تمهيد
إذا نظرنا إلى مصطلح ” الحركة الإسلامية ” من حيث استعماله وجدناه مصطلحاً حديثاً, وإذا نظرنا إليه من حيث مضمونه وجدناه مرتبطاً بميلاد الإسلام وبزوغ الدعوة الإسلامية وقيام الدولة الاسلامية الاولى.
الحركة الاسلامية والدعوة الاسلامية
إذا أردنا أن نعطي تعريفاً مبسطاً للحركة الإسلامية قلنا إنها الفئة الاجتماعية التي تحمل الدعوة الإسلامية, أو التيار الاجتماعي الذي يحمل الإسلام كدين ويريد إقامة هذا الدين. فالدعوة إذن هي رسالة الحركة, والحركة هي التجسيد الاجتماعي للدعوة. المحرك هو الدعوة والمتحرك هو المجتمع والحركة هي الجزء من هذا المجتمع الذي يحمل الدعوة. حسب هذا التعريف البسيط يمكن في تأملنا لتاريخ الدعوة الإسلامية أن نلاحظ ما يلي:
1- كانت الدعوة أول الأمر تتمثل بالرسول عليه الصلاة والسلام وحده. لقد كان هو الداعية الأول, وهو وحده الدعوة. والمحرك له هو الأمر الالهي المتمثل بالوحي الذي نزل عليه قرآناً. ثم لما آمن بدعوته من آمن وكثر عدد المؤمنين بهذا الدين, المبايعين على اقامته بحيث أصبحوا فئة تمثل تياراً اجتماعياً جديداً مغايراً للمجتمع الجاهلي أصبح بالامكان أن نسميهم ” حركة ” .
وبهذا فان ميلاد الحركة الاسلامية يمكن أن يؤرخ له بميلاد الدعوة, وبميلاد المجتمع نفسه, وذلك بتكون الفئة الأولى بدار الأرقم بن ابي الأرقم.
ويلاحظ هنا ان الحركة الإسلامية كانت مساوية للمجتمع الإسلامي كله مقابل المجتمع الجاهلي كله أيضاً.
2- بقي الأمر على هذه الحال حتى موقعة صفين (1) حيث حدث انشقاق سياسي أعقبه انشقاق مذهبي في المجتمع الاسلامي نفسه بحيث غدت كل فئة أنها هي حاملة الدعوة أي أنها هي الحركة. وهكذا أصبح لمفهوم الحركة معنيان :
أ- الأول: الجماعة الاسلامية أو المجتمع الاسلامي كله مقابل المجتمع الجاهلي
ب- الثاني: التيار الاجتماعي داخل المجتمع الإسلامي نفسه الذي يمثل الفهم الصحيح والموقف الصحيح. وفي اعتقادنا أن هذا لا ينبغي أن يقصر على فئة معينة على سبيل الاطلاق لأن بالامكان التماس بعض المواقف الصحيحة لدى مختلف الفئات. وإذا كان لابد من ترجيح فئة فهي فئة أهل العلم والقضاء. وإذا ما أريد ترشيح تيار فهو بلا شك تيار ” أهل السنة والجماعة ” .
الحركة الاسلامية الحديثة
ظل المفهوم الثاني للحركة منطبتاً على الحركة الإسلامية حتى عهد الامام ابن تيمية ومدرسته. أما مفهوم الحركة الاسلامية الحديثة(2) فهو كما تدل عليه لفظة ” الحديثة Modern” مفهوم مستحدث ومقتبس من مصطلح التاريخ الغربي معبراً عن الحركة الإسلامية في احتكاكها ” بالغرب الحديث ” ويمكن أن نؤرخ لظهور هذه الحركة بظهور الحركة الوهابية كأول بادرة للنهضة, ثم بظهور جمال الدين الافغاني ومحمد عبده ومدرسته التي اطلق عليها اسم ” السلفية ” كاتجاه للاصلاح وقد قلنا ” اتجاه ” لا تيار لأن السلفية أجدر بأن تسمى مدرسة من أن تسمى حركة. وفي العشرينات عادت الحركة الإسلامية لتصبح تياراً اجتماعياً فعالاً في المجتمع الاسلامي.
والحركة الاسلامية الحديثة لها الصفتان اللتان سبق ذكرهما, فهي تيار إسلامي تجديدي في داخل المجتمع الاسلامي يقف في وجه تيار التغريب. وتيار – من ورائه المجتمع كله – مقاومة للعدوان الاوروبي السياسي والثقافي المتمثل في الاستعمار والتبشير والاستشراق. وهكذا فان التفرقة التي وضعها الدكتور محمد البهي (3) بين التيار الاسلامي والتيار الممالئ للاستعمار – تيار التغريب – تفرقة صحيحة ونحن نقصره على تسمية الحركة الاسلامية الحديثة والتيار المعادي لها. لأن الحركة الاسلامية الحديثة هي استمرار للحركة الاسلامية عامة. وهي طور من أطوارها التاريخية. أما تيار التغريب فهو محاولة لقطع هذه الاستمرارية والانفصال عن الديمومة التاريخية للحركة الإسلامية.
الحركة الاسلامية المعاصرة
الحركة الاسلامية المعاصرة هي الصورة التي آلت اليها الحركة الإسلامية الحديثة وهي تدخل في رأينا ” طوراً جديداً ” بكل ما تتضمنه هذه الكلمة من معنى. وقد بدأت ترتسم معالم هذا الطور وتتضح عقب نكبتنا الأولى بفلسطين.
مفهوم الحركة الاسلامية
أولاً – خصائص عامة:
يمكن أن نجمل الخصائص العامة للحركة الاسلامية فيما يلي:
1- حركة ربانية:
ونقصد بذلك انها ليست حركة ” وضعية ” وهذه نقطة مهمة لأنها نقطة الانطلاق والأساس, خاصة بالنسبة لشبابنا المثقف اليوم في مقارنته للاسلام ونظمه بسواه من العقائد والنظم الوضعية, ان هذه الحقيقة يجب أن تشخص أمام أعيننا قبل كل شئ. ونعني بالربانية ما يلي:
أ – ان ” الحقيقة ” عندنا تستمد من ” الوحي ” المنزل على الرسول عليه الصلاة والسلام, أي من ” القرآن ” , فمن يقول لنا انه ينزع إلى طلب الحقيقة نقول له اننا وجدناها ونحياها فما تريد ان تمتلكه تملكناه, ومن يقول لنا انه لا يدري نقول له اننا واثقون ثقة تفوق ثقتنا بأبصارنا واسماعنا وأفئدتنا, ومن يقول لنا انه على الشك نقول له إننا – بحمد الله – بلغنا غاية اليقين والطمأنينة.
ب – ان ” نظام المفاهيم ” عندنا يستمد كله من ” الوحي ” المنزل على الرسول عليه الصلاة والسلام, ويعبر عن مفاهيمنا بالمصطلح القرآني أولاً, فان لم يوجد فبمصطلح مرتبط تاريخياً بالمصطلح القرآني – مصطلحات التراث – فان لم يوجد فبمصطلح يحقق مضمون المصطلح القرآني.
ج – ان ” نظام القيم ” عندنا يستمد من نفس المصدر السابق كما تحقق في حياة الرسول عليه الصلاة والسلام – كان خُلقه القرآن – ويعبر عنه بنفس المصطلح حسبما سبقت الاشارة اليه فما هو على مستوى الانسان ” خير ” و ” شر ” وعلى مستوى الفرد في المجتمع ” نافع ” و ” ضار ” وعلى مستوي المواطن في الدولة ” الزام ” و ” التزام ” هو عندنا ” معروف ” و “منكر ” و ” حلال ” و ” حرام ” و ” حكم شرعي ” و ” حدود الله ” .
د – ان قيمنا الجمالية تستمد أيضاً من نفس المصدر وترتبط ارتباطاً وثيقاً بنظام قيمنا الأخلاقية, وعلى القيم الجمالية والقيم الأخلاقية معاً تنهض قيمنا التربوية.
هـ – خارج نطاق المفاهيم والقيم لا يلزمنا الاسلام بشئ فتعاملنا مع الأشياء – الطبيعة – مفتوح إلى أبعد الحدود, ومن هنا فنحن منفتحون على ” العلم ” بكل آفاقه, وعلى ” الصناعة الحديثة ” بكل فوائدها, وعلى ” التقدم ” الاجتماعي والاقتصادي بكل أبعاده.
2- حركة إيجابية:
نؤكد أهمية هذه الحياة – بخلاف النصرانية التاريخية – ولا تجعلها كل شئ – بخلاف المادية – بل هي تنظر إلى الحياة الدنيا كجسر إلى الآخرة, وإلى الانسان كمعبر بين البداية والنهاية.
– في نظرتها إلى الكون لا تضع الانسان عاجزاً أمامه ولا تجعل منه رباً له, بل هي تؤكد دور العقل في فهم سنته ودور العاطفة في تذوق جماله, ودور الإرادة في تغييره للانتفاع به.
فنظام الكون – سنن الله – يبقى موضع تأمل عقلي للدلالة على بارئ الكون.
ومظاهره المختلفة تبقى موضع تذوق جمالي للدلالة على اتقانه كل شئ صنعه, وعلى انه, ” أحسن الخالقين ” وعلى انه ” جميل يحب الجمال “.
والكون نفسه كما يبدو لنا – الطبيعة – هو مسخر لنا, نستخدم العقل لإعادة تشكيله في خدمة الحياة – الصناعة – .
وهكذا فنحن نفهم نظام الكون ونتذوق جماله وننتفع بما فيه.
– في نظرتها إلى الانسان تؤكد دور العقل في الوصول إلى المعرفة ولكنها تعرف حدوده وتؤكد أهمية النهج ولكن لا تؤمن بـ ” نظرية معرفة ” , وتؤكد دوره في فهم الوحي ولكنها لا تنسى أن الوحي ” صادق مطلقاً ” .
وتؤكد دور الارادة الانسانية فتنفي أي ضرب من ضروب الجبر ولكنها لا تنظر إلى الحرية كصفة ثابتة فحسب بل كفعل, فالحرية هي ليست ان نختار ما نشاء أو أن نفعل ما نريد بل أن نتحول إلى ما نأمل, فهي ليست مشكلة ” نظرية ” بل هي ” تقرير مصير ” أي ممارسة, بالمصطلح القرآني هي ” امانة ” و ” كدح ” .
3- حركة واقعية:
انها تؤمن بالواقع وتريد ان تعرفه ونتعامل معه وهذا يعني :
أ – أنها في نظرتها إلى الانسان, تتوسط بين اعتباره إلهاً أو منافساً للإله – اليونان “ربروميثيوس ” – أو خاطئاً – النصرانية التاريخية – أو حيواناً راقياً – نظرية التطور – , بل تراه كما هو. فهي لا تفهم الانسان من خلال ” طور تاريخي ” – التاريخ – بل من خلال “الفطرة ” – الطبيعة – وتعتبره جزءاً منها, وهو مخلوق كما أن الطبيعة مخلوقة.
ب – في نظرتها إلى المجتمع لا تعتبر ” الفرد ” كل شئ – المذهب الفردي ” اللبرالية ” – أو لا شئ – المذهب الجماعي ” الماركسية ” بل هي أيضاً توسطية تؤمن بأن ” الفرد من المجموع والمجموع من الفرد ” تماماً كما تؤمن بأن ” الفرد للمجموع والمجموع للفرد ” . فهي إذن لا تكوّن نظرتها نتيجة ” ردود أفعال ” تنعكس في حركة اجتماعية ” يضع ” بعض مفكريها مذهباً لفهم الفرد, بل تستند إلى ” حكم ثابت ” يستند بدوره إلى نظرية ثابتة في الفرد مستمد من حقيقة أصلها ثابت وفرعها في السماء.
ج – في نظرتها إلى التاريخ لا ترى ان التاريخ لا شئ – كالبوذية – أو أنه مقرر سلفاً – كالنصرانية التاريخية – أو أنه كل شئ – كالماركسية – بل ترى أن التاريخ من صنع الانسان, فهو مهم ولكن تحكمه سنن الله العامة في الخلق, الترف, الفساد الاخلاقي, الانهيار, النشوء . . . الخ.
د – في نظرتها إلى السياسة لا تقوم على أخلاق القـــوة – الرومان – أو أخلاق الضعف – المسيحية التاريخية – أو اللااخلاقية – ميكيافيليّ ومن تابعه في العصر الحديث – أو اخلاق السادة والعبيد – نيتشه – أو الصراع الطبقي – الماركسية – بل على الحق المدعوم بالقوة المؤيد للحرية.
4- حركة اخلاقية
ان جوهر الدعوة الاسلامية أخلاقي, وجوهر الحركة الاسلامية أخلاقي, وجوهر التفكير الاسلامي أخلاقي, وذلك في معالجة القضايا التي تناولها خلال العصور إذ ما شغل هذا الفكر هو المشكلة الأخلاقية بالدرجة الأولى وقضايا العقل العملي كانت قضاياه الملحّة, ورغبة في الايجاز نود أن نجعل القيم الأخلاقية للحركة الاسلامية في نوعين من القيم :
أ- قيم عامة تدخل بها الحركة الاسلامية المجتمع البشري.
ب- قيم خاصة تلتزم بها الحركة الاسلامية في المجتمع الاسلامي.
أما القيم العامة فهي ثلاثة:
1- وحدة النوع البشري في أصله ومصيره ” العدل ” .
2- حق الحياة للفرد وللمجتمع البشري, ” السلام ” .
3- الكرامة الانسانية, ” الحرية ” .
أما القيم الخاصة فهي ثلاثة أيضاً:
1- وحدة الإله ووحدة الدين ووحدة الأمة. ” رب واحد, دين واحد, أمة واحدة ” .
2- الأخوة الاسلامية, المؤاخاة كمبدأ اجتماعي:
صورته الاقتصادية: التكافل الاجتماعي.
صورته السياسية: الشورى والبيعة.
3- الجهاد إيماناً بضرورة تبليغ الدعوة وضرورة حماية دولتها وواجب صيانة القيم العامة.
أما القيم الخاصة فهي القيم التي تلتزم بها الحركة الاسلامية تجاه نفسها.
وأما القيم العامة فهي القيم التي تلتزم بها الحركة الاسلامية تجاه غيرها.
والأولى شرط تحققها الاجتماعي, والثانية شرط دخولها المجتمع البشري. وبقدر ما تلتزم الحركة الاسلامية بالقيم الخاصة بقدر ما تكون مؤهلة لضمان الالتزام بالقيم العامة.
5 – حركة عالمية:
تستمد خصائص العالمية من مفهوم الاسلام الشامل كدين الله ” للانسانية كلها وعبر أطوار التاريخ ” ويستمد من مفهوم ” الأمة ” التي تجمع شعوبها العقيدة الواحدة لا جنس هذه الشعوب ولا لغاتها ولا ألوانها. وتستمد هذه الخاصية من الواقع التاريخي الذي أثبت خاصية ” الانفتاح ” على الاديان والأقوام والألوان, والتأمل في القيـم العامة التي ذكرت سابقاً يكفي للدلالة على ذلك.
6 – حركة ايديولوجية :
ان أية محاولة علمية جادة لنقل الحقيقة من المعرفة النظرية إلى حالة الفعالية الاجتماعية هي ضرب من الايديولوجيا, فالايديولوجيا هي العقيدة في حالة الفعالية, بكلمات اخرى ان الايديولوجيا هي استعمال العقيدة كوسيلة للتغيير الاجتماعي لا كمجموعة حجج للاقناع المنطقي, وإذا كانت أعظم فضيلة للسلاح هي حدته فان أعظم ميزة للايديولوجيا هي مضاؤها. فجوهر الايديولوجيا إذن ” وظيفي ” بحت, ولكن كيف يمكن أن يتحقق للعقيدة أداء وظيفتها الاجتماعية؟ أي كيف يمكن أن تصبح ايديولوجيا ؟ إن ذلك لا يكون إلا بأن نستخلص من نظام الأفكار والمفاهيم ونظام القيم – بناء على معرفة علمية دقيقة – مجموعة من القواعد العملية في الأخلاق والتربية السياسية.
ولم تكن الحركة الاسلامية في تاريخها مذهباً فلسفياً أو تياراً ثقافياً, بل كانت دائماً حركة اجتماعية. ولم تكن العقيدة يوماً ما ثقافة نظرية بل ثقافة حية, أي كان الدين يؤدي وظيفته الاجتماعية.
هذه خصائص ثابتة في الحركة الاسلامية, هي بمثابة الصفات التي تحدد ماهيتها بصرف النظر عن الحقبة التاريخية المعاصرة لها أو عن الرقعة الجغرافية المنتشرة بها أو عن طبيعة المجتمع الذي تمارس نشاطها فيه, لأنها خصائص لازمة من طبيعة الاسلام نفسه ومن السيرة النبوية ومن واقع الاسلام التاريخي في عصره الأول. وبذلك فليس من حقنا ولا بامكاننا أن نتحكم بهذه الخصائص فنغيرها أو نعدلها أو نبطل إحداها, وكل ما نستطيعه هو أن نذكر بها وأن نفسرها ونشرحها ونوضح الغامض منها.
أما الآن فسننتقل إلى ذكر نوع آخر من الخصائص نسميها الخصائص ” المكتسبة ” , ونعني بها تلك التي تكتسبها الحركة الاسلامية بحكم الحقبة التاريخية التي تعاصرها, أو الرقعة الجغرافية التي تنتشر بها, أو الظروف الاجتماعية التي تحيط بها في المجتمع الذي تمارس فيه نشاطها. ولابد لنا من أن نلاحظ أن الخصائص الأولى الثابتة خاصة بالفكرة الاسلامية فهي تلزم الحركة الاسلامية باعتبارها حاملة لرسالة تلك الفكرة. أي بالحركة الاسلامية باعتبارها حركة اجتماعية مصممة على تحقيق تلك الرسالة, أي على تحويلها إلى واقع اجتماعي.
ولابد لنا حينما نود أن نعين الخصائص المكتسبة, من أن نلتزم بمعيارين:
أولهما: أن تأتي هذه الخصائص محققة للشروط الضرورية التي لا يمكن أن تدخل الحركة الاسلامية المجتمع إلا بها, بعبارة أخرى أن يجئ تعيين هذه الخصائص بناء على معرفة علمية كاملة ودقيقة بالواقع.
ثانيهما: ألا تناقض هذه الخصائص المكتسبة الخصائص الثابتة للحركة الاسلامية, بل أن تجئ نابعة منها منسجمة مع روحها وقابلة للتطابق معها, بعبارة أخرى أن يخضع تعيين هذه الخصائص إلى معايير الفكرة المراد تجسيدها في الواقع.
هذان الشرطان الضروريان كافيان لاستنتاج الخصائص المكتسبة للحركة الاسلامية المعاصرة. وتحقيق الشرط الأول يجنبنا طرح فكرة لا تتحقق لأنها تناقض الواقع, وتحقيق الثاني يجنبنا بذل ” جهد ضائع ” لأنه يناقض فكرتنا, فأفكارنا يجب أن تستجيب للواقع, وواقعنا يجب أن يتعدل وفق فكرتنا.
ثانياً: خصائص مكتسبة:
1- أن تصبح الحركة الاسلامية حركة واحدة فما دمنا نتحدث عن حركات اسلامية لا عن “الحركة الاسلامية الواحدة ” فان جهودنا ستذهب هدراً, فوحدة الحركة شرط أساسي وضروري لفعاليتها. ووحدة الحركة تفترضها وحدة الأمة, وماضي الحركة الواحد يحتم مصيرها الواحد. ولابد لتحقيق وحدة الحركة من أمرين:
أ- تصور واحد للهدف.
ب- مخطط واحد للعمل.
والأول يعني نظرية واحدة في تصور المشكلة الإسلامية المعاصرة. والثاني يعني نظرية واحدة في العمل الإسلامي. وكلاهما يعني ” ميثاق واحد للحركة الاسلامية الواحدة ” وهنا لابد لنا أن نفرق بين ثلاث اصطلاحات الدعوة والحركة والتنظيم. فالدعوة إلى الإسلام واجب فردي على كل مسلم, وهو يعني ” حمل الإسلام إلى العالم ” وسيظل واجباً فردياً فحسب ما دام نظامنا السياسي غائباً. أما الحركة فهي التيار الاجتماعي الذي يتمثل في الفئة التي تجسد ” وعي المجتمع الاسلامي ” بعبارة أخرى الحركة هي ” الدعوة الجماعية ” , فالحركي هو الفرد المسلم الذي تحقق فيه شرطان:
1- وعي اسلامي عميق للمشكلات الاسلامية المعاصرة.
ولا يتحقق الوعي الاسلامي إلا باربعة شروط:
أ- إيمان أساسه المعرفة.
ب- عمل أساسه العلم.
ج – وعي سياسي لواقع عصرنا.
د – التزام خلقي بمعايير اسلامنا.
2- ربط مصير الفرد بمصير الحركة الاسلامية وبمستقبلها ربطاً نهائياً لا يفصمه إلا الموت.
فكل فرد من أفراد المجتمع الاسلامي يتحقق فيه هذان الشرطان هو في الحركة الاسلامية وان يكن خارج تنظيماتها. وكل فرد لا يتحقق فيه هذان الشرطان هو خارج الحركة الاسلامية ولو كان في إحدى تنظيماتها.
وهنا يأتي التفريق بين ” الحركة ” و ” التنظيم ” . فنحن نطالب بوحدة الحركة وننادي بـ “حكومة واحدة ” لا بــ ” تنظيم واحد ” والفرق ان التنظيم هو التجسيد السياسي للحركة وهذا لا يشترط بل ولا يمكن أن يكون واحداً, إذ هو خاضع لظروف كل بلد وأوضاعه الثقافية والسياسية, بعبارة أخرى ان التنظيم يدخل في ” الوسائل ” التي نملكها لتحقيق أهدافنا, أما الحركة ففي ” الأهداف ” (4). أو لنقل ان التنظيم هو التجسيد السياسي للحركة الاسلامية في بلد ما أو في مجموعة من البلدان. أما الحركة فهي التيار الاجتماعي ذو الفلسفة الواحدة التي تنهض عليها جميع التنظيمات. وقد يبدو ذلك في نظر بعض شبابنا حلماً, ونحن نقول لهم انه كذلك, ولكننا سنحققه باذن الله, وذلك إذا رفعنا من تصورنا فكرتين المستحيل والسهل. وفهمنا العمل على انه مجموعة صعوبات يمكن التغلب عليها بأمرين:
1- بالدراسة العميقة التي تلتهم نور أبصارنا.
2- بالتخطيط الدقيق على ضوء خبرة انضجها ألم الاحتراق في تيار العمل.
أليس أحد مأساة الحركة الاسلامية الحديثة انها تكرر تجاربها في كل بلدة على حدة؟ ان ذلك لا يمكن وضع حد له إلا بوحدة الحركة.
فضرورة إيجاد اتصال مباشر بين الاتجاهات المختلفة في الحركة الاسلامية المعاصرة أمر في غاية الأهمية, وهو أول ما ينبغي عمله في هذا الصدد. يجب أن يعرف بعضنا بعضاً معرفة شخصية . . . هذه هي الخطوة الأولـى, والخطوة الثانية أن نعرف مشكلتنا المشتركة وهدفنا المشتـرك وعدونا المشتـرك لكـي نسعى لوضع برنامج عمل مشترك يتفق والوسائل التي نملكـها.
3 – أن تصبح الحركة الاسلامية في هذا الطور حركة سياسية والسؤال المطروح لماذا؟ ان بامكاننا أن نقول بصورة عامة لأن ما فقده الاسلام منذ بداية الغزو الأوروبي الحديث هو نظامه السياسي, وانه منذ فقد نظامه السياسي بدأت عمليات تدميره الثقافي. ويمكن القول بكل بساطة “لأنه لا يمكن حل أية مشكلة اسلامية حلا اسلامياً إلا في ظل نظام اسلامي ” . فما لم تصبح الحركة الاسلامية حركة سياسية أو على الأصح لم تكتسب تنظيمات الحركة الاسلامية خصائص التنظيمات السياسية فلن يكون لها أي وزن في تقرير مصير العالم العربي أو العالم الاسلامي (5). دعك من أن يكون لها وزن في الصراع الدولي. وأنا أعرف أن كلمة ” سياسة ” تخيف بعض الشباب المسلم لكأنها مناقضة لكلمة ” تقوى ” , وهذا الشعور ليس وليد الصدفة, بل له أسبابه التي يمكن أن نلتمسها عند مفكرين اسلاميين كثيرين وان نتتبعها إلى عهد الشيخ محمد عبده, حيث شرعت الليبرالية (6) العلمانية بـ ” تغريب ” المفاهيم الاسلامية فأثارت في جملة ما أثارته من قضايا قضية الدين والدولة أو الإسلام والسياسة ومن هنا فان سبب التخوف – وقد يبدو هذا غريباً – ان هؤلاء الشباب يفكرون بهذه المفاهيم الغربية لا بالمفاهيم الاسلامية الأصيلة. وما أصعب اليوم أن نتحدث إلى بعضنا بمفاهيم اسلامية واضحة وان نعبر عنها بمصطلحات اسلامية دقيقة, ذلك لأن الفاظنا نفسها ولغتنا نفسها لم تعد تستعمل هذه المصطلحات إلا في نطاق ضيق جداً. فمفهوم السياسة الذي ينفر منه أخوتنا هؤلاء هو المفهوم الغربي للسياسة رأوا صوراً مشوهة منه في ” الحواة ” و ” المهرجين ” في بلادنا ممن يسمون أنفسهم ساسة. فالسياسة عندنا هي تحقيق ” الايديولوجيا ” (7) أو تجسيد الشريعة في دولة. فما دمنا بدون دولة (8) فلابد من أن تكون حركتنا سياسية.
ونحن نلتزم في سياستنا من الناحية النظرية بالقرآن الكريم. ومن الناحية العملية بالسيرة النبوية, ومن ناحية طرائق العمل السياسي بعلم السياسة الحديث (9) . ومن هنا أود أن أشير إلى أهمية الثقافة السياسية والتربية السياسية لكل فرد من أفراد الحركة الاسلامية والصعوبة القائمة عندئذ هي كيف يمكن تحقيق التوازن والانسجام بين التربية الاسلامية العامة وبين التربية الاسلامية السياسية؟ أو بين التثقيف الاسلامي العام وبين التثقيف الحركي الخاص؟ وذلك دون أن يطغى الأول على الثاني فيعزل الفرد عن الحركة لعدم وضوح في رؤيته الظواهر الاجتماعية كما هي عليه في الواقع وتفسيرها تفسيراً علمياً. أو أن يطغى الجانب الثاني فيؤدي اما إلى ارتجال بعض الحلول أو التحلل من بعض الالتزامات الخلقية أو إلى الانتهازية, وبالتالي يعزل الحركي عن الاسلام نفسه.
ان التطرف الأول سيضع الفرد المسلم بالضرورة أمام تعارض بين العقيدة والسياسة, بين المثال والواقع. والتطرف الثاني سيؤدي لأن يخلط الحركي بين ” العقيدة ” و ” النظام ” , بين “الغاية ” و ” الوسيلة ” .
4 – أن تظل حركة متميزة في فكرها وعملها معاً. وهذا يعني:
1) التميز في الفهم . . بحيث لا يكون الفكر الاسلامي فكراً توفيقياً ولا الرأي الاسلامي رأياً متأرجحاً. بل أن يكون فكر الحركة الاسلامية واضحاً لا يشوبه غموض, ورأيها صريحاً لا لبس فيه.
2) التميز في المواقف . . ولا نعني بذلك المواقف العارضة بل المواقف المتصلة بالقضايا الكبرى لمجتمعنا وأمتنا, بحيث يعرف أفراد الحركة الإسلامية واعداؤها لها خطاً واضحاً ومعياراً ثابتاً يمكن أن تفسر به جميع مواقفها دون شعور بفجوة في استمرار هذا الخط أو الشعور باضطراب في تفسير مجموعة هذه المواقف. والتمييز يقتضي أمرين:
أ – الالتزام : فاذا دعت الحركة الإسلامية إلى الشورى في الحكم فينبغي أن تلتزم بها في داخل تنظيماتها. وإذا نادت بالعدالة الاجتماعية فيجب أن تلتزم بمبدأ المؤاخاة الحقيقية بين أفرادها. واذا نادت بالجهاد فيجب أن تعد له شبابها. بحيث لا يكون هناك مكان في الحركة الإسلامية لفكر فج أو خلق مائع أو شخصية مريضة. ولا يكون فيها متسع لانعكاس مصلحة فئة أو طبقة معينة أو لاستيعاب ظاهرة تدين مؤقتة, أو متنفس لدوافع غامضة أو مجال لأي نشاط تمليه ردود الأفعال.
ب – الانفتاح: ان الحركات تنمو بالحوار وبالممارسة وبالتجارب. والثقة بالإسلام وبمستقبل الحركة الاسلامية تفرض على كل فرد من افرادها أن يكون منفتحاً على كافة التيارات والأفكار والمذاهب . وأن يتجنب الحكم على أي اتجاه أو أية فكرة بمنطق الرفض . . أو بأسلوب التقوقع..
هكذا نشأت الحركة الإسلامية وهكذا نمت وهكذا ينبغي أن تظل.
4 – أن تظل الحركة الإسلامية حركة جماهيرية. لا لأن الجماهير المسلمة كانت الرصيد الشعبي الدائم للحركة الاسلامية فحسب, ولا لأن هذه الجماهير المسلمة هي التي نهضت بعبء حركة التحرر من الاستعمار فحسب بل ولأن جماهير شعوبنا مظلومة, مضطهدة بائسة محرومة. انها ما تزال في بلادنا تعيش في ” قوقعة ” كأنها خارج الزمان والعالم . . . ولابد لهذه الجماهير من أن تستيقظ لا لأن حرمانها من الحرية ومن العدل الاجتماعي ومعاناتها من الكبت الديني لابد وأن ينفجر بصورة أو أخرى . . . فحسب, بل ولأن طبيعة التحولات الاجتماعية في هذا العصر تقتضي ذلك وتحتمه. بل لعل أهم خصائص عصرنا الصناعي هو ظاهرة ” يقظة الجماهير ” والذي نشأ في أوساطها أو عانى آلامها لابد وأن يقرر بأنها الرصيد الحقيقي لأية حركة اجتماعية تود أن يكون المستقبل لها. فيها الفطرة الصافية وفيها القوة الأخلاقية وفي أعينها بريق التطلع إلى عالم جديد . . ان هذا يعني عده أمور نشير إلى أهمها:
1 – أن تتجنب الحركة الاسلامية الاعتماد على الحكومات القائمة في العالم الاسلامي اليوم, لأن هذه الحكومات اما محاربه لها تود القضاء عليها بجميع الوسائل. أو منافقة تريد أن تستغلها لاداء ” دور معين ” يخدم مصالحها. فعلى الحركة الاسلامية أن تتميز تميزاً كاملاً وواضحاً خاصة من النظم الأخيرة التي ارتبط اسمها في أذهان كثير من الناس باسم الاسلام.
ان وجود الحركة الاسلامية الحديثة ومجرد ميلادها كان ويجب أن يظل نذير ثورة كاملة على هذه النظم والأوضاع جميعاً.
2 – أن تنهض الحركة الاسلامية بمهمة تنوير هذه الجماهير وفضح أساليب خداعها, وطرق امتصاص نقمتها على أوضاعها, وأساليب المتاجرة بقضاياها. سواء من قبل الأنظمة المهترئة أو الحركات الفوضوية . . .
3 – أن تتبنى أهدافها وآمالها في البلاد الاسلامية قاطبة. لا عن طريق الدعاية بل بكشف الوسائل التي استغلتها الحركات الأخرى فخدعت هذه الفئات من شعبنا وسبيلنا إلى ذلك تقديم دراسات علمية وقدوة حسنة. فبالدراسة نثبت ان نظام الاسلام الاجتماعي هو وحده الذي يكفل لها العدالة والكرامة, وبالقدوة نثبت صحة ما نقول. ثم انني أتساءل أية حركة أحق من الحركة الاسلامية في تبني آمال الجماهير؟ ألسنا نحن الأمناء على ماضيها, المحترقون بمأساة حاضرها, المتطلعون إلى اشراقة مستقبلها.
5 – ان تتبنى قضية فلسطين تبنياً كاملاً, حتى تكون محور السياسة للحركة الاسلامية عامة وللحركة في البلاد العربية خاصة, وتعتبر قضية الاسلام الأولى.
وتكون خدمة فلسطين وفق الأهداف الأربعة التي ذكرناها بمزيد من الاصرار على الخصائص الخمسة التي سبقت الإشارة اليها. فبقدر ما تحقق الحركة الاسلامية وحدتها وتميزها, وبقدر ما تلتحم بالجماهير وبقدر ما تركز جهودها في العمل السياسي فلا تشغلها الجزئيات – مهما بدت في أعين البعض كبيرة – وبقدر ما تمارس النقد, وبقدر ما تخدم القضية الفلسطينية لأن مصير هذه القضية مرتبط أولاً وأخيراً بمصير الحركة الاسلامية والعكس بالعكس.
6 – ان أعجب ما في الحركة الاسلامية المعاصرة انها لا تعرف النقد. والسبب في ذلك الخلط الكبير بين الحكم الأخلاقي والتقييم الموضوعي لعمل ما, فنحن لا نفصل عادة بين الشخص وعمله وهذا أمر في غاية الخطورة, ذلك لأنه يوجد ستاراً خلقياً كاذباً لتغطية أخطائنا. فما الذي يضر أي فرد من أفراد الحركة الاسلامية أن يتناول بالنقد وبكل صراحة ونزاهة كتاباً ما أو كاتباً إسلامياً ما أو عملاً اسلامياً ما, وما المانع أن يظل هذا الكاتب علماً من أعلام الحركة, بل ما دخل هذا بذاك. فبدون نقد لن يكون هناك تقويم بل سيكون الرياء والمجاملة الكاذبة وكلاهما ليس من خلق الإسلام. وفي اعتقادي أن المرحلة الحالية التي تمر بها الحركة الإسلامية المعاصرة تقتضي الأخذ بالقاعدة التالية:
النقد هو معيار الاخلاص, بشرط أن تتوفر في النقد الشروط التالية:
1 – أن يكون أساسه ” معرفة الرجال بالحق لا الحق بالرجال ” – كما قال الغزالي – . أي أن يكون التجرد أساسه يدور مع الحق أينما دار, فهذه ضمانة خلقية تولد عندنا ” الثقة ” بالناقد.
2 – أن يكون مبنياً على دراسة علمية دقيقة أساسها التخصص والخبرة, وهذه ضمانة موضوعية للناقد تثير اهتمامنا بنقده وتمكننا من تقييمه.
3 – أن يمارس بمنتهى الحرية وألا تقف في طريق وصوله وانتشاره إلى أبعد مدى أية عوائق تنظيمية.
4 – أن يفرق بين نقد الحركة ونقد التنظيم, فبينما يمارس نقد الحركة بمنتهى الحرية, لا يتم نقد التنظيم إلا عن طريق التنظيم نفسه إلا إذا حال التنظيم دون ذلك.
ومن الطبيعي أن يكون الناقد متمكناً من الاسلام ومن تاريخ الحركة الإسلامية. وعدم ممارسة النقد هو الذي يفسر الظاهرتين التاليتين:
1 – التعلق بالأشخاص بدل الأفكار, والتعصب للحركة دون معرفة تاريخها أو مفكريها أو مشكلاتها, وهذا أمر يجب أن يعترف به.
2 – عدم صدور دراسات عن الحركة الإسلامية ومن رجال الحركة الإسلامية نفسها, وهذا امر يدعو إلى الدهشة وإلى الأسى معاً فليست هناك دراسات عن مفهوم الحركة الاسلامية وعن نشأتها وتطورها وعن تاريخها الحديث ونضالها الحديث, بل حتى ولا عن الأحداث والمآسي التي مرت بها خلال الخمسة عشر عاماً المنصرمة, بل حتى الدراسات التي أصدرها خصومها عنها لم تجمع ولم يصدر لها تقييم, رغم القيمة الكبرى لهذه الدراسات. وفي اعتقادي انه دون صدور هذه الدراسات واستمرارها فانه من غير الممكن أن نعرف أين نقف؟ وماذا نريد؟ وبالتالي فانه من الصعب – مهما كابرنا – معرفة إذا كنا نحن فعلاً نسير إلى أهدافنا. إذ من أين يمكن أن نستمد الثقة في ذلك إلا من المعرفة. وإذا اقتصرت الصلة على الثقة بالأشخاص فقط. فانه يوشك أن تستحيل الحركة الاسلامية إلى حركة صوفية. والصوفية ليست من خصائصها.
وليس هنا مكان نقد الحركة الإسلامية ولكن ما ينبغي أن نذكره هو أن الحركة الإسلامية قد دخلت ” طوراً جديداً ” بكل ما في هذه الكلمة من معنى . . .
اسـتـدراك
نعتذر لوقوع خطأ ( ص 96 السطر الأخير ) : ” حكومة واحدة “. والصواب : ” حركة واحدة “.
الهوامــــش
(1)هذا الرأي للمفكر الجزائري مالك بن نبي في كتابه ” وجهة العالم الإسلامي ” ونحن نتبناه.
(2) كلمة الحديثة جاءت ترجمة للكلمة الاوروبية Modern التي درجت في الاستعمال, فقيل ” النهضة الحديثة ” و ” الأدب الحديث ” وغير ذلك. والمستشرقون يطلقون أيضاً على هذه الحركة اسم ” Moderniemus ” ويقصدون بذلك ما لا نقصده نحن هنا.
(3) في كتاب الفكر الاسلامي الحديث وصلته بالاستعمار الغربي.
(4) يجب التفريق بين الغاية والهدف تفريقاً اصطلاحياً بقصد الواقع لوضوح في التصور, وفي الغاية يجب أن نفرق بين ” الغاية القصوى ” وبين ” الغاية الأدنى ” , وفي الهدف بين “الهدف البعيد ” وبين ” الهدف القريب ” , ثم بين ” الهدف المباشر ” وبين ” الهدف غير المباشر ” . ونقيم هذه التفرقة الثلاثية على التفرقة بين ” الدعوة ” و ” الحركة ” و ” التنظيم ” , فنقول:
أ) إن الغاية القصوى للدعوة الاسلامية عامة هي الغاية من حياة المسلم نفسها, مرضاة الله تعالى.
ب) والغاية الأدنى للدعوة الاسلامية المعاصرة هي البعث الاسلامي. أي لا بد لتحقيق الدعوة اجتماعياً من ميلاد الحركة, ولتحقيق هاتين الغايتين لابد من وضع هذين الهدفين.
1) هدف بعيد تجاوز أزمة التحدي الغربي الحديث وحل المشكلات التي يواجهها المجتمع الاسلامي اليوم حلا يتفق مع الاسلام عقيدة وشريعة.
2) هدف قريب اقامة نظام الحكم السياسي في الاسلام بإقامة دولة إسلامية وتحقيق هذا الهدف هو الشرط الضروري لتحقيق الهدف الأبعد.
ولابد لتحقيق هذين الهدفين من وضع أهداف مباشرة, وتعيين هذه الأهداف يدخل في نطاق التنظيم لأنه يتم على قدر الوسائل التي يملكها.
(5) خير دليل على ذلك النكبة الأخيرة 1967م التي أثبتت غياب أي تنظيم سياسي إسلامي فعال في البلاد العربية وخاصة في مصر وسورية.
(6) لما أثارت الليبرالية العلمانية قضية ” الدين والدولة ” و ” الدين والسياسة ” بدأت سلسلة طويلة من الاصطلاحات في لغتنا لم تكن مألوفة في الفكر الاسلامي مثل ” الشريعة والقانون ” و ” الشرعي والمدني” و ” المحاكم الشرعية والمحاكم المدنية ” و ” التعليم الشرعي والتعليم الرسمي ” وهي تدل جميعاً من خلال صياغتها على فكرة ” فصل الدين عن الدولة ” المأخوذة عن فصل الكنيسة – لا الدين – عن الدولة في أوروبا. ومع الزمن بدأنا نستعمل كلمة ” الاسلام والسياسة ” بدل ” السياسة في الاسلام ” أو ” السياسة الشرعية “, وحلت محل “الخلافة الاسلامية ” كلمة ” الدولة الاسلامية ” وقصد بها الدولة التي سكانها مسلمون, ومنها انتقلنا إلى ” دولة دينها الاسلام ” ثم ” دولة علمانية ” وما زال التحول جارياً.
(7) وقد قلنا إن خاصية الايديولوجيا من الخصائص الثابتة, وأنها تعني وضع بقية الخصائص في حالة التطبيق, لذا قلنا تجسيد الشريعة في الدولة.
(8) لا نقصد بالدولة الاسلامية استعادة أية صورة تاريخية ماضية. أو أن تقوم دولة واحدة تضم كل مسلمي العالم. بل نقصد الدولة التي تقوم على أساس الشريعة الاسلامية وهي دولة شورى سياسية ودولة عدالة اجتماعية ودولة حديثة. والدعوة الى دولة اسلامية دعوة خطيرة ينبغي أن ينتبه إليها شباب الحركة الاسلامية فيعرفوا هدفهم تماماً لأن الخصم قد يحارب فكرتها بطريقتين إما بابرازها كمستحيل, أو بابرازها كأمر سهل. ففي الاولى يشل ارادتنا التي تدفعنا إلى اقامتها, وفي الثانية قد يساعد على اقامة دولة يعطيها اسم الاسلام وهي في الواقع حجة عليه ليثبت بهذه الطريقة فشل الفكره – كما فعل في باكستان مثلا – . وهذا الامر لا يكفي للتنبه له التحذير النظري فحسب بل لابد ان ينبه إليه قادة المنظمات الاسلامية, في توفير جميع الشروط وأهمها هو أن ننطلق إلى السياسة من الدعوة وإلى الدولة من الوعي الاسلامي لا العكس, بعبارة أخرى من الحقبة المكية الى المدنية, من العمر المكي إلى العمر المدني, اذا استعملنا ذلك على طريقة التغليب فحسب.
(9) ولا شك أن هناك كثيراً من الصعوبات في طريق تحقيق ذلك, أهما في رأينا:
1- على أية مقولة – مبدأ – ينهض مفهوم السياسة في الاسلام؟ وكيف يمكن تحديده؟
2 – ما هي الحدود بين السياسة – كفلسفة عملية – والاخلاق في الاسلام؟ وكيف يمكن ايجاد معايير عملية لضبطها؟
3 – كيف يمكن تحديد الشروط الضرورية لتطبيق مقولة الاسلام السياسية – كما تستخلص من القرآن الكريم والسيرة النبوية وتاريخ النظريات السياسي في تراثنا الاسلامي – في مجتمعنا الحالي؟
4 – بأي مصطلح سنعبر عن فكرنا السياسي الاسلامي اليوم؟ أبمصطلحات التراث؟ – وهو ما ينبغي أن نفعله – أم بالمصطلح الحديث الذي يحقق مضمون المصطلح التراثي, وقد يكون هذا هو ما يمكن فعله. ذلك أن أية محاولة لاحياء مصطلحات التراث ستطرح علينا السؤال التالي: أما تزال الشروط الاجتماعية لفهمه فهماً صحيحاً متوفرة؟
5 – ما هو مفهوم ” الدولة ” في الاسلام؟ كيف نشأ وتطور وما هي أهم الخصائص المميزة للدولة الاسلامية, وكيف يمكن أن تبرز هذه الخصائص على ضوء مقارنة المفهوم بالمفهوم اليوناني والروماني والمسيحي والحديث في الغرب؟ ثم كيف تبدو هذه الخصائص على ضوء تطور مفهوم الدولة اثر الانقلاب الصناعي في أوربا وكيف يمكن أن نتحدث مثلا في “دولة اسلامية حديثة ” . . ؟
هذه صعوبات نظرية.
أما الصعوبات العملية فمنها:
أ) كيف يمكن تكوين كادر من المختصين تتوفر فيهم إلى جانب الايمان العميق معرفة واسعة بالتراث الاسلامي وخاصة منه السيرة والمغازي وتاريخ الخلافة. وتاريخ الآراء والنظريات السياسية والاسلام.
ب) كيف يمكن إلى جانب ذلك أن يؤمن لهم الاطلاع الكافي على النظريات السياسية الغربية. سواء منها اليونانية أو الرومانية أو المسيحية أو الحديثة والمعاصرة, والاطلاع على تطور العلوم السياسية المعاصرة بوجه خاص.
وهل يكون ذلك بتأمين تفرغ لهم أم بجمعهم في نطاق ” معهد أبحاث ” مع المختصين في علم الاجتماع والحقوق والاقتصاد.