أبحاث

رأي في قضية تأثير خطة تصنيف أرسطو على خطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين في العصور الوسطى

العدد 64

مقدمة

إن القضية التى يتناولها هذا المقال جد هامة؛ لأنها تمس بشكل مباشر دور الحضارة الإسلامية فى تاريخ الفكر الإنسانى بصفة عامة، وتاريخ الفكر التصنيفى بصفة خاصة، فقد تلقت الحضارة الإسلامية تراث الحضارات السابقة عليها كالفارسية والهندية واليونانية وغيرها، ومن بين ما تلقته الحضارة الإسلامية الفكر الفلسفى اليوناني ومذهب أرسطو وخطة تصنيف أرسطو بطبيعة الحال.

وتبدو أهمية هذه القضية إذا أمعنا النظر فى الاحتمالات المختلفة التى يمكن أن تسفر عنها الدراسة الدقيقة، لحقيقة العلاقة بين خطة تصنيف أرسطو وخطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين فى العصور الوسطى، وهذه الاحتمالات يمكن تصورها على النحو التالى:

(أ) أن هذه الخطط ليست سوى نقل بحت عن خطة تصنيف أرسطو أى دون إدخال أى تعديل عليها.

(ب) أن هذه الخطط تمثل خطة تصنيف أرسطو فى جوهرها مع إضافة القليل من العلوم الإسلامية إليها.

(جـ) أن هذه الخطط تعتبر نتاجا حقيقيا للحضارة الإسلامية، وتختلف عن خطة تصنيف أرسطو اختلاف جوهريا.

ولكى يتسنى لنا تحديد أى هذه الاحتمالات أكثر تمثيلا لحقيقة خطط التصنيف التى قدمها الفلاسفة والعلماء المسلمون فى العصور الوسطى، ينبغى أولا أن نستعرض الآراء التى أثيرت حول العلاقة بين خطة تصنيف أرسطو وخطط التصنيف لهؤلاء الفلاسفة والعلماء، ومن المهم أيضا أن تكون لدينا فكرة واضحة عن شخصية أرسطو ومؤلفات ومذهبة، كما ينبغى التعرف على خطط التصنيف لكل من أرسطو والفلاسفة والعلماء المسلمين فى العطور الوسطى بهدف المقارنة بينها، وبعد هذا كله يمكننا أن نقف بسهولة على الاتجاه الصحيح لخطط التصنيف لدى هؤلاء الفلاسفة والعلماء المسلمين.

وبناء على ما سبق يشتمل هذا المقال على المباحث التالية:

المبحث الأول – آراء بعض الباحثين العرب والغربيين فى هذه القضية.

المبحث الثانى – أرسطو: شخصيته ومؤلفاته ومذهبه.

المبحث الثالث – خطة تصنيف أرسطو.

المبحث الرابع – خطط التصنيف لبعض الفلاسفة والعلماء المسلمين فى العصور الوسطى.

المبحث الخامس – مقارنة بين خطة تصنيف أرسطو وخطط التصنيف لدى هؤلاء الفلاسفة والعلماء فى العصور الوسطى.

وينتهى المقال بخاتمة تحدد فيها بوضوح حقيقة العلاقة بين خطة تصنيف أرسطو وخطط التصنيف لدى هؤلاء الفلاسفة والعلماء المسلمين فى العطور الوسطى.

وينتهى المقال بخاتمة تحدد فيها بوضوح حقيقة العلاقة بين خطة تصنيف أرسطو وخطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين فى العطور الوسطى.

المبحث الأول

آراء بعض الباحثين العرب والغربيين فى هذه القضية.من الجدير بالذكر أن عددا من الباحثين من جنسيات مختلفة وتخصصات متباينة، قد تناولوا هذه القضية الهامة، واتخذ كل منهم موقفا محددا تجاهها، فقد شارك بالرأى فى هذا الخصوص باحثون عرب وغربيون من المتخصصين فى مجالات الفلسفة والمكتبات والمعلومات وتاريخ الحضارات، ويشتمل هذا البحث على نص آراء بعض هؤلاء الباحثين.

أولاً- آراء بعض الباحثين العرب المتخصصين فى مجال الفلسفة:

أ – رأى الدكتور عثمان أمين: (( وأشار – يقصد الفارابي- إلى مختلف أبواب المنطق فى علاقتها بهذه القضايا وفقا لقانون أرسطو…، وينقسم العلم الطبيعي إلى ثمانية أجزاء عظمى، ويشير الفارابى إلى أنها كلها تبحث فى كتب أرسطو…، ويعترف الفارابى بأن تابع هنا – يقصد فى العلم المدنى – آراء أرسطو فى كتاب السياسة(1).

ب – رأى الدكتور محمد على أبو ريان: (( كل هؤلاء العلماء- يقصد المسلمين- كانوا ينطلقوا من الفلسفة ومطالبها فى اتجاه علومهم الجزئية؛ ومن ثم فإن أى تصنيف للعلوم عند العرب سيكون خاضعا لهذا التوجيه القديم الذى رسخ منذ عهد أرسطو إلى الآن فى العالمين القديم والوسيط (2).

– وفى مقام آخر يقول للدكتور محمد على أبو ريان: (( تلقى المسلمون تصنيف أرسطو فلم يضيفوا إليه شيئا جوهريا،… هذا التقسيم الذى يجمله الفارابي فى كتاب إحطاء العلوم هو نفس تقسيم أرسطو للعلوم إلى علوم عملية وعلوم نظرية، غير أن الفارابي يضيف إليها علم الفقه وعلم الكلام (3).

جـ – رأى الدكتور على سامى النشار: (( على أننا نتنكب الصواب أيضا إذا قلنا إن المسلمين لم يأخذوا عن أرسططاليس بعض العناصر الجزئية، سواء فى فلسفته الميتافيزيقية أو الفيزيقية أو المنطقية، لم يكن الإسلام مغلقا أمام الأفكار التى لم تتعرض لكيانه المتناسق، إنه يأخذ ما يوافقه(4). 

د – رأى الدكتور جلال محمد موسى: (( فإذا انتقلنا الى تصنيف الفارابى لعلوم عصره، وجدناه فى رسالته التنبيه على سبيل السعادة يتابع التقسيم الأرسطى إلى علوم نظرية وعملية،… وخلاصة القول فى تصنيف ابن سينا أنه متأثر بتصنيف أرسطو المختصر الذى أوردناه فى البداية ))(5).

هـ – رأى الأستاذ أحمد عبد الحليم عطية: (( إن تصنيف الفارابي كما أشرنا، ومعه محاولة الكندى وابن سينا، تمثل موقف المشائية الإسلامية من فكرة محددة وجدت من قبل كما يخبرنا تاريخ الفلسفة لدى أفلاطون، وبصورة واضحة لدى المعلم الأول أرسطو،…. تصنيفات المشائين العرب الكندي والفارابى وابن سينا الذين يتابعون فى أجزاء من تصنيفاتهم تقسيم أرسطو للعلوم (6).   

ثانيا- آراء بعض الباحثين العرب المتخصصين فى مجال المكتبات والمعلومات:

أ- رأى الأستاذين كامل بكري وعبد الوهاب أبو النور: (( ونظرة سريعة إلى تقسيم ابن سينا للمعرفة فى رسالته سوف توضح مدى تأثره بتقسيم الفارابي، ومن ثم يمكن أن نذهب الى تقسيم الفلاسفة للعلوم متأثر بتصنيف أرسطو المختصر الذى أوردناه فى البداية ))(7).

ب- رأى الدكتور عبد الوهاب أبو النور: (( إن قضية تشابه هذه التصانيف التى أعدها فلاسفة الإسلام- يقصد الكندى والفارابي وابن سينا- مع تصنيف أرسطو قضية معروفة مشهورة، كما أن فلسفتهم متشابهة لفلسفة اليونان،… ويبدو لنا وجه الصواب فى هذه المسالة أن التصنيف كفكرة وطريقة ربما كانت فعلا فكرة يونانية، فلما نقل فلاسفة الإسلام- من أمثال الكندى والفارابي- فلسفة أرسطو نقلوا معها تصنيفه للعلوم وتأثروا به (8).

جـ – رأى الدكتور أحمد بدر: (( .. كما أن التفكير الأرسطى فى التصنيف له تاثير ملحوظ على تصنيف العرب للعلوم ))( 9).

ثالثا- آراء بعض الباحثين العرب والغربيين المتخصصين فى مجال تاريخ الحضارات:

أ – رأى المستشرق البريطاني أوليرى: (( ومما له دلالة خاصة أن كل العلماء والفلاسفة العرب تقريبا قد اعتبروا من أتباع أرسطو، ويرجعون بنسبهم العقلى إلى الكندى والفارابي، وأن معظمهم قد اعترف بأنه تابع لهذه المدرسة ))(10).

ب – رأى المستشرق السوفيتى بارتولد : (( …. ويتضح من هذا القاموس – يقصد قاموس الخليل   بن أحمد – تأثير اليونان فى علوم العرب، كما ظهر فى تصنيف العلوم ))(11).

جـ – رأى الدكتور إحسان عباس: (( فالرغبة لدى هؤلاء فى التصنيف- يقصد واضعى التصانيف العرب- قوة حافزة … ، وكان من أقوى التصنيفات جاذبية ذلك التقسيم الثلائى الذى يسنتج من موقف أرسطاطاليس، أعنى قسمة العلوم إلى علوم نظرية وعلوم عملية وعلوم منتجة أو آلية                أو ميكانيكية، ثم على وجه الخصوص قسمة العلوم النظرية فى ثلاثة أيضا هى العلم الرياضى والعلوم الطبيعى والعلوم الإلهى أى الميتافيزيقيا ))( 12).

ويمكننا أن نستخلص بوضوح من آراء هؤلاء الباحثين- على الرغم من اختلاف مجالات تخصصهم وجنسياتهم- الاتجاهين الرئيسيين التاليين:

(أ) أن الفلاسفة والعلماء المسلمين قد أخذوا عن فلسفة أرسطو وتأثروا بها.

(ب) أن تصانيف العلوم عند المسلمين بصفة عامة والفلاسفة منهم بصفة خاصة كانت تتبع تقسيم أرسطو للعلوم.

ومما يؤكد الاتجاه الثانى أن الفليسوف الفارابي قد اعترف صراحة عند تناوله للعلوم فى كتابه        (( إحصاء العلوم )) بأنه سار على نهج أرسطو فى تقسيمه للعلوم، والتعريف بها، وخاصة علوم الفلسفة.

المبحث الثانى

أرسطو: شخصيته ومؤلفاته ومذهبه

مما لا شك فيه أن الفيلسوف اليونانى أرسطو قد استحوذ على اهتمام كثير من الباحثين سواء أكان ذلك فى العصور الوسطى أم الحديثة، ولهذا فلا غرابة أن تثار قضية تأثير الفكر الأرسطى على من بعده ويكثر حولها الجدال، ولعل مما يعين على الوصول إلى رأى صائب فى هذا الخصوص أن نلم بقدر من المعلومات يمكننا من التعريف الجيد على شخصية أرسطو ومؤلفاته ومذهبه.

أولا – نبذة عن حياة أرسطو:

استعمر مهاجرون إغريق وفدوا من خالكيس شبه جزيرة خالكيدكى، واصطبغت حضارتها الإغريقية بالصبغة الأيونية، وأنشأت علاقات مع المستعمرات الأيونية الأخرى فى بحر إيجه وساحل آسياء الصغرى، كما شاركت فى الأحلاف التى تألفت للدفاع المشترك ضد ألد أعدائها فارس ومقدونيا، ثم غزاها فيليب المقدونى وضمها الى ملكة وأحل المحاربين المقدونيين مكان الأغريق(13).  

وفى أسطاغيرا- وهى مدينة يونانية من أعمال آسيا الصغرى تقع على بحر إيجه- ولد أرسطو حوالى عام 384 ق.م، وكان أبوه يدعى نيقوماخوس ويشغل منصب طبيب البلاط لدى الملك المقدونى أمنتاس الثانى والد فيليب وجد الإسكندر الأكبر، وقد لقن أرسطو منذ صباه مبادئ العلوم والطب، وأبدى ميلا نحو الاهتمام بالأحداث الملموسة والبحث التجريبي، وبعد وفاة والده استمر تعليمه بإرشاد من برو كسينوس الذى كان والده قد أقامه وصيا عليه.

ولما بلغ أرسطو الثامنة عشرة من عمره ارتحل إلى أثينا والتحق بالأكاديمية لتلقى العلم على يدى أفلاطون، ومكث بها زهاء عشرين عاما حتى وفاة أستاذه أفلاطون، وكان تأثير أفلاطون على عقلية أرسطو بعيد الأثر حتى بعد وفاته، ولكنه عاد إلى اتجاهه الأصلى نحو الاهتمام بالواقع المحسوس، ثم غادر أثينا بعد وفاة استاذه أفلاطون مباشرة.

وتوجه أرسطو بصحبة زميله فى الأكاديمية إكسينو قراط إلى بلدة أسوس من أعمال طروادة حيث أسس فيها فرغا للأكاديمية، وظل أرسطو يقوم بمهام التدريس فى هذا الفرع حوالى ثلاث سنوات، ثم نجح أرسطو فى كسب صداقة هيرمياس حاكم ميسيا، الذى تزوج أرسطو ابنة أخته بيتياس، وأنجب منها ابنة سماها بنفس الأسم، وهنا تعرف أرسطو على تيوفر اسطس الذى أصبح تلميذا له واقنع أرسطو بالسفر إلى بلدة ميثيلين، ثم استدعى الملك فيليب المقدوني أرسطو إلى بلاطه لكى يشرف على تربية ابنه الإسكندر.

وظل أرسطو ملازما للأسكندر الأكبر منذ تولى حكم مقدونيا بعد وفاة والده الملك فيليب، وحتى قام بحملته على آسيا الصغرى، ثم انقطعت الصلة بين أرسطو والإسكندر عام 327 ق.م، وذلك بعد إعدام كاليستيس ابن أخت أرسطو واتهامه بالاشتراك فى مؤامرة ضد الاسكندر، ولكن أرسطو استمر على صلة وثيقة بأنتيباتر مستشار دولة المقدونيين لدرجة أن أرسطو عينه منفذا لوصيته  بعد وفاته.

ثم عاد أرسطو إلى أثينا عام 325 ق.م حيث أسس اللوقيوم التى أطلق عليها المدرسة المشائية، ويرجع السبب فى هذه التسمية إما إلى أنها كانت نوعا من المعايد المخصصة لعبادة ربات الفنون، وإما إلى أن الدارسين بالمدرسة كانوا يتناقشون فى المسائل العلمية أثناء مشيهم جيئة وذهابا، وقد حظيت هذه المدرسة برعاية المقدونيين، وأصبحت مؤسسة علمية ضخمة تمتلك مكتبة كبيرة ويشرف عليها عدد كبير من المعلمين وتلقى فيها المحاضرات بانتظام، وظل أرسطو يلقى المحاضرات على تلاميذه فيها حتى وفاة الإسكندر عام 323 ق.م .

وبعد موت الإسكندر ثار الأثينيون على الحكم المقدونى، وكان من الطبيعي أن تتجه شكوكهم نحو أرسطو على أساس أنه موال للمقدونيين كما اتهم بالخروج عن العقيدة، وتجنبا لغضب الأثينيين وحتى لا يرتكبوا جريمة أخرى ضد الفلسفة مثلما فعلوا مع سقراط، ترك أرسطو إدارة اللوقيوم ليثوفراسطس تلميذه، ورحل إلى خالكيس حيث مات عام 322 ق.م (14).

ثانيا- مؤلفات أرسطو:

يمكن تقسيم مؤلفات أرسطو إلى ثلاثة أقسام:

(أ) مؤلفات ألفها أثناء فترة عضويته بالأكاديمية.

(ب) مؤلفات كتبها أيام اللوقيوم على الأرجح.

(جـ) بحوث أعدها فى السنوات التى اشتغل خلالها بالتدريس فى أسوس وبللا وأثينا.

ومعظم المؤلفات التى وصلت إلينا كاملة هى من القسم الثالث.

وتعتبر مؤلفات أرسطو موسوعة ضخمة، فهى تتناول المنطق، والميكانيكا، والطبيعة، والفلك، والظواهر الجوية، والنبات، والحيوان، والنفس، والأخلاق، والاقتصاد، والسياسة، والميتافيزيقا، والأدب وغيرها، وعلى الرغم من أن أرسطو لم يخصص مبحثا مطولا للرياضيات إلا أنه توجد مناقشات كثيرة قيمة لموضوعات رياضية متناثرة فى كتبه المختلفة(15).

ونقدم فيما يلى عرضا موجزا لكتب أرسطو فى الموضوعات المختلفة:

(أ) فى المنطق: سميت كتبه فى هذا الموضوع بالأورجانون أى آلة الفكر وهى:-

1- كتاب المقولات.

2- كتاب العبارة.

3- كتاب التحليلات الأولى أو القياس.

4- كتاب التحليلات الثانية والبرهان.

5- كتاب الجدل.

6- كتاب الأغاليط.

(ب) فى الطبيعة: هى الكتب التالية:

1- كتاب الطبيعة أو السماع الطبيعى.

2- كتاب السماء.

3- كتاب الكون والفساد.

4- كتاب الظواهر الجوية.

(جـ) فى الحيوان والنفس: تتناول كتبه هذه الحيوان وتاريخه وحركته، وكذلك النفس، وما يتصل بها، كالحس والتذكر والنوم والأحلام ةالشيخوخة والموت وغيرها.

(د) فى ما بعد الطبيعة أى الميتافيزيقا وله فيها 14 كتابا.

(هـ) فى الأخلاق والسياسة: ألف الكتب التالية:

1- كتاب الأخلاق الأوديمية.

2- كتاب الأخلاق النيقوماخية.

3- كتاب الأخلاق الكبرى.

4- كتاب السياسة.

5- كتاب دستور الأثينيين.

(9) فى الخطابة والشعر: له كتابان هما كتاب الخطابة وكتاب الشعر.

(ز) كتب منحولة: وهى الكتب التى اثبت النقد التاريخى عدم صحة نسبتها لأرسطو، لأسباب عديدة منها أن بعضها يتضمن آراء تتعارض مع الموقف الأساسي لأرسطو، ومن هذه الكتب:

1- كتاب المسائل، ويتناول موضوعات مختلفة مثل: الطب والمناظر والموسيقى الهواء وماء البحر الميت والحب وغيرها.

2- كتاب السماء والعلم.

3- كتاب فيضان النيل.

4- كتات اللاهوت المعروف باسم (( أثولوجيا أرسطاطليس )) ، أو (( كتاب الربوبية )).

5- كتاب التفاحة.

6- كتاب الإيضاح فى الخير المحض(16).

ثالثا: نظرة عامة فى مذهب أرسطو:

كان أرسطو تلميذا لأفلاطون الذى كان بدوره تلميذا لسقراط، وتفلسف أرسطو فى شبابه وفقا لمذهب أستاذه أفلاطون، ثم اختط أرسطو لنفسه منهجا واقعيا حسيا التزم به فى معالجة قضايا الفلسفة الطبيعية وحاول تطبيقه فى معالجة قضايا الفلسفة الطبيعية وحاول تطبيقه فى مجال الميتافيزيقا، ولكن فى الحقيقة لم تنقطع الصلة بين مذهب أفلاطون ومذهب أرسطو تماما؛ لأنها تمثل تيارا مستمرا ينبع من سقراط ليقف عند مثالية أفلاطون ثم ليظهر فى صورة واقعية حسية عند أرسطو.

لقد اتجه أرسطو إلى الواقع المحسوس محاولا تفسيره عن طريق الملاحظة والكشف المستمرين، وكان لهذه النزعة التجريبية أثرها الكبير فى تنظيم حصيلة العلم القديم فى عصره، كما قضت على الثنائية الأفلاطونية، وعلى اعتقاد أفلاطون بتفاهة العالم المادى، وإيمانه بالبقاء السرمدى للنفس الإنسانية، وكان تمام القضاء على الثنائية عند أرسطو يبدو بوضوح فى دراساته العلمية أى فى السياسة والأخلاق، فهو يؤكد أنهما معنيان بهذا العالم وليس بالعالم الآخر وأن ليس ثمة حاجة لافتراض وجود عالم أعلى معقول تتحقق فيه الخيرية المطلقة.

ورغم هذا يلاحظ أن نظرية أرسطو فى الأخلاق تنتهى إلى موقف يربط الأخلاق بالميتافيزيقا، إذ يجعل أرسطو السعادة الحقة أى الخير الأعظم للإنسان فى الحكمة أى التأمل، وليس هناك موضوع للتأمل سوى الموجودات الدائمة الثابتة وفى قمتها المبدأ الأول أو المحرك الأول أو الله، كما انتهى أرسطو من دراساته الطبيعية للحركة إلى ضرورة وجود محرك أول ثابت أى الله.

أما فى مجال فنجد أن أرسطو قد انتقد بشدة إدخال الرياضيات فى الميتافيزيقا، لأنه رأى أن علمى الحساب والهندسة لا يمكن أن يقوما بدون الموجود المحسوس، فالأعداد تنصب على معدودات، والخطوط والأشكال الهندسية تنصب على أبعاد الموجودات المحسوسة، وذلك على العكس من أفلاطون الذى يرفع من قيمة الرياضيات وعلم الفلك لعلاقتهما بعالم السماء، ويرى أن العلوم الطبيعية لغو مضلل؛ لأنها تبحث فى الوجود المحسوس أى فى موضوعات ليست لها صفة الوجود الحقيقى.

ويمكن القول بصفة عامة أن فلسفة أرسطو تعتبر حصيلة ذات طابع تركيبى منطقى لما سبقه من فكر فلسفى وعلم تجريبى عند اليونان، وقد ظل مذهب أرسطو بعد وفاته قائما فى بنائه العام فى رعاية المدرسة المشائية، ولكن الفكر الفلسفى الحديث ما لبث أن عاد إلى تقدير أرسطو وفلسفته(107).

ويمكن أن نستخلص مما أوردناه آنفا عن حياة أرسطو ومؤلفاته ومذهبه الحقائق التالية:

(أ) أن أرسطو تلقى العلم فى أكاديمية أثينا على يدى أفلاطون حتى وفاته، ثم أنشأ اللوقيوم فى أثينا قبل وفاته هو بقليل، وقام بتدريس فكره ومذهبه الفلسفى فيها.

(ب) أن مؤلفات أرسطو تتناول بصفة عامة العلوم التى تضمنتها خطته لتصنيف المعرفة.

(جـ) أن أرسطو التزم منهجا واقعيا حسيا فى معالجته للقضايا الفلسفية، مبتعدا بذلك عن المذهب المثالى لأفلاطون، وظل مذهب أرسطو قائما بعد وفاته بفضل جهود المدرسة المشائية.

المبحث الثالث خطة تصنيف أرسطو

تعتبر خطة تصنيف أرسطو حجر الزواية فى القضية المثارة فى هذا المقال، فما هى هذه الخطة وأين نعثر عليها؟

فى الحقيقة لقد تناول هذه الخطة كثير من الباحثين العرب والغربيين من المتخصصين فى مجالات الفلسفة والمكتبات والمعلومات وتاريخ الحضارات، ومن الضرورى أن نتعرف على نصوص هذه الخطة كما أوردها هؤلاء الباحثون، لكى نصل الى تصور لها يكون أكثر شمولا، وأيضا أكثر تعبيرا عما صرح به مؤرخو الفكر الأرسطى فى هذا الخصوص، ونستعرض فى هذا المبحث النصوص الكاملة لخطة تصنيف أرسطو كما أوردها عدد ليس بالقليل من هؤلاء الباحثين.

أولا- خطة تصنيف أرسطو فى مؤلفات الباحثين العرب

(أ) خطة تصنيف أرسطو فى مؤلفات الباحثين العرب المتخصصين فى مجال الفلسفة.

1- فى كتاب (( تاريخ الفكر الفلسفى )) للدكتور محمد على أبو ريان:

1- العلوم النظرية:

·       العلم الرياضى

·       العلم الطبيعى أو الفلسفة الثانية علم ما بعد الطبيعة أو الفلسفة الأولى

2- العلوم العملية:

·       الأخلاق

·       السياسة تدبير المنزل

3- العلوم الشعرية

  • والمنطق مقدمة لابد منها(18)

2- فى كتاب (( الفلسفة ومباحثها للدكتور محمد على أبو ريان:

العلوم النظرية:

  • العلم الرياضي
  • العلم الطبيعى أو الفلسفة الثانية علم ما بعد الطبيعة أو الفلسفة الأولى

العلوم العملية

العلوم الشعرية

·       والمنطق توطئة لابد منها(19)

3- فى كتاب (( دراسات فى الفلسفة الإسلامية )) للدكتور عبد اللطيف محمد العبد:

الفلسفة النظرية:

·       العلم الإلهى

·       العلم الرياضى

·       العلم الطبيعى

الفلسفة العلمية:

·       الأخلاق

·       الأقتصاد أو تدبير المنزل

·       السياسة        

الفلسفة الإنتاجية

·       الشعر

·       الخطابة

·       والمنطق آلة أو مدخل للعلوم(20)

4- فى كتاب (( منهج البحث العلمى عند العرب )) للدكتور جلال محمد موسى:

الفلسفة النظرية:

·       العلم الإلهى

·       العلم الرياضى

·       العلم الطبيعى

·       الفلسفة العملية:

·       الأخلاق

·       الاقتصاد أو تدبير المنزل

·       السياسة

·       الصناعات الانتاجية:

·       الشعر

·       الخطابة

·       والمنطق آلة أو مدخل لكل العلوم (21).

5- فى مقال (( الأسس الفلسفية لتصنيف العلوم عند العرب )) للأستاذ أحمد عبد الحليم عطية:

·       العلوم العلمية: الأخلاق والسياسة.

·       تدبير المنزل.

·       العلوم الشعرية

·       والمنطق مقدمة أو آلة ومدخل للعلوم(22)

(ب) خطة تصنيف أرسطو فى مؤلفات الباحثين العرب المتخصصين فى مجال المكتبات والمعلومات.

1- فى مقدمة تحقيق كتاب (( مفتاح السعادة ومصباح السيادة فى موضوعات العلوم )) للأستاذين كامل بكرى وعبد الوهاب أبو النور:

الفلسفة النظرية:

·       الفلسفة الأولى أو العلم الالهى الرياضيات

·       العلوم الطبيعية أو فلسفة الكون الطبيعى

الفلسفة العملية:      

·       الأخلاق الاقتصاديات السياسة الشعر والمنطق آلة أو طريقة للدراسة(23).

2- فى كتاب أسس التصنيف والتصنيف العملى )) للأستاذ محمد أحمد إتيم:

العلوم النظرية:

·       الهندسة

·       الفلك الحساب

العلوم العملية:

·       علم لأخلاق

·       الاقتصاد

·       السياسة        

العلوم الإنتاجية:

·       الشعر

·       البلاغة

·       الجدل(24).

3- فى كتاب (( التصنيف )) للدكتورين أحمد بدر ومحمد فتحى عبد الهادى:

·       علوم نظرية

·       علوم عملية

·       علوم منتجة(25)

ثانيا- خطة تصنيف أرسطو فى مؤلفات الباحثين الغربيين المتخصصين فى مجالات الفلسفة والمكتبات والمعلومات وتاريخ الحضارات

1- فى كتاب (( علم الفلك، تاريخه عند العرب فى القرون الوسطى )) للمستشرق الإيطالى كرلونلينو:

الحكمة النظرية أى العلوم العقلية النظرية

الحكمة الطبيعية:

·       الطب

·       أحكام النجوم

·       الفراسة

·       تعبير الرؤيا

·       الطلسمات

·       النيرنجيات

·       الكيمياء

الحكمة الرياضية أو التعليمية:

·       علم العدد

·       علم الهندسة

·       علم الهيئة

·       علم الموسيقى

الحكمة الإلهية أو الفلسفة الأولى أو العلم الكلى أو ما بعد الطبيعة(26).

2- فى كتاب (( تاريخ العلم )) للمؤرخ الأمريكى جورج سارتون:

الفروع النظرية:

·       الرياضيات الطبيعيات

·       الميتافيزيقا

الفروع الإنتاجية:

·       الفنون

الفلسفة العملية:

·       الأخلاق

·       السياسة

والمنطق مقدمة خارجة للفلسفة والعلم(27)

3- فى كتاب (( حكمة الغرب )) للفيلسوف البريطاني برتراندرسل:

العلوم النظرية:

·       الرياضة

·       الفيزياء

·       الميتافيزيقا

العلوم العملية:

·       الأخلاق

العلوم الانتاجية:

·       الفنون

·       والمنطق أداة للبحث العلمى(28)

4- فى كتاب (( والتصنيف والتكشيف فى مجالات العلوم )) للعالم البريطاني فيكرى:

المعرفة النظرية:

الميتافيزيقا أى ما وراء الطبيعة.

·       الرياضيات:

·       الحساب

·       الهندسة

·       الفلك

·       الموسيقى

·       البصريات

·       الميكانيكا

الفيزياء:

العلل الأولى للطبيعة أى التغير والحركة.

نظام وحركة كل من النجوم- أى الفيزياء الفلكية- والأجسام الأرضية.

·       الوجود والعدم.

·       الأرصاد الجوية.

·       علم المعادن.

·       التغيرات الكيمائية.

·       البيولوجيا والنبات والحيوان.

المعرفة العلمية: 

·       الأخلاق

·       السياسة

·       الاقتصاد

·       البلاغة

المعرفة الانتاجية:

·       الشعر

·       الفنون

·       والمنطق دراسة تمهيدية لكل العلوم(29)

وبعدهذا العرض لنصوص خطة تصنيف أرسطو كما أوردها بعض الباحثين العرب والغربيين، نقدم فى السطور التالية ما تسفر عنه دراسة هذه النصوص من نتايج بصدد اختيار نص يكون أكثر شمولا وتعبيرا عن تصور أرسطو لتصنيف علوم الفلسفة.

(أ) يتفق هؤلاء الباحثون- باستثناء المستشرق الإيطالى نلينو- على أن خطة تصنيف أرسطو تتبنى التقسيم الثلاثى لعلوم الفلسفة وهو كما يلى:

1- الفلسفة أو الحكمة أو المعرفة أو العلوم النظرية.

2- الفلسفة أو الحكمة أو المعرفة أو العلوم العملية.

3- الفلسفة أو الحكمة أو المعرفة أو العلوم الشعرية أو الانتاجية أو المنتجة أو الشعر فقط.

أما نلينو فقد اقتصر تقسيمه لعلوم الفلسفة على الفلسفة أو الحكمة النظرية فقط.

ومن ناحية أخرى يتفق هؤلاء الباحثين- باستثناء نلينو وسارتون- على وضع هذه الأقسام الثلاثة للترتيب المشار إليه آنفا، إما نلينو فقد سبق إيضاح موقفه، وأما سارتون فقد انفرد بوضع الفروع الانتاجية قبل الفلسفة العملية.

(ب) وفيما يتعلق بحصر العلوم الرئيسية والفرعية للأقسام الثلاثة المشار إليها آنفا، يلاحظ الآتى:

1- يذكر فيكرى العلوم الرئيسية للأقسام الثلاثة، وكذلك العلوم الفرعية لكل من الرياضيات والفيزياء فقط، وهما من العلوم الرئيسية للقسم النظرى.

2- يورد العبد وموسى وإتيم وسارتون ورسل العلوم الرئيسية فقط للأقسام الثلاثة.

3- يذكر أبو ريان فى كتابه (( تاريخ الفكر الفلسفى )) وعطية وبكرى وأبو النور العلوم الرئيسية للقسمين النظرى والعملى فقط.

4- يورد نلينو العلوم الرئيسية للقسم النظرى فقط، وكذلك العلوم الفرعية لاثنين فقط من هذه العلوم الرئيسية.

5- تناول أبو ريان فى كتاب (( الفلسفة ومباحثها )) العلوم الرئيسية للقسم النظرى فقط.

6- لا يذكر بدر العلوم الرئيسية، ولا الفرعية لأى من الأقسام الثلاثة.

(جـ) يتفق هؤلاء الباحثين- باستثناء بدر وإتيم- على حصر العلوم الرئيسية للقسم النظرى فى ثلاثة هى: العلم الرياضى أو الرياضيات أو الرياضة والعلم الطبيعى أو الطبيعيات أو الفيزياء، والعلم الإلهى أو الفلسفة الأولى أو علم ما بعد الطبيعة أو الميتافيزيقا، أما بدر فلم يشر إلى هذه العلوم أو غيرها، وأما إتيم فقد انفرد بذكر ثلاثة علوم مختلفة تماما عما ذكره الباحثون الآخرون.

وفيما يتعلق بترتيب هذه العلوم يلاحظ وجود اختلاف بين هؤلاء الباحثين فى هذا الخصوص، فقد جعل أبو ريان وعطية وسارتون ورسل هذه العلوم على النحو التالى: العلم الرياضى ثم العلم الطبيعى فالعلم الإلهى، فى حين قام العبد وموسى وبكرى وأبو النور وفيكرى بترتيب هذه العلوم على أساس أن العلم الإلهى يأتى أولا يلىه العلم الرياضى فالعلم الطبيعى، أما نلينو فقد رتب هذه العلوم على نحو مختلف عن المجموعتين السابقتين حيث وضع العلم الطبيعى فى البداية ثم العلم الرياضى وأخيرا العلم الإلهى.

(د) لا يوجد اتفاق بين هؤلاء الباحثين على حصر العلوم الرئيسة للقسم العملى، فهى عند رسل علم واحد هو الأخلاق، وهى فى رأى فيكرى أربعة علوم هى الأخلاق والسياسة والاقتصاد والبلاغة، ويتراوح عددها لدى الباحثين الآخرين بين علمين وثلاثة، ومن ناحية أخرى تطلق على بعض هذه العلوم تسميات مختلفة فيطلق تدبير المنزل على الاقتصاد وتسمى الأخلاق بالأخلاق السياسة، ومن ناحية ثالثة يوجد اتفاق فقط على وضع علم الأخلاق فى المرتبة الأولى.

(هـ) لا يوجد اتفاق بين هؤلاء الباحثين فيما يتعلق بحصر العلوم الرئيسية للقسم الثالث أى العلوم الإنتاجية، فهى تنحصر فى علم واحد هو الشعر أو العلوم الشعرية عند أبو ريان وعطية وبكرى وأبو النور أو الفنون عند كل من سارتون ورسل، وهى تضم علمين هما الشعر والفنون فى رأى فيكرى، وينفرد إيتم بحصرها فى ثلاثة علوم عى الشعر والبلاغة والجدل، وأما عن ترتيبها فيوجد اتفاق على أن الشعر يأتى أولا

(و) وصفوة القول أن معظم هؤلاء الباحثين قد عرضوا خطة تصنيف أرسطو بشكل موجز، ولكن انفرد فيكرى بذكر العلوم الرئيسية للأقسام الثلاثة، وكذلك العلوم الفرعية للرياضيات والفيزياء، وهما من العلوم الرئيسية للقسم النظرى، وبناء عليه يمكن القول بأن خطة تصنيف أرسطو كما أوردها فيكرى تعتبر أكثر شمولا وتفصيلا، ومن ناحية أخرى يتفق معظم هؤلاء الباحثين على ذكر علم المنطق ليس باعتباره أحد علوم الفلسفة بل على أنه مقدمة ضرورية ومدهلا وأداة لها.

المبحث الرابع

خطط التصنيف لبعض الفلاسفة والعلماء المسلمين فى العطور الوسطى

يشتمل هذا المبحث على موجز نصوص عدد محدود من خطط التصنيف لبعض الفلاسفة والعلماء التى أوردها صانعو الخطط أنفسهم، وهم على وجه التحديد الفيلسوف الفارابي والفيلسوف العامرى والكاتب العالم الخوارزمى، والوراق العالم ابن النديم، ويعزى اختيارى لهذه الخطط بالذات لاعتبارات هامة، أولها أن صناع هذه الخطط من مشاهير المكرين فى القرن الرابع الهجرى الذى يعد فى نظر كثير من الباحثين العرب والغربيين على السواء عصر النهضة الفكرية للحضارة الإسلامية فى العصور الوسطى.

وثانيها أن لكل من هؤلاء المفكرين الأربعة خطة تصنيف متميزة، وذلك على الرغم من أن الفيلسوفين الفارابي والعامرى ينتميان إلى مدرسة فلسفية واحدة، كما لا تخفى مكانة الفارابي التى أهلته لنيل لقب (( المعلم الثانى )) على أساس أن المعلم الأول هو أرسطو، وثالثهما أن خطط التصنيف الأخرى التى عرفتها الحضارة الإسلامية فى العصور الوسطى، ومنها على سبيل المثال خطط التصنيف للفيلسوف الكندى فى القرن الثالث الهجرى، والفيلسوف الطبيب ابن سينا فى القرن الخامس الهجرى، والعالم المؤرخ ابن خلدون فى القرن الثامن الهجرى، أقول إن هذه الخطط وغيرها لا تختلف كثيرا من الناحية المنهجية عن خطط التصنيف المختارة هنا من القرن الرابع الهجرى.

1- خطة تصنيف الفيلسوف أبى نصر الفارابي ( ت 339هـ ):

علم اللسان

علم المنطق

علم التعاليم

علم العدد

علم الهندسة

علم المناظر

علم النجوم

علم الموسيقى

علم الاتصال

علم الحيل

العلم الطبيعى

ماتشترك فيه الأجسام الطبيعية كلها البسيطة والمركبة من المبادىء والأعراض.

الأجسام البسيطة.

كون الأجسام الطبيعية وفسادها.

مبادىء الأعراض الانفعالات التى تخص الأسطقسات

الأجسام المركبة عن الأسطقسات

الأجسام المعدنية

النبات

الحيوان

العلم الالهى

العلم المدنى

الأخلاق

السياسة

علم الفقه

علم الكلام(30)

2- خطة تصنيف الفيلسوف أبو الحسن العامرى ( ت 381هـ ):

العلوم الملية

صناعة الحديث

صناعة الكلام

صناعة الفقه

صناعة اللغة   ( وهى آلة للعلوم الملية )

العلوم الحكمية

صناعة الرياضيين

العدد

الهندسة

التنجيم

التأليف

الحيل

صناعة الطبيعيين

المبدعات بتمام قدرته الإلهية

الأفلاك والكواكب والأسطقسات الأربعة

المكونات بالتسخير الإلهى الحادث فى الجو

الحادث فى المعادن

الحادث فى النبات والحيوان

صناعة الإلهيين

صناعة المنطق( وهى آلة للعلوم الحكمية )(31)

3- خطة تصنيف الكاتب العالم أبو عبد الله محمد بن أحمد بن يوسف الخوارزمى ( ت 387 هـ ):

علوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية

الفقه

الكلام

النحو

الكتابة

الشعر والعروض

الأخبار

علوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم

الفلسفة

المنطق

الطب

علم العدد

الهندسة

علم النحو

الموسيقى

الحيل

الكمياء(32)

4- خطة تصنيف الوارق العالم أبو الفرج محمد بن إسحاق الشهير بابن النديم ( ت حوالى 385هـ          أو ما بعدها ):

لغات الأمم وكتب الشرائع المنزلية النحويون واللغويون

الأخباريون والنسابون وأصحاب الأحداث والآداب

الشعر والشعراء

الكلام والمتكلمون

الفقه والفقهاء والمحدثون

الفلاسفة والعلوم القديمة

الأسمار والخرافات والعزائم والسحر والشعبذة ومعانى شتى

والمذهب والاعتقادات

الكيميائيون والصنعويون (33)  

المبحث الخامس

مقارنة بين خطة تصنيف لبعض الفلاسفة والعلماء المسلمين فى العصور الوسطى

لكى نصل إلى فهم شامل ودقيق لأوجه التشابه والاختلاف بين خطة تصنيف أرسطو وخطط التصنيف لبعض الفلاسفة والعلماء المسلمين فى العطور الوسطى، فإن الأمر يتطلب تطبيق معايير محددة وواضحة بخصوص المقارنة بين هذه الخطط، ومن المحتمل أن تحقق المعايير الثلاثة المقترحة هنا الهدف المنشود، هذا وستتم المقارنة فى ضوء نصوص خطط التصنيف المدروسة التى أوردناها فى المبحثين الثالث والرابع والمعلومات المتعلقة بهذه الخطط التى تضمنتها الكتب التى رجعنا إليها فى هذا الخصوص، والمعايير الثلاثة المقترحة هى:

– المجال:ويقصد به نطاق المعرفة وفقا لتصور واضح الخطة، أو بمعنى آخر مجال المعرفة لخطة التصنيف.

– مدخل التقسيم:ويقصد به المنهج الذى تم وفقا له تقسيم مجال المعرفة لخطة التصنيف إلى علوم رئيسية وفرعية.

– الحصر والترتيب:ويقصد به تحديد العلوم الرئيسية والفرعية التى تشتمل عليها خطة التصنيف من ناحيتى النوع والعدد، وكذلك إيضاح الطريقة التى اتبعت فى ترتيب هذه العلوم.

أولا- المجال:

نستعرض فيما يلى بعض الآراء والنصوص المتعلقة بخطط التصنيف الخمس المدروسة، والتى من المحتمل أن تساعدنا فى التعرف بدقة على مجالات هذه الخطط:

– يرى الدكتور محمد على أبو ريان أن أرسطو حاول تقسيم الفلسفة إلى أقسام وفروع، ففى كتابه         (( الجدل )) قسم الفلسفة إلى مشاكل أخلاقية وطبيعية ومنطقية، ولكن من الملاحظ أن هذا التقسيم        لم يرد فى أى نص آخر لأرسطو، وفى حين اتفق شراح أرسطو على تقسيم الفلسفة إلى قسمين هما العلم النظرى والعلم العملى، فإن أرسطو نفسه ميز بين ثلاثة مجموعات من العلوم هى العلوم النظرية، والعلوم العملية، والعلوم الشعرية، ولم يدخل أرسطو المنطق فى تصنيفه للعلوم النظرية  إذ هو قوانين الفكر بقطع النظر عن موضوعات هذا الفكر التى هى الموجودات(34).

– ويقول الفارابي: (( قصدنا أن نحصى العلوم المشهورة علما علما، ونعرف جمل ما يشتمل عليه كل واحد منها وأجزاء كل ما له منها أجزاء، وجمل ما فى كل واحد من أجزائه ))(35).

– ويقول العامرى: (( أما العلم فهو الإحاطة بالشئ على ما هو عليه من غير خطأ ولا زلل، وهو ينقسم الى المللى والحكمى، وأرباب العلوم الملية هم المصطفون من الأنبياء صلوات الله عليهم، وأرباب العلوم الحكمية هم المرتضون من الحكماء ))(36).

– يقول الخوارزمى: (( دعتنى نفسى إلى تصنيف كتاب يكون جامعا لمفاتيح العلوم وأوائل الصناعات، متضمنا ما بين كل طبقة من العلماء من المواضعات والاصطلاحات التى دخلت منها أو من جلها الكتب الحاصرة لعلم اللغة ))(37).

– ويقول ابن النديم: (( هذا فهرست كتب جميع الأمم من العرب والعجم، الموجود منها بلغة العرب وقلمها، فى أصناف العلوم، وأخبار مصنفيها، وطبقات مؤلفيها، وأنسابهم، وتاريخ مواليدهم، ومبلغ أعمارهم، وأوقات وفاتهم، وأماكن بلدانهم، ومناقبهم، ومثالبهم، منذ ابتداء كل علم اخترع الى عصرنا هذا، وهو سنة سبع وسبعين وثلثمائة للهجرة ))(38).

وانطلاقا من هذه الآراء والنصوص سنحاول الوصول الى تحديد واضح لمجلات خطط التصنيف الخمس:

1- من الواضح أن مجال خطة تصنيف أرسطو هو الفلسفة بمفهومها المحدد فى الفكر الأرسطى،  التى تشتمل على العلوم النظرية والعملية والإنتاجية، مع استبعاد علم المنطق من نطاق هذه العلوم واعتباره أداة لها.

2- إن العلوم المشهورة حسبما ذكر الفارابي فى كتابه (( إحصاء العلوم )) هى محور اهتمامه، ولكن عبارة (( العلوم المشهورة )) ليست فى حد ذاتها واضحة الدلالة على مجال خطة تصنيف الفارابي، فما الذى يقصده الفارابي بالضبط بهذه العباة؟ هل هى العلوم المشهورة فى عصره أى فى القرن الرابع الهجرى؟ أم هى العلوم المشهورة من وجهة نظره كفيلسوف من المدرسة المشائية أى مدرسة الفلسفة الأرسطية؟

يمكن الإجابة بسهولة على هذا السؤال إذا ألقينا نظرة فاحصة على العلوم الواردة فى خطتى تصنيف الفارابي وأرسطو، ثم عقد مقارنة دقيقة بينهما، ففى هذه الحالة نجد أن عالم التعاليم والعلم الطبيعى والعلم الإلهى عند الفارابي هى بذاتها فروع العلوم النظرية لدى أرسطو، وأن العلم المدنى عند الفارابي تقابله العلوم العملية لدى أرسطو، وأن علم اللسان عند الفارابي يقابله علم الشعر لدى أرسطو.

إذن فالعلوم المشهورة فى رأى الفارابي هى علوم الفلسفة الأرسطية مضافا إليها علما الفقه والكلام الإسلاميين، وهذا لا يعنى أنه يوجد تشابه كبير بين العلوم الواردة فى كلتا الخطتين فحسب، بل إن العلوم التى تضمنتها خطة تصنيف الفارابي تعتبر فى جوهرها هى نفسها العلوم التى تناولها أرسطو فى تصنيفه، مع محاولة إضفاء طابع إسلامى محدود عليها من خلال إضافة علمى الفقه والكلام إليها.

ونخلص من هذا إلى القول بأن علوم الفلسفة الأرسطية تشكل المجال الرئيسى لخطة تصنيف الفارابي، وينحصر الخلاف بين الخطتين فى أن مجال خطة تصنيف الفارابي يضيف إلى علوم الفلسفة الأرسطية الإغريقية علمى الفقه والكلام الإسلاميين.

3- يحدد العامرى صراحة مفهومه للعلم بانه يشتمل على فئتين من العلوم هما العلوم الملية والعلوم الحكمية، وإذا تاملنا العلوم التى تضمنتها خطة تصنيف العامرى، يتضح لنا أنه يقصد بالعلوم الملية علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية، وبالعلوم الحكمية فروع العلوم النظرية فقط عند أرسطو مضافا إليها علم المنطق، وهذا يعنى أن العلوم الأسلامية والعربية وبعض علوم الفلسفة الأرسطية تشكل مجال خطة خطة تصنيف العامرى.

ومن هنا يتضح لنا أنه يوجد اختلاف بين مجالى الخطتين، فعلى الرغم من أن خطة العامرى تشترك مع خطة أرسطو فى علوم الفلسفة الأرسطية، إلا أنها تقتصر على العلوم النظرية فيها فقط، وذلك إلى جانب العلوم الإسلامية والعربية.

4- تتضمن خطة تصنيف الخوارزمى علوم الشريعة الإسلامية واللغة العربية وكذلك علوم الفلسفة والمنطق وأيضا علمى الطب والكيمياء، والخطة فى تناولها لعلوم الفلسفة- كما يتضح من كتاب الخوارزمى (( مفاتيح العلوم )) – تدخل تحتها الجزئين النظرى والعملى، وهما يقابلان العلوم النظرية والعملية فى خطة تصنيف أرسطو (39)، وهذا يعنى أن العلوم الإسلامية والعربية ومعظم علوم الفلسفة الأرسطية وعلوما أخرى تشكل مجال خطة تصنيف الخوارزمى، ولهذا يبدو جليا أن مجال خطة تصنيف أرسطو.

5- تشتمل خطة تصنيف ابن النديم على العديد من العلوم منذ ابتداء كل علم اختراع- على حد تعبير ابن النديم فى كتابه (( الفهرست ))- وحتى بداية الرابع الأخير من القرن الرابع الهجرى، وإذا ألقينا نظرة فاحصة على خطة تصنيف ابن النديم نجد أنها تضم الكثير من العلوم ذات النشأة الإسلامية كما تشتمل أيضا على الكثير من العلوم التى تنتمى أصولها إلى الحضارات السابقة مثل حضارات اليونان والروم والهند وفارس وغيرهم.

أما الفلسفة فى خطة تصنيف ابن النديم فيندرج تحتها ما يقابل العلوم النظرية والعلمية فضلا عن المنطق عند أرسطو(40)، وبمعنى أوضح فإن العلوم العربية والإسلامية ومعظم علوم الفلسفة الأرسطية وعلمى الطب والكيمياء وعلوما أخرى أيضا، تشكل مجال خطة تصنيف ابن النديم، ونستنتج من هذا كله أن مجال هذه الخطة يختلف اختلافا واسعا عن مجال خطة تصنيف أرسطو.

ثانيا- مدخل التقسيم:

من السهل أن نقف على مداخل التقسيم أى المناهج أو الطرق التى اتبعت فى تقسيم المعرفة فى خطط تصنيف أرسطو والفارابى والعامرى والخوارزمى وابن النديم، ويمكن تحديد هذه المداخل على النحو التالى:

(أ) تنقسم المعرفة فى خطة تصنيف أرسطو إلى ثلاثة أنواع من العلوم هى:

– الفلسفة أو الحكمة أو المعرفة أو العلوم النظرية.

– الفلسفة أو الحكمة أو المعرفة أو العلوم الإنتاجية.

(ب) تنقسم المعرفة فى خطة تقسيم الفارابي إلى 8 علوم.

(جـ) تنقسم المعرفة فى خطة تصنيف العامرى إلى نوعين من العلوم هما:

– العلوم الملية.

– العلوم الحكمية.

(د) تنقسم المعرفة فى خطة تصنيف الخوارزمى إلى نوعين من العلوم أيضا هما:

– علوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية.

– علوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم.

(هـ) تنقسم المعرفة فى خطة تصنيف ابن النديم إلى 10 أنواع من العلوم.

وإذا القينا نظرة فاحصة على خطط التصنيف الخمس من زاوية مداخل التقسيم، فإننا نجد أن أرسطو قد تبنى التقسيم الثمانى، أما العامرى والخوارزمى فقد طبقا التقسيم العشرى للمعرفة، وهذا يعنى أنه يوجد اختلاف واضح بين التقسيم الثلاثى الذى طبقه أرسطو ومداخل التقسيم المباينة له التى طبقها كل من الفارابي والعامرى والخوارزمى وابن النديم.

ومن الجدير بالذكر أن الفارابي قد أورد تقسيما ثنائيا لعلوم الفلسفة- فى كتاب آخر له- إلى الفلسفة النظرية والفلسفة العملية(41)، وهو يشبه تقسيم أرسطو إلى حد كبير لكنه أغفل فيه القسم الثالث منها فقط أى الفلسفة الإنتاجية.

ثالثا- الحصر والترتيب:

 توصلنا فى نهاية المبحث الثالث إلى أن خطة تصنيف أرسطو كما عرضها فيكرى تتسم بقدر من الشمول والتفاصيل، لا يتوافر فى معالجات الباحثين الآخرين لهذه الخطة، ولهذا سيتم الاعتماد عليها هنا لتمثيل الخطة بصدد المقارنة بينها وبين خطط التصنيف للفارابي والعامرى والخوارزمى وابن النديم، وذلك من زواية حصر العلوم وترتيبها.

ففى رأى فيكرى تشتمل خطة تصنيف أرسطو على ثلاثة أنواع من العلوم هى على الترتيب:

(أ) علوم المعرفة النظريةوتضم:

– الميتافيزيقا أى ما وراء الطبيعة.

– الرياضيات: الحساب، الهندسة، الفلك، الموسيقى، البصريات، الميكانيكا.

– الفيزياء: العلل الأولى للطبيعة أى التغير والحركة، نظام وحركة النجوم والأجسام الأرضية، الوجود والعدم، الأرصاد الجوية، ويتفرع منها علم المعادن والكيمياء، البيولوجيا والنبات والحيوان.

ب- علوم المعرفة العملية وتضم:الأخلاق، السياسة، الاقتصاد، البلاغة.

جـ- علوم المعرفة الإنتاجية وتضم: الشعر، الفنون.

وتتضمن خطة تصنيف الفارابي ثمانية علوم هى على الترتيب:

1- علم اللسان             2- علم المنطق

3- علم التعاليم: علم العدد، علم الهندسة، علم المناظر، علم النجوم، علم الموسيقى، علم الأثقال، علم الحيل.

4- العلم الطبيعى: ما تشترك فيه الأجسام الطبيعية كلها، الأجسام البسيطة، الكون والفساد، العناصر، الأجسام المركبة، المعادن، النبات، الحيوان.

5- العلم الالهى   6- العلم المدنى: الأخلاق، السياسة.  7- علم الفقه  8- علم الكلام.

وتحتوى خطة تصنيف العامرى على نوعين من العلوم هما على الترتيب:

(أ) العلوم الملية وهى: علم الحديث، علم الكلام، علم الفقه، علم اللغة.

(ب) العلوم الحكمية وهى:

1- صناعة الرياضيين: العدد، الهندسة، التنجيم، التأليف، الحيل.

2- صناعة الطبيعيين: المبدعات ويتفرع منها الأفلاك والكواكب والعناصر الأربعة، المكونات ويتفرع منها الأرصاد الجوية والمعادن والنبات والحيوان.

3- صناعة الإلهيين 4- صناعة المنطق.

وتشتمل خطة تصنيف الخوارزمى على نوعين من العلوم هما على الترتيب:

(أ) علوم الشريعة وما يقترن بها من العلوم العربية وهى: الفقه، والكلام، النحو، الكتابة، الشعر والعروض، الأخبار.

(ب) علوم العجم من اليونانيين وغيرهم من الأمم وهى: الفلسفة، المنطق، الطب، علوم العدد، الهندسة، علم النحو، الموسيقى، الحيل، الكمياء.

وأخيرا فإن خطة تصنيف ابن النديم تتضمن علوما عديدة هى على الترتيب:

اللغات والديانات السماوية، النحو واللغة، التاريخ بمفهومه الواسع، الشعر، الكلام، والتصوف، الفقه، والحديث، الفلسفة والطب، علوم متنوعة، الديانات غير السماوية، الكيمياء.

وبعد أن وقفنا على العلوم وترتبيها فى خطط التصنيف الخمس، ننتقل على الفور إلى المقارنة على علوم الفلسفة فقط؛ لأنها تمثل النوع الوحيد من العلوم التى تشترك فيه خطة تصنيف أرسطو وخطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين فى العصور الوسطى.

أولا: علوم الفلسفة النظرية أو القسم النظرى:

فالميتافيزيقا عند أرسطو يقابلها العلم الإلهى عند الفارابي والخوارزمى وصناعة الالهيين عند العامرى والإلهيات عند ابى النديم، ولكن يوجد اختلاف بين الخطط الخمس بخصوص ترتيب هذا العلم، فهو يشغل المرتبة الأولى فى خطة أرسطو والمرتبة الخامسة فى خطة الفارابي والمرتبة الثالثة فى خطة العامرى، والمرتبة الثانية بين أقسام الجزء النظرى فى خطة الخوارزمى(42)، والمرتبة الثالثة فى خطة ابن النديم بخصوص ترتيب موضوعات كتب أرسطو(43).

والرياضيات عند أرسطو يقابلها علم التعاليم عند الفارابي وابن النديم (44)، وصناعة الرياضيين عند العامرى، والعلم التعلمى والرياضى فى خطة الخوارزمى (45)، ولكن يوجد اختلاف بين الخطط الخمس بخصوص ترتيب هذا العلم وحصر فروعه وترتيبها، فهو يشغل المرتبة الثانية فى خطة أرسطو، وبين أقسام الفلسفة فى خطة ابن النديم (46)، والمرتبة الثالثة فى خطة الفارابي، وبين أقسام الجزء النظرى فى خطة الفارابي، وبين أقسام الجزء النظرى فى خطة الخوارزمى (47)، والمرتبة الأولى فى خطة العامرى.

أما بخصوص حصر فروع الرياضيات فهى (6) علوم فى خطة أرسطو، و (7) علوم فى خطة الفارابي، و (5) علوم فى خطتى العامرى وابن النديم (48)، و (4) علوم فى خطة الخوارزمى (49)، وأما بخصوص ترتيب فروع الرياضيات فيوجد اتفاق بين خطط تصنيف أرسطو والعامرى والخوارزمى على وضع علوم الحساب والهندسة والفلك والموسيقى فى المراتب الأولى والثانية والثالثة والرابعة على التوالى(50)، وتتفق خطة تصنيف الفارابي مع هذه الخطط على وضع علمى الحساب والهندسة فقط، ولا يوجد اتفاق بشأن ترتيب باقى فروع الرياضيات، ومما يجدر ذكره أن علم الحيل الذى أشار إليه الفارابي والعامرى والخوارزمى وابن النديم يقابله عند أرسطو علم الميكانيكا.

أما الفيزياء عند أرسطو فيقابلها العلم الطبيعى عند الفارابي والخوارزمى، وصناعة الطبيعيين عند العامرى، والطبيعات عند ابن النديم، ولكن يوجد اختلاف بين الخطط الخمس بخصوص ترتيب هذا العلم وحصر فروعه وترتيبها، فهو يشغل المرتبة الثالثة عند أرسطو، والرابعة عند الفارابي، والثانية عند العامرى وكذلك فى خطة ابن النديم بخصوص ترتيب موضوعات كتب أرسطو، والأولى بين أقسام الجزء النظرى فى خطة الخوارزمى (51)، أما بخصوص حصر فروع الفيزياء فهى (5) أقسام عند أرسطو، و (8) أجزاء عند الفارابي، وقسمان عند العامرى، وأكثر من (5) أقسام فى رأى الخوارزمى وابن النديم، ولا يوجد اتفاق بين الخطط الخمس على ترتيب فروع الفيزياء.

ثانيا- علوم الفلسفة العملية أو القسم العملى:

يوجد خلاف بين ثلاث خطط بخصوص حصر هذه العلوم وترتيبها، فيصل عددها إلى (4) علوم عند أرسطو، وعلمين فقط عند الفارابي وثلاثة علوم عند الخوارزمى هى: الأخلاق وتدبير المنزل والسياسة(52)، ويوجد اتفاق بين أرسطو والفارابي والخوارزمى على وضع علم الأخلاق فى المرتبة الأولى، ويتفق الفارابي مع أرسطو على وضع علم السياسة فى المرتبة الثانية، فى حين يضعه الخوارزمى فى المرتبة الثالثة، وقد ذكر ابن النديم علمى الخلقيات والسياسات عند تناوله لكتب أرسطو والكندى(53)، ولكن العامرى أغفل الإشارة إلى الفلسفة العملية وعلومها.

ثالثا- علوم الفلسفة الإنتاجية أو القسم الثالث:

وتشمل على الشعر والفنون وهما غير موجودين ضمن علوم الفلسفة فى خطط الفارابي والعامرى والخوارزمى وابن النديم، ولكن يلاحظ أن الفارابي ذكر علم الأشعار باعتباره أحد أجزاء علم اللسان، وليس أحد علوم الفلسفة(54).

رابعا- علم المنطق:

من الجدير بالذكر أن خطط الفارابى والعامرى والخزارزمى وابن النديم قد ذكرت علم المنطق على أساس علاقته الوثيقة بعلوم الفلسفة، ولكنها لم تدخله ضمن علوم الفلسفة النظرية والعملية، وإنما اعتبرته آلة وأداة لها، وهذا الموقف يقترب كثيرا من موقف أرسطو من علم المنطق فهو يعتبره دراسة تمهيدية، وأداة ضرورية لعلوم الفلسفة.

خاتمة

والنتجية النهائية للدراسة المقارنة بين خطة تصنيف الفيلسوف اليونانى أرسطو وخطط التصنيف لهؤلاء الفلاسفة والعلماء المسلمين فى العصور الوسطى، وهم على وجه التحديد الفيلسوف الفارابي، والفيلسوف العامرى، والعالم الخوارزمى، والعالم ابن النديم، تؤكد بما لا يدع مجالا لآى شك أنه توجد اختلافات جوهرية بين خطط التصنيف الخمس، وذلك من زوايا عديدة نجملها فيما يلى:

(أ) من زواية مجال المعرفة يتمثل الاختلاف فى أن خطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين قد تأثرت بالحضارة الإسلامية وعلومها بدرجات متفاوتة، وقد ظهر هذا الأثر واضحا فى إدخال العلوم الإسلامية والعربية أدنى درجاته فى خطة الفارابي وأعلاها فى خطة ابن النديم.

(ب) ومن زواية مدخل تقسيم المعرفة يظهر الاختلاف جليا فى التنوع الظاهر فى هذا الخصوص، ففى حين تبنى أرسطو التقسيم الثمانى، أما العامرى والخوارزمى فقط طبقا التقسيم الثنائى، وأما النديم فقد ابتكر التقسيم العشرى.

(جـ) ومن زاوية حصر وترتيب العلوم الرئيسية والفرعية للفلسفة، باعتبارها الفئة الوحيدة من العلوم التى تشترك فيها خطط التصنيف الخمس، يتضح الاختلاف على النحو التالى:

1- تضمنت معظم خطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين قسمين فقط من الأقسام الثلاثة للفلسفة لدى أرسطو، وهما قسم الفلسفة النظرية وقسم الفلسفة العملية، وأغفلت قسم الفلسفة الإنتاجية، واقتصرت خطة تصنيف العامرى على قسم الفلسفة النظرية فقط.

2- ذكرت جميع خطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين العلوم الرئيسية لقسم الفلسفة النظرية، وهى الميتافيزيقا والرياضيات والعلوم الطبيعية، ولكنها اختلفت عن أرسطو فى ترتيب هذه العلوم الرئيسية، وكذلك فى حصر وترتيب العلوم المتفرعة منها.

3- لم تذكر معظم خطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين سوى بعض العلوم الرئيسية لقسم الفلسفة العملية، كما اختلفت عن أرسطو فى ترتيب هذه العلوم.

ونخلص من هذا كله إلى القول بأن خطط التصنيف للفلاسفة والعلماء المسلمين فى العصور الوسطى باستثناء خطة تصنيف الفارابي وماشاكلها، ليست نقلا بحتا ولا معدلا عن خطة تصنيف أرسطو، وإنما هى نتاج حقيقى للحضارة الإسلامية.

وثمة سؤال هام بخصوص خطة تصنيف الفارابي هو: لماذا تأثر الفارابي بالفكر التصنيفى الأرسطى إلى هذه الدرجة الكبيرة التى أوضحناها فى المبحث الخامس؟ قد نجد ردا مقنعا على هذا السؤال فيما ذهب إليه بعض الباحثين من أن الفارابي لم يقتصر على استيعاب فلسفة أرسطو والمنطق الأرسطى فحسب بل وشرحهما أيضا، ولهذا أطلق عليه (( المعلم الأول (55)، ويقدم                 لنا باحث آخر تفسيرا أكثر شمولا عن العلاقة بين أرسطو والفارابي، فهو يرى أن لقب (( المعلم الثانى )) لا يعنى أن الفارابي هو شارح كتب أرسطو فحسب بل وأنه مؤلف مثله أيضا، ويعلل غلبة شرح كتب أرسطو على شروح الفارابي الفلسفية كلها، بأن أرسطو كان يمثل نهاية الجدل التاريخى اليونانى وقمة ما وصل إليه اليونانيون من فكر وتراكم حضارى (56).

  المراجع

1- الفارابي (( إحصاء العلوم )) . تحقيق وتقديم وتعليق د. عثمان أمين ( ط3. القاهرة، مكتبة الأنجلو المصرية، 1968. )، ص 10، 11، 12.

2- د. محمد أبو ريان.(( تصنيف العلوم بين الفارابي وابن خلدون)). مجلة عالم الفكرة ( الكويتية )، ( م9 ع1 ، أبريل- يونيه 1978 )، ص 98 – 99.

3- د. محمد على أبو ريان: (( الفلسفة ومباحثها )) ( ط4 القاهرة، دار المعارف، 1979 ). ص 110، 116.

4- د. على سامى النشار. (( نشأة الفكر الفلسفى فى الإسلام )) ، ( ط8. القاهرة، دار المعارف، 1981 )، جـ1/ ص 167.

5 – د. جلال محمد موسى. (( منهج البحث العلمى عند العرب فى مجال العلوم الطبيعة والكونية )). ( بيروت، دار الكتب اللبنانى، 1982 )، ص 63، 71.

6- أحمد عبد الحليم عطية. (( الأسس الفلسفية لتصنيف العلوم عند العرب ))، مجلة المكتبات والمعلومات العربية، ( يناير 1985 )، ص 56، ( ابريل 1985 )، ص 51.

7- طاش كبرىى زاده، أحمد بن مصطفى. (( مفتاح السعادة ومصباح السيادة )) فى موضوعات العلوم، مراجعة وتحقيق كامل كامل بكرى، وعبد الوهاب أبو النور. ( القاهرة، دار الكتب الحديثة، 1968م )، جـ1 ص57.

8- د. عبد الوهاب أبو النور. (( الخطة العربية للتصنيف بين مؤتمرين الرياض ( 1973م )، وبغداد ( 1977م ) )) الرياض، دار العلوم، (1978م ) ص 471- 472.

9- د. أحمد بدر ود. محمد فتحى عبد الهادى: (( التصنيف، فلسفته وتاريخه ونظريته ونظمه وتطبيقاته العملية ))، الكويت، وكالة المطبوعات، 1983م، ص 58 – 59.

10- أوليرى (( مسالك الثقافة الإغريقية إلى العرب ))، ترجمة د. تمام حسان، ( القاهرة، دار المعارف، ص 73. مكتبة الأنجلو المصرية، 1957، ص 268.

11- بارتولد، ف. تاريخ الحضارة الإسلامية، ترجمة حمزة طاهر. ط 5. القاهرة، دار المعارف، 1983م، ص 73.

12- د. إحسان عباس: (( رسالة مراتب العلوم قى ضوء ما سبقها من تصنيف للعلوم عند العرب ))، فى: رسائل ابن حزم الأندلس، ( بيروت، المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1983م )، جـ 4ص 10- 11.

13- سارتون، جورج: (( تاريخ العلم، العلم القديم فى العصر الذهبى لليونان ))، ترجمة لفيف من العلماء، بإشراف د. إبراهيم بيومى مدكور وآخرين، ط 3، ( القاهرة، دار المعارف بالاشتراك مع مؤسسة فرانكلين، 1978م )، جـ 3 ص 151.

14- د. محمد على أبو ريان: (( تاريخ الفكر الفلسفى ))، ط 4، ( القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1974م ). جـ 2: أرسطو والمدارس المتأخرة، ص 9- 12. وأنظر أيضا رسل، برتراند. (( حكمة الغرب ))، عرض تاريخى للفلسفة الغربية فى إطارها الاجتماعى والسياسى، ترجمة د. فؤاد زكريا، ( الكويت، المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب، 1983م ). جـ 1 ص151- 154 ( عالم المعرفة- 62 ).

15- سارتون، جورج: نفس المرجع السابق، ص 157- 163.

16- د. محمد على أبو ريان: نفس المرجع السابق، ص 15- 23.

وسارتون، جورج: نفس المرجع السابق، ص 162- 164.

17- د. محمد على أبو ريان: نفس المرجع السابق، ص 237- 241.

18- د. محمد على أبو ريان: نفس المرجع السابق، ص 31- 33.

19- د. محمد على أبو ريان: الفلسفة ومباحثها، مرجع سابق، ص 107- 109.

20- د. عبد اللطيف محمد العبد: دراسات فى الفلسفة الإسلامية، ( القاهرة، مكتبة النهضة المصرية، 1978م )، ص 191- 192.

21- د. جلال محمد موسى: نفس المرجع السابق، ص 58- 59.

22- أحمد عبد الحليم عطية: مرجع سابق، ( أكتوبر 1984م )، ص 50.

23- طاش كبرى زاده: نفس المرجع السابق، ص 47- 48.

24- محمود أحمد اتيم. (( أسس التصنيف والتصنيف العملى )) ( بيروت، دار الجيل، 1981 )،  ص 24.

25- د. أحمد بدر، ود. محمد فتحى عبد الهادى: نفس المرجع السابق، ص 59.

26- الفارابي: نفس المرجع السابق، ص 142- 143.

27- سارتون، جورج: نفس المرجع السابق، ص 194- 195.

28- رسل، برتراند: نفس المرجع السابق، ص 165.

29- ckery. B.C classification and indexing in science, 3rd edition, london, Butterworth, 1975. p. 149.

30- الفارابي. نفس المرجع السابق، ص 53، 117 – 119 – 127 – 128.

31- العامرى: (( كتاب الإعلام بمناقب الإسلام ))، تحقيق ودراسة د. أحمد عبد الحميد غراب ( القاهرة. دار الكاتب العربي للطباعة والنشر، 1967 )، ص 84، 85، 87، 88، 91- 92، 111.

32- الخوارزمى: (( مفاتيح العلوم ))، تقديم وإعداد د. عبد اللطيف محمد العبد، ( القاهرة، دار الهضة العربية، 1978 )، ص 9، 10.

33- ابن النديم. (( كتاب الفهرست ))، تحقيق رضا تجدد، ( طهران، 1971م )، ص 3-5.

34- د. محمد على أبو ريان. (( تاريخ الفكر الفلسفى ))، مرجع سابق، ص 31، 32، 33.

35- الفارابي: نفس المرجع السابق، ص 53.

36- العامرى: نفس المرجع السابق، ص 84.

37- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 7.

38- النديم: نفس المرجع السابق، ص 3.

39- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 109.

40- ابن النديم: نفس المرجع السابق، ص 308- 312.

41- الفارابى. كتاب (( التنبيه على سبيل السعادة ))، تحقيق د. جعفر آل ياسين، ( بيروت، دار المناهل للطباعة والنشر والتوزيع، 1985م )، ص 76- 77.

42- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 109.

43- ابن النديم: نفس المرجع السابق، ص 308.

44- ابن النديم: نفس المرجع السابق، ص 325.

45- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 109.

46- ابن النديم: نفس المرجع السابق، ص 325.

47- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 109.

48- ابن النديم: نفس المرجع السابق، ص 325.

49- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 110.

50- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 110.

51- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 110.

52- الخوارزمى: نفس المرجع السابق، ص 109.

53- ابن النديم: نفس المرجع السابق، ص 308، 319.

54- الفارابي: (( إحصاء العلوم ))، مرجع سابق، ص 65.

55- د. زكى نجيب محمود. (( المعقول واللامعقول فى تراثنا الفكرى )) ط 2، ( القاهرة، دار الشروق، 1978م )، ص 301.

بروكلمان، كارل. (( تاريخ الأدب العربي ))، ترجمة د. السيد يعقوب بكر ود. رمضان عبد التواب، ط 3، ( القاهرة، دار المعارف، 1983م )، جـ 4/ ص 137.

56- د. حسن حنفى: (( الفارابى شارحا أرسطو ))، فى كتاب التذكارى، أبو النصر الفارابى فى الذكرى الألفية لوفاته، ( القاهرة، الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1983م )، ص 69، 70. 

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر