أبحاث

الكليات الفقهية ودورها في مواكبة الوقائع المستجدة والنوازل المعاصرة

العدد 175

مقدمة:

لقد اتسمت الشريعة الإسلامية بالحيوية والواقعية، فكانت أحكامها مستوعبةً لما يقع من مستجداتٍ ونوازلَ في مختلف المجالات الحياتية، دالةً بذلك على صلاحيتها لكل الأحوال والأوضاع ولعموم العصور والأقطار.

وقد هيأ الله السبل وذلل الصعاب، وأمر الجِلَّةَ الخيار أهل العلم والاقتدار بإعمال العقول وضبط النقول، وبذل الوسع في استنباط الأحكام وتنزيلها على الواقع المحصول، فقعَّدوا القواعد الفقهية وأصَّلوا الأصول الكلية في سبيل تحقيق المطلوب، ثم فَعَّلُوا ما حصلوه في واقعهم المعيش ليجمعوا بين العلم التنظيري والعمل التطبيقي.

فالمجتمعات التي حكمت الشريعة الإسلامية في مختلف جوانب حياتها نعمت بحياة متميزة واستقرار نفسي ولم تعوزها أحكام هذه الشريعة الربانية عن إيجاد الحلول الملائمة لمستجدات حياتها كيفما كانت، وفي هذا دليل عملي ملموس على شمولية الشريعة الإسلامية لغنى أحكامها وتنوع أصولها وقواعدها الفقهية التي استغرقت مختلف مجالات الحياة سياسية كانت أم اقتصادية أم اجتماعية أم غيرها، يقول الدكتور مصطفى الصمدي: “لما كانت أجوبة الفقيه مجيبة على أسئلة المستفتين، فإننا وجدنا أنفسنا أمام وتيرة متسارعة من الأسئلة والأجوبة يُراد منها اختبار قُدرة الفقيه على ملاحقة التطورات ومواكبة المستجدَّات، وهي بالتبع مِرآة صادقة لمجتمع يتحرك في الزمان، وتتنوع أقضيته بتنوع الحال والسؤال، ومن هنا اتسمت بالواقعية والتجدد، وكانت الأجوبة فيها مراعية للسياق المحلي والاجتماعي”([1]).

أهمية البحث وإشكاليته:

يعتبر فن الكليات الفقهية فناً بديعاً له أثر بالغ في مواكبة المستجدات الحياتية؛ حيث إن الفقيه الناظر فيما استجد من نوازل عصره يسعى إلى مقاربة هذه النازلة بكلية أو كليات فقهية مناسبة لها، ويقوم ببناء توصيف فقهي يسمح بوضعها تحتها ليستنتج حكمها الشرعي انطلاقاً من هذه الكلية باعتبار النازلة فرعاً من فروعها‫.

فدراسة الكليات الفقهية ليست غاية في ذاتها، وإنما هي وسيلة للتوصل إلى معرفة حكم الله تعالى في الوقائع المستجدة التي تواجه الإنسان، فهذه الغاية الأساسية إنما تحققها الكليات الفقهية مع غيرها من الأدلة.

ويوفر الفقه الحديث أمثلة عديدة عن تطبيق الكليات الفقهية في النوازل المعاصرة، خاصة وأن نظام الحياة تغير بشكل كبير ومتسارع، واستجدت وقائع كثيرة، فلم يعد العالم الإسلامي كما كان من قبل، مما يحتم على الفقيه المعاصر أن يبذل وسعاً وأن لا يألو جهداً لتغطية كل المستجدات بأحكام فقهية تزاوج بين روح الشريعة وكلياتها.

وما دامت النوازل والمستجدات غير متناهية والقواعد الكليات متناهية فإن مقتضيات المنهج السليم أن يضبط ما لا يتناهى بما يتناهى، وهو ما يدفع الفقهاء إلى السعي حثيثاً إلى ربط الواقع ومستجداته بقواعد وأدلة ملائمة لها وقادرة على إيجاد أحكامها، ومن ثم تغيى هذا البحث الإجابة عن السؤال الإشكالي الآتي:

– هل يمكن استثمار الكليات الفقهية في بيان أحكام المستجدات الحديثة لإثبات مدى صلاحيتها لهذا الزمان؟

الهدف من البحث:

يهدف البحث إلى ربط الكليات الفقهية بواقعنا المعاصر، وإبراز مدى قدرتها على مسايرة فقه النوازل، وإيجادها للأحكام المناسبة لما يستجد من حوادث الزمان ومشكلاته الراهنة.

منهج البحث:

اعتمد البحث في عرض مادته العلمية على منهجين رئيسين هما: المنهج التحليلي، والمنهج الاستدلالي؛

فأما المنهج التحليلي فيظهر في تعريف الكليات الفقهية، وبيان ضوابط الاجتهاد في القضايا المعاصرة، وكذا في توصيف النوازل التي بينت أثر الكليات الفقهية في بيان حكمها.

وأما المنهج الاستدلالي فيبرز من خلال إيراد البراهين والأدلة الكاشفة لحكم النوازل المستجدة المدروسة في البحث.

خطة البحث:

شملت الخطة التي سار عليها البحث مقدمة وتمهيداً ومبحثين وخاتمة؛ ففي المقدمة بينت إشكالية البحث، وأهميته، وأهدافه، …………………..

 

——————————————————————————————————————-

([1]) النوازل الفقهية وإشكالية المنهج -نحو توظيف أمثل للنص تاريخاً وفقهاً- لمصطفى الصمدي، ص: 155. مقال بمجلة كلية الآداب والعلوم الإنسانية بنمسيك جامعة الحسن الثاني الدار البيضاء: 06 / 2015.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر