المقدمة:
لقد أصبح التطوير والابتكار في المنتجات والأدوات المالية ضرورة حتمية للدول العربية والإسلامية، وذلك بسبب التحديات المختلفة التي تواجه هذه الدول والحكومات والمؤسسات المالية والمصارف التقليدية والإسلامية الموجودة بها، سواء كان ذلك محلياً أو دولياً.
فالدول العربية وحكوماتها وبنوكها في حاجة ماسة إلى الانطلاق في رحاب أوسع من الابتكار والتطوير لمنتجاتها وأدواتها المالية والمصرفية.
وقد شهدت السنوات الأخيرة تطورات سريعة ومتلاحقة في مجال تقديم الخدمات والأنشطة المصرفية والمالية وتنوعها واستمرار تحديثها، مما انعكس على توسيع نطاق وأشكال المنتجات المصرفية والمالية مع توظيف مكثف للتكنولوجيا في توفير هذه الخدمات والمنتجات، ونشير هنا للأدوات المالية الحديثة التي تتميز عن الأدوات المالية التي كانت معروفة من قبل، والالتحام بين السوقين النقدي والمالي، وأثر ذلك على نمو الأدوات المالية القابلة للتداول، ومنها الصكوك، الذي زاد تداولها من خلال توفير السيولة لتطور الأصول ذات سيولة منخفضة، مثل القروض والديون وبعض الأصول المالية الأخرى.
ويمثل تطوير الأدوات المالية للحكومة والقطاع الخاص والمصرفي (التقليدي – الإسلامي) في الدول العربية والإسلامية حجر الزاوية في هذا السياق، لما يمثله ذلك من رفع كفاءة تعبئة المدخرات وتوجيه الموارد على الاستثمارات والاحتياجات التمويلية المختلفة، خاصة مع معدلات النمو المرتفعة في المدخرات في البنوك، التي تصل في بعض التقديرات إلى ما يتراوح ما بين 15 – 20 % في العام، فبدون تطوير الأدوات المالية، سيؤدي ذلك إلى انخفاض كفاءة تخصيص هذه الموارد ويبقى بعضها مهدراً.
الصكوك أصبحت لها أهمية كبرى، فهي الطريق المكمل للأسهم والجناح الثاني للسوق الثانوي للأوراق المالية، حيث فرضت نفسها في سوق الاستثمار في بعض الدول العربية والإسلامية وبدأت في الانتشار في الأسواق العالمية.
إن عملية إصدار تشكيلة متنوعة من الصكوك وتداولها في السوق المالية تمثل تغييراً جوهرياً في الهيكل التمويلي للدول والبنوك والمصارف، يمَكِّنُها من استيعاب المدخرات على مختلف رغبات أفرادها وزيادة العائد لهم الذي قد يصل إلى ضعف العائد الذي يدفعه البنوك لهم، وتوفير الاحتياجات التمويلية للمشروعات، فضلاً عن أن إصدار صكوك توفير احتياجات المشروعات الخاصة والعامة هو بمثابة أداة مناسبة للتكامل بين النشاط المصرفي (التقليدي – الإسلامي) والأسواق المالية، والإندماج مع السوق العالمية.
ولموضوع هذا البحث أهمية كبيرة في إطار ما يمثله من نقله نوعية وكيفية في الأدوات المالية، فإصدار الصكوك من قبل المؤسسات المالية أو الحكومات يكون بدافع الرغبة في زيادة قدرتها على تنمية المشروعات وزيادة القدرة على التمويل، ومن ثم زيادة سرعة دوران رأس المال، مما يؤدي إلى زيادة الربحية واعتبارها مثلاً واضحاً على الاستجابة للمتغيرات في البيئة الاقتصادية والرغبة في تفعيل الدور الإدخاري والاستثماري للدول والحكومات والقطاع المصرفي على مستوى الاحتياجات الرسمية. وقد تزايدت أهمية موضوع البحث في السنوات الأخيرة، نظراً للتطور الملحوظ في سوق الصكوك حيث حققت نمواً متسارعاً يتجاوز 20%.
كما يشير إلى ذلك أيضاً نجاح عملية الاكتتاب في الصكوك التي أطلقها نوريبا البحرين في ديسمبر 2004 في استقطاب أكثر من ثلاثة أضعاف قيمة الاكتتاب المطلوب والتي تبلغ 350 مليون دولار.
ويشير تقرير المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية لعام 2002 إلى: أن حجم سوق الصكوك الإسلامية في دول الخليج العربي حقق نمواً سريعاً ليصل إلى نحو 4.2 مليار دولار في نهاية العام 2004، الجانب الأكبر منها أصدرته جهات سيادية.
ومما يشير إلى أهمية الصكوك في توفير الاحتياجات الرسمية للدول ما شهدته من إقبال عليها في البلاد الأوربية، مثل الصكوك التي أصدرتها ولاية “سكسونيا أنهالت” بشرقي ألمانيا والتي تبلغ قيمتها نحو 100 مليون يورو (120 مليون دولار) عام 2005، وتكون بذلك أول صكوك في أوروبا.
وفيما يلي تقسيمات البحث:
ينقسم البحث إلى ثلاثة أبواب:
الباب الأول: الملامح العامة للصكوك وأنواعها وعمليات إصدارها:
ويشتمل على ثلاث فصول:
الفصل الأول: الملامح العامة للصكوك
الفصل الثاني: أنواع الصكوك الإسلامية
الفصل الثالث: عمليات إصدار صكوك الإستثمار
الباب الثاني: مخاطر الصكوك والرقابة الشرعية عليها ومجالات استخدامها:
ويشتمل على ثلاث فصول:
الفصل الأول: مخاطر الصكوك الإسلامية
الفصل الثاني: الرقابة الشرعية على الصكوك
الفصل الثالث: مجالات استخدام وتطبيق الصكوك
الباب الثالث:التجارب العملية للصكوك الإسلامية:
ويشتمل على فصلين:
الفصل الأول: تجربة الصكوك الإسلامية في مصر
الفصل الثاني: التجارب العملية لبعض الدول في الصكوك الإسلامية
الباب الأول
الملامح العامة للصكوك وأنواعها وعمليات اصدارها
الفصل الأول
الملامح العامة للصكوك
تتردد مصطلحات عدة حول هذا الموضوع، منها ما يطلق عليها تصكيك أو توريق أو تسنيد، وكلها تعني نفس المفهوم والمقصود، إلا أن مصطلح “الصكوك” قد انصب في عقول الباحثين على خصوص الاستثمار الإسلامي والتمويل الإسلامي الذي ينسجم مع أصول وأحكام الشريعة الغراء. أما باقي المصطلحات – التوريق أو التسنيد- فلا يشتهر استعمالهما عند الباحثين في الاقتصاد الإسلامي؛ لإرتباطهما بالاستثمار التقليدي(1).
1- تاريخ نشأة وتطور الصكوك
أولاً: نشأة الصكوك الإسلامية:
فكرة التصكيك نشأت وطرأت على ساحة العالم الاقتصادي في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1970م، عندما قامت الهيئة الوطنية الحكومية للرهن العقاري بإصدار صكوك تستند على القروض المضمونة بالرهن العقاري(2).
وأما عن نشأة الصكوك الإسلامية فتعود إلى عام 1983م، وذلك بعد أن اتضح لمسئولي البنك المركزي الماليزي عزوف “بنك إسلام ماليزيا” – أول بنك إسلامي في ماليزيا- عن تملك السندات الحكومية أو سندات الخزانة؛ كونها مخالفة للشريعة الإسلامية، ولذلك لجأ البنك المركزي الماليزي لإصدار شهادات استثمار لا تحتوي في آلياتها على ربا. ثم أصدر مجمع الفقه الإسلامي القرار رقم (5) بتاريخ 4/8/1988م، بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار ففتح الباب أمام الشركات الإسلامية لتبني هذه الصيغ الناشئة. وقد قام المجلس العام للبنوك والمؤسسات المالية الإسلامية برصد تاريخ الصكوك والمراحل التي مرت بها في الفترة ما بين 1986 وبين 2009، وهي كالتالي:
1- تم إصدار سندات مقارضة وسندات للتنمية والاستثمار في أكتوبر عام 1986، فقام مجمع الفقه الإسلامي الدولي بالتأكيد على أهمية موضوع السندات، كما كلف باحثين متخصصين لتمكينه من اتخاذ القرار الصائب بشأن هذه السندات.
2- في فبراير عام 1988 أصدر مجمع الفقه الإسلامي الدولي الصيغة المقبولة شرعا لصكوك المقارضة.
3- قام المجمع بإصدار فتوى في مارس عام 1990 مفادها تحريم السندات واقتراح البديل لها وهو الصكوك أو السندات القائمة على أساس المضاربة.
4- أصدرت رابطة العالم الإسلامي -وهي تعتبر الجهة الثانية المعتمدة بعد مجمع الفقه الإسلامي الدولي- فتوى ثانية بتحريم التعامل بالسندات وذلك بتاريخ يناير عام 2002، وعدم جواز تصكيك الديون بحيث تكون قابلة للتداول في سوق ثانوية.
5- قامت جهة ثالثة وهي هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية بالبحرين(3) بإصدار معيار شرعي لصكوك الاستثمار حددت فيه أنواع الصكوك وخصائصها والأحكام والضوابط الشرعية التي تحكمها والمبادئ الأولية لإصدار وتداول جميع أنواع الصكوك -التي تم ابتكارها حتى تاريخ إصدار المعيار-، وكان ذلك في مايو عام 2003.
6- قام مجمع الفقه الإسلامي الدولي في مارس عام 2004م بتوضيح الأحكام والضوابط الشرعية التي تحكم صكوك الإجارة، كما أنه أوصى بدراسة إصدار صكوك بملكية الأعيان المؤجرة إجارة منتهية بالتمليك، ودراسة حكم إصدار الصكوك وتداولها في إجارة الموصوف في الذمة.
7- أوصى المجمع بعقد ندوة متخصصة لإعداد لائحة بشأن سندات المقارضة إذا كانت الصكوك مثل موجودات مختلطة ما بين أعيان ومنافع ونقود وديون، وذلك في شهر يونيو عام 2006.
8- أما صندوق النقد الدولي فقد جاء دوره للتأكيد على الطفرة في معاملات التورق الإسلامي حيث تمخضت عن زيادة إصدار الصكوك بمقدار أربعة أضعاف، والتأكيد أيضا على أن عددا متناميا من البلدان يفكرون في دخول سوق الصكوك، كما بيَّن الصندوق أن أبرز تحدي للصكوك هو تبديل السمات الهيكلية المعتادة في الأوراق المالية التقليدية، كان ذلك في عام 2007 لشهر سبتمبر.
9- ظهرت مشكلة الصكوك وتحديداً في فبراير عام 2008.
10- ظهرت زكاة صكوك المقارضة، حيث أصدرت الهيئة الشرعية العالمية للزكاة في ابريل عام 2008 فتوى مفادها أن أموال صكوك المقارضة المستوفية لضوابطها الشرعية تزكي زكاة عروض التجارة مع توافر شروط الزكاة فيها.
11- بعد ذلك أكد صندوق النقد الدولي مرة أخرى في يوليو عام 2008 على أهمية الصكوك الإسلامية السيادية (الحكومية)، والتأكيد كذلك على أن الصكوك تلقى اهتماما أكثر سواء من المسلمين أو من غيرهم، كما أكد الصندوق على أن أبرز التحديات التي تواجه الصكوك هي القوانين والخلاف الفقهي.
12- وفي نفس تاريخ المرحلة السابقة ظهرت الصكوك الإسلامية الخاصة بالإجارة، حيث أصدر المجلس الأوروبي للإفتاء عقد الإجارة الواردة على منافع الأعيان، فيمكن بذلك من الاستفادة منه من خلال الصكوك الإسلامية الخاصة بالإجارة فهي تعتبر من أكثر أنواع الصكوك مرونة وضبطا.
13- وفي ماليزيا قام مجلس الخدمات المالية الإسلامية في يناير عام 2009 بوصف هياكل الصكوك والتعريف بها وتوضيح المخاطر المختلفة التي تتعرض لها مؤسسات الخدمات المالية بالنسبة للصكوك والمتطلبات التشغيلية المتعلقة بالتصكيك والصكوك، كما قام المجلس بمعالجة التعرض لمخاطر الصكوك، ومعالجة تخفيف مخاطر الائتمان، بالإضافة إلى معالجة التعزيز الائتماني المقدم من المصدر، ومعالجة التعزيز الائتماني حسب هيكلته.
14- في هذه المرحلة أجاز مجمع الفقه الإسلامي الدولي في ابريل عام 2009 وقف الصكوك، مبينا الأحكام والضوابط الشرعية لوقف الصكوك. كما استعرض المجمع خصائص الصكوك وأحكامها، مؤكدا على إيجاد الإطار القانوني لها.
ثانياً: تطور الصكوك الإسلامية:
من حيث التطور الكمي لإصدارات الصكوك الإسلامية: فإن الواقع يشير إلى نجاح باهر في فترة وجيزة، حيث بدأ سوق الصكوك الانتعاش عملياً في ماليزيا عام 2002؛ حين تم إصدار ما يقارب المليار دولار منها، واحتلت المصارف الإسلامية الماليزية المركز الأول في إصدارات الصكوك منذ 2002.
وتنامت الصكوك الإسلامية في دول الخليج العربي حيث كان هذا النمو يقوده مصدرو النفط، ولعل أشهر هذه الصكوك هي الصكوك التي أصدرها بنك دبي الإسلامي لإصدار 13.5 مليار دولار، وبنظر أكثر دقة فقد تقدمت الإمارات إلى المرتبة الأولى عالميا في إصدار الصكوك منذ 2006 حتى عام 2009 بقيمة 29.1 مليار دولار.
ووصل حجم الصكوك الإسلامية في العالم إلى 43 مليار دولار في 2007، و15.3 مليار دولار في 2008، و24 مليار دولار في نهاية 2009.
وشهد عام 2009 عددا كبيراً من الإصدارات من البحرين والكويت وقطر، كما أن عدة دول في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا ومن بينها مصر تتجه نحو إصدار صكوك إسلامية، كما أن بعض دول أوروبا كألمانيا وفرنسا وكذا الولايات المتحدة الأمريكية تتجه نحو استخدام الصكوك الإسلامية.
وتشير إحدى الإحصائيات الدولية(4) إلى أن الأصول العالمية المتوافقة مع أحكام الشريعة الإسلامية وصلت حوالي 1.3 تريليون دولار في 2012، بمعدل نمو 10-15% سنويا خلال الثلاثة أعوام التالية، ومن المقرر أن تحقق صناعة التمويل الإسلامي مزيدا من النمو لتصل إلى ما يقرب من 3 تريليونات دولار في عام 2016، وأنه من المتوقع أن تلعب دورا رئيسيا في بعض الدول وبالأخص ماليزيا والسعودية ودول التعاون الخليجي وأيضاً في دول الربيع العربي في تمويل تنمية الاقتصاديات في كل من الأسواق الناشئة مثل مصر وليبيا وتونس والمغرب العربي والسودان.
وأضافت الدراسة أن حجم إصدارات الصكوك في الربع الثالث من عام 2012 بلغ حوالي 40 مليار دولار ليصل إلى 109 مليارات دولار وهو ما يمثل حوالي 7% زيادة عن نفس الفترة للعام السابق، وبذلك يصل حجم إصدارات الصكوك خلال عام 2012 إلى 532 مليار دولار مقارنة بـ 528 في عام 2011، بينما وصل إجمالي قيمة إصدارات الصكوك من يناير 1996 – سبتمبر 2012 قيمة 396 تريليون دولار وعدد 2790 إصدارات.
وأوضحت الدراسة أن ماليزيا تشهد أكبر عدد إصدارات للصكوك ويصل إجمالي قيمة إصداراتها 267 مليار دولار، وإجمالي عدد الإصدارات 1897 صكا، وبذلك تنفرد الحكومة الماليزية والممثلة في البنك المركزي الماليزي بما يقرب من 51% من إجمالي إصدارات الصكوك عالميا من تلك الفترة.
كما أشارت الدراسة إلى أن تركيا أصدرت أول صكوك سيادية بلغ حجمها 105 مليارات دولار، وقد طرحت البنوك الإسلامية التركية حتى الآن إصدارين فقط للصكوك، كلاهما طرحه بنك كويت ترك المملوك بنسبة 62% لبيت التمويل الكويتي الذي جمع 450 مليون دولار في عامي 2010 و2011، كما يعتزم بنك آسيا التركي أكبر بنك إسلامي في البلاد إصدار سندات إسلامية (صكوك) مقومة بالدولار تتراوح قيمتها بين 200 مليون دولار و300 مليون ما بين شهرين وثلاثة أشهر، كما أن البنك سيستكمل كذلك إصدار صكوك مقومة بالليرة تتراوح قيمتها بين 100 مليون ليرة و150 مليونا (56-84 مليون دولار) خلال الشهرين المقبلين.
– أما من حيث التطور النوعي: فمن المعلوم أن الصكوك الإسلامية بدأت بنوع واحد من الإصدارات وهو “صكوك المقارضة الإسلامية” وتطورت الأنواع بعد ذلك حتى وصلت إلى أربعة عشر نوعا من الصكوك.
2- تعريف الصكوك
أولاً: الصكوك لغة: جمع صك وصكوك وأصك وصكاك، ويراد به: وثيقة بمال أو نحوه. ويقال: صكه صكا: أي دفعه بقوة، أو ضربه. وصكت الباب: أي أغلقته. وفي القرآن الكريم: (فَصَكَّتْ وَجْهَهَا)[الذاريات: 29]، أي لطمته تعجبا(5).
ثانياً: الصكوك اصطلاحا: يقصد بها: “وضع موجودات دارة للدخل كضمان أو أساس مقابل إصدار صكوك، تعتبر هي ذاتها أصولا مالية”(6). وتعني كذلك: “تحويل مجموعة من الأصول المدرة للدخل غيرالسائلة إلى صكوك قابلة للتداول مضمونة بهذه الأصول، ومن ثم بيعها في الأسواق المالية، مع مراعاة ضوابط التداول”(7).
وعند هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية تعرف “الصكوك الإسلامية “والتي أطلقت عليها اسم “صكوك الاستثمار”؛ تمييزاً لها عن الأسهم والسندات التقليدية بأنها: “وثائق متساوية القيمة، تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص وذلك بعد تحصيل قيمة الصكوك وقفل باب الاكتتاب وبدء استخدامها فيما أصدرت من أجله”(8).
ويمكن القول بأن الصكوك الإسلامية هي: أوراق مالية متساوية القيمة، محددة المدة، تصدر وفق صيغ التمويل الإسلامية، تعطي لحاملها حق الاشتراك مع الغير بنسبة مئوية في ملكية، وصافي إيرادات أو أرباح وخسائر موجودات مشروع استثماري قائمٍ فعلاً، أو سيتم إنشاؤها من حصيلة الاكتتاب، وهي قابلة للتداول والإطفاء والاسترداد عند الحاجة بضوابط وقيود معينة، ويمكن حصر موجودات المشروع الاستثماري في أن تكون أعياناً، أو منافع أو خدمات، أو حقوق مالية، أو معنوية، أو خليط من بعضها، أو كلها حسب شروط معينة. وعليه فإن الصكوك لا تمثل ديناً في ذمة مصدرها، وإنما تثبت لحاملها حق ملكية شائعة في موجودات لها عائد(9).
3- الفرق بين صكوك الاستثمار والأسهم والسندات
تعد الأسهم والسندات من الأوراق المالية التقليدية، وهما يختلفان عن صكوك الاستثمار في عدة وجوه أهمها:
أولاً: صكوك الاستثمار والأسهم: تفترق الأسهم عن صكوك الاستثمار فيما يأتي(10):
– يشترك مالكو الأسهم في إدارة الشركة عن طريق انتخاب مجلس للإدارة من بينهم، أما مالكو صكوك الاستثمار فإنهم لا يشاركون في إدارة المشروع بطريق مباشر، بل يكتفون بتوكيل المضارب وحده، حيث يلتزم المضارب في إدارته للمشروع بأحكام عقد المضاربة وشروطها الشرعية، ولمالكي الصكوك أن يكوِّنوا من بينهم أو من غيرهم مجلس مراقبة يرعى مصالحهم ويحمى حقوقهم في مواجهة المضارب، ويكون مسئولا عن مراقبة تنفيذ شروط العقد التي تضمنتها نشرة الإصدار، وما يلحق بها من دراسات الجدوى والبيانات والمعلومات التي تنص عليها هذه النشرة.
– الأسهم مشاركة دائمة في الشركة، تبقى مدة حياة الشركة، وإن انتقلت ملكيتها من شخص إلى شخص آخر؛ لأنها تمثل رأس مال الشركة المصدر، فهي إذن غير قابلة للرد من جانب الشركة. في حين أن صكوك الاستثمار تحدد بمدة زمنية معينة، فقد يكون إصدار صكوك الاستثمار لتمويل مشروع معين أو لتمويل مشروع بطريق المشاركة المتناقضة، بحيث يتم إطفاء بعض الصكوك على مراحل زمنية معينة.
ثانياً: صكوك الاستثمار والسندات:تختلف السندات عن صكوك الاستثمار فيما يأتي:
– يمثل السند دينا في ذمة الشركة التي تصدره ولا يتعلق بموجوداتها، أما حق صاحب صك الاستثمار أو السهم فهو حق عيني يتعلق بموجودات الشركة أو المشروع.
– لا يتأثر حامل السند بنتيجة أعمال الشركة، ولا بمركزها المالي بطريق مباشر؛ لأن مالكه يستحق القيمة الاسمية لسنده في مواعيد الاستحقاق المدونة فيه، مضافا إليها الفوائد المحددة سلفا، بصرف النظر عن المركز المالي للشركة أو الربح الذي حققته أو الخسارة التي منيت بها. أما مالك السهم وصك الاستثمار فإنه يتأثر بنتيجة أعمال الشركة أو المشروع، ويشتركان في الأرباح المحققة، ويتحملان الخسارة التي يتعرض لها المشروع أو الشركة.
– عند تصفية المشروع يكون لصاحب السند الأولوية في الحصول على قيمة السند وفوائده المتفق عليها، أما الصك الاستثماري فليس له الأولوية، وإنما تصرف له نسبته مما تبقى من موجودات المشروع بعد سداد الديون، أي أن موجودات المشروع ملك لأصحاب الصكوك وتعود إليهم(11).
4- أهمية الصكوك
لقد ازدادت أهمية إصدار الصكوك الإسلامية نتيجة العديد من العوامل، من أبرزها أنها:
– تساعد على النهوض بالاقتصاد الإسلامي نظرياً وعملياً؛ أما نظرياً فهى إستكمال لحلقات الإقتصاد بجانب شركات التأمين والمصارف الإسلامية. أما عملياً فإن وجودها يساعد على رفع الحرج عن المستثمرين الذين يطلبونها.
– تلبي احتياجات الدولة في تمويل مشاريع البنية التحتية بدلا من الإعتماد على سندات الخزينة والدين العام(12).
– يثري بها الأسواق المالية الإسلامية؛ لأنها الطرف المكمل للأسهم، والجناح الثاني للبورصة التي من خلالها تتحرك الأموال بحرية وسهولة.
– تعتبر من الأدوات الهامة لتنويع مصادرالموارد الذاتية، وتوفيرالسيولة اللازمة للأفراد والمؤسسات والحكومات.
– تغطي عدد كبيرمن الشركات التي تحتاج إلى تمويل طويل الأجل.
– الوصول بفكرة الصكوك الإسلامية إلى مستوى التداول العالمي يوضح مدى سعة وحكمة وتكامل النظام الإسلامي(13).
– إتاحة الفرصة أمام البنوك المركزية لاستخدام الصكوك الإسلامية ضمن أطر السياسة النقدية وفقا للمنظور الإسلامي بما يساهم في امتصاص السيولة، ومن ثم خفض معدلات التضخم، و إتاحة الفرصة أمام المؤسسات المالية الإسلامية لإدارة السيولة الفائضة لديها.
– تساعد في تحسين ربحية المؤسسات المالية والشركات ومراكزها المالية، وذلك لأن عمليات إصدار الصكوك الإسلامية تعتبر عمليات خارج الميزانية ولا تحتاج لتكلفة كبيرة في تمويلها وإدارتها.
– الصكوك أداة تساعد على الشفافية، وتحسين بنية المعلومات في السوق، لأنه يتطلب العديد من الإجراءات، ودخول العديد من المؤسسات في عملية الإقراض، مما يوفر المزيد من المعلومات في السوق.
– ويتضح مما سبق – ونتيجة لزيادة الاهتمام بإصدار الصكوك الإسلامية وتوسعها – أن ذلك سيؤدي حتما إلى زيادة تداول الأدوات المالية وتنشيط السوق المالية الإسلامية وتجاوبها مع احتياجات المدخرين والمستثمرين والدولة بآليات تستبعد الفوائد المحرمة شرعا(14).
5- الخصائص المميزة للصكوك الإسلامية
صكوك الاستثمار ورقة مالية تتفق مع غيرها من الأوراق المالية التقليدية في بعض الإجراءات الإدارية من حيث التنظيم والإصدار، وتتميز عن غيرها في أنها ورقة مالية تلتزم أحكام الشريعة الإسلامية في كافة مراحلها منذ بداية إصدارها إلى انتهاء أجلها.
وهذا الالتزام بأحكام الشريعة الإسلامية الغراء أعطاها درجة عالية من الأمان، وجنبها الوقوع في الكوارث والهزات التي سببتها الأوراق المالية التقليدية نتيجة بعدها عن الهدي الإلهي وتنكبها لأوامره التي فيها الهداية والسلامة والربح الوفير.
ومن أهم الخصائص المميزة للصكوك الإسلامية:
أولاً:تمثل الصكوك حصص ملكية شائعة في الموجودات(15): حيث يكون لها عائد ولا تمثل دينا في ذمة مصدرها. وقد تكون هذه الموجودات أعيانا أو منافع أعيان أو خليط من الأعيان والمنافع والديون، وبذلك فإن ملكية حامل الصك تتعلق بحصة في الموجودات وليس في العائد فقط، وهو شريك على الشيوع لبقية ملاك الصكوك في المال الذي تمثله هذه الصكوك، ولا تقتصر على حصته في الأرباح، فذلك هو شأن المضارب -الذي يدير عمليات الاستثمار ولا يشارك بماله- أما رب المال في المضاربة أو الشريك المساهم أو حامل الصك فهو مالك لحصة الموجودات، ولا يتنافى ذلك مع تقييد تصرفه فيما يملك؛ بحيث لا يمكنه بيع جزء من تلك الموجودات بما يتناسب مع ملكيته، وذلك لتعلق حق الغير وحفظ حقوق جميع المستثمرين في وعاء موحد مشترك. وهذا ما يجعل ربح الصك الاستثماري مشروعا، وعلى أساس تحمل حامل الصك المخاطر التي قد تلحق بهذه الموجودات.
ثانياً:لا يكفي اعتبار حامل الصك مالكا لحق مالي في العائد أو في ارتفاع قيمة الصك فقط، وهو ما يطلق عليه “ملكية حقوق الورقة المالية” فقط دون استحقاق ثابت في أصل الموجودات: فإنه بهذا الاعتبار- الخاطيء- يقتصر حامل الصك على تحصيل الربح المحدد فيه دون تحمل تبعات الهلاك، وهذا التخريج غير مقبول في المنظور الشرعي الذي يقرر بأن استحقاق الربح يكون بمقدار الاستعداد لتحمل المخاطرة على أساس القاعدة الشرعية “الغنم بالغرم”(16).
ثالثاً:الصك الاستثماري الإسلامي يعطي حامله حصة من الربح: ليس نسبة محددة مسبقا من قيمته الاسمية. وحصة مالك الصك من أرباح المشروع تحدد عند التعاقد، أي في نشرة الإصدار التي تسبق الاكتتاب أو في الصك المالي نفسه، بحيث تتضمن هذه النشرة أو الصك حصة المضارب وحصة أرباب المال من الربح الذي يتحقق في نهاية المشروع أو في فترات دورية معينة. فإذا كان الصك يعطي حامله مبلغا محددا، أونسبة معينة من قيمته الاسمية، أو يعطيه حصة من الربح غير محددة في نشرة الإصدار، أو في الصك نفسه، أو يحددها المضارب في نهاية المشروع، أو في فترات دورية لاحقة،لم يكن صكا ماليا إسلاميا، فلا يجوز إصداره، ولا تداوله، ولا يحل العائد منه، ذلك أن العلم بمحل التعاقد شرط عند التعاقد، لا بعده، ومحل عقد المضاربة هو رأس المال والربح وحصة المضارب وحصة رب المال من الربح(17).
رابعاً:الصك الاستثماري الإسلامي يلزم صاحبه بتحمل مخاطر الاستثمار كاملة: حيث يقوم مبدأ إصدار وتداول الصكوك الاستثمارية الإسلامية على نفس الأسس التي تقوم عليها المشاركات في القواعد المالية الإسلامية، من حيث العلاقة بين المشتركين فيها بالاشتراك في تحمل الخسارة مقابل استحقاق الربح، وهو مبدأ “الغنم بالغرم”، وذلك في حدود مساهمة حامل الصك في المشروع، فهو يتحمل بحصته في أية خسارة يتعرض لها المشروع بسبب لا يد للمضارب فيه، لأن حملة الصكوك (أرباب المال) يملكون المشروع ملكية مشتركة، وتلف المال وهلاكه وخسارته على مالكه،وفقا لقواعد الشريعة.
خامساً:الصك الاستثماري الإسلامي يخصص حصيلة الاكتتاب فيه للاستثمار في مشاريع أو أنشطة تتفق مع أحكام الشريعة الإسلامية: فإذا كانت حصيلة الاكتتاب تستثمر في أنشطة محرمة، كصناعة الخمور، والإقراض بفائدة، فإن الصك لا يجوز إصداره، ولا تداوله، ويحرم الربح العائد منه، لأنه مساهمة في نشاط محرم، والربح العائد منه لا تجيزه الشريعة الإسلامية.
سادساً:الصكوك تصدر بفئات متساوية: تصدر الصكوك بفئات متساوية القيمة، لأنها تمثل حصصا شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات أو في موجودات مشروع معين أو نشاط استثماري خاص، وذلك لتيسير شراء وتداول هذه الصكوك(18).
سابعاً:تحمل أعباء الملكية: يتحمل حامل الصك الأعباء والتبعات المترتبة على ملكية الموجودات الممثلة في الصك سواء كانت الأعباء مصاريف استثمارية أو الهبوط في القيمة(19)، فإن هذه المصاريف تكون على حامل الصك وليس على المستفيد من منفعة الموجودات إلا إذا كانت هذه المصاريف تشغيلية أو دورية منضبطة فإنه يمكن اشتراطها على المستفيد من تلك الموجودات.
ثامناً:التداول محكوم بضوابط شرعية: كون الصك ورقة مالية فالأصل أن تكون قابلة للتداول، أي للبيع والهبة والرهن وغيرها من التصرفات الشرعية، باعتبار أنها تمثل حصة شائعة في مال، فتداول الصكوك الإستثمارية الإسلامية يخضع للشروط الشرعية المتعلقة بطبيعة الموجودات التي تمثلها عند التداول، فإن كانت أعيانا أو منافع فإنها تتداول حسب الاتفاق من حيث السعر أو التأجيل، أما لو كانت الموجودات الممثلة للصكوك لا تزال مقابل ديون فقط كصكوك المرابحة والسلم فلا تتداول هذه الصكوك إلا بشروط الديون، أو كانت نقودا فقط فلا تتداول إلا بشروط الصرف.
