أبحاث

رؤية المسلمين للغرب وأثرها في وحدتهم السياسية، من الدولة العثمانية إلى منظمة المؤتمر الإسلامي

العدد 124

مقدمة:

 

دعا القرآن الكريم والسنة النبوية إلى وحدة الأمة الإسلامية. وظلت قضية الوحدة بارزة في الفكر الإسلامي منذ أول شقاق دب في جسد الأمة في نهاية عهد الخلفاء الراشدين. ورغم اتفاق المسلمين على ضرورة وحدتهم،
إلا أن هذه الوحدة ظلت تواجه تحديات خطيرة منذ أن تفرق المسلمون إلى شيع وجماعات وضمتهم كيانات سياسية مختلفة، كان أهمها – في العصر الحديث – الدولة العثمانية التي ظلت ترفع شعار الخلافة رغم ضعفها الظاهر. وظل كثير من المسلمين يدينون بالولاء للسلطان العثماني رغم عدم خضوعهم لسيادة دولته. ثم واجه المسلمون مرحلة من الاضطراب وغياب الوجهة السياسية عندما سقطت تلك الدولة.

 

وتناقش هذه الدراسة الأثر المحتمل لرؤية المسلمين للغرب سلباً وإيجاباً، وتوجهاتهم نحوه سياسياً وفكرياً، على جهود تحقيق وحدتهم المنشودة، وذلك بتحليل علاقتهم بالغرب ومواقف بعض ساستهم ومفكريهم منه خلال خمس مراحل تاريخية هامة في العصر الحديث. هذه المراحل هي الامتيازات الأجنبية في الدولة العثمانية، ثم الاستعمار الغربي لبلاد المسلمين، ثم تطور فكرة الجامعة الإسلامية كرد على تحدي الاستعمار وفرقة المسلمين، ثم سقوط الدولة العثمانية وما أعقبه من جدل حول إعادة الخلافة، ثم رؤى حكومات ما بعد الاستقلال ذات التوجهات المتباينة نحو الغرب لمسألة توحيد المسلمين تحت مظلة سياسية واحدة حتى إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي. وبينما كان الغرب حاضراً بوضوح في بعض هذه الحالات، فإنه كان في حالات أخرى الحاضر الغائب، حيث بدت التفاعلات محصورة بين المسلمين لكن العلاقة مع الغرب كانت موجهاً هاماً لها. وليس الهدف هو الوصول إلى علاقة حاسمة بين متغيري الدراسة بقدر إلقاء الضوء على احتمال وجود علاقة بينهما، وهو أمر لم تتناوله أدبيات الوحدة الإسلامية أو أدبيات العلاقة بين المسلمين والغرب.

 

أولاً: الامتيازات الأجنبية واستهداف وحدة الدولة العثمانية:

 

قبيل نهاية القرن الخامس عشر بدأ سلاطين آل عثمان في منح بعض الدول الأوروبية امتيازات كانوا يمنحونها فقط لرعايا المدن الإيطالية – مثل مدينة البندقية – الذين كانوا يتاجرون مع مدن الدولة العثمانية. فحصل رعايا مملكة نابولي على تلك الامتيازات عام 1498، وفرنسا عام 1535 (ثم مرة أخرى عام 1569)، وبولندا عام 1553، وإنجلترا عام 1580، وهولندا عام 1612. وفي القرن الثامن عشر حصلت دول أوروبية أخرى على تلك الامتيازات، مثل الإمبراطورية الرومانية المقدسة (1718)، والسويد (1736)، ومملكة الصقليتين (1740)، وتسكاني وهامبرج ولوبيك (1747)، والدنمارك (1756)، وبروسيا (1761)، وإسبانيا (1780). فهل كانت هذه الامتيازات مظهراً من مظاهر خضوع الدولة العثمانية للدول الغربية؟ الإجابة على هذا السؤال تقتضي بحثاً في الأصل اللغوي لكلمة امتيازات والأصل التاريخي لهذه الظاهرة.

 

من الناحية اللغوية فإن كلمة “امتيازات” هي ترجمة للكلمة الإنجليزية Capitulations التي تفترض وجود طرفين بينهما علاقة غير متكافئة يستغلها الطرف الأقوى لتحقيق مصلحته على حساب الطرف الأضعف الذي لا حول له ولا قوة. فالكلمة الإنجليزية توحي بأن الدول الأوروبية كانت تستغل الدولة العثمانية التي منحتها هذه الامتيازات. لكن الكلمة التركية المرادفة لتلك الكلمة الإنجليزية هي “عهدنامه”، وأصلها مأخوذ من اللغة الفارسية. ولا تحمل هذه الكلمة أي معنى سلبي عن الجهة التي تمنح الامتيازات أو العهود.

 

ومن الناحية التاريخية فإن التجار الأوروبيين كانوا يطلبون الأمان من السلطات العثمانية عند دخولهم البلاد، وعند حصولهم عليه يصبحون مستأمنين ويسمح لهم بالمكوث في البلاد لمدة عام واحد، ولكن استمرار مكوثهم في البلاد بعد تلك المدة لم يكن يترتب عليه أية عواقب سلبية. وبموجب عهد الأمان يعفى التجار الأوروبيون من جميع الضرائب العثمانية، بما فيها الجزية على غير المسلمين المقيمين في الدولة، ما عدا الضرائب الجمركية.

 

ثم زاد سلاطين آل عثمان في امتيازات عهد الأمان لتشمل وعوداً بالحماية، وأطلقوا عليه “عهدنامه”. فكان العهد يمنح امتيازات تجارية لرعايا الدولة الأجنبية التي تسعى لدى السلطان من أجل إصداره. ولم يكن العهد يصدر في شكل اتفاقية بين الدولة العثمانية والدولة الأجنبية الساعية للحصول على الامتيازات، بل كان يصدر من جانب السلطان العثماني (والشاه الفارسي أيضاً فيما بعد) بهدف تشجيع حركة التجارة وتأمينها بين الدولة العثمانية والدولة المعنية، ولتحقيق أهداف سياسية. ورغم أن مدة العهد كانت تنتهي بوفاة السلطان الذي منحه فقد جرت العادة على استمرار العمل به في عهد خلفائه.

 

فالامتيازات كانت من أعمال السيادة، وتصدر بمبادرة من جانب السلطان لحكام أوروبا الذين يتوددون للبلاط العثماني من أجل إقامة علاقات رسمية مع الدولة العثمانية وتأمين الحركة التجارية معها، ولذلك فمن غير المدهش أن السلاطين العثمانيين لم يمنحوا أية عهود أو امتيازات لرعايا العدوين اللدودين لهم – الإمبراطوريتين الروسية والنمساوية-المجرية، حتى بعد أن هزمتا الدولة العثمانية عدة هزائم عسكرية مذلة. وفي المقابل كانت تلك العهود تنص على التزام حكام أوروبا بالصداقة مع الدولة العثمانية، بل أحياناً الولاء والخضوع لها، كما هو منصوص عليه بوضوح في العهدنامه الذي منح التجار الإنجليز امتيازات في الدولة العثمانية عام 1580.

 

أما الدول الأوروبية، فكانت تسعى للحصول على تلك الامتيازات نظراً للتنافس الشديد بينها على احتكار التجارة في موانئ شرق البحر المتوسط، ورغبة كل منها في الحصول على دعم الدولة العثمانية في صراعاتها ضد أعدائها. ففي القرنين السادس عشر والسابع عشر اشتد سعي القوى الأوروبية الصاعدة (خاصة فرنسا وإنجلترا وهولندا) للحصول على تلك العهود لأسباب اقتصادية واستراتيجية، منها حرص كل منها على صداقة السلطان العثماني وتأييده ضد العدو المشترك لها وللدولة العثمانية – ألا وهو أسرة الهابسبرج التي كانت تحكم الإمبراطورية النمساوية وعدة بلاد في غرب أوروبا. كما كانت تلك الامتيازات تفتح أمام تجار أوروبا أسواق الدولة العثمانية الكبيرة والمستقرة، وكذلك الطريق البري إلى بلاد الشرق (خاصة فارس والهند والصين)، مما كان ينعكس في ازدهار الدول الأوروبية وازدياد قوتها، ويعينها على الالتفاف على البرتغاليين الذين أغلقوا البحر الأحمر والخليج الفارسي واحتكروا التجارة مع بلاد الشرق عبر الطريق البحري حول رأس الرجاء الصالح.

 

ورغم أن التحليل اللغوي والتاريخي يؤكد أن الامتيازات الأجنبية لم تكن مظهراً لخضوع الدولة العثمانية للدول الأوروبية، فإن تلك الامتيازات كانت مظهراً لحالة استرخاء في العلاقات العثمانية-الغربية، مما أفسح المجال للقوى الغربية الصاعدة آنذاك للتدخل في الشئون الداخلية للدولة العثمانية على نحو أثر سلباً في وحدة أقاليمها وشعوبها. فنظراً لأن تلك العهود كانت أداة لتنظيم العلاقات التجارية وتطويرها، فإن الدولة التي تحصل عليها كانت تسارع بإقامة قنصليات ووكالات تجارية في طول الدولة العثمانية وعرضها، وتطور عمل تلك القنصليات والوكالات حتى بات يشمل حماية بعض الأقليات الدينية بموافقة الدولة العثمانية منذ عصر انحطاطها، ومن ذلك حصول فرنسا على حق حماية الموارنة الكاثوليك في جبل لبنان، رغم أنهم رعايا عثمانيين، وكان ذلك من أسباب معارضة بعض علماء الدين العثمانيين للتوسع في منح تلك العهود وفي الامتيازات التي تحتويها.

 

وفي القرنين التاسع عشر والعشرين أصبحت تلك العهود عبئاً ثقيلاً على اقتصاد الدولة العثمانية المتدهور، كما زاد استخدامها كمبرر للتدخل الأجنبي في شئونها سياسياً وعسكرياً، بل وحماية التجارة غير المشروعة فيها مثل تجارة الرقيق الأبيض. ومع ذلك لم يبطل سلاطين آل عثمان العمل بأي من تلك العهود، حتى أبطلها حكام الكيانات التي استقلت عن الدولة العثمانية أو تأسست على أنقاضها. وكانت المملكة المصرية آخر دولة تتخلص من تلك الامتيازات قانونياً عام 1937، وفعلياً عام 1951(1).

 

ثانياً: استعمار العالم الإسلامي والتفاف المسلمين حول الدولة العثمانية:

 

مع تولي السلطان عبد الحميد الثاني حكم الدولة العثمانية في منتصف سبعينات القرن التاسع عشر كان معظم البلاد المسلمة غير العربية قد وقع تحت براثن الاستعمار. فقد احتلت هولندا جزر الهند الشرقية (إندونيسيا حالياً) في القرن السابع عشر، واحتلت بريطانيا الهند في القرن الثامن عشر. وفي منتصف القرن التاسع عشر احتلت روسيا والصين بلاد آسيا الوسطى المسلمة المعروفة باسم تركستان.

 

وأدت تلك الحالة العدائية بين المسلمين والغرب إلى توحد معظم المسلمين في العالم في الولاء للدولة العثمانية التي كانت أقوى الدول الإسلامية وأكثرها دعماً للمسلمين خارج نطاق سيادتها، حتى اعتبرها البعض حامية بيضة الإسلام(2). ولعل أبرز استثناء في هذا السياق هو رفض الدولة القاجارية في فارس التسليم للسلطان العثماني بدعوى الخلافة، وعداؤها للدولة العثمانية في كثير من الأحيان لاعتبارات مذهبية وسياسية(3).

 

وقد اتفق معظم مسلمي العالم، سواء داخل الدولة العثمانية أو خارجها على هذا التوجه. فعلى سبيل المثال ظل أتباع الطريقة الصوفية السنوسية في شمال إفريقيا موالين للدولة العثمانية ومتعاونين مع ممثلي سلطتها(4). وعندما هاجمت فرنسا الجزائر عام 1830 أعلن حاكمها ولاءه للسلطان العثماني سائلاً إياه المساندة والدعم(5). وخلال الأعوام الثمانين التالية ظل لاجئو الجزائر يتوافدون على أقاليم الدولة العثمانية طلباً للأمن والحماية(6). كما أن قادة الثورة العرابية في مصر (1881-1882) أعلنوا ولاءهم للسلطان العثماني، رغم رفضهم تدخل الجيش العثماني في صراعهم مع الخديوي توفيق ومن ورائه القوات البريطانية(7).

 

ورغم أن بعض حكام الولايات العثمانية تحدوا سلطة الدولة سياسياً وأحياناً عسكرياً، كما فعل والي مصر محمد علي باشا (1805-1848) الذي غزت جيوشه السودان والشام والحجاز واليمن وهزمت الجيش العثماني في آسيا الصغرى عام 1839، فإن أحداً منهم لم ينفصل عن الدولة العثمانية أو يسعى لإسقاطها، بل كان أقصى طموحهم هو السيطرة عليها وإدارة دفة الحكم فيها(8).

 

أما خارج حدود الدولة العثمانية، فلم يؤد الاستعمار الغربي إلى تراجع ولاء مسلمي آسيا الوسطى والهند وجزيرة سومطرة للسلطان العثماني، بل زاده وأظهره أملاً في أن تدعم الدولة العثمانية جهادهم ضد الاستعمار أدبياً ودبلوماسياً وربما عسكرياً(9). فعلى سبيل المثال سعى الإمام شامل – قائد المجاهدين المسلمين ضد الغزو الروسي لداغستان – للحصول على دعم السلطان العثماني(10)، بينما أصدر لاجئو داغستان في الدولة العثمانية نداءات تطالب بتدخلها لدعم مجاهدي بلادهم(11). وبالمثل أعلن الأمير يعقوب – قائد المجاهدين المسلمين ضد الغزو الصيني لتركستان الشرقية – ولاءه للسلطان العثماني كخليفة للمسلمين أملاً في الحصول على دعم عسكري من الدولة العثمانية. وفي الهند أيضاً سعى السلاطين المحليون الذين جاهدوا ضد الاستعمار البريطاني للحصول على دعم السلطان العثماني(12).

 

وقد استجابت الدولة العثمانية لتلك المناشدات وغيرها، وأصدرت توجيهات لبعض ولاتها على الأقاليم القوية والغنية، مثل مصر، لدعم من ناشدوها المساعدة. لكن هذه الاستجابة جاءت بدرجات متباينة وغير كافية لصد الهجمة الاستعمارية الشرسة، خاصة بعد هزيمة الدولة العثمانية أمام روسيا عام 1877 وتنازلها عن أقاليمها في القوقاز. وساهم هذا الفشل في تراجع مكانة الدولة العثمانية كمصدر دعم لحركات الجهاد ضد الاستعمار، خاصة مع خضوع مزيد من البلاد المسلمة للاستعمار المباشر وغير المباشر، حيث احتلت بريطانيا بلاد الملايو، واقتسمت النفوذ مع روسيا في بلاد فارس، وانفردت بالنفوذ في بلاد الأفغان(13).

 

وكان السلطان عبد الحميد الثاني مدركاً لتراجع مكانة الدولة العثمانية في العالم الإسلامي، لذلك تبنى فكرة الجامعة الإسلامية كأساس لسياسة الدولة تجاه العالم الإسلامي(14)، وأضاف إلى الدستور العثماني الصادر عام 1876 ما يؤكد صفته كخليفة للمسلمين، وأكثر من استخدام هذا اللقب حتى فاق معظم من سبقوه من سلاطين آل عثمان. ونتيجة هذه السياسة ظن السلطان عبد الحميد أن تأثيره ازداد في بلاد المسلمين. وأيد ظنه عدة أمور، منها أن سعي الشيخ جمال الدين الأفغاني للتقريب بين أتباع المذهبين السني والشيعي وتوحيد المسلمين حول راية الدولة العثمانية خفف من عداء الدولة القاجارية في فارس للدولة العثمانية، حتى أن الشاه مظفر الدين وبعض علماء الشيعة لم يعارضوا فكرة إقامة جامعة إسلامية بقيادة السلطان العثماني(15).

 

وقد كتب السلطان ذات مرة أن المسلمين الخاضعين للاستعمار مستعدون للثورة عليه إذا أعلن الجهاد لتحريرهم(16). وبالطبع فإن هذا الادعاء لم يتم التحقق منه لأن السلطان لم يعلن الجهاد ضد مستعمري بلاد المسلمين. وكانت حجته هي أنه لو قاتل القوات البريطانية في مصر – على سبيل المثال – لفقد أقاليم أخرى في دولته مثل فلسطين أو العراق. وبنفس المنطق رفض دعم تونس عسكرياً ضد القوات الفرنسية الغازية بحجة أنه قد يفقد أقاليم أخرى كسوريا(17).

 

ورغم اعتقاد السلطان نجاح سياسته، فإن تطبيقها لم يكن له دائماً أثر إيجابي على مكانة الدولة العثمانية في العالم الإسلامي، خاصة حين طلبت الدولة العثمانية لأول مرة المساعدة من مسلمين لا يخضعون لسلطانها، بدلاً من أن تقدم هي الدعم لهم لمساعدتهم على تخطي الصعاب الكبرى التي كانوا يواجهونها(18). فعلى سبيل المثال خلال الحرب العثمانية – اليونانية عام 1897 طلب السلطان العثماني دعم مسلمي الهند ومصر التي باتت خاضعة للاحتلال البريطاني رغم استمرار خضوعها اسمياً للدولة العثمانية(19). كما دعا جميع المسلمين للمساهمة في حملة جمع التبرعات التي أطلقها لبناء خط سكة حديد تربط دمشق بالحجاز خدمة للحجاج ولأغراض أخرى. وقد ساهم السلطان بمبلغ كبير في هذه الحملة(20).

 

والخلاصة أن استعمار الغرب للعالم الإسلامي أدى إلى عداء سافر بينه وبين المسلمين الذين اندفعوا نحو الدولة العثمانية طلباً للعون والمساعدة. ورغم محاولات السلطان عبد الحميد الثاني استغلال هذه الحالة في توحيد المسلمين تحت زعامته، إلا أن فشله في إنقاذ المسلمين من الاستعمار أضاع هذه الفرصة التاريخية لتوحيدهم.

 

ثالثاً: مفكرو الجامعة الإسلامية ومواقفهم من الغرب والدولة العثمانية:

 

في تلك الظروف ظهرت فكرة الجامعة الإسلامية التي كانت في الواقع عنواناً لعدد من الأفكار المتباينة لتوحيد المسلمين، مثل الدعوة لدعم الدولة العثمانية، والدعوة لإقامة خلافة إسلامية بقيادة عربية بديلة عن الدولة العثمانية، والدعوة لإقامة اتحاد بين البلاد الإسلامية. ومن أهم دعاة تلك الفكرة الشيخ جمال الدين الأفغاني وتلميذه الشيخ محمد عبده وتلميذه الشيخ محمد رشيد رضا، وكذلك المصلح عبد الرحمن الكواكبي والزعيم الوطني المصري مصطفى كامل. ورغم تعدد دعاة الجامعة الإسلامية واختلافهم في بعض الأفكار والرؤى السياسية، إلا أنهم اتفقوا على عدة أهداف عامة هي تحرير البلاد الإسلامية من الاستعمار الغربي، وتوحيد الشعوب الإسلامية، وإصلاح أحوال البلاد الإسلامية. فكانت فكرة الجامعة الإسلامية دعوة لإعادة توحيد المسلمين الذين فرقهم الخلاف والاستعمار، وقد لاقت قبولاً عاماً بين المسلمين(21).

 

وقد انشغل دعاة الجامعة الإسلامية بقضيتين رئيسيتين هما العلاقة مع الغرب والموقف من الدولة العثمانية. وما يهمنا هنا هو البحث عن العلاقة بين مواقف دعاة الجامعة الإسلامية من الغرب من جهة ومواقفهم من وحدة المسلمين عموماً والدولة العثمانية خصوصاً من جهة أخرى. فأما الغرب فقد تمثل لهم في صورتين متناقضتين: الأولى هي العدو الذي يستعمر بلاد المسلمين وينهب ثرواتها ويخضع أهلها ويسعى لإفسادهم وتشكيكهم في دينهم، والثانية هي القدوة التي يجب أن تحتذى من أجل تحقيق القوة والرفعة والتقدم.

 

فمن جهة جاهد جمال الدين الأفغاني ضد قوى الاستعمار الغربي، خاصة بريطانيا، وسعى لتحرير بلاد المسلمين من استعمارها(22). وبالمثل فإن الشيخ محمد عبده بدأ نشاطه السياسي مؤيداً للثورة العرابية في مصر والحكومة الدستورية التي أفرزتها، لكن بعد عودته من المنفى آثر العمل على إصلاح التعليم فلم يشارك في النضال ضد الاستعمار البريطاني(23). ومن جهة أخرى أبدى الكواكبي إعجابه بديمقراطية الغرب ونموذج دولة الرفاهة فيه(24). وبين هذين النقيضين كان موقف مصطفى كامل. فجهاده لتحرير مصر من الاستعمار البريطاني معروف(25)، ولكنه في ذات الوقت زعم أن الأمم أمامها طريق وحيد للتطور والتقدم، ألا وهو طريق الحداثة الغربية(26)، رغم إعجابه بجهود التحديث في عهد محمد علي باشا لأنها – في رأيه – اعتمدت أساساً على المصريين وطرحت رؤية مصرية للحداثة(27).

 

وقد انعكست هاتان الصورتان المتناقضتان للغرب في أطروحات دعاة الجامعة الإسلامية. فعلى سبيل المثال، حث الكواكبي المسلمين على التمسك بدينهم وثقافتهم وعدم اتباع الغرباء الذين يدعونهم للاقتداء بهم بينما يسعون لتمزيق وحدتهم، لكنه في نفس الوقت دعا لإعادة بناء الخلافة الإسلامية على أساس اتحاد (فيدرالي) يشبه ما كان معمولاً به آنذاك في الولايات المتحدة وألمانيا، كما أيد علمانية الغرب وفصل الدين عن الدولة في بلاد المسلمين كحل دائم لمعضلة الخلافة في العصر الحديث(28). فالخليفة – في رأيه – يجب أن تنحصر مسئولياته  في الأمور الدينية، وألا يتدخل في الشئون السياسية في بلاد المسلمين. وهذا تصور لدور الخليفة يشبه إلى حد بعيد دور بابا الفاتيكان في العالم المسيحي عموماً والإمبراطورية الرومانية المقدسة خصوصاً.

 

وكما تمثل الغرب لدعاة الجامعة الإسلامية في صورتين متناقضين، تمثلت الدولة العثمانية لهم في صورتين متناقضتين: الأولى هي دولة الخلافة الإسلامية التي يجب موالاتها والدفاع عنها ضد أعدائها في الداخل والخارج والسعي لإصلاح ما فسد فيها، والثانية هي العقبة الكؤود في وجه تقدم المسلمين وإحياء منهج الخلافة الراشدة، وإن غلبت الصورة السلبية في معظم الأحيان.

 

وقد انعكست هاتان الصورتان المتناقضتان في مواقف دعاة الجامعة الإسلامية من الدولة العثمانية. فعلى سبيل المثال، أعلن جمال الدين الأفغاني ولاءه للسلطان عبد الحميد الثاني كخليفة للمسلمين، ثم خلع بيعته في آخر حياته(29). كما أثنى الشيخ محمد عبده على السلطان عبد الحميد الثاني وهو في منفاه في بيروت لاعتقاده أن السلطان عازم على إنقاذ المسلمين، ثم هاجم سياسته بعد عودته إلى مصر(30).

 

وما يهمنا ملاحظته هنا هو ارتباط رؤى دعاة الجامعة الإسلامية للدولة العثمانية برؤاهم للغرب. فقد تركزت انتقادات دعاة الجامعة الإسلامية للدولة العثمانية في ثلاث أمور هي تقليد الغرب، والعجز عن حماية ومساندة المسلمين الذين يواجهون عدوان الغرب واستعماره، وعدم الالتزام بمنهج الخلافة الراشدة خاصة فيما يتعلق بمبدأي الشورى في الحكم والمساواة بين الرعية.

 

فالأفغاني انتقد استعانة السلطان العثماني ببعض النصارى وتقليدهم أعلى المناصب رغم أن ولاءهم الأساسي للغرب(31). كما انتقد الكواكبي – الذي لم يؤيد الدولة العثمانية قط – السلطان العثماني لمحاولته إصلاح الدولة على أسس غربية(32)، واتهم العثمانيين بغض الطرف عمداً عن المذابح التي ارتكبها الأسبان ضد مسلمي الأندلس في القرنين الخامس عشر والسادس عشر، ثم احتلال الغرب لمعظم بلاد المسلمين، وذلك لحماية مصالحهم في شرق أوروبا وما تحت أيديهم من بلاد المسلمين. ورأى الكواكبي أن الدولة العثمانية لم يكن لها إسهام إيجابي في الإسلام، بل إن إسهاماتها سلبية إجمالاً، مثل دعم جماعات التصوف المبتدعة(33). والأهم من ذلك أنها لم تلتزم بمبدأ الشورى فأصبحت دولة ظلم واستبداد، مما أدى إلى تدهور كافة مناحي الحضارة فيها من علم وتعليم وأخلاق وثروة ونماء(34). كما انتقد الكواكبي تمييز الدولة العثمانية بين رعاياها على أساس عرقي، بدليل الحالة المعيشية المزرية في ولاياتها العربية مقارنة بالولايات التركية. وقد أثار هذا التمييز مشاعر العرب القومية(35).

 

وتكشف رؤى دعاة الجامعة الإسلامية للمسألة القومية عن مواقفهم من الغرب والدولة العثمانية. فبينما لم ير أي منهم تناقضاً بين القومية والجامعة الإسلامية، طرح كل منهم رؤية متميزة للجمع بينهما بما ينسجم مع رؤيته للغرب والدولة العثمانية.

 

فمصطفى كامل دعا إلى الوطنية المصرية في إطار الجامعة الإسلامية العثمانية لتحرير مصر من الاستعمار البريطاني. فمن جهة أكد على أهمية الوحدة الوطنية بين المصريين مسلمين ومسيحيين لإجهاض محاولات المستعمر للتفريق بين المصريين كأداة لتثبيت أقدامه في البلاد(36). وبالمثل فإن الكواكبي أكد على أهمية الوحدة الوطنية بين المسلمين والمسيحيين في سوريا(37). ومن جهة أخرى دعا مصطفى كامل إلى إقامة جامعة إسلامية فضفاضة يقودها السلطان العثماني وحثه على المطالبة باستعادة مصر لدولته. ورغم أنه أكد على تبعية مصر للدولة العثمانية وولاء أهلها للسلطان العثماني، إلا أنه لم يدع إلى إعادة مصر للسيادة العثمانية(38). فالجامعة الإسلامية – في رأيه – كانت وسيلة لتحرير بلاد المسلمين وتعزيز التعاون بينها من أجل تحقيق الرفعة والتقدم، خاصة أنها كانت تعاني من مشاكل متشابهة وظروف متماثلة(39). أي أن الوحدة الوطنية والجامعة الإسلامية لم يكونا هدفين مستقلين، بل وسيلتين لتحقيق الاستقلال والنهضة.

 

أما الأفغاني فرأى أن رابطة الدم والنسب هي أشد الروابط تأثيراً في البشر(40)، فسعى لاستغلالها في محاربة النفوذ الأجنبي المتعاظم في مصر في سبعينات القرن التاسع عشر، حيث شارك في تأسيس الحزب الوطني الحر الذي رفع شعار “مصر للمصريين”(41). وجاء في المادة الخامسة من لائحة تأسيس الحزب التي صاغها الشيخ محمد عبده أن الحزب مؤسسة سياسية وليست دينية، وأنه يضم مسلمين ومسيحيين ويهود(42). كما ساهم الأفغاني في إثارة المشاعر القومية لصد النفوذ الأجنبي المتعاظم في إيران في تسعينات القرن ذاته، مما أثمر حملة شعبية لمقاطعة التبغ الإنجليزي بدعم من علماء الدين(43). لكن الأفغاني رفض التعصب القومي، أو طغيان الرابطة القومية على الرابطة الإسلامية. لذلك نقل عنه أن الإسلام لا يعرف القوميات(44). فهو لم ير غرابة في أن يحكم التركي المغربي، أو أن يحكم العربي الفارسي، أو أن يحكم الأفغاني الهندي شريطة التزام الحاكم بشريعة الإسلام(45).

 

وانسجاماً مع تلك الرؤية للقومية والوحدة الإسلامية، دعا الأفغاني للحفاظ على الدولة العثمانية مع إصلاحها على نحو يعالج الشرخ الذي أحدثه العثمانيون بين القوميات. هذا الإصلاح يتكون من ثلاثة جوانب، أولها إعادة بناء الدولة على أساس اتحادي (فيدرالي) مع مراعاة العامل القومي في تقسيم الولايات والأقاليم إلى حد ما(46). وثانيها تطبيق اقتراح السلطان عبد المجيد الثاني بالتخلي عن الولايات العثمانية في أوروبا الشرقية مقابل مبالغ كبيرة من المال بما يساعد في حل المشاكل المالية التي كانت تمر بها الدولة، ويخلصها من الحركات الانفصالية في تلك الأقاليم التي لم تكن أبداًً جزءً من النسيج العثماني أو الأمة الإسلامية. ولم يكن هذا الاقتراح إلا علاجاً أخيراً بعد أن استفحلت مشكلة القوميات في تلك الأقاليم، والخطأ الأصلي الذي وقع فيه العثمانيون من وجهة نظر الأفغاني فهو عدم اكتراثهم بدعوة شعوب تلك الأقاليم للإسلام أو تشجيعهم على إتقان اللسان العربي أو التركي(47).

 

وثالث الإصلاحات هو اتباع نصيحة السلطانين محمد الفاتح وسليم الأول بتعليم الترك لغة العرب، أي تعريب الترك، وليس تتريك العرب على نحو ما سعت إليه الدولة العثمانية في نهاية عهدها(48). ويتخذ بعض الباحثين هذه الدعوة دليلاً على أن الأفغاني كان قومياً عربياً(49). وهذا قول مردود لأن الأفغاني لم يكن عربي النسب، وإن كان عربي اللسان. كما أن تفضيله اللغة العربية على اللغة التركية كلغة رسمية للدولة العثمانية أساسه العلاقة الخاصة بين اللغة العربية ونصوص الوحي في الكتاب والسنة. والحقيقة أن أصل سياستي التعريب والتتريك القسريين هو فكرة وحدة اللغة في الدولة، وهي فكرة طبقها الغرب في دوله القومية، ولكن الحضارة الإسلامية لم تعرفها طوال تاريخها، فلم يلزم حكام المسلمين رعاياهم باستخدام لغة معينة، ولم يعاقبوهم على استخدام لغة معينة. فالقرآن ينص على أن اختلاف الألسنة من آيات الله في الكون، وليس عيباً في البشر.

 

ورغم أن الكواكبي أيد فكرة تعريب الترك حتى تقوى الروابط بين الحاكم والمحكوم في الدولة العثمانية، إلا أنه رأى استحالة تحقيق هذه الفكرة لاعتقاده أن الترك يبغضون العرب على نحو يتبدى جلياً حتى في أمثلتهم الشعبية(50). لذلك دعا الكواكبي في كتابه “أم القرى” لإقامة خلافة إسلامية جديدة تحت قيادة عربية بعد أن يأس من إصلاح الدولة العثمانية. وقد طرحت هذه الفكرة كمحصلة لأعمال مؤتمر سري تخيله الكواكبي في “أم القرى” – أي مكة المكرمة – جمع أربع وعشرين ممثلاً عن جميع بلاد المسلمين.

 

ويتخذ بعض الباحثين هذه الدعوة دليلاً على أن الكواكبي كان قومياً عربياً(51). وهذا قول مردود أيضاً لعدة أسباب، أهمها أن الكواكبي لم يدع إلى إقامة دولة عربية مستقلة. ورغم أن خطابه كان موجهاً للعرب بالأساس فإن العرب الذين قصدهم في معظم كتاباته هم أهل البادية في جزيرة العرب، وليس أهل المدن في العراق وسوريا وشمال إفريقيا. وقد أثنى عليهم الكواكبي ليس لنسبهم العربي وإنما لإجادتهم اللغة العربية الفصحى ولأنهم – في رأيه – أقل تأثراً بما سماه “طبائع الاستبداد” التي تطبع بها أهل الحضر.

 

ورغم أن محمد عبده رأى أن العرب أجدر من الترك بزعامة العالم الإسلامي إلا أنه حذر من أن أي صراع بين العرب والترك على تلك الزعامة لن يستفيد منه سوى المستعمر الغربي(52). أي أن المسألة القومية كانت عنده ثانوية بالنسبة لوحدة المسلمين وتحررهم من استعمار الغرب.

 

ونخلص من هذا النقاش بنتيجتين، أولهما أن رؤى معظم مفكري الجامعة الإسلامية لكل من الغرب والدولة العثمانية لم تكن إيجابية خالصة أو سلبية خالصة، وإنما جمعت الاثنين معاً. ومع ذلك يمكن ملاحظة أن غلبة الرؤية الإيجابية للغرب صاحبها غلبة الرؤية السلبية للدولة العثمانية والدعوة لتغييرها، كما يتضح من مقارنة آراء الأفغاني بآراء الكواكبي على سبيل المثال. ورغم أن دعوة الكواكبي لإقامة دولة خلافة بديلة عن الدولة العثمانية لا يعني إهماله هدف الوحدة الإسلامية، إلا أن عدم واقعية هذا الطرح سواءً نظريا أو في الظروف التاريخية التي كان يعيشها المسلمون في ذلك الوقت يدعم القول بأن تغليب الرؤية الإيجابية للغرب يصاحبه تراجع هدف الوحدة الإسلامية في سلم أولويات الإصلاح.

 

والنتيجة الثانية هي أن دعاة الجامعة الإسلامية اختلفوا فيما إذا كانت الجامعة الإسلامية هدفاً أسمى يستحق العمل من أجله لذاته، لكنهم اتفقوا على أنها كانت وسيلة لتحرير المسلمين من الاستعمار، وهو ما أجمعوا على أنه هدف أسمى، كما أجمعوا على أن مراعاة المسألة القومية كانت وسيلة لتحقيق ذات الهدف. أي أن حالة العداء للمستعمر الغربي كانت حافزاً للدعوة للوحدة الإسلامية.

 

رابعاً: سقوط الدولة العثمانية والجدل السياسي والفكري حول إعادة الخلافة:

 

أطاح حزب الاتحاد والترقي بالسلطان عبد الحميد الثاني في انقلابين عامي 1908 و1909(53). ثم أعلنت حكومة الاتحاد والترقي عن إصلاحات واسعة النطاق لتحديث الدولة العثمانية على طريقة الغرب. فأثارت تلك الاصلاحات جدلاً كبيراً، وكان أثرها فادحاً ليس فقط على وحدة المسلمين بل أيضاً على كيان الدولة العثمانية. أي أن الحكومة الجديدة دقت مسماراً في نعش الدولة العثمانية بانبهارها بالغرب واندفاعها لتقليده.

 

فعلى سبيل المثال آمنت الحكومة الجديدة بالقومية التركية ووجوب توحيد اللسان العثماني، فطبقت سياسة التتريك في أقاليمها غير التركية، مما أثار حفيظة المسلمين من غير الترك. كما أنها فشلت في حماية أقاليمها غير التركية فتخلت عن ليبيا لإيطاليا عام 1911، وسحبت الحامية العثمانية في ليبيا تاركة لجماعات محلية مسلحة مهمة الدفاع عن البلاد أمام الغزو الإيطالي. ثم هزمت في حرب البلقان (1912-1913) ففقدت أقاليمها الأوروبية(54).

 

وقد دفعت الحكومة العثمانية ثمناً باهظاً نتيجة سياساتها، إذ لم يعد مسلمو العالم ينظرون للدولة العثمانية كمرجع سياسي. واتضح ذلك جلياً حين أصدرت الحكومة العثمانية خمس فتاوى تدعو للجهاد ضد دول الحلفاء في الحرب العالمية الأولى باسم السلطان العثماني خليفة المسلمين، دون أثر يذكر في العالم الإسلامي. فلم ينتفض مسلمو مصر أو الهند أو شمال إفريقيا ضد فرنسا وبريطانيا، بعكس ما توقعت الحكومة العثمانية(55). بل إن هذه الفتاوى لم تمنع بعض زعماء العرب من التفاوض سراً مع بريطانيا، ثم الثورة على الدولة العثمانية(56). وبذلك لم تكن الحكومة العثمانية الخاسر الوحيد نتيجة سياساتها، بل خسر المسلمون جميعاً حين فقدت الدولة العثمانية مكانتها كقبلة سياسية للعالم الإسلامي.

 

وتحولت الدولة العثمانية إلى دولة تابعة لألمانيا خلال الحرب العالمية الأولى(57)، فهزمت عسكرياً وانفصلت عنها أقاليمها العربية واحتلت القوات البريطانية والفرنسية واليونانية عاصمتها استانبول وأجزاءً من أراضيها في الأناضول. فنشأت حركة وطنية بقيادة مصطفى كمال لتحرير استانبول والأناضول(58). ولما حققت الحركة أهدافها فصلت بين منصبي السلطنة والخلافة، ثم ألغت السلطنة وأقامت الجمهورية التركية في أكتوبر 1923، وبعد خمسة أشهر ألغت منصب الخلافة.

 

ورغم أن هذه القرارات جاءت نتيجة تطورات داخلية في الجمهورية الوليدة بهدف حسم الصراع بين السلطان وأنصاره من العلماء من جهة وقادة الحركة الوطنية وأنصارهم من النخبة المتغربة من جهة أخرى(59)، إلا أنها أثرت في العالم الإسلامي كله، إذ أصبح المسلمون بلا خليفة لأول مرة منذ سقوط بغداد على أيدي المغول قبل ستة قرون ونصف. لذلك رفض كثير من أعلام المسلمين وجماعاتهم ومؤسساتهم هذه القرارات باعتبار أن أمر خلافة المسلمين ليس شأناً تركياً، ودعوا لإحياء الخلافة. ومن بين هؤلاء شيوخ الجامع الأزهر في مصر وزعماء جمعية الخلافة في الهند والشريف حسين الذي قاد الثورة العربية ضد الدولة العثمانية وأصبح ملكاً على الحجاز.

 

إلا أن معارضي إلغاء الخلافة اختلفوا حول من يتولى هذا المنصب وما إذا كانت سلطته سياسية أم رمزية فقط، وانقسموا إلى مجموعتين رئيسيتين. فرأى فريق أن قرار إلغاء الخلافة باطل وبالتالي فإن عبد المجيد الثاني – آخر الخلفاء العثمانيين الذي نفته الحركة الوطنية – لم يزل الخليفة الشرعي. ومن بين زعماء المسلمين الذين دافعوا عن هذا الرأي مولانا شوكت علي، وهو أحد زعيمي جمعية الخلافة في الهند(60).

 

أما الفريق الآخر – الذي ضم معظم المعارضين – فقد كان أكثر واقعية. إذ رأى أن عبد المجيد الثاني لم يكن قادراً على الدفاع عن منصبه كخليفة، فضلاً عن الدفاع عن المسلمين، ولذلك فإن شروط الخليفة لم تعد تتحقق فيه(61). وقد انتصر هذا الرأي خاصة لأن عبد المجيد الثاني لم يطالب جدياً باستعادة الخلافة. ولكن هذا الفريق انقسم على نفسه إلى عدة اتجاهات. فدعا مولانا محمد علي – الزعيم الثاني لجمعية الخلافة في الهند – الزعيم التركي مصطفى كمال الذي حمل لقب أتاتورك (أو أبو الترك) إلى اعتلاء منصب الخلافة. وقد رفض أتاتورك هذا العرض. ورأى الأكراد أن سليم ابن السلطان عبد الحميد الثاني هو الأحق بالخلافة، فساندوا ثورته، لكن أتاتورك قمعها بقوة(62). ورأى آخرون أن أفغانستان أنسب بلد لإقامة الخلافة الإسلامية(63).

 

واقترح الشيخ رشيد رضا – صاحب مجلة المنار ذائعة الصيت – أن تقام دولة الخلافة في منطقة بين بلاد الترك وبلاد العرب كمدينة الموصل التي كانت موضع نزاع بين الجمهورية التركية وسلطات الاحتلالين البريطاني في العراق والفرنسي في سوريا. ورغم أن الشيخ رشيد رضا دعا الشعب التركي للنهوض بتجديد حكومة الخلافة الإسلامية، إلا أنه انتقد آراء أتاتورك الدينية “التي لا تصدر إلا عن هوى”، وحذر من إحياء النعرة الطورانية وإماتة الدين على أيدي المتفرنجين وطغيان المؤسسة العسكرية على الحكم في تركيا(64).

 

لكن دعاة إحياء الخلافة فشلوا في إصلاح ما أفسده المتغربون الأتراك قبل وبعد سقوط الدولة العثمانية. ويهمنا هنا ملاحظة أن أكثر الساسة العرب حماساً لإحياء الخلافة كانوا أشدهم صداقة أو خضوعاً للغرب. ونضرب على ذلك مثالي الشريف حسين ملك الحجاز وحكومة الأقلية في مصر. أي أن صداقة الغرب (أو الخضوع له) وتوحيد المسلمين لا يجتمعان.

 

فقد رأى فريق من العرب أن الشريف حسين هو الأجدر بالخلافة، وبعد قرار تركيا إلغاء الخلافة عقدوا مؤتمراً في إحدى مدن الأردن بغرض تنصيبه خليفة للمسلمين. واعترفت العراق وسوريا والأردن بنتائج المؤتمر. ورغم أن الشريف حسين أكد أن منصبه كخليفة منصب رمزي وغير سياسي، فإن جميع البلاد الإسلامية الأخرى رفضت الاعتراف بنتائج المؤتمر(65). وخلال موسم الحج التالي حاول الشريف حسين استغلال حكمه لمكة والمدينة في إقناع الحجاج بأحقيته بمنصب الخلافة، لكن العالم التونسي المنفي الشيخ عبد العزيز الثعالبي رد على هذه الدعوى. فأعلن الشريف حسين أن مؤتمراً سيعقد في مكة خلال موسم الحج التالي لحسم مسألة الخلافة. ولكن بحلول ذلك الموسم كان الشريف حسين قد غادر الحجاز بعد أن استولى عليه السعوديون، فلم ينعقد ذلك المؤتمر(66).

 

أما الملك عبد العزيز بن سعود فلم يدّع أحقيته بالخلافة، بل نقل عنه القول إن منصب الخلافة لا يستحقه أحد من حكام المسلمين المعاصرين(67). واكتفى الملك بالدعوة لعقد مؤتمر في مكة عام 1926 لإظهار قبول المسلمين لحكم الأسرة السعودية في الحجاز، خاصة أن مصر لم تكن قد اعترفت بالتوسع السعودي فيه. ولم يناقش المؤتمر قضية الخلافة(68).

 

وجاءت المحاولة الجادة الثانية لإعادة الخلافة من الأزهر الشريف بدعم من حكومة الأقلية الموالية للملك والإنجليز في مصر. فقد دعا الأزهر إلى عقد مؤتمر في القاهرة لعلماء يمثلون كافة بلاد المسلمين لاختيار خليفة جديد. وتقرر عقد المؤتمر في الذكرى الأولى لقرار إلغاء الخلافة. لكن صعوبات سياسية في مصر حالت دون عقده في ذلك الموعد، ولم تكن هذه الصعوبات بعيدة عن موضوع المؤتمر، وهو إحياء الخلافة. فمن جهة رفضت بعض الأحزاب السياسية المصرية – ومن بينها حزب الوفد ذو الأغلبية النيابية – عقد هذا المؤتمر مخافة تنصيب الملك فؤاد خليفة للمسلمين مما قد يعيق الإصلاحات الدستورية في البلاد. ومن جهة أخرى وقعت أزمة حكومية نتيجة نشر كتاب “الإسلام وأصول الحكم” الذي ينفي فيه الشيخ علي عبد الرازق أي أساس للخلافة في القرآن والسنة(69). وحين دافع أحد حزبي الائتلاف الحكومي – وهو حزب الأحرار الدستوريين – عن ذلك الكتاب المثير للجدل والمرفوض شعبياً، لارتباط مؤلف الكتاب بزعماء الحزب، استغل الملك فؤاد ذلك للتخلص من ذلك الحزب بعد أن كان قد استخدمه في التخلص من حزب الوفد(70).

 

وبسبب تلك الأزمة تأجل المؤتمر عاماً كاملاً، وتغير جدول أعماله ليصبح قاصراً على مناقشة مدى شرعية منصب الخلافة وما إذا كان منصباً رمزياً فقط أم رمزياً وسياسياً. غير أن معظم المدعوين للمؤتمر لم يلبوا الدعوة لظنهم أن منظميه كانوا يخططون لإعلان الملك فؤاد خليفة للمسلمين، واعترضوا على ذلك الاختيار لأن مصر كانت خاضعة فعلياً للنفوذ البريطاني ولا تطبق الشريعة الإسلامية في كثير من الأمور. كما امتنع الملك عبد العزيز بن سعود عن إرسال وفد للمؤتمر لأن منظميه وجهوا الدعوة لبعض أعيان الحجاز الخارجين عن سلطته. لذلك انعقد المؤتمر بمن حضر من علماء كان معظمهم متواجداً أو مقيماً بالفعل في مصر، ولم يكونوا يمثلون العالم الإسلامي(71).

 

وانطلقت آخر محاولة لإحياء الخلافة من الأزهر أيضاً. فبعد اعتلاء الملك فاروق عرش مصر عام 1937 – وكانت مصر لا تزال خاضعة للنفوذ البريطاني – دعا شيخ الأزهر مصطفى المراغي إلى تنصيبه خليفة للمسلمين. ولكن هذه المحاولة فشلت كسابقاتها، خاصة أن مسألة إحياء الخلافة لم تعد ملحة كما كانت حين إلغائها(72).

 

وفي الحقيقة فإن قضية الخلافة كانت تحتاج لاجتهاد جديد لم يجرؤ عليه في ذلك الوقت سوى قلة من المفكرين أمثال الدكتور عبد الرزاق السنهوري. وما يهمنا هنا هو أن السنهوري رأى الغرب في صورتيه الإيجابية والسلبية، مثلما فعل مفكرو الجامعة الإسلامية من قبل. فمن جهة تعلم السنهوري في فرنسا وحصل فيها على درجة الدكتوراه في القانون، وعالج في رسالته قضية الخلافة في العصر الحديث، داعياً المسلمين للانتفاع بخبرة الغرب في إنشاء منظمات دولية لإقامة عصبة أمم شرقية كبديل عن إقامة دولة الخلافة في ظروف دولية غير مواتية(73).

 

ومن جهة أخرى رأى السنهوري أن قوى الاستعمار الغربي ترفض وتعيق أية محاولة لإحياء الخلافة في شكلها التقليدي، لذلك أيد تطبيق علمانية الغرب وفصل الدين عن الدولة في عصبة الأمم الشرقية باعتبارها نموذجاً ناقصاً لدولة الخلافة الإسلامية(74). أي أن العلمانية عند السنهوري كانت حلاً مؤقتاً لمشكلة الخلافة في العصر الحديث، ريثما يتمكن المسلمون من إقامة دولة خلافة على منهاج النبوة(75). وفي نفس الوقت دعا السنهوري لتطبيق رؤية معاصرة للشريعة الإسلامية في البلاد التي تنضم لعصبة الأمم الشرقية، باعتبار الشريعة دستوراً للكيان السياسي للأمة الإسلامية، ولا يتعارض ذلك مع شمولها أتباع الديانات الأخرى الذين ساهموا في الحضارة الإسلامية(76).

 

ووفقاً للسنهوري فإن هذا الحل لم يكن أسوأ كثيراً من نموذج الخلافة في الدولة العثمانية لأنها مثلت أيضاً تطبيقاً ناقصاً لنظام الخلافة الإسلامية لعدة أسباب. فهي أولاً حصرت منصب الخلافة بالوراثة في آل عثمان بن أرطغرل، مخالفة بذلك مبدأ الشورى والبيعة الحرة. وثانياً فإن سلاطين آل عثمان كثيراً ما تجاهلوا الشريعة في الحكم أو لم يطبقوها على نحو صحيح. وثالثاً فإن الدولة العثمانية عجزت عن توحيد بلاد المسلمين(77).

 

ولم تكن فكرة عصبة الأمم الشرقية التفافاً حول الضغوط الغربية فقط وإنما جمعاً للفكرتين القومية والإسلامية في آن واحد. فالعصبة المقترحة هي منظمة حكومية أعضاؤها الدول الإسلامية المستقلة وتتعاون مع حركات التحرر الوطني في العالم الإسلامي من أجل تحقيق هدفي الاستقلال والتقدم، شريطة ألا تتصف تلك الحركات بالتعصب القومي(78).

 

ورغم أن أفكار السنهوري لم تطبق في حينها، إلا أن هناك من يرى أن منظمة المؤتمر الإسلامي التي تأسست عام 1972 ثمرة من ثمار تلك الأفكار(79). فكانت تلك الأفكار المبنية على رؤية متوازنة للغرب أنجح من محاولات بعض الساسة الموالين للغرب لاستغلال قضية الخلافة لتحقيق مصالحهم الشخصية أو الوطنية الضيقة.

 

خامساً: وحدة المسلمين في رؤى حكومات ما بعد الاستقلال ذات التوجهات المتباينة نحو الغرب:

 

عقب سقوط الدولة العثمانية لم تكن الظروف الدولية والمحلية في العالم الإسلامي تسمح بإعادة الخلافة(80). فقد كان معظم المسلمين خاضعين للاستعمار أو النفوذ الأجنبي، وكان الهم الأساس لحركاتهم الوطنية هو الاستقلال. وحين تحقق ذلك الهدف أصبحت نظم الحكم الجديدة شديدة الحساسية تجاه مسألة السيادة والسياسة الخارجية، واتجهت لإعادة تشكيل الأوضاع الداخلية في بلدانها، فكانت سياساتها الخارجية موجهة أساساً لخدمة ذلك الهدف. وبعد الحرب العالمية الثانية أضيف هدف آخر للسياسة الخارجية في عدد من الدول المسلمة خاصة تلك الحليفة للغرب في آسيا، وهو التصدي لعدوان سوفيتي متوقع أو متوهم. وفي المحصلة أصبحت العلاقات بين الدول المسلمة تحددها المصالح الوطنية والتوجهات الفكرية للنظم وعلاقاتها بالدول الغربية.

 

وفي هذا الإطار يمكن فهم محاولات التقارب بين النظم الحاكمة في دول العالم الإسلامي. ومن هذه المحاولات قيام حكومات كل من العراق وإيران وتركيا وباكستان في منتصف خمسينات القرن العشرين بتشكيل منظمة حلف بغداد التي كانت تضم في عضويتها أيضاً المملكة المتحدة، وذلك تطبيقاً لسياسة الأحلاف الأمريكية التي كانت تهدف إلى تطويق الاتحاد السوفيتي بأحلاف معادية تمنع انتشار الشيوعية خارج أراضيه وتمنعه من العدوان على جيرانه.

 

لكن هذه المنظمة لاقت معارضة شديدة من جانب حكومات دول مسلمة أخرى غير موالية للغرب. فعلى سبيل المثال شن الرئيس المصري جمال عبد الناصر حملة دبلوماسية وإعلامية قوية وناجحة لمنع توسع منظمة حلف بغداد في العالم العربي(81). ولم تنجح هذه المنظمات في ضم دول مسلمة أخرى لعضويتها، فضلاً عن جمع الصف المسلم حول هدف واحد. بل سارعت معظم الدول المسلمة للانضمام إلى حركة عدم الانحياز عند تأسيسها. وفقدت منظمة حلف بغداد زخمها بانسحاب العراق منها بعد ثورة عام 1958، فتحول اسمها إلى منظمة الحلف المركزي، ثم تفككت بعد انسحاب إيران منها بعد ثورة عام 1979.

 

ورغم محاولات كل من باكستان وإيران منفردتين جمع البلاد المسلمة في إطار تنظيمي واحد(82)، فإن المملكة العربية السعودية كانت أنجح منهما في هذا الصدد، مستفيدة من اجتماع عدد كبير من مسلمي العالم في أراضيها سنوياً في موسم الحج. ففي موسم الحج عام 1962 تأسست رابطة العالم الإسلامي التي كان من أهدافها النضال ضد الفكر الإلحادي (كالشيوعية) في العالم الإسلامي(83). كما نجح الملك فيصل بن عبد العزيز في إحياء مؤتمر العالم الإسلامي الذي تأسس في القدس عام 1931 لدعوة المسلمين للجهاد ضد الصهيونية في فلسطين(84).

 

والحقيقة أن فكرة تسييس موسم الحج ليست جديدة. فبالإضافة إلى محاولة الشريف حسين المذكورة أعلاه، دعا الرئيس المصري جمال عبد الناصر في كتابه “فلسفة الثورة” إلى تحويل اجتماع المسلمين في الحج إلى مؤتمر يلتقي فيه زعماء الدول الإسلامية وقادة الرأي فيها وكبار رجال العلم والصناعة والتجارة والشباب من كافة أنحاء العالم الإسلامي، وتغطيه وسائل الإعلام كما تغطي المؤتمرات الهامة الأخرى. وفي هذا “البرلمان الإسلامي العام” تتحدد سياسات الدول الإسلامية ومجالات تعاونها خلال عام كامل حتى ينعقد المؤتمر في موسم الحج التالي(85).

 

وبينما لم تر هذه الفكرة النور ولم يجاهد الرئيس المصري كثيراً من أجل تحقيقها، فإن الملك السعودي فيصل بن عبد العزيز تبنى فكرة عقد مؤتمر لزعماء الدول الإسلامية واجتهد من أجل تطبيقها. فبين عامي 1964 و1966 زار الملك فيصل عدداً من الدول الإسلامية للترويج للفكرة.

 

إلا أن النظم التي كانت توصف بالتقدمية عارضت هذه الفكرة. فعلى سبيل المثال عارض الرئيس المصري جمال عبد الناصر هذه الفكرة لعدة أسباب، منها أن التزامه تجاه الوحدة العربية والقارة الإفريقية وحركة عدم الإنحياز كان أقوى من التزامه تجاه الوحدة الإسلامية، ومن دلائل ذلك قيادته الجمهورية العربية المتحدة التي وحدت مصر وسوريا (1958-1961)، ودعوته لعقد مؤتمر القمة العربي في يناير 1964 ومشاركته في مؤتمرات القمة العربية بعد ذلك حتى وفاته عام 1970، ومشاركته في تأسيس منظمة الوحدة الإفريقية عام 1963، وحركة عدم الإنحياز عام 1961. ومع ذلك فإن ثقل مصر السياسي والثقافي في ذلك الوقت كان يؤهلها لتزعم حركة الوحدة الإسلامية. فعلى سبيل المثال كان دور الأزهر الشريف كقبلة تعليمية لمسلمي العالم في تزايد، إذ زاد عدد الطلاب غير المصريين الحاصلين على منح دراسية في الأزهر من 814 طالباً في العام الدراسي 1945-1946، إلى 999 طالباً في العام الدراسي 1947-1948، ثم إلى 2708 طالباً في العام الدراسي 1958-1959(86). وكان يمكن الاستفادة من دور هذه المؤسسة العريقة وغيرها إذا توافرت الإرادة السياسية لتوحيد المسلمين أو جمع كلمتهم.

 

والسبب الثاني والأهم لمعارضة الرئيس المصري لسعي الملك فيصل لعقد مؤتمر زعماء الدول الإسلامية – وهو ما يعنينا هنا – هو تشككه الشديد في هدف عقد ذلك المؤتمر، خاصة مع اقتناعه المتزايد منذ انهيار الوحدة بين مصر وسوريا بأن وحدة الهدف مقدّمة على وحدة الصف. ونظراً لأن حكومات الدول الإسلامية الداعية لعقد ذلك المؤتمر لم يكن يجمعها شيء إلا الارتباط بعلاقات قوية مع الغرب، رأى الرئيس المصري أن ذلك المؤتمر المنشود شكل جديد لحلف بغداد، وأطلق عليه الحلف الإسلامي، متهماً الداعين له بخدمة المصالح الغربية(87). أي أن العلاقة مع الغرب كانت محدداً رئيسياً لمواقف بعض حكومات العالم الإسلامي من الاجتماع معاً في إطار تنظيمي واحد.

 

لكن هذه الفكرة رأت النور بعد أن تغيرت موازين القوى الإقليمية ومواقف بعض الدول من عقد المؤتمر في أعقاب العدوان الإسرائيلي على الدول العربية عام 1967 ثم حريق المسجد الأقصى بعد ذلك بعامين. فانعقد المؤتمر في مدينة الرباط المغربية عام 1969، وكان من نتائجه تأسيس منظمة المؤتمر الإسلامي عام 1972.

 

الخاتمة:

 

ظلت العلاقات بين المسلمين والغرب في تغير مستمر في العصر الحديث، حيث اتسمت أحياناً بالعداوة والبغضاء وأحياناً أخرى بالتعاون والاسترخاء. فحين كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها ازدهرت علاقاتها التجارية مع دول أوروبا الغربية، وهو ما انعكس في الامتيازات التي حصل عليها رعايا تلك الدول في الدولة العثمانية. وحين اعتدت قوى الاستعمار الغربي على أطراف العالم الإسلامي ثم قلبه مستغلة ضعف الدولة العثمانية توترت العلاقة بينها وبين المسلمين حتى سقطت الدولة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى. ورغم دعوة مفكري الجامعة الإسلامية للتخلص من الاستعمار وجهاد حركات التحرر الوطني في البلاد المسلمة لتحقيق ذلك الهدف، فإن كثيراً من هؤلاء المفكرين وتلك الحركات نظر إلى الغرب كمثال يحتذى لتحقيق التقدم والنهضة. وورثت حكومات ما بعد الاستقلال ذلك التناقض في رؤية الغرب والتعامل معه.

 

وبالتوازي مع تغير العلاقات بين المسلمين والغرب تغيرت العلاقات بين المسلمين أنفسهم وتراوحت بين درجة عالية من الوحدة السياسية إلى حالة غير مسبوقة من التشرذم والتفكك. فحين كانت الدولة العثمانية في أوج قوتها توسعت فضمت كثيراً من البلاد المسلمة. وظل كثيراً من المسلمين داخل الدولة العثمانية وخارجها على ولائهم لها حتى حين ضعفت وبدأت في الانهيار. لكن معظم هؤلاء تراجعوا عن تأييدها حين طبقت إصلاحات حولتها إلى دولة قومية تركية. ولم يبق لوحدة المسلمين السياسية أثر حين هزمت الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى وتفككت أوصالها ثم سقطت ومعها الخلافة الإسلامية. ولم تنجح محاولات إعادة الخلافة أو جمع الدول المسلمة في تنظيم دولي واحد أو حتى اجتماع زعماء الدول الإسلامية لمناقشة قضايا أمتهم حتى حريق المسجد الأقصى عام 1969.

 

وقد حاولت في هذه الدراسة الربط بين هذين المسارين – مسار علاقة المسلمين بالغرب ومسار وحدتهم السياسية. فاسترخاء العلاقات العثمانية-الغربية سمح بتدخل الغرب في الشئون الداخلية للدولة العثمانية مما أثر سلباً على وحدتها وتماسكها. ولما استعمر الغرب معظم بلاد المسلمين التفوا حول الدولة العثمانية أملاً في الحصول على دعمها للتخلص من استعمار الغرب. لكن فشل العثمانيين في حماية المسلمين من الغرب زعزع مكانتهم في العالم الإسلامي. فطرح دعاة الجامعة الإسلامية أفكاراً لإصلاح الدولة العثمانية أو استبدالها بخلافة إسلامية جديدة. هذه الأفكار عكست تأثر هؤلاء الدعاة بالنموذج الغربي للدولة الحديثة ورؤاه للمسألة القومية. لكنها أيضاً عبرت عن إيمان بأن طريق الخلاص من استعمار الغرب لبلاد المسلمين يمر بالوحدتين الإسلامية والوطنية.

 

وأدى إصلاح الدولة العثمانية لتماثل دول الغرب الحديثة في عهد حكومة الاتحاد والترقي إلى القضاء على ما تبقى لها من تأثير في المسلمين، ثم تفككها وانهيارها لتقوم على أنقاضها دولة تركية علمانية تولي وجهها شطر الغرب وترفض الارتباط بالمسلمين، ودول عربية احتلها الغرب أو خضعت لنفوذه. ولم ينجح قادة تلك الدول في توحيد المسلمين – ولو رمزياً – لتباين مصالحهم وعدم استقلال دولهم عن الغرب. وبعد إنجاز الاستقلال تباينت توجهات حكومات تلك الدول تجاه الغرب، وتباينت معها توجهاتهم نحو الوحدة الإسلامية. فالحكومات غير المرتبطة بالغرب لم تسع لتحقيق الوحدة الإسلامية، بل شككت في محاولات الحكومات المرتبطة بالغرب لتحقيق تلك الوحدة لمجرد ارتباط تلك الحكومات بالغرب.

 

هذه النتائج الأولية التي توصلت إليها في هذه الدراسة يمكن تعزيزها أو تصحيحها بمزيد من الدراسات التاريخية المتعمقة لكل مرحلة من المراحل الخمسة التي عالجتها هنا، وبدراسات نظرية حول احتمال التناقض بين الوحدة الإسلامية وعلاقة المسلمين بالغرب وتوجهاتهم نحوه سلباً أو إيجاباً. مثل تلك الدراسات قد تضيف بعداً جديداً في تفسير علاقة المسلمين ببعضهم في العصر الحديث، وتساعد دعاة الوحدة الإسلامية على تحديد وجهتهم نحو الغرب وبناء خطة في التعامل معه بنجاح في الطريق لتحقيق تلك الوحدة.


 

 

 

 

قائمة المراجع

 

المراجع العربية

 

– أحمد الشوابكة، حركة الجامعة الإسلامية (الزرقاء، الأردن: مكتبة المنار، 1984)

 

– أحمد علي سالم وريهام خفاجي، “الفكر السياسي الإسلامي بين الإصلاح والاستغلال: قراءة فيما أثاره كتاب “الإسلام وأصول الحكم” من جدال”، رؤى، العددان 23 و24، 2004، ص 96-101

 

– أحمد علي سالم، “الإصلاح السياسي الإسلامي من الأفغاني إلى رشيد رضا”، إسلامية المعرفة، المجلد السابع، العدد 25، صيف 2001، ص 47-77

 

– جمال الدين الأفغاني، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981) جزءان

 

– جمال عبد الناصر، المجموعة الكاملة لخطب وأحاديث وتصريحات جمال عبد الناصر، ج 2 (1955-1957): سنوات التحرر العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996)

 

– ساطع الحصري، محاضرات في نشوء الفكرة القومية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985)

 

– السلطان عبد الحميد، تحقيق: محمد حرب، مذكرات السلطان عبد الحميد (دمشق: دار القلم، ط.3، 1991)

 

– صلاح عيسى، الثورة العرابية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1972)

 

– عبد الرحمن الكواكبي، الأعمال الكاملة للكواكبي، تحقيق: محمد جمال طحان (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1995)

 

– عبد الرحمن الكواكبي، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1975)

 

– عبد الرزاق السنهوري، فقه الخلافة وتطوره لتصبح عصبة أمم شرقية، ترجمة: نادية السنهوري، تعليق: توفيق الشاوي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993)

 

– عماد عبد السلام رؤوف، “الجمعيات العربية وفكرها القومي”، (في) تطور الفكر القومي العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1986)

 

– محسن محمد، أصول الحكم: تاريخ مصر بالوثائق البريطانية والأمريكية (القاهرة: دار المعارف، 1980)

 

– محمد السيد سليم، العلاقات بين الدول الإسلامية (الرياض: جامعة الملك سعود، 1991)

 

– محمد رشيد رضا، الخلافة (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1994)

 

– محمد عبده، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة (بيروت: دار الشروق، 1993)

 

– محمد عمارة، الجامعة الإسلامية والفكرة القومية: نموذج مصطفى كامل (بيروت والقاهرة: دار الشروق، 1994)

 

– محمد فريد، تحقيق: إحسان حقي، تاريخ الدولة العلية العثمانية (بيروت: دار النفائس، ط.7، 1993)

 

– مصطفى عبد القادر النجار، فكر الثورة العربية لعام 1916 واستقلال العرب، (في) تطور الفكر القومي العربي، (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1986)

 

– موفق بني المرجة، صحوة الرجل المريض: السلطان عبد الحميد والخلافة الإسلامية (الكويت: مؤسسة صقر الخليج للطباعة والنشر، 1984)

 

– نادية محمود مصطفى، “العصر العثماني”، (في) نادية محمود مصطفى (مشرف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996) ج11

 

– ودودة بدران، وضع الدول الإسلامية في النظام الدولي في أعقاب سقوط الخلافة العثمانية (1924-1991)، (في) نادية محمود مصطفى (مشرف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996) ج 12

 

المراجع الإنجليزية

 

–   Abdul-Nasser, Gamal, The Philosophy of The Revolution (Buffalo, N.Y.: Economica Books, 1959(

 

–   Al-Ahsan, Abdullah, The Organization of The Islamic Conference: An Introduction to an Islamic Political Institution (Herndon, VA: International Institute of Islamic Thought, 1988)

 

-Badran, Margot, Feminists, Islam, and Nation: Gender and the Making of Modern Egypt (Princeton: Princeton University Press, 1995)

 

–   Choudhury, Golam W., “Organization of the Islamic Conference: Origins”, (in) John L. Esposito (ed.), The Oxford Encyclopedia of The Modern Islamic World, vol. 1 (New York and Oxford: Oxford University Press, 1995) vol. 3, pp. 260-261

 

-Dodge, Bayard, Al-Azhar: A Millennium of Muslim Learning (Washington, D. C.: The Middle East Institute, 1961)

 

-Hamilton, Alastair, Alexander H. de Groot and Maurits H. van den Boogert (eds.), Friends and Rivals in the East: Studies in Anglo-Dutch Relations in the Levant from the Seventeenth to the Early Nineteenth Century (Leiden: Brill, 2000)

 

–   Horniker, Arthur Leon, “Anglo-French Rivalry in the Levant from 1583 to 1612”, The Journal of Modern History, Volume 18, Issue 4 (December 1946), 289-305

 

-Karpat, Kemal H., “The Transformation of the Ottoman State, 1789-1908”, International Journal of Middle East Studies, Volume 3, Issue 3 (July 1972), 243-281

 

-Kramer, Martin, Islam Assembled: The Advent of the Muslim Congresses (New York: Columbia University Press, 1986)

 

-Menage, V. L., “The English Capitulation of 1580: A Review Article”, International Journal of Middle East Studies, Volume 12, Issue 3 (November 1980), 373-383

 

–   Miller, W., “Europe and the Ottoman Power before the Nineteenth Century”, The English Historical Review, Volume 16, Issue 63 (July 1901), 452-471

 

–   Nutting, Anthony, Nasser (New York: E. P. Dutton & Co., INC., 1972)

 

-Raccagni, Michelle, “The French Economic Interests in the Ottoman Empire”, International Journal of Middle East Studies, Volume 11, Issue 3 (May 1980), 339-376

 

–   Schulze, Reinhard, “Muslim World League”, (in) John L. Esposito (ed.), The Oxford Encyclopedia of The Modern Islamic World, vol. 1 (New York and Oxford: Oxford University Press, 1995) vol. 3, pp. 208-210.

 

 

الهوامش

 

(1)  لمزيد من التفاصيل حول الامتيازات الأجنبية في الدولة العثمانية انظر:

 

– Margot Badran, Feminists, Islam, and Nation: Gender and the Making of Modern Egypt (Princeton: Princeton University Press, 1995(

 

– Alastair Hamilton, Alexander H. de Groot and Maurits H. van den Boogert (eds.), Friends and Rivals in the East: Studies in Anglo-Dutch Relations in the Levant from the Seventeenth to the Early Nineteenth Century (Leiden: Brill, 2000)

 

– Arthur Leon Horniker, “Anglo-French Rivalry in the Levant from 1583 to 1612”, The Journal of Modern History, Volume 18, Issue 4 (December 1946), 289-305

 

– Kemal H. Karpat, “The Transformation of the Ottoman State, 1789-1908”, International Journal of Middle East Studies, Volume 3, Issue 3 (July 1972), 243-281

 

– V. L. Menage, “The English Capitulation of 1580: A Review Article”, International Journal of Middle East Studies, Volume 12, Issue 3 (November 1980), 373-383

 

– W. Miller, “Europe and the Ottoman Power before the Nineteenth Century”, The English Historical Review, Volume 16, Issue 63 (July 1901), 452-471

 

– Michelle Raccagni, “The French Economic Interests in the Ottoman Empire”, International Journal of Middle East Studies, Volume 11, Issue 3 (May 1980), 339-376

 

(2) انظر رأي الشيخ محمد عبده أن الدولة العثمانية كانت أقوى الدول الإسلامية وأصلحها لقيادة العالم الإسلامي في: محمد عمارة، الجامعة الإسلامية والفكرة القومية: نموذج مصطفى كامل (بيروت والقاهرة: دار الشروق، 1994) ص 56. وانظر أيضاً:

 

Martin Kramer, Islam Assembled: The Advent of the Muslim Congresses (New York: Columbia University Press, 1986) pp. 3-4

 

(3)  لمزيد من التفاصيل حول الصراع العثماني-الفارسي انظر: محمد السيد سليم، العلاقات بين الدول الإسلامية (الرياض: جامعة الملك سعود، 1991) ص 71-75

 

(4)  حول العلاقة بين الطريقة الصوفية السنوسية والدولة العثمانية انظر: أحمد الشوابكة، حركة الجامعة الإسلامية (الزرقاء، الأردن: مكتبة المنار، 1984) ص 229-234

 

(5)  المرجع السابق، ص 246-247

 

(6) Martin Kramer, op. cit., p 5

 

(7)  أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 208-209. ويذكر أن السلطان تراجع عن دعمه للثورة العرابية وأعلن عصيان قادتها، ولمزيد من التفاصيل انظر: صلاح عيسى، الثورة العرابية (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1972) ص 104-116؛ أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 201-213؛ نادية محمود مصطفى، “العصر العثماني”، (في) نادية محمود مصطفى (مشرف)، مشروع العلاقات الدولية في الإسلام (القاهرة: المعهد العالمي للفكر الإسلامي، 1996) ج11، ص 284-286.

 

(8)  حول تحدي بعض الولاة سلطة الدولة العثمانية انظر: محمد فريد، تحقيق: إحسان حقي، تاريخ الدولة العلية العثمانية (بيروت: دار النفائس، ط.7، 1993) ص 448-454؛ عماد عبد السلام رؤوف، “الجمعيات العربية وفكرها القومي”، (في) تطور الفكر القومي العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1986) ص 105-108؛ نادية محمود مصطفى، مرجع سابق، ص 235-257.

 

(9) Martin Kramer, op. cit., pp. 4-5

 

(10)  حول علاقة الإمام شامل بالدولة العثمانية انظر: أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 296-302.

 

(11) Martin Kramer, p 5

 

(12)  حول العلاقات بين قادة المجاهدين المسلمين في الهند وآسيا الوسطى بالدولة العثمانية انظر: أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 280-281، 293-295.

 

(13)  لمزيد من التفاصيل حول التكالب الاستعماري على آسيا المسلمة انظر: محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 76-82.

 

(14)  لمزيد من التفاصيل حول سياسة الجامعة الإسلامية التي تبناها السلطان عبد الحميد الثاني انظر: موفق بني المرجة، صحوة الرجل المريض: السلطان عبد الحميد والخلافة الإسلامية (الكويت: مؤسسة صقر الخليج للطباعة والنشر، 1984) ص 85-118.

 

(15)  لمزيد من التفاصيل انظر: أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 275-280؛

 

Martin Kramer, op. cit., p 2

 

(16)  السلطان عبد الحميد، تحقيق: محمد حرب، مذكرات السلطان عبد الحميد (دمشق: دار القلم، ط.3، 1991) 147-149

 

(17)  المرجع السابق، ص 97-98؛ نادية محمود مصطفى، مرجع سابق، ص 286-291؛ ولتفسير آخر لرفض السلطان العثماني التدخل عسكرياً للدفاع عن مصر تحديداً انظر: ساطع الحصري، محاضرات في نشوء الفكرة القومية (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1985) ص 165-167.

 

(18) Martin Kramer, op. cit., p 6.

 

(19)  لمزيد من التفاصيل حول مواقف مسلمي الهند ومصر من هذه الحرب انظر: أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 216-217، 289؛ محمد عمارة، مرجع سابق، ص 84-85.

 

(20)  لمزيد من التفاصيل حول هذا المشروع انظر: أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 173-198؛ موفق بني المرجة، مرجع سابق، ص 108-118.

 

(21)  لمزيد من التفاصيل حول فكرة الجامعة الإسلامية في إطار دعوات الإصلاح السياسي في نهايات القرن التاسع عشر انظر: أحمد علي سالم، “الإصلاح السياسي الإسلامي من الأفغاني إلى رشيد رضا”، إسلامية المعرفة، المجلد السابع، العدد 25، صيف 2001، ص 47-77.

 

(22)  حول موقف الأفغاني من الاستعمار انظر: جمال الدين الأفغاني، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1981) الجزء الثاني: الكتابات السياسية، ص 69-91.

 

(23)  محمد عبده، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة (بيروت: دار الشروق، 1993) ص 54-69، 83-101.

 

(24)  انظر كيف يبدي الكواكبي إعجابه ببعض جوانب الحضارة الغربية في: عبد الرحمن الكواكبي، الأعمال الكاملة للكواكبي، تحقيق: محمد جمال طحان (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1995) ص 307-308، 374، 439، 444، 466، 479، 483، 491، 515-517، 522.

 

(25)  حول نضال مصطفى كامل ضد استعمار بريطانيا لمصر انظر: محمد عمارة، مرجع سابق، ص 22-46.

 

(26)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 118.

 

(27)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 149-171.

 

(28)  عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص 397-399، 509-519.

 

(29)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، ص 44.

 

(30)  محمد عبده، مرجع سابق، ص 115؛ محمد عمارة، مرجع سابق، ص 56.

 

(31)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 15، 39، 48.

 

(32)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 372-373، 396.

 

(33)  عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص 394-402، 443-456.

 

(34)  انظر كتاب “طبائع الاستبداد” في: عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص 430-535.

 

(35)  عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص 361-364.

 

(36)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 109-113.

 

(37)  عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، ص 515.

 

(38)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 84-89.

 

(39)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 124-127.

 

(40)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 34-39

 

(41)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الأول، ص 55

 

(42)  محمد عبده، مرجع سابق، الجزء الأول، ص 109

 

(43)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الأول، ص 41-43

 

(44)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 55.

 

(45)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الأول، ص 73.

 

(46)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 16-19.

 

(47)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 15، 39، 48

 

(48)  جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الثاني، ص 13-16.

 

(49)  انظر على سبيل المثال: جمال الدين الأفغاني، مرجع سابق، الجزء الأول، ص 83-99.

 

(50)  عبد الرحمن الكواكبي، مرجع سابق، 365-367.

 

(51)  انظر على سبيل المثال: عبد الرحمن الكواكبي، الأعمال الكاملة، تحقيق: محمد عمارة (بيروت: المؤسسة العربية للدراسات والنشر، 1975) 33-53.

 

(52)  محمد عمارة، مرجع سابق، ص 53-54.

 

(53)  انظر رأي السلطان عبد الحميد في الانقلابين في: السلطان عبد الحميد، مرجع سابق، ص 184-266.

 

(54)  ساطع الحصري، مرجع سابق، ص 108-109، 136-137.

 

(55)  لمزيد من التفاصيل حول جهود الحكومة العثمانية لحشد المسلمين ضد الحلفاء في الحرب العالمية الأولى انظر:

 

Martin Kramer, op. cit., pp. 55-68.

 

(56)  لمزيد من التفاصيل حول الثورة العربية ضد الحكم العثماني عام 1916 انظر: ساطع الحصري، مرجع سابق، 151-162؛ مصطفى عبد القادر النجار، فكر الثورة العربية لعام 1916 واستقلال العرب، (في) تطور الفكر القومي العربي، مرجع سابق، ص 141-152.

 

(57)  اعترف مسئول في الحكومة العثمانية بهذه الحقيقة خلال الحرب، انظر: ساطع الحصري، مرجع سابق، ص 160-161

 

(58)  لمزيد من التفاصيل حول هذه الحركة وقيادتها انظر:

 

Martin Kramer, op. cit., 73-76.

 

(59)  المزيد من التفاصيل حول هذا الصراع انظر:

 

Martin Kramer, op. cit., 76-79.

 

(60)  محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 95

 

(61)  محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 93-94

 

(62)  محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 91-92

 

(63)  انظر هذا الرأي الذي عبر عنه أحد الكتاب المصريين في:

 

Martin Kramer, op. cit., pp. 87-90.

 

(64)  محمد رشيد رضا، الخلافة (القاهرة: الزهراء للإعلام العربي، 1994)

 

(65)  محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 92-93

 

(66)  لمزيد من التفاصيل حول هذه المحاولة لإحياء الخلافة انظر:

 

Martin Kramer, op. cit., pp. 80-85.

 

(67)  قبل سقوط الدولة العثمانية بفترة أرسل عبد العزيز بن سعود – الذي لم يكن قد أصبح ملكاً بعد – رسالةً إلى السلطان العثماني يعلن فيه ولاءه له. انظر الرسالة في: أحمد الشوابكة، مرجع سابق، ص 17.

 

(68)  لمزيد من التفاصيل حول مؤتمر مكة والموقف السعودي من قضية إحياء الخلافة انظر: محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 96-97؛

 

Martin Kramer, op.cit., pp. 106-122; Abdullah al-Ahsan, The Organization of The Islamic Conference: An Introduction to an Islamic Political Institution (Herndon, VA: International Institute of Islamic Thought, 1988) pp. 12-13;

 

(69)  حول الحجج التي ساقها الشيخ علي عبد الرازق للدفاع عن رأيه والكتب المنشورة في الرد عليه انظر: أحمد علي سالم وريهام خفاجي، “الفكر السياسي الإسلامي بين الإصلاح والاستغلال: قراءة فيما أثاره كتاب “الإسلام وأصول الحكم” من جدال”، رؤى، العددان 23 و24، 2004، ص 96-101.

 

(70)  لمزيد من التفاصيل حول تلك الأزمة وسياقها التاريخي والسياسي انظر: محسن محمد، أصول الحكم: تاريخ مصر بالوثائق البريطانية والأمريكية (القاهرة: دار المعارف، 1980)؛

 

Martin Kramer, op. cit., pp. 87-90.

 

(71)  لمزيد من التفاصيل حول المؤتمر والمواقف المحلية والدولية منه انظر: محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 93-96؛

 

Martin Kramer, op. cit., pp. 86-102; Abdullah al-Ahsan, op. cit., pp. 11-12

 

(72)  محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 97-98؛

 

Martin Kramer, op. cit., pp. 102-105.

 

(73)  عبد الرزاق السنهوري، فقه الخلافة وتطوره لتصبح عصبة أمم شرقية، ترجمة: نادية السنهوري، تعليق: توفيق الشاوي (القاهرة: الهيئة المصرية العامة للكتاب، 1993) ص 321-35.

 

(74)  عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 301، 308.

 

(75)  عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 311-335.

 

(76)  عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 321-322.

 

(77)  عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 271-273.

 

(78)  عبد الرزاق السنهوري، مرجع سابق، ص 332-333.

 

(79)  انظر رأي الأستاذ توفيق الشاوي أن إنشاء منظمة المؤتمر الإسلامي ثمرة لهذه الفكرة في المرجع السابق.

 

(80)  لتقييم وضع البلاد المسلمة في النظام الدولي عقب سقوط الدولة العثمانية انظر: ودودة بدران، وضع الدول الإسلامية في النظام الدولي في أعقاب سقوط الخلافة العثمانية (1924-1991)، (في) نادية محمود مصطفى (مشرف)، مرجع سابق، ج 12، ص 17-62

 

(81)  لمزيد من التفاصيل حول هذه الحملة انظر نصوص خطبه في: جمال عبد الناصر، المجموعة الكاملة لخطب وأحاديث وتصريحات جمال عبد الناصر، ج 2 (1955-1957): سنوات التحرر العربي (بيروت: مركز دراسات الوحدة العربية، 1996) ص 48-57؛

 

Anthony Nutting, Nasser (New York: E. P. Dutton & Co., INC., 1972) pp. 74-90.

 

(82)  لنماذج من هذه المحاولات انظر:

 

‘Abdullah al-Ahsan, op. cit., pp. 13-15.

 

(83)  لمزيد من التفاصيل حول رابطة العالم الإسلامي انظر: محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 198-199؛

 

Reinhard Schulze, “Muslim World League”, (in) John L. Esposito (editor), op. cit., vol. 3, pp. 208-210.

 

(84) لمزيد من التفاصيل حول مؤتمر القدس عام 1931 والجهود السعودية لإحيائه في الستينات انظر:

 

Martin Kramer, op. cit., pp. 123-141; ‘Abdullah al-Ahsan, op. cit., pp. 16-17.

 

(85)  انظر:

 

Gamal Abdul-Nasser, The Philosophy of The Revolution (Buffalo, N.Y.: Economica Books, 1959) p 77.

 

(86)  لمزيد من التفاصيل حول دور الأزهر في العالم الإسلامي في ذلك الوقت انظر:

 

Bayard Dodge, Al-Azhar: A Millennium of Muslim Learning (Washington, D. C.: The Middle East Institute, 1961) pp. 164-5.

 

(87)  لمزيد من التفاصيل حول جولة الملك فيصل والموقف المعارض لفكرة المؤتمر الإسلامي انظر: محمد السيد سليم، مرجع سابق، ص 199-201؛

‘Abdullah al-Ahsan, op. cit., pp. 17-18; Golam W. Choudhury, “Organization of the Islamic Conference: Origins”, (in) John L. Esposito (editor in chief), op. cit., vol. 3, pp. 260-261.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر