أبحاث

مفهوم الفحص المعرفي : قراءة في المصطلح عند ابن رشد

العدد 117

   استعــان ابــن رشــد بالفحــص المعـرفــي لتشـييـد نظــام فلســفي قــائـم علــى النظــر العقـلي ا مســتـوحـى مـن الشــرع الإســـلامــي, مسـتوعبًــا ضـرورة الانفتـاح, ومحـاورة الأمـم القـاصيــة والاسـتئنـاس بـآرائهــم, والاطــلاع علـى إنجــازاتهــم, بالـرفق والتــدرج والتــأنـي فــي المنـاظــرة, بعيـداً عـن الإقصــاء والإلغــاء والاســتعـلاء, مبينًـا كيــف أن حــريـة الإبـداع لا تنفصــل عـن النظــام العقـدى الإســلامـي.

التحــريــر

ممـا يعـد عــلامـة بـارزة في البنيـة الفكــريــة لأبـى الـوليـد بن رشــد (ت: 595هــ) أنـه انطـلق في وضــع أســس نظـريتــه الفلســفيـة مـن منطــلق معــرفي مفتــوح علـى تقــويـم جهــود المقــاربــات الفلســفيـة الســابقــة, والسـائـد في زمـانـه, ولـم يقف عنـد حـدود الاستهــلاك العلمــي؛ وإنمــا تجــاوز هـذا الإطــار مـن التبعيــة الفكـريـة المنغلقــة إلى أفـق معـرفي رحيب.

ولعــل مـن خصــوصيــة هــذا المفكــر الإســلامــي الفــذّ أنــه ســلك مســلكًــا علميًّــا يقــوم على المحــاورة, فهـو لا يعتمــد على النقــل والتســليـم بالثقـافــة الســائـدة, والمعطيــات الثـابتــة, كمــا أنــه لـم يتـوســل بنســق علمــي مغــلق يتجــاهـل جهــود الآخــريـن, ذلـك أن المصــادر الثقـافيـة التي شـكـلت مـرجعيـة ابـن رشــد تشهــد على خصــوصيـة طـريقتـه في محـاورة غيــره محـاورة تســـتنـد في جـوهــرهــا إلى الانفتـــاح على النتـاج المعـرفي الإنســاني, وفحص أدواتـه المعـرفيــة والمنهجيـــة. فمــا المقصــود بــالفحـص المعـرفي عنـد ابـن رشـــد؟ وهـل تعــامـل مـع التــراث الإنســاني تعـامـلاً مـوضـوعيًّــا ؟ وهــل اقتنـع ابـن رشـد بمـا قـدمـه أســلافـه في الحقــل المعـرفي الفلسفــي ؟ وهـل وقف ابـن رشــد آراء القـدمــاء مـن أتـرابـه مـوقف المنبهــر ؟ أم أنــه تجـاوز حـدود الظـاهـر إلى بـواطـن الأمـور وخفـايـاهــا ؟

وإدراكًــا منــا لـثــراء الــتراث الـرُشــدى وتنـوعــه وخصــوبتــه أخـذنــا على عـاتقنــا مســـلك البحـث عن حقيقـــة الحـوار الحضــاري الـذي ســلكـه ابـن رشــد في تـأســيس النظـر الفـلســـفي القــائـم على مســوغــات شــرعيـة, ولعــل ممـا يـزيـدنــا إصـرارًا علـى قـاربــة هـذا المـوضــوع مــا نعـانيــه مـن إلغــاء وإقصــاء لأدوات الفحـص المنهجيـة والمعـرفيــة التـي غُيبـت في زمـن العـولمــة؛ وقــد كــثر الحـديث عـن صــراع الحضــارات وصــدامهــا لـدرجــة لم يعـد خـافيًــا على بـاحث أريب الفـوضـى المـريعـة التـ ألقت بظـلالهــا علــى كثــير مـن المقـاربــات الفلســفيـة المعـاصــرة؛ ومـن الغـريب الـواقــع أن غيـاب المحـاورة الـراشـدة المســـؤولـة أدى لظهــور صــراع مفتعــل بين مختــلف الحضــارات الإنســانيـة المعـاصـرة؛ وهـو صــراع يعكــس أزمــة في الفكــر العـالمـي المعـاصـر؛ إذ دلفـت بعـض المصطـلحـات الفلسفيــة والعقـائـديــة إلى الحيــاة الفكـريـة والفلسفيـة والسيــاســيـة ــ عـربيًّــا وإســلاميًّــا وعـالميًــا ــ ؛ فظهــرت بعــض المصطــلحـات التي تبيــح للتطــرف النقــدي والفكــري والشــرعـي والسيــاســي أن يغتصـب النصــوص الـدينيــة, وينتهــك حـرمـات النـاس وأعــراضهــم؛ ولعــل مـن أبــرز هــذه المصطــلحـات, وأكـثــرهــا دورانًـا وشــيـوعًـا في الحقـل الفـلســفي والإعــلامـي العـالمـي : الإســلام المعتـدل الصحـيح ــ العـدالـة الأبـديــة المطـلقـة ــ العـالـم الحـر ــ الدفــاع عـن النفــس ــ الســلام ــ المقــاومـــة ــ الإرهــاب ــ ضبــط النفس ــ عـدم الاســتخـدام المفـرط للقـوة ــ العنـف المضــاد ــ دولــة مـؤقتــة ــ الجهــاد ــ الفـرقــة النـاجيــة ــ الطـائفــة المنصـورة..) وأضحـت دول ذات ســيـادة مـن الـدول المـارقــة (محــور الشــر), والـدول الخـاضعـة الخـانعــة الـراكعــة مـن الـدول المعتـدلــة (محــور الخيــر), لـدرجــة مـن التسـيب المصطـلحي والتميــع المفهــومـي أن أصبـح تمثـال بـوذا في أفغـانسـتـان مـن التــراث العـالمـي, ومســجـد عمـر بـن الخطـاب ــ رضــى الله عنــه ــ, وكنيســة المهـد ــ عيســى عليــه الســلام ــ وتمثــال العــذراء بفلســـطين خــارج هـذا الـــــتراث العـــــالمـي.

وإن الذي يـوجبــه ظـاهــر الأمـر, ومــا يســبق إليــه الفكــر أن نبـدأ بكشـف اللثـام عـن حقيقـة الحـوار الذي يـربــأ بـابـن رشــد عـن مـرتبــة المقلـد الــذي يجــري مـع الظـاهـر, وأن نحــدد مفهــوم الفحــص المعـرفـي كمــا مـارســـه أبــو الـوليــد بمنـــأى عن هـذا الاضطـراب المعـرفي والفلسفـي الذي وســم مجــال المعـرفــة العلميــة المعـاصـرة بالفـوضــى, والتي تمــوج بالتنــاقض, وتعــج بــاختزال جـواهـر الأمــور.

ومــن المقــرر عنـد المشــتغليـن بـدراســـة مـؤلفــات أبــى الـوليـد أن درجــو التـوهج المعـرفي التي بلغهـا قـاضي قـرطبـة في محـاولتـه المنهجيــة لتحــليل الخطــاب الشــرعـي وفق قــواعـد فلســفيــة تجعــل مـن العســير على أي باحث مهمــا عــلا كعبـه, وارتفــع نجمـه أن يســتنطـق هــذا الـزخــم المعـرفـي؛ لأنــه يغطــى مجـالات علميــة متـداخلــة خصبــة بـإشـاراتهــا المـرجعيــة, ويكفــي كتــابـه المنهجـي (فصــل المقـــال) مـؤونــة للبحـث عـن مفهــوم الفحـص المعـرفـي كمـا عـايشــه ابـن رشــد في تـأسيســـه لعنـــاصـر التفكــير العقـلاني والإنســاني.

ومـن الـواضــح لمـن نظـر نظـر المتثبت الحصيف الـراغـب في اســتجـلاء حقيقــة المحـاورة المنتجـة للمعـرفـة الإنسـانيــة عنـد أبي الـوليــد أن يقتنــع بــأن هــاجـس التـواصــل المعــرفي في مســار الثقـافـة العـالميــة هـو الـذي حــرك دواعـي المعـاينــة العلميــة لــتراث القـدمــاء في مجـال التـداول الإســلامـي, قصـد دعــم النظــر العقـلي مـن قبــل الشــرع الإســلامـي.

1 ــ مفهــوم الفحــص المعـرفي عنــد أبـى الوليــد :

إن الأصــل والمعتمـد في تحـديـد معــاني كلمــة «فحــص» هـو الاستعــانـة بكتــاب (فصــل المقــال) الـذي يُعــد محــاولـة منهجيــة راقيــة في استجــلاء حقيقــة مقتضـى النظــر في الشــريعـة الإســلاميـة؛ حيث اتخـذ ابـن رشــد مـن هــذه الكلمــة مفتـاحًــا منهجيًّــا وإجــرائيًّــا للتعمـق في الثقـافـات الإنســانيـة؛ والحـق أن تكـرار كلمــة (فحـــص) ثمــاني مـرات في كتـابـه «فصــل المقــال» يحمــل على الاعتقــاد بمــركـزيــة هـذه الكلمــة المسـتقطبــة والمـولــدة لبقيــة الـدلالات الفـرعيــة المـؤسسـة للكتـاب؛ ولعــل محـوريــة هــذه الكلمــة في التــراث الـرشــدى يبعـث على المـراجعــة وإلطـاف انظـر في مكـونـاتـهـا اللغـويــة والاصطــلاحيـة.

أ ــ المفهــوم اللغـوى :

يبـدو مـن الاستعــانـة بالمعجمـات العـربيـة أن كلمــة (فحــص) تتعـلق بـدلالــة حسيــة ومعنـويـة مـدارهــا على البحـث والتنقيـر عـن الـدفيــن ليـدرك بالـرويـة وإجــالـة النظــر؛ وهـو المعنــى الذي ذكــره ابـن منظــور في المـادة الصـرفيــة : (ف, ح, ص) حيث يقــول : «فحــص : الفحــص : شــدة لطـلب خـلال كــل شــيء, فحــص عنـه فحصًــا بحـث, وكــذلـك تفحــص وافتحــص, وتقــول : فحصــتُ عـن فــلان وفحصــتُ عـن أمــره لأعلــم كنــهَ حـالـه, …»(2).

وظــاهـر مـن كــلام ابـن منظــور أن الفحـص مـرتبـط بالبحـث الـدؤوب المستمــر عـن كنــه الأشــيـاء وجـواهـرهــا, ومـن اللافت للنظـر أن انتقــاء أبـى الـوليــد لهـذه الكلمــة المفتـاح جــاء استجــابـة لمشــروعيــة التـدبـر, والتــأمـل في الخطــاب القـرآنـي من خـلال التـوســل بمفـردة الفحــص بـواصفهــا الكلمــة المـركـزيـة التي شــيـد مـن خـلالهـا ابـن رشــد نظــامـه المعـرفـي في محـاورة الحضـارات الإنســانيـة المغــايـرة؛ وممـا يعـد طـريقًــا في التخــريـج المعجمـي الـذي قـدمـع ابـن منظــور أنـه استثمــر الـدلالـة الصـرفيــة (تفعّــل ــ افتعــل) في تـوضيــح معنــى الســعى إلى تقصــى الحقيقــة والبحث المتـواصــل لبـلــوغ المسكــوت عنــه في كـل شــيء, ومـن الغـريب الـواقــع أن أبـا الوليــد اكتفــى بمـادة (فحــص) على وزن (فعــل) وهـي الصيغـة الصـرفيــة الـتي لا تســعفـه في التعبيـر عـن المقصــود الـدقيـق مـن المحــاورة المعـرفيــة التي تشكــل لحمـة منهجـه الفلسفـي وســداه. فِلـم تـذرع ابـن رشــد بهـذه الصيغــة الصـرفيــة التي لا تعضـد مشــروعـه الفلسفــي القـائـم على النظــر الحصيف في التـراث الإنسـاني ؟

وهــل يفقــد هـذا التكـــرار لكلمــة (فحــص) مشـــروعيتــه في متن ابــن رشــد ؟ أليــس التكـرار دليــل هــوس معـرفي عنـد أبي الوليـد ؟

إن المســألـة محـوجــة إلى استقصــاء النظـر؛ ففيهــا شـيء من خفــاء يقتضـي بعـض التـدبر والتــأمـل؛ ذلـك أن المتتبـع لكتـــاب فصــل المقـال وشـواهـده يلفــى أن ابـن رشـد قـصــد إلى الصيغــة الصـرفيــة (تفعّـــل وافتعــل) والتي تُعــبر تعبيـراً دقيقًــا عـن شــدة الطـلب, وتكـلف المشقـة في تشقيق المعـرفـة العلميـة’ والتي تســتوجب نفــاد الخـاطـر وإعمــال النظــر؛ وهـذا مــا يشــير إليــه الصـرفيـون القـدمــاء مـن أن (تفعّـــل) تـأتى للـدلالــة عـن التـأنـى في الطـلب, وفي هــذا السيــاق يقــول ابـن قتيبــة : «وتــأتى نفعّـلت للشـيء تـأخـذ منــه الشــيء بعــد الشـــيء, نحــو قـولـك «تفهّمـتُ», و«تبصـرّت», و«تـأمّلـتُ», و «تثبّتُ»,.. فهـذا كـلــه ليس عمــلَ وقت واحـد, لكّنــه عمــلُ شــيء بعـد شيءٍ في مهــلــة(3)». ومعنـى التكـلف ذاتــه نجـده عنـدابـن يعـيش في شــرح المفصــل إذ يقــول : «وتفعّــل يجـيء مطــاوع فعــل نحـو كســرتـه فنكسّــر وقطّعتــه فتقطّــع وبمعنـى التكـلف نحــو تشــجّع وتصبّـر .. وللعمــل بعـد العمــل في مهلـة كقــولـك تجـرّعـه وتحسّــاه, وتعـرفــه وتفـوقـه ومنـه تفهّــم وتبصّــر وتسمــع»(4).

ومـن المعــاني المعجميــة الـزائــدة عـن دلالـة شــدة الطـلب مــا نجـده مـن معنـى التقليـب وهـو معنـى متقـدم ذكــره صـاحب القــامـوس المحيـط بقــولــه : «فحــص عنـه, كمنــع؛ بحـث : كتفحّـص وافتحــث, ــ المطـرُ التـرابَ : قَلَبَـهُ»(5).

وإلى المعنـى المعجمـي ذاتــه أشــار الجـوهــري في تـاج اللغـة وصحــاج العـربيــة, في بـاب الصـاد, فصــب الفــاء : «فحــص» الفحــص البحـث عن الشـيء. وقـد فحــص عنـه, وتفحّص عنـه, وتفحّـص, وافتحـص, بمعنـى. وربمــا قــالـوا : فحــص المطُــر التـرابَ : قَلَبَــهُ»(6).

والمتـأمـل في هــذه المعــاني التي عـرضنـاهــا أن كلمــة (فحــص) وهـي الكلمـة النـواة التي ركـن إليهــا ابـن رشــد مســترشــدا بـدلالاتهــا اللغـويــة المختلفـــة لا تخــرج عـن المعـاني الآتيـة :

1 ــ شــدة الطـلب.

2 ــ التـأني والتلطـف في البحـث.

3 ــ التقليب.

ومـن المفـارقــات اللافتــة للنظـر أن ابـن رشــد لـم يستعــن بصيغتـى (تفعّــل ــ وافتعــل) واكتفـى بصيغــة (فعــــل)؛ مـع أن تفحــص وافتحـص هــي المــادة الصـرفيــة المجســدة لمفهــوم المعـاينــة العلميــة الـتي أنجـزهــا أبـو الـوليـد في فصــل المقــال؛ وأغلـب الظـن أن ابــن رشــد يســتخـدم فحــص بمعـنى تفحـص وافتحـص؛ اســتنـادًا إلى إجمــاع المعــاجــم العـربيــة الـتي تشــير إلى معــانـي البحث والاجتهــاد, والـدليــل علــى ذلــك أن المســتقــرئ لنصـوص (فصــل المقــال) يلفـى حضــور هـذه المعــانـي مجتمعــة مـن خـلال مفهــوم المحــاورة الحضــاريـة التي تـوســل بهــا ابـن رشــد في تمحيـص آراء الســابقيـن, وفحــص إنتــاجهــن المعـرفي.

ولقــد كـان لمفهــوم المعجمـي لكلمــة (فحــص) تجليــات واسعــة في كتـاب (فصــل المقـال) حـيث ورد هـذا اللفـظ في مـواضــع متفـرقـة مـن الكتــاب : (فصــل المقـال : ص 33 ــ 38 ــ 39).

1 ــ أن نفحـص علــى جهـــة النظــر الشــرعـي. ص33.

2 ــ لـم يتقــدم أحـد ممـن قبلنــا بفحــص عـن القيــاس العقـلي. ص38.

3 ــ أن نبتـدئ بالفحــص عنـه. ص38.

4 ــ قـد فحـص عـن ذلـك. ص38.

5 ــ قـد فحـص عنـه القـدمــاء. ص38.

6 ــ أتـم فحـص. ص38.

7 ــ أن نشـــرع في الفحـص عـن المـوجـودات. ص39.

8 ــ إنمــا يتـم لنــا في المـوجـودات بتـداول الفحـص عنهـا. ص39.

ب ــ المفهــون الاصطـــلاحـي لكلمــة (فحــص) عنـد ابـن رشــد :

إن مـدار الاستقــامــة, وإصــابــة الجـادة في رفــع الأستــار عـن الحقيقــة الاصطــلاحيــة لكلمــة (فحــص) ينبــع مـن طبيعــة المحــاورة العلميــة لابـن رشــد مع القـدمــاء, وتقــويــم جهــودهــم, وهــو الـذي أصّــل لــتراث المنـاظـر الحـرة في الفضـاء الإســلامـي؛ حيث لـم يطمـئن إلى أحكــام الــتراث العـالمـي حتـى أقــام الـدليــل على مشــروعيــة النظـر العقـلي في الشــرع الإســلامـي, بيـان ذلـك أن أبـا الوليـد لـم يتـوقف عنـد حـدود العقــل بـوصفــه القـوة الإدراكيــة والاسـتيعــابيـة للإنســان؛ وإنمـا تـوغـل في تخــوم الفكــر العـالمـي, مقلبًـا لأوجـه المعـرفـة العلميـة, ومحـاوراً لأصحـابهـا وفـق آليــة البـرهــان العقـلي, ولـم يكتـفِ بالنقـد, وإنمــا تجــاوز أســوار المنـاظـرة الضيقــة إلى فضــاء فلســفي منفتـح, واللافت للنظــر أن أبـا الـوليــد اسـتثمـر البـرهــان لتشـييـد نظــام معـرفـي؛ ولا تـثـريب عليـه مـا دامـت المعـرفـة الإنســانيـة تـراكميــة يــأخـذ بعضهــا بعنـق بعــض في سـلســلة مـن التـواصــل والتكــامـل؛ ولهـذا الســبب لـم يــأنس بــالتقليـد ولـم يسـتســلم للسمــاع ويقنــع بالمعطـى الثـابت, وقـد أدرك إدراكًــا كبيـراً الفـرق المعـرفي بين مجـرد النقــد, والتجــريح وحجـيــة الانفتــاح العمـي, وهـذا مــا أشــار إليــه بعــض البـاحثيـن قــائـلاً : «والفــرق بين «النقــد» و«الفحــص» هـو أن الأول يـوجب النظـر في المعـرفـة ويقصـد الـوقــوف على حـدود العقــل, في حيـن أن الثــاني يـوجب الـدخــول في الحـوار ويقصــد إفحــام المحـاور»(7).

وإن انفتـاح بـاب المعـرفـة العلميـة بعـد إدمــان قــرعـه يــؤدى إلى انتــاج المعــرفــة الثقــافـيــة والإنســانيـة؛ ذلـك أن الاجتهـاد والتقليب وشــدة الـولــع بكشــف المجهــول يحـقق الانطـلاقة الحضــاريـة المــأمـولـة حيث : «إن الإبــداع انتقــال المثقف مـن حـالــة الانفعــال واللهــاث الفـوضـوي على المنجـز الثقـافي والمعـرفي, إلى الفعــل والمشــاركــة في الإنتـاج الثقـافي والإنســاني»(8).

الـدواعـي الـتي تحــرك شــدة البحث والتنقيـر عـن الـتراث العـالمـي هـو الهـاجس العلمـي الذي يســكن المثقف, ويقـــوده إلى منــاهـل البـرهــان ومنــابع العـرفـان؛ ذلـك أن انقشــاع الهــم المعـرفي وتبـديـد متـاهـاتـه مـن خــلال الانتقــال مـن مـركــز الانفعـال العلمـي إلى مـركـز الفعـاليــة المعـرفيــة هـو صـنيـع يتجــاوز إطـار القلق الحضــاري إلى التجــاوز النـوعـي لكــل المثبطـات الـتي تعـترض مســلك المعـاينــة الفكـريـة, وجـادة الفحص العلمــي؛ وهـي حـالــة مـن الارتقـاء الثقــافي الـتي نجـد لهــا مشــروعيــة في التــراث العـربي الإســلامـي؛ حيث إنّ النفس إلى جـلاء الحجـة أسكـن وأريـح, ومكــابـدة الحـاجـة إلى الاســتبـانـة للحجـة أحــن؛ وهـذا مــا عبّـر عنــه شــيخ البـلاغييـن عبـد القـاهـر الجـرجـانـي بقـولـه : «ومـن المـركـوز في الطبـع أن الشـيء إذا نيـل بعـد الطلب لــه أو الاشتيـاق إليــه. ومعـانـاة الحنيـن نحــوه, كــان نيلــه أحــلى, وبـالميـزة أولـى, فكـان مـوقعــه مـن النفــس أجــل وألطف, وكـانت بـه أضـن وأشغف»(9).

ومـن اللطيف الـواقــع في التــراث العـربي والإســلامـي أن الفحـص المعـرفـي للتـراث الإنســاني ليـس حكـرًا على مـذهـب دون آخــر؛ لأن شــدة التنقيـر (الفحـص) صفـة راسخـة ثـابتـة في النفس البشــريـة, ونتـائجهـا واحـدة في الســياق الإســلامـي, إذ أن مـن نتــائج المعـاينـة العلميـة ذوبـان القـلق المعـرفي, وحصــول الأريحيـة العلميــة في الاهتـداء إلى مكمـن الـدفيـن بـآليــة الفحـص : «ومعنـاهـا أن يسـلك العقــل في حـركتــه المعـرفيـة مســلكـاً يجمــع فيــه بيـن المتقابـلات مـن الآراء, ويـقـابـل بين الاحتمـالات المختلفـة, ثــم يمحصهــا ويختبـرهــا على أســاس ذلـك التقــابـل, فــإن هـذه المقـاربـة وهـذا النقـد عـامـلان مهـمـان في تـرشيـد الفكــر للـوصـول إلى الحق»(10).

2 ــ مقــاصــد المعــاينــة المعـرفيــة ومســوغـاتهــا عنـد ابن رشـد :

إن القــراءة الهــادئـة لمتـن ابن رشــد في فصــل المقــال تبيـن بجـلاء منهجـيـة علميــة متقـدمــة تـوســل بهـا في تشـييـد دعــائـم النظـر الفلســفي علـى مســوغـات شــرعيــة مـن خـلال نفـاهيــم متـداخـلـة :

1 ــ مفهــوم استعـانـة المتـأخــر بالمتقــدم.

2 ــ اكتمــال المعـرفـة مـن خـلال التـراكــم العلمـي.

3 ــ قصــور الجهـد البشــري في الـوصــول إلى المعـرفــة المطلقــة.

وبعــد أن قــدّم أبـو الوليــد المســوغـات الشـرعيـة للبـرهـان العقـلي في النظـر الفلسفـي حــدّد معــالـم المنهجيــة المتبعـة في المعـاينـة المعـرفيــة للتــراث الإنســاني مـن خــلال الاستعـانـة بالمتقـدميـن مـن البـاحثيـن, وهـي إشــارة واضحـة إلى أن البحث الأكــاديمـي الجــاد لا ينطــلق مـن فــراغ أو عـدم أو يتحـرك في فضـاء مجهــول؛ بـل التمحيص العلمـي والتقليب العقـلي يســتندان إلى نقطــة البـدايــة ليتـم التـواصــل, وتكتمــل المعـرفـة وتبـلغ الغـايـة؛ وهـو مفهــوم متطــور لمعنـى التـواصـل الثقـافي والإنسـاني؛ بيــان ذلـك أن السـابق لــه فضــل الإســاء العلمـي ليكتمــل البنــاء المعـرفي وقـائمـة في النفـوس؛ وهـي استحـالـة وصعـوبـة التفـرد بالمعـرفــة العلميـة التي هـي قــاســم مشتــرك بين أفــراد المجتمـع العلمـي, وفي هـذا الصـدد يقــول أبـو الـوليــد : «.. فبيّـن أنــه إن كــان لـم يتقــدم أحــد ممّـن قبلنــا بفحــص عـن القيــاس العقـلي وأنـواعـه, وأن يستعين المتـأخــر بالمتقـدم, حتـى تكمـل المعـرفــة بــه, فــإنــه عســير أو غيـر ممكـن أن يقف واحـد مـن النــاس مـن تلقــائــه وابتـداء على جميــع مــا يحتــاج إليــه مـن ذلـك, كمــا أنــه عســير أن يســتنبط واحـد جميــع مــا يحتــاج إليــه مـن معـرفــة أنــواع القيـاس الفقهـي, بل معــرفـة القيـاس العقـلي أحــرى بذلـك, وإن كــان غيـرنـا قـد فحــص عـن ذلـك»(11).

وإن عيـن الإنصــاف تـرى أن الحضــارة الإنســانيـة تبــدأ بخطــوة تليهـا خطـوة في تعــايش حميــم مـن الـود والصفـاء, وأن البـدايــة هــي جــرأة أبــى الوليــد في تعبيـد مســلك النظـر العقـلي الــذي سُــلك في التــراث الأرسـطي, فالمعــاينـة العلميــة التي أرســى قـواعـدهــا وأصـولهـا ابـن رشــد غنيــة بالإحـالات والإشــارات المـرجعيــة المتعلقـة بالتــراث الإنســاني الســابق؛ حيث إن الاستعـانـة ـــ كمــا حــددهــا أبـو الـوليـد ـــ لا تعنـي إطـلاقًـا الاستهـلاك العلمـي والاجتـرار المعـرفي, وإنمــا هـي تجــاوز الســائـد الثـابت وتخطـى المـألـوف بعـد تمحيصـه وتقليبــه ليتجســد معنـى الإضــافـة النـوعيــة؛ إذ : «إن الإقـلاع عـن مســلك التلمـذة لا يكــون إلا بتحصيــل القـدرة على عـرض مـا ليس عنـد الغيـر»(12).

ويـلاحــظ المســـتقـرئ لكتــاب فصــل المقــال لابـن رشــد أنـه وضــع اللبنـة الأولى لمفهــوم الكـونيــة الفلسفيــة المنفتحـة على التـراث الإنســاني, ومقتضـى ذلـك كـلـه أن يمتـلك البـاحث مـؤهــلات التجـديـد الفكـري ومعـارضــة الغـيـر؛ بحيث «تحصــل الكـونيــة الفلسـفيـة, لا على جهـة إيجــاب رؤيـة فلســفيـة واحـدة لقــوم واحـد على جميــع الأقــوام الأخــرى, وإنمـا على جهــة تجميــع الـرؤى الفلسفيـة للأقــوام المختلفــة بعضهــا مـع بعـض وفتـح بـاب التـواصـل والتفــاعـل بين هـذه الـرؤى القـوميــة المختلفـة»(13).

وقــد أصـاب ابـن رشـد الحـق, وصـادف الصــواب في إلحـاحــه على دواعـي النظـر الفلسفــي, وربطــه بمنطــق النظـر وسـنن التــأمـل «… فـإن مـن لا يعـرف الصنعـة لا يعــرف المصنــوع, ومـن لا يعـرف المصنـوع لا يعـرف الصـانـع, فقـد يجب أن نشــرع في الفحــص عـن المـوجــودات على التـرتيب والنحـو الذي استفـدنـاه مـن صنـاعـة المعـرفـة بالمقــاييس البـرهـانيـة»(14).

ومـن هــذا الطـريق البـرهــاني ثبت وجـوب النظـر الفلســفي في المـوجـودات وفـق آليــة التـدرج والتـرتيب, وهــي إيمـاءة بــارزة إلى شــرائـط النظــر العلمـي الـرشـيـد الصحيـح, الـذي يســتنـد إلى منهجيــة إذا عـرضت على العقــول تلقتهــا بالقبــول؛ ومـن تجليــات هـذه المنهجيــة الـربــط المنطقي بين معـرفـة الصنعـة التي تـؤدي إلى معـرفــة المصنـوع؛ وبالتـتالى معـرفــة الصــانـع, وهـي الغـايـة مـن الفحــص والهـدف مـن المعـاينـة, فــالبحث في المـوجـودات هـو مســلك عقــلانـي يسـتنيـر بالنظـر الحصيف والتـأمـل الـرشـيد؛ ذلـك أن جنس النظـر الذي يلـح عليــه أبـو الـوليـد يفضـي إلى اليقيـن بـوجـود الخــالق, وليس بحثًـا عـدميًّـا لا يشفـي الغلـة ولا ينتهـي إلى ثـلج اليقيـن, بيــان ذلـك أن التــدرج في التــأمـل والتـدبـر في المـوجـودات الكـونيـة, ومعـاودة النظـر فيهــا هـو ظـاهـر كــونيــة, ومنهــج مـوصــل إلى الحقيقـــة البـرهــانيـة, «وبيّـن أيضًـا أن هـذا الغـرض إنمـا يتــم لنــا في المـوجـودات بتـداول الفحـص عنهــا واحـداً بعـد واحـد, وأنْ يسـتعين في ذلـك المتــأخــر بالمتقــدم, على مثــال مــا عـرض في علـوم التعـاليـم»(15).

فالفحــص المعـرفي ليس فحصًـا عـابرًا؛ وإنمــا يقــوم على مـداومــة النظـر ومعــاودة التبصــر في تـرتيب منهجــي يفضــي إلى مـوطـن الأســرار؛ مســترشـدًا بمــرجعيـة ســابقــة؛ وهنــا نـلاحـظ الـربــط الـدائــم بين التــأنى في البحث الفلسفــس واقتـرانــه بالمتقـدم؛ ذلـك أن الاســتعـانـة مشــروطـو بالـدوران في فلـك الســابقيـن؛ وممـا يعطـى مشــروعيـة النظــر البـرهــاني أن الشــريعـة الإســلاميـة تحث على فـريضــة التـدبر في المـوجــودات التي لا تنــال إلا بفضــل الـرويــة, وذكــاء العقــول وطــول التــأمــل, وشــدة التيقــظ, قصــد بلــوغ الحـق, فــإذا كــان الشــرع هـو مصــدر الحقيقــة الـربـانيــة, فـإن النظــر البـرهــاني لا يجـافيهـا, بل يعضـدهــا وهـذا مــا أشـار إليــه أبـو الـوليــد بقــولــه : «وإذا كــانت هـذه الشــريعـة حقًــا, وداعيــة إلى النظـر المــؤدي إلى معـرفــة الحـق, فـإنـا معشــر المســلميـن, نعلـم على القطــع أنـه لا يـؤدي النظــر البـرهـاني إلى مخـالفـة مــا ورد بــه الشــرع. فـإن الحــق لا يضـاد الحـق, بـل يـوافقــه ويشهــد لــه»(16).

فالنهــي عـن النظــر في كتب القـدمــاء مـن المنطـق والفلسفــة يفقـد مشــروعيتــه مـن خـلال إدراك مـاهيــة الاختـلاف التي تـوصـل إلى الحقيقــة الـواحــدة في جـوهــرهـا؛ ذلـك أن «اختــلاف النــاس في الحـق لا يـوجب اختــلاف الحـق في نفســه. وإنمـا تختـلف الطــرق المـوصـلـة إليــه, والقيـاســات المـركبـة عليـه, والحـق في نفســه واحـد»(17).

إذن؛ تتعـدد طــرق ومنــاهـج الـوصــول إلى الحـق بـاختــلاف البشــر, وتبـايـن مسـتوى المتلقيـن وقـدرتهــم الاسـتيعـابيــة والإدراكيــة والفطـريـة, وهـذا مــا عبّــر عنـه أبـو الـوليـد بقـولــه : «والسـبب في ورود الشــرع فيــه الظـاهـر والبـاطـن هـو اختــلاف فِطــر النـاس وتبـايـن قــرائحهــم في التصـديق»(18).

ولا شــك أن الانحبــاس في نمـط فكــري متغلــق يفضــي إلى الـوقــوف عنــد حــدود الســائـد الجـاهـز, ولا يسمــح باختــراق آفــاق معـرفيــة غـير مســبـوقــة؛ وبعبــارة أكثــر بيـانًـا فـإن الـركـون إلى النـزعـة التقـديسيــة للفكـر الإنســاني والانكفــاء على الــذات هـو ســلوك يـأبـاه الإنصــاف, ويجحــده العقــل, لأنــه يـرســخ ثقـافــة الاسـتسـلام والتخــاذل العلمـي, ومـن ثـم تســود النمطيــة في التفكــير وتهيمـن نظـرات الحصــار مقــابل اتســاع فضــاء الحـوار والمسـاجلـة والمنـاظـر : «ومـن هنـا ينبغـي أن نحـذر جميعًــا مـن تلـك القيـم التســويغيـة والثقـافـة التـبريـريـة التي تـرى أنــه ليـس بالإمكــان أبـدع ممـا كـان, والتي تُميـت كــل محــاولات إيقــاظ العقــل مـن سبــاتـه, ولا تـوظف الثقـافـة سعيًـا إلى فعـل التجـديــد والتطـويــر بــل إلى التـــبـريـر والتســويغ»(19).

ومـن الثــابت في العقــول والقــائـم في النفــوس أن حمـل النــاس على الرأى الـواحــد والفهــم الـواحـد ينــافي حقيقــة الاجتهــاد والقـوانيــن الكـونيــة في الاختــلاف الذي يسعــى إلى الحفــر المعـرفي الـدائـم في الثقـافــة الجـاهـزة : «فــالاختــلاف في وجهــات النظــر وتقــويـم الأمـور والقضـايـا مســألـة طبيعيـة ومتنـاغمــة مـع نـواميس الـوجـود الإنســاني؛ وتـاريخيًّـا لـم ينظـر مفكــرو الأمــة وأئمتهــا للاختـلاف كمصــدر ضعـف وتـراجــع, بـل اعتــبروه تعبيــرًا عن غنـى الثقـافــة وزخـم الحضـارة المـرتبطيـن بعمـق التجـربـة التـاريخيـة واتســاع الانتشــار الجغــرافـي»(20).

ولا نعــدو الصـواب حــين نقــول : إن الاختــلاف المجســد في الإدمــان على الفحــص المعـرفي في التـراث الإنســاني عنـد أبي الـوليــد بيّـن بنفســه عنـد مـن أنصف النظـر؛ بل إن الاعتــراف المعـرفي عنـد بـعض القـدمــاء يـوجب الفضيـلــة لمـن سـبقهـم في التمحيـص والبحث والتنقيـر, وهــذا مــا أشــار إليــه الكنــدي معتـرفًــا بقصب السـبق وسعــة الذرع لســابقيـه في عبــارات تفيض بالامتنــان المعـرفي, وعظيــم القـدر وخـالـد الثنـاء إذ يقــول : «فينبغــي أن يعظــم شكــرنـا للآتيـن بيسـير الحق, فضـلاً عمـن أتـى بكثيـر مـن الحـق, إذا أشــركـونـا في ثمــار فكـرهـم وسـهلـو لنــا المطـالب الحقيـة الخفيــة, بمــا أفـادونـا مـن المقـدمــات المسهـلـة لنــا ســبل الحق, فـإنهــم لـو لـم يكـونـوا لـم يجتمـع لنـا, مـع شــدة البحث في مُـددنــا كلهــا, هـذه الأوائــل الحقيــة التـي بهــا تخـرّجنـا إلى الأواخـر مـن مطـلوباتنـا الخفيـة»(21).

3 ــ شــروط الاستغـانـة المعـرفيــة وآليــة الفحـص العلمـي عنـد ابـن رشـد :

الــواقــع أن مــن يعمــل الفكــر في قــراءة فصــل المقــال لابـن رشـد لا يلبث أن يتبيـن أن هنــاك ربطًــا عضــويًّــا بين مفهــوم الفحــص العلمـي, وحــدود الحـريـــة الأكــاديميـة المتـاحـة في محـاورة الأمـم السـافـة والاستفـادة منهـا؛ ذلـك أنـه شــاع عنـد بعـض المشــتغليـن بفكــر أبــى الوليـد أن البحث الفلسفـي يعنـى إطــلاق العنـان لحـريـة الإبـداع وأفكــار المســاءلـة والحــوار عفـو الخـاطـر؛ وقـد تـوهــم كثيـر من البـاحثيـن في تـراث ابـن رشـد انطـلاقًـا مـن فهــم قـاصـر لمعنـى الاستعـانـة المعـرفيــة بالمتقـدميـن أن التـوســل بالمنهـج الغـربي في قـراءة الخطـاب القــرآنـي دون تمحيص أو مــرجعيــة ممكـن الحصــول؛ وهـذا مــا أشــار إليــه نصـر حــامـد أبـو زيـد بقـولـه : «يبقـى لابـن رشــد إضـافـة هـامـة تتمثــل في دفـاعـه عـن «المعـرفـة الحقّـة» بصــرف النظــر عـن مصـدرهــا, بل بصــرف النظـر عـن عقـائـد المنتجيـن لهــا»(22).

ولعلنــا لا نجــاوز الحقيقــة إذا قلنــا : إن مفهــوم التـواصــل الذي آمــن بـه ابــن رشـد, ودافــع عنــه يختـلف عـن الطــرح العلمـي الـذي يـراه نصـر حـامـد, ويفضـي بنــا قـولــه إلى تقــريـر حقيقـة مخـالفــة لأصــول الاسـتعـانـة المعـرفيــة التي تستنـد إلى المـرجعيـة الإســلاميـة, والمتـأمـل في شـواهـد فصــل المقـال يجـد أن أبـا الوليــد قيّـد شــروط الانفتـاح العلمـي على تـراث أســلافـه؛ ذلـك أنـه ينـافـح عـن المعـرفـة الحقـة المنبثقـة عـن الشــرع الإســلامـي, وليسـت معـرفـة عفـويــة متـحـررة مـن كـل القيــود والضـوابـط بحجـة حـريـة الإبــداع, بـل إن ابـن رشــد يـركــز علـى عقــائـد المنتجيـن للمعـرفــة الحقـة في بعـض المـواطـن كقـولـه : «فقــد تبيـن مـن هـذا أن النظـر في كتـب القـدمــاء واجـب بالشــرع, إذ كــان مغــزاهــم في كتبهـم ومقصـدهـم هـو القصـد الذي حثنـا الشــرع عليــه. وأن مـن نُهـى عـن النظــر فيهــا مـن كـان أهـلاً للنظــر فيهــا. وهـو الــذي جمــع أمـريـن :

أحــدهمــا : ذكــاء الفطــرة. والثـاني : العـدالــة الشــرعيـة والفضيلــة»(23).

ومقتضــى ظــاهـر كـلام ابـن رشــد أن الاستعـانـة العلميــة, والتـواصــل المعـرفي مهمـا كــانت طبيعيـه ومصـدره؛ يبقــى حبيس مـوافقتـه للفضيلــة والحـق والصـواب. وهـو مـا عبّـر عنــه قـائـلاً : «… فقـد يجب علينــا أن ألفينــا لمـن تقـدمنــا مـن الأمــم الســالفـة نظـراً في المـوجـودات واعتبـارًا لهـا بحسـب مـا اقتضتـه شــرائـط البـرهـان أن ننظـر في الــذي قــالـوه مـن ذلـك ومــا أثبتـوه في كتبهــم : فمــا كـان منـه مـوافقًــا للحـق قبلنــاه منهـم وســررنـا بـه, وشكــرنـاهـم عليـه, ومـا كـان منـه غيـر مـوافق للحق نبهنــا عليــه وحـذرنـا منـه وعـذرنـاهــم»(24).

ولا يسـتتطيـع بـاحث أميـن منصف أن ينكــر روح المنـاظـرة العلميــة الأصيلــة التي تجلـت في هـذا النـص وغيـره مـن النصــوص, معبّـرة عـن رحــابـة الفكــر الإسـلامـي, وسمـاحــة أصــولــه في التعــامـل مـع الـتراث العـالمـي, بـل الأمـانـة العلميـة تستـوجب قبــول الآخـر مـا دام مـراعيًــا للحـق؛ لأن إصــابـة الحـق أولـى بالاتبــاع والاقتـداء, ومخـالفتـه لا تعنـي الإقصــاء والإلغــاء والحصــار, وإنمــا التنبيـه والتحـذيـر, بـل التمـاس الأعـذار؛ لأن مجـانبــة الأمــم الســابقــة لجــادة الصـواب قـد تكــون لظـروف فكـريـة, ومعطيـات تـاريخيـة ينبغــي مـراعـاتهـا.

وقــد اســترعـى نظــري هنــا مـا أثـاره أبـو الوليــد مـن مـلازمـة الاستعـانـة المعـرفيــة بغيـرنـا مـن الأمـم الســالفـة بـواجب الشكـر؛ وهـي مــلازمــة أصيـلـة في التــراث الأرسطــي, وأغـلب الظـن أن هــذه الـروح الأخــلاقيــة العـاليـة في التعـامـل مـع التـراث الإنسـاني تنبـع مـن شــرف الفضيـلـة العلميـة, وهـذا الســلوك العلمـي سمــة بــارزة في كــل الحضــارات الإنســانيــة, وقـد عبّــر الكنـدى أصـدق تعبيـر عـن واجب الاعتــراف بالحـق؛ لأنـه شـرف لطــالبــه بقــولـــه : «وينبغــي لنــا أن لا نسـتحى مـن استحسـان الحق واقتنـاء الحق مـن أيـن أتـى, وإن أتـى مــن الأجنــاس القـاصيــة عنــا والأمم المبـاينــة لنـا, فـإنــه لا شــيء أولـى بطـالب الحق مـن الحـق, وليس ينبغـي بخس الحـق, ولا تصغيـر بقـائـلــه ولا بالآتـي بـه, ولا أحـد بخس بابحق, بل كــل يشـرّفــه الحـق»(25).

ومـع إقــرار الفيلســوف الكنــدي بشــرف اتبــاع الحـق لأنــه يفضـي إلى الإنتــاج العلمــي والثــراء المعـرفي, لـم يبيـن طبيعــة الحـق المـراد مـن الاســتعـانـة بالأمـم القـاصيــة, غــير أن رشــد كـان حـريصًـا على ربـط مشــاركتنــا للغيـر بمـوافقــة الحـق, ذلـك أن الانفتـاح لا يعنـي بمـوافقــة الحـق, ذلـك أن الانفتـاح لا يعنــي الاســتلاب الثقــافي والانصهــار المعـرفي؛ وفي هـذا السيـاق يقــول أبـو الوليـد : «فبيّـن أنـه يجب علينــا أن نســتعيـن على مـا نحـن يسـبيلـه بمــا قـالـه مـن تقـدمنـا في ذلـك, وســواء كـان ذلـك الغـير مشــاركًـا لنـا أو غيـر مشــارك في الملــة. فـإن الآلــة التي تصــح بهــا التـذكيــة ليس يعتبـر في صحـة التـذكيــة بهــا كـونهــا آلـة لمشــارك لنـا في الملـة أو غيـر مشــارك إذا كــانت فيهــا شــروط الصحـة. وأعنـي بغيـر المشــارك مـن نظــر في هـذه الأشــيـاء مـن القـدمــاء قبــل ملــة الإســلام. وإذا كـان الأمـر هكـذا, وكـان كـل مـا يحتـاج إليـه من النظــر في أمـر المقــاييس العقليــة قـد فحـص عنــه القـدمـاء أتـم فحص, فقـد ينبغـي أن نضــرب بـأيـدينــا إلى كتبهـم. فننظـر فيمــا قــالـوه مـن ذلـك, فــإن كــان صـوابًـا قبلنــاه منهــم, وإن كـان فيــه مـا ليـس بصـواب نبهنـا عليـه»(26).

فالمعــرفــة الحقــة تســتوجب الفحــص المعـرفي القــائـم على التعـايش العلمـي مـن خـلال التـوســل بالأدوات المنهجيـة والمعـرفيـة لغيـرنـا مـن الشعــوب والأمـم؛ وهـو تـوســل نــابـع مـن حقيقــة التـواصــل العـالمــي والإنســاني الـذي يســتنـد في جـوهـره إلى الحـوار الحضــاري الذي لا يلغـي الغيـر؛ بل يقـرّ لـه بشــرف السـبق ورســوخ القـدم؛ لأن معـرفـة الحـق تتجـاوز طـاقـة الأفـراد؛ ذلـك أن المشــاركــة العلميـة في كشف الحقيقـة ليست حكـراً على حضــارة دون أخـرى, بـل إن مـن سمـات البحث العلمـي الـرشيـد قبــول آراء الآخــريـن, شــريطــة مـوافقــة الحقــائـق المســتنبطــة لمنطـق الشــرع والعقــل الذي هــو أعــدل قسمــة بيــن الشــريـة؛ والحـق أن أبــا الـوليــد بـإلحـاحـه علــى آليــة الفحـص والنظــر والتـدبـر مـع الاســتعـانـة العلميــة المشــروطـة بـالصـواب يشــرّع لمعــالـم البحث الأكــاديمـي الـرصيـن الـرشيـد الـذي يقــوم على الـدعــائـم الآتيـة :

1 ــ الاســتعـانـه بمنــاهـج وآليــات غيـرنـا مـن الأمـم والشعـوب.

2 ــ تقييـد الانفتـاح المعـرفي بمعـرفــة الحـق والصـواب.

3 ــ الإقـرار بشــرف طلب الحـق, والاعتــراف بـه.

4 ــ التنبيــه على مـوطـن الخطــأ والـزلل لغيـر المشــارك لنـا في الملـة.

ولا أعتقـد أن حضــارة إنسـانيــة راقيــة قـديمــة أو حـديثــة شــرّعت لأصــول البحث العلمـي الـرشـــيد وفـق منظــومـــة القيــم الأخـلاقيــة والعلميــة مثلمــا صـاغهــا أبـو الـوليــد في مشــروعـه الفكـري الذي ينــم عـن جــرأة معـرفيــة واعيــة ومســؤولـة عن نتـائـج الممـارســة العلميــة الـتي تســتوفي شــرائـط النظـر العقـلي.

فالتــراكــم التـاريخـي القـائـم على الإضـافـة النــوعيـــة النــاضجـــة في مســار الفكــر الإنســاني هـو الـذي وســم فكــر ابـن رشـد بالشــمـوليـة التـواصليــة مـع محـافظتـة على الخصـوصيـة الإســلاميـة بينمـا أراد كثيـر مـن البـاحثيـن أن يلحقــوه بالــتراث الإغـريقـي اللاتينـي في ســياق تصنيف أبـى الـوليــد ضمـن الفلسفــة الأرسطيـة بكـل مفـاهيمهـا ومصطـلحـاتهـا العلميــة والمنهجيـة, أو تصنيفــه ضمـن الاتجـاه العقــلاني المســتنير, وبعضهــم أخـرجــه مـن حظيـرة الإســلام مغلبًـا رغبـة السـلطــان على حقيقـة البـرهـان؛ فهـو لـم يحـدد عـن مجـال التـداول الإسـلامـي رغــم اسـتفـادتـه الجليلــة مـن تـراث أرسـطـو الفلســفي؛ إيمـانًــا بالشــمـوليـة الإنسـانيـة والانفتــاح المعـرفي مـع التشبث بالمنهجيــة الإســلاميــة, وعــدم الانفــلات مـن أســر المنظـومـة الفكــريـة العـربيـة والإســلاميــة؛  لذلـك «فـإن الإطــار المـرجعـي الـذي ينبغــي أن يلتـزم بـه المثقف العـربي هـو الذي يكــون وليـد النتــاج الإنسـاني المنضبـط بضـوابـط الـوحـي والملتـزم بقـوانينـه ومحـدداتـه»(27).

ولعــل ممـا لــه دلالــة في هـذا الصـدد الصـرامـة العقـائـديــة لابـن تـومــرت, وأثـرهــا في تشــكيـل وعـي ابـن رشـد الفلســفي المنضبــط على عقيـدة المـوحـديـن, وتعلقــه بســياق الإصــلاح العقــلانـي الــذي قــام بـه المـوحـدون(28)؛ ذلــك أم كثــيراً مـن المهتميـن بفكــر أبي الـوليـد يغضـون الطــرف عـن أثـر المـرجعيــة الفكـريــة والعقــائـديــة والسيـاسيــة لمهــدي بن تومـرت في تـوجيــه فكــر قــاضـي قـرطبــة؛ ومـن هنــا كثـرت التصنيفــات المعـرفيـة لابـن رشــد, ةالتي تتحكــم فيهــا الأهــواء الإيـديـولوجيــة والمـذهبيــة, والـواقـع أن ابـن رشــد كـان فيلســوفًـا إســلاميًّــا بكــل مـا تحمـلـه الكلمــة مـن خصـوصيــة الانتمــاء الفكـتري والـروحـي, ولهـذا السبب قيّـد ابـن رشــد الانفتـاح المعـرفي في مـواضـع متفــرقـة مـن فصــل المقــال بالمـرجعيــة العـربيــة والإســلاميــة المحكـومـة بالشــرع الإســلامـي ومـوافقــة الحق والصـواب, وهــذا مــا أشــار إليــه أحـد المعـاصـريـن في معـرض حـديثــه عـن مفهــوم الانفتــاح الثقـافي, إذ يقــول : «ولا نقصـد بالانفتـاح هنــا التـوتصــل العشــوائـي مـع الثقـافـات الإنســانيــة الأخـرى, وإنمــا المقصــود الانفتــاح مـع وجــود النــاظـم الفكــري والمنهجــب, ممـا يســهّل على المثقف في المجــال العـربي والإسـلامي, عمليــة الهضـم والاســتيعـاب لتلـك الثقــافــة»(29). وأغلب الظـن أن أبــا الوليــد جَسّــد معنـى الانفتـاح المســؤول والـراشــد في مشــروعـه الفلسـفي دون أن يتجـاهـل مـركـزيــة الخلفيــة العقـديـة والفكـريـة الإســلاميــة؛ لأن «غيــاب هـذا النـاظــم المنهجــي, يعنـي دخــول المثقف في متـاهـات المنظـومـات المغـايـرة, دون الخــروج منهـا بحصيـلــة ثقــافيــة ومعـرفيــة تتنـاغـم والظــروف الذاتيــة والمـوضـوعيــة للمحيـط العـربي والإســلامي»(30).

ومـن هـذا الطـريق ثبت وجـوب اعتبـار الفلسفــة الـرُشـديــة إســلاميــة الـروح والمنهـج مســتوحـاة مـن مجــال التـداول العـربي والإســلامـي مُـلازمــة : «للمحـددات الثــلاثــة لمجـال التـداول : اللغــة والعقيـدة والمعـرفـة, بحيث لا يستحق الانتســاب إلى هـذا المجـال مـن اسـتعمـل لغتــه والتـزم عقيـدتــه وتحقيق بمعـرفتــه»(31).

وحــاصــل الكــلام أن أبـا الوليـد تـوســل بالفحــص المعـرفي في تشـييد نظــام فلسفــي قــائـم على النظـر العقلي المســتوحى مـن الشــرع الإســلامـي؛ وقـد أحســن إحســاسـاً عميقــاً بضـرورة الانفتــاح, ومحـاورة الأمـم القـاصيــة والاستئنـاس بــآرائهــم والاطــلاع على إنجــازاتهــم العلميـة والمنهجيــة, ويحـدوه في ذلــك الـرفق والتـدريــج والتــأنـي في المنــاظـرة؛ بعيـداً عـن الإقصــاء والإلغــاء والاسـتعـلاء؛ متيقنًـا أن حــريـة الإبــداع لا تنفصــل عـن النظـام العقـدي الإســلامـي, ولا تنـاقض أصـول الحق؛ بل إن غيــاب البـرهـان يفضـي إلى اســتبداد الســلطـان, واختفــاء الحـوار يـؤدي إلى هيمنـة الحصــار.

***

الهــوامــش

(1)بـاحث جـامعـي جـزائـري ــ جـامعـة الجـزائـر.

(2)ابـن منظــور, لسـان العــرب, المجـلـد الســابـع, بيـروت, دار صــادر, (د.ت), مـادة (ف . ج. ص) ص63.

(3)ابـن قتيبــة, أدب الكتــاب, حققـه وعـلّق حـواشيــه ووضــع فهـارســه محمـد الـدالي, بيـروت, مـؤسسـة الـرسـالـة, 1402 هـ ــ 1982م, 466.

(4)ابـن يعيـش, شـرح المفصــل, المجـلـد الثــاني, الجــزء الســادس, بيــروت, عـالــم الكتب, (د.ت), ص158. وتتبـع هـذه الصيــغ الصـرفيــة يطــول استقصــاؤه ويكفـى المستبصــر الاسـتعـانـه بــِ :

ــ ألفيــة ابـن مــالـك, شــرح ابـن عقيــل, الجـزء الثـاني, تحقيــق محمـد محيـي الـديـن عبـد الحميـد, الطبعــة الثــانيــة, دار إحيــاء الـتراث العـربي, (د.ت), ص601 ــ 602.

ــ الشــيخ أحمــد الحمــلاوي, شــذ العــرف في فـن الصــرف, بيــروت, مـؤسســة الكتب الثقـافيـة, ص38.

(5)الفــيروز آبـادي, القــامـوس المحيـط, تحقيـق مكتب التــراث في مـؤسسـة الـرســالـة بـإشــراف محمـد نعيــم العـرقســوسـي, الطبعـة الثـالثــة, بيـروت, 1413هـ ــ 1993م, ص807.

(6)الجـوهــرى, تـاج اللغــة وصحــاح العـربيـة, الجـزء الأول, بـاب الصـاد, فصــل الفــاء, الطبعـة الثـانيـة, بيـروت : دار العلــم للمــلاييـن, 1399هـ ــ 1979م, ص1048.

(7)طـه عبـد الـرحمـن, الحـق العـربي في الاختـلاف الفلسفـي, الـدار البيضـاء, المـركـز الثقـافـي العـربي, 2002م, ص14.

(8)محمــد محفـوظ, الحضــور والمثقـافـة (المثقف العـربي وتحـديـات العـولمـة), الـدار البيضــاء, المـركـز الثقـافي العـربي, 2000م, ص 31.

(9)عبـد القــاهـر الجـرجـاني, أســرار البـلاغـة, شــرح وتعليـق محمـد عبـد المنعــم خفـاجـى وعبـد العـزيــز شــرف, بيــروت, دار الجيــل, 1411هـ ــ 1991م, ص141.

(10)   محمـد محفــوظ, الحضـور والمثقـافـة, ص155.

(11)   ابـن رشـد, فصــل المقــال وتقـريـر مــا بيــن الشــريعــة والحكمــة مـن الاتصــال, تقـديــم وضبــط وتعليــق الـدكتــور سمــيح دغيــم, بيــروت, دار الفكــر اللبنـاني, 1994, ص33.

(12)   طـه عبـد الـرحمـن, الحـق العـربي في الاختــلاف الفلســفي, ص147.

(13)   المــرجــع الســابق, ص150.

(14)   ابـن رشـد, فصــل المقــال, ص39.

(15)   المصـدر نفســه, ص39.

(16)   المصـدر نفســه, ص42.

(17)   ابـن السـيـد البطليـوســي, الإنصــاف في التنبيـه على المعـاني والأسـباب التى أوجبت الاختــلاف بين المسـلميـن في آرائهــم, تحقيق محمـد رضــوان الـدايـة, الطبعــة الثـالثـة, دمشــق, دار الفكــر, 1407هـ ــ 1987, ص27.

(18)   ابـن رشــد, فصــل المقــال, ص44.

(19)   محمـد محفــوظ, الحضــور والمثـاقفــة, ص27.

(20)   المـرجـع نفســه, ص50.

(21)   أبــو يــوســف يعـقـوب بـن إســحـاق الكنـدي, رسـائـل الكنـدي الفلسفيــة, القســم الأول, تحقيق وتقـديــم وتعليــق, محمـد عبـد الهـادي أبـو ريـدة, الطبعـة الثـانيـة, القـاهـرة, مطبعـة حســان, (د.ت), ص32.

(22)   نصـر حــامـد أبـو زيـد, النـص, السـلطـة, الحقيقـة, الـدار البيضــاء, المـركـز الثقـافي العـربي, 1995, ص274 ــ 275.

(23)   ابـن رشــد فصــل المقــال, ص40.

(24)   المصـدر نفســه, ص40.

(25)   الكنــدي, رســائـل الفلسفيــة, ص33.

(26)   ابـن رشـد, فصــل المقــال, ص 38 ــ 39.

(27)   محمـد محفــوظ, الحضــور والمثـاقفـة, ص43.

(28)   هــاشــم صــالح, ابـن رشــد في مــرآة الفكــر الفـرنســي المعـاصـر, مجلــة عـالـم الفكــر, المجلس الوطنـى للثقـافـة والفنـون والآداب, دولـة الكـويت, المجـلـد الســابـع والعشــرون, العـدد الـرابـع, أبـريــل /يـونيـو 1999م, ص192.

(29)   محمـد محفــوظ, الحضـور والمثـاقفـة, ص103.

(30)   المـرجـع نفســه, ص103.

(31)   طـه عبـد الـرحمــن, تجـديـد المنهـج في تقــويـم التــراث, الـدار البيضــاء : المـركـز الثقــافي العـربي, 1994, ص136.

اظهر المزيد

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى
error: جميع الحقوق محفوظة لمجلة المسلم المعاصر