أبحاث

قراءة إسلامية لنظرية مالتس في السكان

العدد 73- 74

على الرغم من ظهور العديد من النظريات التى تناولت المسألة السكانية –إلا أن هناك نظرية بعينها كانت –وما زالت –تعتبر النظرية الرائدة التى لا تخلو مقولة ولا دراسة حول السكان من التعرض إليها تلك –هى نظرية مالتس فى السكان .

وقد وجه إلى تلك النظرية العديد من الانتقادات ذات الاتجاهات المختلفة مما بين مؤيد ومعارض ومتحفظ ، ومع هذا لا تكاد تعثر على دراسة جادة ومتعمقة قامت بوضع تلك النظرية القديمة الحديثة فى ميزان الشريعة الإسلامية للتحقق من مضامينها من المنظور الإسلامى . وقد يرجع هذا إلى الحداثة النسبية لدراسات الاقتصاد الإسلامى التى تعيد تفنيد المواضيع الاقتصادية فى الفكر الوضعى ووضعها فى الإطار الإسلامى المقبول .

الهدف من الدراسة : باعتبار الدراسة الحالية من أبحاث الاقتصاد الإسلامى فإن الهدف منها يتمثل فى تناول إحدى النظريات الهامة فى الاقتصاد الوضعى –وهى نظرية مالتس فى السكان –بالنقد والتحليل على ضوء الشريعة الإسلامية .

أهمية الدراسة الحالية: فى الاقتصاد الوضعى ،يتم تناول المسائل الاقتصادية وصياغة المبادئ والنظريات بصرف النظر عن رأى الدين فيها . أما الاقتصاد الإسلامى فمن أهم وظائفه تناول المسائل الاقتصادية مع مراعاة رأى الدين الإسلامى فى تلك المسائل ،والدراسة الحالية تقدم مساهمة متواضعة على طريق تدعيم أسس ومضامين مجال علم الاقتصاد الإسلامى ،وذلك بإخضاع إحدى النظريات الشهيرة فى علم الاقتصاد الوضعى لمعايير الاقتصاد الإسلامى والتحقق منها على ضوء النصوص الشرعية . وذلك ما لم تقم به دراسة من قبل فى مجال الاقتصاد الإسلامى المتنامى .

منهج الدراسة : فى محاولة لتحقيق الهدف المنشود بشكل منطقى وغير متحيز من قبل الباحثة ،فإن التحقق من النظريات المعينة يتم من خلال استعراض النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التى يتضح أنها تنطوى على مضامين تتعلق بمكونات النظرية المحققة مع محاولة إجراء مقارنة منطقية بين تلك النصوص وبين المحتويات الرئيسية للنظرية .

ولأن الدراسة تتم على يد باحثة اقتصادية وليست فقهية شرعية –بحكم الدراسات والخبرات السابقة –فسوف يتم الابتعاد عن الدراسات الفقهية المتعمقة وذات اللهجات العلمية شديدة التخصص ،وذلك اتقاءً للوقوع فى أخطاء تضر بسلامة التوصل إلى نتائج سليمة مبسطة وصالحة للفهم والاستيعاب للباحث العلمى غير المتعمق فى الأمور الفرعية شديدة التعمق والتخصصية .

وتجدر الإشارة إلى أن تلك الدراسة موجهة للباحثين المسلمين وغير المسلمين ،لذا يتم تدعيم نتائج المقارنة المشار إليها عاليه بتحليل منطقى للمتضمنات الأساسية للنظرية باستخدام البيانات اللازمة على مستوى العالم أجمع كمثال إجمالى ،والولايات المتحدة الأمريكية كنموذج لدولة متقدمة اقتصادياً ،وجمهورية مصر العربية كإحدى دول العالم النامى .

محتويات الدراسة : وعلى ضوء ما سبق : تتكون الدراسة الحالية من أربعة مباحث : أولها يتمثل فى مبحث تمهيدى يتم فيه استعراض نظرية مالتس فى السكان ،وأهم ما ورد من آراء وانتقادات حول تلك النظرية الرائدة ،مع إشارة سريعة إلى النظريات السكانية الأخرى . ويلى ذلك المبحثان الثانى والثالث اللذان يتناولان نظرية مقارنة بين ما جاء فى نظرية مالتس من أسس رئيسية وبين النصوص الشرعية الأساسية (القرآن والسنة ) التى يمكن أن تكون لها علاقة بتلك الأسس ؛حيث يركز الفصل الأول على جانب الموارد البشرية (الذرية والتكاثر والإنجاب والزواج ) ،ويدور الفصل الثانى حول الموارد الطبيعية (المشكلة الاقتصادية وقضية الرزق ومصادره ووسائل الحصول عليه ) .

ويضم المبحث الثالث تجربة تحليلية لوضع السكان الفعلى فى العالم (كمثال شامل ) ،وفى الولايات المتحدة ( كدولة متقدمة اقتصادياً ) ،وفى مصر ( كدولة نامية ) . وبتوضيح حقيقة محدودية الموارد بالنسبة للحاجة إليها ،وذلك من خلال استخدام بعض البيانات التى وردت فى هذا الشأن . وتنتهى الدراسة بالخاتمة والتوصيات التى توجز فيها أهم ما خلصت إليه الدراسة ،مع تقديم بعض التوصيات المستنبطة من النتائج المستخلصة من البحث .

تعتبر نظرية مالتس الرائدة بحق بين النظريات السكانية المختلفة ،تلك النظريات التى تناولت المسألة السكانية بمعالجات مختلفة وباتجاهات متباينة ما بين مشجع للزيادة السكانية ،أو معارض أو متحفظ .

تنسب النظرية المذكورة لواضعها روبرت مالتس RT.Malthusالذى ولد فى إنجلترا عام 1766 م ،ودرس فى جامعة كمبردج فى 1806 ،ثم توفى فى عام 1834 عن 68 سنة (مالتس بالإنجليزية 510 ) .

وقد عاصر مالتس ظروفاً اقتصادية سيئة عانت منها بلاده فى إنجلترا ،ففى أواخر القرن الثامن عشر وأوائل القرن التاسع عشر تكررت مشكلة نقص الحاصلات الزراعية وصعوبة استيراد القمح ،مما أدى إلى ارتفاعً ثمن القمح ارتفاعاً فاحشاً ،كما أن انتشار استخدام الآلات نتيجة للثورة الصناعية أدى إلى تفشى البطالة والفقر بين المواطنين(محمد عبد المنعم الجمال ،80 ،ص 559 ) .ولقد تأثر مالتس بتلك الظروف بشكل حاد مما دفعه إلى تقديم نظريته المشهورة فى السكان .

المتضمنات الأساسية لنظرية مالتس فى السكان: بالرجوع إلى نظريته فى السكان نجد أن مالتس قد أوضح الأسس الآتية :

أولاً :أن كلاً من الطعام والعاطفة الجنسية بين الذكر والأنثى يعتبر من الحاجات الأساسية للإنسان .

ثانياً :أن قدرة الإنسان على التناسل نتيجة لوجود الغريزة الجنسية أعظم بكثير من قدرة الأرض على إنتاج مقومات العيش للسكان .

ثالثاً:ترتيباً على النقطة السابقة –فإن السكان يتزايدون كل 25 سنة بنسبة متوالية هندسية (أى بالتضاعف من مدة لأخرى ) ،فى حين أن مقومات العيش لا يمكن زيادتها فى نفس المدة (25 سنة ) إلا بنسبة متوالية عديدة (أى بالإضافة من مدة إلى أخرى ) .

ولقد أوضح مالتس فى شكل نسب رقمية كمثال لتزايد السكان ووسائل العيش كالتالى :

السكان : 1-2 – 4 – 8 – 16 – 23 – 64 .

ووسائل العيش : 1- 2 – 3 –  4 – 5 – 6 – 7 .

(حيث الفترة بين كل زيادة وأخرى 25 عاماً ،وتمثلها علامة الوصل “- ” ) .

رابعاً :ونتيجة لعدم التوازن بين الزيادة فى السكان والموارد المشار إليها عالية ،يقرر مالتس أنه طالما يستحيل بقاء زيادة سكانية على قيد الحياة بدون توافر الموارد الغذائية اللازمة ،فإن كل زيادة سكانية عن القدر اللازم من الغذاء المتوافر لابد أن تنعدم ،ومن ثم يرى مالتس أن هناك نوعين من الضوابط أو المعوقات Checks& Obstaclesالتى يمكن أن تتدخل تلقائياً أو وضعياً لضبط جماح الزيادة السكانية عن الموارد الطبيعية المتاحة ،تلك الضوابط تنقسم إلى مجموعتين رئيسيتين هما :

(1) الضوابط الموجبةChecks   positive، وتتم بتداخل الطبيعة مثل الأمراض والأوبئة والحروب والمجاعات وما إليها من الكوارث التى تعمل على تقصير أمد الحياة على الأرض ،وبالتالى إلى تخفيض عدد السكان .

(2) الضوابط الواقية أو المانعة Preventive Checks،وهى وسائل يختص بها الإنسان وحده ويمكن تقسيمها –بدورها –إلى نوعين رئيسيين :

1- العوائق الأخلاقية Moral Restraint، ويعنى بها أن يؤجل الإنسان زواجه حتى يتوافر له من الرزق ما يسمح له بتكوين أسرة ،وأن يعيش أثناء ذلك متحلياً بالعفة وضبط النفس .

2- استخدام وسائل منع الحمل Contraceptions  .

بالرجوع إلى المكونات الرئيسية لنظرية مالتس فى السكان نلاحظ أنها تشتمل على النقاط المحورية الآتية :    

1- إن العاطفة الجنسية بين الجنسين تعتبر من الحاجات الأساسية للإنسان ،وأنها تمثل المكانة الثانية بعد الطعام .

2- إن مقومات العيش للإنسان تأتى من الأرض وحدها .

3- إن الإنسان هو المهيمن والمسيطر على عملية الإنجاب والتكاثر .

4- إن نمو البشر والموارد الطبيعية يتم بمعدل منتظم ومعلوم مسبقاً للإنسان .

5 –إن هناك مشكلة ندرة نسبية فى الموارد بالنسبة للحاجات البشرية نتيجة نمو الموارد بمعدل يقل عن معدل نمو البشر .

6 –إن الأمراض والأوبئة والمجاعات تعتبر إحدى وسائل التخلص من الزيادة فى السكان الفائضة عن الموارد المتاحة .

7- أن تأجيل الزواج مع العفة يعتبر وسيلة “أخلاقية ” لمنع زيادة السكان من الموارد المتاحة .

8 –أن وسائل منع الحمل يمكن أن تستخدم لمنع زيادة السكان على الموارد المتاحة .

فإذا ما وجهنا المنظور الشرعى إلى تلك النقاط فما من شك أن هناك العديد من التساؤلات الهامة التى يمكن أن تثور فى الأذهان . ومن ذلك مثلاً نتساءل :

– هل حقاً أن العاطفة الجنسية بين الجنسين تعتبر من الحاجات الأساسية للإنسان ؟

– هل مقومات العيش للإنسان مصدرها الوحيد هو الأرض ؟

– هل الإنسان هو المهيمن الفعلي على عملية الإنجاب والتكاثر ؟

– هل يحل –شرعاً –استعمال الأسباب التى يمكن أن تحول دون الإنجاب والتكاثر ؟

– هل يحل للإنسان أن يؤجل زواجه أو يسعى إلى تأجيل إنجابه مخافة الفقر ؟

– هل نمو الموارد الطبيعية محدود فعلاً ؟

– هل هناك حقيقة مشكلة اقتصادية ،بمعنى نقص فى الموارد بالنسبة للحاجات البشرية ؟

– هل الأمراض والأوبئة والكوارث الطبيعية الأخرى ترجح –حقيقة –إلى زيادة عدد السكان ؟

– وهل حقاً أن الله سبحانه وتعالى قد اتاح للبشر إمكانية معلومية نمو البشر والموارد الطبيعية مسبقاً ، وهل يتم ذلك النموحقاً بمعدل منتظم كما أوضح مالتس ؟

الواقع أن الإجابة على مثل هذه التساؤلات من المنظور الإسلامى ليس بالشئ السهل اليسير ولا تكفى دراسة واحدة فقط للإيفاء بالغرض المنشود خاصة وأن الإجابات المستهدفة تنطوى على العديد من المواضيع المتداخلة المتفرعة المتنوعة ،وهو هذا فسوف تقوم الدراسات الحالية بمحاولة إيجاد إجابات مختصرة ووافية بإذن الله تعالى –بقدر ما يحتمله الحجم الطبيعى للبعد والمجهود الفردى للباحثة –على تلك التساؤلات الهامة راجين من الله تعالى أن يوفقنا فى هذا المقصد ،وآملين فى قيام دراسات أخرى مكملة لهذا البحث ودعمه لتحقيقه لتلك النظرية الهامة ولما تثيره من تساؤلات أهم .

ونظراً للأهمية الجوهرية لذلك الجزء من الدراسة نقدمه فى جزء منفرد يتمثل فى المبحث الأول من الدراسة الجارية ،ولكن قبل هذا –لا ينبغى أن يفوتنا عرض نقد تلك النظرية من المنظور غير الإسلامى كما نرى فى القسم التالى من هذا المبحث التمهيدى .

نقد نظرية مالتس من المدارس والأيديولوجيات الفكرية المختلفة: نظراً للأهمية الريادية لنظرية مالتس فى السكان ،فإنه يجدر بنا –بداءة –أن نوجز أهم الانتقادات التى وجهت إلى تلك النظرية ،والتى سوف نلاحظ أنها قد تأثرت فى مضامينها بالإيديولوجيات المختلفة التى نبعت منها ،وذلك كما سيتبين من العرض الموجز التالى :

– فالاقتصاديون الرأسماليون يرون أن مالتس قد طبع الاقتصاد بلون أسود قاتم بتقديمه لتلك النظرية التشاؤمية، غير أنها قامت –مع هذا –على فكرة علمية بلغت من أهميتها أن دفعت المدرسة الكلاسيكية الحديثة إلى محاولة الإبقاء على الفكرة الأصلية للنظرية مع تقديمها فى شكل متطور أكثر تفاؤلاً وقبولاً من العلماء .

– وينتقد الماركسيون النظرية من منظور مختلف حيث يرون أن مالتس بتقديمه لتلك النظرية يؤيد خفض أجور العمال ،ويعزو الفقر إلى الإنسان ذاته وليس إلى السبب الفعلى لحدوثه وهو –كما يرون –طبيعة النظام الرأسمالى الفاسد .

– أما المصلحون الاجتماعيون فيرفضون معارضة مالتس –فى نظريته –لتدخل الدولة بإصدار قوانين الفقراء مبرراً ذلك بأن تلك القوانين الفقراء مبرراً ذلك بأن تلك القوانين تشجع وتؤدى إلى الكسل والخمول ، ويرى هؤلاء المصلحون أن معارضة مالتس هذه تدعو ضمنياً إلى إشعال الحروب .

– وقد عورض مالتس من قبل الكنيسة الكاثوليكية حيث اتهم بالكفر وبالخروج على تعاليم الديانة المسيحية لمناداته بوجوب اتباع وسائل ضبط النسل لمنع زيادة السكان ،بينما ضبط النسل يعتبر إنكاراً لإحدى آيات الكتاب المقدس التى تدعو إلى التكاثر وتعمير الأرض .

(لمزيد من التفاصيل ارجع إلى محمد عبد المنعم الجمال ، 80 ص ص 551 – 563 . صلاح الدين نامق ، 70 ،ص ص 57 – 95) .

هذه مجمل الانتقادات الواردة على نظرية مالتس ،ترى ما هو رأى الدين الإسلامى فيما تضمنته تلك النظرية؟ ذلك هو ما سوف نحاول الإجابة عليه فى المبحث التالى .

ونعرض لهذا المبحث من خلال الإجابة على جزء من التساؤلات التى تم عرضها فى المبحث التمهيدى السابق .

1-1 موقف الإسلام من الذرية والتكاثر :بالرجوع إلى النصوص الشرعية من قرآن كريم وسنة مطهرة وجدنا أن الإسلام يشجع على الزواج ويعتبر النسل من الضرورات الواجب المحافظة عليها وينظر إلى الذرية على أنها –بوجه عام –نعمة من الله يهبها لمن يشاء من عباده إلا فى بعض الحالات التى يمكن أن تكون نقمة على أصحابها . ومن ناحية ضبط/ تحديد / تنظيم النسل فهناك من النصوص ما يشير إلى أن النسل –كجزء من الرزق –يأتى بإرادة الله وحده ولا حيلة للإنسان فى التحكم فيه ،وأخرى تشجع على الكثرة العديدة –ومجموعة ثالثة تتعرض للأخذ بوسائل منع الحمل كأسباب بشرية للحيلولة دون الإنجاب والتكاثر ،فما الحكم الشرعى لذلك ؟ فيما يلى عرضاً لما سبق بمزيد من التفسير والإيضاح .

1-1-1 نظرة الإسلام للذرية :

أجمع العلماء على أن الضرورات التى تجب المحافظة عليها خمس هى : النفس ،والدين ،والعقل،والنسل ، والمال . (الإمام محمد أبو زهرة 880 ،ص 99 ) ومن ثم يمكن أن نلاحظ أن النسل من الضروريات الأساسية للإنسان وأن العاطفة الجنسية بين الجنسين يمكن أن تعتبر وسيلة للحصول على النسل ،ولكن بالطريقة المشروعة وهى الزواج ،أى أن تلك العاطفة يجب ألا تعتبر ضرورة أساسية للبشر ،ولكن ضرورة تابعة لضرورة الحصول على النسل . وسوف تكون لنا وقفة أخرى لهذا عن التحدث عن الزواج كضرورة ، والوسائل المشروعة للحيلولة دون الإنجاب والتكاثر ،وذلك فى جزء لاحق من المبحث . هذا، ويمكن التعرف على المزيد حول نظرة الإسلام للذرية والتكاثر وذلك من خلال بعض النصوص الشرعية التى تعرضت لهذا الشأن كما يتضح من العرض التالى :

– البنون وكثرتهم شئ محبوب –بالفطرة –للناس ،فقد قال تعالى : (المال والبنون زينة الحياة الدنيا والباقيات الصالحات خير عند ربك ثواباً وخير أملاً)(الكهف : 46 / 18 ) .

– إنجاب البنين وإقامتهم عند أبيهم من بين النعم الإلهية على الإنسان (ذرنى ومن خلقت وحيداً ،وجعلت له مالاً ممدوداً ،وبنين شهوداً )المدثر / 11- 13 / 74 ) . فمن بين نعم الدنيا قعود البنين عند أبيهم يتمتع بهم ويتملى بهم .

– كثرة النسل المبارك فيه من النعم المستحبة ،ويدل على ذلك دعاء النبى صلى الله عليه وسلم بذلك ، فعن أنس عن أم سليم أنها قالت : ” يارسول الله ،أنس خادمك ادع له . قال اللهم أكثر ماله وولده وبارك له فيما أعطيته ” (صحيح البخارى ،ج4 ،ص 11 ) .

– الذرية المباركة نعمة ،فهى وسيلة للاستغفار للوالد والدعاء له ،ففى رواية لأبى هريرة عن النبى صلى الله عليه وسلم أنه قال : “إن العبد لترفع له الدرجة فيقول أى رب أنى لى هذا ،فيقول : باستغفار ولدك لك بعدك ” (سنن ابن ماجة ج 2 ،ص 33 ) .

– غير أن الذرية اعتبرت فى بعض النصوص فتنة واختبار إلهى ،ويتضح ذلك من الآيات الكريمة : (واعملوا أنما أموالكم وأولادكم فتنة وأن الله عنده أجر عظيم )(الأنفال : 28 / 8 ) .

(يا أيها الذين آمنوا لا تلهكم أموالكم ولا أولادكم عن ذكر الله ومن يفعل ذلك فأولئك هم الخاسرون )(المنافقون : 9 / 63 ) .

(إنما أموالكم وأولادكم فتنة والله عنده أجر عظيم )(التغابن : 15 /  64 ) .

الذرية وسيلة لتعذيب الكافرين فى الحياة : (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم إنما يريد الله ليعذبهم بها فى الحياة الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )(التوبة : 55 / 9 ) . ويتأكد ذلك فى المعنى فى نفس سورة التوبة فيقول الله تعالى : (ولا تعجبك أموالهم وأولادهم إنما يريد الله أن يعذبهم بها فى الدنيا وتزهق أنفسهم وهم كافرون )(التوبة : 85 / 9 ) .

ويلاحظ من تلك النصوص السابقة أن الذرية دائماً تأتى مرتبطة بالمال وتالية له ،وذلك يستحق دراسة أكثر تعمقا للتعرف على الحكمة وراء هذا .

– الولد الصالح يعتبر من الأعمال ذات العوائد الممتدة للوالد بعد موته (زينب الأشوح ،94 ،ص 16 ) فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم عن أبى هريرة رضى الله عنه : “إذا مات الإنسان انقطع عمله إلا من ثلاث : صدقة جارية ،أو علم ينتفع به ،أو ولد صالح يدعو له ” (رواه مسلم ) .

وفى رواية أخرى عن أبى هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “إن مما يلحق المؤمن من عمله وحسناته بعد موته علم علمه ونشره ،أو ولد صالح يدعو له ،أو مصحف ورثه .. ” (سنن ابن ماجة ج2 ، ص10 ) .

– التكاثر فى الذرية حق أساسى للأمة الإسلامية ،فقد روى أن رجلا خطب امرأة عقيماً فقال : يا رسول الله ، إنى خطبت امرأة ذات حسب وجمال وإنها لا تلد ،فنهاه رسول الله صلى الله عليه وسلم ،وقال “سوداء ولود خير من حسناء عقيم ألا تعلم أنى مكاثر بكم يوم القيامة ” (رواه أبو داود والنسائى ) كما قال صلى الله عليه وسلم “تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأنبياء يوم القيامة ” (محمد أبو زهرة ،88 ،ص 94 ) ،وقال صلى الله عليه وسلم أيضاً :”تزوجوا الودود الولود فإنى مكاثر بكم الأمم يوم القيامة ،ولا تكونوا كرهبانية الأمم “(البيهقى من حديث أبى أمامة ) .

1-1 -2 المتحكم فى الذرية والتكاثر هو الله أما الإنسان فله الأسباب: فقد ثار جدل محتدم حول ما يطلق عليه أحياناً تحديد النسل ،وآخر ضبط النسل ،وثالث تنظيم النسل أو الأسرة ،وتعالت الصيحات –التى كان مالتس من بين من أطلقها –تنادى بضرورة قيام الإنسان بتقليلنسله وذريته تخفيفاً لحدة مشكلة نقص الموارد المتاحة لسد الاحتياجات البشرية المختلفة . وهنا ثار تساؤل بالغ الأهمية وهو : هل الإنسان هو المهيمن الفعلى على عملية الإنجاب والتكاثر ؟ لذا فقد تعين علينا أن نلجأ إلى النصوص القرآنية والسنة باعتبارهما المصدرين الأساسيين للتشريع الإسلامى فى محاولة جادة لإيجاد إجابة شافية على ذلك التساؤل الخطير ، وذلك على النحو التالى :

– قاعدة عامة : إن الله سبحانه وتعالى هو الذى قدر أن يحدث زواج بين الذكر والأنثى ،وقدر أن ينجم عن هذا الزواج حفظ للنسل بإنجاب الأولاد وأولاد الأولاد … إلخ ،(والله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات )(النحل : من آية : 72 / 16 ) .

ويلاحظ فى الآية السابقة الربط بواو العطف بين الزواج والذرية والرزق من الطيبات مما يوحى بأن هناك ارتباطاً طردياً بين الزيادة السكانية (بنين وحفده ) وبين الموارد الاقتصادية (ورزقكم من الطيبات ) .

– ومثل العمر والآجل ،تؤكد كلمات الله الكريمة أن الحمل والإنجاب –كقاعدة عامة –أمر بيد الله وحده وليس بيد الإنسان إلا اتخاذ الأسباب لحدوثه ،ولكنه لا يملك القدرة على العلم به أو التحكم المطلق فيه مقدماً ، ويتجلى ذلك العنى فى قوله تعالى :(والله خلقكم من تراب ثم من نطفة ثم جعلكم أزواجاً وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه وما يعمر من معمر ولا ينقص من عمره إلا فى كتاب إن ذلك على الله يسير )(فاطر : 11 / 35 ) .وكذلك فى قوله تعالى :(إليه يرد علم الساعة وما تخرج من ثمرات من أكمامها وما تحمل من أنثى ولا تضع إلا بعلمه )(فصلت : من آية 47 / 41 ) . وتشير الآيات الأخيرة إلى نمو الموارد (التى يمكن أن يشير إليها خروج الثمرات من أكمامها ) ونمو البشر (الذى يشير إليه حمل الأنثى ووضعها ) لا يحدث إلا بعلم الله وحده ،ولم تشر الآية الكريمة إلى أن ذلك وفقاً لنظام معين ،أو أن الإنسان له المقدرة على العلم المسبق بمث تلك الأمور كما نوهت إلى ذلك نظرية مالتس ، ويتجلى نفس المعنى فى قوله عز وجل : (الله يعلم ما تحمل كل أنثى وما تغيض الأرحام وما تزداد وكل شئ عنده بمقدار )(الرعد : 8 / 13).

وفى السنة الشريفة تتجلى المعانى السابقة أيضاً ،فعن أبى سعيد الخدرى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سئل عن العزل فقال : “لا عليكم ألا تفعلوا ذاكم ،فإنما هو القدر ” (أخرجه البخارى ومسلم وابن ماجة) . وعن ابى محيريز أنه قال : دخلت أنا وأبو صرمة على أبى سعيد الخدرى ،فسأله أبوصرمة فقا ل: يا أبا سعيد هل سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكر العزل فقال : نعم ،غزونا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم بالمصطلق (أى بنى المصطلق ) … فأردنا أن نستمع ونعزل ،فقلنا : نفعل ورسول الله بين أظهرنا ،ألا نسأله؟ فسألنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : “لا عليكم ألا تفعلوا ،ما كتب الله خلق نسمة هى كائنة إلى يوم القيامة إلا ستكون “. (أخرجه مسلم وأبو داود ومالك وأحمد والبخارى والنسائى وابن ماجة باختلاف الألفاظ).

وعن جابر بن عبد الله قال : “سأل رجل النبى صلى الله عليه وسلم فقال : إن عندى جارية وأنا أعزل عنها . فقال الرسول صلى الله عليه وسلم : إن ذلك لمن يمنع شيئاً أراده الله . قال . فجاء الرجل ،فقال يا رسول الله إن الجارية التى كنت ذكرتها لك حملت ،فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم أنا عبد الله ورسوله ” .(رواه مسلم).

وروى مسلم أيضاً : عن جابر أن رجلاً أتى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال : إن لى جارية هى خادمتنا وساقيتنا فى النخل وأنا أطوف عليها ،وأنا أكره أن تحمل ،فقال اعزل عنها إن شئت فأنه سيأتيها ما قدر لها . فلبث الرجل ثم أتاه ،فقال : إن الجارية قد حبلت فقال : قد أخبرتك أنه سيأتيها ما قدر لها” (روى بألفاظ مختلفة فى مسلم وابن ماجة وابن حنبل والدرامى وابن أبى شيبة ) . وعندما سئل الرسول صلى الله عليه وسلم عن العزل قال :”ما من كل الماء يكون الولد .. إذا أراد الله خلق الشئ لم يمنعه شئ ” كما قال : “ما من نسمة كائنة إلى يوم القيامة إلا وهى كائنة ” (متفق عليه ) .

ولأن الله سبحانه وتعالى هو الذى يتحكم فى عملية الإنجاب فهو وحده القادر أيضاً على أن يحول المرأة العقيم إلى مرأة ولود (مما أن يمكن يغير من اتجاه النمو السكانى الذى قد يدعى البشر أنهم يعلمونه سلفا ) فقد قال تعالى : (فأوجس منهم خيفة قالوا لا تخف وبشروه بغلام عليم ،فأقبلت امرأته فى صرة فصكت وجهها وقالت عجوز عقيم ،قالوا كذلك قال ربك إنه هو الحكيم العليم )(الذاريات : 28 – 30 / 51 ) .

– وفى آية أخرى يتأكد لنا أن الله سبحانه وتعالى لا يتحكم فقط فى عمليتى الإنجاب والعقم وإنما أيضا فى تحديد نوع المولود : (لله ملك السموات والأرض يخلق ما يشاء يهب لمن يشاء إناثاً ويهب لمن يشاء الذكور .أو يزوجهم ذكراناً وإناثاً ويجعل من يشاء عقيماً إنه عليم قدير )(الشورى : 49 – 50 / 42 ) .

مما سبق عرضه ،يتضح أنه لا ينفى كون الذرية والحمل بيد الله مسئولية مستعمل المانع فى منع النسل أو تقليله ،وإن كان يحدث كما يحدث الموت بأذن الله تعالى . وبالتسليم بمسئولية الناس عن أفهالهم وأن المانع من الحمل قد يكون سبباً يحول به المولى سبحانه دون العمل ،(ومن هنا أخذ بعض الفقهاء ،ومنهم سيدنا عمر رضى الله عنه ،أن الحمل مع عدم الزواج أمارة على الزنا ترتيباً وربطاً للنتيجة بسببها ) فإن السؤال الذى يثور بعدئذ يصبح ،هل يحل استعمال الأسباب التى ثبت أنها تحول دون حوث الحمل ؟

1– 1- 3 رأى الإسلام فى استعمال الأسباب التى يمكن أن تحول دون الإنجاب :

 قبل أن نتعرف على رأى الإسلام فى استعمال الأسباب أو الوسائل التى يمكن أن تحول دون الإنجاب نود أن نبدأ بعرض سريع لأهم تلك الوسائل .

– أوضحت بعض الدراسات (مثال أم كلثوم الخطيب 840 ،ص ص 135 – 140 ،محمد الغزالى 880،ص ص 96 – 98 ،عبد الرحيم عمران بالإنجليزية 920 ) أن هناك العديد من الوسائل المتنوعة لمنع الحمل والإنجاب بعضها طبيعى والآخر مصنع ،وفيما يلى أهم تلك الوسائل :

أولاً : الطريقة الميكانيكية ،وتتم بوضع أداة تمنع تسرب الحيوان المنوى للبويضة . ومن الوسائل المستخدمة فى هذا الشأن “العازل ” الذى يستعمله الرجل ، و “الشريط ” وغطاء “رأس الرحم ” اللذان تستخدمهما المرأة .

ثانياً :الطريقة الكيميائية : وتتلخص استخدام أدوات مهبلية تحتوى على مواد قاتلة للحيوانات المنوية وتستخدم على هيئة كريم أو لبوس مهبلى أو جيلى .

ثالثاً :الطريقة الفسيولوجية ،وتشمل :

1 –العزل (بمعنى إلقاء النطفة فى غير مقرها من الرحم ) .

2 –الاعتزال (بمعنى الامتناع الدورى عن العلاقات الجنسية خلال فترة الأخصاب عند المرأة ) .

3 –الرضاعة (للنساء اللائى لا يعتدن الدورة فى فترة الرضاعة ) .

4 –الهرمونات (عن طريق الفم كأقراص منع الحمل أو عن طريق حقن دورية ) .

رابعاً :التعقيم : وهو عبارة عن عملية جراحية يتم بها ربط الحبل المنوى أو قطعه فى الرجل ،أو ربك قناة فالوب أو قطعها فى المرأة .

وتعد الطرق الثلاث الأولى وسائل “مؤقته ” لمنع الحمل ،بينما تعتبر الوسيلة الرابعة وسيلة “دائمة ” .

رأى الإسلام فى وسائل منع الإنجاب :

إذا ما تحدثنا عن الإنجاب والتكاثر نلاحظ أن هناك من النصوص الشرعية ما يشجع على ذلك ،بينما وردت أخرى فى التحذير من التمادى فى ذلك . فإلى جانب ما عرضناه فى القسم الخاص بنظرة الإسلام فى الذرية خاصة فى آخر جزء منه (ص ص 7 ،8 ) يمكن أن نضيف الحديث الشريف الذى يشجع على زيادة النسل “تناكحوا تناسلوا تكثروا ،فغنى مباهٍ بكم الإمم يوم القيامة ” (رواه أبو داود ) .

أما عن النصوص الشرعية التى تحذر من الإكثار فى الإنجاب فنذكر منها : قوله صلى الله عليه وسلم “جهد البلاء كثرة العيال مع قلة بالشئ ” (رواه الحاكم عن عبد الله بن عمر ) . وقد قال ابن عباس : “إن كثرة العيال أحد الفقرين ،وقلة العيال أحد اليسارين “(رواه القاضعى فى مسند الشهاب )   وقال أبو حنيفة “كثرة العيال تشوش البال ” . هذا ،وقد قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :”توشك الأمم أن تتداعى عليكم كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها ،قالوا : أومن قلة نحن يا رسول الله ؟ فقال : لا إنكم يومئذ لكثير، ولكنكم (كثرة ) كغثاء السيل ،ولينزعن الله من قلوب أعدائكم المهابة منكم ويقذفن الله فى قلوبكم الوهن قالوا : وما الوهن يا رسول الله ؟ قال : حب الدنيا وكراهية الموت “.

ولا يبدو أن هناك تعارضاً بين تلك النصوص الأخرى التى تشجع على الكثرة العددية ،فالأخيرة تشير إلى القاعدة العامة لرأى الإسلام فى مسألة الكثرة العددية للمسلمين إلا أن الكثرة –لكى تؤتى ثمارها المرجوة –لابد أن تكون كثرة قوية قادرة على القيام بالمهام التى وجدت من أجلها.

وعلى أية حال فإن هناك من الظروف ما يبيح عدم الانجاب أو الإقلاع منه مثل التدهور الصحى للأم ، والخشية على حياتها من الإنجاب ،كما يجب تأجيل الحمل أثناء الرضاعة لأنه يؤدى إلى إضعاف الطفل الرضيع ،وقد يجوز تأجيل الحمل إذا ما كان يؤثر على قدرة المرأة على الخدمة مما يستدعى معه استعمال وسيلة أو أخرى لمنع أو لتأجيل الحمل ،ترى ما هو رأى الدين فى الوسائل المتاحة لتحقيق ذلك الغرض والتى سبق أن أوجزنا عرض أهمها عاليه ؟

اختلف العلماء فى جواز العزل ،فقد أجازه فريق منهم ابن حزم وبعض الحنابلة على أنه رخصة فردية ،وإن اختلفوا فى تحديد أسباب هذه الرخصة ما بين موسع ومضيق .

ومن أشد من وسعوا الغزالى فى الإحياء ،ومع ذلك فقد قرر الغزالى مع غيره أن العزل تركه أفضل ،بل اعتبره مكروه ،واعتبر العزل أو المنع الشخصى للنسل يتعارض مع الفطرة ،وبوجه عام فإنه يحرم “منع النسل ،لكون النسل من الأمور الضرورية ،حيث أجمع العلماء على أن الضرورات التى تجب المحافظة عليها خمس هى : النفس ،والدين ،والعقل ،والنسل ،والمال ،وبناء عليه يقرر الإمام محمد أبو زهرة ترك المنع الفردى للنسل للأفضل أو اعتباره مكروهاً ،ويمكن إباحته كرخصة فردية ،أى وفقاً لحالة كل فرد على حدة ،ولا يجوز إباحته كقاعدة عامة تهم الناس فى إقليم أو أمة (لمزيد من التفاصيل ارجع إلى محمد أبو زهرة 880 ، ص ص 93 – 107 ) .

وترى أم كلثوم الخطيب (84 ،ص 140 – 143 ) أن الموانع كلها باستثناء الرضاعة والاعتزال –تؤدى إلى الإضرار بمستعملها مثل تعريض المرأة التى تستخدمها للنزيف أو الالتهابات أو الأورام أو التشوهات الخلقية أو التسلخات المهبلية .. ومن ثم فلا يجوز استعماله من الناحية الشرعية فى الأحوال العادية تطبيقاً للقاعدة الشرعية “الضرر يزال ” ،والأصل فيها حديث الرسول صلى الله عليه وسلم “لا ضرر ولا ضرار ” ، (أخرجه مالك فى الموطأ عن عمر بن يحيى عن أبيه مرسلاً ) ولو كان هناك أدنى شبهة لوقوع الضرر ، لكان ذلك كافياً لمنع تلك الوسائل ،لقوله صلى الله عليه وسلم : “فمن اتقى الشبهات فقد استبرأ لدينه وعرضه ومن وقع فى الشبهات وقع فى الحرام ” (أخرجه أبو داوود فى السنن كتاب البيوع باب فى اجتناب الشبهات) أما عن التعقيم فتشير أم كلثوم الخطيب إلى اتفاق العلماء على عدم جواز استخدامه ،لأن فيه قضاء على النسل قضاء مبرماً ،وتستدل على ذلك بالنهى عن الخصاء (الذى يعد نوعا من التعقيم ) نهياً صريحاً ،فقد أخرج الطبرانى من حديث ابن مظعون أنه قال : “يا رسول الله إنى رجل يشق على العزوبة فأذن لى فى الخصاء، قال :لا ،ولكن عليك بالصيام ” .

وفى هذا الصدد يمكن ان نضيف أنه بالرجوع إلى إحياء علوم الدين للإمام الغزالى (ج2 ،ص 93 ) وذلك فى كتاب الحلال والحرام ومداخلهما يمكن القول بأنه من المحرمات ما يزيل الحياة أو يزيل الصحة ،لذا تمنع الوسائل التى تستخدم فى منع الإنجاب أو الحمل ويمكن أن تعرض مستخدمتها إلى الإصابة بأورام تودى بالحياة (كما ذكر حول أقراص منع الحمل ) أو بمضار صحية جادة (كاللولب الذى يؤدى إلى النزيف ) يمكن أن تصبح محرمة وفقا للمعيار السابق .

أما عن النصوص الشرعية التى وردت صراحة حول وسائل منع الإنجاب فقد جاء فى العزل ،ففى حديث متفق عليه روى جابر : “كنا نعزل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم والقرآن ينزل ” ،وفى رواية مسلم زيادة : “فبلغه فلم ينهنا ” . وقد روى عن جابر أن رجلاً أتى النبى صلى الله عليه وسلم فقال : “اعزل عنها إن شئت ،فإنه سيأتيها ما قدر لها ” (رواه مسلم وأحمد وأبو داود ) . غير أن الشافعية والحنابلة يرون أن العزل مكروه ،لأن فيه تقليل للنسل وقطع للذة عن الموطوءة ،واستدل على كراهية العزل بقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن العزل بأنه “ذلك الوأد الخفى ” ثم تلاوته (وإذا الموءدة سئلت بأى ذنب قتلت )(حديث صحيح رواه أحمد ومسلم (لمزيد من التفاصيل حول هذا الموضوع ارجع إلى أم كلثوم الخطيب 840 ،ص ص  132 – 134) محمد أبو زهرة  880 ، ص ص 96 – 98 ) .

بعد أن انتهينا من استعراض موقف الإسلام من الذرية والتكاثر ننتقل إلى قسم أخر يعرض رأى الإسلام فى الزواج الذى اعتبر فى نظرية مالتس من العوامل غير المرغوب فيها ،لأنها تؤدى إلى التزايد السكانى .

1 – 2 الزواج من المنظور الإسلامى :الزواج فى الإسلام سنة للقادر عليه ،ولقد شجع الإسلام عليه كوسيلة مشروعة لإرضاء غرائز الإنسان الطبيعية بشكل منظم وتحصنه يساعد المتزوج على غض بصره وتحصنه من إشباع غرائزه بطريقة همجية حيوانية لا تتناسب مع أصله السامى الذى خلقه الله عليه كخليفة لله فى   الأرض ،وكمخلوق عاقل يتميز بعقله عن سائر المخلوقات ،وكذلك فقد شرع الزواج كوسيلة للتناسل والإبقاء على الجنس البشرى أجيالاً بعد أجيال . والزواج لا يقبل فى الإسلام إلا إذا اتبعت فى إتمامه شعائر دينية معينة (كوجود شهود والإيجاب والقبول بين الزوج والزوجة أو ولى أمرها مع استئمار الثيب أو استئذان البكر .. إلخ ) وهناك محارم لا يصح شرعا الزواج فيما بينها مثل الأقارب من الدرجة الأولى أو الجمع بين الأختين .. إلخ ) . وما يمكن أن يدخل فى نطاق الدراسة الحالية هو النصوص الشرعية التى تتعرض لأهمية الزواج ،والتى يمكن أن نوجهها للرد على دعوة مالتس لرفع سن الزواج وتأخيره كوسيلة للإقلال من النسل ، وبالرجوع إلى النصوص المعينة نجدها تؤكد على تشجيع الزواج كما يتضح لنا من العرض التالى :

– الزواج حق حتى للفقراء ،لقد قال تعالى : (وانكحوا الأيامى منكم والصالحين من عبادكم وإمائكم إن يكونوا فقراء يغنهم الله من فضله والله واسع عليم )(النور : 32 / 24 ) .

ففى الآية السابقة أمر صريح بالسعى لتزويج المسلمين حتى الفقراء منهم مع تبشير الفقراء بأن يبدل الله تعالى حالهم إلى الغنى بفضله وكرمه . ويتأكد المعنى الأساسى فى الآية وفى الحديث الشريف “إذا جاءكم من تروضنه دينه وخلقه فانكحوه ،إلا تفعلوه تكن فتنة فى الأرض وفساد كبير ” (أخرجه الترمذى من حديث أبى هريرة ) ففى الحديث الشريف يتم الحث على زواج المسلم وجعل الزواج حقاً لكل ذى خلق ودين (وليس لكل ذى مقدرة مالية كما يسير عليه الحال الآن ) .

– الزواج سنة يجب اتباعها ،فيقول الحديث الشريف “النكاح سنتى ،فمن رغب عن سنتى فليس منى “(حديث عائشة مرفوعاً ) ويتأكد نفس المعنى مع توجيه الدعوة للزواج –كسنة –إلى الموسرين ،فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “من كان موسراً فلم يتزوج فليس منا ” (اخرجه الدرامى والبيهقى عن حديث ابن نجيح )  وعن أنس بن مالك رضى الله عنه : “أن نفراً من أصحاب النبى صلى الله عليه وسلم عن عمله فى السر ؟ فقال بعضهم : لا أتزوج النساء . وقال بعضهم : لا أنام على فراش . فبلغ ذلك النبى صلى الله عليه وسلم . فحمد الله وأثنى عليه وقال : ما بال أقوام قالوا كذا ؟ لكنى أصلى وأنام وأصوم وأفطر وأتزوج النساء . فمن رغب عن سنتى فليس منى ” (رواه البخارى ومسلم والنسائى ) .

– الزواج حق للأمة الإسلامية كوسيلة للتكاثر والنماء ،فقد جاء فى الحديث الشريف”تزوجوا فإنى مكاثر بكم الأمم ولا تكونوا كرهبانية الأمم ” (البيهقى من حديث أبى أمامة ) . كما قال النبى صلى الله عليه وسلم “تناكحوا تناسلواتكثروا فإنى مباه بكم الأمم يوم القيامة “(رواه أبو داود ) .

– الزواج والاستطاعة ،نهى الإسلام عن العزوف عن الزواج مخافة العيال ،فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم فى ذلك المعنى : “من ترك النكاح مخافة العيال فليس منا “(إحياء علوم الدين للغزالى ) ،غير أن الإنسان قد لا يستطيع الزواج برغم تشجيع الإسلام عليه ،وذلك لأسباب مادية أو مرضية أو لغير ذلك من الأسباب القدرية –وفى تلك الحالة ينصح الإسلام بالصوم ،لأنه سيكون عصمة له من الزلل . وفى ذلك الحديث نتبين نقطة هامة تخدم البحث الجارى فيما يتعلق بنقد دعوة مالتس لتأخير “سن الزواج ،فقد نادى الحديث ودعا لزواج الشباب ” . والشباب –فى الشافعية اسم لمن “بلغ” إلى أن يكمل الثلاثين ،وقد قال القرطبى فى “المفهم” : “يقال له حدث إلى ست عشرة سنة ،ثم شاب إلى اثنتين وثلاثين ،ثم كهل “أى أن الشاب هو من يتراوح عمره بين السادسة عشرة والثانية والثلاثين ) وقال النووى : الأصح المختار أن الشاب من بلغ ولم يجاوز الثلاثين ،ثم هو كهل إلى أن يجاوز الأربعين ،ثم هو شيخ ” (ابن دقيق العيد ،90 ،ص 153 ) . وبناء على معنى الشباب –كما بينا فى التو –وعلى ما جاء فى الحديث الشريف من حث صريح لهم على الزواج فإن ذلك يضطر دعوة مالتس لتأخير سن الزواج ويجعل من تلك الدعوة أمراً مخالفاً لما ورد صراحة فى الإسلام وفى نصوصه الشرعية .

ومما سبق سرده فى هذا المبحث يمكن تقديم الإجابة المختصرة على بعض التساؤلات التى وردت فى المبحث التمهيدى فنجد أن الإسلام لا يعتبر العاطفة الجنسية من الحاجات البشرية التى يمكن تنظيمها فى شكل الزواج ،ولكنها لم تدخل فى الحاجات الأساسية للإنسان ،بل اعتبرت وسيلة للحصول على إحدى تلك الحاجات (التى عددها الشرع بخمس ) ،وهى النسل . وهى عملية التكاثر والإنجاب فإن الله سبحانه وتعالى هو المتحكم فيها ،ولكنه منح الإنسان أسباباً يأخذ بها ،لكى تتم تلك العملية أو لا تتم ،وعن وسائل منع الحمل التى دعا مالتس إلى استخدامها ،فإنه يجب الرجوع إلى الأحكام الشرعية عند استخدامها وفقاً للمواقف الفردية فيجب عدم استخدامها إلا للضرورة ،كما أن ما يؤدى منها إلى المنع النهائى للنسل يحرم إطلاقاً فى الإسلام وبوجه عام ،فتلك الوسائل مكروهة أو محرمة إذا ما أدت إلى أضرار صحية أو إلى تغيير خلق الله ،أو إلى معصية الله أو إذا كانت تستخدم مخافة الفقر ،هذا ،ويخالف الإسلام رأى مالتس فى الزواج ،فالأخير يدعو إلى تأخير سن الزواج ،بينما يحث الإسلام على الزواج فى سن الإخصاب المتمثل أساساً فى مرحلة الشباب .

دار هذا العرض حول الشق من مكونات النظرية المعينة المتعلق بالذرية وبالزواج ،أو بمعنى أكثر دقة حول الموارد البشرية ورأى الإسلام فى ذلك ،ترى كيف يكون الحال فيما يتعلق بالشق الآخر من النظرية الذى يتعلق بالموارد ،ذلك هو ما سوف نتناوله بالبحث والتنقيب فى المبحث الثانى من البحث .

المبحث الثانى ،الموارد والمحدودية من المنظور الإسلامى

جرى العرف فى الاقتصاد الوضعى على الإقرار بوجود مشكلة اقتصادية تواجه البشر بصفة دائمة ،وتنشأ تلك المشكلة عن ندرة الموارد بالنسبة للحاجات . وينجم عن المشكلة الاقتصادية –بالمعنى الموضح –مشكلة “الاختيار ” و “تخصيص ” الموارد بين الاستعمالات المختلفة . ومن هنا نشأ اصطلاح “السلعة الاقتصادية ” وهى السلعة التى يصبح لها قيمة مادية لندرتها النسبية مثل الماء الذى يستهلك فى المبانى فيدفع ثمن استهلاكه بينما ماء النهر الجارى لا يدفع قيمة الانتفاع به ؛لأنه متاح للجميع ،ومن ثم فلا يعتبر الأخير سلعة اقتصادية .

فإذا ما عدنا إلى مالتس ونظريته فى السكان ،فإننا نلاحظ أنه يرى أن الموارد محدودة النمو وأنها نادرة بالنسبة للسكان ؛لأنها تتزايد بنسبة متوالية عددية التى تقل معدلها عن معدل نمو السكان الذى يتم وفقاً لمتوالية هندسية ،ترى هل يقر الإسلام ما قاله مالتس فى هذا الصدد ؟ هذا ما نود الإجابة عليه فى هذا المبحث ،وذلك بالاستعانة بالنصوص الشرعية من القرآن والسنة .

يمكن القول بأن “الموارد ” فى الاقتصاد الوضعى لها تسمية مختلفة فى الإسلام وهى “الرزق ” . والرزق كما عرفه الشيخ الشعراوى (90 ،ص 4 ) “هو ما ينتفع به الإنسان سواء أكان حلالاً أم حراماً ،طيباً أم خبيثاً فكل ما تنتفع به هو رزق لك ،وكل مالا ينتفع به –وإن كنت تملكه –ليس رزقاً لك ،بل هو رزق غيرك ” .

ويوضح الشيخ الشعراوى أن الانتفاع له اتجاهان : انتفاع (مادى ) يستبقى به الإنسان على حياته ،وانتفاع (فى القيم ) يثرى به الإنسان حياته . وبلغة الاقتصاد المادية فإننا سنتناول فى دراستنا الرزق المتعلق بالانتفاع المادى الذى يستبقى به الإنسان حياته .

والرزق فى الإسلام لا ينضب ولا حدود له مثلما ذكر عن الموارد فى الاقتصاد الوضعى . وسوف نقدم الأدلة الشرعية على ذلك من خلال قسمين:  سيتعرض أحدهما للنصوص القرآنية التى توضح أن لكل فرد أو مخلوق رزقه الذى يساعده فى البقاء على الحياة ،بينما نستعرض فى الآخر مصادر الرزق كما أوضحها الإسلام فى نصوصه الشرعية بما يؤكد أن المصادر متنوعة ومتعددة ومتجددة بما يضمن عدم نضوب الموارد –بالمعنى الاقتصادى الوضعى –وأن محدودية تلك الموارد إنما هى محدودية ظاهرية تنشأ عن محدودية علم الإنسان أو علمه أو عن أسباب إيمانه مثل بعده عن التقوى وعدم طاعة الخالق .

2 -1 ضمان الرزق لكل كائن حى: فقد ضمن الله سبحانه وتعالى الرزق لكل كائن حى ،وذلك كما قال فى كتابه الكريم : (وما من دابة فى الأرض إلا على الله رزقها ويعلم مستقرها ومستودعها كل فى كتاب مبين )(هود : 6 / 11 ) .(وكأين من دابة لا تحمل رزقها الله يرزقها وأياكم وهو السميع العليم )(العنكبوت : 60 / 29 ) .

– وقد قدر الله سبحانه الأقوات والأرزاق قبل بداية الخلق (وجعل فيها رواسى من فوقها وبارك فيها وقدر فيها أقواتها فى أربعة أيام سواء للسائلين )(فصلت : 10 / 41 ) .

– وحدد الله سبحانه الحاجات الضرورية للإنسان التى ضمن توفيرها له فى قوله تعالى : (إن لك ألا تجوع فيها ولا تعرى . وأنك لا تظمأ فيها ولا تضحى )(طه : 118 ،119 / 20 ) .

– ومن الأمثلة الحية الموضحة كيف يكفل الله سبحانه وتعالى الرزق لعبده ما كان يرزق به مريم من فاكهة الصيف فى الشتاء ،وفاكهة الشتاء فى الصيف ،ومن علم غيره (تفسير القرآن العظيم ،ج 2 ،ص 368) وذلك كما يتضح من الآية الكريمة (فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نبات حسناً وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقاً قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب )(آل عمران : 37 / 3 ) .

– ويؤكد القرآن أنه ما من مورد ولا رزق ينتفع به الإنسان أو يمتلكه إلا هو من عند الله تعالى (أفرأيتم ما تحرثون ،أأنتم تزرعونه أم نحن الزارعون ،لو نشاء لجعلناه حطاماً فظلتم تفكهون )(الواقعة : 63 – 65 / 56 ) . (أفرأيتم الماء الذى تشربون ،أأنتم أنزلتموه من المزن أم نحن المنزلون ،لو نشاء جعلناه أجاجاً فلولا تشكرون ،أفرأيتم النار التى ترون ،أأنتم أنشأتم شجرتها أم نحن المنشئون . نحن جعلناها تذكرة ومتاعا للمقوين )(الواقعة : 68 – 73 / 56 ) .

فتوضح الآيات الكريمة أن الله سبحانه وهو الذى ينبت الزرع فى الأرض أما الإنسان فلا يملك إلا حرث الأرض فقط ،وكذا فإن الماء الصالح للشرب والزرع ينزله الله سبحانه من السحاب ،وهو قادر على أن يجعل هذا الماء مراً غير صالح للشرب ولا للزرع إن أراد . والحال كذلك بالنسبة للنار –التى لأهميتها القصوى فى الإبقاء على الحياة أمر الله تعالى بأن تكون هى والماء والعشب ملكية عامة للجميع –سلع غير اقتصادية بالمعنى الاقتصادى الوضعى ) فقد ذكر فى الحديث الشريف أن “المسلمون شركاء فى ثلاثة : النار ،والكلأ ، والماء ” وفى رواية أخرى ،ثلاث لا يمنعن الماء والكلأ والنار ” (تفسير القرآن العظيم ،ج4 ،ص 318 ) .

– والله سبحانه وتعالى ينزل رزق الإنسان بقدر محسوب ؛لأن البسط فى الرزق وإعطاء الإنسان فوق حاجته يمكن أن تؤدى إلى طغيانه وظلمه ،فيقول تعالى :(ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا فى الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير بصير )(الشورى : 27 / 42 ) فالله يرزق البشر من الرزق ما يختاره مما فيه صلاحهم ،وهو أعلم بذلك فيغنى من يستحق الغنى ،ويفقر من يستحق الفقر ،كما جاء فى الحديث المروى : ” إن من عبادى من لا يصلحه إلا الغنى ولو أفقرته لأفسدت عليه دينه ،وإن من عبادى من لا يصلحه إلا الفقر ولو أغنيته لأفسدت عليه دينه ” (تفسير القرآن العظيم ،ج4 ،ص 124 ) .

وفى نفس المعنى يقول تعالى :(إن ربك يبسط الرزق لمن يشاء ويقدر إنه كان بعباده خبيراً بصيراً )(الإسراء : 30 / 17 ) . ذلك مما يوضح أن محدودية الموراد قد يكون نتيجة لعامل تأديبى للإنسان ،وليس لعدم توافرها الفعلى .

– وينهى الإسلام أن تكون الحاجة الاقتصادية أو الخوف من الفقر أو النظرة الاقتصادية مبعثا للسلوك نحو الأبناء(على عكس ما دعا إليه مالتس فى نظريته من تحديد النسل لسبب اقتصادى ) فقد ضمن الله سبحانه وتعالى الرزق لكل من الأبناء والآباء . وفى ذلك تقول الآيات الكريمة : (ولا تقتلوا أولادكم من إملاق نحن نرزقكم وإياهم ..)(الأنعام : من آية 151 / 6). (ولا تقتلوا أولادكم خشية إملاق نحن رزقهم وإياكم إن قتلهم كان خطئاً كبيراً )(الإسراء : 31 / 17 ) .

ففى سورة الأنعام ،نلاحظ أن القرآن نهى بحسم عن قتل الأولاد نتيجة حالة فقر حاصل فعلاً للآباء ،ولأن الفقر حاصل فعلا فقد أوضحت الآية أن الله تعالى يرزق هؤلاء الآباء ، وبالتالى فسيرزق الأبناء أيضاً ،أما فى سورة الإسراء فقد نهى عن قتل الأولاد خشية من فقر آجل يخشى أن يحدث نتيجة إنجاب الأطفال ،ولبعث الطمأنينة فى نفوس الآباء بدأ بالرزق لهؤلاء الأولاد الذين يخشى أن يكونوا سبباً فى فقر الآباء قبل التأكيد على ضمان رزق الآباء أنفسهم والذى هو حاصل فعلا (نحن نرزقهم وإياكم )،فمن رزق الآباء لا شك بقادر على أن يرزق من ينجبه هؤلاء الآباء . ولقد ورد فى الصحيحين من حديث عبد الله بن مسعود رضى الله عنه أنه سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم أى الذنب أعظم ؟ قال : “أن تزانى حليلة جارك” ثم تلا رسول الله صلى الله عليه وسلم (والذين لا يدعون مع الله إلهاً آخر ولا يقتلون النفس التى حرم الله إلا بالحق ولا يزنون)(تفسير القرآن العظيم ،ص ص 195 ،196 ) .

– ومحدودية الموارد هى محدودية ظاهرية ونسبية إذا ما قورنت بحاجات الإنسان الذى لا يشبع ولا يكتفى بشئ أبداً ،ويدل على ذلك الحديثين الشريفين : “لو كان لابن آدم واديان من ذهب لا بتغى ثالثاً ” و”لا يملأ عين ابن آدم إلا التراب ” (صحيح البخارى ) .

– والموارد فى الإسلام تتميز إلى موارد طبيعية (وهى التى يقبل الشرع استخدام الإنسان لها والسعى لاستفادته بها ) ،وموارد خبيثة (وهى التى يحرم الشرع على الإنسان استخدامها حتى لو بدت فيها بعض المنافع الظاهرية مثل الخمر ) . وفى ذلك تقول الآيات الكريمة :

(يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس وإثمهما أكبر من منفعها )

 (البقرة : 219 / 2 ) . 

(حرمت عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير وما أهل لغير الله به والمنخنقة والموقودة والمتردية والنطيحة وما أكل السبع إلا ما ذكيتم وما ذبح على النصب )(المائدة : من آية 3/ 6 ). (يسألونك ماذا أحل لهم قل أحل لكم الطيبات وما علمتم من الجوارح مكبلين تعلمونهن مما علمكم الله فكلوا مما أمسكن عليكم واذكروا اسم الله عليه واتقوا الله إن الله سريع الحساب )(المائدة : 4 / 5 ) .

– والموارد لا نهاية لها فى الحقيقة ،ولكن من الأسباب التى قد تجعلها تبدو محدودة فى الظاهر هو جحود الإنسان وظلمه بعدم الإقرار بذلك (وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار )(إبراهيم : 34 / 14 ) .

ونستعرض أهم مصادر الرزق : الموارد وأنواعها التى حبانا الله بها ،ليس فقط للتحقيق من وفرتها المطلقة والنسبية ،وإنما أيضاً لإثبات أنها لا تأتى للإنسان من الأرض فقط كما ادعى مالتس فى نظريته المعنية.

2- 2 أهم مصادر الرزق (الموارد ) الإسلام : يوضح الشيخ الشعراوى

أن هناك نوعين من الرزق البشرى ،أحدهما مقدر للإنسان بدون أن يكون له إرادة أو تحكم فيه ،والآخر اختيارى بحيث يكون للإنسان إرادة فى الحصول عليها وفقاً لقوانين ومنظمات إلهية مثل ضرورة العمل والسعى للحصول عليه (السيد الجميلى ،82 ، ص ص 324 – 325 ) . ومن جهة أخرى فإنه يمكن القول بأن هناك من الموارد ما يتاح للإنسان للاستخدام المباشر مثل المطر وضوء الشمس والقمر والهواء ومياه البحار والأنهار ) ومنها ما يتطلب من الإنسان بذل مجهود ما للحصول عليها والاستفادة من استخدامها (مثل المعادن فى باطن الأرض والمزروعات ) . وكما أوضحنا سلفاً ،فبعض الموارد يحرم استخدامها شرعاً (مثل الخمر والميتة ) ،وتلك ما سوف يستبعد البحث التحدث عنها لخروجها عن دائرة الاهتمام الفعلى للدراسة الحالية ،وإذا كان مالتس قد ذكر الأرض باعتبارها المصدر الوحيد للموارد ،فإنه بالرجوع إلى النصوص القرآنية نجد أن هناك مصدراً آخر للموارد أو الرزق قد يزيد فى أهميته عن الأرض وهو السماء . وبناء عليه ،فإننا سنستعرض أهم مصادر الرزق وأنواعها –كما ورد فى النصوص القرآنية –من خلال مصدرين رئيسيين لتلك المصادر وهما : السماء ،والأرض .

2-2 -1 الموارد ومصادر الرزق من السماء

-مقومات المعيشة وأسباب الرزق تنبع أصلاً من السماء ،(وفى السماء رزقكم وما تدعون )(الذاريات :22 / 51 ) . فالآية تشير إلى أن الإنسان رزقه فى السماء ولا يمكن أن تصل يده إليه إلا بالسعى وبالعمل،(السيد الجميلى ،82 ،ص 325 ) كان ذلك هو تفسير الشيخ متولى الشعراوى للآية الكريمة ،غير أن هناك تفسيراً آخر لها يوضح أن المقصود بالرزق الذى فى السماء “المطر ” الذى به حياة البلاد والعباد . ولكن مما يمكن أن يؤكد تفسير الشيخ الشعراوى أن سفيان الثوى عندما سمع واصل الأحدب يقرأ تلك الآية ،قال ألا أرى رزقى فى السماء وأنا أطلبه فى الأرض ،فدخل خربة فمكث ثلاثاً لا يصيب شيئاً ،فلما أن كان اليوم الثالث إذا هو بدخوله من رطب ،وكان له أخ أحسن نية منه فدخل معه فصارتا دويخلتين فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرق بينهما الموت (صفوة التفاسير ،ج4 ،ص 253 ،تفسير القرآن العظيم ،ج4 ،ص 251 ) .

   – الله عنده خزائن الأشياء من جميع الصنوف ،(وإن من شئ إلا عندنا خزائنة وما ننزله إلا بقدر معلوم )(الحجر : 21 / 14 ) .

– الرياح اللواقح تنزل الماء للإنسان والزرع ،(وأرسنا الرياح لواقح فأنزلنا من السماء ماء فأسيقناكموه وما أنتم له بخازنين )(الحجر : 22 / 15 ).فالرياح تلقح السحاب فيدر ماء وتلقيح الشجر فيفتح عن أوراقه وأكمامه ،وأما عما ينزل من ماء فهو عذب يمكن شربه ،والله يحفظ هذا الماء للشرب فى شكل ينابيع وأبار أرضية ،ذلك ما لا يستطيع بشر أن يفعله بنفسه (تفسير القرآن العظيم ،ج2 ، ص ص 568 ،569 ) .

والدليل على أن الإنسان عاجز عن استجلاب هذا الماء بنفسه شعورهم باليأس لعدم نزوله وبالعجز عن استجلابه بأنفسهم أو خلقهثم فرحتهم وبشرهم عند قومه المفاجئ من السماء (الله الذى يرسل الرياح فتثير سحاباً فيبسطه فى السماء كيف يشاء ويجعله كسفاً فترى الودق يخرج من خلاله فإذا أصاب به من يشاء من عباده إذا هم يستبشرون ،وإن كانوا من قبل أن ينزل عليهم من قبله لمبلسين )(الروم : 48 ،49 / 30

– ومن الموارد المجانية المتاحة للإنسان الشمس والقمر كمصادر للضوء فى النهار والليل ،ولكى تكون وسائل لحساب الزمن ،خاصة فيما يتعلق بالقمر ؛حيث يستخدم بالفعل فى حساب الشهور العربية (هو الذى جعل لكم الشمس ضياء والقمر نوراً وقدره منازل لتعلموا عدد السنين والحساب )(يونس : من آية 5 / 10).

– وكذلك السحاب يعد مصدراً هاماً لرزق الإنسان ليس فقط من الماء، ولكنه أيضاً يستخدم كمظلة طبيعية واقية للإنسان من حر الشمس وقيظها (وظللنا عليكم الغمام وأنزلنا عليكم المن والسلوى كلوا من طيبات ما رزقناكم ..)(البقرة : من آية 57 / 2 ) ،ومن الآية يتضح أنه لا ينزل الماء فقط من السماء،ولكن قد ينزل أيضاً طعاماً جاهزاً للأكل مباشرة مثل المن الذى قيل إنه ينزل من طلوع الفجر إلى طلوع الشمس ،وهو أشد بياضاً من اللبن وأحلى من العسل والسلوى الذى قيل أنه طائر يشبه السمان (مزيد من التفسير والتعريف عليها بالرجوع إلى تفسير القرآن العظيم ج1 ،ص ص 98 /101 ) .

– وتعتبر النجوم علامات يهتدى بها السائرون ليلاً (وبالنجم هم يهتدون )(النحل : من آية 16 / 16 ) .

– والواقع ،أنه لكى يستفيد الإنسان من الموارد الطبيعية المتاحة له فهو يحتاج إلى كل من السماء والأرض معاً كمصدرين متداخلين لمقومات عيش الإنسان ،فقبل أن تبدأ الحياة على الأرض كانت السماء لا تمطر وكانت الأرض لا تنبت وكانت ملتصقتان ففصل الله سبحانه وتعالى هذه عن تلك بالهواء ،فأمطرت السماء وأنبتت الأرض وأصبح الماء أصل كل شئ حى (أولم ير الذين كفروا أن السموات والأرض كانتا رتقاً ففتقناهما وجعلنا من الماء كل شئ حى أفلا يؤمنون )(الأنبياء : 30 / 21 ) . (الله الذى خلق السموات والأرض وأنزل من السماء ماء فأخرج به من الثمرات رزقاً لكم وسخر لكم الفلك لتجرى فى البحر بأمره وسخر لكم الأنهار وسخر لكم الشمسوالقمر دائبين وسخر لكم اليل والنهار . وآتاكم من كل ما سألتموه وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها إن الإنسان لظلوم كفار )(إبراهيم : 32 – 34 / 14 ) . وتوضح الآية الأخيرة أنه ليست هناك محدودية فى الموارد والرزق ،وأن تلك الموارد توجد فى الأرض والسماء معاً ،وتؤكد الآية (وآتاكم من كل ما سألتموه ) على أن مشكلة محدودية الموارد بالنسبة “للحاجات ” أمر غير وارد ولا وجود له فى الحقيقة ،ففى تفسير الآية أن الله هيأ لكم ما تحتاجون إليه فى جميع أحوالكم مما تسألونه بحالكم . وقال بعض السلف : من كل ما سألتموه وما لم تسألوه .(تفسير القرآن العظيم ،ج2 ،ص 559 ) .

2-2 -2 الموارد ومصادر الرزق من الأرض

– البحار التى تعتبر طرقاً ممهدة للانتقال بواسطة الفلك (والفلك التي تجري في البحر بما ينفع الناس) (البقرة: من آية  164/2).

والبحار ليست فقط طرقا للانتقال ولكنها أيضاً مصدراً للغذاء (وهو الذى سخر لكم البحر لتأكلوا منه لحماً طرياً وتستخرجوا منه حلية تلبسونها وترى الفلك مواخر فيه ولتبتغوا من فضله ولعلكم تشكرون   (النحل : 14/ 16 ) .

كما سخر للإنسان الكواكب والجبال والبحار والأنهار والأنعام والنخيل وغير ذلك مما فى السموات والأرض لينتفع بها الإنسان ،فكل تلك المنافع لا يستطيع الإنسان أن يحققها بذاته . وفى ذلك يقول تعالى : (وإن من الحجارة لما يتفجر منه الأنهار وإن منها لما يشقق فيخرج منه الماء )(البقرة : من آية 74 / 2) . ويقول (وبوأكم فى الأرض تتخذون من سهلوها قصوراً وتنحتون الجبال بيوتاً )(الأعراف : من آية 74 / 7 ) . (وجعلنا فى الأرض رواسى أن تميد بهم وجعلنا فيها فجاجاً سبلاً لعلهم يهتدون )(الأنبياء : 31 / 21)  (والأنعام خلقها لكم فيها دفء ومنافع ومنها تأكلون ،ولكم فيها جمال حين تريحون وحين تسرحون)(النحل : 6،5 / 16 ) (وإن لكم فى الأنعام لعبرة نسقيكم مما فى بطونه من بين فرث ودم لبناً خالصاً سائغاً للشاربين )(النحل : 66 / 16 ) . (ومن ثمرات النخيل والأعناب تتخذون منه سكراً ورزقاً حسناً )(النحل: من آية 67 / 16 ) . 

أما بخصوص الأسباب والوسائل التى يمكن أن تؤثر على رزق الإنسان ومحدودية الموارد أو وفرتها بالنسبة للفرد والمجتمع من نفس المنظور الإسلامى ،فهى كثيرة ،وسنقتصر على أهمها .

3- 2 أهم الأسباب التى يمكن أن تؤثر فى رزق الإنسان والمجتمع فى الإسلام :

 لاحظنا من القسمين السابقين أن الآيات تؤكد ضمان الرزق لكل كائن حى وأن خزائن الله لا تنفذ وأن نعم الله لا تعد ولا تحصى ،ووجدنا أن مصادر الرزق (الموارد ) متنوعة ومتعددة ومتشابكة ،وهى لا تنبع ولا تأتى من الأرض فقط ؛بل إن الإنسان يمكن أن يستفيد من مصادر أخرى موجودة فى السماء وبين السماء والأرض وتحت الثرى ،ذلك ما يوضح انه لا وجود لمشكلة “محدودية ” الموارد بصفة مطلقة .

وأثبتت الآيات الكريمة أن البشر متاح لهم من الموارد ما سألوا عنها واحتاجوها بالفعل ومالم يسألوا عنها أيضاً ،مما يدل على أن مشكلة محدودية الموارد بالنسبة للحاجات التى حذر مالتس من وجودها بسبب الزيادة السكانية لا وجود لها أيضاً إذا ما نظرنا إلى الأمر من منظور إسلامى ومع هذا تشير الظواهر الفعلية إلى وجود محدودية فعلية فى الموارد بالنسبة للحاجات البشرية فرداً ومجتمعاً –وذلك فى كثير من الحالات ،ترى كيف تفسر تلك الظاهرة من وجهة النظر الإسلامية ؟

بالاستعانة بالمصدر التشريعى الأول وهو القرآن فعنه يمكن استنباط بعض العوامل التى يمكن أن تشيع وفرة الرزق (الموارد ) للإنسان والمجتمع وأخرى يمكن أن تؤدى إلى نقص أو إعاقة الرزق (الموارد ) الخاصة بالفرد أو المجتمع ،وفيما يلى أهم العوامل المتعلقة بالمجموعة الأولى :

2-3- 2 أهم أسباب الرزق والاستزادة منه فى الإسلام :ويمكن أن تتمثل فى التالى :

– الدعاء (واذكر عبدنا أيوب إذا نادى ربه أنى مسنى الشيطان بنصب وعذاب ،اركض برجلك هذا مغتسل بارد وشراب ووهبنا له أهله ومثلهم معهم رحمة منا وذكرى لأولى الألباب )(ص : 41 / 3 / 38).

– الإنفاق فى سبيل الله (ومثل الذين ينفقون أموالهم ابتغاء مرضات الله وتثبيتاً من أنفسهم كمثل جنة بربوة أصابها وابل فآتت أكلها ضعفين فإن لم يصبها وابل فطل والله بما تعملون بصير )(البقرة : 265 / 2) . فمن الأمثلة على إحدى وسائل الاحتفاظ بالرزق ومضاعفته هو قيام المؤمنين بإنفاق أموالهم ابتغاء مرضاة الله عنهم فى ذلك ،وهم متحققون وموقنون من أن الله سيجزيهم على ذلك أوفر جزاء (…. ويربى الصدقات…)(البقرة : من آية 276 / 3 ) ،فالصدقة وسيلة مباشرة لزيادة الرزق . (مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم )(البقرة : من آية 261 / 2 ) .

– الاستغفار والتوبة ،(ويا قوم استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يرسل السماء عليكم مدراراً )(هود : من آية 52 / 11 ) ،(فقلت استغفروا ربكم إنه كان غفاراً ،يرسل السماء عليكم مدراراً ،ويمدكم بأموال وبنين ويجعل لكم جناتويجعل لكم أنهاراً )(نوح : 10 ،12 / 71 ) (وأن استغفروا ربكم ثم توبوا إليه يمتعكم متاعاً حسناً إلى أجل مسمى ويؤت كل ذى فضل فضله )(هود : من آية 3 / 11 ) ،وعن ابن عباس رضى الله عنهما قال قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : (من لزم الاستغفار جعل الله له من كل ضيق مخرجاً ومن كل هم فرجاً ورزقه من حيث لا يحتسب )(رواه أبو داود : أبو زكريا يحيى ،ص 598 ) .

 – تقوى الله : (ومن يتق الله يجعل له مخرجاً ويرزقه من حيث لا يحتسب )(الطلاق : 2 ،3 / 65 ) (ولو أن أهل القرى آمنوا واتقوا لفتحنا عليهم بركات من السماء والأرض ولكن كذبوا فأخذناهم بما كانوا يكسبون )(الأعراف : 96 / 7 ) .

– الشكر والعرفان بنعم الله (لئن شكرتم لأزيدنكم).

– صلة الرحم فعن أنس رضى الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال : “من أحب أن يبسط له فى رزقه وينسأ له فى أثره فليصل رحمه ” (متفق عليه : محى الدين بن زكريا ،ص 109 ) . (ينسأ له فى آثره أى : يؤخر له فى أجلة وعمره ) .

– تلاوة آيات القرآن الكريم ،فقد قال النبى صلى الله عليه وسلم : “من قرأ سورة الواقعة فى كل ليلة لم تصبه فاقة أبداً “(رواه البيهقى عن ابن مسعود رضى الله عنه : (أحمد عبد الجواد ،بدون تاريخ ،ص 31 ) .

– الهجرة والحركة والانتقال من مكان لآخر (هو الذى جعل لكم الأرض ذلولا فامشوا فى مناكبها وكلوا من رزقه وإليه النشور )(الملك : 15 / 67 ) .

– العمل لاستجلاب الرزق بالوسيلة المناسبة (وهزى إليك بجذع النخلة تساقط عليك رطبا جنياً )(مريم: 25 / 19 ) .

– وترشدنا الآيات إلى حسن استخدام الموارد المتاحة والتخطيط فى استغلالها اتقاء لحدوث مشكلة ندرة فى الموارد مثلما فعل سيدنا يوسف بنصيحته المشهورة لتجنب المجاعة التى رأى الملك فى منامه أنها ستحدث لبلاده (قال تزرعون سبع سنين دأباً فما حصدتم فذروه فى سنبلة إلا قليلاً مما تأكلون ،ثم يأتى من بعد ذلك سبع شداد يأكلن ما قدمتم لهن إلا قليلا مما تحصنون ،ثم يأتى من بعد ذلك عام فيه يغاث الناس وفيه يعصرون)(يوسف : 47 – 49 / 12 ) .

2- 3 – 2 أهم أسباب نقص الرزق فى الإسلام : ويمكن إيجازها فى الآتى .

– ارتكاب المعاصى واتباع الشيطان :(أيود أحدكم أن تكون له جنة من نخيل وأعناب تجرى من تحتها الأنهار له فيها من كل الثمرات وأصابه الكبر وله ذرية ضعفاء فأصابها إعصار فيه نار فاحترقت كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون )(البقرة : 266 / 2 ). وتوضح الآية مثلاً هاماً حول شخص أحسن عملاً فى البداية ،ثم بعد ذلك عكس سيره ،فبدل الحسنات بالسيئات ،وخان أحوج ما كان إليه ؛فعاقبه الله بأن أنزل عليه ريحا شديداً أحرقت الثمار الوفيرة التى كانت متاحة له وأباد كل بستانه ،ولم يعد عنده قوة أن يغرس مثل ما أبيد ،ولم يكن –كذلك –عند نسله خير يعودن به عليه . ومن ذلك المثل يمكن أن نتبين أن الكوارث الطبيعية التى تنزل بالإنسان –فرداً أو مجتمعاً –يمكن أن تكون عقاباً وليس كنتيجة لزيادة النسل كما يدعى مالتس . ومما يؤكد ذلك المعنى قوله تعالى : (فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم آيات مفصلات فاستكبروا وكانوا قوماً مجرمين )(الأعراف : 133 / 7 ) .

– التعامل بالربا 🙁يمحق الله الربا…)(البقرة : من آية 276 / 2 )

– الكفر والجحود بأنعم الله : (وضرب الله مثلاً قرية كانت آمنة مطمئنة يأتيها رزقها رغداً من كل مكان فكفرت بأنعم الله فأذاقها الله لباس الجوع والخوف بما كانوا يصنعون )(النحل : 112 / 16 ) .  

– وقد تكون محدودية الرزق نوعاً من الاختبار الإلهى للإنسان (ولنبلوكم بشئ من الخوف والجوع ونقص من الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين )(البقرة : 155 / 2) .

ويلاحظ مما سبق أنه لم يرد نص شرعى واحد يدل على أن هناك علاقة بين المجاعات وغيرها من الكوارث الطبيعية (التى ذكر أمثلة لها فى الآيات السابقة ) وبين تزايد النسل ،فالنسل لم يعتبر شيئاً محرماً فى الإسلام يمكن أن يعاقب عليه البشر إلا إذا جاء عن طريق الزنا ،كما مر هنا من قبل ،فقد ثبت وجود علاقة طردية بين التزايد السكانى (الله جعل لكم من أنفسكم أزواجاً وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة )” وبين الموارد ” (ورزقكم من الطيبات )،وذلك على عكس ما ادعى مالتس فى نظريته فى السكان .

ونلخص من هذا المبحث بالإجابة على بقية التساؤلات التى طرحناها فى المبحث التمهيدى فنجد أن مقومات العيش ليس مصدرها الوحيد هو الأرض ،بل هناك السماء وما بينهما وما تحت الثرى ،والموارد لا تنمو بنمط معين ولا بمعدل محدود أو متناقض ،ولا يوجد ما يسمى فى الاقتصاد الوضعى بمشكلة اقتصادية فى الواقع .

المبحث الثالث ونظرية مالتس فى الواقع العلمى: تحققنا من نظرية مالتس من منظور إسلامى وتوصلنا إلى أنها إجمالاً لا تتفق مع النصوص القرآنية والأحاديث النبوية التى تعرضت لمسائل الذرية والزواج والرزق (الموارد ) والأسباب الحقيقية لحدوث الكوارث الطبيعية من مجاعات وغيرها ،وللتحقق مما توصلنا إليه من نتائج بشكل موضوعى ،فإننا سنقوم فى هذا المبحث بمحاولة تقصى الوضع السكانى فى العالم ككل ،وفى دولتين إحداهما متقدمة والأخرى نامية ،والتعرف على المؤثرات العامة لنمو الموارد على المستوى ذكر مالتس أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية كل 25 سنة . ترى ،هل يتحقق فعلاً فى الواقع العملى ؟ ذلك ما سوف نحاول التحقق منه على النحو التالى .

3 – 1 – 1تطور عدد السكان فى العالم :

تشير الأرقام –بوجه عام –إلى أنه فى بداية العقد الحالى كانت الزيادة السنوية فى السكان تبلغ 93 مليوناً ، وأنه يتوقع لها أن تصل إلى 1000 مليون فى نهايته ،وبهذا فإن عدد سكان العالم الذى يقدر بنحو 5.57 بليون نسمة فى منتصف عام 1993 سيزاد إلى قرابة 6.2 بليون نسمة بحلول عام 2000 مع تركز 95 % تقريباً عن تلك الزيادة فى البلدان النامية (قضايا سكانية ،93 ،ص2 ) . وفى الجدول التالى نعرض تطور الحالة الكمية للسكان فى العالم فى الفترة من 1950 حتى 2025 ،وباستخدام تلك البيانات سوف نجرى الجزء الأول من التحليل التطبيقى المستهدف .

بالنظر فى جدول (1) ،نلاحظ أنه على مستوى العالم ككل فإن السكان يتزايدون كل عشر سنوات بمتوالية هندسية أساسها 1,2 .

جدول (1)

تطور الحالة الكمية للسكان فى قارات العالم فى الفترة (1950 – 2025)

                                                                                     

                                     

القارة

عــــــدد       الســـــــــــكان       بالمـــــــــليون

1950

1960

1970

1980

1990

2000

2025

العالم أجمع

2515

3019

3698

4450

5292

6261

8504

أفريقيا

224

281

363

481

642

876

1596

أمريكا الشمالية (1)

166

199

226

252

276

295

332

أمريكا الاتينية

165

218

285

362

448

538

757

آسيا

1375

1667

2101

2583

3113

3713

4912

أوروبا

393

425

460

484

498

510

515

أوقيانوسيا

12.6

15.8

19.3

22.8

26

30

38

الاتحاد السوفيتى

180

214

243

266

289

308

352

ولقد لوحظ أن السكان فى كل قارة يتزايدون أيضاً بمتوالية هندسية كل عشرة أعوام بأساس يناهز 1,3 فى كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية ،وبأساس قدر بنحو 1,2 فى المتوسط فى كل من آسيا وأوقيانوسيا ،بينما قدر أساس المتوالية الهندسية التى يتزايد بها السكان فى قارتى أوروبا والاتحاد السوفييتى (سابقاً) بنحو 1,1 .

أما كل 20 عاماً –أو 25 عاماً فى حالة الأرقام التقديرية فى الفترة ما بين (2000 و2025 ) فقد لوحظ أيضا أن السكان فى العالم ككل وفى كل قارة على حدة فهم يتزايدون أيضاً بمتوالية تكاد تكون هندسية –ففى العالم أجمع يتزايد السكان بمتوالية هندسية أساسها 1,4 فى المتوسط ،وفى أفريقيا بمتوالية هندسية أساسها 1,8 ، بينما أساس المتوالية التى يزيد بها عدد السكان فى أمريكا الشمالية قدر بنحو 1,2 ،وفى أمريكا اللاتينية كان 1,6 ،وفى آسيا 1,5 ،وفى أوربا 1,1 ،وفى أوقيانوسيا 1,3 ،وفى الاتحاد السوفييتى 1,2 .

ومما سبق لاحظنا أن سكان العالم يزيدون بمتوالية هندسية كل عشرة سنوات بأساس يختلف بعض الشئ من قارة لأخرى وينطبق الوضع كل (20 – 25 ) عاماً . غير أن هذا لا يؤثر كثيراً النظرية ،فالقدر الذى أثبتته الإحصاءات يكفى فى أن هنالك زيادة فى السكان ،وأن هذه الزيادة تحدث بمتوالية هندسية ،وليس بالضرورة أن تصدق الفترة الزمنية التى قدرها مالتس (25 سنة ) ،ولا أن يكون أساس المتوالية واحداً فى جميع المناطق

 3 – 1 – 2  تطور عدد السكان فى الولايات المتحدة الأمريكية : فى الجزء السابق تناولنا حالة السكان فى قارات العالم ،ككل ولاحظنا أن السكان يتزايدون بما يشبه متوالية هندسية سواء كان ذلك كل عشر سنوات أو عشرين سنة أو خمسة وعشرين عاماً ،وذلك ما يكاد يتفق مع ما ذكره مالتس فى نظريته حول النمط الذى يتزايد السكان على أساسه . ترى هل ينطبق الوضع على التزايد السكانى فى المجتمعات بصفة فردية بصرف النظر من درجة التقدم الاقتصادى ،ذلك ما سوف نحاول التحقق منه فى هذا القسم وما يليه بتطبيق نفس التحليل التطبيقى على دولتين متفاوتتين فى درجة التقدم الاقتصادى .

ففى القسم الحالى سنتناول الولايات المتحدة الأمريكية كبلد متقدم ،وسنحاول التعرف على ما إذا كان السكان يتزايدون فيها وفقاً لمتوالية هندسية أم لا ،وذلك باستخدام فترة طويلة نسبياً للحصول على نتائج دقيقة ما أمكن

جدول (2)

نمط تطور نمو السكان فى الولايات المتحدة الأمريكية فى الفترة (1790 – 1990 )

السنة التعدادية

المدى الزمنى

عدد السكان

الأساسية كمتوالية هندسية

الأساس كمتوالية عددية

1790

– – –

3.929

 – – –

 – – –

1810

20

7.240

1.8

3311

1830

20

12.860.702

1776.3

12.859.962

1850

20

23.191.876

1.8

10.331.174

1870

20

38.558.371

1.7

15.366.495

1890

20

62.979.766

16.3

24.421.395

1910

20

92.228.496

1.5

29.248.730

1930

20

123.202.626

0.1

28.123.166

1950

20

151.325.798

1.2

41.976.233

1970

20

203.302.013

1.8

45.407.842

1990

20

248.709.873

1.2

45.407.842

على الرغم من أن المدى الزمنى بين كل سنتين تعداديتين متلاحقتين ثابت فى فترة الدراسة ،إلا أنه من الواضح أن التطور السكانى فى الولايات المتحدة لا يتبع نمطاً حسابياً معيناً . ويتضح من الجدول أن السكان فى تلك الدولة .

جدول(3)

نمط تطور نمو السكان فى مصر فترة من 1882 إلى 1990

السنة التعدادية

المدى الزمنى

عدد السكان بالألف

الأساس كمتوالية

الأساس كمتوالية عددية

1882

– – –

6712

– – –

– – –

1907

25

11190

1.7

4478

1927

20

14178

1.3

2988

1947

20

18976

1.3

4789

1966

19

19725

1.0

758

1986

20

48254

2.4

28529

1990

24

48254

2.8

35846

المتقدمة لا يتزايدون بمتوالية هندسية (حيث إن الأساس يختلف تماماً عند حساب خارج قسمة عدد السكان فى كل عام تعدادى على عددهم  فى العام السابق ) ،ولا يتم ذلك التزايد أيضاً بمتوالية عددية ؛حيث إن الأساس الذى احتسب فى الحالة الأخيرة (وهو حاصل طرح عدد السكان فى كل عام تعدادى من عدد السكان فى العام التعدادى السابق) متباين تماماً على مدى الفترة الزمنية محل الدراسة ،كما هو واضح فى الجدول (2) .

3- 1 – 3تطور عدد السكان فى مصر :

بعد أن وجدنا أن تطور السكان فى العالم يتم على نمط مختلف عن تطور السكان فى الولايات المتحدة الأمريكية الذى لا يتم على نمط معين على الإطلاق ،ترى كيف سيكون الحال فى مصر ،ذلك البلد النامى ؟ . لم تتح لنا الفرصة للحصول على تطور السكان فى مصر كل 25 عام –وهى الفترة التى حددها مالتس لتزايد السكان خلالها بمتوالية ،لذا فقد حاولنا تنسيق عرض تطور الأعداد السكانية فى مصر فى خلال فترات متقاربة من المدى الزمنى مالتس (25 سنة ) من ناحية ،ومن بعضها البعض من ناحية أخرى .

وبحساب خارج قسمة عدد السكان فى كل عام تعدادى على عددهم فى العام التعدادى السابق له حصلنا على أرقام مختلفة ،كما واضح من الجدول رقم (3) ،مما يدل على أن السكان لا يزيدون فى مصر وفقاً لمتوالية هندسية ،حيث إن أساس المتوالية الهندسية لابد أن يكون ثابتاً فى الرقم وفى الإشارة .

وبإعادة المحاولة واختبار ما إذا كان السكان يتزايدون فى مصر بمتوالية عددية وجدنا –كما يتضح من الجدول –أن حاصل طرح عدد السكان فى كل عام تعدادى منه فى العام التعدادى السابق له مختلف تماماً ولم نحصل على أساس ثابت فى القيمة بحيث يجعل من نمط التزايد السكانى قائماً على أساس متوالية عددية .   

وننتهى من هذا التحليل التطبيقى للوضع السكانى بصدق النظرية المعنية فيما يتعلق بالعالم ككل ،وبعدم صدقها بناء على إحصاءات كل دولة على حدة ،غير أن البحث يميل إلى تأييد النظرية فى شقها الأول (زيادة السكان بمتوالية هندسية ) ؛لأن مالتس كان قد بنى نظريته على زيادة سكان العالم جميعاً ،وليس كل دولة على حدة . من هذا المنطلق فإن التحليل التالى الذى سيتناول الشق الثانى من النظرية (محدودية الموارد الطبيعية التى تمثل مقومات العيش للإنسان ) سوف يركز على الوضع على مستوى العالم ككل .

 3 – 2 الموارد وحدوديتها فى الواقع العملى :

ذكر مالتس فى نظريته أن الموارد تنمو بنسبة أقل من نسبة نمو السكان ،ومن ثم فقد توقع أن تحدث كوارثاً طبيعية من مجاعات وأمراض وأوبئة وغيرها لكبح جماح التزايد السكانى المبالغ فيه . وتعارض إحدى الدراسات (صندوق الأمم المتحدة للسكان ،بالعربية ،92 ،24 ) ذلك حيث ذكرت أنه قد ثبت حتى الآن خطأ أسوأ التنبؤات بالمجاعات الغامضة ،فعلى الصعيد العالمى ارتفع معدل الأخذية ليجارى السكان ،وارتفع متوسط الاستهلاك سواء من حيث الكمية أو النوعية .

وفى دراسة لفرانسيس مورلاييه (83 بالعربية ،ص ص 18 – 31 ) ،أشار إلى أنه بالنسبة للمواد الغذائية فإن العالم ينتج كل يوم رطلين من الحبوب –بما يعادل ثلاثة ألاف من السعرات الحرارية والبروتين ) لكل فرد على الأرض ،وهذا النصيب الفردى المتاح من الغذاء على المستوى العالمى يزيد بكثير على ما يستهلكه شخص فى أوروباالغربية التى تتمتع بمستويات غذائية مقبولة صحياً ،ولقد أضافت الدراسة أن الموارد موجودة ،ولكنها تعانى من قلة أو سوء استخدامها ،وكذلك من سوء توزيعها على مستحقيها والمحتاجين إليها بالفعل على المستوى العالمى .

وفى دراسته الأكثر شمولية لأنماط الموارد ،يؤكد كرسون (88 ،بالانجليزية) نفس الرأى السابق فيذكر أن الموارد الموجودة كافية للاستهلاك وللتنمية ،ولكن المشكلة الحقيقية هى فى كيفية استخدام واستغلال تلك الموارد . وقد تضمنت الدراسة أن الاعتقاد يسود بأن الموارد “المتجددة ” كالماء أو الأرض لا حدود لها بالضرورة بينما الموارد “الثابتة ” أو “غير المتجددة ” مثل المعادن أو مصادر الوقود الموجودة فى باطن الأرض ،غير أنه قد ثبت خطأ الاعتقاد الأخير ،حيث وجد أن الاحتياطات العالمية من معادن كثيرة قد تزايدت بالفعل حتى الآن رغم زيادة استخدامها ،فعلى سبيل المثال ،زادت الاحتياطيات من النحاس من 91 مليون طن فى عام 1950 إلى 500 مليون طن فى النصف الأول من الثمانينات  . وفى ذات الفترة ،زادت احتياطيات الألمونيوم من 1605 ملايين من الأطنان إلى 22335 مليون طن ،وترجع الزيادة فى الاحتياطيات المذكورة –كما تشر الدراسة –إلى التقدم التكنولوجى الذى أدى إلى تحسين وسائل الاستكشاف والاستغلال كما وكيفاً ، وإلى زيادة العرض من الموارد المستكشفة ، والذى أدى فى النهاية إلى انخفاض الأسعار لتلك الموارد ليس فقط نتيجة لزيادة عرضها فى السوق ،ولكن أيضاً إلى انخفاض أسعار استكشاف واستغلال تلك الموارد وإعدادها للاستخدام النهائى بواسطة المستهلك ،وكان من الآثار الطيبة للتقدم التكنولوجى الانخفاض المستمر فى القيمة الحقيقية لأسعار السلع الاستهلاكية المعمرة ،مما كانت عليه قبل أربعين عاماً مضت .

وقد أدى ذلك بدوره إلى ارتفاع مستويات ملكية تلك السلع لذوى الدخول المحدودة على مستويات العالم النامى ففى منتصف الثمانينات كانت نسبة 13% من أفقر الأسر فى كوالالمبور بماليزيا تمتلك ثلاجة كهربائية ،وقد وجد أن نحو ثلث الأسر فى العاصمة الصينية يمتلكون ثلاجات كهربية (صندوق الأمم المتحدة للسكان ، بالعربية ،93 ،ص 24 ) .

وتشير الأرقام إلى أن الموارد المتاحة للإنسان لم تستغل كلها بعد ،فقد صرح علماء جامعة ولاية أيوا أنه لا يزرع –إلى الآن –سوى نحو 44% فقط من الأراضى “الصالحة ” للزراعة فى العالم ،وفى كل من أفريقيا وأمريكا اللاتينية لا يزرع سوى أقل من 20 % من الأراضى التى يمكن زراعتها (فرانسيس مورلاييه ، دوزيف كولينز ،بالعربية ،83 ،ص 19 ) .

هذا ،وقد أرجع مؤرخ فرنسى حدوث المجاعات ونقص الموارد الغذائية إلى النظام وطبيعة البيئة الاجتماعية وليس إلى الزيادة السكانية كما اعتاد الكثيرون أن يدعو ذلك ؛حيث نص على أن “المجاعات وفترات شح الغذاء الفرنسية الكبرى فى العصور الوسطى حدثت خلال فترات لم تكن فيها الموارد الغذائية شحيحة ،بل كانت فى الحقيقة تنتج بكميات كبيرة وتصدر ،وكان النظام والبنية الاجتماعية مسئولين بدرجة كبيرة عن أوجه النقص هذه ” (جانزان بالفرنسية 75 . ص 139 ) .

ومن الأسباب الأخرى –وليس السكان –التى أدت إلى شح الموارد الغذائية والزراعية والمائية هو الاستغلال الاستعمارى السيئ لموارد مستعمراتها. ومن الأمثلة على ذلك تسبب الروس فى جفاف بعض المناطق التى استعمرتها فى جمهوريات آسيا الوسطى لتحويل المجارى المائية التى كانت تلك المناطق تثرى بها ،ولكن أيضاً على الموارد الزراعية –وأهمها القطن –التى كانت تقوم على استغلال هذه المياه الوفيرة وكذا توجيه استغلال الموارد الطبيعية فى المنطقة إلى إنتاج أسلحة الحرب والدمار وإلى ما يسد احتياجات الروس المستعمرين تاركين أصحاب تلك الأراضى الغنية يعانون من حاجة ملحة إلى ضروريات المياه (زينب الأشوح ،63 ،ص ص 77 – 122 ) . وكذلك ما حدث فى أفريقيا من نتمزيق لمساحات شاسعة من الرسوبيات الجيولوجية القديمة التى أثرت بشكل سيئ على التربة ،وأدت إلى افتقارها إلى الموارد العضوية اللازمة لاستزراعها وإلى افتقاد تماسكها (فرانسيس مورلاييه وجوزيف كولينزز ،بالعربية ،83 ،ص ص 50 ،51 ) .

ونتبين مما سبق من عرض بأنه لا وجود حقيقي لمشكلة محدودية الموارد ،فما زال هناك المزيد والعديد الذى يختبئ على سطح الأرض وفى باطنها ؛بل إن الدراسات قد أثبتت زيادة الأفراد ذوى الدخول المحدودة ليس من الموارد الضرورية ؛بل من السلع الكمالية المعمرة مثل الثلاجات الكهربية ،كما أن الغذاء متاح لكل فرد على وجه الأرض بما يفوق حاجته الفعلية من عناصر غذائية واتضح أن زيادة السكان يقابلها بالفعل زيادة فى الموارد كافية لسد الاحتياجات البشرية الجديدة ،وذلك ما يؤكد على أن ما تدفعه الأرحام يقابله رزق من الرحمن .

وإن حدث وظهر شح فى الموارد الطبيعية فى منطقة أو أخرى . فإنما ذلك ليس كنتيجة لزيادة السكان وإنما لأسباب أخرى مثل سوء استهلاك أو استخدام الموارد أو سوء استهلاك أو استخدام الموارد أو سوء توزيعها على مستحقيها على المستوى العالمى  . ذلك ما يعتبر فى حد ذاته –بلغة الشرع –أحد أوجه الذنوب التى يمكن أن يعاقب عليها البشر بسحب النعمة منهم نتيجة لإهمالهم لما أعطاهم وحباهم به من نعم ،ولا بتعادهم عن عبادته كما ينبغى أن تكون العبادة (ولو أنهم أقاموا التوراة والإنجيل وما أنزل إليهم من ربهم لأكلوا من فوقهم ومن تحت أرجلهم منهم أمة مقتصدة وكثير منهم ساء ما يعملون )(المائدة :66/ 5) . وأخيراً وليس بآخر –فإن الموارد هى من رزق الله وحده لا يصح لنا أن نخشى نفادها ؛لأن منبعها من عند الله وحده ولا يعلم إلا هو حقيقة حجمها وكنهها (ولا أقول لكم عندى خزائن الله ولا أعلم الغيب ولا أقول إنى ملك ولا أقول للذين تزدرى أعينكم لن يؤتيهم الله خيراً الله أعلم بما فى أنفسهم إنى إذا لمن الظالمين)(هود : 31 / 11 ) وكملحوظة عامة يمكن أن نخرج بها عن هذا الفصل فإن العالم ككل يملك من الموارد ما يكفى سكان هذا العالم ككل ،وهى حق لهم جميعاً طالما أن كل الموجود من الموارد هى ملك لله وحده (… ولله ميراث السموات والأرض ...)(آل عمران : من آية 180 / 3 ) . ومن ثم فإن المشكلة الحقيقة للموارد ليس فى محدوديتها ؛بل فى سوء توزيعها بين البشر على مستوى العالم جميعه ،بدليل أن كثيراً من البلاد الغذائية تلقى بالفائض لديها من المواد الغذائية كالبطاطس وغيرها فى البحر مفضلة ذلك على أن توزعه على المحتاجين إليه فى المناطق الأخرى ،وذلك بزعم المحافظة على مستويات أسعار تلك الموارد وحفظها من الانخفاض الذى تخشى أن يكون له تأثير سيئ على اقتصادياتها .

وقبل أن نختتم بذلك المبحث أن تكون لنا وقفة سريعة نعرض من خلالها تعريفاً عاماً للمشكلة الاقتصادية فى الإسلام مقارناً بتعريفها فى الاقتصاد التقليدى ،وكذلك نحاول التعرف على أثر السكان كعنصر يمكن أن يكون له إيجابياته –أو سلبياته –فى زيادة أو خفض حدة تلك المشكلة الاقتصادية .

3 -3 المشكلة الاقتصادية والسكان :

اختلف تعريف المشكلة الاقتصادية بين الرأسماليين والماركسيين فى الفكر الاقتصادى التقليدى وبين ما ورد فى الفكر الإسلامى ،فيرى الرأسماليون أن المشكلة الاقتصادية تتمثل فى قلة الموارد التى مردها الطبيعة ذاتها –وعجزها عن تلبية الحاجات المتعددة ،بينما يعرف الماركسيون تلك المشكلة على أنها تتمثل فى أشكال الإنتاج والتناقض بين قوى الإنتاج علاقات التوزيع ،ويرجعون المشكلة إلى طبيعة النظام الرأسمالى الفاسد ، أما فى الإسلام ،فالمشكلة الاقتصادية ليست مردها الطبيعة ولا أشكال الإنتاج ،وإنما هى ترجع إلى الإنسان ذاته ،وتتمثل فى سوء تنظيمه الاقتصادى وسوء توزيعه للثروات والدخل( مزيد من التفاصيل ارجع إلى ، محمد الجمال ،80 ،ص ص 31 – 16) . وذلك التعريف الأخير هو ما تأكد لنا بالفعل من التحليل التطبيقى السابق عرضه مباشرة .

وطالما أن المشكلة الاقتصادية الحقيقية تتمثل –من المنظور الإسلامى –فى الإنسان ،ترى ماذا عن هذا الإنسان وكيف يؤثر بتكاثره عن تلك المشكلة ؟

أوضحت إحدى الدراسات الهامة (إبراهيم العيسوى ،85 ،ص ص 82 – 90 ) أن هناك أربعة نماذج رئيسية تتعرض لأثار التغيرات السكانية على التنمية (التى تمثل الوسيلة الجوهرية لحل المشكلة الاقتصادية)،أو تلك النماذج يرى أن الزيادة السكانية (عبئاً على التنمية ) ومن مشاكلها حدوث خلل فى ميزان المنتج من الطعام مع الزيادة البشرية المزامنة ،خلق مشكلة الإسكان ،وزيادة الضغط على الخدمات الصحية والتعليمية والاجتماعية وغيرها ،وزيادة أزمة المواصلات ،وارتفاع نسبة البطالة ،وزيادة حجم الفئات المستهلكة التى لا تقدم إنتاجاً مقابلاً ،وكذا التسبب فى زيادة مفارقات العدالة ،ويرى النموذج الثانى أن الزيادة السكانية ليست خيرا خالصاُ ،ولا هى شر مطلق ،أى أن لها سلبياتها وإيجابياتها أيضاً ويرى أصحاب ذلك النموذج أنه يمكن استغلال الجوانب الإيجابية السلبية لها ،وذلك بتحويل ذلك المورد البشرى من طاقة استهلاكية إلى طاقة إنتاجية تضيف أكثر مما تستهلك . وتعتبر الزيادة السكانية فى النموذج الثالث “امراً واقعاً يجب التعايش معه” وينادى أنصار ذلك النموذج بضرورة زيادة الاهتمام بكيفية مواجهة النمو السكانى المؤكد عن طريق الاستمرار فى الخط التقليدى الغالب بتركيز الاهتمام على الحد من الخصوبة البشرية بشكل فعال فى الأجل الطويل ،أما عن النموذج الرابع فيعتبر الزيادة السكانية ” نعمة لا نقمة ” ويرى أنصار ذلك الرأى أن السكان يجب أن لا يكن النظر إليهم على أنها مجرد أفواه تأكل أو فئات تستهلك ،وإنما على العكس أنها عقول تفكر وتبدع وإضافات متزايدة للإنتاج ،ويرون أنه بدلاً من تبديد الأموال وإنفاقها على مشاريع لخفض النسل –تحت أى مسمى –فإنه من الأرشد إنفاقاً أن توجه إلى تنمية المتاح من الثروة البشرية والاستفادة من تزايد حجمها فى دفع عجلات التنمية ،ومن منافع الحجم الكبير للسكان يعطى أنصار هذا النموذج أمثلة مثل توفير حجم كبير للسوق الذى يصطحبه إتاحة الإنتاج كبير الحجم والاستفادة من وفوراته وتحفيز الهمم لتغيير طرق وأساليب الإنتاج والضغط على الأنظمة القديمة المتهالكة والتجديد المستمر إلى الأحسن ،ويرون أن الانفجار السكانى إنما ينجم –أصلاً –عن التخلف الاقتصادى والاجتماعى ،وليس بصحيح أنه سبباً له .

وبمشاهدة تجارب الدول المتقدمة فى الوقت الحالى نجد أن انخفاض معدل السكان فيها هى ظاهرة حديثة نسبياً ،حيث كانت معدلات المواليد وصلت فى هذه الدول فى أوائل القرن التاسع عشر إلى أكثر مما هى عليه الآن فى أحد الدول النامية ازدحاماً بالسكان ،مما يؤيد أن انخفاض الزيادة فى معدل السكان فى تلك الدول كانت نتيجة للتنمية الاقتصادية وليس سببا لها ،فلا تكون الزيادة –بذلك –مسئولة عن التخلف .(عبد الله الصعيدى ،88 ) .

وكما سبق أن نوهنا –فإنه لا توجد فى الواقع ما تسمى . بمشكلة نقص فى الموارد ولا زيادة فى السكان خاصة إذا ما نظرنا إلى الأمر على المستوى العالمى إجمالاً ،ففى تلك الحالة سنجد أن هناك من الدول ما تذخر بالموارد الطبيعية ،ولكنها تعانى من قصور فى الموارد البشرية التى يمكنها استغلال تلك الموارد الاستغلال الأمثل ،وذلك بدوره نتيجة لانخفاض حجم السكان ومعدل النمو السكانى فى تلك الدول (مثلما الحال فى الكويت ) وعلى الجانب الآخر نجد دولاً تفتقر –إلى حد ما –الموارد الطبيعية ،ولكن يوجد فيها ثروة بشرية ضخمة يمكن أن يستفاد بها فى استغلال الموارد الغنية فى المجموعة الأولى من الدول (مثلما الحال فى مصر ) . ومن الأمثلة الواضحة التى تدل على ذلك ما ورد فى دراسة زينب الأشوح حول الأهمية الاقتصادية لجمهوريات آسيا الوسطى الإسلامية ؛حيث ثبت أن تلك الجمهوريات الإسلامية ؛حيث ثبت أن تلك الجمهوريات فى إجمالها غنية بالموارد الطبيعية بالغة التنوع ،كما أنها تشمل على أرض شاسعة المساحات ، ولكنها ليست مستغلة أو مأهولة بالسكان ،وذلك يمكن أن يرجع بالدرجة الأولى إلى انخفاض حجم سكانها الأصليين (مع استبعاد الروس المستعمرين ) ،ذلك مما يدعو إلى ضرورة انتقال بعض من الفائض السكانى فى الدول الإسلامية الأخرى لتعمير تلك المناطق وتوجيه استغلال خيراتها لما فيه صالح المسلمين . (لمزيد من التفاصيل ارجع إلى زينب الأشوح ،93 ،ص ص 105 – 122 ) .

والواقع أن الحديث عن السكان والموارد والتنمية لا يمكن أن ينتهى عند حد معين ،فهى مسائل متعددة متشابكة متجددة الأبعاد والمتضمنات ،وهناك العديد من القضايا التى تتعلق بتلك المواضيع ولم لا يتوقع لها أن تحسم طالما أننا نعالجها بعيداً عن الإسلام وضوابطه التى جعلها الله سبحانه وتعالى شاملة للدنيا والدين ولكل زمان ولكل مكان . ونظراً لمحدودية حجم البحث –بطبيعته –فإننا ندعو المهتمين بتلك المواضيع إلى زيادة التعمق فى تحليلها والمساهمة فى حسم القضايا المتعلقة بها مع التركيز على المنظور الإسلامى لمثل تلك القضايا .

خاتمة وتوصيات :

ظهرت العديد من النظريات التى تناولت المسألة السكانية خاصة فيما يتعلق بعلاقتها بالموارد والتنمية . ومن تلك النظريات ما اعتبر الزيادة السكانية نعمة لا نقمة ،ومنها ما اعتبرها أمراً واقعاً يجب التعايش معه ،بينما ترى مجموعة ثالثة أن الزيادة السكانية لا هى شر خالص ،ولاهى خير خالص ،وترى مجموعة أخرى أن الزيادة السكانية تعتبر عبئاً على الموارد وعلى التنمية . وتعتبر نظرية مالتس من المجموعة الأخيرة ، حيث يرى مالتس أن السكان يتزايدون بمتوالية هندسية تفوق ما تتزايد به الموارد من مقومات العيش من متوالية عددية ،ويحذر من أنه مالم يتدارك الإنسان ذلك ويقلل النسل بالوسائل الطبيعية أو باستخدام وسائل منع الحمل الأخرى ،فإن الكوارث الطبيعية من مجاعات وحروب وأمراض وأوبئة وغيرها ستقوم بتلك المهمة حتى يعود التوازن بين كل من الموارد الطبيعية والسكان .

وتقوم الدراسة الحالية بتوجيه النقد البناء لتلك النظرية التى تعتبر النظرية الرائدة بين النظريات السكانية ، وذلك من خلال المنظور الإسلامى . وقد تم إجراء هذا النقد من خلال الإجابة على التساؤلات التى تم سردها فى المبحث التمهيدى من الدراسة الحالية ،وذلك على مدى المبحثين الأول الثانى ،وباختصار شديد وجدنا أن الإجابات على التساؤلات المذكورة يمكن أن تتمثل إجمالاً فى أن العاطفة الجنسية ليست فى حد ذاتها من الحاجات الأساسية للإنسان ،وإنما هى وسيلة للنسل وحفظ النوع الإنسانى ،والله سبحانه وتعالى هو المتحكم الوحيد فى عملية الإنجاب والتكاثر غير أنه سبحانه أعطى للإنسان أسباباً يأخذ بها لكى تتم بها تلك العملية فى إطار مشروع ،وأن الإسلام يدعو إلى التكاثر ويحرم أية وسيلة تؤدى إلى المنع المطلق للنسل ،كما يحرم منع النسل خوفاً من الفقر والحاجة ،وبوجه عام فإن الوسائل التى يمكن أن تحول جون الإنجاب والعمل يتوقف حلها من تحريمها على المواقف والظروف الفردية ،ويجب عدم استخدامها إلا فى حالة الضرورة فقط خاصة الوسائل غير الطبيعية منها التى تضر بصحة الإنسان أو بحياته. وعلى عكس ما نادى مالتس فإن الإسلام يشجع على الزواج فى سن الإخصاب الصغير ولم يدع بتأجيل سن الزواج لتقليل النسل أبداً ،أما عن مقومات العيش فهى لا توجد فى الأرض فقط ،وإنما يمكن أيضاً أن تأتى من السماء ومن بين الأرض والسماء ومن باطن الأرض . والموارد المتاحة للإنسان غير محدودة بالفعل ،ولكنها قد تكن محدودة ظاهرياً بمحدودية علم الإنسان وعمله . وهناك عوامل أخرى –بعيداً عن الزيادة السكانية –يمكن أن تتحكم فى الموارد المتاحة للإنسان ،فالعمل والعلم والسعى والهجرة والاستغفار والتوبة والدعاء … كلها عوامل تتيح فرصة تمتع الإنسان برزق أكثر ،بينما الكفر والجحود وارتكاب المعاصر يمكن أن يعرض الإنسان لمشكلة محدودية الموارد ،كما أن ذلك قد يحدث على سبيل الاختبار الإلهى للإنسان (فرداً أو مجتمعاً ) .

ومن ثم فإن الكوارث الطبيعية لا تحدث حقيقة للتزايد السكانى المبالغ فيه –كما يدعى مالتس وإنما هى اختبار إلهى للإنسان –المجتمع أو الفرد –جزاء له على معاصيه .

وللتحقق من المضمون الجوهرى لنظرية مالتس حول نمط التزايد السكانى ومشكلة محدودية الموارد نتيجة للنمو السكانى ،فقد قامت الدراسة فى المبحث بإجراء تحليل تطبيقى حول الوضع المعنى ،ووجد من ناحية نمط النمو السكانى ،حيث وجد أن السكان فى العالم يتزايدون تقريباً بمتوالية هندسية كل عشر سنوات أو كل عشرين سنة حسب ما أتيح لنا من إحصاءات ،أما بالنسبة للموارد ،فقد ثبت أنها تتزايد بما يكفل لجميع الأفراد فى العالم أن يحصلوا على حاجتهم منها ؛بل إن محدودى الدخل فى الدول النامية أصبح متاحاً لهم استعمال السلع الكمالية مثل الثلاجات الكهربية بنسب أعلى من قبل برغم زيادة السكان ،وقد ثبت أن كل زيادة سكانية يحدث معها بالفعل زيادة فى الموارد غير أن المشكلة الحقيقية التى تجعل هناك مشكلة محدودية فى الموارد هى مشكلة الإنسان ذاته وسلوكه الخاطئ فى التصرف فى تلك الموارد ،وبمعنى آخر : فإن سوء استخدام الموارد وسوء توزيعها على مستحقيها والمحتاجين إليها على المستوى العالمى هى الأسباب الحقيقية لوجود تلك المحدودية “الظاهرية ” فى الموارد .

وبناء عليه ،فإننا نوصى بالتخلى عن محاربة الذرية والنسل واعتبارهما من العوامل السلبية والعوائق المعرقلة للتنمية والتقدم والمسببة للكوارث والحروب ،وبدلاً من ذلك علينا أن ننظر إلى الموارد البشرية كأهم مورد إنتاجى حبانا به الله سبحانه وتعالى لتعمير الأرض ،ولاستخراج كنوزها المدفونة التى منحنا الله إياها على أن نسعى ونبذل الجهد الجاد لاكتشافهما ،وكذلك علينا أن نستفيد من الموارد التى تأتينا من السماء وما بينها وبين الأرض ،وليس ذلك بكلام خيالى ،فقد بدأ الإنسان فى ذلك بالفعل عندما استخدم الحرارة الشمسية والهواء كمصادر للطاقة (الطاقة الشمسية وطواحين الهواء ) . كما نوصى بضرورة إعادة الحسابات العالمية وزيادة التعاون بين أجزائه ،وبدلاً من إلقاء الفائض من المزروعات فى البحار ،لابد أن هناك سبلاً أخرى لإرسال ذلك الفائض إلى المحتاجين إليه فى الدول الأخرى ،وعلى الجانب الآخر ،فإن الإنسان الذى يعانى من ضيق الرزق وشح الموارد عليه أن يتحرك وينتقل من مناطق الشح والقحط إلى مناطق جديدة عليه ،يجد فيها رزقاً جديداَ .

ولا يجب أن ننسى الجانب العقائدى والإيمانى وواجب الإنسان تجاه ربه ،فقد اتضح أنه الجانب الأساسى الذى يمكن أن يؤثر فيما يتاح للإنسان من موارد وأرزاق  .

●●●

قائمة المراجع العربية

1- د . إبراهيم العيسوى ،(1985) ،انفجار سكانى أم أزمة تنمية ؟ دراسة فى قضايا السكان والتنمية ومستقبل مصر ،دار المستقبل العربى ،القاهرة .

2- ابن دقيق العيد ،(1410هجرى – 1990) ،العدة حاشية العلامة ابن الأمير الصناعنى على أحكام الأحكام شرح عمدة الاحكام ،دار الأقصى ،القاهرة .

3- ابن كثير ،تفسير القرآن العظيم ،دار المعرفة ،بيروت .

4- الإمام ابن زكريا يحيى بن شرف النووى الدمشقى ،رياض الصالحين ،تحقيق محمد الصادق بسيس ، المكتبة العتيقة (تونس ) دار التراث (القاهرة ) .

5 –ابى عبد الله محمد القرطبى ،تفسير القرطبى الجامع لأحكام القرآن ،كتاب الشعب ،دار الشعب ،القاهرة .

6- أحمد عبد الجواد ،(بدون تاريخ ) ،الدعاء المستجاب ،مكتبة إحياء الكتب الإسلامية ،القاهرة .

7- أم كلثوم يحيى الخطيب ،(1404 هجرى – 1984 م) ،قضية تحديد النسل فى الشريعة الإسلامية ،الدار السعودية للنشر والتوزيع ،الطبعة الثالثة ،الدمام ،الرياض .

8- روبيرت لافون ،(1977) ،بالعربية ،الانفجارالسكانى :قضايا الساعة (2)،ترجمة نبيه الأصفهانى ، الناشر للطبعة العربية ،شركة تزداد كسيم ،جنيف .

9- د . زينب صالح الأشوح ،(1993) ،الأهمية الاقتصادية للجمهوريات الإسلامية فى آسيا الوسطى فى الاتحاد السوفييتى (سابقاً) ،أبحاث المؤتمر الدولى: المسلمون فى آسيا الوسطى والقوفازالماضى والحاضر والمستقبل،المحور الاقتصادى ،مركز صالح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامى بالاشتراك مع قسم اللغة الفارسية وأدابها – كلية الدراسات الإنسانية ،جامعة الأزهر ،القاهرة .

10- د . زينب صالح الاشوح ،(1994) ،”بعض السمات والخصائص الأساسية للعمل الإسلامى مع إشارة إلى المنظور الاقتصادى للعمل المؤتمر الدولى : العمل الإسلامى ،الواقع والمستقبلمركز صالح عبد الله كامل للاقتصاد الإسلامى ،جامعة الأزهر .

11- سنن ابن ماجه ،أجزاء مختلفة .

12- السيد الجميلى ،(1982) ،محمد متولى الشعراوى الفتاوى كل ما يهم المسلم فى حياته ويومه وغدهمكتبه القرآن ،القاهرة .

13- د . صلاح الدين نامق ،(1970) ،اقتصاديات السكان ،دار المعارف ،القاهرة .

14- د . صلاح الدين نامق ،(1980) ،اقتصاديات السكان فى ظل التضخم السكانى ،دار المعارف ، القاهرة .

15- الجهاز المركزى للتعبئة العامة والإحصاء (يونيو 1991) ،الكتاب الأحصائى السنوى (1925 – 1990) لجمهورية مصر العربية،القاهرة .

16- عبد العزيز السودانى ،(1990) ،الاقتصاد الاجتماعى ،كلية التجارة ،جامعة أسيوط وسوهاج .

17- عبد الله الصعيدى ،(1988) ،زيادة السكان عقبة أم دافع للتنميةدراسة للمشكلة فى مصر،دار النهضة العربية ،القاهرة .

18- السيد محمد عاشور ،(1984) ،تنظيم النسل والمشكلة السكانية ،دار الاتحاد العربى للطباعة ،القاهرة .

19 –صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA،(1992) ،وضع السكان فى العالم ، نيويورك .

20- صندوق الأمم المتحدة للسكان UNFPA،(1993) ،قضايا سكانية ،ملف إعلامى ،نيويورك .

21- أحمد بن على حجر العسقلانى ،فتح البارى بشرح صحيح البخارى،دار المعرفة ،بيروت .

22- فتحى محمد أبو عيانة ،(1405هجرى – 1985م ) ،دراسات فى علم السكان ،دار النهضة العربية للطباعة والنشر ،بيروت .

23- فرانسيس مورلابيه ،جوزيف كولينز (رجب 1403 –إبريل 1983) ،صناعة الجوع (خرافة الندرة )ترجمة أحمد حسان ،عالم المعرفة ،المجلس الوطنى للثقافة والفنون والآداب ،الكويت .

24- د . محمد الجمال (1980) ،موسوعة الاقتصاد الإسلامى ،ودراسات مقارنة ،دار الكتاب المصرى (القاهرة ) ،دار الكتاب اللبنانى (بيروت ) .

25 –الإمام محمد أبو زهرة ،(1988) ،تنظيم الأسرة وتنظيم النسل ،دار الفكر العربى ،القاهرة .

26- محمد عبد السميع عثمان ،(1979) ،دور التربية فى مواجهة تغيرات القيم الاجتماعية المرتبطةبتنظيم الأسرة فى المجتمع الريفى –دراسة حالة ،رسالة ماجستير ،المركز الدولى الإسلامى للدراسات والبحوث السكانية ،جامعة الأزهر ،القاهرة .

27-محمد متولى الشعراوى ،(1990) ،الرزق ،مكتبة الشعراوى الإسلامية ،أخبار اليوم ،القاهرة .

28- محمد على الصابونى ،صفوة التفاسير ،دار الرشيد ،حلب .

●●●

قائمة المراجع الأجنبية

1. Britannica Book of the year ,(1992) ,Encyclopaedia Britannica Inc .

2. Crowson ,p,(1988) ,Mineral Handbook ,M.Stockton press ,New York .

3. Ganzin M,(1975) ,Pour entrer dans ere Justice alimentaire ,

“ ,UNESCO courier ,Cited by Susan George , How the Half Dies ,Benguin , Harmods Worth ,1976 .

4. Lowry J.H . (1971) , World population and Food Supply ,Edward Arnold Ltd , London .

5 – Malthus T.R ,(1951) ,principles of political Economy ,considered with a view to their Application ,2 nd ed . Basit ,Blackwell .Oxford .

6- Omran A. R .(1992) ,Family Planning in the legacy of Islam ,published with the Support of the United Nations population Fund ,London &New York .

7. Statistical year Book ,1987 .

8. The State of World Population ,(1993) ,UNFPA (United Nations population fund ) ,New York .

9. United States Department of Agriculture ,(1989) ,Economic Research Service World Agricultur situation And Outlook Report ,Washington ,Dc .

10. The World Fact Book ,(1992) ,Central Intalligence .

11. World Almanac And Book of Facts ,(1994).

○○○

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر