أبحاث

فلسفة إسلامية … بأي معنى؟

العدد 58

يدخل الحديث اليوم عن «وقفة» تجاه ما يسمى ب «الفلسفة الإسلامية» ضمن تجدد حضور وعي هذه الأمة بواقعها وظروفها التي آلت إليها. وككل أمة حين تقف على مشارف أزمة في عقلها، فإنها تراجع ذاكرتها، تاريخها، ماضيها، تبحث فيه عما شكل قاعدتها التأسيسية التي انطلقت منها في بداية تكونها وانتشارها، ولتعيد قراءة الحاضر على ضوئه، لفهم المرحلة التي وصلت اليها والأسباب الكامنة خلفها، وتقوم في ذات الوقت بالبحث عن أساس لإعادة بناء العلاقة بين الحاضر والماضى، تهدف هاتين العمليتين: قراءة الحاضر وفهمه على ضوء الماضى، لإعادة العلاقة بينهما، إلى مواجهة التحدى القائم بحضور «الآخر»، وتلازمه في الوعى المتجدد الحضور.

ومن هذا جملة أسئلة نطرحها لتجديد التفكير فيها: كيف نجدد اليوم هذا الحضور للوعى بما يسمى «الفلسفة الإسلامية»؟إلى أى حد يمكن لهذا التجديد أن يبقى بعيداً عن أن يكون رد فعل للتحدى الذي يفرضه علينا «الآخر»؟ بمعنى: إلا يستدعى القيام بهذا التجديد استحضار «الآخر» دوماً؟ والتجديد ذاته حتى يكون كذلك، هل يجب أن يتم من موقع الدفاع أم من موقع الهجوم أم من كليهما؟إلى أى مدى كانت أنماط وأشكال التجديد التي تمت إلى الآن مرتبطة بواقع الأمة التي صدرت عنها، وإلى أى حد ساهمت في «حل المشكلات الراهنة في العالم الإسلامي»؟.

هذه التساؤلات – تاركين أخرى إلى حين – استوحيناها من جراء نظرنا فيما تم إلى الآن في مجال «الفلسفة الإسلامية» و «تاريخها». لم نجد في هذا «التاريخ» حسب قراءتنا له إلا ردود أفعال أو إجابات من موقع الدفاع على تحديات ظرحها «الآخر» وجرنا إليها جراً. فإذا قال «الآخر» – وهو هنا المستشرقون -: «إن الفلسفة الإسلامية ليست إلا فلسفة يونانية كتبت بحروف عربية» (رينان، غوتية…..) E.Renan, L. Gauthier حملنا معنا أدوات الحفر وذهبنا نبحث عن موضوعات بحثها وتطرق إليها «الفلاسفة المسلمون» ولم يتطرق إليها أسلافهم من اليونان، فأثبتنا انطلاقاً من ذلك «أصالة الفلسفة الإسلامية» مبرزين جدة الموضوعات المطروحة والمبحوثة، مستخدمين لهذا الغرض «المنهج التاريخى» و «المنهج المقارن» (ابراهيم مدكور). وحين اكتشفنا بعد حين أن «الفلسفة الإسلامية» مدينة حقاً للفلسفة اليونانية قلنا: إن الفلسفة الإسلامية الحقيقية والأصلية هي تلك التي نجدها في «الاجتهاد بالرأى»، وفي «علم أصول الفقه» (مصطفي ع. الرازق، والنشار…) وحين جاء من اطلع على المناهج الغربية الحديثة وما يتعلق بالتفاعل الحضارى والثقافة كقانون حضارى لا منأى عنه، أضحى إثبات أصالة للفلسفة الإسلامية كامناً في طريقة الشرح والتفسير، والحذف والإضافة: ماذا نفسر؟ وماذا نحذف ونضيف؟ وبأى مقياس؟ فما نثبت وما نحذف أثناء الشرح يتم عن وعى بالمرحلة والحضارة التي يعيش فيها المفسر والشارح، ويصبح حضور الوعى بالبنية التي تؤسس وتنشئ الخطاب (تفسير، شرح…) هو الجواب على من ينكر أصالة هذه «الفلسفة». وحين تقدمت الأبحاث في هذا المجال واطلع بعضهم على أهمية « الأيدولوجية» ودور «الأجهزة الأيدولوجية للدولة» وبنية «اللاشعور» الثاوية خلف كل إنتاج فكرى واستقلالها التام عن الأحداث والمعارك الفكرية والفلسفية صار البحث عن «أصالة للفلسفة الإسلامية» ليس في جدة موضوعاتها أو في طريقة الشرح والتفسير والوعى بالمرحلة التاريخية والحضارية، أى لم يعد البحث عن «الأصالة» في المادة المعرفية لهذه الفلسفة بل في «التوظيف الايدولوجى» للمادة لمعرفية ذاتها فالأصالة إذ هي هذه الوظيفة الأيدولوجية التي أدتها ولعبتها هذه الفلسفة، التي لا تختلف كثيراً عن أصلها اليونانى في الحضارة الإسلامية.

تلك أمثلة استقيناها دون حصر لأشكال ردود الفعل تجاه إشكالية أصالة الفلسفة الإسلامية. نقول أنها ردود فعل من موقع الدفاع لأننا لم نختر ساحة المعركة ولا توقيتها ولا موضوعها، بل لم نفكر ولو للحظة في أن ندخل معركة قد رتبت مقدماتها ونتائجها. ولم يتعلق الأمر فقط بالجانب «الفلسفي» بل تعداه إلى بقية الجوانب الأخرى المرتبطة بالعقيدة والسيرة والتاريخ والحضارة وكل الإنتاج الفكري والإبداعي لدى المسلمين. إن «الآخر» حاضر دوماً، ويتم استحضاره دوماً عند كل مواجهة للدفاع. والسؤال الذي يعود بإلحاح: ردود الفعل هذه بهدف اثبات «أصالة للفلسفة الإسلامية» هل كانت في ذات الوقت ترتبط بمشكلات الأمة الإسلامية؟ بتعبير آخر: هل إثبات «الأصالة» على هذا المستوى أو ذاك، بالأساليب المستخدمة حتى الآن لدى الباحثين والمؤرخين في ميدان «الفلسفة الإسلامية» هو الذي سيؤدي بهذه الأمة إلى إيجاد الحلول للمشاكل التي تعاني منها؟ أم أن ذلك الجهد في الإثبات «للأصالة» على هذا المستوى أو ذاك لم يزد تلك المشكلات إلا تأصيلاً؟.

نعم، إن الذين قاموا ويقومون بردود الفعل هاته لإثبات «أصالة الفلسفة الإسلامية» يهدفون من وراء ذلك إلى إيجاد ما يمكن استلهامه من تاريخها لتحقيق المعاصرة وتجاوز «التأخر التاريخي» الذي يفصل هذه الأمة عن ماضيها من جهة وعن «الآخر» من جهة أخرى: فتحقيق «المعاصرة» لا يتم إلا بالانخراط في العصر وإيجاد مكان يليق بنا فيه أمام بقية القوى والمجتمعات التي دخلت في هذه المرحلة من التاريخ. ومن هنا فإن «المعاصرة» بهذا المعنى تكمن في إيجاد «الارهاصات الأولية» لما به تحققت «المعاصرة» لغيرنا، أى البحث عن «المفاهيم» التي أصلها «الآخر» في فلسفته وحضارته اليوم، لدى «الفلاسفة المسلمين» الذين سعت طموحاتهم إلى بناء هذه «المفاهيم» وتأسيسها بوعى أو بغير وعى، وغالباً ما كان بدون وعي حسب بعض «القراءات المعاصرة» لهذا الإنتاج الفكرى. ولهذا السبب نجد أن المهمة التي ندب لها أنفسهم الباحثون والمؤرخون داخل حقل «الفلسفة الإسلامية» اليوم تكمن في إيجاد «النزعات المادية للفلسفة العربية الإسلامية» وفي تقديم «مشروع رؤية جديدة للفكر العربى الإسلامي في العصر الوسيط» والعمل «من أجل رؤية تقديمية لبعض مشكلاتنا التربوية والفكرية» وفي أكثر من ذلك: في البحث عن الآليات والميكانزمات التي تتحكم في «العقل العربى» وتمنعه من الانطلاقة في سبيل تحقيق «المعاصرة» المنظور إليها من خلال «المفاهيم» التي تؤسسها، فيجب بالتالي القيام ب «نقد العقل العربي» وبيان المعوقات الفكرية والمعرفية التي كانت من طبيعة هذه العقل في تكوينه في عصر التدوين. ومن هنا الدعوة إلى «تدشين عصر تدوين جديد» يقوم على إبراز «الفلسفات» التي تتحقق بها هذه «المعاصرة» المؤسسة على «المفاهيم» التي بدونها تبقى منعدمة.هنا ضرورة القيام بعملية «انتقائية» شاء ذلك الباحثون أم أبوا، داخل حقل الفكر العربى الإسلامي فما به تتحقق «المعاصرة» اليوم من داخل ذلك الحقل الفكرى هو «عقلانية ابن رشد» و «علمية ابن خلدون» بل وماديته في البحث الاجتماعى والثقافي، و «تقدمية» ابن حزم الظاهرى في فهم النص و «قراءة» الشاطبى المعاصرة للأصول، مع هاته «الفلسفات» يجب أن يتم التواصل والحوار، وبهؤلاء تتحقق «المعاصرة» لأنهم أسس الأصالة ومكمن الهوية الحضارية التي نريد استعادتها، وليس «الغزالي» و «ابن سيناء» و «الفارابي» و «الكندي» و «الشافعي» و «البقلاني» و «الأشعري»…

بتعبير آخر: إن «الأصالة والمعاصرة» تتحققان بالتواصل مع الفكر المغربي الأندلسي الذي حقق «قطعية ابستمولوجية» مع «الفكر المشرقي»، ليس ذلك فحسب، بل أن «المعاصرة» اليوم والتي حققها «الآخر» إنما كانت انطلاقاً من هذه «الفلسفات» التي إطلع عليها هذا «الآخر» في المغرب والأندلس خاصة. فهذه «الفلسفات» تشكل الوجه «المشرق» الذي به تحققت «المعاصرة» «للآخر» في مقابل الوجه «المظلم» الذي كان «العائق» في سبيل انطلاقة العقل المغربى نحو تحقيق التواصل بين ماضيه وحاضره من أجل المستقبل الذي حققه «الآخر» فالإجابة عن «إشكالية الأصالة والمعاصرة» تكمن في هذا التواصل بين تلك «الفلسفات» والعصر الحاضر المتحقق. بهذا المعنى فإننا نرى الحاضر في الماضى ونقرأ طموحاتنا في تلك «الفلسفات»: فبعثها وإحياؤها وتجديدها هو الذي يحقق لنا «الحلم» الذي يراودنا منذ أزيد من قرن ونصف.

إن هذه القراءة أو غيرها التي ترى أن الإجابة عن هذه الاشكالية تكمن في تقديم دراسات وترجمات للفكر المعاصر الذي عرف مرحلة كتلك التي نمر بها نحن اليوم في العالم العربى والإسلامي، وبالتالي يقدم لنا الحلول والمواقف التي وقفها في تاريخه وماضيه مؤسساً مناهج للتأويل وتقنيات للدراسة، دراسة النصوص وموضعتها وتاريخنا بتحليل الشعور وربطه بالواقع الاجتماعي الذي صدر عنه، الشئ الذي يسمح بإعطاء مكان جديد لمفاهيم قديمة حسب العصر والظرف التاريخي الذي نمر به، إن هذه القراءة وتلك التي أشرنا إليها آنفاً تصبح بدورها قد أنجرت إلى ساحة المعركة التي رسم «الآخر» معالمها ويبقى السؤال: بما تختلف هاتين «القراءتين» عن غيرهما من «القراءات» المتقدمة عليهما في الزمان والمكان؟ والجواب: إنهما كغيرهما من القراءات تنطلقان من نفس الفضاء الفكرى الذي يشكل بنية الآخر، وإن كان هناك من تمايز فهو في المناهج والمفاهيم التي تستخدمانها دون غيرهما من القراءات الأخرى. وهذا يدل على أن أية قراءة لما يسمى بـ «الفلسفة الإسلامية» إنما تكون معاصرة لذاتها ومتقدمة على سواها في عالمها، باستمدادها من آخر التطورات التي عرفتها المناهج والمفاهيم المنتمية والمنبثقة من الفضاء الفكرى لـ «الآخر». وعلى سبيل المثال: إن الأستاذ «الجابرى» في دراسته وأبحاثه يصوب سهام نقده نحو كل من سبقه في تأسيس خطاب حول الفكر العربى الإسلامي، أو لنقول حول «التراث» ويسم كل آولئك «بالفلسفية»: «السلفية الإسلامية» و «السلفية الماركسية»… سلفيات: بمعنى أن كل تيار من هذه التيارات سلف مرجع، تستمد منه أسس دراستها وقواعد بنائها للتراث، فهو ينقد استخدام «القوالب الجاهزة» رافضاً بذلك ذلك الفهم الإلى والميكانيكى لـ «الجلدية الماركسية» وماديتها التاريخية ويدعو في مشروعة «نقد العقل العربي» إلى أن تصنع «القوالب محلياً». صحيح أن كل تيار من تلك التيارات السلفية تستمد مناهجها ومفاهيمها من يلفها وخطؤها أنها تفعل ذلك بشكل إلى ولو انتسبت كما هو الحال عند «تزيني» و «مروة» إلى الفكر الماركسى الجدلى أو إلى العلمية والتاريخانية الغربية كما هو الحال عند «العروى» مثلاً. والسؤال الذي يرد بصدد الحديث عن أبحاث الأستاذ «الجابرى» هو التإلى: هل ينطلق الأستاذ «الجابري» من سلف؟ وما هو؟ بتعبير آخر: من أين يتكلم الأستاذ «الجابري»؟ بم يتأسس خطابه؟ ما هي شروط القول التي ينطلق منها وتحديد مجال وحقل تفكيره والتعبير عنه؟ نطرح هذه الأسئلة بصدد أبحاث الأستاذ «الجابري»، لأننا نعلم جميعا أنه ليس هناك إنطلاقة من «فراغ». من «الصفر».

حين نقرأ «العروى» نكتشف خلفه «غرامشى» قابعاً بين الأسطر والفقرات التي خطها قلمه وكذا فهم هذا الأخير لـ «الماركسية» ومحاولة النظر إليها وفهمها وتأويلها حسب الظروف التي عرفتها إيطاليا في عهده. ومن هنا نفهم دعوة «العروى» إلى تأسيس «ماركسية عربية». وحين نقرأ لـ «مروة» و «تزينى» فلا نحتاج إلى عناء كبير للكشف من خلال المقدمات النظرية الطويلة التي يصدران بهما أبحاثهما عن «الفلسفة» التي يتبنياها و «المنهج» الذي يستخدمانه. والفرق بينهما أن أولهما يقرأ التراث العربى الإسلامي بالتأويل «السوفياتي» للماركسية والآخر بتأويل «ألمانيا الشرقية» لها. وإذ قرأنا للأستاذ «حنفي» فإنه سرعان ما نقف على (المنهج الفينومينولوجى) الهوسرلى (نسبة إلى الفيلسوف الألمانى هوسرل) والمواقف السبنوزية (نسبة  فإنه سرعان ما نقف على (المنهج الفينومينولوجى) الهوسرلى (نسبة إلى الفيلسوف الألماني هوسرل) والمواقف السبنوزية (نسبة لى باروخ سبينوزا اليهود الهولندي) من الدين والتراث عامة (الدين والتراث الغربيين).

أما حين نقرأ للأستاذ «الجابري» فأنت أمام جبل الابستمولوجية المعاصرة. ومن هنا صعوبة تحديد المرجع الفيلسوف الذي يوجه أبحاثه، بل نجد أن المرجع هو الابستمولوجية المعاصرة بأكملها وفي كل ميدان من ميادين البحث المتعلق بالعلوم الإنسانية: من علم النفس (بياجى) من التحليل النفسى (فرويد، يونغ) من الفلسفة (كانط، هيجل، ماركس، نتشه، فوكو، ديردا…) من الأنتروبولوجيا، (كلود ليفي ستراوس…). إن مفاهيم ومناهج هؤلاء وغيرهم من الفلاسفة والمفكرين تجد مكانها في نص «الجابري» محاولاً من خلالها وانطلاقاً منها تأسيس «منهج»  ونحت «مفاهيم» مستمدة كما يقول هو نفسه من وحى الموضوع الذي يدرسه والثقافة التي يتعامل بها. إنه التحرر من «القوالب الجاهزة» ومحاولة صناعة «قوالب محلية» والسؤال الذي نود طرحه مرة أخرى بصدد أبحاث الأستاذ «الجابري» هو التإلى: هل صحيح أنه لا يمكن لنا اليوم التفكير في موضوعات ومشكلات مرتبطة بالعالم الإسلاميإلا من خلال الحقل المفاهيمى الذي تنتمى إليه الفلسفة الغربية المعاصرة؟ أحقاً لا يمكن أن «نتنفس» إلا من خلال هذه المفاهيم والفلسفات كما يقول هو نفسه؟ أن الأستاذ «الجابري» وهو يقوم بمحاولة «نقد العقل العربي» وتفكيك «الخطاب العربي المعاصر» لم يطرح السؤال المتعلق «بنسبية المفاهيم» التي يستخدمها وهو يقوم بعليتى «النقد» و «التفكيك»: إلى أى حد يمكن إستخدام مفاهيم مجردة عن «تاريخيتها» ومفصولة عن سياقها كنماذج صقلتها تجربة حضارية معينة؟ هل يمكن اعتبار هذه «المفاهيم» فوق الزمان والمكان؟ ومهما أشار وأكد «الجابري» على أنه لا يتبع فيلسوفاً ما «حذو النعل بالنعل» فإنما يلح طرحه هو: هل يمكن تأسيس منهج للدراسة والبحث انطلاقاً من جملة مفاهيم ومصطلحات تنتمى إلى حقول معرفية متعددة ومختلفة؟ ولعل السؤال الأساسى هو: أية «أصالة» لهذه «الفلسفة الإسلامية» إن كانت ستتم على حساب مفاهيم ومناهج خارجة عنها ولا تنتمى إلى فضائها الفكرى والحضارى؟ إن هذه التساؤلات حول أبحاث ودراسات الأستاذ «الجابري» ليس الهدف منها الوقوف عند كل ما يمكن أن يوجهه كملاحظات وإنتقادات لأبحاثه، فلذلك مجال آخر غير هذا المجال، إنما أردنا من ذلك الإشارة إلى أبحاثه خاصة لأنها تكتسى طابعاً متميزاً عن غيرها من الأبحاث حتى الآن في حقل الدراسات العربية الإسلامية وما يتعلق بها.

إن ما يلاحظ بصدد هذه «القراءات» التي أشرنا إليها أو تلك التي لم نشر إليها في هذا البحث هي أنها وقعت الاشكالية العامة التي تبحثها وتدرسها أعني «إشكالة الأصالة والمعاصرة»، دون أن تسائل نفسها عن ظروف النشأة للقيام بالمراجعة وتصحيح المسار. هذا من جهة ومن جهة أخرى، هناك إتفاق عام وتام على أن «الفلسفة الإسلامية» هي تلك التي يمثلها «الفلاسفة المسلمون»، فلم يقف أحد عند مساءلة صحة هذه الدعوى وهذا الإتفاق حول تسمية ذلك الإنتاج «الفلسفي» لدى المسلمين بأنه «فلسفة إسلامية». إن الالتباس والغموض الذي تؤدي إليه هذه التسمية يوقع الكثير من الباحثين في تناقض وازدواجية عن وعى أو عن غير فهم لذلك. إننا لا نطرح هنا تلك الاشكالية التي سبق وأن طرحها المستشرقون حول تسمية هذا الإنتاج: هل هو إسلامي أم عربي أم عربي إسلامي؟ إن بعض الباحثين والدارسين يتعامل مع هذه «الفلسفة» على أنها عربية إسلامية لأنها كتبت باللغة العربية من جهة، وفوق أرض أو في فضاء حضارى أنشأه الإسلام دون يعنى ذلك أنه قام بالإسلام أو من أجله.

ونحن اليوم كمسلمين بالفعل، إذ نحاول القيام بـ «وقفة» تجاه ما يسمى بـ «الفلسفة الإسلامية» من جهة، وبهدف تحقيق إعادة بناء لـ «الفلسفة الإسلامية» بالفعل من جهة أخرى، فيجب أن نحدد المفاهيم والمصطلحات التي استخدمها والقراءة الممكنة، والتي تعكس بحق تلك «الفلسفة الإسلامية» لتاريخ الإنتاج الفكري لدى المسلمين، قراءة تعتمد الأسس والمنطلقات لا للإنتاج الفكري فحسب بل حتى لـ «الكل الحضاري» الذي انبثق وانبنى على هذه الأسس والمنطلفات.

في اعتقادي أن الحديث عن «فلسفة إسلامية» هو حديث عن تلك الرؤية أو النظرة التي أسسها الإسلام كدين في قلوب وعقول المؤمنين به، بمعنى: أن الحديث عن «فلسفة إسلامية» لا يجد له موضعاً في الفكر العالمي إلا إذا إنطلق من الإسلام كقاعدة تأسيسية له، ومن هنا فإن هذه «الفلسفة الإسلامية» ستتميز عن غيرها من «الفلسفات» بكونها نستند إلى قواعد ومبادئ وحدود يرسمها هذا الدين للمؤمنين به، فلا يصبح أي بحث وفي أى ميدان، ولو صدر عن مسلم، «فلسفة إسلامية»، فقط لأنه تم التفكير فيه فوق أرض عرفت الإسلام وحضارته. إن المرجع الأساسي الذي يحتكم إليه حينئذ هو الإسلام أى «النص» فللنص سلطته وهو يرسم المعالم ويضع الحدود التي يجب البحث داخلها لا خارجها والنص الوحى يعلم الباحث ويعلمه أن البحث في هذا الميدان أو ذاك لا طائل من ورائه إذا كان لا يعود بالنفع والمصلحة على الفرد والمجتمع والإنسانية جمعاء. وإن نظرة فاحصة على تاريخ ما سمى إلى الآن بـ «الفلسفة الإسلامية» تجعلنا ندرك أن «البحث الميتافيزيقى» لا طائل من ورائه، وإن هذه «الفلسفة الإسلامية» لم تجد لها موطناً لتأصيل ذاتها وأحداث التطورات والثروات التي عرفتها أوروبا بعد ذلك إلا حين انتقلت إليها، أو نقلت إليها. والسبب لا يعود إلى أن «الفلسفة الإسلامية» لم تستطيع أن تقف مرة أخرى بعد الضربة القاضية التي وجهها إليها «حجة الإسلام» في زمانه.

وإن عداء المسلمين وفقهائهم للفلسفة الداخلية ولعلوم الأوائل وجد قبل «الغزالي» وبعده. وإنما يكمن في أن «الفلسفة الإسلامية» هي في الأصل فلسلفة يونانية عرفت طريقها إلى أوروبا التي وجدت فيها هذه تراثها، تاريخها كى تواصل معه وتحاوره وتعيد بناءه وتأسيسه. لم تأخذ أوروبا الفلسفة الإسلامية اليونانية فحسب بل أخذت «علم» المسلمين ومنهجهم «التجريبي» الذي أسسوه وبنوه والذي وجههم إليه الإسلام حين رسم لهم حدود البحث و «التجربة» فكما أخذت منه «الفلسفة الإسلامية» ما يتواصل مع تراثها وماضيها. أخذت من «علم» المسلمين ما يتناسب ونظرتها إلى الكون والحياة والإنسان القائمة على الحس والتجربة، حتى أصبح العلم لديها هو الأساس والمعيار لكل شئ بخلاف مكانته التي كان يحتلها في نظر العالم المسلم الذي يستنير في أبحاثه وتجاربه بهدى الإسلام وقواعده النظرية التي رسمها له. وهذا الذي يفسر لنا المحاولات القائمة اليوم على إحياء هذه «الفلسفات» دون أخرى على أنها «معاصرة» لنا لأنها كانت «الفلسفات» التي أخذتها أوروبا وأحدثت بها ثوراتها الفكرية والعقلية والعلمية. ومثل هذه المحاولات تنبنى وتنطلق من أساس أن تاريخ العلم وتاريخ الفلسفة يخضعان للتقدم والتطور نحو الأمثل والأفضل، فلا يمكن وفق هذا المنظور إلا أن نستعيد تلك الفلسفات التي انتقلت إلى أوروبا وكنا نحن أحق الناس بها. إن هذه القراءة لتاريخ الفلسفة والعلم تغفل أن لكل حضارة «نواتها» التي تتمحور وتتم فصل حولها المبادئ والقواعد التي ينبنى عليها الإنتاج الفكرى لدى حامل لواء تلك الحضارة.

إن تراث أوروبا الفلسفي وغيره هو تراث اليونان بشهادة كبار الفلاسفة المحدثين والمعاصرين (هيجل، نيتشه، هوسرل، هيدجر… إلخ). فبالإضافة إلى أن هؤلاء لم يعترفوا بفضل المسلمين في ما قدموه لهذا التراث اليونانى من خدمات (شرح، تأويل، نقد، نقض إحياء، إعادة بناء…) فإنهم استفادوا منها أيما استفادة، والذين يشاهدون اليوم فضل المسلمين على أوروبا ويحاولون في نفس الوقت – وبتحسر على عصور «الانحطاط» – أن يبعثوا تلك الفلسفات التي قامت بها عليها أوروبا إنما يقعون دون وعى منهم ولا إدراك في شراك «المركزية الأوروبية» التي ترى أن المسلمين لم يكونوا إلا حلقة وصل بين اليونان وأوروبا. ذلك لأن قراءة الإنتاج الفلسفي لدى «الفلاسفة المسلمين» إنما يتم بإدوات ومناهج ومفاهيم تنتمى إلى فضاء «الآخر» من جهة، ومن جهة أخرى أن تلك «القراءة» إنما تهدف إلى وصل الماضى بالحاضر، والحاضر هنا هو «الآخر»، أي وصل «الفلسفة الإسلامية» بمفهوم «الفلسفة» اليوم في أوروبا، أو بتعبير آخر، وصل مفاهيم الحاضر بارهاصاتها في الماضي. وليس هذا في اعتقادنا إلا تكريس «للمركزية الأوروبية» التي أشرنا إليها. ويبقى السؤال: أية أصالة لهذه «الفلسفة الإسلامية» أن كان الغرض فصلها عن محيطها وتاريخها وربطها بتاريخ ومحيط «الآخر» الذي يمتد من اليونان إلى اليوم؟

لهذه الأسباب مجتمعة نرى أنه لا يمكن تسمية إنتاج «الفلاسفة المسلمين» في هذا الحقل بـ «الفلسفة الإسلامية». بتعبير آخر، إن الذين مثلوا حتى الآن ما يسمى بـ «الفلسفة الإسلامية» في الحضارة الإسلامية والذين كانوا حلقة وصل بين اليونان وأوروبا، ليسوا هم الممثلين الحقيقيين لما يمكن أن نسميه حقاً «فلسفة إسلامية»، أى نظرة وتصوراً خاصاً بالإسلام وحضارته وتاريخه… لم يكن هؤلاء إلا تلامذة اليونان وممثلين للعقل اليوناني. وما «إشكالية التوفيق بين العقل والنقل» كما يعرضها الباحثون اليوم في هذا المجال وعدم القدرة على حلها وفك عقدها إلا دليلاً على أن «العقل» هنا هو «العقل اليوناني» وأن «النقل» هو «النص القرآني». وشتان بين وضع «العقل اليوناني» وروح «النص القرآني»..

في سياق آخر لهذا الحديث نقول: إن ما سمى بالفلسفة الإسلامية ما هو إلا فلسفة العقل اليونانى: العقل الأرسطي العقل المطلق صاحب المبادئ والقواعد المطلقة العقل الذي لا يحتاج إلى «التجربة» بالمعنى «العلمي» لهذه الكلمة لأن مبادئه تتطابق مع مبادئ الطبيعة. الشئ الذي يذكرنا بقواعد الجدل لدى الماركسية حين تتحدث عن «ديالكتيك الطبيعة» والجدل في التريخ والمجتمع، رغم بعد «المسافة» بين «أرسطو» و «انجلز»..

هذه ((الفلسفة الإسلامية» إذ ليست هي «فلسفة الإسلام» وفلسفة «العقل الإسلامي» ووضعه في تاريخ المسلمين والحضارة الإسلامية. ومن هنا نرى مع أحد الباحثين أن خير من يمثل «العقل الإسلامي» في الحضارة الإسلامية إنما هو أمثال «الغلزإلى» وليس أمثال «ابن رشد». لا نريد هنا أن ندخل في جدال ونقاش بين أنصار هذا وأنصار ذاك، بقدر ما نريد أن نبين أن «الغزالي» وبالرغم من كل ما يمكن أن نؤاخذه عليه في فلسفته ونزعته «التصوفية» فإنه يظل بحق أحد الذين وضعوا دعائم هذا «العقل» وحدد حدوده ورسم معالمه. «فالغزالي» الإمام «الأشعري» بقيامه بتلك المهمة فتح الباب على مصراعيه أمام الباحثين المسلمين لدراسة الواقع الاجتماعى والتاريخى بدل البحث الميتافيزيقى والغيبى. إن ذلك الوضع للعقل لدى «الغزالي» هو الذي جعل من «ابن خلدون» باحثاً يقيم الدنيا ويقعدها بمقدمته، ولا تزال مقدمته وتاريخه مثار الجدال والنقاش بين الأنصار والخصوم، وبين أولئك الذين يرون فيه «مادياً تاريخياً» و «ماركسياً قبل ماركس» أو يرون فيه رجلاً «متقدماً» على عصره ويحاولون بيان «المعقول واللامعقول» في فكرة، وبين أولئك الذين يرون فيه النموذج التطبيقى لما يريده الإسلام من أبنائه وعلمائه. ليس «ابن خلدون» الأشعري تلميذاً «لابن رشد» بل هو تلميذ «للغزالي» الأشعرى، وما محاولات بعض الباحثين أن يربطوا بين «ابن خلدون» و «ابن رشد» إلا ضحايا «المنهج البنيوي» الذي يستخدمونه والذي به يرون أن «ابن خلدون» و «ابن رشد» ينتميان إلى «ابستيمية واحدة تختلف عن «الابستيمية» التي خضع لها «الغزالي» و «ابن سينا» والفكر المشرقى كله. ولا أدل على ما نقول من أن نراجع المقدمة لنقف على مدلول «المفاهيم» التي يستخدمها «ابن خلدون»: العقل، الغيب، الفلسفة، العادة، المعرفة… إلخ. إن دلالات هذه المفاهيم تلتقى مع تلك التي يسبغها عليها «حجة الإسلام» وتبتعد بالمقابل عن تلك التي يسبغها عليها «فقيه قربطة». هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن موقف «ابن خلدون» من فلسفة ابن رشد» يبين فيه إنحيازه «للغزالي» أكثر من تقربه من «ابن رشد». وأخيراً أن موقف «ابن رشد» من الأشاعرة والمذهب الأشعري من الوضوح بحيث لا يحتاج إلى تفصيل. وإذا علمنا أن «ابن خلدون» أشعري المذهب أدركنا مدى المسافة التي تفصل بين الرجلين. ولسنا هنا – كما قلنا عن غيره من قبل – في موقف عرض فكر «ابن خلدون» بقدر ما سعينا إلى محاولة بيان أوجه التقارب الممكنة بينه وبين «الغزالي» وأوجه التباعد الممكنة بينه وبين «ابن رشد». وفي هذا الصدد يمكن الحديث أيضا عن أوجه تقارب بين «ابن رشد» المغربي الأندلسي المالكي، و «ابن تيمية» المشرقى الحنبلى وذلك بهدف بيان أن «القطعية الابستيمولوجية» التي يلجأ إليها أحد الباحثين بين المشرق والمغرب ليست إلى الحد الذي يريد أن يرفعها إليها (الأستاذ «الجابري») إنما يمكن ملاحظته بصدد ما صدر من مؤلفات عن «ابن خلدون» وما أقيم حوله من مهرجانات وندوات، من تونس إلى بغداد، والرباط، هو أنه لم يدرس «ابن خلدون» من «منظور إسلامي» ليكشف لنا عن دور «علم أصول الفقه» و «علوم الحديث» و «الجرح والتعديل» لدى المسلمين وتأثيرها على فكر «ابن خلدون» المسلم. إن بيان أوجه التأثير هاته تعطينا الإجابة الكافية عن تلك التساؤلات حول إشكالية ابن خلدون وابستيومولوجيته التي – حسب بعض الأطروحات الجامعية – لم تتجاوز «الابستيمولوجية الأرسطية» ولا «مفاهيمها»، بل ظلت تفكر داخل الاشكالية، ذلك لأنه لا يمكن أن نجزم بأن السابق في البحث في هذا الميدان أو ذاك يمكن أن يأتى بعلم جديد، لم يظهر إلا بعد قرون عدة، إنها نظرة «التقدم التي تحكم الفكر وتاريخه، حسب هذه الدراسات وغيرها !

إن أية «وقفة» مما سمى حتى الآن «بالفلسفة الإسلامية» لابد فيها من استحضار «العلاقة» التي كانت قائمة بينها وبين الفلسفة اليونانية، وذلك بهدف بيان أوجه التقارب بينهما، وأوجه التباعد والتناقص الحاد بينهما وبين «النص الإسلامي». هذا من جهة، ومن جهة أخرى أن هذه الوقفة ستجعلنا نبحث عن «الأسس» التي يجب أن تقوم عليها فلسفة إسلامية بحق، والمعنى الذي يمكن أن نعطيه لها. والسؤال الذي نطرحه بهذا الصدد هو: بأي معنى يمكن الحديث عن فلسفة إسلامية.

لقد عرضنا من قبل الإجابة على هذا السؤال حين تحدثنا عن وضع العقل في الحضارة الإسلامية عن الغزالي وابن خلدون فالفلسفة الإسلامية هي التي تتوجه في أبحاثها ودراستها إلى الواقع الاجتماعي والتاريخي، إلى الفرد والمجتمع والحضارة، لتدرسه وتبحثه، وتستقي منه فرضياتها وتجربها على ذلك الواقع والتاريخ إن هذه الفلسفة الإسلامية هي التي أخذتها أوروبا عن المسلمين وسكتت عنها، ولم تبرز إلا أخذها للفلسفة الإسلامية/ اليونانية. فبناء وإعادة بناء للفلسفة الإسلامية اليوم يجب أن يتم بالرجوع إلى ذلك التصور ومن يمثله والذي يقوم على التجربة وشروط البحث العلمى والموضوعية المطلوبة في كل بحث ودراسته. وأوروبا اليوم، إنما هي أوروبا العلم والبحث العلمى. فليست فلسفة ابن رشد، والفارابى، وابن ماجة وابن طفيل هيالتي تجعلنا نستنير بتصورها عن العلم والبحث العلمى الذي ينتمى إلى تصور اليونان والبحث العلمى. بالمقابل فإننا بالفلسفة الإسلامية الحقة نستطيع أن نعيد النظر في المسار الذي اتخذه العلم في أوروبا اليوم، للخروج من أزمته والتي تنعكس على المجتمع والتاريخ والحضارة التي تعرفها أوروبا اليوم، طارحين جانباً تصور أوروبا اليوم عن الفلسفة ومفاهيم التقدم والتطور في المجتمع والتاريخ والحضارة.

يجب إذاً من أجل إحياء فلسفة إسلامية إعادة قراءتها على ضوء النص الإسلامي وأن نقف على الشروط التي تجعل تلك الفلسفة ممكنة اليوم، ووصفها بأنها «إسلامية».

إن الدين / الإسلام جاء به رسل وأنبياء لرسم وبشر تصور عن الكون والحياة والإنسان، ولو ترك ذلك للإنسان لما توصل إلى إجابات تامة وشافية للأسئلة التي يطرحها حتى الآن بعيدا عن تلك «الهداية» التي تطلعه على بداياته ومصيره. إن هذه الهداية «فلسفة» بها يمكن أن نجيب عن كثير من الأسئلة / الإشكاليات التي يطرحها العلم والعالم المعاصرين، وبها يمكن أن ندرك الأسباب العميقة وراء عدم قدرة العلم والفلسفة اليوم عن تقديم إجابات للأسئلة القديمة – الجديدة.

إذ ألقينا اليوم نظرة فاحصة على الإنتاج الفلسفي والعلمى في العصر الحاضر، نجد أنه لم يستطع أن يخرج الإنسان المعاصر من «الأزمة» التي يعانى منها ويعيش فيها. إن إشكالات العلم والفلسفة تكمن في أنها بعيدة عن المعرفة الحقيقية بالإنسان قديماً وحديثاً. فلا الفيزياء (رونى توم، فيرابند، برنارد دى اسبانيا، كارل بوبر، بريجوجين، ريفز، فينمان، وأخيرا هو كنغ…) ولا البيولوجيا (مونود، جاكوب، تستار، لابورى، ولسون، بنفنست، مودان، وغيرهم…) ولا الانتربولوجيا (لفي ستراوس، شالينغ، لوفور، كلاستر…) ولا السوسولوجيا اليوم (بورديو، دومون، بالاندييه…) فلا هؤلاء ولا أولئك، إذا اكتفينا بهذه العلوم، بقادرين على الإجابة على الأسئلة التي طرحت حول الإنسان من جهة وعلى تقديم الحلول للأمراض الأجتماعية والمشكلات الأخرى في ميادين ما يسمى «بالعلوم الإنسانية والاجتماعية» من جهة أخرى.

أن الانغلاق والانطواء على الفهم «الغربى» و «المركزى» للعلوم وفلسفتها يجعلنا لا نقف على ما يجرى في الواقع الاجتماعى والتاريخى بأوروبا والعالم أجمع اليوم، نظراً إلى أن الحضارة اليوم قد بسطت بتقنيتها سيطرتها على كل العالم كما يرى بحق «هيدجر» و «سيرج لاتوش» وغيرهما.

فمن شروط إعادة بناء الفلسفة الإسلامية اليوم هو الوقوف على هذا الإنتاج الفكرى الغربى موقف الناقد والمستوعب الذي ينطلق من منطلقات النص الإسلامي الذي يرسم الحدود والمعالم للتفكير السليم البعيد عن الشطط والداعى إلى أهمية «القيم» ودورها في تحديد المسار الصحيح للفكر والعلم وبناء التاريخ والحضارة على أساس يتوافق و «فطرة» الإنسان ولا يتعارض لخلق «الأزمة» و «التناقض الوجدانى» و «الصراع» الحاد بين الأنا والكون الذي يحيا فيه كما هو الأمر في الفكر الغربى منذ عصر «النهضة» و «التنوير» !

فبهذا الموقف الناقد والمستوعب للفكر الغربى الحديث والمعاصر من منطلقات النص الإسلامي نستطيع أن نعيد لتلك الأضداد في الفكر الغربى توافقها وانسجامها في الكل الذي تتم فصل فيه دون تناقض ولا صراع: مثل قبضة الصراع بين الدين والعلم وعالم الغيب والشهادة والإنسان والطبيعة والله والكون. أن التاريخ الخاص بأوروبا وحضارتها جعلتها تعيش ظروفاً افرزت تلك الأضداد وذلك الصراع الذي تحصد اليوم أوروبا نتائجه على الصعيد الاجتماعي والإنساني والحضاري. في هذا الإطار ندرك ما يمكن أن تقوم به الفلسفة الإسلامية والتصور الذي تقدمه للعلاقة بين الكون والحياة والإنسان من دور في سبيل إعادة الوحدة بين الأضداد والقضاء على الصراع القائم بأشكاله التي عرضنا لها آنفاً.

وبهذا الموقف الناقد أيضاً لواقعنا وعالمنا العربى والإسلامي، والذي ننطلق فيه من «النص الإسلامي» نستطيع أن نقوم بعملية تغيير شاملة وهدم تام للأسس والمبادئ التي يقوم عليها أسس ومبادئ «التبعية» والهيمنة «للآخر» والتي يخضع لها واقعنا وعالمنا منذ قرون عدة. إن المتتبع والمهتم بما يصدر من أبحاث ودراسات حول عالمنا وواقعنا المعاصر من جهة، وحول «الغرب» وفلسفته من جهة أخرى سرعان ما يدرك افتقار هذه الدراسات والأبحاث إلى المنطلقات «الموضوعية» و «العلمية» في فهم واقعنا من جهة، والآخر وعلاقته بهذا الواقع من جهة أخرى. أكثر من ذلك نقف في هذه الدراسات والأبحاث على ذلك التناقض الداخلي، والذي لا مفر منه حين نفتقر إلى تكل المنطلقات، والذي مؤداه أن هذه الدراسات والأبحاث تحمل على «الآخر» حملة شعواء بدعوى أنه «الغرب الاستعمارى» و «العالم الإمبريإلى» و «الصهيونية العالمية» ومنظم «الغزو الفكرى» والمهيمن على عالمنا وواقعنا ولكنه في ذات الوقت هو «الغرب» الذي أسس «فلسفة الأنوار» ووضع مبادئ «حقوق الإنسان العالمية» وإنه موطن «العقلانية» و «العلمية» و «الروح النقدية».. وبالتالي يجب أن نتعامل مع «التراث» ومع «الآخر» بروح «عقلانية ونقدية» وهذه هي «أسس الثقافة الغربية» التي يجب العمل على استنباتها في تربيتنا الثقافية. فالخروج من «التخلف» ومن «التأخر التاريخي» الذي يعرفه واقعنا إنما يتم «بالتعامل النقدي العقلاني مع تراثنا»، وهذا بدوره «يتوقف على مدى ما نوظفه بنجاح من المفاهيم والمناهج العلمية المعاصرة». ولتحقيق هذا الغرض كان من الضرورى، سواء من أجل حل مشاكل ماضينا في وعينا أو من أجل بناء مستقبلنا الثقافي العمل على نشر الثقافة العلمية والفلسفية وتكريس أساليب البحث العلمى ومناهجه نظرياً وعمليا في ساحتنا الثقافية الراهنة. هذا نموذج من تلك الدراسات والأبحاث التي تقترح مخرجاً وحلاً لأزمة عالمنا و «تخلفه» و «انحطاطه» في «الزمن الردئ». ومثل هذه الرؤية لا تقف أمام السؤال الذي يتبادر إلى الذهن بمجرد الوقوف عليها: كيف يمكن القول بعد نشر «الثقافة العلمية والفلسفية… في ساحتنا الثقافية»، أننا قد «تحررنا» من «الآخر» وقطعنا صلة التبعية والهيمنة التي تربطنا به؟ وهل «التبعية» هنا هي على المستوى الاقتصادى والسياسى فقط، ولا مجال للحديث عن «التبعية الفكرية» وهيمنة سلطة «الغرب» العلمية والفلسفية؟ أم أن التبعية تبعية مطلقة؟ بتعبير آخر هل ننطلق من «الآخر» نرفض تبعيته وهيمنته والقضاء عليه؟ إذا إبتعدنا قليلاً عن هذا النموذج الحاضر والراهن وذهبنا نستقرئ التاريخ القريب في عالمنا، تاريخ الأفكار والنظريات، إلا نقف على نماذج سابقة لهذا النوذج الذي أشرنا إليه، والتي كان هدفها. أيضاً هو نشر العلم ونظرياته ومناهجه وأساليب البحث العلمي؟ ماذا كان دور «شبلى شميل»، و «سلامة موسى»، و «طه حسين» و «إسماعيل مظهر» في أول حياته و «على عبد الرازق» و «فرح أنظون» و «رفيق جبور» والقائمة طويلة؟إلا أن هؤلاء لم تكتب لهم الحياة حتى يشهدوا الثورات التي تمت في حقل العلوم الإنسانية والاجتماعية ويقرأوا «فوكو» و «التوسر» و «لا كان» و «ليفي ستراوس» وغيرهم وبالتإلى فإن دعوتهم لم تكن كلاحقتها؟ألأنهم لم يعرفوا «المنهج البنيوي» و «المنهج التفكيكي» فوظيقتهم لم تكن بالتالي كوظيفة الذين على قيد الحياة؟ ألم يقف هؤلاء من «التراث» ومن التاريخ ومن «اللغة العربية» ومن «الخلافة الإسلامية» موقف الرفض وعملوا بدورهم من أجل «التحرر» من «التبعية للماضى»، ماضينا نحن؟ صحيح أنهم جميعهم أو أكثرهم كان ينادى بالقاء التراث في «سلة المهملات»، ولكن دأبهم على الدعوة إلى «العلم» و «الموضوعية» و «البحث العلمى» وأساليبه تشبه تماماً دعوة المعاصرين اليوم إلى ذلك

وإذا تركنا جانب الفكر ونزلنا إلى ساحة الواقع وإلى التاريخ – تاريخ الأحداث والوقائع – نجد أن الدراسات والأبحاث التي لا تنطلق من «النص الإسلامي» لم تستطع أن تؤثر أو تحدث تغييراً يذكر على صعيد الواقع الاجتماعى والسياسى في عالمنا العربى والإسلامي بل على العكس من ذلك تماماً لم تزد الأبحاث والدراسات هذا الواقع إلا تأزماً وضنكاً وتخلفاً وتأخراً، الشئ الذي يجعلنا نتسائل بصددها: لمن تكتب وتنشر تلك الدراسات والأبحاث؟ إن الجواب العلمى على ذلك هو أنها للتداول بين المثقفين ونخبهم لا غير و «الجماهير»؟التي يجمع كل المثقفين باختلاف مستوياتهم على أنها أداة التغيير والثورة. هذه الجماهير ما محلها من الإعراب؟ وما أكثر الإنتاج اليوم المتعلق بعلاقة المثقف بالمجتمع وبالجماهير. لقد ظلت «الثقافة» ثقافة الابحاث والدراسات – بعيدة عن «التأثير» على هذه الجماهير، لا لأن الجماهير لا تقرأ ولم تطلع بل لأنها حين فعلت ذلك أدركت أن ما تقدمه تلك «الثقافة» بعيد عن أن يكون هو السلاح الذي سيحدث التغيير والثورة. ومن هنا تلجأ تلك «الجماهير» إلى «مخزونها النفسى»، إلى «فطرتها» وعفويتها حيت تكتشف أن «الثقافة» التي تقدم لها تحارب ذلك «المخزون النفسى» تلك «الفطرة»، فطرتها هي وبالتإلى تحاربها هي ذاتها لرفض عقيدتها وتراثها وتاريخها، فتقوم الجماهير بلفظ تلك الثقافة «ثقافة التبعية» و «ثقافة الغازي». إلا تساهم هذه «الثقافة» بموقفها من «المخزون النفسي» لدى هذه «الجماهير» في إبعاد هذه الأخيرة عن دورها وحرمانها النظرى من المنطلقات «الموضوعية» و «العلمية» لإحداث التغيير المطلوب والمنشود؟

إن التاريخ الذي تصنعه هذه «الجماهير» اليوم يدل دلالة قاطعة على أن تلك «المشاريع» و «الرؤى» التي تقدم فهمها وقراءة لتاريخ وتراث هذه الجماهير إنما تمت صياغتها بعيداً عن حقيقة هذه الجماهير وعن حقيقة تاريخها وتراثها وعقيدتها. وسيظل كل مشروع أو رؤية بعيداً عن تحقيق هدفه مادام لا يلتحم بهذه الجماهير ولا يقترب من عقيدتها ومخزونها النفسى قلباً وقالباً. وحين يدرك أحد أصحاب المشاريع الكبيرة اليوم هذه الحقيقة فإنه يحاول أن ينطلق من «العقيدة إلى الثورة» نحو مسار يختلف عن مسار أولئك الذين أرادوا الانتقال «من التراث إلى الثورة». غير أن الجماهير لا يخفي عليها ما يريد هؤلاء أن بنطلى عليها، إنها بفطرتها، من من المثقفين الذين يخدمون قضيتها بجد وثبات، ومن منهم البعيدون عنها بأرواحهم وثقافتهم.

مرة أخرى، كيف يمكن لنا إذا أن نعيد بناء «فلسفة إسلامية» قائمة على «الإسلام» وتنطلق من «تاريخ المسلمين» وإنتاجهم الفكري والحضاري وفي نفس الوقت تقف الموقف الإيجابي من العالم والعصر اليوم وتهدف إلى بناء مستقبل أفضل؟ لقد أجبنا من قبل بأن «الفلسفة الإسلامية» تقوم على «النص الإسلامي» ذلك النص الذي يرسم المعالم ويحد الحدود للبحث والتجربة لتوجيه الباحث نحو الواقع وتاريخه. وأشرنا إلى مساهمة «الغزالي» ودوره في تحديد وظيفه «العقل الإسلامي» وإلى «ابن خلدون» كباحث أمين في استخدامه «للعقل» في مجاله، مجال البحث والتجربة في الواقع الاجتماعى والتاريخ. كما ذكرنا أن فلسفة «الآخر» وحضارته وتاريخه إنما تقوم على «مركزية» خاصة به وأن الباحثين والدارسين الذين يرون أنه يمكن الاستفادة من أدوات «الآخر» وحقله المعرفي ومفاهيمه ومناهجه لتحديد موقفهم من «التراث» من جهة أخرى إنما هم بذلك يخدمون تلك المركزية» بوعى منهم بتلك الخدمة أو بغير وعى. واستدللنا على ذلك بقيمة أبحاثهم ودراساتهم في نظر «الجاهير» وبافتقارها الذي يتجلى في عدم القدرة على إحداث التغيير المنشود في الواقع الاجتماعى والسياسى المعاصر.

أما «الفلسفة الإسلامية» التي يجب العمل بكل جد وثبات على إعادة بنائها فقد أشرنا إلى أنها هي وحدها القادرة على دراسة «الآخر» والحكم عليه وبالتإلى مواجهته والإجابة على التحدى الذي يفرضه دون استخدام لمناهجه ومفاهيمه وحقله المعرفي، بل بالرجوع إلى المرحلة التاريخية التي توقف عندها العطاء والتقدم لهذه الفلسفة، أى إلى مرحلة «الغزالي» و «ابن خلدون». ولا يمكن لنا أن نتحرر إذاً من «سلطة الآخر» إلا بالرجوع إلى تلك المرحلة الغزالية / الخلدونية، إلى تلك «الثورة الابستيمولوجية» التي دشنها «الغزالي» في الحضارة الإسلامية وأحدثها في الواقع الاجتماعى والتاريخى «ابن خلدون». أن الإجابة عن السؤال: إلى أى حد يمكن قراءة «اللذات» وفهمها بطريقة غير طريقة «الآخر»؟ أو كيف نصل حاضرنا بماضينا لبناء مستقبلنا؟ إنما يمكن هذا في «الرجوع» إلى تلك المرحلة التي لا مندوحة لنا عنها إذا أردنا فعلاً أن نحقق «الإستقلالية» و «التمييز» عن «الآخر»، دون أن يعنى ذلك الانغلاق دونه أو تحقيق «قطيعة» تامة معه بل بتواجده بتحقيق «الاختلاف» معه ضداً عنه لاضطراره إلى التقلص إلى الحجم الذي يتحدد به بحسب مكانته من تاريخ الإنسانية وسلسلة الحضارات التي عرفتها، بعيداً عن كل «مركزية» و «تغريب»

كما أشرنا أيضا إلى أن هذه «الفلسفة الإسلامية» هي وحدها اليوم القادرة على أن تصحح مسار العلم والفلسفة والحضارة التي لدى «الآخر» الذي استخدم كل وسائله لفرضها على العالم أجمع بما فيه العالم العربي والإسلامي. وأخيراً نرى أن هذه «الفلسفة» هي وحدها التي تستجيب لطموحات «الجماهير» وتلتحم بها وتحقق عبرها أهدافها وأحلامها في الواقع العلمى وذلك باحداث التغيير المنشور والثورة المأمولة. ذلك لأنها فلسفة قائمة على «المخزون النفسى» لدى هذه «الجماهير» التي ستفتح لها آفاق المستقبل لتحيا حياة طيبة بعد أن عاشت قرون الضعف والتأخر والتخلف والتبعية والهيمنة والتغريب. بتعبير آخر فإن هذه الفلسفة هي وحدها القادرة اليوم – من بين كل فلسفات العالم – على حل المشكلات الراهنة في العالم الإسلامي وكذلك المشكلات التي يتخبط فيها العالم المعاصر برمته، وما المشكلات الراهنة في العالم الإسلامي إلا من جراء تلك المشكلات «العالمية» للحضارة المعاصرة اليوم.

إن الغرب اليوم يعلم علم اليقين أن أية «فلسفة» في العالم العربى والإسلامي تقوم على ذلك «النص الإسلامي» وتستجيب لمتطلبات «الجماهير» وتعبر عن «مخزونها النفسي»، وفي ذلك اهتزاز عرشه الذي يتربع عليه اليوم والذي من فوقه يرنو إلى العالم وما يجري فيه ويديره من أحداث، وما يحوك له من مؤامرات ويرسم له من أهداف وما يثيره من قلاقل واضطرابات هنا وهناك من الكرة الأرضية ولهذا نجده يجند الباحثين والدارسين من المستشرقين وأترابهم لرصد تطور «الحركات الإسلامية» في العالم الإسلامي وغير الإسلامي أيضا، وهذا ما خفي على بعض الباحثين والدراسين من العالم العربى والإسلامي حين ذهب يرصد تطور هذه «الحركات» و «الجمعيات» لحساب «الغرب» ويقوم بدور «رجل الشرطة الغربي» في عالمه الذي ينتمى إليه، أى بمراقبة سير وتحرك تلك «الجماهير» التي يريد منها أن تكون أداة التغيير والمواجهة ورد التحدى الغربى والقضاء على أشكال التبعية والهيمنة «للآخر». هل هناك من «تناقض وجدانى» أشد وأعظم من هذا الذي يقع فيه هؤلاء الباحثون والدارسون.

لقد عرف الاستشراق الذي كثر عنه الحديث في السنوات الأخيرة تطوراً ملحوظاً وانتقل من المستوى النظرى إلى المستوى العلمى والحركى، أى انه انتقل من دراسة الأفكار والمبادئ المتعلقة بالإسلام عقيدةً وشريعةً وتاريخ المسلمين وسيرة رجالاته بما فيها سيرة نبى الإسلام…) إلى دراسة التجمعات القائمة على الإسلام والتي جعلت منه منطلقها. إن هذا يدل دلالة واضحة على أنه بالرغم من كل الجهود التي بذلتها «الجماهير» من أن تنتظم في «تجمعات» و «حركات» وتنتقل إلى الجانب «الحركي والعملي» بهذا الدين. وإجابة «الجماهير» هذه على المستشرقين هي نفسها الإجابة على أصحاب «المشاريع والرؤى» في العالم العربى والإسلامي كما ذكرنا ذلك سابقاً والتي تكمن في الرفض المطلق والتام لها والسير قدماً «بفطرتها» نحو ما تراه الأنسب والأفضل لها في الظروف التي تمر بها وتواجهها بالليل والنهار.

وقبل أن نختم هذا البحث نشير إلى أن التساؤل حول امكانية الحديث اليوم عن «فلسفة عربية» أو «استقلال فلسفي» أو «شروط الإبداع الفلسفي» إنما هو تساؤل لا معنى له في نظرنا. بل إن الذي يجب طرحه الآن هو إما أن نكون أولا نكون؟ إما «فلسفة إسلامية» قائمة على «النص الإسلامي» أو فلسفة قائمة على «التبعية لفلسفة الآخر» الذي يستمد ويستضئ بنور اليونان وتراثه وتاريخه.

إن العالم العربى الإسلامي اليوم بعيد عن هداية الإسلام وبعيد عن تاريخ المسلمين وتراثهم الفكرى والحضارى لا يملك «نظرية» أو «فلسفة» أو «إيدولوجية» يستطيع بها وعلى ضوئها إحداث ما يطمح إلى إجرائه ويعمل من أجله.

يبقى علينا في خاتمة هذا البحث أن نتساءل حول تسمية ما أطلقنا عليه «الفلسفة الإسلامية»: هل يمكن على ضوء ما ذكرنا أن نحتفظ لها بهذه التسمية؟إلا يقع القارئ في التباس وغموض حين يعجز عن التفرقه بين ما سمي حتى الآن في مجال الدراسات والأبحاث الفكرية ب «الفلسفة الإسلامية» وما أسميناه نحن حتى الآن في هذا البحث بـ «الفلسفة الإسلامية».

إن بعض الباحثين يرى أن نسمى ذلك بـ «التصور الإسلامي» وحدد له «خصائصه ومقوماته»، ويرى البعض الآخر أن نسميه «المذهبية الإسلامية»، ويرى فريق ثالث أن نسميه «نظرية الإسلام وهديه»، ولا يتحرج فريق رابع من استخدام مفهوم «الايدولوجية الإسلامية». ويرى أحد الباحثين أن نسمى ذلك بـ «الهداية الإسلامية». ونحن نميل بدورنا إلى هذه التسمية لأنها تستند إلى «النص الإسلامي» الذي يشير إلى مفهوم «الهدى» وما يحوى به من علاقة بينه وبين «النص» وبالتالي بينه وبين «الوحي».

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر