علم الكلام الإسلامي وأثره في تدبير مشكلات الإنسان المعاصر الوجودية
Islamic Theology and Its Impact on Addressing the Existential Problems of Contemporary Humanity
المقدمة:
الحمد لله العلي العظيم، حمداً مباركاً كما ينبغي لجلال وجهه الكريم، والصلاة والسلام على أشرف الخلق أجمعين، سيدنا محمد المبعوث رحمة للعالمين، وصلى الله وسلم على آله وعترته الطاهرين الطيبين، وصحبه السادة المقربين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
وبعد؛
فإن علم الكلام يعد من أجلّ العلوم الشرعية التي أنتجها العقل الإسلامي، فهو يمثل لبنة من لبنات الفكر الإسلامي، إذ ينصب البحث فيه على الأحكام الاعتقادية والأصول الدينية للشريعة الإسلامية؛ فيسعى إلى إثباتها بالأدلة والحجج والبراهين النقلية والعقلية، والدفاع عنها وحمايتها من كل تحريف أو تزييف أو إبطال، وبذلك فغاية هذا العلم وثمرته النهائية تقوية اليقين بالدين وعقائده، وتحصيل السعادة للإنسان في الدنيا والفوز في الآخرة.
ومن هذا المنطلق فإن الدارس للتراث الكلامي يجد أنه قد أولى أهمية قصوى لقضايا الإنسان عامة، وقضايا وجوده بوجه أخص، بل أكثر من ذلك يرجع البعض بواعث نشأة علم الكلام إلى بحث قضية مسؤولية الإنسان على أفعاله، وما يترتب عليها من ثواب وعقاب في الدنيا والآخرة، كما أن من مباحثه الأساسية والمركزية البحث عن جوهر الإنسان ووجوده، ومدى حريته في أفعاله وأعماله، وغيرها من المسائل المبحوثة في هذا العلم، والتي يمكن أن تكون منطلقاً للاهتمام والعناية بقضايا الإنسان المعاصر وتساؤلاته الوجودية المقلقة.
ولا يمكن لعلم الكلام أن يؤدي دوره ووظيفته في خدمة قضايا الإنسان المعاصر ما لم يجدد في آليات خطابه، ومنطلقاته المنهجية وتوجهاته الكلامية وقضاياه البحثية التي تدافع عن قيم الإنسان الحقيقية وحاجاته الراهنة، وتساؤلاته الوجودية، كل ذلك في سياق تجديد علم الكلام بما يتناسب ويتساوق مع تحديات العصر وإكراهاته، عملا بقول الرسول ﷺ: «إِنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ لِهَذِهِ الأُمَّةِ عَلَى رَأْسِ كُلِّ مِائَةِ سَنَةٍ مَنْ يُجَدِّدُ لَهَا دِينَهَا»([1])، وهذا البحث الذي نحن بصدده كما يبدو من عنوانه يروم استجلاء أثر علم الكلام الإسلامي في تدبير مشكلات الإنسان الوجودية.
أولاً: أهمية البحث
تتجلى أهمية هذا البحث في أنه محاولة للتعرف على دور علم الكلام الإسلامي في معالجة قضايا وإشكالات الإنسان المعاصر الوجودية، من خلال إشباع رغبة الإنسان في إيجاد أجوبة شافية عن الأسئلة الوجودية المقلقة والمرتبطة أساساً بمعنى الوجود والغاية منه، وكيفية العيش في عالم يتسم بالمتناقضات وفقدان القيم وطغيان الماديات، هذه التساؤلات والإشكالات الوجودية أطلق عليها البعض وصف “الظمأ الأنطولوجي”، ويشار بذلك إلى “ظمأ الكينونة البشرية… إلى ما ترتوي به”([2]).
ثانياً: أهداف البحث
يسعى هذا البحث إلى استيفاء جملة من الأهداف تتجلى فيما يلي:
- استجلاء مفهوم علم الكلام ووظائفه وعلاقته بمعالجة قضايا الإنسان.
- رصد مظاهر وتجليات عناية علماء الكلام بمبحث الإنسانيات، ومآل محاولات التجديد والتطوير في علم الكلام في معالجة المشكلات الوجودية للإنسان المعاصر.
- إبراز أهمية علم الكلام في تدبير مشكلات الإنسان الوجودية.
ثالثاً: إشكالية البحث
إذا كان علم الكلام يوصف بأنه الفلسفة الإسلامية التي أنتجها الفكر الإسلامي، فإلى أي حد استجاب علم الكلام لمشكلات الإنسان الوجودية، وكيف يمكن استغلال التراث الكلامي من خلال مناهجه وآلياته وأساليبه في الإقناع عند بحث القضايا الوجودية الراهنة للإنسان المعاصر؟ للإجابة على هذا الإشكال المركزي نقترح الأسئلة الفرعية التالية:
- ما هي مكانة “قضايا الإنسان” في علم الكلام؟
- ما هي تجليات عناية علم الكلام بمباحث قضايا الإنسان، وهل نحن في حاجة إلى تطوير علم الكلام لخدمة قضايا الإنسان بشكل عام؟
- كيف تعامل علم الكلام مع مشكلات الإنسان الوجودية؟
- ما هي مآلات تدبير مشكلات الإنسان المعاصر الوجودية في سياق تجديد علم الكلام؟
رابعاً: المنهج المتبع
سلك هذا البحث المنهج الوصفي في رصده لتجليات عناية علماء الكلام بقضايا الإنسان عامة، وتدبير مشكلات الإنسان الوجودية بشكل أخص، كما أفاد من المنهج الاستقرائي في تتبع القضايا والمسائل الكلامية التي ذكرها علماء الكلام في مصنفاتهم ومؤلفاتهم العلمية التي لها ارتباط بمشكلات الإنسان الوجودية.
خامساً: خطة البحث
وزعت خطة البحث إلى مقدمة، وثلاثة مباحث، وخاتمة:
المقدمة: تضمنت تمهيداً للبحث، وأهميته، وأهدافه، وإشكاله، ومنهجه، وخطته.
المبحث الأول: في بيان مفهوم علم الكلام وأهميته ووظائفه.
المبحث الثاني: في بيان بعض مظاهر وتجليات عناية علم الكلام بقضايا الإنسان.
المبحث الثالث: في بيان عناية علماء الكلام بتدبير مشكلات الإنسان المعاصر الوجودية.
الخاتمة: في استخلاص أهم استنتاجات ونتائج الدراسة.
([1]) رواه أبو داود في سننه، تحقيق: محمد محيي الدين عبد الحميد، المكتبة العصرية، صيدا – بيروت، كتاب الملاحم، باب ما يذكر في قرن المائة، رقمه: 4291، ج4، ص109.
([2]) الدين والظمأ الأنطولوجي، عبد الجبار الرفاعي، دار التنوير، لبنان بيروت، ومركز دراسات فلسفة الدين، الطبعة الثالثة، 2018، ص17.