
[122]زيدان ص 299 – 309.