تاسعاًَ:استناد الصك على عقد شرعي: حيث تصدر الصكوك الإسلامية على أساس عقود شرعية بضوابط تنظم إصدارها، فالصكوك الإسلامية تصدر بصيغ التمويل الإسلامية كافة كالمضاربة والإجارة والمزارعة والسلم، وعندئذ يسمى الصك بالصيغة التي يصدر بها، وتختلف أحكام الصك تبعا لاختلاف العقد أو الصيغ الاستثمارية التي صدر الصك على أساسها. فاذا تضمنت نشرة الاصدار، أو الصك الذي يصدر بناءًا عليها، حكما يخالف هذه الأحكام لم يكن الصك إسلاميا، ولا يجوز إصداره، ولا تداوله، ولا يحل العائد منه.
عاشراً:إنتفاء ضمان المدير (المضارب أو الوكيل أو الشريك): حيث يتنافى الضمان مع كل من المضاربة أو الوكالة أو الشركة، وهي الصيغ التي تدار بها السندات غالبا. فلا يتحمل المصدر الخسارة ولا يضمن رأس المال لحامل الصك لأن ذلك يحوِّل العملية إلى شكل من أشكال الربا المحرم، وقد نهى النبي rعن ربح ما لم يضمن. فإذا تضمنت نشرة الإصدار أو الصك المالي شرط ضمان مخاطر الاستثمار في المشروع على المضارب، لم يكن صكاً جائزاً شرعاً.
6- أهداف الصكوك الإسلامية
تتمثل الأهداف الأساسية لإصدار الصكوك الإسلامية فيما يلي:
– المساهمة في جمع رأس مال تمويل إنشاء مشروع استثماري من خلال تعبئة موارده من المستثمرين، وذلك من خلال طرح صكوك وفق مختلف صيغ التمويل الإسلامية في أسواق المال لتكون حصيلة الاكتتاب فيها رأس مال المشروع.
– تسعى إلى الحصول على السيولة اللازمة لتوسيع قاعدة المشاريع وتطويرها، فيتم تحويل الأصول المالية للحكومات والشركات إلى وحدات تتمثل في الصكوك الإسلامية، ومن ثم عرضها في السوق لجذب المدخرات لتمويل المشاريع الاستثمارية طويلة الأجل.
– تحسين القدرة الائتمانية والهيكل التمويلي للمؤسسات المصدرة للصكوك حيث أنها تتطلب تصنيف إئتماني مرتفعاً للمحفظة بصورة مستقلة.
الفصل الثاني
أنواع الصكوك الإسلامية
الصكوك الإسلامية:هي إحدى أدوات الاقتراض الشرعية، ويتم إصدارها مقابل أصول، وغالباً ما تكون عقارية أو أصول أوراق مالية ذات عائد، وبالتالي تكون ضماناتها أكبر من الصكوك التقليدية.
وتتميز الصكوك بتعدد أنواعها، فتتنوع تبعاً لاختلاف نوع الموجودات التي تمثلها، وهذه الموجودات إما أن تكون من الأعيان، أو المنافع، أو الديون، أو النقود مجتمعة أو متفرقة(20)، ويندرج تحت الأعيان المباني بأنواعها. بينما يندرج تحت المنافع منافع العقارات وكافة الأصول. أما الخدمات يندرج تحتها التعليم بكافة مستوياته، والصحة، كما يمكن أن تجتمع مع الأعيان والمنافع والنقود في مراحل المشروع المختلفة(21)، وتنوع وتعدد أنواع الصكوك الإسلامية يجعلها تلاءم تمويل مختلف المشروعات والقطاعات، وقد ميزت هيئة المراجعة والمحاسبة للمؤسسات المالية الإسلامية 14 نوعاً مختلفاً من الصكوك. وتتنوع الصكوك وفق:
1. صيغ التمويل الإسلامية المختلفة من: إجارة، واستصناع، ومرابحة، ومشاركة، وسلم.
2. يتم تصنيف الصكوك أيضاً طبقاً لجهة الإصدار إلى: صكوك سيادية: وهي الصكوك التي تصدرها الحكومة المركزية عن طريق وزارة المالية والبنك المركزي، وصكوك شبه سيادية: وهي التي تصدرها الهيئات التابعة للحكومة، صكوك شركات(22).
3. ويتم تصنيف الصكوك أيضاً إلى: صكوك محلية تصدر في السوق المحلي، وفي الغالب بالعملة المحلية للدولة، وصكوك دولية تصدر في الأسواق الدولية، وتكون بالعملة الأجنبية، ويكون باب الاكتتاب فيها مفتوح لكافة الجنسيات.
وسنقوم فيما يلي باستعراض أهم أنواع الصكوك طبقاً لصيغة التمويل المستخدمة:
1- صكوك الإجارة
تعد صكوك الإجارة من أكثر أنواع الصكوك شيوعاً واستخداماً؛ حيث يمكن توصيفها بأنها عملية توريق لصيغة التأجير التمويلي؛ حيث يقوم مالك الأصل ببيعه في هذه الحالة لحملة الصكوك – وليس لشركة التأجير التمويلي-، وإعادة استئجاره بقيمة إيجارية محددة تمثل العائد على الصك، وهنا يحل حملة الصكوك محل شركة التأجير التمويلي.
أولاً– المفهوم: هي عبارة عن وثائق متساوية القيمة، تمثل حصة شائعة في ملكية أعيان أو منافع أو خدمات في مشروع استثماري يدر دخلاً، والغرض منها تحويل الأعيان والمنافع والخدمات التي يتعلق بها عقد الإجارة إلى أوراق مالية “صكوك” قابلة للتداول في الأسواق الثانوية”(23).
فصكوك الإجارة تعني توريق المنشآت المؤجرة؛ أي تحويلها إلى صكوك – أسهم-، وطرحها في الأسواق المالية لتباع وتشترى.
ثانياً– أنواع صكوك الإجارة: تصنف صكوك الإجارة إلى ثلاثة أنواع رئيسية طبقاً للأصل محل التعاقد(24):
أ- “صكوك إجارة الأعيان”: “صكوك ملكية الأعيان” وهي عبارة عن وثائق متساوية القيمة، يصدرها مالك عين مؤجرة أو موعود باستئجارها أو وسيط مالي ينوب عنه لغرض بيعها واستيفاء ثمنها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح العين مملوكة لحملة الصكوك.
ب- “صكوك إجارة المنافع”: “صكوك ملكية المنافع” وهى عبارة عن وثائق متساوية القيمة، يصدرها مالك منفعة عين موجودة؛ لغرض تأجير تلك العين أو إعادة تأجيرها، واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك. وهى نوعان:
النوع الأول: صكوك ملكية منافع الأعيان الموجودة، وتنقسم إلى:
– وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك عين موجودة، أو عن طريق وسيط مالي؛ بغرض إجارة منافعها واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك.
– وثائق متساوية القيمة يصدرها مالك منفعة عين موجودة (مستأجر) بنفسه أو عن طريق وسيط مالي، بغرض إعادة إجارتها واستيفاء أجرتها من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين مملوكة لحملة الصكوك.
النوع الثاني: صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة: هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض إجارة أعيان موصوفة في الذمة واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح منفعة العين الموصوفة في الذمة مملوكة لحملة الصكوك.
ج- “صكوك إجارة الخدمات”: وهى عبارة عن وثائق متساوية القيمة، يتم إصدارها لغرض تقديم الخدمة من مصدر معين، واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح تلك الخدمات مملوكة لحملة الصكوك. وهى نوعان:
النوع الأول: صكوك ملكية الخدمات من طرف معين: هي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض تقديم الخدمة من طرف معين (كمنفعة التعليم من جامعة مسماة) واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.
النوع الثاني: صكوك ملكية الخدمات من طرف موصوف في الذمة: وهي وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها بغرض تقديم الخدمة من مصدر موصوف في الذمة (كمنفعة التعليم من جامعة يتم تحديد مواصفاتها دون تسميتها) واستيفاء الأجرة من حصيلة الاكتتاب فيها، وتصبح الخدمات مملوكة لحملة الصكوك.
ثالثاً– خصائص صكوك الإجارة(25): تتميز صكوك الإجارة بعدد من الخصائص من أهمها:
– أنها قليلة المخاطر، وقابلة للتداول، وذات مرونة عالية؛ حيث يمكن إصدارها بآجال متعددة.
– صلاحها للوساطة المالية وتلبية احتياجات تمويلية متعددة.
– تحافظ على حصر ملكية المشروع بمالكيها الحاليين.
– تحقق بعض المزايا الضريبية التي يحققها المؤجر، وهذا ينعكس على شكل الأجرة.
– تعتبر مصدر تمويلي من خارج الميزانية بالنسبة للمستأجر، وتعد الأجرة نفقة إيرادية وليس نفقة رأسمالية، وأيضاً تعفي المستأجر الخوض في مسائل مخصصات الاستهلاك والتغير في الأصول الثابتة(26).
– تمتاز عوائدها بدرجة عالية من الاستقرار والثبات.
– يرتبط العائد بإنتاجية الأصول المؤجرة والمنافع المحققة منها.
– تخفف أعباء تمويل المشروعات الكبرى عن كاهل الحكومة.
– توفر للدولة ميزة تملك الأصل أو المشروع في نهاية العقد.
رابعاً– دليل مشروعيتها: أجمعت الأمة على جواز الإجارة منذ عصر الصحابة وإلى الآن، ونستدل من القرآن الكريم قوله تعالى: (فَإِنْ أَرْضَعْنَ لَكُمْ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ) [الطلاق: 6]، وقوله تعالى: (قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الأَمِينُ) [القصص: 26].
كما ورد في السنة النبوية عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: “احتجم النبي rوأعطى الحجام أجره، ولو علم كراهية لم يعطه”(27).
خامساً– قرار مجمع الفقه الإسلامي في صكوك الإجارة: ناقش مجمع الفقه الإسلامي الدولي التابع لمنظمة المؤتمر الإسلامي هذه الفكرة في دورته الخامسة عشرة، وخرج فيها بالقرار التالي: “إن مجلس مجمع الفقه الإسلامي الدولي المنبثق عن منظمة المؤتمر الإسلامي المنعقد في دورته الخامسة عشرة بمسقط – سلطنة عُمان- من 14 إلى 19 المحرم 1425هـ / الموافق 6 – 11 مارس 2004م، بعد اطلاعه على البحوث الواردة إلى المجمع بخصوص موضوع صكوك الإجارة، وبعد استماعه إلى المناقشات التي دارت حوله، قرر ما يلي:
1- تقوم فكرة صكوك الإجارة على مبدأ التصكيك أو التسنيد أو التوريق، الذي يقصد به إصدار أوراق مالية قابلة للتداول، مبنية على مشروع استثماري يدر دخلاً، والغرض من صكوك الإجارة تحويل الأعيان والمنافع التي يتعلق بها عقد الإجارة إلى أوراق مالية “صكوك” يمكن أن تجري عليها عمليات التبادل في سوق ثانوية. وعلى ذلك عُرّفت بأنها “سندات ذات قيمة متساوية، تمثل حصصاً شائعةً في ملكية أعيان أو منافع ذات دخل”.
2- لا يمثل صك الإجارة مبلغاً محدداً من النقود، ولا هو دين على جهة معينة -سواء أكانت شخصية طبيعية أم اعتبارية-، وإنما هو ورقة مالية تمثل جزءاً شائعاً – سهماً- من ملكية عين استعمالية، كعقار أو طائرة أو باخرة، أو مجموعة من الأعيان الاستعمالية – المتماثلة أو المتباينة- إذا كانت مؤجرة، تدرُّ عائداً محدداً بعقد الإجارة.
3- يمكن لصكوك الإجارة أن تكون اسمية، بمعنى أنها تحمل اسم حامل الصك، ويتم انتقال ملكيتها بالقيد في سجل معين، أو بكتابة اسم حاملها الجديد عليها كلما تغيرت ملكيتها، كما يمكن أن تكون سندات لحاملها، بحيث تنتقل الملكية فيها بالتسليم.
4- يجوز إصدار صكوك تمثل ملكية الأعيان المؤجرة وتداولها -إذا توافرت فيها شروط الأعيان التي يصح ّأن تكون محلاً لعقد الإجارة – كعقار وطائرة وباخرة ونحو ذلك، ما دام الصك يمثل ملكية أعيان حقيقية مؤجرة، من شأنها أن تدرَّ عائداً معلوماً.
5- يجوز لمالك الصك – أو الصكوك- بيعها في السوق الثانوية لأي مشترٍ، بالثمن الذي يتفقان عليه، سواء أكان مساوياً أم أقل أم أكثر من الثمن الذي اشترى به، وذلك نظراً لخضوع أثمان الأعيان لعوامل السوق -العرض والطلب-.
6- يستحق مالكُ الصك حصته من العائد -وهو الأجرة- في الآجال المحددة في شروط الإصدار منقوصاً منها ما يترتب على المؤجر من نفقة ومؤنة، وفق أحكام عقد الإجارة.
7- يجوز للمستأجر الذي له حق الإجارة من الباطن أن يصدر صكوك إجارة تمثل حصصاً شائعةً في المنافع التي تملكها بالاستئجار بقصد إجارتها من الباطن، ويشترط لجواز ذلك أن يتم إصدار الصكوك قبل إبرام العقود مع المستأجرين، سواء تم الإيجار بمثل أجرة الإجارة الأولى أو أقل منها أو أكثر. أمّا إذا أُبرمت العقود مع المستأجرين، فلا يجوز إصدار الصكوك؛ لأنها تمثل ديوناً للمُصدر على المستأجرين.
8- لا يجوز أن يضمن مُصدر الصكوك أو مديرها أصل قيمة الصك أو عائده، وإذا هلكت الأعيان المؤجرة كلياً أو جزئياً فإن غرمها على حملة الصكوك.
2- صكوك المشاركة
أولاً– المفهوم: هي عبارة عن وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلتها – حصيلة الاكتتاب- في إنشاء مشروع، أو تطوير مشروع قائم، أو تمويل نشاط على أساس عقد من عقود المشاركة، ويصبح المشروع أو موجودات النشاط ملكاً لحملة الصكوك في حدود حصصهم، وتدار الصكوك على أساس الشركة بتعيين أحد الشركاء لإدارتها بصيغة الوكالة بالاستثمار(28).
ثانياً– أنواع صكوك المشاركة: تنقسم إلى:
1- صكوك المشاركة المستمرة: وهى مثل الأسهم، يكون آجل الصكوك مستمرة في العمل، والمكتتبون في الصكوك يشاركون الجهة المصدرة للصكوك طوال المشروع.
2- صكوك المشاركة المؤقتة: وتمثل هذه الصكوك مشروعاً يكون محدداً بمدة زمنية معينة، ويمكن استرداد القيمة الاسمية لهذه الصكوك بالتدريج؛ حيث يحصل حملة الصكوك على جزء من القيمة الاسمية للصكوك في فترات توزيع الأرباح حتى يستردوا كامل القيمة الاسمية بالإضافة إلى الأرباح، حيث يحصل حملة الصكوك على القيمة الاسمية للصكوك في تاريخ محدد يصفي فيه المشروع وتوزع فيه أرباح التصفية على حملة الصكوك، وبذلك ينتهي المشروع.
ثالثاًً– دليل مشروعيتها: قال ابن قدامة: “وأجمع المسلمون على جواز الشركة في الجملة، وإنما اختلفوا في أنواع منها”(29)، ولقوله تعالى: (فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ) [النساء: 12].
كما ورد في السنة النبوية حديث قدسي عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: “قال النبي r: “يقول الله تعالى: “أنا ثالث الشريكين ما لم يخن أحدهما صاحبه، فإذا خانه خرجت من بينهم”(30). وفي حديث السائب ابن أبي السائب رضي الله عنه: أنه كان شريك النبي rقبل البعثة في التجارة فلما جاء يوم الفتح قال: “مرحباً بأخي وشريكي لا يداري ولا يماري”(31)“.
3- صكوك السلم
أولاً– المفهوم: صكوك السلم هي عبارة عن: وثائق متساوية القيمة، يتم إصدارها لتحصيل رأس مال السلم، وتصبح سلعة السلم مملوكة لحملة الصكوك(32).
ثانياً– خصائصه ومميزاته: يعتبر من الأدوات قصيرة الأجل (مثل أذونات الخزينة).
* أداة جيدة لتوظيف المدخرات في الاستثمارات قصيرة الأجل.
* وسيلة مناسبة لسد عجز الموازنة قصيرة الأجل.
ثالثاً– دليل المشروعية: يتفق الفقهاء في أن عقد السلم يقوم على مبادلة عوضين، أولهما حاضر وهو الثمن، والآخر مؤجل وهو الشيء المسلم فيه(33). كما قال ابن عباس: “أشهد أن السلف المضمون إلى أجل قد أحله الله في كتابه وأذن فيه، ثم قرأ هذه الآية قال تعالى: (يَأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ) [البقرة: 282].
وكما ورد في السنة النبوية من حديث ابن عباس رضي الله عنهما قال: “أن النبي rقدم المدينة وهم يسلفون في الثمار السنتين والثلاث، فقال: “من أسلف في شيء فليسلف في كيل معلوم، ووزن معلوم إلى آجل معلوم”.
4- صكوك الاستصناع
يعد الاستصناع من أنواع عقود السلم؛ حيث يتم الاتفاق بين الطرفين على تسليم سلعة أو عين في المستقبل بعد تصنيعها أو إنشائها، ويجوز هنا في هذه الحالة الدفع العاجل أو تقسيط الثمن(34).
ويمكن القول بأن عقود السلم هي عقود للمعاملات التجارية، بينما عقود الاستصناع فهي تنسحب على المعاملات التي تشتمل على عمليات صناعية أو إنشائية.
أولاً– المفهوم: صكوك الاستصناع هي عبارة عن: وثائق متساوية القيمة يتم إصدارها لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تصنيع سلعة معينة، ويصبح المصنوع مملوكاً لحملة الصكوك(35)، يصدر هذه الصكوك الطرف الراغب في الحصول على المنتج المستصنع أو وكيل أي منها كمنتج موصوف في الذمة – بمعني أنه يكون غير موجود عند التعاقد، ويحصل على قيمة الصكوك، ثم يباشر بتصنيع المنتج بحسب المواصفات، ويقوم بتسليمها خلال المدة المتفق عليها، ويمكن للمتعهد أن يتفق مع الصانع على صيغة تمويلية مختلفة مثل الدفع بالأقساط، ويصبح حاملو الصكوك هم ملاك المنتج المستصنع(36).
ثانياً– دليل المشروعية(37): جاز الاستصناع استحسانا لإجماع الناس عليه؛ لأنهم يتعاملون فيه في سائر الأعصار من غير نكير(38). كما ورد في حديث سهل بن سعد الساعدي رضي الله عنه قال: أن رسول الله r“استصنع منبراً، وصنعه له نجار اسمه ميمون”.
5- صكوك المرابحة
أولاً– المفهوم: صكوك المرابحة هى عبارة عن: وثائق تصدر متساوية القيمة، يتم إصدارها لتمويل شراء سلعة بالمرابحة، وتصبح سلعة المرابحة مملوكة لحملة الصكوك(39).
ويمكن استخدام صيغة صكوك المرابحة في تمويل العمليات السابقة بأن يصدر العميل – في هذه الحالة تكون شركة أو مؤسسة- من خلال الشركة ذات الغرض الخاص صكوك مرابحة، ويصبح حملة الصكوك هم ملاك السلعة محل المرابحة كآلات مصنع أو مواد خام – وهنا في هذه الحالة يحلون محل البنك- ويقوم العميل بشراء السلعة من حملة الصكوك بهامش ربح متفق عليه سلفاً، ويتم الاتفاق على شروط الدفع قصير أو طويل الأجل.
ثانياً– الخصائص والمميزات: مخاطرها محدودة بالنسبة للمستثمرين.
* مرونة عالية في تحديد فترة السداد.
* إمكانية تحديد نسبة الربح عند التعاقد.
* عدم إمكانية تداولها لتحولها إلى مسألة بيع الديون.
ثالثاً– دليل المشروعية: تتضح مشروعية المرابحة باعتبارها نوعاً من أنواع البيوع، ونستدل بذلك من القرآن الكريم لقوله تعالى: (وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ) [البقرة: 275].
وورد في السنة النبوية حديث النبي rقال: “إذا اختلف الجنسان فبيعوا كيف شئتم”.
6- صكوك المضاربة
أولاً– المفهوم: صكوك المضاربة هي عبارة عن أداة استثمارية تقوم على تجزئة رأس مال المضاربة؛ وذلك بإصدار صكوك ملكية برأس مال المضاربة على أساس وحدات متساوية القيمة ومسجلة بأسماء أصحابها باعتبارهم يملكون حصصاً شائعة في رأس مال المضاربة، وما يتحول إليه بنسبة ملكية كل منهم فيه(40).
وهي كذلك وثائق مشاركة تمثل مشروعاً أو أنشطة تدار على أساس المضاربة بتعيين مضارب من الشركاء أو غيرهم لإدارتها(41).
ويحصل المضارب على حصة متفق عليها من الأرباح، ولا يشارك المضارب في رأس المال، وإنما يشارك فقط بإدارته وعمله، وهذا ما يجعلها مختلفة عن صكوك المشاركة، والتي يساهم فيها المضارب برأس المال أيضاً.
ثانياً– أنواعه:
1- صكوك المضاربة المطلقة: وهي التي لا يخصص فيها حملة الصكوك مشروعاً معيناً، وإنما يخول المضارب في اختيار المشروع المناسب حسب خبرته.
2- صكوك المضاربة المقيدة: وهى التي يخصص فيها حملة الصكوك مشروعاً معيناً أو مجالاً معيناً يستثمر فيه المضارب أموال المضاربة، ولا يحق له الخروج عنها وإلا أعُتبر متعدياً، وتكون محددة بمدة معينة حسب عمر المشروع(42).
ثالثاً– دليل المشروعية(43): ورد في القرآن الكريم والأحاديث النبوية ما يدل على جواز المضاربة، ونستدل من قوله تعالى: (وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ) [المزمل: 20]، كما ورد في حديث صهيب رضي الله عنه أن النبي rقال: “ثلاث فيهن البركة: البيع لأجل والمقارضة وخلط البر بالشعير للبيت لا للبيع”. كما تعامل الصحابة رضي الله عنهم بالمضاربة، ولم يكن فيهم مخالف في ذلك، والأمة أجمعت من بعدهم جيلاً بعد جيل على جوازها.
رابعاً– الخصائص والمميزات:
* التمويل بالمضاربة أكثر فعالية من حيث تخصيص الموارد وذلك بالمقارنة مع التمويل القائم على أساس نسبة الفائدة.
* لا تُرتِب هذه الصكوك على الدولة التزامات ثابتة تجاه الممولين؛ لأنها تقوم على مبدأ المساهمة في الربح والخسارة.
* يتم بيان نسبة الأرباح لكل طرف في نشرة الإصدار، ولا يتحمل المضارب الخسائر ما لم يكن مقصراً في مسؤولياته.
* صكوك المضاربة قابلة للتداول في أسواق رأس المال، ويمكن ضمانها عن طريق طرف ثالث.
* إمكانية شراء الحكومة لصكوك المضاربة من الشريك لاسترداد الصك بأسلوب المشاركة المتناقصة
* سهولة مراقبتها مالياً.
7- صكوك المزارعة
أولاً– المفهوم: تعرف صكوك المزارعة على أنها وثائق تصدر متساوية القيمة، يتم إصدارها لاستخدام حصيلة الاكتتاب فيها في تمويل مشروع معين على أساس المزارعة، ويصبح لحملة الصكوك حصة في المحصول وفق ما حدده العقد. ويصدر صكوك المزارعة مالك الأرض، ويصبح حملة الصكوك بأموالهم هم المزارعين، ويتم تحديد -في نشرة إصدار الصكوك- كافة التفاصيل الخاصة بالأرض و تكلفتها.
ثانياً– دليل المشروعية: ورد في حديث ابن عمر رضي الله عنهما قال: أن رسول الله r: “دفع أرض خيبر إلى أهلها بشطر ما يخرج من ثمر أو زرع”.
8- صكوك المساقاة
أولاً– المفهوم: هي عبارة عن وثائق متساوية القيمة، يتم إصدارها لاستخدام حصيلتها في سقي أشجار مثمرة والإنفاق عليها، ورعايتها على أساس عقد المساقاة، ويصبح لحملة الصكوك حصة من الثمرة وفق ما حدده العقد.
ثانياً– دليل المشروعية(44): أجمع الصحابة رضي الله عنهم عليها، وورد في حديث النبي rقال: “أنه دفع إلى يهود خيبر نخل خيبر معاملة (مساقاة) وأرضها مزارعة”.
9- صكوك المغارسة
أولاً– المفهوم: هي عبارة عن وثائق متساوية القيمة، يتم إصدارها لاستخدام حصيلتها في غرس أشجار، وفيما يتطلبه هذا الغرس من أعمال ونفقات على أساس عقد المغارسة، ويصبح لحملة الصكوك حصة من الأرض والغرس.
ثانياً– دليل المشروعية: هى جائزة عند المالكية بشروط، ومن شروطها أن يكون الشجر من صنف واحد أو متقارب، وأن لا يكون لسنين كثيرة. وذهب الحنفية إلى جوازها إذا كانت على الشجر والثمر دون الأرض؛ وذلك لأن الأرض موجودة أصلاً قبل عقد المغارسة، ولا دخل لعمل العامل فيها، حتى تكون له حصة فيها(45).
الفصل الثالث
عمليات إصدار صكوك الاستثمار
تتضمن عمليات إصدار وتداول الصكوك إجراءات فنية وضوابط شرعية تبدأ منذ الإعلان عن الاكتتاب فيها، ثم ترافق عمليات التداول من البيع والشراء والرهن والإجارة، وتستمر حتى إطفاء الصكوك وانتهاء أجلها.
وهذه الضوابط والإجراءات لابد من القيام بها لضمان عدم انحراف الصكوك في أي مرحلة من مراحلها عن الشيء الذي وجدت من أجله، وحتى تحقق الفوائد الاقتصادية المرجوة منها.
1- إصدار الصكوك
تشتمل عملية إصدار الصكوك على خطوات أولية مختلفة يطلق عليها “تنظيم الإصدار” أو “ترتيب الإصدار”، وهذه الخطوات لا تتم بتسلسل موحد، فقد تتقدم خطوة على أخرى دون أن ينشأ عن ذلك خلل، وقد تتم جميع الخطوات أو يقتصر على بعضها، وأحياناً توجد بدائل متعددة لاختيار أحدها، ولكن الوضع الطبيعي أن تقع على النحو التالي(46):
أولاً-إعداد التصور والهيكل التنظيمي: الذي يمثل آلية الاستثمار بواسطة الصكوك ودراسة المسائل القانونية والإجرائية والتنظيمية ودراسة الجدوى، وتضمين ذلك كله في نشرة الإصدار، مع وضع النظام أو اللائحة والاتفاقيات التي تحدد حقوق وصلاحيات وواجبات الجهات المختلفة ذات الصلة.
ومن الأهمية حسن اختيار تلك الجهات لإيجاد عوامل الثقة والطمأنينة لدى المكتتبين، وهذه الخطوة تتم إما من طرف الممولين – بعض البنوك- أو من طرف المستفيد من التمويل – الشركات المحتاجة للتمويل-.
ثانياً-تمثيل حملة الصكوك (المستثمرين): من خلال تأسيس شركة ذات أغراض خاصة تسجل في مناطق ذات إعفاء ضريبي، وتكون ذات شخصية مستقلة بالرغم من أنها مملوكة بالكامل للمستثمرين؛ وذلك لتمثلهم في إيجاد العلاقات بالجهات المختلفة، وتقوم هذه الشركة بشراء الموجودات التي ستغطي الوحدات المصدرة.
وبذلك تحقق شرط انفصال الذمة المالية للمصكك الأصلي عن الجهة المصدرة للصكوك، وذلك لتحسين الجدارة الائتمانية للصكوك المصدرة(47).
ثالثاً-طرح الصكوك للاكتتاب: بهدف جمع الأموال التي ستمول بها الموجودات الممثلة بالصكوك.
رابعاً-تسويق الصكوك: وهو إما أن يتم بالطرح مباشرة إلى الجمهور، وإما أن يتم ببيع الصكوك التي تمثل موجودات الأعيان أو المنافع إلى المستثمر الأول الذي يكون بنكا أو مجموعة بنوك؛ وذلك للقيام بتسويقها وبيعها إلى حاملي الصكوك.
خامساً:التعهد بتغطية الاكتتاب: تسعى الجهة المصدرة للصكوك إلى تأمين تغطية كاملة للإصدار من قبل مؤسسة مالية أخرى مستعدة لذلك التعهد الذي يتطلب منها توفير السيولة، وتستهدف منه الحصول على نصيب من الربح؛ حيث يباع لها بسعر أقل من القيمة الاسمية لتحقيق ربح للجهة المتعهدة بالتغطية، وبعد التملك من تلك الجهة تقوم بتوكيل الجهة المنشئة للإصدار بالبيع والتسويق(48).
وقد ذكر قرار هيئة معايير المحاسبة بالبحرين مجموعة من ضوابط الإصدار هي(49):
1- أن تتضمن نشرة الإصدار شروط التعاقد والبيانات الكافية عن المشاركين في الإصدار، وصفاتهم الشرعية، وحقوقهم وواجباتهم؛ وذلك مثل وكيل الإصدار، ومدير الإصدار، ومنظم الإصدار، وأمين الاستثمار، ومتعهد التغطية، ووكيل الدفع وغيرهم، كما تتضمن شروط تعيينهم وعزلهم.
2- أن تتضمن نشرة إصدار الصكوك تحديد العقد الذي تصدر الصكوك على أساسه، كبيع العين المؤجرة، أو الإجارة، أو المرابحة، أو الاستصناع، أو السلم، أو المضاربة، أو المشاركة، أو الوكالة، أو المزارعة، أو المغارسة، أو المساقاة.
3- أن يكون العقد الذي أصدر الصك على أساسه مستوفيا لأركانه وشروطه، وأن لا يتضمن شرطا ينافي مقتضاه أو يخالف أحكامه.
4- أن ينص في النشرة على الالتزام بأحكام ومبادئ الشريعة، وعلى وجود هيئة شرعية تعتمد آلية الإصدار وتراقب تنفيذه طوال مدته.
5- أن تنص النشرة على أن يتم استثمار حصيلة الصكوك وما تتحول إليه تلك الحصيلة من موجودات بصيغة من صيغ الاستثمار الشرعية.
6- يجب أن تنص النشرة على مشاركة مالك كل صك نسبة في الغنم، وأن يتحمل من الغرم بنسبة ما تمثله صكوكه من حقوق مالية.
7- أن لا تشتمل النشرة على أي نص يضمن به مصدر الصك لمالكه قيمة الصك الاسمية ولا قدراً معيناً من الربح في غير حالات التعدي أو التقصير.
8- يجوز أن تتعهد مؤسسة بشراء ما لم يكتتب فيه من الصكوك، ويكون الالتزام من متعهد الالتزام مبنياً على أساس الوعد الملزم، ولا يجوز أن يتقاضى المتعهد بالاكتتاب عمولات مقابل ذلك التعهد.
9- يجوز أن تصدر الصكوك لآجال قصيرة، أو متوسطة، أو طويلة بالضوابط الشرعية المتفق عليها، وقد تصدر دون تحديد أجل، وذلك بحسب طبيعة العقد الذي تصدر الصكوك على أساسه.
2- بيع وشراء الصكوك
بما أن الصك يمثل حصة شائعة في موجودات الإصدار تستمر طيلة مدة الصك، فيحق لحامله التصرف فيه بالبيع بالقيمة المتراضي عليها بينه وبين المشتري سواء كانت مماثلة للقيمة الاسمية أو السوقية أو أكثر منها أو أقل، ولكن بالشروط والضوابط التالية(50):
أولاً:يجوز تداول الصكوك واستردادها إذا كانت تمثل حصة شائعة في ملكية الموجودات من أعيان أو منافع أو خدمات، بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط، أما قبل بدء النشاط فتراعى الضوابط الشرعية لعقد الصرف – التقابض والتماثل عند اتحاد الجنس، والتقابض عند اختلاف جنس المتبادلين-، كما تراعى أحكام الديون إذا تمت التصفية وكانت الموجودات ديوناً، أو تم بيع ما تمثله الصكوك بثمن مؤجل.
ثانياً:يجوز تداول صكوك ملكية الموجودات المؤجرة أو الموعود باستئجارها منذ لحظة إصدارها بعد تملك حملة الصكوك للموجودات وحتى نهاية أجلها.
ثالثاً: يجوز تداول صكوك ملكية منافع الأعيان –الموجودات- المعينة قبل إعادة إجارة تلك الأعيان، فإذا أعيدت الإجارة كان الصك ممثلا للأجرة، وهي دين في ذمة المستأجر الثاني، فيخضع التداول حينئذ لأحكام وضوابط التصرف في الديون.
رابعاً:لا يجوز تداول صكوك ملكية منافع الأعيان الموصوفة في الذمة قبل تعيين العين التي تستوفى منها المنفعة إلا بمراعاة ضوابط التصرف في الديون، فإذا تعينت جاز تداول الصكوك.
خامساً:يجوز تداول صكوك ملكية الخدمات التي تستوفى من طرف معين قبل إعادة إجارة تلك الخدمات، فإذا أعيدت الإجارة كان الصك ممثلا للأجرة، وهي حينئذ دين في ذمة المستأجر الثاني فيخضع التداول حينئذ لأحكام وضوابط التصرف في الديون.
سادساً:لا يجوز تداول صكوك ملكية الخدمات التي تستوفي من طرف موصوف في الذمة قبل تعيين الطرف الذي تستوفي منه الخدمة إلا بمراعاة ضوابط التصرف في الديون، فإذا تعين الطرف جاز تداول الصكوك.
سابعاً:يجوز تداول أو استرداد صكوك الاستصناع إذا تحولت النقود إلى أعيان مملوكة لحملة الصكوك في مدة الاستصناع، أما إذا دفعت حصيلة الصكوك ثمنا في استصناع مواز أو تم تسليم العين المصنعة للمستصنع فإن تداولها يخضع لأحكام التصرف في الديون.
ثامناً:لا يجوز تداول صكوك السلم.
تاسعاً:لا يجوز تداول صكوك المرابحة بعد تسليم بضاعة المرابحة للمشتري، أما بعد شراء البضاعة وقبل بيعها للمشتري فيجوز التداول.
عاشراً:يجوز تداول صكوك المشاركة وصكوك المضاربة وصكوك الوكالة بالاستثمار بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط في الأعيان والمنافع.
الحادي عشر:يجوز تداول صكوك المزارعة والمساقاة بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط إذا كان حملة الصكوك مالكي الأرض، أما إذا كانوا الملتزمين بالعمل -الزراعة أو السقي- فلا يجوز تداول الصكوك إلا إذا كان التداول بعد بدو صلاح الزرع أو الثمر.
الثاني عشر:يجوز تداول صكوك المغارسة بعد قفل باب الاكتتاب وتخصيص الصكوك وبدء النشاط سواء كان حملة الصكوك مالكي الأرض أم الملتزمين بالغرس.
3- إجارة الصكوك
لا يجوز إجارة الصكوك سواء أكانت تمثل سلعا أو منافعًا أو أعيانًا وذلك للأسباب التالية(51):
أولاً:إذا كانت الصكوك تمثل نقودا، فإن تأجيرها في هذه الحالة لا يجوز؛ لأن إجارة النقود من باب الربا المنهي عنه، نظرا لأنه لا يخلو بدل الإجارة من أن يكون ثمنا، والصكوك تمثل ثمنا، وتبادل الأثمان له شروط -التقابض والتماثل عند اتحاد الجنس، والتقابض عند اختلاف جنس المتبادلين-، وفي إجارة الصكوك لا يتم التقابض بين البدلين فيكون العقد باطلا.
ثانياً:إذا كانت الصكوك تمثل أعيانا – سلعا وعقارات- فيشترط لصحة عقد الإجارة القدرة على تسليم المعقود عليه؛ ليتمكن المستأجر من استيفاء المنفعة، وتسليم العين التي تمثلها الصكوك متعذر؛ لأن المساهم ليس له الحق في المطالبة بالعين التي يمثلها صكه للانتفاع بها فمن باب أولى لا يستطيع أن يملك منفعة العين لغيره.
ثالثاً:إذا كانت الصكوك تمثل ديونا وكانت الديون في أصلها نقودا، فيشترط في إجارتها ما يشترط في الصرف، وإذا كانت الديون في أصلها سلعا، ويتعذر تسليم الأعيان، وبالتالي لا يجوز إجارة الصكوك التي تمثل ديونا. وقد جاء في قرار هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية: “لا يجوز إجارة الأسهم سواء أكان لرهنها أو لغرض بيع المستأجر لها وإعادة مثلها كما يجري في أسواق البورصات، أم لقبض أرباحها، أم لإظهار قوة المركز المالي للمستأجر أم لغير ذلك”.
4- رهن الصكوك
والرهن هو(52): حبس الشيء بحق يمكن استيفاؤه كلا أو بعضا. لذلك هو أداة من أدوات توثيق الدين، وقد شرع الإسلام الرهن لضمان حق الدائن، قال تعالى: (وَإِنْ كُنْتُمْ عَلَى سَفَرٍ وَلَمْ تَجِدُوا كَاتِبًا فَرِهَانٌ مَقْبُوضَةٌ فَإِنْ أَمِنَ بَعْضُكُمْ بَعْضًا فَلْيُؤَدِّ الَّذِي اؤْتُمِنَ أَمَانَتَهُ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا تَكْتُمُوا الشَّهَادَةَ وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ)[البقرة: 283].
وروت السيدة عائشة رضي الله عنها: “أن النبي rاشترى من يهودي طعاما ورهنه درعه”(53).
وكل ما جاز بيعه جاز رهنه، ومن ذلك الصكوك؛ فطالما جاز بيعها جاز رهنها.
لكن إساءة استخدام الرهن يفضي إلى الربا المحرم، من أجل ذلك اشترط الشرع عدة شروط في الرهن هي:
أولاً:لا يحق للمرتهن أن يستفيد من الرهن وهو في حيازته بشيء منه بوجه من الوجوه وإن أذن له الراهن؛ لأنه أذن له في الربا؛ لأنه يستوفى دينه كاملاً فتبقى له المنفعة فضلا –زيادة- فيكون ربا، فلو استقرض مالا وسلمه داره ليسكنها فهو بمنـزلة الإجارة الفاسدة إن استعملها فعليه أجر مثله ولا يكون رهنا.
وهذا ما بينه rأن ما يستفاد من الرهن وهو في حيازة المرتهن له إنما يعود للراهن أي لصاحب الرهن: “الرهن يركب بنفقته إذا كان مرهونا، ولبن الدر يشرب بنفقته إذا كان مرهونا، وعلى الذي يركب ويشرب النفقة”(54).
ثانياً: إذا هلك الرهن في يد المرتهن فينظر إلى قيمته يوم القبض وإلى الدين، فإن كانت قيمته مثل الدين سقط الدين بهلاكه، وإلا سقط من الدين بقدره.
ثالثاً:يفك حبس الرهن بقضاء كامل الدين، ولا يكلف من قضى بعض دينه أو إبرأ بعضه تسليم بعض رهنه حتى يقبض البقية من الدين أو يبرئها اعتبارا بحبس المبيع(55)، كما أوضح rأن “الرهن لا يغلق”(56) وفسره الإمام مالك رضي الله عنه بقوله: “أن يرهن الرجل عند الرجل بالشيء، وفي الرهن فضل عما رهن به فيقول الراهن للمرتهن: إن جنتك بحقك إلى أجل يسميه له حالا فالرهن لك بما رهن فيه، وهذا لا يصلح ولا يحل”(57).
رابعاً: يجوز للراهن الانتفاع بالمرهون بإذن المرتهن، ولا يجوز للمرتهن الانتفاع بالمرهون بدون عوض مطلقاً بإذن الراهن أو بغير إذنه ويجوز بأجر المثل إذا كان بإذن الراهن(58).
5- إطفاء الصكوك
يقصد بإطفاء السندات المحرمة شرعا دفع قيمتها الاسمية مع فوائدها الربوية في تواريخها التي تحددها النشرة.
أما إطفاء صكوك الاستثمار فهو استرداد لمال المضاربة من قبل رب المال في صكوك المقارضة، أو استرداد للمال الداخل في المشروع من قبل المصدر الذي يكون بمثابة الوكيل، أو الشريك في مختلف صكوك الاستثمار.
وهذا الاسترداد يتم بإحدى الطرق التالية(59):
أولاً:تصفية المشروع وتنضيضه حقيقة – بيعه وتحويله إلى نقد وسيولة-، حيث يأخذ صاحب كل صك حقه ونصيبه من الأموال المتوافرة إن ربحا فربح، وإن خسارة فخسارة على الجميع بقدر رؤوس الأموال.
ثانياً:التنضيض الحكمي، أي تقويم المشروع تقويما عادلا من لدن الخبراء، ثم توزيع الناتج المقدر على حملة الصكوك كل حسب حصته.
ثالثاً: تمليك الموجودات بالهبة أو بثمن رمزي، أو بالقيمة المتبقية في صورة صكوك الإجارة التي تنتهي بالتمليك.
وهذا الإطفاء إما أن يكون كليا مرة واحدة في نهاية الإصدار، أو جزئياً بالتدريج خلال سنوات الإصدار.
6- تحول الصك إلى سهم
بما أن الأصل في الشركات – التي هي نوع من أنواع المعاملات- الإباحة، فلا يوجد مانع شرعي يحول دون التحول من نوع إلى آخر.
وبما أن كلا من الصكوك والأسهم المباحة شرعا يمثل نوعا من أنواع الشركات المباحة شرعا، فإن تحويل الصكوك إلى أسهم جائز شرعا ضمن ضوابط وشروط إصدار كل منهما.
فالصكوك تصدر غالبا لمدة محددة في نشرة الإصدار، وبعدها يصار إلى إطفائها أو يعطي حامل الصك الخيار في تحويله إلى سهم في الشركة يضاف إلى أسهمها السابقة.
وبتحول الصكوك إلى أسهم يتحول مالك الصك من ممول للشركة من الخارج إلى مالك لحصة مشاعة في رأسمالها.
* * *
الهوامش
(1) زياد الدماغ، دور الصكوك الإسلامية في دعم الشركات المساهمة، بحث مقدم في مؤتمر عالمي عن الاجتهاد والإفتاء في القرن الحادي والعشرين: تحديات وآفاق، كوالا لمبور، 2008م.
(2) عبد المطلب بدوي، التوريق كأداة من أدوات تطوير البورصة المصرية، بحث مقدم في مؤتمر أسواق الأوراق المالية والبورصات: آفاق وتحديات المنعقد في دبي، سنة 2007م.
(3) أنشئت الهيئة عام 1990م في الجزائر وتم تسجيلها عام 1991 في البحرين بصفتها هيئة عالمية ذات شخصية معنوية، مستقلة لا تسعى إلى الربح.
(4) تقرير القدرات التنافسية للمصارف الإسلامية العالمية 2012 – 2013م، مؤسسة إرنست أند يونغ – شبكة المعلومات الدولية الانترنت.
(5) ابن منظور، لسان العرب، دار صادر، بيروت، مادة (صك).
(6) منذر قحف، سندات الإجارة والأعيان المؤجرة، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، جدة، 2000م، ص 34
(7) طارق الله خان، أحمد حبيب، إدارة المخاطر، تحليل قضايا في الصناعة المالية الإسلامية، المعهد الاسلامي للبحوث والتدريب، البنك الاسلامي للتنمية، (جدة، ط1، 1424هـ/2003م)، ص55 .
(8) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعايير الشرعية، للمؤسسات المالية الاسلامية، 2007، البند 2 من المعيار الشرعي رقم 17.
(9)سليمان ناصر، ربيعة بن زيد، إدارة مخاطر الصكوك الإسلامية الحكومية دراسة تطبيقية على الصكوك الحكومية السودانية، بحث مقدم إلى المؤتمر الدولي الخامس حول الصيرفة الإسلامية والتمويل الإسلامي، تحت عنوان: “إدارة المخاطر؛ التنظيم والإشراف”، أكتوبر 2012، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، جدة – السعودية، ص3.
(10) حسين حامد حسان، الأدوات المالية الإسلامية، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ع6، ج6، ص1054.
(11) رفيق يونس المصري، سندات المفاوضة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي، ع4، ص1422.
(12) زياد الدماغ،” دور الصكوك الإسلامية في دعم قطاع الوقف الإسلامي”، المؤتمر العالمي “قوانين الأوقاف وإدارتها- وقائع وتطلعات”، الجامعة الإسلامية العالمية ، ماليزيا، 20-22 أكتوبر 2009، ص40.
(13) القره داغي، صكوك الاجارة، مجلة مجمع الفقه الاسلامي، الدورة الخامس عشرة، (1425ه/ 2005م)، ج2، ص183.
(14) علاء الدين زعتري،” الصكوك- تعريفها، أنواعها”، ندوة “الصكوك الإسلامية-تحديات، تنمية، ممارسات دولية” عمان، المملكة الأردنية الهاشمية، 2010م، ص 12.
(15) فؤاد محمد أحمد، الصكــوك الإسلامية (التوريق) وتطبيقاتها المعاصرة رسالة دكتوراه، الأكاديمة العربية للعلوم المصرفية، إمارة الشارقة- دولة الإمارات العربية المتحدة، ص20.
(16) عبد الستار أبو غدة، مخاطر الصكوك الإسلامية، مؤتمر المخاطر في المصارف الإسلامية ـ الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، 10-12 شعبان 1425هـ. وانظر أيضا: حسين حامد
(17) حسين حامد، “صكوك الاستثمار”، مؤتمر المخاطر في المصارف الإسلامية – الأكاديمية العربية للعلوم المالية والمصرفية، 10-12 شعبان 1425هـ، ص 6.
(18) حسين حامد حسان، “صكوك الاستثمار”، مرجع سابق ص8.
(19) عبد الستار أبو غدة، مخاطر الصكوك الإسلامية، مرجع سابق ص18.
(20) سامي حسن حمود، الأدوات التمويلية الاسلامية للشركات المساهمة، المعهد الاسلامي للبحوث والتدريب، البنك الاسلامي للتنمية، (جده: مكتبة الملك فهد الوطنية، ط2، 1419هـ -1998م)، ص71 .
(21) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية، المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الاسلامية (البحرين: المنامة)، ص:310.
(22) International Islamic Financial Market (IIFM), Sukuk Report, A comprehensive study of the International Sukuk Market op. cit, p15.
(23) قرار رقم 137 بشأن صكوك الإجارة، مجلة مجمع الفقه الإسلامي الدولي، الدورة الخامسة عشرة، 2004م/1425هـ، ص309-310.
(24) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الاسلامية، المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الاسلامية (البحرين: المنامة)، المعيار 17، ص310.
(25) سانو، صكوك الاجارة، مجلة مجمع الفقه الاسلامي، الدورة الخامسة عشرة، (1425هـ/2004م) ج2، ص55 ،111 .
(26) السريتي، صكوك الاجارة، مجلة مجمع الفقه الاسلامي، الدورة الخامسة عشرة، (1425هـ/2004م)، ج2، ص115.
(27) حديث رقم 2159 صحيح البخاري ج2 ص796.
(28) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعايير الشرعية، المعيار 17، مرجع سابق، ص311.
(29) نورالدين عبدالكريم الكواملة، المشاركة المتناقصة وتطبيقاتها المعاصرة في الفقه الإسلامي (عمان: دار النفائس، ط1، 1428ه/2008)، ص66. مصطفى الخن، وآخرون، الفقه المنهجي على مذهب الأمام الشافعي، مرجع سابق.
(30) رواه أبو داود والحاكم.
(31) أخرجه أبوداود.
(32) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعايير الشرعية، المعيار 17، مرجع سابق، ص311 .
(33) عثمان أحمد بابكر، تجربة البنوك السودانية في التمويل الزراعي بصيغة السلم، المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، (جده: مكتبة الملك فهد الوطنية، ط1، 1418هـ)، ص16.
(34) أسامة عبد الحليم الجورية، صكوك الاستثمار ودورها التنموي في الاقتصاد، رسالة ماجستير، معهد الدعوة الجامعي للدراسات الإسلامية، لبنان، 2009، ص85.
(35) المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، مرجع سابق، ص311.
(36) أحمد محمد حسنين إبراهيم الهايج، استخدام الصكوك لتمويل الاستثمارات العامة، مرجع سابق، ص18.
(37) مصطفى احمد الزرقا، عقد الاستصناع ومدى اهميته في الاستثمارات الاسلامية المعاصرة، المعهد الاسلامي للبحوث والتدريب، البنك الإسلامي للتنمية، (جده: مكتبة الملك فهد الوطنية، ط1، 1420هـ)، ص22.
(38) عبدالرازق الهيتى، المصارف الاسلامية بين النظرية والتطبيق، (عمان: داراسامة، ط1، 1998).
(39) المعايير الشرعية للمؤسسات المالية الإسلامية، مرجع سابق، ص315
(40) قرار رقم (5) د 4/8 / 1988 بشأن سندات المقارضة وسندات الاستثمار، مجلة الفقه الاسلامي، الدورة الرابعة، (1408هـ/1988م)، ج3، ص2161.
(41) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعايير الشرعية، المعيار 17، مرجع سابق، ص312.
(42) منذر قحف، سندات القراض وضمان الفريق الثالث وتطبيقاتها في تمويل التنمية في البلدان الاسلامية، مجلة جامعة الملك عبدالعزيز، الاقتصاد الاسلامي، م1، جدة (1409هـ/1989م) ص45.
(43) مصطفى الخن، واخرون، الفقه المنهجي على مذهب الامام الشافعي، (دمشق: دار القلم، ط8 ،1428هـ /2007م) ص218.
(44) رفيق يونس المصري، فقه المعاملات الماليه (دمشق : دارالقلم، ط2، 1428هـ-2007م)، ص230 .
(45) رفيق يونس المصري، فقه المعاملات الماليه، مرجع سابق، ص232.
(46) عبد الستار أبو غدة، بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية، شركة التوفيق، مجموعة دلة البركة، نقلا عن قرارات هيئة الفتوى والرقابة الشرعية لشركة التوفيق للصناديق الاستثمارية، ج2 ص87.
(47) فتح الرحمن علي محمد صالح، دور الصكوك الإسلامية في تمويل المشروعات التنموية، ورقة مقدمة لمنتدى الصيرفة الإسلامية، بيروت، يوليو 2008، ص6.
(48) عبد الستار أبو غدة، بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية، ص91.
(49) المعايير الشرعية، صكوك الاستثمار، المعيار (17)، ص294، 295.
(50) المعايير الشرعية، صكوك الاستثمار، المعيار (17)، ص296، 297.
(51) الخدمات المصرفية وموقف الشريعة الإسلامية منها، علاء الدين زعتري، دار الكلم الطيب، دمشق، ط1، 2002م، ص545.
(52) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، ج6 ص477.
(53) حديث رقم (1990)، صحيح البخاري، ج2 ص738. حديث رقم (1603) صحيح مسلم، ج3 ص1226.
(54) حديث رقم (2512)، صحيح البخاري، ج2 ص888.
(55) ابن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، مرجع سابق، ج6 ص490.
(56) سنن البيهقي الكبرى، ج6 ص44.
(57) مالك بن أنس، الموطأ، دار إحياء التراث العربي، مصر، تحقيق: محمد فؤاد عبد الباقي، ج2 ص728.
(58) هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية، المعيار الشرعي (39) و(21).
(59) عبد الستار أبو غدة، بحوث في المعاملات والأساليب المصرفية الإسلامية، مجموعة دلة البركة، ج2 ص110.