رسائل جامعية

رسائل جامعية

العدد 154

أولاً:

* قاعدة الأمور بمقاصدها وأثرها في الجنايات- دراسة تطبيقية

* منصور بن محمد بن منصور المدخلي

* أطروحة لنيل درجة الماجستير في العدالة الجنائية، تخصص التشريع الجنائي الإسلامي، كلية الدراسات العليا- أكاديمية نايف العربية للعلوم الأمنية- الرياض، السنة الجامعية 1433هـ/2002م.

* عدد الصفحات: 310 صفحة  تتكوَّن الدراسة من: مقدمة وتمهيد وأربعة فصول وخاتمة. يشير الباحث في المقدمة إلى أن الشريعة الإسلامية شريعة ربانية المصدر، كاملة شاملة لكل شئون الحياة صغيرها وكبيرها، عالمية متكاملة، موافقة للفطرة، صالحة لكل زمان ومكان، مصلحة لكل قضايا البشر اقتصادية وسياسية وفكرية، وقامت على أصول وقواعد راعى فيها الشرع جلب المصالح ودرء المفاسد فلا تتغير بتغير الزمان والمكان.

وعلم القواعد الفقهية الذي يعنى بضبط الفقه ولمّ شتاته، يعد من أعظم علوم الشريعة الإسلامية وأهمها للفقيه والمفتي والقاضي وغيرهم، فبه تتدرب النفوس على مدارك الأحكام ومآخذها. ومن القواعد الفقهية العظيمة قاعدة: «الأمور بمقاصدها» التي أولاها العلماء اهتمامًا عظيمًا.

وهذه القاعدة تشمل بعمومها كل التصرفات البشرية، ومنها الجنايات، ومما لا شك فيه أن الإنسان شرّفه الله وكرّمه، وجعله آمنًا في ظل الإسلام، وحرَّم الجناية عليه في دينه ونفسه وعرضه وعقله وماله.

وقد شرع الله – سبحانه- عقوبات رادعة للجناة، بتحقيقها يتحقق الأمن للناس، ويتهيأ لهم الحياة السعيدة والعيش الرغد.

ولما كان أمر النيّات بالمكانة التي لا تخفى، وكان لها أثرها العظيم في تصرفات الإنسان، ومن ذلك الجنايات وعقوباتها، إذ تدخل في تقسيمها، وفي تحقيق العقوبة أو تشديدها، وغير ذلك مما يتعلق بها. وكانت هذه الدراسة تعنى بقاعدة «الأمور بمقاصدها وأثرها في الجنايات- دراسة تطبيقية».

يعرض الباحث لمشكلة البحث وأهميته وأهدافه ومجالاته في المبحث الأول، وفي المبحث الثاني التعريف ببعض مصطلحات البحث الرئيسة. أما المبحث الثالث من التمهيد فيقدم فيه الباحث أهم الدراسات السابقة وخطة البحث ومنهجه.

ويتناول الفصل الأول: حقيقة «قاعدة الأمور بمقاصدها»، ويُراد بهذه القاعدة: أن الأعمال ترتبط بالنيَّات ومعتبرة بها؛ فميزان الأعمال النيَّة التي تصح بصحتها وتفسد بفسادها، والثواب والعقاب مبنيان عليها، فهي مدار الأعمال صحة وفسادًا، ثوابًا وعقابًا، فالصورة الحسية التي توجد في الخارج لأي أمر من الأمور لا تأخذ حكمًا شرعيًا بالاستناد إلى محسوسها، بل بالانضمام للمقصد والغرض الذي يعد الباعث على إيقاع الصورة وإحداثها. وهذه القاعدة تدل على أن النيَّة للعمل كالروح للجسد.

وقد جاءت النصوص الشرعية مبينة ارتباط العمل بالنية، وأن الاعتداد بالأعمال معلق عليها، وأن الثواب والعقاب مرهونان بها.

وتوضيحًا لهذه القاعدة قرر الفقهاء قاعدة أخرى هي: «معاملة المكلف بنقيض قصده السيئ»، وفي ذلك يذكر الشاطبي أن الشارع يريد من المكلف بأن يكون قصده في العمل موافقًا لقصد الشارع في التشريع، وإذا كان الأمر كذلك فإن كل من ابتغى في تكاليف الشريعة غير ما شُرعت له كان مناقضًا لها، وكل من ناقض الشريعة كان عمله في المناقضة باطلاً وقصده مردودًا عليه.

وعنوان الفصل الثاني: «حكم النية في التصرفات في الفقه الإسلامي». ومسألة النية وأثرها في التصرفات مسألة ذات أهمية في الفقه الإسلامي؛ لأن أي عمل لا يتم ولا يُعتد به إلا بنيّته، ولذا لم يعتد العلماء بكلام وتصرفات الغافل والنائم والمجنون ونحوهم.

ولما كانت النيّة من الأمور النفسية الباطنة التي لا يطلع عليها إلا الله تعالى، فإنها تكون في حاجة إلى أمر ظاهر يدل عليها، إذ إن النيّة المجردة لا يمكن أن ينشأ بها عقد، ولا يترتب عليها التزام ما لم تظهر في شكل قول أو فعل.

والأصل أن الأعمال معتبرة بالنيّات كما دلت عليه قاعدة: «الأمور بمقاصدها». ولكن النيّة أمر باطني لا يكتشف إلا بما يظهره اللسان أو التصرفات الظاهرة، وكثيرًا ما يحدث أن يتعارض اللفظ مع النيّة.

وبناءً على ذلك نشأ ما يسميه رجال القانون بالإرادة الباطنة، والإرادة الظاهرة. والإرادة الباطنة هي: النية والقصد. والإرادة الظاهرة هي: التعبير اللفظي.

وتُعد الإرادة الباطنة الأساس في التصرفات، والفقه لم يأخذ بالإرادة الباطنة مطلقًا، ولا بالإرادة الظاهرة مطلقًا، وإنما حاول أن يزاوج بينهما من خلال قاعدة «الأمور بمقاصدها». لأن العلاقة بين الإرادة الباطنة (النيّة) والإرادة الظاهرة (التعبير) هما العلاقة ما بين القلب واللسان. وهذا القدر موضع اتفاق بين الفقهاء، فهم لم يلغوا النيّة في التصرفات الجنائية، كما أنهم لم يعتدوا باللفظ وحده.

ويتناول الفصل الثالث «أثر النيّات في التجريم والعقوبة». وقد اهتمت الشريعة الإسلامية بالنيّة وأثرها في الجنايات، وذلك ينبع من تأسيسها التصرفات على النيّات. ومن أجل ذلك قسَّم الفقهاء الجرائم حسب القصد منها إلى: عمدية وغير عمدية.

وتقوم المسؤولية الجنائية في الفقه الإسلامي على مخالفة أمر الشارع وعصيانه، وتختلف مسؤولية الجاني باختلاف درجة العصيان؛ فالمسؤولية تكون شديدة عندما يقارن العصيان قصد جنائي، وإذا لم يقصد الجاني العصيان كانت المسؤولية مخففة.

وقصد العصيان أو القصد الجنائي يخضعا لتعمد إتيان الفعل المحرم أو ترك الواجب. والشارع لم يحرم الفعل أو يوجبه إلا من خلال النواهي والأوامر، والعصيان هو فعل المعصية، أي إتيان الفعل المحرم أو الامتناع عن الفعل الواجب، أما القصد الجنائي: فهو توجه نيّة الجاني إلى الفعل أو الترك مع علمه بأن الفعل أو الترك محرمان.

ويعرض الباحث في الفصل الرابع إلى: تطبيقات قضائية، مثل قضية تهريب عملة مزيفة، وقضية تزوير، وقضية رشوة، وقضية عرض رشوة، وقضية استيراد بضائع من إنتاج شركة محظورة، وقضية ترويج عملة مزيفة.

ويخلص الباحث في خاتمته إلى أهم النتائج التالية، ومنها:

1- ارتباط الحكم بالتصرفات البشرية يعود إلى النيّة المصاحبة لها، فالجزاء الأخروي يتعلق بالنيَّة صلاحًا وفسادًا، والتصرفات الدنيوية من المعاملات وغيرها يحكم عليها تبعًا لنيَّة صاحبها.

2- العلاقة قوية بين قاعدة «الأمور بمقاصدها» وبين الجنايات، إذ إن تقسيم الجناية إلى جناية عمدية وغير عمدية يعود إلى النظر إلى النيَّة.

3- أهمية القصد الجنائي في ثبوت الجريمة، فلا تكون الجناية عمدية إلا إذا تحقق فيها القصد الجنائي.

4- أثر النيَّة في ثبوت الجريمة أو نفيها من الجاني، فمرتكب الجريمة إذا كان مخطئًا أو غافلاً، أو مكرهًا لا نيَّة له، وبذلك لا يعد فعله جريمة يؤاخذ عليها كما يؤاخذ ناويها المتعمد له.

5- للنيَّة أثرٌ في العقوبة إعفاءً وتخفيفًا وتشديدًا، فيُعفى الجاني من العقوبة إذا حدثت الجناية نتيجة نيَّة حسنة أو تجاوز حدود الإباحة بدون سوء نيَّة، وقد تخفف العقوبة عن الجاني نتيجة لحُسن نيته التي صاحبت الجريمة، كما تشدد العقوبة أيضًا بناء على نيَّة الجاني. فالقاتل المعتمد جزاؤه القصاص، والقاتل بهدف الغيلة والفساد في الأرض يجب قتله ولو عفا عنه أولياء الدم.

* * *

ثانيًا:

* الاستحسان المآلي في المدرسة المالكية – دراسة نظرية وتطبيقية

* عبد الرحمن الكفي

* أطروحة لنيل دبلوم الدراسات العليا المعمقة، كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنسيك – سيدي عثمان – الدار البيضاء – جامعة الحسن الثاني المحمدية، العام الجامعي 2004-2005م.

* عدد الصفحات: 234 صفحة

تتكوَّن الدراسة من: مقدمة وبابين وخاتمة. وتدور الدراسة حول الاستحسان باعتباره أحد آليات الاجتهاد الفقهي. فهو أصل أصيل من أصول الشريعة. ومع أن جمهور الفقهاء يؤكدون على أن الاستحسان يعد مصدرًا مهمًا من مصادر التشريع الإسلامي، ومسلك من مسالك الاستدلال. إلا أنه أُثر عن الإمام الشافعي (ت204هـ) إنكاره له، بل إنه عقد فصلاً مستقلاً في كتابه «الأم» عَنْوَنَهُ بـ«إبطال الاستحسان».

ويرى الباحث أن هذه الآلة أو الأصل المسماة بالاستحسان، يجد به حلولاً لعدة إشكاليات من خلال الأحكام التي يجريها، فهو الأصل الذي يتلافى به ما يمكن أن يؤدي إلى تطبيق بعض الأقيسة من تفويت لبعض المصالح، وهو القاعدة التي يتحقق بها المجتهد ما يهدف إليه من جلب المصالح التي لا تتفق وما يقتضيه القياس وغلوه، أو ما يؤدي إليه من تطبيق القواعد العامة، وذلك أن بعض الأقضية والوقائع والنوازل، قد يقتضي فيها القياس الظاهر المتبادر حكمًا، لكن المستحسن يعدل عنه بناء على أدلة وبراهين بانت له إلى حكم آخر يقتضيه قياس خفي غير متبادر، لكنه قوي بأثره وفيه اعتبار للمآل.

وهذا الأمر الأخير- الذي هو المآل- أمر معتبر في نظر المجتهد فيما يتعلق بالاجتهاد التنـزيلي تحقيقًا لمناط الحكم، وإصدارًا للفتوى، وتطبيقًا للأحكام الشرعية، فهو شرط أساسي لا محيد عنه، ولا ينبغي أن يتخلف في الاعتبار في كل ذلك.

وعنوان الباب الأول: «الاستحسان المآلي في المدرسة المالكية- الشق النظري»، ويندرج تحته ثلاثة فصول:

الفصل الأول: «الاستحسان بين المفهوم القديم والجديد». ويتناول الباحث في هذا الفصل الدراسة اللغوية والاصطلاحية للاستحسان مشفوعًا بأدلة عامة خاصة من القرآن والسنة المشرفة، ومفهومه عند علماء الأصول، وبالخصوص عند السادة المالكية، وعلى رأسهم أبو بكر بن العربي وأبو إسحاق الشاطبي.

والاستحسان مصطلح اجتهادي على نمط أصله المآل، إلا أن وظيفته تنحصر في تخصيص الأدلة والاستثناء منها، وهو أصل لكثير من الرخص، وبالخصوص عند الدخول في الأعمال.

وقد ثبت أن مجال الاستحسان الاجتهادي هو قسم للعادات بالخصوص دون التعبدات؛ لأن الشارع فرَّق بين العبادات والعادات. لذلك اعتمد الإمام مالك في اجتهاداته واستنباطاته على المصالح المرسلة والاستحسان الذي قال فيه إنه تسعة أعشار العلم.

ومآل الاستحسان يوجب انتسابه لمجال المقاصد، ذلك أنه نظر مصلحي أصيل، ويأتي غالبًا مع المصالح المرسلة، وكلاهما يستلزم الآخر ويستصحبه كأنهما صنوان لا ينفصمان. وهو أمر كان ساريًا منذ زمن الصحابة الكرام نفكان نظرهم مصلحي استحساني في العديد من النوازل والأحكام.

ويتناول الباحث في الفصل الثاني: «مجالات الاستحسان وأنواعه، وضوابط العمل به وتأصيله». ويبيِّن في هذا الفصل المواضع التي يجوز القول فيها بالاستحسان من خلال الكليات الخمس، وأنواعه العشر التي ساقها الإمام أبو إسحاق بدل التقسيمات الأربعة التي أتى بها الإمام أبو بكر بن العربي.

ويشتمل هذا الباب على خمسة مباحث، وهي:

المبحث الأول: مجالات الاستحسان.

المبحث الثاني: أنواعـه.

المبحث الثالث: ضوابط العمل به.

المبحث الرابع: تأصيل حجيته من القرآن والسنة.

المبحث الخامس: جهود الإمام الشاطبي في تأصيله.

إذ يوظف الإمام الشاطبي منهج المحدثين الذي يضمن سلامة البحث كما يضمن صحة الأحكام، وجعله يثبت هذه المقاربة الجديدة التي تطمئن العقول والأفئدة لها، وهي قطعية الأصول التي تبنى عليها الأحكام، ومنها الاستحسان الذي يمكن اعتباره قانونًا يركن إليه ويعول عليه لاستلهام المعاني الأصيلة، ويمتاز بالقاعدية. والقاعدة كما عرَّفها الشاطبي: «إنما هي الأمر العام والقانون الشائع». وقانونية الأصل تعني أنه عام وشمولي وثابت في الفكر الأصولي، وأصل يُعتمد عليه في تفسير النصوص وضبط الاجتهاد والاستنباط.

أما الفصل الثالث فهو عن «علاقة الاستحسان بالاجتهاد المآلي». وتناول الباحث فيه دلالته اللغوية والاصطلاحية، والخصائص التي يتصف بها ويتميز عن باقي الأصول الاجتهادية.

وعنوان الباب الثاني «الاستحسان المآلي في المدرسة المالكية- الشق التطبيقي». وتعد قاعدة الاستحسان من القواعد الأصولية التي يعتمدها المجتهد في تنـزيل الأحكام على الواقع العملي، انطلاقًا من جملة ضوابط أصولية تراعي اليسر والمصلحة ودرء المفسدة وتحقيق العدل والإنصاف، وتسهيل الحياة على المسلمين تحت ظلال الشريعة الغرَّاء.

ويقدم الباحث في هذا الباب نماذج منتقاة من فقه الحياة أصَّل لها العلماء اعتمادًا على الاستحسان بضوابطه المعتبرة، يسوقها الباحث في عدة فصول:

الفصل الأول: وهو عن مسائل من فقه العبادات. مثل: مسألة في إمامة الصبي، ومسألة في بناء النصارى للمساجد والدخول إليها. ومسائل في الزكاة، مثل: زكاة الثمار المحبسة الأصول، وزكاة الأرض المستأجرة.

والفصل الثاني عن مسائل الاستحسان من فقه الجهاد، ومن مسائله: مسألة في جواز قتال المسلم والمشرك جنبًا إلى جنب لعدو واحد، ومسألة: جواز موالاة الكافرين إذا خيف منهم، ومسألة: في جواز معاملة أهل الكتاب رغم تعاملهم بالربا.

والفصل الثالث: يتناول مسائل من فقه الأيمان. ويعرض الباحث في هذا الفصل لمسألتين: المسألة الأولى: من حلف ألا يأكل لحمًا، والمسألة الثانية: من حلف لا يبيت على فراش.

والفصل الرابع عن مسائل من فقه الأسرة، مثل مسألة في الخطبة على الخطبة، ومسألة في النظر إلى المخطوبة، ومسألة أن الأب ليس له إجبار البكر البالغة على الزواج، ومسألة في عضل الأولياء، ومسألة في اعتبار الكفاءة في الزواج، وغيرها من مسائل.

والفصل الخامس به مسائل عن البيوع والمعاملات، ومن هذه المسائل: مسألة في النهي عن بيع الثمار حتى يبدو صلاحها، ومسألة في جواز بيع الحائط وإن لم يزه، ومسألة في ما يجوز في استثناء الثمار، ومسألة في كتابة الدين، ومسألة في جواز الربا في هبة الثواب.

والفصل السادس عن مسائل في العقوبات والحدود، مثل مسائل في السرقة: سرقة حديث العهد بالإسلام، وسرقة العبد مال سيده أو السيد مال عبده، وعدم قطع يد السارق فيما دون ربع دينار، وحكم الشريك في السرقة.

والفصل السابع يعرض لمسائل في فقه الأغذية والأشربة، مثل ما جاء في أكل الميتة اضطرارًا، ومسألة أكل ذبائح أهل الكتاب وإن لم يذكروا اسم الله تعالى عليها، ومسألة صلة الرحم الكافرة.

* * *

ثالثًا:

* البُعد المقاصدي لمبدأ التكافل في الإسلام

* فاطمة الزهراء وغلانت

* أطروحة لنيل درجة الدكتوراه في الفقه والأصول، كلية العلوم الاجتماعية والعلوم الإسلامية – قسم الشريعة، وزارة التعليم العالي والبحث العلمي – جامعة الحاج لخضر – باتنة – الجمهورية الجزائرية الديمقراطية، السنة الجامعية 1430-1431هـ/ 2009-2010م.

* عدد الصفحات: 254 صفحة

تتكوَّن الدراسة من: مقدمة وتمهيد وفصلين وخاتمة. وتشير الباحثة في المقدمة إلى أن أساس قيام الأمم يرجع إلى المجتمعات السليمة الصالحة، وسلامتها كما هو معلوم في سلامة أفرادها، والعلاقة بين الفرد والمجتمع متبادلة بينهما، فمتى تعرض الفرد إلى الاضطراب عاد ذلك على المجتمع سلبًا؛ فلا يتصور قيام مجتمع بلا أفراد آمنين على دينهم وأنفسهم وعقولهم وأعراضهم وأموالهم متى تسلل الفساد إلى ضرورة من هذه الضروريات.

ولما كانت الشريعة الإسلامية تهدف إلى تحقيق نظام عام من خلال مجتمع سليم سنت لذلك الأسباب والآليات الخاصة بالمجتمع السليم، ومنها التكافل بشتى أنواعه؛ فيكون جميع الناس في كفالة بعضهم بعضًا، وتكون كل القوى الإنسانية في المجتمع متلاقية في المحافظة على مصالح الأفراد، ودفع الأضرار عنهم، والمحافظة على البناء الاجتماعي، وإقامته على أسس متينة وسليمة. ولهذه الأهمية جاءت هذه الدراسة لبيان البُعد المقاصدي لمبدأ التكافل في الإسلام.

وتقسم الباحثة التمهيد إلى مبحثين: تتناول في المبحث الأول: مقاصد الشريعة من حيث: تعريفها، أقسامها، أهمية معرفتها. وقسمته بدوره إلى ثلاثة مطالب، خصصت المطلب الأول لبيان حقيقة مقاصد الشريعة، والمطلب الثاني في أهمية معرفة مقاصد الشريعة، والمطلب الثالث في أقسام المقاصد.

أما المبحث الثاني فقد خصصته لبيان مقاصد الشريعة في نطاق النظام الاجتماعي فقسمته إلى مطلبين: المطلب الأول في التعريف بالنظام الاجتماعي، والمطلب الثاني: في البُعد الاجتماعي لمقاصد الشريعة.

وتذكر الباحثة في بداية الفصل الأول أن التكافل، هو المبدأ الأساس في قيام الأمم وقوتها واستمرارها، فهو لم يُعرف له تقنين إلا في الإسلام، إذ وضعت له ضوابط تجعله صالحًا لكل زمان ومكان، والسر في ذلك يعود إلى الأسس التي يقوم عليها، والأهداف التي يرمي إليها، فالتكافل ليس شعارًا ينادي به دعاة العدالة والمساواة، وليس هو نظرية وضعية اجتهد فيها المختصون لعلاج مشكلة اجتماعية أو اقتصادية، وإنما هو تشريع رباني المصدر أمر الله به في قوله تعالى: (وَتَعَاوَنُواْ عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ) [المائدة: 2].

وينقسم التكافل باعتبار الحاجة إليه إلى تكافل ضروري وتكافل حاجي وتكافل تحسيني، ومن أمثلة التكافل الضروري: رعاية اليتيم، ورعاية اللقيط، ورعاية أصحاب العاهات. أما التكافل الحاجي فمن أمثلته: التكافل في الديات والحوائج، وتفريج الكربات.

ويقوم التكافل على عدة أسس هي: الأساس الإيماني العقدي، والأساس التعبدي، والأساس الأخلاقي. ولكل بناء أسس يقوم عليها وتحدد له الشكل أو الصورة التي يظهر بها، كذلك التكافل يقوم على أسس لا يستقيم إلا بها، ولا يكون له حقيقة إلا بوجودها، فالإيمان أول أساس من الأسس التي يقوم عليها التكافل وهو أهمها، وبدونه لا قيمة لغيره من الأسس.

ويعد الإيمان هو الباعث الحقيقي للأفعال، سواء أكانت إيجابية أم سلبية على حسب قوة الإيمان وضعفه، وهو بذلك قاعدة بناء المجتمع الإسلامي، ومنطلق التحضر والتقدم والازدهار.

أما عن وسائل تحقيق التكافل، فتقسمها الباحثة إلى وسائل إيجادية، ووسائل وقائية. والوسائل هي الأفعال التي يتوصل بها إلى تحقيق المقاصد، إذ إن الأفعال لا تُقصد لذاتها، ولكنها تُقصد للتوصل بها إلى أفعال أخرى هي المتضمنة للمصلحة أو المفسدة أو المؤدية إليها.

ومن الوسائل الإيجادية: الاجتماع، وحسن المعاملة، وصلة الرحم، والإخاء، والإنفاق. أما الوسائل الوقائية فهي مثل: التفرق وقطع الرحم، والربا، والاحتكار، والإسراف والتبذير والبخل.

وتعرض الباحثة في الفصل الثاني إلى «أثر التكافل ومقاصده». وذلك من خلال مبحثين:

المبحث الأول: أثر مبدأ التكافل في حفظ الكليات الخمس.

والمبحث الثاني: مقاصد التكافل.

والتكافل هو التعاون لسد الحاجة بتحصيل الصلاح للفرد أو الجماعة، ودرء الفساد عن الفرد أو الجماعة في العاجل والآجل، وهو ما عبّر عنه العز بن عبد السلام بقوله: «اعلم أن الله- تعالى- خلق الخلق وأحوج بعضهم إلى بعض لتقوم كل طائفة بمصالح غيرها، فيقوم بمصالح الأصاغر الأكابر، والأصاغر بمصالح الأكابر، والأغنياء بمصالح الفقراء، والفقراء بمصالح الأغنياء، والنظراء بمصالح النظراء، والنساء بمصالح الرجال، والرجال بمصالح النساء، والرقيق بمصالح السادات، والسادات بمصالح الأرقاء، وهذا القيام منقسم إلى جلب مصالح الدارين أو أحدهما أو إلى دفع مفاسده أو أحدهما».

فكان بذلك جلب المصالح ودرء المفاسد هما أهم المقاصد التي يسعى التكافل إلى تحقيقها، لأن العلاقة القائمة بين الأفراد فيما بينهم وبين الفرد والجماعة هي علاقة متبادلة في تحصيل المصالح، وهو ما تؤكده الآية الكريمة في قوله تعالى: (أَهُمْ يَقْسِمُونَ رَحْمَةَ رَبِّكَ نَحْنُ قَسَمْنَا بَيْنَهُم مَّعِيشَتَهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَرَفَعْنَا بَعْضَهُمْ فَوْقَ بَعْضٍ دَرَجَاتٍ لِيَتَّخِذَ بَعْضُهُم بَعْضاً سُخْرِيّاً) [الزخرف: ٣2].

ويتفرع عن هذا مطلبان:

المطلب الأول: تعريف المصالح والمفاسد وأقسام كل منهما.

المطلب الثاني: مقاصد التكافل، والتي منها:

– تحقيق العبودية لله تبارك وتعالى.

– الأمن في المجتمع المسلم.

– الاتحـاد.

– القيام بمهمة الاستخلاف في الأرض وإعمارها.

وإن مقصد تحقيق العبودية يعد أعظم المقاصد التي يسعى التكافل لتحقيقها، فالامتثال لأوامره والانتهاء عن نواهيه طواعية وحبًا، هو الترجمة الحقيقية لهذا المقصد العظيم، وما تضمنه التكافل من معاني القربة والمحبة لله ﻷلدليل واضح على أن تحقيق العبودية هو المقصد الأعظم والأول الذي يسعى التكافل لتحقيقه.

كذلك تحقيق الأمن هو حاجة إنسانية مُلحة ومطلب فطري لا تستقيم الحياة بدونه، ولا يستغني عنه فرد أو مجتمع؛ وإذا فُقد الأمن اضطربت النفوس وسيطر عليها الخوف والقلق وتعطلت مصالح الناس.

كذلك الاتحاد ضرورة اجتماعية ومقصد مهم يسعى التكافل لتحصيله لما فيه من مصالح جمة تعود على الفرد والمجتمع في آن واحد، فهو يساعد المجتمع على مواجهة التحديات. وكذلك القيام بالاستخلاف هو إحدى مهام ومقاصد خلق الإنسان، إذ إن الله جعله خليفته في الأرض، وبالإيمان والعمل الصالح الذي منه التكافل فهما سبب التمكين ويتحقق الاستخلاف في الأرض.

* * *

رابعًا:

* رعاية الفقه الإسلامي للمقاصد الحاجية في آثار النكاح وفرقه

* سعاد محمود شيخ

* أطروحة لنيل درجة الماجستير في الفقه، كلية الشريعة والدراسات الإسلامية- قسم الفقه وأصوله- جامعة أم القرى، وزارة التعليم العالي- المملكة العربية السعودية، العام الجامعي 1419هـ/1998م.

*عدد الصفحات: 328 صفحة

تتكوَّن الدراسة من: مقدمة وبابين وخاتمة. وتشير الباحثة في المقدمة إلى أهمية الموضوع، وهدفه: وهو التعريف بالمقاصد، وضبطها أولاً، حتى يتبين المقاصد الحاجية التي هي مدار البحث، ثم يأتي بعد ذلك معرفة مدى تطبيق هذه القواعد في الفروع الفقهية عن طريق بيان الأمثلة المبنية عليها في أثر النكاح وفرقه؛ لأنه مجال واسع لمعرفة مدى عناية الشريعة بالمقاصد حتى تطمئن النفوس وتسكن إلى ما فيها من الحِكَم البالغة التي تفضّل الله بها على عباده، مما يدفع بها إلى التزامها واليقين بصحتها.

إن معرفة قصد الشارع من التشريع يُمَكِّن المكلف من المحافظة على المقاصد، وتمكن من تقديم أكثرها مصلحة على ما هو أدنى عند التزاحم، فلا ينشغل بواجب عما هو أوجب منه، ولا بمندوب عن واجب، ولا عن مندوب ذي مصلحة قليلة عن مندوب أعظم منه مصلحة.

والباب الأول عنوانه:«مقاصد الشريعة- أنواعها ومراتبها». ويشتمل هذا الباب على أربعة فصول:

ويتناول الفصل الأول: التعريف بالمقاصد وبيان مراتبها ومنهج الشارع في حفظها. والمقاصد تحددها الباحثة بخمسة مقاصد وهي: حفظ الدين، وحفظ النفس، وحفظ العقل، وحفظ العرض، وحفظ المال.

وهذه المقاصد مما اتفقت الشرائع السماوية على مراعاتها، وعندما نتتبع أدلة الشريعة الإسلامية فإنا نجد أنها قد حمت هذه المقاصد بسياج منيع من الأحكام في جانبي الجلب والدفع.

كما نجد أن المصالح المتعلقة بها تختلف درجاتها، فمنها ما يكون في مرتبة الضروريات، ومنها ما يكون في مرتبات الحاجيات، ومنها ما يكون في مرتبة التحسينيات، ولكل من هذه المراتب مكملات أيضًا.

ويعرض الفصل الثاني للأدلة المتعلقة بالمقاصد في علم أصول الفقه، وهذه الأدلة هي: المصلحة المرسلة، والقياس، والاستحسان، وسد الذرائع.

وإذا تتبعنا مباحث أصول الفقه نجد أن الأصوليين اشترطوا في المجتهد أن يكون عارفًا بمقاصد الشريعة جملةً وتفصيلاً. وفي هذا يقول الشاطبي: إنما يحصل الاجتهاد لمن اتصف بوصفين: أحدهما فهم مقاصد الشريعة على كمالها. والثاني: التمكن من الاستنباط بناء على فهمه منها.

والمجتهد في الحالين يحتاج لمعرفة مقاصد الشريعة لتعينه في اجتهاده.

وأهمية معرفة مقاصد الشريعة والعلم بها للمجتهد تأتي من جهة كون الاجتهاد إما أن يكون اجتهادًا في نص ظني الدلالة لتفسيره وتأويله، وبيان المراد منه، وإما أن يكون اجتهادًا في أمر لا نص فيه.

أما في تفسير النصوص فلأن دلالات الألفاظ على المعاني قد تحتمل عدة وجوه، والذي يرجح واحدًا منها هو الوقوف على مقصد الشارع، كما أن بعض النصوص قد تتعارض، والذي يرفع هذا التعارض ويوفق بينها أو يرجح أحدها على الآخر هو الوقوف على مقصد الشارع.

وإذا كان اجتهاده في واقعة لم يشملها نص فإن تعرضه لبيان حكم تلك الواقعة إما أن يكون عن طريق القياس أو المصلحة المرسلة أو الاستحسان أو سد الذرائع، وكل هذه الأصول الاجتهادية في علم أصول الفقه تدخلها المقاصد، بل إن بعضها قائم في الأساس على رعاية المقاصد.

وتتناول الباحثة في الفصل الثالث: القواعد الفقهية المتعلقة بالمقاصد، مثل قاعدة «لا ضرر ولا ضرار»، وقاعدة «المشقة تجلب التيسير»، وقاعدة «تصرف الإمام على الرعية منوط بالمصلحة».

أما الفصل الرابع فهو عن الموازنة والترجيح بين المصالح المتعارضة التي تؤدي إلى رعاية مقاصد الشرع. إذ أن مراتب المقاصد قد تتعارض، فإذا تعارضت فالمعيار هو تقديم الأقوى والأهم على ما هو دونه، والتزام المفسدة الدنيا لاتقاء المفسدة الكبرى، حينما تتلاقى المصالح والمفاسد في ضابط واحد، أو يستلزم إحداهما الآخر لسبب ما.

فإذا تعارضت مصلحتان في مناط واحد بحيث كونها لابد لنيل إحداهما من تفويت الأخرى وجب عرضهما على ثلاثة جوانب:

الجانب الأول: النظر إلى قيمتها من حيث قوتها في ذاتها، وترتيبها في الأهمية حسب ذلك.

الجانب الثاني: النظر إليها من حيث شمولها.

الجانب الثالث: النظر إليها من حيث توقع حصولها في الخارج، هل هي قطعية الوصول أو ظنية أو موهومة.

وتتناول الباحثة في الباب الثاني: «الأحكام المبنية على رعاية المقاصد الحاجية في آثار النكاح». ويشتمل هذا الباب على تمهيد، وفصلين:

تعرض الباحثة في التمهيد كيفية استخراج الفروع الفقهية المتعلقة بهذا المقصد.

ثم في الفصل الأول تتناول آثار النكاح، ويشتمل عدة مسائل مثل: المحرمية، والعشرة بالمعروف، والقسم بين الزوجات، والرضاع، والنفقة، والحضانة، والنسب، والعدة، والرجعة.

أما الفصل الثاني فهو في فرق النكاح. ويشتمل على المسائل التالية: النشوز، والإيلاء، والظهار، واللعان، والطلاق، والخلع، والفسخ.

وقد جاء هذا الباب الثاني المعقود لبيان الأحكام المبنية على رعاية المصالح الحاجية في فرق النكاح وآثاره مما يثبت في الشريعة المطهرة من أحكام مبنية على هذا حتى ينسجم التطبيق مع التأصيل الذي تقدم في الباب الأول.

وقد انتظم هذا الباب في خمس عشرة مسألة كبيرة مقسمة على فصلين: أحدهما في آثار النكاح، والآخر في فرقه.

وتبين من بحث هذه المسائل بما لا يدع مجالاً للشك أن الشريعة الإسلامية تراعي هذا الأصل، وعنايتها العناية البالغة تحقيقًا لقوله تعالى: (يُرِيدُ اللّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ) [البقرة: ١٨5]، وقوله جل ذكره: (وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ) [الحج: ٧8].

وعند ذكر كل مسألة من هذه المسائل حرصت الباحثة على التعريف بها، وذكر حكمها، والأدلة الدالة عليها، وأقوال العلماء فيها، ثم تبين وجه ابتنائه على المقصد الحاجي لبيان كيفية ابتناء هذا الحكم على المقصد الحاجي عند من قال به لتبين بذلك شدة ارتباط الأصول بالفروع، ودقة العلماء في تأصيل الأحكام والاستدلال عليها.

* * *

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر