أبحاث

الإسلام كأيدولوجية

العدد 34

المحاضرة

سوف اتحدث اليوم عن حياة, وأفكار وتأثير الفقيد على شريعتي الذي يمكننا أن نصفه باختصار بأنه واضع النظريات الرئيسية للثورة الاسلامية الايرانية.

واذا كانت الثورة وبصفة عامة سارت تحت قيادة علماء الشيعة, بصفة رئيسية آية الله الخميني وقامت على اساس سلسلة طويلة من التقاليد, فانها مع ذلك تغد إلى حد كبير من عمل الدكتور شريعتي الذي أعد عددا كبيرا من طبقة الشباب المثقف في ايران لقبول واتباع قيادة آية الله الخميني بأسلوب يتسم بالولاء والشجاعة. وبالرغم من أن الدكتور شريعتي في جميع مؤلفاته العديدة, لم يشر أبدا بشكل مباشر الى المشاكل السياسية والاجتماعية والاقتصادية في ايران المعاصرة وبالرغم من ان استشهاده في المنفى في انجلترا في شهر يوليه عام 1977 قد حدث قبل الثورة, فإنه يجب ان يعتبر واحدا من الشخصيات الرئيسية في الثورة, بلي آية الله الخميني.

وقبل أن ندرس شخصية شريعتي, ومضمون فكره وطبيعة تأثيره, لعله يكون من المفيد أن نبدأ بالخلفية التاريخية للفكر الاسلامي المعاصرة في ايران.

ان الخلفية التاريخية للفكر الاسلامي المعاصر في ايران تعد حديثة نسبيا, ولا تستطيع بأية حال ان تتنافس مع تقاليد علماء الشيعة الراسخة على مدى قرون عديدة باعتبارها مؤسسة وتقليدا في القيادة السياسية في ايران. وفي الحقيقة, إنه يمكننا القول أن أحد الأسباب الرئيسية لندرة المفكرين الاسلاميين العصريين في ايران نسبيا يتمثل بالتحديد في القيادة التي تتم ممارستها بواسطة علماء الشيعة. ففي حين ان العلماء في البلدان الاسلامية الأخرى فقدوا مركزهم الاجتماعي والثقافي بشكل تدريخي, حتى تمكن الأشخاص الآخرون من خارج المؤسسات التقليدية ان يتقدموا لاتخاذ مهمة إعادة تشكيل الاسلام بأسلوب يتلاءم مع الحياة المعاصرة, فإن الأمر لم يكن كذلك في ايران. ان ما احاول البرهنة عليه هو ان علماء الشيعة يحافظون على دورهم بأسلوب ليس له مثيل في أى جزء آخر من العالم الاسلامي. وهذا الذي يشبه الاحتكار من العلماء فيما يتعلق بإتجاه الشعور الديني والتعبير عنه قد أدى بالطبع الى العمل ضد ظهور شخصيات في ايران تأتي من خلفية ثقافية واجتماعية مختلفة عن خلفية العلماء وتكون في نفس الوقت مكرسة تماما للاسلام وذلك هو السبب في اننا لا نرى في ايران على سبيل المثال – اي شخصية مثل إقبال الذي ظهر في شبه القارة الهندية الباكستانية, أو مثل أي من المفكرين العصريين المعروفين جيدا في العالم العربي واندونيسيا.

نحن لم نشهد بداية تطور اسلامي في الفكر والتعبير الذي يعد منفصلا عن الاهتمامات التقليدية ومؤسسة علماء الشيعة حتى فترة ما بعد الحرب.

لقد ظهرت في جامعة طهران الجماعة الاسلامية للطلبة, التي كانت تعد مجرد اتحاد طلبة ولكن انشغالها كان يتمثل في نشر الاسلام بأسلوب معاصر. وكان هدفها هو جذب طبقة الشباب, خاصة هؤلاء الذين خضعوا للتعليم غير الديني في نظام رضا خان ونجد الآن ان كثيرا من الشخصيات المعروفة في جميع انحاء العالم بإتصالها بالثورة والحكومة المؤقتة, كانوا قد حصلوا على ارتباطهم الأول بالشئون الاسلامية بالتحديد في تلك الجماعة الاسلامية للطلبة بجامعة طهران, تلك التي تم تأسيسها خلال الحرب العالمية الثانية وبعدها مباشرة. وعلي سبيل المثال, نجد ان المهندس مهدي بارزجان, ( الذي كان رئيسا لوزراء الحكومة الثورية المؤقته), كان واحدا من قادتها البارزين وحتى خارج إطار ذلك التنظيم, يجب أن يعتبر بازرجان من أوائل ومن أكثر مؤيدي الأفكار الاسلامية في أسلوب عصري قبل الدكتور شريعتي ذاته, وكما يشير لقبة المهندس فقد حاز على ثقافة علمية في الخارج, وفي نفس الوقت كان ذا علم راسخ في الموضوعات الاسلامية. ويجمع هذين المجالين الهامين من الخبرة, كتب عددا كبيرا من الكتب مؤكدا عددا من الأمور. فكان كتابه الأول يتحدث عن الانسجام التام بين الاسلام وبين الاستنتاجات المعترف بها للعلوم الحديثة, وإمكانية تطبيق الاسلام بالنسبة للمشاكل الاجتماعية والسياسية المعاصرة, وحقيقة أن الاسلام أسلوب شامل للحياة يخاطب جميع طبقات المجتمع. لقد قام بتقديم تلك الأفكار في عدد كبير من الكتب. ونستطيع ان نقدم مثلا لأسلوب فكره, فنذكر واحدا من كتبه, تحت عنوان مطهرات دار الاسلام, حول أساليب الوضوء والنظافة الشخصية في الاسلام, الذي برهن فيه بكثير من التفاصيل, ليس على الفائدة الروحية فحسب ولكن على الفائدة الصحية والبيولوجية لجميع نصوص الاسلام في هذا الصدد أيضا.

ولقد سار على نمط بازرجان عدد كبير من الكتاب الآخرين, الذين كانوا – كل بإسلوبه – يتبعون تقريبا نفس النمط الفكري, وقد ابتدأوا في الكتابة عن الموضوعات الاسلامية في أسلوب عصري بطريقة تهدف الى كسب ولاء الذين تلقوا تعليما غير ديني. ولكن بازرجان أو أي من الأشخاص الآخرين الذين ساروا في أعقابه لم يستطيعوا أن يمارسوا نفوذا يقارن بنفوذ الفقيد الدكتور شريعتي الذي سوف يعتبره المؤرخون المقبلون في ايران بدون شك, هو وآية الله الخميني, من الشخصيات المثمرة في تاريخ الثورة الاسلامية. وأعتقد أنه من العدل أن نتقول أنه حالما تتم معرفة الأبعاد الشاملة لأعماله فسوف يعتبر واحدا من المفكرين المسلمين الرئيسيين في القرن الحالي, بالنسبة لمدى وعمق فكره بشكل بعد على الأقل متساويا, لو لم يكن اسمى, من أى من الأسماء الأخرى المعروفة بالفعل لدى المسلمين.

لقد ولد الدكتور شريعتي عام 1933 في قرية تسمى مازينان في القسم الشرقي من إيران, في اقليم صحرواي يعرف باسم الكافير. ولد في عائلة غرفت على مدى عديد من الأجيال برعايتها للعلوم الدينية. وفي واحد من كتبه البارعة, كتب سيرة مفصلة لحياته المبكرة في القرية وبصفة خاصة عن التأثير العظيم لوالده بالنسبة له, وهو محمد تقي شريعتي, الذي لا يزال على قيد الحياة حتى كتابة هذا البحث. وفي سن مبكرة رحل الدكتور شريعتي مع والده الى مشهد, حيث اتخذ والده المسئولية لتدريس المواضيع الدينية. ولقد استكمل (( علي )) أيضا تعليمه هناك, أولا تحت ارشاد والده ثم بعد ذلك تحت ارشاد القادة الدينيين أيضا في مشهد, التي تعد المركز الرئيسي الثاني للتعليم الديني في ايران بعد قم.

وقد اهتم في سن مبكرة للغاية يتجاوز الأمور التقليدية, وعلى الأساس الراسخ للتعليم والتقوي الذي نقله اليه والده وغيره من المعلمين استمر في التفرع في اتجاهات جديدة والحصول على اهتمامات جديدة وقد كانت الثمرة الآولى لاهتهاماته هي الترجمة من العربية الى الفارسية حينما كان منشغلا في كتاب عن أبي ذر الغفاري بقلم مؤلف عربي, وهو عبد الحميد جوده السحار, الذي قدم صورة ابي ذر الغفاري باعتباره مناضلا ضد الانحراف الذي ألحق بالمثل الأعلى الاسلامي في العصر الأموي ورائدا لما يعرف طبقا للشيعة بالنضال الخالد للعدالة ضد الظلم.

ولقد كان اهتمام الدكتور شريعتي بأبي ذر الغفاري شيئا دائما طوال حياته, ولقد اصبح أبو ذر الغفاري نموذجا للشخصية الاسلامية المتكاملة, ودائما ما كانت تتم الاشارة اليه في اعمال الدكتور شريعتي. والتحق الدكتور شريعتي بالكلية التدريبية للمعلمين المنشأة حديثا في مشهد لمتابعة  دراساته, وهنا أيضا لم يقصر نفسه على الناحية التقليدية بل على العكس قرأ بتوسع شديد وابتدأ في دراسة الفرنسية وغيرها من اللغات الغربية, ولقد كان ترتيبه الاول في نهاية دراسته, فأرسلته الحكومة بعد ذلك للدراسة بفرنسا لفترة من الزمان يمكن اعتبارها المرحلة التكوينية الثانية في حياته. فلقد قضي مدة خمس سنوات في باريس, قام خلالها  ليس باستكمال دراسته الاساسية في علم الاجتماع فحسب, بل انه ايضا اقام الاتصال مع نوعية واسعة من الدوائر الثقافية والسياسية. وعلى سبيل المثال, كانت له روابط وثيقة للغاية مع بعض قادة جبهة التحربر الوطنية للجزائر في المنفى, ولقد ساهم في تنظيمهم بكتابة بعض المقالات بالفرنسية. وفي اطار ارتباطه مع قادة الثورة الجزائرية ايضا تعرف على اعمال فرانز فانون, مؤيد الثورة الجزائرية, والمشترك فيها. ولقد تعلم منه أفكار العزلة الثقافية, والتدمير النفسي الذي يؤدي اليه والافراط في الاستعمار, ولقد ترجم الى الفارسية للمرة الأولى عددا من المقتطفات من اعمال فانون وقد اثار الاهتمام بأعماله, التي لازالت حية في ايران. وقد تمت الآن ترجمة معظم اعمال فانون الى الفارسية.

وبالاضافة الى تلك الاتصالات مع الثورة الجزائرية, كان للدكتور شريعتي ايضا دائرة واسعة من الاتصالات مع بعض المناضلين العرب والافريقيين وبعض الباحثين في فرنسا الذين يعملون جميعا من اجل النضال ضد الاستعمار. كل هذا نمى لديه اهتماما, ليس نظريا بل عمليا ايضا, بمشكلة الواحدة, اى وحدة العمل الى جانب وحدة الشعور, وبين ايران وبقية العالم الاسلامي ثم افريقيا والعالم الثالث بصفة عامة.

وفيما يتعلق بالاتصالات الثقافية والاكاديمية المحضة, نستطيع القول انه عندما كان في فرنسا تعرف شخصيا على المستشرق الفرنسي لويس ماسينيون ودرس تحت ارشاده وكذلك جميع الباحثين الرئيسسيين في علم الاجتماع الأوربي المعاصر, كما قام ايضا بدراسة عميقة وموضوعية للماركسية. وهى دراسة تتسم بالأهمية العظيمة وذلك لسببين أولا: أنها كانت على أساس المعرفة وليس مجرد العداء والخوف الامر الذي أهله أن يقوم بإنتاج واحد من أقوى الانتقادات للماركسية واكثرها تماسكا وعمقا حيث قام بكتابتها شخص مسلم. ثانيا: أن هذه المجادلة مع الماركسية شأن المجادلة أو المناقشة مع أي رأي معارض, تركت انطباعا معينا على أعمال وأفكار الدكتور شريعتي ذاته, ليس بمعنى أنه قد تشرب أيا من الافكار الماركسية, التى دحضها تماما, ولكن بمعنى مواجهته دراسة مشاكل معينة في مواجهة الماركسية المياليكتيكية حتى يتمكن من دحضها بشكل تام.

وبصرف النظر عن تلك الاتصالات المتنوعة مع القادة العرب والافريقيين في فرنسا ومع الدوائر الثقافية الفرنسية, فإنه كان ايضا مرتبطا الى حد كبير بالشئوون السياسية لايران في المنفى. وقبل مغادراته ايران كان مرتبطا الى حد كبير بحركة تعرف باسم حركة الاشتراكيين المتقين وهي واحدة من التنظيمات الرئيسية. وكلمة الاشتراكية في ذلك التنظيم تعتبر دليلا على قوة الجاذبية التي كانت في ايران في ذلك الوقت للأفكار السائدة في العالم العربي عن (( الاشتراكية الاسلامية)).

وبعد انتهاء دراسته في فرنسا, عاد الى ايران وتم اعتقاله مباشرة عند عبوره الحدود من تركيا وحيل بينه وبين عائلته دون ان يمنح فرصة لرؤية والده. حدث ذلك عام 1964م, وهذا الاعتقال الأول للدكتور شريعتي قد أوضح أن النظام الحاكم كان مدركا تماما, أنه كان معارضا رئيسيا ليس مجرد نشاطه السياسي في الخارج, والذي كان شيئا عاديا بين الطلبة الايرانيين, سواء في أوربا أو أمريكا, ولكن بسبب الدور القيادي الذي قام به وبسبب البعد الثقافي لفكره ونشاطه, ذلك البعد الذي تعدى كثيرا الاهتياج المعتاد والتركيز على المظاهرات والصياح بالشعارات الذي كان سائدا بين المعارضة الايرانية في الخارج. وبعد أن أطلق سراحه من السجن ومنع الحصول على أي مركز تدريسي يتلاءم مع قدراته ومؤهلاته, سمح له فقط أن يعمل بالتدريس في عدد من المدراس الثانوية وبعد ذلك سمح له بتدريس العلوم الثقافية بكلية الزراعة. وبعد قضائه فترة في ذلك النشاط – سواء كان ذلك نتيجة لحظأ اداري او لسبب اخر تمكن من الحصول على مركز تدريسي في قسم الاجتماع بجامعة مشهد, وسرعان ما اكتسب عددا ضخما ًمن الأنصار, حتى أن محاضراته لم يكن يحضرها فقط طلبة ذلك القسم, بل كان يحضرها آخرون من أقسام أخرى بالجامعة. كان ذلك بسبب الأسلوب الذي اتبعه في تدريسه والذي رفض أن يقصره على الأمور المعتادة في الحياة الأكاديمية بل حاول بمقتضاه استبعاد فكرة أن يكون علم الاجتماع متحرراً من القيم وغير ملتزم بها.

وقد أوضح منذ البداية الأولى أن علم الاجتماع, سواء أقروا بذلك أم لا, يعد نتاجا لوجهة نظر حياتيه, وولاءات والتزامات معينة, سواء تم ذكرها أو لا كما أوضح أن علم الاجتماع الخاص به كان يتسم بالالتزام ويستنبط قيمة من الاسلام وكان هدفه من ذلك هو تفهيم الحقيقة المعاصرة للمجتمع الاسلامي الايراني وتغيير ذلك المجتمع واصلاحه.

وكذلك فليس من الغريب أنهم سرعان ما مارسوا الضغط عليه لاجباره لترك الجامعة, ولكن ذلك بدلا من أن بضع حدا لنفوذه فقد كان ذلك مقدمة لأكثر مراحل حياته تأثيرا واثمارا. بعد منعه من أي تعيين اكاديمي رسمي ابتداءً في القاء عدد كبير من المحاضرات في المعاهد المختلفة عبر ايران. ودائما ما كانت توجه له الدعوة من الطلبة في الكليات والجامعات المختلفة في جميع أنحاء ايران لكنه قد ركز نشاطه في مؤسسة للتعليم الديني في طهران تعرف باسم (( حسينية – إي – إرشاد )) ويدل الجزء الأول من هذا الاسم من الناحية التقليدية على أن هذه المؤسسة أو ذلك المكان تروي فيه قصص معاناة واستشهاد الامام الحسين ويكون معداََ لاحياء ذكرى تلك المعاناه والاستشهاد. ولعل ذلك يشير الى الهداف العاطفي المحض منها, ولكن اضافة كلمة ارشاد, قد أوضحت أن ذلك الهدف لم يكن مجرد الاشباع العاطفي وذرف الدموع مرة في العام خلال شهر محرم. ولكنه كان أكثر فعاليه من ذلك, كمنبر للارشاد الهادف الى التغيير في شؤون المجتمع.

واستمر القاء المحاضرات الرئيسية للدكتور شريعتي في تلك المؤسسات وهنا مرة أخرى اجتذب عددا ضخما من المستمعين عندما قدم جميع الموضوعات المميزة لفلسفته ووجهة نظرة – التي سوف أحاول ان ألخصها – كان أيضا يتنقل في جميع أنحاء بلده بشكل منتظم ملقيا المحاضرات.

ولقد تم تسجيل وتدوين نصوص عدد من تلك المحاضرات ان لم تكن جميعها, وتداولها الناس في شكل كتب, كان ذلك هو الأسلوب الذي استقبلت به تعاليم ومحاضرات الدكتور شريعتي الى أن أغلقت ( الحسينية – أي – إرشاد ) في الحال وتم اعتقاله ثانية وتعرضه للتعذيب الذي كان شيئا مألوفا في نظام (( بهلوي )) بالنسبة لجميع السجناء السياسيين. وعندما أطلق سراحه كان من المعروف انه سوف يذهب الى المنفى. وقبل أن يتوجه الى الخارج, حاول النظام الايراني تشوية سمعته عن طريق واحدة من الحيل الماكرة التي كثيرا ما استخدامها. فبعد اطلاق سراحه بوقت قليل, وبدون معرفته أو اذنه, قاموا بنشر مقالته النقدية عن الماركسية في واحدة من الصحف اليومية الرئيسية في شكل سلسلة من المقالات, ذلك النقد الذي تمت ترجمته الآن الى الأنجليزية تحت عنوان الماركسية وغيرها من الافكار الغيبة الخاطئة – مقالة نقدية اسلامية, وبالرغم من أن نص المحاضرات كان صحيحا الا أن ظروف نشرها كان من الواضح أن الحكومة تهدف بمقتضاها أن توحي قد قبل التعاون مع النظام كشرط لاطلاق سراحه. ومثل تلك التعهدات كان في الواقع يقدمها عدد من الأشخاص المعارضين الآخرين الذين كانوا تحت الاحتجاز بدرجات مختلفة, حتى أنهم بعد إطلاق سراحهم كانوا يلتزمون الصمت أو يتعاونون مع النظام ولقد أمل النظام, بمقتضى نشر ذلك المقالات أن يعطي الانطباع أن الدكتور شريعتي قد فعل نفس الشئ.

احتج الدكتور شريعتي ولجأ الى القانون, ولكن بدون جدوى, ثم اضطر بعد ذلك أن يرحل الى المنفى تاركا عائلته, بأمل أنهم سرعان ما يلحقوا به وقد وصل الى انجلتر ومات بإنجلتر في يوليه عام 1977م في ظروف لم يتم توضيحها تماما ولكنها كانت توحي بالشك بأنه اغتيل بواسطة قوى الأمن الايرانية في ذلك الوقت. واعتقد أن تقرير المحقق عن الوفاة والذي صدر في ذلك الوقت لم يذكر أية اسباب غير طبيعية, ولكن وفاته الفجائية قد اثارت شكوكا لا يمكن محوها. وفوق ذلك, نحن نعرف ان واحدا من ابناء آية الله الخميني, وهو مصطفى, قد توفى أيضا بأسلوب فجائي وغامض, ذلك الاسلوب الذي لا يترك لدينا مجالا لاستنتاج منطقي سوى ان ذلك كان من تدبير قوى الأمن الايرانية وحتى اذا كان الامر لا يتعلق بالاغتيال سواء عن طريق السم أو غيره, فان على شريعتي قد عانى طويلا على يد قوى الأمن الايرانية وأرسل الى المنفى على ايديهم وتوفي هناك, ومن ثم فهو يستحق تماما لقب الشهيد الذي اضفاه عليه الشعب الايراني.

سوف انتقل الان لبعض النقاط الرئيسية في اعماله. واذا حاولنا تلخيص انجازات الدكتور شريعتي في عبارة واحدة فإننا نقول انه قد قدم الاسلام ليس باعتباره دينا بالمعنى الشائع لدى الغرب – إي , كمسألة روحية وأخلاقية تتعلق فقط أو بصفة رئيسية بعلاقات الفرد مع خالقه – بل اعتباره ايديولوجية – أي رؤية شاملة للعالم والحقيقة – وخطة لتفجير إمكانيات البشر, على كل من المستوى الفردي والجماعي, بأسلوب يؤدي الى تحقيق الهدف الشامل من وجود الانسان. واذا حاولنا ان نصف الاسلام وصفا آخر تحت اي مفهوم تفرزه انماط الفكر واللغة الغربية, فان النتيجة من المحتم سوف تكون غير كاملة. وبنفس الاسلوب مثلما يعد اصطلاح الدين عندهم غير ملائم لوصف حقيقة الاسلام, ينطبق نفس الشئ على الأيديولوجية, نظرا لأنها تتضمن نظاما من الأفكار, فالأفكار, بمقتضى تعريفها, من الممكن ان تكون صحيحة او خاطئة. ان الاسلام, على الأقل بالنسبة لنا نحن المسلمين, هو شئ يتعلق بالصدق والحقيقة التي ليس من الممكن ان يكون ثمة شك حولها. ومن ثم فاننا عندما نطبق كلمة الايديولوجية بالنسبة لتقديم الدكتور شريعتي للاسلام فان ذلك لا يعني ان الاسلام ايديولوجية بالمعنى العام المألوف. ان ما نعنيه هو الشمول, والكمال, الذي لا يقصر نفسه على مجرد النقاء الاخلاقي للفرد واقامة رابطة روحية بين الانسان والله. اعتقد ان ذلك هو ما تعنيه كلمة الايديولوجية, في استخدام الدكتور شريعتي.

إن أساس أفكار الدكتور شريعتي هو ما يطلق عليه الرؤية العالمية أي التوحيد وهو له تفسيره وتقديمه الخاص لمذهب التوحيد فهو يؤكد طبقا لتعبيره أن الحقيقة واحدة ليس بمفهوم وحدة الوجود الخاصة بالصوفيين ولكن بمفهوم ان كل من الروح والمادة, الحياة الدنيا والأخرة, تعتبر سلسلة واحدة متصلة بالنسبة للمسلمين وعندما يواجه المسلم بمثل تلك المسميات فانه لا يفرق بينها. وهو لا يرى نفسه غريباًً في الطبيعة, او منفصلا عنها بل هو والطبيعة مصدر واحد وهدف واحد. ان تلك الوحدة الحية لكل الحقيقة, للانسان والكون, تعد حقيقة ذات هدف معين بالاضافة الى الوحدة . ونوعاً من الارشاد, ارشاد من اجل تحقيق الكمال الدائم.

ذلك هو الأساس. اي التوحيد وثمة ثلاثة افرع رئيسية لأفكار الدكتور شريعتي تقوم على اساسه أو تشتق منه.

الأولى هي علم الاجتماع. ونحن هنا نعني مفهومه الخاص, وليس أيا من المدارس المستوردة لعلم الاجتماع سواء كانت رأسمالية, أوربية غربية او ماركسية. انه يعني بعلم الاجتماع وجهة نظر خاصة للطبيعة والمجتمع, بل حتى للمصطلحات الخاصة بمناقشة المجتمع, التي تستنبط من القرآن او غيره من المصادر الاسلامية. وهو يدين بالاعتقاد بأن ثمة شكلين اساسين للمجتمع في الوجود, في كل من الحياة المعاصرة وفي الماضي. فنحن لدينا المجتمع القائم على أساس الشرك, القائم على تصور شركاء مع الله, ولدينا المجتمع القائم على اساس التوحيد لله الذي لديه صفاته المنفردة. إن ذلك بالنسبة له يعد التقسييم الرئيسي وليس الرأسماليىة والشيوعية او الديمقراطية والديكتاتورية.

ثم لدينا بعد ذلك علم الانسان. الذي لا نعنى له في هذا المفهوم دراسة المجتمعات اي المجتمعات ذات الصفات المميزة. خاصة المجتمعات البدائية – وتسجيل وتحليل عاداتها واعرافها وتقاليدها المختلفة بل اننا نعني رؤية تعاليم مميزة فيما يتعلق بطبيعة الانسان وحقيقته. والدكتورة شريعتي, في العديد من أعماله, كان يعود الى نفس الموضوع: ماهو الانسان وما هي الطبيعة الأساسية للانسان؟

وهو يقول ان الانسان يعد بالضرورة مخلوقا ذا قطبين – مادة الطين الوضعية التي خلق منها طبقا للقرآن, وروح الله, التي نفخت فيه باعتبارها الشئ الذي يمنحه الحياة. ان الانسان ليس بمخلوق متحجر بل على العكس فهو عملية مستمرة وحتمية للابتعاد عن القطب الوضيع الخاص بنشأته من الطين تجاه المبدأ الرفيع لروح الله الكامنة فيه.

ثم نجد لدينا فلسفة التاريخ. التي تقوم أيضا على أساس القرآن والتي ترى التاريخ بأكمله كصراع بين القوى, فبنفس الاسلوب الذي يجعل الانسان ذاته أرض المعركة بين القوى المتنافسة لمنشئة الوضيع, وطبيعته البدنية الوضعية, وبين عنصر الروح الالهية نجد أن التاريخ أيضا أرض للمعركة الكامنة فيه بين التوحيد والشرك, والعدالة والظلم اللذين كان كل منهما يعارض الآخر بشكل مستمر وهنا فإنه أيدى اشارة خاصة لمرحلة لم يتناولها القرآن الا بشكل قليل, وهى قتل الأخ لأخية أي قابيل وهابيل وهو يرى ذلك نموذجا للمعركة المستمرة على مدى التاريخ بين نوعين مختلفين من البشر, ونوعين مختلفين من المجتمعات, ونوعين مختلفين من وجهات النظر.

ويمكننا القول ان تلك العلوم – اي علم الاجتماع, وعلم الانسان, والفلسفة والتاريخ – تعد مشتقات وتطبيقات معينة للرؤية الشاملة المتمثلة في التوحيد.

وتلك العلوم بدروها تكون أيديولوجية, هي برنامج شامل للعمل ويتمثل هدفها في بنيان مجتمع مثالي – ومن ثم انسان مثالي ان العبارة التي اطلقها الدكتور شريعتي بالنسبة للمجتمع المثالي تنطبق مع التعبير الاسلامي المألوف الأمة, فلقد قام يتحليل أصل تلك الكلمة وتوصل الى نتيجة أن الامة هي مجتمع لا يقوم على أساس مبدأ الجنس أو الطبقة فيما يتعلق بتنظيم المجتمع, ولكنه يتحدد فقط بمقتضى اتباع هدف معين, والتقدم تجاهه في اطار الشكل الصحيح من القيادة. وهنا ايضا ارتباط في فهمه لكلمة ” الامام ” التي تدل على معنى معين في مفهوم الشيعة ولكنها تعطي معنى اضافيا بواسطة الدكتور شريعتي حتى تعني قائد المجتمع الواعي المدرك الذي اختار اتجاها معينا لنفسه يسير فيه.

ومن ذلك المجتمع المثالي للامة سوف ينشأ ايضا الانسان المثالي.

وبالطبع هناك الكثير الذي يمكن قوله بالنسبة لكل من تلك المكونات لنظام فكر الدكتور شريعتي,

ولكنني اعتقد ان ذلك سوف يعطيك فكرة بالنسبة للموضوعات الرئيسية لفكره. وبالاضافة لهذا النوع من التقديم المنظم للاسلام بأسلوب وعبارات استطاعت الحفاظ على ولاء عدد كبير من الشباب المثقف في ايران للاسلام, الذين كانوا قد ابتعدوا بمقتضى عدم المبالاة بالدين والمادية فانه ثمة بعدا أو بعدين آخرين لفكرة أود عرضها وسوف أتناول اولا وجهة نظره بالنسبة لمدرسة فكر الشيعة في الاسلام. لقد اخضع الدكتور شريعتي كثيرا من الافكار الرئيسية لمدرسة الشيعة للمراجعة الانتقادية. ولقد المحت بالفعل للمعنى الخاص الذي أعطاء لكلمة ” الامام ” وقد قال في إحدى المراحل في أعماله أن الامام بالنسبة للمسلمين من الشيعة قد أصبح شيئا مقدسا, ومخلوقا نصف إلهي يذرفون الدموع في ذكراه ويرتعدون بمجرد ذكره, ولكنه ليس لديه نفوذ في الارشاد والسلوك الواقعي في حياتهم.

وقد أعاد تفسير الفكرة الخاصة بانتصار ظهور الامام, التي تظهر كحجة للموقف السلبي للخمول وعدم النشاط. فأوضح ان انتصار الامام يعني بالضرورة انتظار ظروف عودته, ومحاولة تمهيد الطريق لها بتحقيق مجتمع عادل يخشى الله.

ومما يعد هاماً أيضا في وجهة نظر الدكتور شريعتي بالنسبة لمدرسة الشيعة محاولته تفسيرها بأسلوب لا يميل الى المبالغة وتجسيد الفروق الحتمية بين المسلمين السنيين والشيعة. وفي كتاب مثيرة وهام للغاية تحت عنوان صفوي الشيعة وعلوى الشيعة, انتقد الاساليب القمعية التي يستخدمها الصفويون لفرض شكل معين من فكر الشيعة في ايران وهو قد نبذ ذلك البعد بأكمله لتراث الشيعة في ايران. وسوف نشرح باختصار معنى ذلك العنوان, الذي عنى بمقتضاه انه كان ثمة شكل معين من الشيعة ” المؤسسة ” التي قامت الملكية برعايتها, أي ملكية صفوى التي كانت بمثابة تشوية لها. ولقد عبرت عن نفسها بأسلوب عتيق ضد السنيين وانتهكت روح الفكر الشيعي ذاته. من الناحية الاخرى نجد لدينا شيعة علوى اي شيعة على التي تتعارض مع شيعة صفوى. والتى تعد شيعة صحيحة وصادقة, وجدت على مدى الزمان بالمقارنة مع شيعة صفوى.

وبسبب تلك الآراء المنفردة بالنسبة لفكر الشيعة وتاريخهم, اعتقد بعض الناس ان الدكتور شريعتي سني في السر أو حتى وهابي. ويجب ان نوضح أنه بالرغم من انه حصل على تأييد كبير من أجيال الشباب في ايران, فان بعض الطبقات الأخرى ذات الرأي الديني كانت تعتنق رأيا اكثر سلبية بالنسبة له.

وبالأضافة الى ذلك يجب ايضا ان نذكر موضوعاً آخر كان يرد دائما في اعمال الدكتور شريعتي الذي نستطيع ان نلخصه في افضل صورة في عنوان واحد من كتبه, وهو ” مذهب عليه مذهب “, او ” دين مقابلدين “. وفي ذلك الكتاب وغيره قال ان الدين باعتباره ظاهرة طبيعية تاريخية لديه اسلوبان مميزان للظهور وهو اما ان يصبح اداة في يد الطبقة الحاكمة, ومصالحها المقر بها التي تؤدي الى الفساد والاساءة, باعتباره وسيلة متاحة لديهم للسيطرة على المجتمع واستغلاله, أوصبح وسيلة للنضال من اجل الحقائق الحقيقة واقامة مجتمع عادل.

وبمقتضى بصيرة واعية أوضح أن جميع الانبياء من بعد ابراهيم, الذين ورد ذكرهم في القرآن الكريم تبتدئ حياتهم ببدء معارضتهم النظام الدنيوي السائد لقد كان الأمر كذلك مع ابراهيم, وموسي, وعيس, الذي كان أيضا نبيا, ومحمد ذاته عليهم صلوات الله وسلامه أجمعين. ولقد كان ذلك بالنسبة لشريعتي علامة تشير الى الطبيعة الحتمية للدين وطموحه – ليس لمجرد بسط رسالة للخلاص في الآخرة ولكن أيضا لاقامة التحدي بالنسبة للسلطة الحالية غير الدينية وللحصول على الحقيقة الاجتماعية والاقتصادية والسياسية الحالية للانسان وتحويلها الى شكل مبقول من الله سبحانه, يتوافق مع هدف الانسان. وثمة موضوع أود أن أتناوله قبل أن أختم حديثي لقد ظهر مرة أخرى في ايران تنظيم اهابي تحت اسم الفرقان الذي قام باغتيالين, أحدهما للرئي الأول للأركان العامة للجمهورية الاسلامية, وهو اللواء كوراني, والثاني لآية الله مطهري, أحد أعضاء مجلس الثورة. وفي البلاغات الرسمية التي أصدرها الفرقان نجد أنهم يدعون اتباعهم لفكرة الدكتور شريعتي فهم يدعون أنهم ينادون بأسلوب ثوريللاسلام ويجب ان نوضح تماما ان جماعة الفرقان هذه هي – بكل وضوح – من تكوين وكالة المخابرات المركزية الأمريكية بالةلايات المتحدة, التى أدركت أهمية الدكتور شريعتي وتراثه الفكري في ايران فعملت على اثارة الفرقة في المعسكر الاسلامي عن طريق تقسيم الناس أتباع شريعتي وأتباع آية الله الخميني وبقية العلماء.

وثمة عدد من الأدلة في هذا الصدد بعضها متاح لدى شخصيا وعلى سبيل المثال عندما تم تعيين السفير الامريكي الجديد, دُعى عدد من الاكاديميين لتعريفهم على المسائل ذات الاهمية ودُعيت لأعرفهم بالتحديد بالدكتور شريعتي , وفكره ونفوذه. وأنه من المثير أن في نفس اليوم دُعى اكاديمي آخر لالقاء محاضرة حول الأقليات الوثنية في ايران, التي تعد أيضا موضوعا ذا أهمية كبيرة, ولا سيما مع وجود المحاولات الحالية لافقاد ايران استقرارها.

كما جاء من مصدر جدير بالثقة ان وكالة المخابرات المركزية الأمريكية قد عينت سيدة حتى تقوم باعداد ترجمة إنجليزية كاملة لاعمال الدكتور شريعتي من اجل الاستهلاك المحلي للحكومة الامريكية ووكالة المخابرات.

وعلى أية حال, فان تلك المحاولة بدون شك مقدر لها الفشل, نظرا لأن الأغلبية العظمى من الشباب الايراني وبصفة خاصة الذين يقومون بتأييد الثورة الاسلامية في البلاد يعدون في نفس الوقت اتباعاً لكل من الامام الخميني والدكتور شريعتي وليس هناك اختيار أو تعارض يواجههم. ويستطيع القول أن الامام الخميني قد قدم لنا القيادة الاستراتيجية والسياسية بشكل لا يضاهي, مثلما قدم الالهام الروحي. أن الدكتور شريعتي قد قدم وسوف يظل يقدم حتى بعد وفاته, المضمون الثقافي للثورة.

المناقشة:-

شاما صديقي: ان المتحدث بدون شك مدرك لفكرة قدوم الامام المهدي في عقيدة الشيعة , وهل يمكن ان يكون آية الله الخيمني هو الامام المهدي؟

البروفيسور ألجار: ثمة عدد من الشروط التي وردت في المصادر بالنسبة لمؤهلات المهدي أيوعلى معرفتي, فإن آية الله الخيمني لا يفي بتلك المؤهلات. وانني لا اعتقد أن أي شخص فيماعدا عملاء السافاك – قد حاول اثارة أي بلبلة بالنسبة لتلك النقطة فلم يرشح أي شخص الامام خوميني ليكون هو المهدي وفد حاول بعض عملاء السافاك ترويج هذه الاشاعة لاثارة البلبلة والتشويش ولكنها لم تؤد الى شئ.

رئيس الجلسة: يبدو أن شاما لم تقصد محاولة السافاك. ولكن ما يثير اهتمامها هو ان تعرف ما هو مفهوم المهدي وكيف يتلاءم مع مفهوم الشيعة.

البروفيسور ألجار: اعتقد انني قد قمت بتلخيص ذلك المفهوم بشكل مختصر في محاضرتي الأولى, ان المسلمين الشيعة يؤمنون بتوالي الائمة الآثني عشر, وان الامام الثاني عشر منهم, الامام محمد المهدي – قد اختفى من الوجود في عام 874 ميلادية في مدينة سامراء شمال العراق, وأنه سوف يظهر مرة اخرى هناك في وقت غير معروف من الزمان اما بالنسبة للعلامات المختلفة التي سوف تشير الى وجوده فانها تعد الى حد كبير متماثلة مع العلاقات التي نجدها في المصادر السنية بالنسبة لظهور المهدي ومع ذلك فان من المعتقد بصفة عامة أن المهدي سوف يظهر في دمشق وليس في سامراء ولكن المواصفات العامة الأخرى مثل المواصفات المتعلقة بالايمان بالاخرويات كوصف الايام الأخيرة التي سوف تسبق ظهوره, تعد مشتركة بالنسبة لكل من مصادر الشيعة والسنة ولا أعتقد اننا نستطيع قول شء مفيد بالنسبة لكيفية ارتباط الموقف الحالي في ايران بهذه المسألة وسواء اعتبرانا ان قدوم المهدي يعد قريبا ام لا فانني لا ارى فائدة من وراء تناول تلك المسألة.

فريد شيال: إن سؤالي يتعلق بما نطلق عليه بالعربية, تربية, التي يعتبرها الكثيرون في الحركة الاسلامية مفهوما أساسيا يجب اعداه لاحداث التغيير, من اجل استعادة الاسلام وبناء أو اعادة بناء, دولة الاسلام. واننا نعلم ان البهلويين قد عملوا بجهد من اجل استئصال جميع المبادئ الاسلامية في ايران. ولذلك, فانه حتى وقت قريب لم يكن ثمة تغيير حتى تتمكن النشاطات الاسلامية من الازدهار وتؤدي الى مثل تلك التربية. ولكن عندما حدثت الثورة, هل كان ثمة تغيير لتحقيق تلك التربية؟ بالنسبة لشخص مثلي, ليس مدركا تماما لما حدث فانه يبدو انه ثمة طبقة على السطح تم تكوينها بمقتضى تطور الأحداث, ولكن الرسالة لم تتوغل بعمق في قلب الشخص المسلم في ايران.

فما هو دور التربية, وما الذي تم تجاهها من أجل تقوية وحدة المسلمين في ايران, وحماية الثورة والحفاظ عليها حتى نتمكن من تحقيق اهدافها النهائية؟

البروفيسور ألجار: لقد اثرت نقطتين – وهما العمق, أو الافتقار اليه, بالنسبة للالتزام الاسلامي لأغلبية الناس ومشكلة الفرقة او الانقسام داخل المعسكر الاسلامي اننا لايجب ان نشكل في عميق الالتزام للأغلبية الساحقة للشعب الايراني. وفي الحقيقة انه بدون ذلك الالتزام ما كان من الممكن للثورة ان تتم. ونظرا لأن الثورة قد انتصرت في مواجهة النزاعات الساحقة فان الالتزام اذا كان اقل عمقا او اقل كمالا لما تمكنوا من النجاح ضده اننا لا يجب ان نخلط بين عميق الالتزام وعميق المعرفة انهما مختلفان بالرغم من اننا نأمل ان عمق الالتزام سوف يؤدي الى عمق المعرفة.

وهناك نقطة لعلني قد ذكرتها حول نفوذ الدكتور شريعتي وهى انه هناك خطر معين بين بعض الشباب الايراني يتمثل في انهم قد قصروا تعرفهم على الاسلام فقط من خلال ذلك الطريق ومن ثم يتكون لديهم بعض ضيق الافق والاتجاه, وذلك بالطبع لم يكن الدكتور شريعتي يعني حدوثه.

رئيس الجلسة: لقد ذكرت في المقدمة لكتاب على شريعتي الذي تناول علم الاجتماع في الاسلام انه كان مدركا بأن موته كان وشيك الحدوث. لماذا كان الأمر كذلك؟

البروفيسور ألجار: أعتقد ان ذلك كان استنتاجا منطقيا تم استنباطه من طبيعة نشاطه, والاطار الذي مارسها فيه وحقيقة ان اي تعارض للنظام السابق في ايران كان عليه ان يتوقع الاعتقال او الموت الفجائي أو الاستشهاد. وأنني لا أعتقد أنه يجب أن نبحث عن أي سبب غامض. إن ذلك كان ببساطة مجرد استنتاج منطقي من حالة ايران تحت حكم بهلوي.

يحيى الساعي: قد تحدثتم في محاضرتكم عن التوتر بين شريعتي وبعض العلماء التقليديين. هل يمكنك إلقاء ضوء أكثر من ذلك؟ هل نشأت المشكلة من حقيقة أن شريعتي سار بأسلوب عكسي, أي من علم الاجتماع الى الاسلام, بدلا من انطلاقه من الخلفية الدينية, أعني الثقافة الدينية؟

البروفيسور ألجار: ان ذلك تقييم منطقي. بالرغم من ان المضمون الشامل لكتابته يعد دينيا فان الاسلوب وطريقة التكوين من الواضح انهما ليسا تقليديين, ونستطيع ان نذكر دون أي إرتباب أو خوف أنها ترجع الى حد كبير – الى ثقافته الغربية ومواجهته مع الماركسية ودحضة لها. لقد كان شريعتي رجلا يستطيع دون حرج أن يتحدث عن ماركس ونيتشه وفانون وعدد آخر كبير من الأسماء الغربية غير المألوفة, والتي تثير الاشمئزاز في دوائر تقليدية معينة في ايران.

وكانت هناك ايضا عناصر شخصية معينة متصلة بالموضوع. فلقد نشأت مشاكل معينة في ” الحسينية – إي  – إرشاد ” بين الفقيد الدكتور شريعتي والفقيد آية الله مطهري, وليس لدي معلومات مباشرة عن الموضوع, ولكني سمعت من الأشخاص المتصلين بالأمر أنه قبل ظهور الدكتور شريعتي على المسرح كان الفقيد آية الله مطهري يعد اكثر المتحدثين

ما إنخفض عدد مستمعيه إثر ظهور شريعتي, نظرا لأن الناس كانوا أشد انجذابا الى شريعتي وبمقتضى الطبيعة البشرية, قد أدى ذلك الى مشاعر معينة من القلق وغدم الراحة من ناحية آية الله مطهري.

وبالاضافة الى ذلك, كان ثمة نقطة أو نقطتان من الخلاف ففي الكتاب الذي ذكرته من قبل وهو شيعة صفوي وشيعة علوي قام الدكتور شريعتي بمهاجمة احد العلماء من عصر صفوي وهو مولاي محمد بكير مجلسي بصفته ممثلا لما اطلق عليه شيعة صفوي والتي تعد في رأيه بمثابة تشوية للشيعة الحقيقية. ولكن من وجهة نظرا الشيعة التقليدية , لم يكن من الممكن تجاهل ان مجلسي هو واضح بحار الأنوار الذي يعد خلاصة وافية لتقاليد الشيعة.

وهو أيضا الذي كتب عددا كبيرا من الأعمال الاخرى التي مازالت متداولة في ايران حتى يومنا هذا.

وإنني اعتقد ان انتقاد مطهري لشريعتي بسبب إدانته لمجلسي قد امتد الى مدى بعيد حتى أنه وصل الى دائرة آية الخيمني التي كانت في ذلك الوقت في نجف. ولقد أجاب آية الله الخميني بذلك الأسلوب البارع الذي عرف به, عن سؤوال طرحه واحد من اصدقائي الذين ذهبوا للقائه وسأله بالتحديد عن نفوذ الدكتور شريعتي في ايران. ولقد سأله عن ماهية الأسباب الرئيسة للثورة في رأيةومدي نجاحها, ولقد اجاب آية الله الخميني ان ذلك كان موضوعا يتعلق بصفة رئيسية بمشيئة الله, التي تجسدت من خلال ذلك المجرى وفي تلك الأساليب ومن ثم فغن صديقي الذي يعتبر نفسه واحدا من الاعداد الغفيرة التي هداها الله مرة أخرى الى الاسلام بواسطة الدكتور شريعتي, طرح السؤوال, ” ألا تعتقد ان علم الدكتور شريعتي كان ايضا ذا أثر عظيم؟”

ولقد اجاب آية الله الخميني بأسلوب بسيط وواقعي ان تعليمات الدكتور شريعتي قد أثارت نقاشا وجدالاً معيناً بين العلماء ولكنها في نفس الوقت كانت ذات أثر عظيم في استعادة المثقفين من الشباب. ولقد ذكر أيضا ان اتباع الدكتور شريعتي يجب ان يسيروا الى مدى ابعد مما قدمه لهم الدكتور شريعتي وذلك هو البحث في الفكر التقليدي. وبنفس الاسلوب فان اتباع العلماء التقليديين يجب ان يدركوا ان أيا من العلماء لا يستطيع وضع الكلمة النهائية بالنسبة لأي شئ. ومن ثم توجد الحاجه الى اعادة تقييم نفس القضايا التي أثارها الدكتور شريعتي.

وثمة شئ يجب ان اشير اليه مع تقديم الاحترام الجدير بالنسبة لتأثير الدكتور شريعتي. وهو انه كان لديه تأثير عظيم على صغار العلماء بصفة خاصة.

ولقد كان من المثيرعندما نستمع الى بعض تسجيلات الخطب التي ألقيت في ايران خلال الثورة اننا دائما نجد بها صدى لأفكار الدكتور شريعتي بل حتى تعبيراته ومن ثم فإنه قد ترك أثراً عظيماً هناك أيضا.

وحيد منير: أنني أفهم جيدا تصنيف المعرفة الذي قدمه الدكتور شريعتي, ولكنه يبدو بالنسبة لي نظريا بعض الشئ. هل يمكنك ان تتحدث بالتفصيل في ذلك؟

البروفيسور ألجار: ان الأفكار بطبيعتها, تعد نظرية, وانني لست واثقا كيف يمكنني ان اجعلها أقل تجريدية . ومن الواضح ان ذلك النظام للأشياء الذي لا يمكن المطالبة بالثقة الكاملة فيه. فإن الانسان ليس مضطرا لقبوله. انه مجرد اعلان عن مواضيع معينة في الاسلام بأسلوب متماسك. ولعله يكون مغاليا في التبسيط ولكنه مع ذلك يحوي بعض الفائدة لأنه يظهر ان التوحيد هو أساس جميع الأشياء في الاسلام وان التطبيق النهائي للتوحيد من خلال تلك الأساليب المختلفة هو خلق الانسان المثالي الذي أدرك تماما الهدف الذي خلق من أجله.

ولست اعتقد أننا في حاجة. لأن نطرح – دون ضرورة – أسئلة مثل ” من أين جئت بتلك المعلومات؟ أين مكانها في القرآن والحديث؟” إن عناصرها موجودة في القرآن والحديث ولكن الأمر هو انها ببساطة قد جمعت سويا في نمط معين وان من يجدها مفيدة لديه الحرية في قبولها ومن لايجدها كذلك فلدية الحرية في عدم قبولها فانها ليست مجال جدال بالنسبة لأي شخص.

رئيس الجلسة: هل توافق أنه يجب خلق مناخ معين للرأي في مثل ذلك الوضع السائد في إيران تحت حكم بهلوي قبل أن تتمكن الثورة من القيام وأن ذلك هو ما نجح الدكتور شريعتي في فعله؟ أن كثيرا من الأعمال التي يقوم بها نحن المفكرون يتم مهاجمتها من الأشخاص العمليين في العالم باعتبار أنها ليست عملية وليست ملائمة الى آخره. فنهم يقولون ” فلنكن عمليين ولنقم ببعض العمل بدلا من الحديث والكتابة عنه ” هل تعتبر أن أعمال الدكتور علي شريعتي قد قامت بأي كيفية بالدفاع عن أعمالنا أم أننا لا زلنا بمثابة أشخاص عديمي النفع؟

البروفسيور إلجار: من الملاحظ ان تلك النقطة بالذات تمت إثارتها بواسطة الدكتور شريعتي في المقتطفات الاولى المترجمة في كتابه ” حول علم الاجتماع في الاسلام ” فقد قال فيه إن هناك بعض الأشخاص الذين يقولون اننا قد تحدثنا وكتبنا بما فيه الكفاية وانه قد حان وقت العمل. وهو يقول إننا على العكس لم نتحدث أو نكتب بعد بشكل ملائم من وجهة لنظر الصحيحة.

ان ذلك التفرغ الثنائي الشعب : ” التفكير أم التخطيط والعمل” يعد في حد ذاته تشعبا زائفا لأن الاثنين يعدان متداخلين ويسيران سويا.

حسين دباغ: لعل الشعور بالقلق بين آية الله مطهري والدكتور شريعتي والذي اشرت اليه كان نفسيا, ولكن الأسباب سارت الى مدى أبعد كثيرا لقد كنت على اتصال مباشر بالفقيد آية الله مطهري الذي أفضى الى بعدد من النقاط. لقد استقصى جميع المفاهيم الرئيسية التي طرحها شريعتي وقدمها الى حضارتنا – أي انه استقضى فلسفته, وفكرة التوحيد, طبقا لتفسيره. لقد اعتقد آية الله مطهري ان شريعتي كان ذرائعيا, بمفهوم أنه قد إستخدم الدين كأداة لتحقيق اهدافه السياسية والاجتماعية وإنني لا أعني هنا أننا نتناول معتقداته التي كانت في قلبه ولكننا نتناول معتقداته التي تجسدت في محاضراته وكتبه بشكل موضوعي لقد كان ذلك هو الشئ الذي اعطى ذلك الانطباع للعلماء ولقد كان هذا هو السبب الرئيسي للتوتر بينه وبين آية الله مطهري, ولم يكن آية الله مطهري هو الشخص الوحيد الذي اختلف معه فقد كان هناك كثيرون غيره بما فيهم الخميني ذاته وهم قد شملوا طبقات كثيرة.

رئيس الجلسة: هل من الممكن ان لغة علي شريعتي لم تكن مفهومة تماما في القطاع التقليدي في ايران نظرا لانه كان يمثل القطاع الحديث الحاصل على ثقافة غربية وان المواجهة بين هذين القطاعين كانت تمثل السبب الرئيسي وليس المفاهيم التتي تناولها؟

البروفيسور ألجار: من السهل ان نقول ان الموضوع كان مجرد مسألة لغة وأسلوب ولكنني لا أعتقد ذلك انني اعتقد ان الأخ دباغ على حق. وأنا لم أعن الايحاء بأن الموضوع كان مجرد غيره شخصية بين اثنين فلقد كان بالطبع ثمة مسائل جوهرية أبعد من ذلك بكثير ان المسألة لم تكن مجرد أسلوب ولكنها كانت تتمثل في المضمون وأنني في محاضرتي لم اعن بالضرورة أن أي شئ تفوه به الدكتور شريعتي يعد الكلمة النهائية بالنسبة لأي موضوع وهو أيضا لم يدع ذلك ولقد قال دائما ان ملاءمة الاسلام ترجع الى انه ليس متحجرا ولكنه متطور ولقد طبق ذلك المفهوم بالنسبة لفكره هو ذاته.

أنني لم اقرأ تلك المجموعة الضخمة من أعماله ولكنني قرأت جميع أعماله الرئيسية و إسلام شيناسي بأكمله واذا كان رأيي الشخصي ذا اهمية فإنني أقول أنني أختلف معه في حوالي أربعين في المائة على الأقل في المضمون ولكنني لاأعني أن حكمي يعد ذا أهمية كبيرة ولكن مع ذلك هناك خاصية مثيرة في كتابته وهى أن ذهنة يتسم بالنشاط بشكل مستمر فقد بين تماما انه كان يعني اثارة الفكر, وليس وضع عدد معين من المذاهب بطريقة جازمة ليقبلها الناس دونما استفهام. وبالنسبة لعدد من الشباب الايرانيين الذين يعد تعرفهم على الاسلام شيئا حديثا نشأ من خلال اعماله, فهناك بعض المشاكل التي تعترضهم فيما يتعلق بمعرفة وفهم الاسلام. وذلك لايقتصر بأي حال على ايران والدكتور شريعتي.

فاننا في العالم العربي نجد اناسا لا يقرأون سوى كتب سيد قطب كما لو كانت تلك الكتب وقد استنفذت الحاجه للفهم والدراسة ونحن نرى في باكستان اناسا لا يقرأون الا أعمال المودودي, كما لو كانت بمثابة الكلمة النهائية في كل شئ. ان ذلك يعد مرضا عاما بين بعض المسلمين المعاصرين.

وبمقتضى ذلك التحفظ, نستطيع القول ان ثمة التزاما عاطفيا عميقا للاسلام, وهو يحتاج الى استكماله بواسطة معرفة اوسع واكثر عمقا عن الاسلام. وكتيرا ما قيل في الصحافة الغربية خلال الثورة أنها كانت بمثابة تحالف متقلقل لقوى مختلفة – يتكون من غير المبالين بالدين, واليساريين والمسلمين, ولكن ذلك في الواقع لم يكن صحيحا على الاطلاق. كل ما كان ينادي به غير المبالين بالدين, هؤلاء الذين اجتمعو سويا في الوقت الحالي في جماعات وأحزاب مختلفة, هو تنفيذ الدستور الحالي مع بعض الاصلاحات هنا وهناك. ولكن الثورة, بصفتها تعارض المطالبة ببعض الاصلاحيات والتعديلات وحقوق الانسان, كانت تعد من عمل الشعب المسلم في ايران. ولم يكن ثمة حاجه الى التحالف في أية مرحلة.

وانني اعتقد انك تستطيع الحديث عن اي انقسام خطير في المعسكر الاسلامي فهناك بالطبع اختلافات في الرأي بين الامام الخيمني والحكومة حول بعض النقاط وثمة اختلافات في الرأي والاتجاه والرؤية بين الامام الخميني وبين آية الله شريعات مداري. ولكنني اعتقد انه من الخطأ ان نقبل نوعا من الوحدة الدكتاتورية المنليشية ان وجود تلك الاختلافات, بشرط الا تصل مرحلة الانقسام الذي يمكن اعداء الثورة الأجانب من استغلالها, يعد إيجابيا تماما.

لقد كان يتم الاعلان عن كل أزمة في ايران. منذ الثورة بسرور عظيم من الصحافة الغربية باعتبارها بداية سقوط الجمهورية الاسلامية في ايران وقد حدث منذ بضعة شهور عندما اعتقل ابناء آية الله طلقاني في طهران لبضعة ايام. ان تصل بي حينئذ ممثل لاحدى الشبكات التليفزيونية في امريكا ودعاني للمشاركة في برنامج حول الحرب الاهلية القادمة في ايران!! ولقد سألته اي حرب اهلية يعني, فأجاب ” بين اتباع  آية الله الخيمني من ناحية واتباع آية الله طلقاني من الناحية الأخرى ” ولقد قلت, ” سوف ندع الحرب الأهلية تبتدئ ثم سوف نرى”. ولقد تمت تسوية الامر بأسلوب سلمي للغاية في يومين أو ثلاثة, وخاب أملهم تماما.

وعندما ننظر الى التقارير التي تشير الى المتاعب والقلق, وهى ما يطلقون عليه فقدان السلطة والفوضى, فانه يجب ألا نستخف بأمر المشاكل في ايران, باعتبارها شيئا طبيعيا وحتميا ولكننا ايضا يجب الا نضطرب للغاية ونعتقد أن كل شئ في طريقة الى الانهيار وانني أجده من المضحك بصفة خاصة ان الصحافة الامريكية دائما تتحدث عن فقدان الحكومة والفوضى – في دولة لا تستطيع السير في طرقاتها الرئيسية في العاصمة دون ان تواجه خطر المهاجمة من الخلف ورغم انه لم يكن ثمة ثورة أو أي شيء شبيه بذلك في الولايات المتحدة, الا انها غير قادرة على توفير الامن المبدئي في الطرقات في عاصمتها. انني لا اعتقد انهم في وضع يمكنهم من الحديث عن فقدان الحكومة أو الفوضى.

الدكتور سلمان: لقد اهتممت بملاحظتك أنه قد اطلق على الدكتور شريعتي وصف ” سني” غير معلن, أو وهابي غير معلن ولكن في الحقيقة يبدو من تفسيره لمذهب التوحيد كما لو كان يوحي بأنه صوفي غير معلن أنني أجد من الصعب أن أميز اراءه عن الآراء الصوفية التقليدية

البروفسيور ألجار: أنني أميل الى الموافقة وأعتقد أن قوة الدكتور شريعتي الرئيسية تمكن في تفسيره لعلم الاجتماع. وعندما يتعلق الامر بالمسائل الغيبية, فإنني أعتقد أنه كان ذا إدارك أضعف. ونظرا لأنه لم يوضح تماما فهمه للآراء الصوفية, فإن من الصعب أن ندرك أين يقع الاختلاف بين فهمه الشخصي للتوحيد وبين الفكر الصوفي.

وأيضا, من خلال الكثير من أعماله, فانه يبدو من الواضح أنه يفهم الصوفية على أنها مرادفة للحلاج, وأن الحلاج يعد المثل النموذجي للتقاليد الصوفية. وكون الدكتور شريعتي يعتبره كذلك انما يرجع كما اعتقد الى تأثير البروفيسور لويس ما سينيون عليه حيث كان له اتصال شخصي روحي مع الحلاج لأسباب خاصة به, وحاول وضعه في المركز الرفيع كالممثل النوذجي للروحانية الاسلامية, بينما هو في الحقيقة لم يكن كذلك.

وعندما تقوم أعمال الدكتور شريعتي فهناك شيئان نستطيع قولهما.

أولا, انه قد استشهد في سن مبكرة للغاية, قبل ان تتاح له الفرصة ان يستكمل مهمة تكوين مدرسة ناضجة ومتماسكة للفكر.

ثانيا, ان الاعمال التي بقت منه, مع قليل من الاستثناءات, هي نصوص المحاضرات المدونة. فإنه لم يكن لديه من الفراغ ليمارس الكتابة ويفكر بدقة في كلمة يضعها على الورق ولكن المسألة هى مسألة محاضرات, تم تسجيلها ونسخها وطبعها, في معظم الحالات بدون ان تتاح له الفرصة حتى أن يراجعها أو يصحح تجاربها الطباعية. ولذلك فهناك تفاوت في الجودة, بين الكثير من النصوص المنشورة, التي تتصف بها جميع المحاضرات – بما في ذلك المحاضرة التي تم إلقاؤها اليوم.

وهنا شئ نادر في العالم الاسلامي فهنا ذهن نشط لم يرعبه الغرب في أي أبعاده حتى يلجأ الى المجادلة العنيفة والدفاع. فلقد كان منشغلا في البحث وإعادة اكتشاف وصياغة تقاليد معينة ان العلماء بالرغم من أهميتهم التي كررتها قد فشلوا في ذلك لعل ذلك لم يكن هدفهم ولقد نجح الدكتور شريعتي في تحقيق شئ لم ينجحوا هم فيه. انه ليس من الكافي اصدار الفتاوي التي تؤدي الى العودة بالاسلام جيلا الى الوراء.

ماذا كان الفارق بين 1963 وبين الثورة؟ ما الذي حدث في تلك الخمسة عشر عاما؟ ما الذي جعل الشاه يرحل سريعا في حين استطاع ان يمحق الثورة في 1963؟ ما الذي أجبره على مغادرة البلاد في 1978؟ لقد كان السبب في ذلك أنه كان ثمة عميات معينة تمت داخل ايران خلال تلك السنوات وأكملت النشاط المستمر لآية الله الخميني خارج البلاد.

ويبدو لي ان أهم عامل في تلك العملية من الاعداد للثورة كان هو أعمال الدكتور شريعتي وأيا ما يكون رأي الانسان بالنسبة لتلك العبارة ام ذلك المذاهب للدكتور شريعاتي, فإن انجازه الذي لا نستطيع إنكاره هو أنه أعاد جزءا كبيرا من الجيل المنعزل من الطبقة المتوسطة الى التعرف على الاسلام. ولعل فهمهم للاسلام يحتاج الى بعض التهذيب وفي بعض الحالات للتصحيح ولكن الالتزام مازال موجودا. وفي كثير من الحالات يعد هو العمل المنفرد للدكتور شريعتي وذلك انجاز لا يستطيع اي اختلاف في الرأي ان يمحيه.

إقبال  عصرية: لقد قلت انك يجب ان تأسر أسلحة الأعداء ثم تقاتلهم به. ان ذلك هو ما فعله علي شريعتي بالتحديد عندما أنتقل الى فرنسا, بمقتضى تكوينه جماعة الاشتراكيين المثقفين وانه مما يحيرني أن يبتدع شخص مثله مثل ذلك التعبير. من الذي تم استغلاله بمقتضى ذلك التعبير في رأيك؟ أهم الأشخاص الذين يخشون الله أم الاشتراكيون؟ ألم يكن في البداية متأثرا أكثر بالاشتراكية, ثم بمقتضى تحوله الى التقوى أصبحت الجماعة حركة تحررية؟

البروفيسور ألجار: إنني اعتقد أنك أسأت فهم ما ذكرته.

أولا: ان تلك الحركة لم تكن من ابتداعه. لقد كان عضواً بها في إيران قبل ان يتوجه الى باريس للدراسة. وان كلا من الحركة أو التعبير لم يكونا من ابتداعه لقد كان مجرد عضو مثله مثل عدد كبير من الاشخاص الآخرين.

أما بالنسبة لمسألة الاشتراكية الاسلامية التي ملا الكثير من الصفحات بها وسكب كثيرا من الحبر من أجلها فإنه يعد الطبع أمرا مثيرا للاعتراض أن نتخذ الاشتراكية أساسا للاسلام باعتبارها صفة يتصف بها. وليس ثمة شك في ذلك ولكن هناك عدد من الأشياء يجب ذكرها.

أولا, لقد كان هناك تيار في العالم العربي في وقت معين بالنسبة لتلك الافكار, وليس فقط من ناحية النظام الناصري في مصر. فقلد كان هناك أيضا مصطفى السباعي في سوريا الذي كتب كتابا تحت عنوان اشتراكية الاسلام, الذي نتج عنه صدى وتأثير واسع. وثمة ظاهرة طبيعية انسانية بسيطة هى انه اينما يكون عدو عدوك فسوف تعتبره صديقك.

ولذلك, فإنه بمقتضى ادراك هذا العداء بين العديد من الأنظمة العربية, خاصة مصر والشاه, فإن عددا من الايرانيين قد مالوا الى النظر ببعض الاستحسان للانجازات الفكرية في العالم العربي بما في ذلك مصر. وإنني اعتقد ان ذلك ينطبق على مصدر ذلك الاهتمام الجزئي العابر, بفكرة الاشتراكية.

وبالنظر الى اعمال الدكتور شريعتي بما في ذلك المقالة النقدية عن الماركسية, التي هى على وشك النشر بواسطة دار نشر ” ميزان ” سوف نرى منه دحضا واضحا للاشتراكية. وان الامر لم يكن انه كان في وقت ما اشتراكيا ثم اصبح مسلما او حاول تحقيق خليط غير متماسك من الاثنين ان الأمر لم يكن كذلك.

ومن الحقيقي ان لدينا مذهبا من الاشتراكية الاسلامية تم تكوينه وتم انتقاده ولكن من الناحية الاخرى فاننا ندين بممارسة الرأسمالية الاسلامية. ولم يقم أي شخص بتكوين نظريتها ولكن حقيقتها البشعة لا تزال موجودة وانني لا أعلم اذا كان اي من علمائنا قد اصدر فتاوي ضد الرأسمالية الاسلامية بالرغم من انها تمثل حقيقة في العالم الاسلامي ابشع كثيرا مما يسمي بالاشتراكية الاسلامية.

يحيى الساعي: اذا رجعنا لدور الدكتور شريعتي خلال الفترة التكوينية للثورة, يبدو لي طبقا لمناقشتنا السابقة, ان هناك موقفا معينا ضد رجال الدين إن لم يكن ضد العلماء في كتاباته. ويبدو لي ان ذلك كان يكمن في ذهن مطهري, باعتبار انه يعد واحدا من افضل الفلاسفة الذين ظهروا في ايران المعاصرة عندما عارض الاساس الفلسفي لأعمال الدكتور شريعتي. وفي الحقيقة منذ حوالي خمس سنوات عندما كنت أفكر مليا في الوضع في ايران , بدا لي أن  أعمال الدكتور شريعتي قد كونت اساسا من ناحية, من اجل تنبيه المفكرين للاسلام, ولكنها ايضا من الناحية الاخرى قد عملت على حث انتباههم إلى أن ذلك كان هو الخطر الذي وقع فيه اشخاص مثل مهدي بازرجان وشريعتي الى حد كبير.

البروفيسور ألجار: أعتقد ان من المغالاة في التبسيط والاجحاف بالفقيد الدكتور شريعتي أن نضعه ضد رجال الدين أو ضد العماء بتلك الكيفية. لقد انتقد اتجاهات معينة للمؤسسة الدينية التقليدية في إيران, وإنني أجد أن الاغلبية الساحقة لتلك الانتقادات تعد مقبولة تماما.

ولكن القول أنه يعارض مؤسسة العلماء بتلك الكيفية موضوع مختلف ولا أعتقد أن ذلك يمكن إثباته من أعماله. وفي الحقيقة أنه قد وضع تمييزا واضحا بين العالم الحقيقي وبين الشخص الذي يرتدي العمامة والعباءة بدون ان يكون لديه بالضرورة المعرفة والالتزام الديني الملائمان ولكنه أوضح تماما أنه يدين لما خشى مطهري حدوثه وهو إن الناس تحت تأثير شريعتي لن يكونوا طيعين تحت قيادة العلماء, فإني لا أعلم, ولكن ما حدث لم يكن كذلك بالطبع. فعلى العكس, كما ذكرت من قبل كان الناس على استعداد للمشاركة في الثورة تحت قيادة الامام الخميني لى حد كبير نتيجة لتأثير الدكتور شريعتي بالنسبة لهم. وثمة مشاكل بالنسبة لتلك العلاقة كما اشار الأخ الآخر. فليس ثمة انسجام تام فاننا لا نجد تناغما تاما بين العلماء وبين تأثير الدكتور شريعتي ولكنهما بشكل عام قد اكمل كل منهما الآخر.

ونظرا لأنه كان ثمة مشكلة فان اعداء الثورة الأجانب – الولايات المتحدة بصفة أساسية – حاولوا تضخيم ذلك وخلق مشكلة حقيقية, عن طريق تكوين معسكر لما يسمونه أتباع شريعتي او الشريعيتين كما يسمونهم من ناحية, والخومينيين من الناحية الأخرى. ان تلك التعبيرات تستخدم بالفعل في الصحافة الامريكية. ولكن اي شخص لديه اقل معرفة بالشباب الايراني, سواء داخل أم خارج البلاد, الذين يكونون احدى العناصر الرؤيسية للثورة, يعرف انهم في نفس الوقت اتباع الامام خوميني وطلبة متحمسون للدكتور شريعتي وليس ثمة تناقض. ومن الناحية الفلسفية, والثقافية البحته, ثمة مشاكل وتناقضات ولكن عندما تأتي الى التأثير السياسي الاجتماعي فانني استطيع القول انه ليس ثمة مشاكل رئيسية.

رئيس الجلسة: هل يمكنني تناول نقطة الاشتراكية الاسلامية والرأسمالية؟ أنني اوافق تماما على انتقادك مع ذلك الاستثناء. إنني اعتقد أنه بالرغم من أن تعبير الرأسمالية الاسلامية لا يتم استخدامه, فإن الكثير من مفاهيم الرأسمالية الاسلامية يأتي تحت إسم الاقتصاد الاسلامي. وثمة كتابات واسعة يطلق عليها اسم علم الاقتصاد الاسلامي وهناك عدد كبير من العلماء الاقتصاديين الاسلاميين حصلوا على تعليمهم في جامعات الشرق الاوسط, وغيروا اسمهم من المسلم الى الاسلامي. لقد تم تطوير واستخدام تلك الأنواع من علم دلالات الألفاظ وتطورها. وإن ذلك جمعية يعد داخل إطار الرأسمالية الاسلامية.

وسوف أسير الى مرحلة أبعد وأقول الاستعمارالاسلامي أيضا وهو لم يظهر الآن فقط. فقد تمت ممارسته وتأسيسه من قبل ومن ثم فاننا لسنا متخلفين عن الاشتراكيين.

البروفيسور ألجار: إنني أوافق

فريد شيال: ان ما حدث في العالم العربي هو أنه قبل ظهور كتاب مصطفى السباعي, كان لدينا عمل سيد قطب في مصر, يعالج نفس الموضوع.

ولكنني هنا أجده شيئا مختلفا تماما, ولا أعرف كيف يمكنك تقييمه. لقد كان كل من السباعي وسيد قطب بمثابة أشخاص ذوي خلفية دينية, ثم اتجهوا الى تناول المسألة الاقتصادية, وهكذا. في حين ان الدكتور شريعتي كان أقرب الى علم الاجتماع وعلم الاقتصاد ثم اتجه الى المسائل الدينية.

وكما ذكرت في مناقشتك فانه ليس من المقبول أن نتخذ الاشتراكية كأساس ثم نحاول ملاءمة الاسلام معها. ولكن العكس يعد مقبولا أي أن يكون الاسلام هو الأساس ثم نتناول بعد ذلك أى وضع حديث ونحن نستطيع ان نشتق الأشياء منه حتى تكون المشتقات دائما قائمة على أسس معينة مقبولة لدى المسلمين.

أي أسلوب تقترح إتباعه – ان نبتدي بالقرآن والسنة ثم نتناول المواضيع الأخرى بعد ذلك, أو أن نبتدي بصفة أساسية بما يسمى بالعلوم الدنيوية ومن ثم لا نكون في حاجه الى أن نتوغل بعمق في المصادر الحقيقية؟

البروفيسور ألجار: اننا لنجحف الدكتور شريعتي خقه اذا افترضنا انه قد ابتدأ من خليفة غير دينية ثم شرع في دراسة القرآن الى آخره. ان الامر لم يكن كذلك. فلقد نشأ في بيئة اسلامية تماما, وكان والده, وهو أحد علماء مشهد, هو صاحب التأثير التكويني المبكر على حياته. ان المسألة ليست انه قد حصل على المعرفة الاسلامية فيما بعد يعد ذا أصل غربي. آمل أنني لم أعط ذلك الانطباع, وقبل وفاته كان لدية الكثير من العمل حتى يقيم التوافق بين هذين العنصرين وهو لم يعط الفرصة لاستكمال عمله.

ولم يكن الأمر مجرد ان يأخذ المفاهيم الغربية بأسلوب ميكانيكي ثم يحاول اضفاء الصفات الاسلامية عليها وإن أي قراءه لأعماله سوف تظهر لنا أنه على العكس, قد استوعب تماما الفلسفة الغربية , وعلم الاجتماع والفكر – ولا أعني بذلك أنه عرف, بل أنه فهم روحها الداخلية ولذلك السبب بالتحديد استطاع انتقادها بأسلوب أكثر فعالية من جميع كتابنا المسلمين الآخرين الذين كتبوا من اجل دحض الماركسية فقالوا, ” لقد كان ابو ماركس قبل كل شئ يهوديا. لقد عارض الملكية الخاصة. وأراد إلغاء العائلة. ولم يكن يؤمن بالله ” ان ذلك لا يعد أسلوبا مقنعا للغاية لدحض الماركسية, لأن معظم النقاد المسلمين الآخرين ليسوا على معرفة أو إدارك حقيقي بالنسبة للموضوع في المرتبة الأولى, في حين ان الامر لم يكن كذلك بالنسبة لشريعتي لقد استوعب تلك الموضوعات تماما ثم تحول الى دحضها فلم تكن تلك الموضوعات ترعبه.

إن كثير من الأشخاص في أعمالهم الاسلامية, الذين يستمرون في الكتابة عن اخطار الماركسية قد أثارت الماركسية رعبهم لأنهم لايعلمون ماهيتها في المرتبة الأولى. ولكن شريعتي عرف ماهي ولم يخشها, وينطبق ذلك على الفكر العربي كله ولم يكن بمثابة شخص رغب في الربط الميكانيكي بين شئ من الإسلام ومشي من الغرب. لقد كان شخصيا يتهم بالأشياء الأكثر عمقا.

لقد ترددت دائما في التحدث عن اقبال امام مستمعين يضمون هنودا أو باكستانين, ولكنني اعتقد انه عندما يأتي اليوم وتصبح كمية كافية من أعمال شريعتي متاحة باللغة الانجليزية وعندما تقارن كتاباته على سبيل المثال مع محاضرات إقبال حول اعادة بناء الفكر الديني في الاسلام سوف يظهر لنا أن شريعتي كان اكثر عمقا.

وسوف أتحول الى سؤالك العام – هل يجب أن نتناول القرآن أولا أم العلوم الاجتماعية الحديثة؟ إنهما مرة أخرى إحدى تلك التشعبات الثنائية الزائفة فليس ثمة برنامج موضوع أن نقرأ القرآن والسنة أولا ثم عند نقطة معينة نضعهما جانبا ونتاول كتبا عن علم الاقتصاد. ان كل شئ يسير سويا.

وثمة عنصر ثالث يعد أكثر أهمية: وهو الدخول الفعلي في نوع من النضال. وإلا فإنه يصبح مجرد ممارسة اكاديمية ليست بذات قيمة لأي شخص.

ومرة اخرى, مع المخاطرة بجرح شعور الهنود والباكستانين. لماذا توجد هالة غير واقعية بالنسبة لكثير من أعمال المودردي؟ ان ذلك يرجع الى أن هذه الأعمال تعد في أكملها أعمالا عقلية. إنها لم تكتب في مجرى نضال ثوري. إنها أعمال نظرية تلقمها الشعب وتقول ” تعالوا وخذوها. اتبعوا هذا البرنامج وسوف يكون كل شئ على ما يرام “.

إن هذه الأفكار لا تنسجم مع واقع الحياة في النضال الثوري, الذي يعد سمة من السماة المميزة لأعمال شريعتي. ففيها نجد نوعا من النشاط الذي ينبع من الالتزام الحي وليس مجرد الممارسة الفكرية.

رئيس الجلسة: هل ذكرت أن الدكتور شريعتي قد ترجم من أعمال فرانزفانون؟

البروفيسور ألجار: نعم

رئيس الجلسة: إنني أجده من الصعب أن أقبل فكرة الوسط الفكري الايراني قد كان في حاجة الى افكار – فرانزفانون ومدرسته حتى يستطيع فهم الوضع الايراني, أو انه كان في حاجة الي استنتاجات العالم الثالث حتى يستطيع فهم النظام الاستعماري. ألم يكن من الممكن ان يتم ذلك بالاستعانة بالفكر الاسلامي ومصادره فقط, بدلا من الاتجاه الى فرانزفانون وغيره؟

البروفيسور ألجار: انني لم أعن بأن فرانزفانون قد اتخذه الدكتور شريعتي أكثر من أي كاتب آخر وأدبحه كلية في أي نظام فكري. لقد كنت أعني فقط أن فرانزفانون كان واحدا من بين التأثيرات الفكرية على شريعتي في وقت معين في حياته.

ونحن يجب ألا ندعي أن لدينا احتكارا لجميع الأشياء في العالم المسلم. ولو كان لدينا احتكار لكل ما نحن في حاجة إليه للحياة الناجحة في العالم المعاصر, لما وجد العالم المسلم نفسه في الحالة التي هو عليها الآن. فليس من الكافي أن نستمر في تكرير كلمات ( القرآن, السنة, القرآن, السنة…) وكأنها بمثابة شعار وننسي كل شئ آخر. إننا بالطبع نقرآ القرآن والسنة, ذلك هو أساسنا وإنه بالتحديد بسبب اننا نفعل ذلك, فاننا يجب ان تقوم على اساس كل من القرآن والسنة, بفحص ما نجده متاحا أمامنا غير ذلك في الحياة, وما يقوله الأناس الآخرون.

وفي حالة شريعتي فإن ما اشتقه من أعمال قانون ولعله نقله الى فكره الخاص كان هو فكرة العزلة, أي فكرة العزلة الحضارية السيكلوجية والضرر الذي أدى اليه الاستعمار. وإنني لا أرى أين تمكن المشكلة هناك. فإذا كان لم يكتب اي مسلم عن الموضوع, لماذا نستبعد فرانزفانون؟ لأنه لم يكن مسلما؟ فاذا كان لديه شئ هام يقال, فلماذا لا نضعه في اعتبارنا ونقوم بالاستنتاجات الضرورية؟

رئيس الجلسة: بالنسبة للمؤلفات الأدبية للجماعات الاسلامية نا لاعتقد في الحقيقة انها جميعها تعد نظرية. إنني اعتقد أنها قد تأثرت كثيرا بالأدب الغربي اثر ظهور ما يسمى بالغرب الديمقراطي والغرب الاستشاري, ومن ثم حاولت قول أن المدينة الغربية تعد في الحقيقة تفرعا من المحور الاسلامي الأصلي في صورة عصرية ان ذلك يعد اتجاها رئيسيا للفكر بين المسلمين وان السير سيد أحمد خان من بين آخرين قد فسر تلك الأفكار.

وإنني أشعر أن المودودي يعد شخصية ملائمة بالنسبة لتطور الفكر الديني. وبالرغم من انه لم يبد مدافعا, فإنني أعتقد انه قد كان كذلك بل انه كان مدافعا رئيسيا.

إن مؤلفاته الأدبية تعد ملائمة وحديثة للغاية وليست نظرية أو ذات طراز بائد.

البروفيسور ألجار: عندما إستخدمت كلمة – “نظرية ” فإنني لم اعن انها كانت خالية تماما من اي أثر من البيئة الحالية. وانني اعني ان ذلك ليس نتيجة معركة ثورية واقعية من اجل تحقيق الاسلام.

إن ما نقوله حقيقة إن أعمال المودوي أيا كانت ميزتها – وانني لا أعني انها بدون ايميزة على الاطلاق – تدخل في اطار تقليد معين, يمكن تصنيفه بأنه مدافع عن الدين وان واحدا من اكثر الكتب التي قرأتها والتي تمثل اتجاه عدم تحديد النسل في الاسلام هو من تأليف مودودي حيث فشل في اداراك القضية الحقيقية التي تعد اساسا للمناقشة عن تحديد النسل – وهى ضرورة الحد من عدد السكان وغير ذلك. ولعلها قضية زائفة ولكن اذا كان الامر كذلك فإن ذلك الزيف يحتاج الى تفسير. ولكنه لم يفعل ذلك وبدلا من ذلك فقد ركز بطريقة بحتة على النتائج الاخلاقية الرهيبة اذا أصبحت احدى وسائل منع العمل متاحه بحرية. وفي ذلك الكتاب قد اهتم بصفة اكبر بانتقاد ما رأى انه الحقيقة الاجتماعية للعالم الغربي بدلا من انكابابه على مشاكل العالم الاسلامي. ومن ثم فهو قد صنف عن حق باعتباره مدافعا.

سؤال: إن واحدا من الشعارات الأخيرة لشريعتي كان ” الاشتراكية, والتصوف, والحرية” ولقد غيره أخيرا الى ” المساواة والصوفية ” ما هو تعليقكم؟

البروفسيور ألجار؟ أولا, يجب ان ارى لدليل على ان الامر كان كذلك ان هذه هي المرة الاولى التي اسمع فيها هذه المقوله. ان دحضة اللاشتراكية متضمن في كتاب ايرفان براباني ازادي, الذي يحتوي على مقالة انتقادية شاملة ليس فقط عن الماركسية ولكن عن الاشتراكية الغربية – والديمقراطية الاجتماعية. وانني لا أعتقد انه استخدم كلمات ( الاشتراكي ) و (الاشتراكية ) بدلا من (المساواة ) في عنوان الكتاب, فإنها لا تعني بالضرورة, بقدر ما أستطيع أن أرى من قراءة ذلك الكتاب, أنه اعتنق الاشتراكية لأنه في ذلك الكتاب قد انتقد من بين أشياء أخرى, التأكيد المفرط الذي وضع في فترات مختلفة ومجتمعات مختلفة لكل من تلك العناصر الثلاثة.

وقد قال أن كلا منها بادراكها إداركا صحيحا,تستجيب إلى بشرية حقيقية ولكن يجب الخفاظ على توازنها, وذلك ما يفعله الاسلام وهو انتقد عديدا من المدارس الفكرية بسبب فشلها بالتحديد في فعل ذلك وبسبب اعطائها تأكيدا مغالي فيه لواحدة من تلك العناصر الثلاثة.

ان لدي عديدا من التحفظات على الكثير من أفكار الدكتور شريعاتي وان احداها تشنق من حقيقة أنني سني, في حين أنه كان من الشيعة ويشتق البعض الآخر من موضوعات أخرى ليس لها صلة بمسألة السنة والشيعة. ولكنني أجد أن قراءة أعماله أكثر فائدة من أي كاتب مسلم معاصر آخر, لأنه يقول ” لقد جئت لافلاق الساكن ” إن العالم المسلم نصف نائم ويجب أن نكون شاكرين إن الناس في ايران قد استيقظوا ولا يستطيع أي شخص أن ينكر ذلك سواء كان يعتقد انه على صواب ام على خطا, ان واحدا من عوامل تلك اليقظة كان هو الدكتور علي شريعتي, رحمه الله.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر