أبحاث

نحو علم اجتماع إسلامي

العدد 43

يقول سبحانه وتعالىٰ : (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمٍة أُخْرِجَتْ لِلَناس تَأمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ المُنَكرِ وَتؤْمِنُونَ بِالله ) آل عمران 115

لماذا علم إجتماع إسلامي ؟

أهم شيء في الدراسات اللإجتماعية والإِنسانية تحديد المفاهيم والمصطلحات تحديداً علمياً دقيقاً وتعريفها تعريفاً واضحاً لا لبسَ فيه ولا غموض. إذ وضوح ودقة المصطلحات دليل علىٰ وضوح الفكر أولاً ووضوح التحليل ثانياً وذلك يساعد كثيراً علىٰالإِحاطة بجوانب الموضوع المتنوعة والمختلفة وأيضاً يساعد القاريء علىٰ فهم ما يعرض. والتحليل العلمي لأي ظاهرة أو واقعة إجتماعية لابد وأن يتوفر علىٰ العناصر التالية :

أـــ تعريف أو وصف الواقعة.

ب ـــ عرض وظيفتها أو وظائفها.

ج ـــ تحليل مدىٰ تفاعل هذه الواقعة داخل إطار حيوي.

د ـــ منهجية صارمة وواضحة.

هـ ـــ نظرية عامة ينطلق منها الباحث تغذي فكره وتصوراته.

منذ البداية إذن لابد من تحديد مفهوم «علم إجتماع إسلامي»  ولماذا أميل إليه أكثر مما أميل إلىٰ مفهوم « أسلمة علم الإجتماع » بالرغم من أن محتوى المفهومين في النهاية قد لا يختلف من حيث الجوهر إلاّ لماماً,أضف إلىٰ ذلك أن حقول الدراسات الإِجتماعية تشهد ثورة عارمة تمس التصورات و المفاهيم وذلك إثر إنفجار وتصدع العلوم الإِجتماعية والإِنسانية والإِنقلابات الشاملةالتي تشهدها ميادين المعرفة في كل الإِتجاهات بحيث أصبح من الصعب جداً الإَلمام يكل تلابيب موضوع بسيط دون الإِستعانة بعدة تخصصات ومتخصصين ولكن الذي نلاحظه, وهذا اهم شيء, هو غيبة الفكر الإِسلامي المبدع القوي الواثق من نفسه ومبادئه.

هذا الفكر لئن تراءت هناك بعض بوادره في تخصصات نادرة, فإنه لا يزال خجولا حييا وخاصة في العلوم الإِجتماعية التي تعتبر أكبر هزة فكرية يعيشها عالم اليوم الغربي. هنا أيضا يبدو أننا أخلفنا الموعد التاريخي كما أخلفنا مواعيد أخرىٰ. فالعلوم الإِجتماعية الغربية بالرغم من أزمتها الحادة حالياً قد تمكنت من قلب وتغيير الأفكار والقيم والممارسات الإِجتماعية وبالتالي فهي تحاول بناء مجتمع جديد.

يهمني هنا إبداء رأي متواضع جداً وتأملات حول موضوع  «علم الاجتماع الإِسلامي» الذي يشغلني منذ مدة طويلة وإن كان الموضوع جديداً وشائكاً فأرجو الله أن يوفقتي فإن أصبت فذلك توفيق من الله سبحانه وتعالي وإن أخفقت فذلك تقصير مني.

أسلمة علم الإِجتماع أم علم إجماع إسلامي ؟ سؤال وجيه ومحرج في نفس الوقت. أسلمة علم الإِجتماع تعني ضرورة إخضاع إنتاج الآخرين لمقياس إسلامي, وتقتضي ترجمة الأعمال الغربية, وهو شيء متوفر نسبياً, ومحاولة إضفاء الصبغة الإِسلامية عليها ولو شكلياً. هذه العملية تفترض أن العلوم  « البريئة» وحيادية أو تقتضي علىٰ الأقل أنه بإضلفة بعض التعليقات هنا وهناك على كتب أو نصوص غريبة يسهل إدماجهل في المحيط الإسلامي. وهذا يقتضي من جهة نسيان أن العلوم, كل العلوم, هي نتاج إجتماعي مليء بالترسبات الإِجتماعية والفلسفية والدينية وفي النهاية الخلفيات الأيدلوجية لاستراتيجية معينة صريحة أو مقنعة, وتاريخ العلوم الغربي, طبعاً, دليل علىٰ ما أقول. أضف إلىٰ ذلك أن هذه العملية وإن كانت ضرورية, فهي مكلفة وعديمة الجدوىٰ علىٰ المدىٰ البعيد لأن الذي يهمنا ليس ترجمة أعمال الآخرين يل إيجاد هويتنا الإِسلامية الضائعة أو المشوهة علىٰ الأقل. من جهة أخرىٰ هذه المهمه تتركنا نلهث وراء الآخرين أبداً. والمشكل أننا في النهاية نختار أي النظريات أنسب لنا من الناحية الإِجتماعية و التاريخية والدينية وهي الأهم لأن العلوم الإِجتماعية ونظرياتها تتطور بشكل مذهل وهي تتغير بسرعة فائقة وإن كانت حسب الظروف قد تسبق تطور المجتمع أحياناً وقد تتخلف عنه في أغلب الأحيان, ولكن هي علي كل حال ليست جامدة ولا واحدية البعد. ولا حاجة بي إلي سرد كل النظريات الإِجتماعية والفلسفية التي تعج بها المجتمعات الإِسلامية وكم من جهود ضاعت في  «اشراكية» الإِسلام أو « وجوديته » أو  « تطوريته» ….إلخ وكلها محاولات نشاز يأباها الواقع والمنطق السليم. وهذا لا يعني مطلقاً الإِنغلاق الذاتي لأن ذلك معناه الموت والإِندثار الحضاري و الفكري خصوصاً وأن العالم يضيق شيئاً فشيئاً نظراً للثورة العارمة التي أحدثتها وسائل المواصلات و الإِعلام الحديثة وتزداد كل لحظة نمواً ودقة وتطوراً. هذا يعني ببساطة تحديد أولويات ما يجب القيام به آنياً وعاجلاً ومستقبلياً. وأعتقد أن أولى الأولويات هي إيجاد وصياغة ونشر نظرية معرفية إسلامية متكاملة تغطي كل العلوم وفي مقدمتها العلوم الإِجتماعية والإِنسانية لأن النظرية الفكرية تسبق دائماً ـــ وقد تكون ناقصة أو خاطئة ـــ النظرية الواقعية ولكنها تتعدل شيئاً فشيئاً باحتكاكها بالواقع وبأفكار ونظريات أخرى. فالعيش علىٰ فتات موائد الآخرين لا يؤدي في النهاية المطاف إلاّ إلىٰ فقدان المقومات الذاتية والسقوط في أوحال الهجونة. فترجمة كل الأعمال الرائدة في شتيٰ مجالات التخصص وتوفيرها لجميع الناس شيء ضروري بالإِضافة  إلىٰ توفير التراث زاداً يغرف منه الجميع,وجهان لعملة واحدة لا يمكن بدونهما المضي قدماً.

ضرورة علم إجتماع إسلامي

الدعوة إلىٰ «علم إجتماع إسلامي»  نظرياً وعمليا بدل  «أسلمة علم الإِجتماع» قد تبدو من ضرب الخيال إن لم تكن من المحال,بل قد يعتبرها البعَض من قبيل العنتريات الفكرية التى تذوب وتتبخر داخل جدران المحاضرات. وهذا رأي صحيح إلىٰ حد ما لسبب بسيط وهو أن  «علم الإِجتماع الإِسلامي » لازالت معالمه لم تتضح حتىٰ للمختصين,ناهيك عن غيرهم. هناك أساتذة يدرسون أدبيات علم الإِجتماع الغربي في الجامعات الإِسلامية ومن ثم فهم مروجو تلك الأفكار والنظريات وحتىٰ« المبدعين »منهم إذا حللوا ظاهرة إجتماعية تحليلاً سوسيولوجياً لابد وأن يكون التحليل غريباً محضاً, بل هم يناضلون من أجل إخضاع الإِسلام للتحلاليل الإِجتماعية المادية المحضة.

منذ سنوات قليلة بدأت الرؤية الإِسلامية تشق طريقها علىٰ وجل, وبدأت بعض الأساتذة الإِسلاميين يتناولون مشكلة أسلمة المعارف(1)  بشكل عام ولكن الملاحظ أن علم الإِجتماع لم يحظ بنصب أوفر بالرغم من أنه حالياً ـــ وهذه فرضيتي علىٰ كل حال ـــ أهم العلوم الإِجتماعية التي يجب أن تحظي بأسبقية وعناية الإِسلاميين, لما له القدرة تحليلية شاملة يمكن إستغلالها لأغراض شتىٰ وهو عملياً يستغل من طرف بعض «المسلمين السولوجيين»(2) لتفسير الإِسلام تفسيراً إلحادياً صريحاً.

وفي هذه العجالة أحاول الإِلمام ببعض القضايا التي تبدو لي ذات أهمية وأولوية أكثر من غيرها بالنسبة لإرساء مباديء وقواعد وأسس  «علم الإِجتماع الإِسلامي» وهي بلاشك من الأمور الأولية التي يمكن إعادة النظر فيها بعد إستواء عود العلم الجديد وبعد اكتمال صياغة النظرية الإِجتماعية الإِسلامية, وكل التخصصات الأخرىٰ, لتكون الأمة كما أراد الله سبحانه وتعالىٰ لها ( خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) آل عمران : 115.

لكل حقبة تاريخية نموذج فكري وتحليلي يمكن إعتباره «نموذج مرجعياً». وإلىٰ وقت قريب جداً قام كل من علم الإِقتصاد وعلم النفس علىٰ التوالي بهذا الدور المرجعي. بمعنىٰ أكثر وضوحاً كل التحاليل تاريخية أو تربوية أو إنسانية.. أو إجتماعية يجب أن تأخذ بعين الإِعتبار العوامل الإِقتصادية والنفسية, عوامل مؤثرة ومفسرة أو محددة لحدث معين أو لظاهرة إجتماعية معينة. ولكن الواقع الفكري والنماذج المرجعية متحركة ومتغيرة مثلها مثل الواقع والنظام الإِجتماعيين.

لقد زعزعت السوسيولوجيا النماذج الفكرية و النظم التحليلية ومناهج البحث في الغرب من حيث محاولته التنديد بكل ما هو سائد,والتشكيك وخلخلة الواقع الإِجتماعي الفج. وكأني بها أزاحت كل ذلك لتصبح زعيمة « النماذج المرجعية » إذ يستحيل أن يوجد تحليلاً, ولو صحافياً, دون الأخذ بعين الإِعتبار تأثير العوامل الإِجتماعية حتىٰ أصبحت التفاسير السوسيولوجية تستعمل إعتباطاً. هذه الخصائص لعلم الإِجتماع تدفع بعض الباحثين إلىٰ المبالغة في قدرته وقيمته التحليليتين وتجعله فوق كل الشئء. ومن هذه الناحية يصيب من يتكلم عن إمبريالية السوسيولوجيا.

إن الهدف الأساسي من إيجاد « علم إجتماع إسلامي » هو صياغة وتوضيح النظرية الإِجتماعية الإِسلامية, فالإِسلام نظام إجتماعي شامل وكامل, بل هو فريد من نوعه وليس هناك نظاماً يشبهه, وإذا إستثنينا بعض الأحكام الأخلاقية الخاصة بالأفراد أو بعض العبادات التي قد يبدو لأول وهلة أنها ليست إجتماعية, كالصوم والصلاة, وإن كانت في نتائجها وتبعاتها إجتماعية, فكل العبادات إجتماعية : الزكاة والحج, الزواج الطلاق .. الخلافة, وفي نهاية المطاف الأمة التي هي وسيلة وغاية(3) في نفس الوقت. ولكن النظام الإِجتماعي الإِسلامي يرتكز علىٰركيزة واحدة ووحيدة هي الله سبحانه وتعالىٰ. فالتوحيد بكل ما تقتضيه هذه الكلمة من عظمة وجلال, هو العمود الفقري للنظرية الإِجتماعية الإِسلامية. فوحدانية اللهسبحانه وتعالىٰ تتراءى في وحدة خلقه, تتراءى في وحدة الناس بالرغم من اختلاف ألوانهم وألسنتهم وطاقاتهم العقليةوأصولهم البيولوجية, فهم جميعاً من آدم و آدم من تراب, والأمة الإسلامية لا تتكون من أصول عرقية أو قومية أو جغرافية أو تاريخية .. وليست وقفاً علىٰ شعب معين أو سلالة خاصة فهي عبارة عن مجموعة شعوب وأمم ودول ذات عقيدة واحدة »أيديولوجيات » عدة وبالتالي فهي مفتوحة لكل الناس شريطة أن يؤمنوا بالله رباً وبالإِسلام ديناً.يقول تعالىٰ : (ياأيها الناس إنا خلقنٰكم من ذكر وأنثيٰ وجعلنٰكم شعوباً وقبائل لتعارفوا, إن أكرمَكمْ عِندَ الله وقبائل لتعارفوا,إ ن أكرمَكُمْ عِندَ الله أتقاكم إن الله عليم خبير ) الحجرات 13 .

إن النظام الإِجتماعي الإِسلامي يتجسد كلية في الأمة الواحدة, يقول سبحانه وتعالىٰ : (إنَّ هَذِهِ أُمتكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً ةَأنَا رَبّكُمْ فَاعْبُدُونِ) الأنبياء 92. ويقول سبحانه وتعالىٰ: (إِنَمَّا المُؤْمنُونَ إِخَوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتقُوا الله لَعَلكُمْ تُرحَمُونَ) الحجرات:15.

إن اهمية علم إجتماع إسلامي ضرورة حتمية أكثر من أي وقت مضىٰ, فالأمة الإِسلامية ممزقة إن لم نقل لا وجود لها من حيث الإِرادة السياسية و الإِجتماعية. فهي عبارة عن « دويلات » متخلفة فكرياً وإقتصادياً, وسياسية, وتكنولوجياً, وعلمياً, بالإِضافة إلىٰ كونها متناحرة متنافرة. هنا قد يقوم علم الإِجتماع الإِسلامي بدور ووظيفة لا تعوضان, بحيث يكون أحد العوامل والعناصر المساعدة علىٰ التئام وتوحد الأمة وبالتالي إستعادة مكانتها الهادية بالقيام بأهم دور فرضه الله عليها وميزها به حيث قال عز من قائل : (كُنْتمْ خَيْرَ أٌمَّةٍ أخْرِجَتْ لِلنَاسِ تَأمُرُونَ بِالْمْعَرُوفِ وِتَنْهَوْنَ عَنِ المُنْكَرِ وَ تُؤْمِنُونِ بالله) آل عمران 115 ـــ وذلك بكشف المشاكل الإجتماعية وتحليلها, وإيجاد الحلول الناجعة لها, فعلم الإِجتماع الإِسلامي يهتم إهتماماً كلياً بمشاكل الإِنسان, في الواقع إجتماعي معقد بما فيه الكفاية, ومتعدد الأبعاد, ولكن ليس حرباً علىٰ الإِنسان كما صورته الفلسفات الإِجتماعية الغربية, وأيضاً فهو ليس قومياً بمعنىٰ يخدم قومية ضد أخرىٰ, أو يعمل علىٰ تقديم قومية معينة لتكون هي سائدة, وليس تقديماً, إذا فهمت التقديمية علىٰ أنها خروج عن السنن والقوانين الإِلهية وتخلٍ كامل عن شريعة الله, أما إذا كانت التقدمية تعني خروج الإِنسان من الجهل والفقر المادي والروحي, والإِبتعاد عن الإِستعباد والطاغوت, والإِبتعاد عن عبادة الأوثان الحية والميتة,بكلمة واحدة إذا كانت التقدمية ضد الجاهلية فعلم  الإِجتماع الإِسلامي يسعىٰ إلىٰ ذلك , ومن ثم فعلم الإِجتماع هذا يختلف تماماً عن العلوم الإِجتماعية الأخرىٰ التي تتفق في النهاية علي أن الغاية من علم الإِجتماع مهما تعددت الأسماء, وهي الوصول بطريقة علمية إلىٰ « مشروعية التصورات المادية للعالم »(4).

علاوة علىٰ ذلك فعلم الإِجتماع الإِسلامي ليس من مهامه خدمة فئة إجتماعية دون غيرها, ولا إستغلاله من طرف بعض المسلمين للسيطرة علىٰ الآخرين أو تبرير « تخلفهم » الإِجتماعي. كما أنه ليس علماً طبقياً يعمق الحقد والتراتب الإِجتماعي وبالتالي الصراع الطبقي, ولكن هذا لا يعنيأنه يتخلىٰ عن وصف وتشريح الفروق الهائلة التي توجد داخل الأمة بين فئة إجتماعية وأخرىٰ,كما لا يعني أنه يتخلىٰ عن مهمته النقدية التي تعري المشاكل أينما كانت وحيثما كانت. إلا أن المهمة الكبيرة لعلم الإِجتماع الإِسلامي هي قلب التصورات الفكرية والنظريات المنتشرة في أنحاء العالم عن الواقع الإِجتماعي وعن الإِنسان, فالسن والقوانين الإِجتماعية التي تُسيَّر المجتمع, أي مجتمع,هي من عند الله لأن الطبيعة لم توجد لوحدها بل لها خالق سبحانه وتعالىٰ.  والإِنسان مهما أوتي من عبقرية فهو مخلوق وعبدلله, طبعاً هذا شيء بدهي لمن أتاه الله الإِيمان, ولكن هذه الحقائق نُسيت من طرف الذين طغت عليهم المادة.

عملية خلخلة الواقع الفكري والتصورات الفكرية الخاطئة ليست سهلة لأنها أكثر مقاومة وصعوبة حتىٰ من الواقع السياسي. للوصول إلىٰ هذه الغاية لابد من جميع كل الجهود وذلك    « بأسلمة » العلوم الإِجتماعية لمرّ إلىٰ مرحلة أكثر إيجابية وهي « إسلامية » المرفة وخاصة علم الإِجتماع. فهو يكاد يكون الحلقة المفقودة في بناء التخصصات الإِسلامية الأخرىٰ, لذلك أميل إلىٰ الإِعتقاد بأن أهميته تنمو بسرعة, والحاجة إليه أيضاً لكونه يهتم أصلا بواقع المجتمعات ومشاكلها الآنية والمستقبلية. ولكي تظهر معالم علم الإِجتماع ومشاكلها الآنية والمستقبلية. ولكي تظهر معالم علم الإِجتماع الإِسلامي, لابد من الحديث عن الأصول الإِجتماعية لعلم الإِجتماع هو أصلاً وهو أصلاً علم مقارن.

أصول علم الإِجتماع :

صحيح أن تاريخ علم الإِجتماع لم يكتب حتىٰ الآن وذلك لأسباب متعددة(5) لا تهم هنا بالدرجة الأولىٰ,ولكن المهم هنا هو ما يسمىٰ بالتحليل السوسيولوجي لعلماء الإجتماع (6). هذه المحاولات تبرز أن هذه العملية ضرورة حيوية, ومزية تتجلىٰ في كونها تكشف قصور وأخطاء علم الإِجتماع الفكرية والإِستولوجية,وتكشف أيضا غرور وتهور بعض علماء الإِجتماع الذين يحاولون تطبيق المذهب المادي والتفسيرات المادية علىٰ كل الظواهر الإِجتماعية حتىٰ التي ترفض ذلك رفضاً قاطعاً مثل الأديان السماوية وخاصة اللإِسلام. وخطأ هذه التحاليل يكمن في كونها تؤكد وتناضل من أجل اعتبار الأديان ظواهر إجتماعية ثقافية, تنمو وتتطور في الزمان والمكان كباقي الظواهر الأخرىٰ وبالتالي فهي متغيرة ومن ثم,فهي قد يتجاوزها الفكر الإِنساني والتاريخ.

هذه النظريات المنتشرة حالياً في علوم الإِجتماع الديني غير مقبولة تماماً بالنسبة لعلم الإِجتماع الإِسلامي, فالدين الإِسلامي خاصة ليس ظاهرة ثقافية خاصة بالعرب. صحيح أن القرآن الكريم أنزله الله سبحانه وتعالىٰ ( بِلِسَانٍ عَرَبيٍ مُبِينٍ) (الشعراء : 195) وعلىٰ نبي عربي, محمد (صّلي الله عليــه وسلم), وفي مكان معين : هو جزيرة العرب, ولكنه للناس كافة, وليس لعبد أو لشعب أو « لطبقة » أو لجنس أو لجنس أوسلالة,يقول تعالىٰ : ( وَمَا أرْسَلْنَاكَ إِلا كَافَةً للناس ,بَشِيراً, وَلَكِنَّ أَكَثَرَ النَّاس لَا يَعْلَمُنَ) (سبأ : 28). أضف إلىٰ ذلك أن الظواهر الثقافية مهما كانت قوتها وحداثتها وجدتها فهي متغيرة متطورة وفي النهاية منقرضة لأنها لا تصلح لزمان غير زمانها ولا لأناس غير الذين ابتكروها, ومهما كانت عالميتها فهي نسبية ضرورة لأنها من إختراع بشر. وحتىٰ إِن تبناها قوم آخرون فقد لا توافقهم بحكم أنها تحمل في داخلها بصمات منتجيها.

عند الشعوب الإِسلامية المختلفة تختلف في بعض التفاصيل حيث تأخذ طابعاً محلياً أو إقليمياً أو قومياً, وأحياناً تكون مخالفة تماماً لتعاليم الإِسلام, ويعتبرها « علماء الإِجتماع »من «الظواهر الإِجتماعية »الإشسلامية أو علىٰ الأقل ظهرت في بلاد إسلامية. بل أكثر من ذلك هناك من المستشرقين من أدعىٰ أن التخلف ناتج عن الإِسلام(7) .

القول بأن الملاحظة المجردة تخبر بأن  كل الدول الإِسلامية متخلفة, وهذا واقع لا مراء فيه,شيء, واتهام الإِسلام بأنه عامل تخلف شيء أخر. هنا يكون دور علم إجتماع إسلامي حاسماً, سواء علىٰ المستوى النظري والتطبيقي, وكذلك طرق البحث, فوضع السؤال أكثر من الجواب. وبحث موضوع دون أخر له أسباب نفسية وايديولوجية, باطنية أو ظاهرية, وبالتالي فالنظرة الإِسلامية المتحركة داخل إطار « معرفي إسلامي » مشبع بالمباديء الإِسلامية الكلية, كالتوحيد ووحدة المعرفة , وأن الله سبحانه وتعالىٰ هو الذي يتصرف في كل شيء, وأن الإِنسان عبدلله, حر مسؤول وأن الإِطار الإِجتماعي هو الأمة وليس الدولة القومية, والإِطار السياسي هو الخلافة وليست الحمهوريات أو الملكيات … كل هذه المباديء تحدد الوسائل والغايات ومن ثم يمكن تسمية « علم الإِجتماع الإِسلامي »,« علم إجتماع الأمة ».

ولإِدراك ما نقصد بعلم إجتماع الأمة سأحاول ذكر بعض المبادئ العامة التي تمركز حولها الفكر السوسيولوجي, بالرغم من أنها تتلخص في كلمة واحدة هي : التقدم. والفكرة لها أربع مسلمات :

أ ـــ التقدم ضرورة حتمية.

ب ـــ أهم ميزة للتقدم هي إسعاد الإِنسان.

ج ـــ بمرور الزمان تتضاءل مشاكل الإِنسانية.

د ـــ إن سلوك الإِنسان يميل إلىٰ المعقولية أكثر فأكثر(8).

وخرافية هذه المسلمات لا تحتاج إلىٰ مناقشة أو توضيح,فعلماء الإِجتماع الغربيون يقولون ذلك بأنفسهم بالرغم من أن المهتمين بعلم الإِجتماع في البلاد العربية لازالوا معجبين إن لم نقل مفتونين بهذه الأفكار(9). بل أكثر من ذلك هناك من يطالب باسم « المناهج العلمية الحديثة » بإعادة النظر في كل شيء, وخاصة القرآن الكريم والسنة الشريفة, ولقد ذهب بعضهم إلىٰ أبعد حد إذا قام عملياً ببحث ما أسماه كذباً « مشكلة أصالة قدسية القرآن »(10) وهو يعتبر هذه المهمة دليلاً علىٰ خصوبة الفكر وحيويته, ليس فقط علىٰ صعيد الفكر العالمي. وإضفاء العالمية علىٰ فكر مثل هذا ليس إلا محاولة لذر الرماد في العيون وتضبيب القضية حتىٰ تمر وتصبح « عملية » يجب إدخالها في البرامج الدراسية الجامعية, بالإِضافة إلىٰ ذلك, فهو يحاول جاهداً وضع الإِسلام والمسيحية واليهود(11) في كفة واحدة بالرغم من الإِختلاف الإِجتماعي والتاريخي لكل منها. بل يهدف صراحة إلىٰ دراسة القرآن كباقي الكتب المقدسة « من حيث هي معطىٰ لغوي وعامل تاريخي واقعيين وليس من حيث [ هو ]  آخر رسالة نسخت أو أكملت ما بعدها(12). كل هذا باسم العلوم الإِجتماعية والإشنسانية وعلىٰ التحديد علم الإِجتماع وعلم الإِنسان.

فإيجاد علم إجتماع إسلامي منتج,مبدع, من واجبه أن يهمش كل هذه الأكاذيب والمحاولات ,كذلك أنه يعالج كل القضايا الإِجتماعية في العالم من وجهة نظر إسلامية, بالإِضافة إلىٰ معالجة المشاكل الخاصة والعامة التي تخص الأمة الإِسلامية وهي متعددة ومتنوعة. زيادة علىٰ ذلك فالمهمة الأساسية لسوسيولوجية إسلامية هي دراسة الواقع الإِسلامي المريض, لتنقيه من البدع والخرافات والأَفكار التي تسربت إلية عبر القرون وخاصة القرنين الأخيرين. فمعرفة الواقع الإِجتماعي ليست سهلة لأن الواقع الحقيقي كثيراً ما يختفي وراء الواقع المزيف أو الخيالي أو الذي يجب أن يكون, متعددة ومتشابكة فهو من جهة يهدف إلىٰ العالمية من حيث النظرة الإِسلامية كما أنه يتفاعل مع الفكر الإِنساني, علاوة علىٰ أن مهماته متعددة, فهو نقدي جدلي, نابع لا تابع, ابتكاري النزعة والإِتجاه, ملتزم إلتزاماً كاملاً بالمباديء الكلية للإسلام. وهذا يعني منطلقياً أن القرآن الكريم والسنة الشريفة فوق النقد والشك أي بمعنىٰ أكثر قوة وحدة أنهما فوق العقل لأن العقل, كلما يقول الإِمام الشاطبي, غير مستقل البتة. ولا ينبني على غير أصل, وإنما ينبني علىٰ أصل متقدم مسلّم علىٰ الإِطلاق. ولا يمكن في أحوال الآخرة قبول أصل مسلّم إلا من الطريق الوحي.  « فعلىٰ الجملة, العقول لا تستقل بإدراك مصالحها دون وحي. فالإِبتداع مضاد لهذا الأصل لأنه ليس له مستند شرعي بالفرض(13)».

السوسيولوجيا علىٰ اختلاف ألوانها وانتماءاتها الإِجتماعية والأيديولوجية هي نتاج مجتمع معين في حقبة سياسية واقتصادية وتاريخية معينة, فولادتها المعاصرة علىٰ الأقل غربية, وهي ناتجة عن أزمات إجتماعية حادة ومن ثم أخذت طابعها النضالي ضد البنىٰ الإِجتماعية للمجتمعات الغربية, التي كانت تطبعها الأفكار اليهودية المسيحية من جهة, والفلسفة اليونانية من جهة أخري. ومنذ البداية أخذت طابعاً إحادياً,لأنها أصلاً تهدف إلىٰ إقامة مجتمع بعيد عن قهر وتسلط الكنيسة. وهذا العنصر الإِحادي لايزال قوياً فس السوسيولوجيا وكل فروعها, والأخطر من هذا هو جرأة هلماء الإِجتماع الملحدين علىٰ دراسة الدين بإعتباره « ظاهرة إجتماعية ثقافية » بالدرجة الأولىٰ بالرغم من أن جلهم لا يعرفون إلا النذر اليسير من الدين, فلذالك كان إهتمام الإِسلاميين بالسوسيولوجيا, وخاصة الدينية منها, يكاد يكون فرض عين لا فرض كفاية. لأني مقتنع تماماً أن هذا الفرع من السوسيولوجيا أكثر خطورة وأهمية فيما يخصنا. ونحن نكتفي حتىٰ الآن بترديد ما قاله المستشرقون أو بعض علماء الإِنسان عن الإِسلام, فالمؤسسات الإِجتماعية في مجتمعاتنا لم تحظ بدراسة كافية, اللهم ما يخص الطرق الصوفية وبعض الأقليات الدينية, وذلك ٰلأسباب معينة. فعلم الإِجتماع الإِسلامي له أهمية قصوىٰ إذ من وظيفته دراسة البنىٰ و المؤسسات دراسة ميدانية واعية, تساعد علىٰ التعرف علىٰ الواقع الإِجتماعي لشعوب الأمة, وبالتالي إذا عرفت القوىٰ الفاعلة والطفيلية وغيرها يمكن إصلاح المجتمع بإصلاح أفراده وجماعاته ومؤسساته, إلا أن إلتزامه كلياً بقضايا الأمة لا يعني تبنيه الأساليب التبريرية والتقريرية والدفاعية الناتجة عن ردود الفعل.

إن أصول المدارس الإِجتماعية الكبري المتمثلة في ماركس, ودركهايم, وڤبير, نابعة رأساً من فلسفة الأنوار, وبذلك يعتبرون من الفلاسفة « الوضعيين » من حيث إهتمامهم الكبير بإزاحة الغشاوة والتبريرات الدينية عن الواقع الإِجتماعي(14) أو لنقل بصراحة أن أن نظرياتهم الإِجتماعية, سعت وتسعىٰ إالىٰ القضاء علىٰ الدين وتأثيره في واقع الناس وسلوكهم وتصوراتهم وبذلك يخلو الواقع لإِنتشار الفلسفات المادية الصريحة الإِحاد بدعوىٰ « العلمية » والقضاء علىٰ الخرافة والاسطورة وخاصة ما يسمىٰ في لغة السوسيولوجيين : « الأساطيرالدينية ».

هناك عدة مستويات في التحاليل السوسيولوجية ولكن يبقىٰ التحليل المعتمد علىٰ التمييز بين الفكر الأسطوري والفكر الواقعي, والأسورة والواقع أهم التحاليل النظرية التي تتمتع ببريق خاص يجذب أكثر من عالم إجتماع. وطبعاً هذه النظرية المبنية علىٰ التمييز بين الواقع و الأسطورة في المجتمعات البشرية ليس حيادياً أو موضوعياً بل هناك أسباب أيديولوجية وعقيدية وأخرىٰ استراتيجية ومنهجية. و الواقع أننا إذا أزلنا جانباً هذه النظرية فإن السوسيولوجيا الدينية كما تمارس اليوم في العالم الغربي تفقد الكثير من مستواها الإِجرائي والنظري, وهذه العملية لابد من القيام بها لأنها أصلاً مبنية علىٰ مسلّمة مزيفة تقتضي أن كل الفكر الديني أو الدين هو خرافي أسطوري, ولفهم الواقع الإِجتماعي لابد من إقصاء هذا الفكر. وهذا طبعاً بالنسبة للإِسلام لا يصلح مقياساً تحليلياً أو إجرائياً. لأن الإِسلام المتجلي في القرآن الكريم والسنة الشريفة, من المستحيل إعتباره أسطورياً, لأنه هو الحقيقة عينها, ولئن كانت بعض أسطورياً, لأنه هو الحقيقة عينها, ولئن كانت بعض الممارسات الإِجتماعية في البلدان الإِسلامية أو لدىٰ البعض منا أسطورية أو خرافية فهذا لا يعني أبداً أن الإِسلام أسطورة أو خرافة.

صحيح أن كثيراً من المؤسسات والممارسات الإِجتماعية التي توجد وتحسب علىٰ الإِسلام, فيها من الأساطير والخرافات والإِعتقادات المنحرفة مالا يرضىٰ عنه الإِسلام, ولا يقبله, فالبدع والضلالات والإِنحرافات قدْ عولجت فيما مضىٰ بعناية متناهية من طرف علماء هذه الأمة مثل الشاطبي وابن تيميه وابن القيم وابن خلدون .. فهذه الأوهام الإجتماعية والفكرية هي ميدان علم الإِجتماع الإِسلامي, لأني أعتقد أن العلوم الإِجتماعية أكثر قدرة في فهم وتحليل هذه المواضيع الإِجتماعية بالدرجة الأولىٰ أكثرمن غيرها. ولكن المشكل الحقيقي هو أن علىٰ العلم الجديد إختراع وإيجاد كل شيء من النظرية إلىٰ طرق البحث والمعالجة, إلىٰ النظرة العميقة غير المستلبة. لأن علم الإِجتماع الإِسلامي يختلف عن غيره من حيث هو يهدف ويسعىٰ إلىٰ إعادة تطبيق الشريعة الإِسلامية وخاصة في النظام الإِجتماعي أو النظم الإِجتماعية التي تفرزها      « المجتماعات الإسلامية ». بمعنىٰ آخر فهو ليس كباقي العلوم الساعية إلىٰ فصل الدين عن المجتمع والنضال من أجل ذلك فهو يعكس المسألة, وهنا تكمن الصعوبة, وفي نفس الوقت الأهمية البالغة, خصوصاً وأن « المجتمعات الإِسلامية » تميل أكثر فأكثر إلىٰ النظم الإِجتماعية اللادينية.

ما ينبغي التأكيد عليه بقوة هو أن علم الإِجتماع وباقي فروعه, كما يمارس حالياً في الغرب ومن حيث هو نموذج مرجعي لباقي التحاليل الأخرىٰ بالرغم من قيمته التحليلية والإِجرائية, لا يمكن إعتماده أو الركون إليه نموذجاً علمياً لتحليل وتشريح مشاكل الأمة الإِجتماعية. لأنه وليد أطر إجتماعية مختلفة من حيث العقيدة والهدف والمثال والنماذج التي يُريد بناءها. لذلك أسلمة علم الإِجتماع كما حاولتُ وصف ما يعني ذلك قد لا تفيد هنا. فالمطلوب علم إجتماع إسلامي نابع كلية من قضايا الإِسلام فهماً وتحليلاً, آنياً ومستقبلياً, فكراً وممارسة, وبالتالي فهو يستطبع حينئذ منافسة النظم التحليلية الأخرىٰ بكامل الحرية والثقة. أما أن يكون كما هي العادة في الدراسات الجامعية ـــ مكتفيا بنقل وتطبيق مناهج وأطر فكرية أنشئت داخل بيئة إجتماعية وثقافية مختلفة تماماً بل متناقضة كلية مع المجتمع الإِسلامي المنشود, فذلك شيء لا أرىٰ له أية أهمية ولا حتىٰ ضرورة, إذا يكفي تطبيق نظريات الغرب الإِجتماعية وهي بلغت الشيء الكثير من الفنية والدقة والشمولية, للحكم علىٰ مجتمعاتنا بأنها كذا وكذا … ولكن الواقع والتجربة و الممارسة كلها أدانت هذه النظرية الأخيرة, بالرغم من كل الجهود الفكرية والأيديولوجية التي حُشدت لذلك ولاتزال. فهي مضيعة للوقت والجهد والحياة. ولهذا فالمسألة التي يجب أن نعيها جميعاً هي أن البداية تحدد النهاية إلىٰ حد كبير وإن كانت الأبحاث العلمية تمر بفرضيات ليس من الضروري صحتها منذ البداية, ولكنها تتعدل خلال سير وإجراء البحث فهي عملية بلاشك ديالكتيكية, ولكن هنا لا أري أية ضرورة لذلك.

خصائص وأهداف علم الإِجتماع الإِسلامي :

إن قضية إيجاد علم إجتماع إسلامي أو علوم إنسانية وإجتماعية إسلامية أخرىٰ ليست سهلة مادامت الأمة الإِسلامية ممزقة ومشلولة نظراً لغياب الخلافة الشرعية. من الوجهة النفسية قد يكون ذلك حافزاً لمفكري وعلماء الأمة الملتزمين بقضاياها الأساسية علىٰ السعي الجاد والتفكير المبدع لإِيجاد الوسائل والبنىٰ الإِجتماعية الكفيلة بإسترجاع وإقامة الخلافة من جديد. وذلك لأهميتها الإِجتماعية ووجوبها الشرعي. وإني مقتنع تماماً أنها قضية المسلمين الكبرى وهي أمر شرعي « واجب لا خلاف فيه ولا شك. والمسلمون آثمون مالم [ يقيموها ] كباقي الفروض الشرعية الأخرىٰ » يقول تعالىٰ :

( وَإذْ قَالَ رِبُّكَ للملائكة إِنّي جَاعِلٌ في الأَرْضِ خَليفَةً. قَالُوا أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسد قِيهَا وَيَسْفِك الدِمَاءَ وَنَحْنُ نُسَبِحُ بَحْمِدكَ وَنُقَدِسُ لَكَ. قَالَ إِني أَعْلَمُ مَالَا تَعْلَمُونَ) البقرة : 30.

فالعلوم من حيث بنيتها الإِجتماعية وتكوينها البنيوي هي مؤسسات إجتماعية بل هي نتاج إجتماعي يعكس النمو الفكري و الثقافي والحضاري لمجتمع ما. وبالتالي فالعلوم هي إنعكاس ومقياس في نفس الوقت لذلك فهي أكثر تأثراً بالحياة الإِجتماعية والسياسية سلباً وإيجاباً ومن ثم فهي أسرع إندثاراً من غيرها نظراً لعدم صلابة بنيتها الذاتية. بناء علىٰ ذلك فإن مجتمعاً معيناً غير مستعد نفسياً وإجتماعياً وثقافياً وبنيوياً علىٰ إنتاج وإيجاد ما يحتاج إليه من العلوم فهو بالضرورة غير مستعد لتقبل وإستقبال علوم وأنماط فكرية وتصوراً نفسياً وإجتماعياً عن بيئات إجتماعية مختلفة كلية عن طموحاته وآلامه وآماله. وعليه فالعلوم التي لا تبلي حاجيات الأمة الضرورية خاصة القيمية والرمزية منها, تعتبر من باب « علم لا ينفع ».

الذي أريد قوله, هو أن علم الإجتماع الإِسلامي يجب أن يكون نابعاً من مشاكل الأمة الإِجتماعية, لكن قبل ذلك وبعد ذلك, فالعلوم الإِسلامية تختلف عن باقي العلوم الأخرىٰ من حيث هي تهدف أساساً إلىٰ معرفة إرادة الله كما هي واضحة في القرآن الكريم, وعلم الإِجتماع هو واحد من بينها, وإن اختلف عنها من حيث دوره ووظيفته وغايته, فهو أصلاً علم شمولي, أي يهتم بكل المجتمع وكل نشاطاته ومؤسساته, وخاصة العلاقات الإِجتماعية, سواء بين الأفراد أو بين الجماعات . ومهمته هي بالدرجة الأولىٰ تحليل وفهم العلاقات والمؤسسات الإِجتماعية, وبالضبط مدىٰ  تفاعلها داخل إطار معقد حيوي, ولكنه ليس فوق استراتيجية الفهم الإِنساني. ومن ثم فإن إيجاد علم إسلامي يهتم بالمجتمع وقضاياه أكثر من ضروري, بل هو واجب, نظراً للقدرة الذاتية الهائلة التي يتوفر عليها علم الإِجتماع من حيث هو ونظراً لبنيته المعرفية الخاصة به, والتي تؤهله للقيام بوظيفة إعادة بناء بنىٰ الأمة الإِجتماعية المفككة والمتآكلة إن لم أقل الهشة.

لكل أمة خصائص تميزها عن سواها, وأهم خاصية تمتاز بها الأمة الإِسلامية هي التوحيد والإِيمان, وكل المميزات الأخرىٰ هي نتيجة منطقية وتطبيقات فكرية وعملية وإجتماعية, يقول سبحانه وتعالىٰ : (فِاعْلَمْ أَنَّهُ لَا إلَهَ إلاَّ الله وَاسْتَغْفِرْ لِذَنْبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالمُؤْمِنَاتِ. وَالله يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُم).

فالله سبحانه وتعالىٰ واحد أحد هو الخالق الرازق يتصرف في ملكه كما يشاء, له الملك وله الحمد, ووحدة الناس والقوانين الطبيعية والإِجتماعية كلها من تدبيره. صحيح أن الإِنسان حر مسؤول ولكن حريته هبة من عند الله وإبتلاء في نفس الوقت, وهذه الحرية هي أحد عناصر تكريم الإِنسان وتبعاته تنوء بحملها الجبال. إلا أن هذه الحرية قد تغري الإِنسان والمجتمعات فتطغي وتتجبر, وتعتقد أن الإِنسان بإمكانه منافسة العلي القدير, ومن ذلك نرىٰ المجتمعات والشعوب الضالة تكفر بالله وبشرعيته, وتزعم أن لا سلطان فوق سلطان العقل, وهنا تأتي خاصية أخرى للأمة الإِسلامية, وهي إعترافها وإقرارها بالوحي, وفي نفس الوقت لا تنكر قيمة العقل بنص القرآن الكريم. لكن العقل بدون وحي قاصر إن لم يكن باطلا.

فالعقل وحده لا يكفي وإن كان ضرورياً, بينما الوحي كافٍ وحده, وإن كان لابد من عقل لفهمه وتدبره واكتشاف أغواره التي لا تنضب, فالمشكل الحقيقي الذي علىٰ الأمة حله هو تمسكها بالشرع والخضوعله في كل شئ, مع إستغلال طاقات وقدرات العقل البشري, إذ في النهاية لا تناقض بين الوحي والعقل, بالرغم من أنه لا مجال للموازنة بينهما, لأن لا فلاح بدونهما. فالإِيمان مع الجهل ناقص ضرورةً بحكم الشرع, ولكن يجب أن يكون واضحاً أن العقل له حيل معروفة عند الفلاسفة, قد تستغل من طرف بعض الناس للإدعاء كذباً أن لا طاقة تفوق طاقة العقل, هذا شيء مرفوض, لأن العقل وسيلة أو آلة من بين وسائل متعددة يمكنها أن تقود الإِنسان إلىٰ المعرفة, بينما الشرع أو الوحي يعصم الإِنسان من الزلل وخاصة الإِبتعاد عن الشرك ـــ الظلم. لأن الشرك له تبعات إجتماعية خطيرة للغاية. فدور علم الإِجتماع الإِسلامي هنا توضيح ما هو أساسي: التوحيد : فلنظام الإِجتماعي الإِسلامي لا يشبهه أي نظام, ولكن قول هذه الحقيقة أصبح لا يكفي, نظراً لما تعرضت له الأمة من إكتساحات فكرية حضارية وإجتماعية, أصبح معها النظام الإِسلامي مبلبلا, غير واضح أحياناً, حتي بالنسبة لأبناء الأمة المتلزمين, وذلك ناتج عن هجوم الحضارة المادية بنظمها الفكرية والتكنولوجية, وخاصة إنتصاراتها العلمية الباهرة حقاً في شتىٰ الميادين.

كل هذه الثورات الفكرية والإِجتماعية والعلمية التي حققها الغرب, ليست وليدة صدفة, بل هي تعبيرعن طاقات الفكر البشري المبدعة, و تحقيق لمبدأ عام هو أن الطبيعة كتاب مفتوح للجميع وليست مقصورة علىٰ « أمة » بعينها, لأنها مؤمنة ولا تشرك بالله. فالقوانين الإِلهية لا تتخلف وسنن الله في الطبيعة والإِنسان والكون لا تتبدل ولا تتغير, ولكن الذي دائماً هو إدراك الإِنسان لها. فالإِنسان مقيد بالزمان والمكان, والبنىٰ الإِجتماعية والثقافية, ولذلك قد يبدو أن الحقائق الكونية مختلفة تماماً, ولكن الذي يختلف في الواقع هو قدرة الإِنسان علىٰ النفاذ إلىٰ أغوارها حسب مكوناته الفكرية والعقلية, وبالتالي فإن الحقيقة قد تظهر حقائق والقانون قد يظهر قوانين, وإن كانت الثورات العلمية المعاصرة التي أحدثتها الفيزياء والبيولوجيا, وهي لاتزال في بدايتها ـــ من جهة, والعلوم الإِجتماعية والإِنسانية من جهة أخرىٰ ـــ وهي أيضاً لا تزال في البدايات ـــ أخذت تصحح تلك التطرفات المنحازة لتخصص دون غيره وإعتباره عاملاً حاسماً في تكوين ظاهرة معينة. ومن ثم فالحقيقة واحدة مهما تعددت وسائل فهمها وتفسيرها. لكن يجب أن أشير إلىٰ أن النظم الإِجتماعية, وإن توحدت القوانين التي تسيرها, فهي تختلف من مجتمع صناعي مادي إلىٰ مجتمع مختلف إقتصادياً وتكنولوجياً, إلىٰ مجتمع إستهلاكي لإِنتاج غيره, كما هو الحال في البلدان العربية الإِسلامية. تكاد تستهلك حتىٰ الأفكار, فهي لا تنتج أي شيء إنما تعيش علىٰ موائد الآخرين..

حاولت أن أبرز بعض معالم ووظائف علم إجتماع إسلامي, وفي الختام أود أن أركز البحث علي بعض المحاور الهامة والأساسية التي لابد لهذا التخصص, كما لتخصصات أخرىٰ الإِهتمام بها والتركيز عليها تركيزاً كبيراً.

إن أهمية علم الإِجتماع الإِسلامي تمكن في كونه واقعياً, أي أنه يصف الظواهر كما هي لا كما ينبغي أن تكون, وإذا استطاع تشريح المجتمع تشريحاً واقعياً علمياً, يمكنه حينئذ أن يواجه الأفراد والمؤسسات الإِجتماعية توجيهاً معيناً, بحيث ينطبق السلوك مع الإِعتقاد والمباديء الكلية للإِسلام.

والعلم الإِجتماعي المسلم, مهمته شائكة وخطيرة للغاية. فهو من جهة قد يقع بسهولة في انفصام الشخصية, بمعنىٰ أنه سوسيولوجي ( مادي ) في تحاليله وتفاسيره ودراساته, ومسلم في بيته أو في المسجد. أي أن دراسته في واد وهي الأهم, وحياته الثانوية في واد آخر, وهذا معناه أن لا تواصل بين الفكر والواقع والمخيلة الإِجتماعية, فالقطيعة تامة, وعميقة وهذا يفسر إلىٰ حد بعيد مدىٰ غياب الرؤية الإِسلامية الصحيحة في الأعمال الجامعية المكتوبة من قبل مسلمين. يضاف إلىٰ ذلك عامل طغيان المذهب المادي في العلوم الإِجتماعية, وعلم الإِجتماع بالذات مما أدىٰ بهذه العلوم إلىٰ أن تصبح علوماً أيديولوجية تخدم استراتيجيات معينة, ذلك ما يفسر أزمة العلوم الإِجتماعية الغربية في العشر سنوات الأخيرة.

يبقىٰ أن علم الإِجتماع الإِسلامي ليس علماً إجتماعياً غربياً مكرراً, أو علىٰ الأصح مبتذلاً ولقيطاً. فخصوصية علم الإِجتماع الإِسلامي, هي قبله لكل التصورات والنظريات الغربية حول المجتمع كما أن هدفه أو أهدافه تكمن في كونه علماً يهتم بقضايا الأمة, وليس علماً يهتم بمصالح طبقة أو قبيلة, والطبقة هنا قد تعني دولة أو دولاً كالرأسمالية أو الشيوعية, والقبيلة تعني الأحزاب السياسية لأن العنصر الحاسم عند شعوب الأمة هو التوحيد والوحدة, مع الأخوة والنهضة والعدل طبقاً للمباديء الإسلامية.

وعلم الإِجتماع الإِسلامي لا يمكن أن يكون إجرائياً إلا إذا طور تخصصات فرعية مكملة ومغذية له وأهمها :

1ـــ علم إجتماع ديني, يهتم بقياس ممارسة الناس وإلتزامهم بمباديء الإِسلام ومدى فهمهم للتصورات الإِسلامية. وكذلك تحليل المؤسسات الإِجتماعية, كالطرق الصوفية والفرق المنحرفة, وإيضاح كل ذلك وضعاً وإحصاءً. وهذا فرع هام جداً.

2ـــ علم إجتماع الخلافة, وهدفه أولاً التركيز علىٰ أن نظام الحكم في الإِسلام هو الخلافة وهي قضية كبرىٰ, تعرضت لكثير من الكثير من التأويلات تاخاطئة الضالة وكذلك معالجتها علاجاً علمياً إجتماعياً خالياً من الأهواء والمصالح الدنيوية الفانه وتوضيح معاني البيعة ومعاني الخلافة وكل الأمور الشرعية التي تتطلبها إقامة تاخلافة من جديد. ولا بأس هنا من التركيز علىٰ عنصر أساسي, وهو أنه بدون استرجاع الخلافة, وبالتالي توحيد الأمة وتوحيد أهدافها ومشاريعها السياسية والاقتصادية والعمرانية والعلمية, فإنه يصعب بل يستحيل إقامة الأمور الأخرىٰ كما يجب.

هذان رافدان لابد منهما لتغذية وتكميل علم الإِجتماع الإِسلامي, كما أنهما حقلان لابد من إعطائهما كل ما يستحقان من عناية, لأن البعد الإِجتماعي للإِسلام هام جداً, ولكنه لايزال غير مدروس إن لم أقل غير معروف, علىٰ الأقل لدىٰ أغلبية المثقفين والباحثين, لأسباب أيديولوجية وسياسية.

ويبقىٰ في النهاية أهم شيء في كل نشاط فكري وهو العطاء المعرفي والثورة الثقافية, التي يمكن إحداثها بواسطة أطر ومناهج هذا الفكر النظري. الحقيقة أنه يمكن القول إن أهمية علم الإِجتماع الإِسلامي تمكن في كونه يهتم أصلاً بالبنىٰ والأطر الإِجتماعية وكذالك أبعاد الفكر الإِسلامي. ومن ثم فمساهماتة أساسية ولكنها لا تكفي وحدها, خصوصاً وأن معهداً أو جامعة تكون هي القاعدة التي تشرف وتجرب ما يتم أنتاحه من بحوث ونظريات غير متوفرة حتىٰ الآن. بالإِضافة إلىٰ أن الطلبة والأساتذة المهتمين بإسلامية العلوم الإجتماعية هم قلة قليلة.

طبعاً هذا لا يمنع من أن دور علم الإِجتماع الإِسلامي ووظيفته كما أتصورها وأعمل علىٰ نشرها, لايزالان في المرحلة البدائية, وحتىٰ الآن إذا استثنينا الجهود المشكورة التي يقوم بها المعهد العالمي للفكر الإِسلامي, فلا يوجد أي معهد آخر أو جماعة من الباحثين يهتمون بالموضوع إهتماماً جدياً. بالإِضافة إلىٰ ذلك حتىٰ الجهود إن وجدت فهي متفرقة وفردية وبالتالي ضائعة.

الذي ينبغي التأكيد عليه, هو أن دور علم الإِجتماع الإِسلامي, ليس فقط في تكامل المعرفة الإِسلامية, بل في تعميقها وإعطائها النفس الجديد الذي هي في حاجة إليه, دور أساسي وحاسم. إذ طبيعه علم الإِجتماع نفسها تحتم أن يكون علماً نقدياً متحركاً, عاملاً علىٰ تعرية الآليات التي تتحكم في سير البنىٰ الإِجتماعية. كما أنه يفضح الأيديولوحيات بإظهار جذورها, وإن كان استُعمل في الغرب لتبرير أيديولوجيات وفلسفات معينة. ولكن هذا لا يعني أبداً أن علم الإِجتماع هو المفتاح السحري لكل شيء. فهو واحد من بين كل العلوم الإِجتماعية, التي يجب الإِهتمام بها من طرف الإِسلاميين, وإن كانت مساهماته هامة, فهي تبني بدون فائدة إذا لم توجد البيئة الإِجتماعية والنفسية التي تساعد علىٰ فعاليته.

الهوامـــش

1 ــ أذكر علىٰ سبيل المثال د. عبدالحميد أبو سليمان, «إسلامية المعرفة», المسلم المعاصر, ع 31 ص ص 19 ـــ 45, ود. اسماعيل راجي الفاروقي, «أسلمة المعرفة», المسلم المعاصر, ع 32 .ـــ ص ص 9 ـــ 23 … بالإِضافة إلىٰ ما نشره المعهد العالمي للفكر الإِسلامي.

2 ــ المقصود بذلك أولئك الذين ولدوا مسلمين, ولا يلتزمون بالإِسلام, ولم يعلنوا إرتدادهم أو كفرهم .. ألخ.

3 – al- Faruqi, Isma‘il Raji, Tawhid : Its Implication For Thought and Life, I.I.I.T., 1982 PP. 98 – 169.

4– al – Atas, Syed Hussein, «Les Difficultés de difinir la Religion» R.I.S.S, Vol. xxix No. 2, 1977 UNESCO, p.253.

5 – CF.Szacki, Jerzy, «Reflections sur L’histoire de la sociologie» R.I.S.S., Vol. XXXII. No. 2, 1981. PP. 111 – 124.

6 – Bourdieu, Piere, Functions de sociologie, Paris, 1980 P. 79.

7- Rodinson, Maxime, «Islam, Facteur de conservatism au de progreś» Pouvoirs, No. 4 nouvelle edition, 1983, pp. 27 – 32.

8- Abel, Theodore, «L’avenir de la thiorie sociologique» R.I.S.S.S sp.cit., p. 242.

9 ـــ علىٰ سبيل المثال د. عبد الباسط عبد المعطي, إتجاهات نظرية في علم الإِجتماع, سلسلة عالم المعرفة 44 (8/ 1981 م) خاصة ص 293 وما بعدها حيث يدعو إلىٰ علم إجتماع قومي.

10 – Arkoun, Mohamad, Lectures de Cor‘an, Paris, 1983 pp. 27 – 40.

11 ــ حول الفرق الأساسي بين اليهودية والمسيحية والإِسلام, أنظر: د. الفاروقي, «الإِسلام في القرن المقبل». المسلم المعاصر, ع 38 ص 10.

12 – Arkoun, Mohamad, «pour une Islamologie appliqueé» La Mal de Voir, paris, 1976 p. 277.

13 ــ الإِمام الشاطبي, الإِعتصام, دار المعرفة, بيروت, ج 1 ص 47.

14 – Fenn, Richard k.,«Religion» R.I.S.S., UNESCO, vol. XXXIII (1981) No. 2p. 311.

15 ـــ النبهاني, تقي الدين, الخلافة ص 3.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر