حوار

خواطر حول مقال إعادة بناء التصور الديني للصراع العربي الإسرائيلي – د/ محمد رضا محرم

العدد 42

هذه جملة خواطر روادتني وأنا أطالع في العدد 39 – السنة العاشرة من مجلة ” المسلم المعاصر” مقال: ” إعادة بناء التصور الديني للصراع العربي – الإسرائيلي”، بقلم محمد رضا محرم.

ورغم الالتقاء مع الأستاذ كاتب المقال في كثير من التصورات والأفكار التي طرحها، وفي النتيجة الرئيسية المتعلقة بالانطلاق من الجهاد بكلياته كما وصل إليها، فلا أجد حاجة هنا لإشادة أو تعداد، تجنبا لأسلوب الإطراء والتكرار.. إنما أشير لذلك رجاء ألا تدفع الملاحظات الناقدة التالية إلى الظن أنني أغفلت الإيجابيات العديدة في المقال واقتصرت على إبراز ما أحسب أن فيه بعض الغموض أو مجانبة الصواب.

وأول ما أود الوقوف عنده النتيجة المبدئية التي ثبتها الكاتب بقوله: ” فإن تفرقة صريحة بين يهود موسى والتوراة وبين يهود الاغتصاب في أيامنا هذه تصبح أوجب، عقلا وشرعا”.

ولو كان القصد أن من يهود موسى والتوراة من كان مؤمنا وأن يهود الاغتصاب جميعا منحرفون عن اليهودية كما أنزلها الله، لجازت التفرقة ووجبت، إنما كان القصد كما يتبين من المقدمات التي أوردها الكاتب والأدلة التي ساقها ما يرمي إلى نفي الصفات عن اليهود في القرآن الكريم عن يهود اليوم ضمنا على الأقل، طالما أن سياق الآيات – كما يقول – هو الحديث عن يهود الأمس…

واستند في ذلك استناداً رئيسياً إلى الآيات التي وردت وفيها لفظة بني إسرائيل حيث جاءت هذه اللفظة في 43 موضعا [1]، إذ قال إن الحديث فيها كان عن يهود عصور الأنبياء السابقين في 41 موضعاً، وعن يهود عصر البعثة المحمدية في موضعين اثنين. ولعله ذهب في هذين الموضعين إلى حديث يرد الخطاب الإلهي موجها بصورة مباشرة إلى محمد صلى الله عليه وسلم في الآية 211 من سورة البقرة: (سَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ) والآية 10 من سورة الأحقاف: (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِن كَانَ مِنْ عِندِ اللَّهِ وَكَفَرْتُم بِهِ وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِّن بَنِي إِسْرَائِيلَ).

في هذا الحصر خطأ أول يبدو مثلا بالعودة إلى ثلاثة مواضع من سورة البقرة يأتي الخطاب فيها ” يابني إسرائيل..” موجها لمن هم يعيشون بعد نزول القرآن الكريم بدليل الكلمة التالية…

” اذكروا نعمتي..” الآيات 40 و47 و122.. كما يبدو في مواضع أخرى، مثل الآية 93 من سورة آل عمران ومطلعها: ( كُلُّ الطَّعَامِ كَانَ حِلاًّ لِّبَنِي إِسْرَائِيلَ) إذ تنتهي بقوله تعالى: (قُلْ فَأْتُواْ بِالتَّوْرَاةِ فَاتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ) وظاهر أن التحدي هنا ليس موجها إلى يهود عصور الأنبياء السابقين.

وفي الحصر المشار إليه خطأ آخر مرده أن الحديث عن اليهود في القرآن الكريم لم يرد فقط حيث وردت لفظة ” بني إسرائيل” بل وحيث وردت ألفاظ أخرى مثل ” الذين أتوا الكتاب” و “أهل الكتاب” وغيرها … فبيان النظرة القرآنية لليهود، وبيان سريان مقتضاها على اليهود في الماضي، وعلى اليهود من بعد نزول الإسلام إلى يوم القيامة ممن لم يؤمن به فلم يصبح مسلماً.. هذا البيان يتطلب العودة إلى جميع الآيات القرآنية المتعلقة بموضوع البحث وليس إلى قسم منها فقط..

ويكفي للتدليل على أن كثيراً من الآيات يبين لنا صفات اليهود الملازمة لهم إلى يوم القيامة، والإشارة إلى واحدة منها بلفظ ظاهر المعنى وهي الآية 64 من سورة المائدة: (وَقَالَتِ الْيَهُودُ يَدُ اللّهِ مَغْلُولَةٌ غُلَّتْ أَيْدِيهِمْ وَلُعِنُواْ بِمَا قَالُواْ بَلْ يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ يُنفِقُ كَيْفَ يَشَاء وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِّنْهُم مَّا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا وَأَلْقَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاء إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ كُلَّمَا أَوْقَدُواْ نَارًا لِّلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللّهُ وَيَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَسَادًا وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ )[2].

ولو عدنا إلى مجموع الآيات وما ورد في تفسيرها لما داخلنا أي شك في انصراف معانيها على ” بني إسرائيل ” إلى يوم القيامة ، ولا يضعف من ذلك أبدا ما جاء في دراسات عرقية – لم تثبت بدليل قاطع ولا يعنينا نفي صحتها أيضا – حول أن يهود اليوم الذين سماهم الكاتب يهود الاغتصاب، ليسوا – عرقيا – من سلالة يهود أمس.. فكلمة ” بني إسرائيل” يمكن اعتبارها ككلمة ” أهل الكتاب” – على أبعد الاحتمالات – فكما أن ” أهل الكتاب” لا تعني بقاءهم على هدي الكتاب كما أنزل، بل تعني من يدعون ذلك فيعاملون معاملة خاصة، كذلك فكلمة “بني إسرائيل” يجوز ألا تعني أبناءه – عليه السلام – بالسلالة العرقية ، بل من يدعون ذلك لأنفسهم على مر العصور.

وأنتقل إلى نتيجة أخرى أثبتها الكاتب بقوله: ” أنه من التجاوز لروح الإسلام ومتقضايته، أن يتوهم البعض منا، أو يحاول أو يوهمنا، أن الإسلام هو في حالة حرب مقدسة أبدية مع الديانة اليهودية..”.

وظاهر هذه النتيجة هو الصواب بعينه، ولكن بربطها مع النتيجة الأولى وبحديث الكاتب عن معاملة أهل الكتاب الخاصة وحقوقهم كأهل ذمة في الإسلام، تصبح سبب غموض طالما وجدنا مثله في كثير من محاولات التمييز بين يهود ويهود.. من اليهود الذين يعيشون في هذا العصر، وإذا كان الخطر في النتيجة الأولى التي أوردها الكاتب يمكن في أنها تضعف التصور الإسلامي الراسخ في نفس المسلم عن اليهود انطلاقامن الآيات الكريمة، فإن الخطر في هذه النتيجة الثانية يمكن في أنها تدفع المسلم إلى وضع محير حول من يحارب ومن لا يحارب من اليهود.. ومن هو على الديانة اليهودية منهم ومن ليس كذلك .. وهذا بالذات ما يؤخذ من كلام الكاتب في موضع لاحق وهو يؤكد على أن الصهيونية والكيان الذي أقامته، تستند إلى العلمانية لا إلى الديانة اليهودية، بغرض أن نحاربها على أساس علمانيتها فحسب!..

إن منشأ الغموض يعود في تصوري إغفال نقاط أساسية أوجزها فيما يلي:

1- لا وجود اليوم للديانة اليهودية كما أنزلها الله فقد حرفت، كما ثبت بالنصوص الشرعية وتاريخيا، وكل من يقول أنه يهودي يدعوه الإسلام إلى اعتناق الإسلام وارث اليهودية الحقيقة.

2- أحكام الإسلام حول أهل الكتاب وأهل الذمة لا تنفي أبداً مضمون النقطة الأولى، وإنما كانت خاصة بهم لأنهم للإيمان بالله وليس لأنهم ” مؤمنون بالله” فقد نفى القرآن الكريم عنهم صفة الإيمان نفياً قاطعاً.

3- من يقول: نحن في حرب مقدسة أبدية مع اليهود… لا يعني… ولا يوهمنا أبدا بأن الإسلام في حالة حرب مقدسة أبدية مع ” الديانة اليهودية”، بل يعني – دون توهم – أن القرآن أخبرنا بعدائهم الدائم لنا إلى يوم القيامة.. أي أنهم وضعوا أنفسهم – بعد الانحراف عن الدين المنزل – في حالة حرب دائمة مع الإسلام وأهله.

4- هذا التعميم لا ينفي وجود الاستثناءات.. ومثال ذلك: إذا وجدت دولة الإسلام ووجد فيها أهل ذمة، أصبحت العلاقة بهم علاقة ذمة لا حرب كما كان في المدينة المنورة قبل خيانة اليهود لمواثيق الذمة…

5- إن الحركة الصهيونية بكل ما فيها من علمانية، وعنصرية، ومادية، وعنف.. تدور في محورها الأساسي حول عنصر استغلال الدين، بعد أن حرف الدين اليهودي.. وإن صراعنا معها بكل وجوهه البشرية والحضارية والتاريخية والعلمية والسياسية والاقتصادية، يبقى محوره الرئيسي هو الجهاد الإسلامي، من منطلق الإسلام، وارث الديانات السماوية قبله، وضد مستغلي تلك الديانات بعد تحريفها.

وفي هذه النقطة ألتقي مع الأستاذ كاتب المقال فيما ذهب إليه من ضرورة الانطلاق من تصور الجهاد بكلياته في صراعنا مع ” يهود الاغتصاب” وأضيف مع ” يهود الاستغلال” على المستوى العالمي .. خدمة للدين .. وخدمة للبشرية وفق ما أمر الإسلام..

وأسمح لنفسي في هذا الموضع بإضافة بعض ما سجلته سابقا في فصل ” الحق الديني التاريخي” من ” الحق والباطل” – الجزء الأول : الحق الثابت”، ونصه: ومن أخطر ما ينزلق فيه الداعية المسلم اليوم عن غير قصد الجري وراء الحديث أن معركتنا المصيرية مع يهود اليوم معركة عقيدية بين دين ودين، بين الإسلام واليهودية، بين القرآن والتوراة، بين أبناء إسماعيل وأبناء إسرائيل عليهما السلام، بين أتباع محمد صلى الله عليه وسلم وأتباع موسى عليه السلام .. ويكاد التعميم في هذا الحديث – حتى في عدد من الكتب الإسلامية الوجهة – يجر إلى خطر كبير..

يقال إن اليهود يخوضون ضدنا معركة عقيدية فعلى المسلمين أن يخوضوها عقيدية .. عليهم أن يرفعوا الهلال والعلم الأخضر ضد نجمة داوود، وأن يستشهدوا بالقرآن كما يستشهدون بالتوراة، وأن يقولوا بأرض الإسراء والمعراج مقابل أرض داوود وسليمان والأسباط، وأن ينادوا بالأقصى لأنهم ينادون بالهيكل، وأن يرفعوا شعار ” قطعت يميني إن نسيتك يا بيت المقدس” في مواجهة شعارهم ” قطعت يميني إن نسيتك يا أورشليم”…

وفي هذه الأقوال جميعا نصف الحق ونصف الباطل.. إن معركتنا عقيدية مصيرية وحقنا ديني تاريخي ثابت.. لكننا لا نخوضها ضد أصحاب عقيدة بل دعاة باطل…

إن نجمة داوود، وهيكل سليمان، ولتوراة المنزلة، وعصا موسى، وأرض الأسباط، وتراب أورشليم … كل هذا يريء منهم، بريء منهم إلى الله عزوجل، يشهد برفض دعواهم، ونقضهم ميثاقهم، وحربهم على دين الإيمان والتوحيد في هذا العصر، وفي سائر العصور..

نحن نخوض المعركة تحت رايات إبراهيم وإسحاق، وإسماعيل ويعقوب، تحت رايات الأسباط، وداوود وسليمان، وموسى وعيسى، وسائر الأنبياء، فهي جيمعا راية واحدة، راية محمد صلى الله عليه وسلم، خاتم الأنبياء، وإمام الأنبياء في بيت المقدس أمام جدار البراق..

(وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ كُلاًّ هَدَيْنَا وَنُوحًا هَدَيْنَا مِن قَبْلُ وَمِن ذُرِّيَّتِهِ دَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ وَأَيُّوبَ وَيُوسُفَ وَمُوسَى وَهَارُونَ وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ  وَزَكَرِيَّا وَيَحْيَى وَعِيسَى وَإِلْيَاسَ كُلٌّ مِّنَ الصَّالِحِينَ  وَإِسْمَاعِيلَ وَالْيَسَعَ وَيُونُسَ وَلُوطًا وَكُلاًّ فضَّلْنَا عَلَى الْعَالَمِينَ)

دعواهم باطلة منذ تنكروا لوصية إبراهيم ويعقوب، وحتى ارتكبوا جرائمهم في ” دير ياسين” وسواها، وإلى يوم القيامة.. وحقنا الديني التاريخي بفلسطين حق رباني ثابت، يبدأ بإبراهيم عليه السلام وهو يكبر مقبلا بالسكين على رقبة ابنه ليذبحه تنفيذا لأمر الله، وتتصل حلقاته عبر ألوف السنين حتى نداءات ” الله اكبر” يهتف بها أطفال المدارس حو المسجد الأقصى ضد الباطل والكفر والعدوان… حق ديني تاريخي ثابت ما دام على وجه الأرض قلب يردد من وراء إبراهيم ومحمد عليهما الصلاة والسلام: الله أكبر، إلى يوم القيامة..

(مِّلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِن قَبْلُ )

(وَمَن يَرْغَبُ عَن مِّلَّةِ إِبْرَاهِيمَ إِلاَّ مَن سَفِهَ نَفْسَهُ وَلَقَدِ اصْطَفَيْنَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنَّهُ فِي الآخِرَةِ لَمِنَ الصَّالِحِينَ إِذْ قَالَ لَهُ رَبُّهُ أَسْلِمْ قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ)

(مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلاَ نَصْرَانِيًّا وَلَكِن كَانَ حَنِيفًا مُّسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ  إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آمَنُواْ وَاللّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ)

نحن نخوض معركتنا العقيدية  المصيرية ضد المغضوب عليهم تحت راية أبينا إبراهيم، تحت رأية إسماعيل .. وتحت راية إسحاق ويعقوب..

(وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَا بَنِيَّ إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ  أَمْ كُنتُمْ شُهَدَاء إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ الْمَوْتُ إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَهَكَ وَإِلَهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ إِلَهًا وَاحِدًا وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)

نحن له مسلمون.. ونحن نخوض المعركة تحت راية الأسباط، والأسباط من اليهود براء..

(أَمْ تَقُولُونَ إِنَّ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطَ كَانُواْ هُودًا أَوْ نَصَارَى قُلْ أَأَنتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللّهُ وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّن كَتَمَ شَهَادَةً عِندَهُ مِنَ اللّهِ وَمَا اللّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)

(قُولُواْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ إِلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَمَا أُوتِيَ النَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ)

(قُلْ آمَنَّا بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ عَلَيْنَا وَمَا أُنزِلَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَقَ وَيَعْقُوبَ وَالأَسْبَاطِ وَمَا أُوتِيَ مُوسَى وَعِيسَى وَالنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ  وَمَن يَبْتَغِ غَيْرَ الإِسْلاَمِ دِينًا فَلَن يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ)

نعم .. ونحن الأولى بهؤلاء جيمعا عليهم صلوات الله وسلامه، والأولى بداوود الذي اتهموه بالجريمة، وسليمان الذي اتهموه بالفاحشة والكفر… بطلت بذلك دعواهم المزعومة وثبت حقنا الديني بالقرآن الذي يقول:

(وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُودَ وَسُلَيْمَنَ عِلْمًا وَقَالَا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي فَضَّلَنَا عَلَى كَثِيرٍ مِّنْ عِبَادِهِ الْمُؤْمِنِينَ ).

(يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ )

(وَوَهَبْنَا لِدَاوُودَ سُلَيْمَنَ نِعْمَ الْعَبْدُ إِنَّهُ أَوَّابٌ)

(إِنَّهُ مِن سُلَيْمَنَ وَإِنَّهُ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ أَلَّا تَعْلُوا عَلَيَّ وَأْتُونِي مُسْلِمِينَ)

دعواهم باطلة، وبطلانها مسجل بمداد من دماء الأنبياء الذين قتلوهم، على تراب فلسطين الذي دنسوه ويلعنهم .. باطلة لا يقر بها إلا فاقد للوجدان كافر بالدين.. وحقنا بها إلا فاقد للوجدان كافر بالدين.. وحقنا الديني مسطور في تاريخ الأنبياء بحروف من نور الإيمان بهم جميعا، لا يعمى عنه إلا فاقد البصر والبصيرة.. إنه الحق الديني المتصل الحلقات، من مولد إبراهيم عليه السلام إلى يوم الإسراء والمعراج..

(سُبْحَنَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِيرُ)

الحق المتصل الحلقات من يوم بعث موسى فبشر بعيسى فعبث عيسى فبشر بمحمد عليهم صلوات الله وسلامه، إلى يوم بعث محمد صلى الله عليه وسلم فبشر بفتح فلسطين أرض الأنبياء، ومازال يذكر بيت المقدس فيها حتى فكر الصحابة الكرام بدفنه فيه بعد وفاته…

متصل الحلقات من يوم فتح طالوت وداوود بيت المقدس مع عصبة مؤمنة تقول:

(رَبَّنَا أَفْرِغْ عَلَيْنَا صَبْرًا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وَانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَافِرِينَ)

إلى يوم كانت العصبة المؤمنة حول رسول الله صلى الله عليه وسلم في أحد تقول:

(ربَّنَا اغْفِرْ لَنَا ذُنُوبَنَا وَإِسْرَافَنَا فِي أَمْرِنَا وَثَبِّتْ أَقْدَامَنَا وانصُرْنَا عَلَى الْقَوْمِ الْكَفِرِينَ)

وإلى يوم جاء فلسطين بالفتح الإسلامي الصحابة الأجلاء، يحاصرون بيت المقدس ويرددون شعارهم، قول الله تعالى: (وَلَن يُؤَخِّرَ اللَّهُ نَفْسًا إِذَا جَاء أَجَلُهَا)

وقوله عزوجل:

(لاَ يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلاَ يَسْتَقْدِمُونَ)

متصل الحلقات من يوم وصية يعقوب لأبنائه إلى يوم أتى عمر بن الخطاب إلى فلسطين، راجلا ساعة راكبا أخرى، حتى إذا استقبله أبوعبيدة ويزيد وخالد، وعليهم ثياب فاخرة رماهم بالحجارة وهو يقول زاجراً:

” إياي تستقبلون في هذا الزي، وإنما شبعتم منذ سنتين وبالله لو فعلتم هذا على رأس المائتين لاستبدلت بكم غيركم”.

بهذه الروح الإسلامية يصنع التاريخ، بروح من استلم القدس من بطريرك الروم فكتب للنصاري عهدا يقول في مطلعه: ” بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عبدالله أمير المؤمنين أهل إيلياء من الأمان : أعطاهم أماناً لأنفسهم وأموالهم، ولكنائسهم وصلبانهم، وسقيمها وبريئها وسائر ملتها. إنه لا تسكن كنائسهم ولا تهدم، ولا ينتقص منها ولا من حيزها، ولا من صليبهم ولا من شيء من أموالهم، ولا يكرهون على دينهم ولا يضار أحد منهم، ولا يسكن بإيلياء معهم أحد من اليهود..”

تلك حلقة أخرى من سلسلة حقنا الديني التاريخي في فلسطين، حلقة صنعها عمر، ومن دخل بيت المقدس مع عمر، وفيهم أبو عبيدة وبلال، وخالد ومعاذ، وعبادة وسلمان، وأبو ذر وأبو الدرداء، وأبو مسعود وعمر بن العاص.. وغيرهم وغيرهم.. حلقة صنعها القادرون على صناعة التاريخ وهم يزيلون الأنقاض و الأقذار بأيديهم الشريفة، عن الموضع الذي اختاره عمر لمسجده بعيدا عن كنيسة القيامة… وما صنعه هؤلاء من الحق وما كتبه هؤلاء في سجل التاريخ.. لا يمحوه ولا يمحو الحق المسطور بدماء الأنبياء من قبل… تخاذل ولا تنازل، ولا تلغيه جرة قلم باطلة، باتفاق على باطل، بين أهل الباطل.

[1] هي في الحقيقة 42 موضعا، ففي أحد موضعين من الآية 93 من سورة آل عمران يأتي ذكر بني الله (إسرائيل) عليه السلام، وليس بني إسرائيل..

[2] وتحسن هنا الإشارة إلى الآية 14 من سورة المائدة أيضا وفيها تعالى عن النصارى: ” فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة”.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر