نظرية السلطة في التراث الفقهي السني وآفاق التجديد من منظور الخلافة إلى منظور الاستخلاف

مقدمة:

احتل الفقه مكانة الصدارة بين العلوم الإسلامية بلا منازع على مدى التاريخ الإسلامي، بل يمكن القول إن أغلب العلوم الإسلامية كانت بشكل أو آخر تصب في أو تنبع من منهل الفقه؛ فهي إما خادمة له كعلم أصول الفقه وعلوم التفسير والحديث والتاريخ والنحو والصرف، وإما مدافعة ومجابهة عنه كعلم الكلام.

وقد تفرعت أذرع الفقه، الذي يؤسس لمنظومة المعايير السلوكية والقيمية للفرد والجماعة المسلمة (الحلال والحرام)، تفرعت إلى كافة مناحي الحياة من العبادات والمعاملات إلى الأحوال الشخصية وقانون الحرب والقانون الجنائي والنظام السياسي. واليوم بينما يراوح جدل التجديد وإعادة فتح باب الاجتهاد الفقهي مكانه أمام جمود بعض المؤسسات التقليدية التي ترى نفسها ناقلة وحارسة للتراث فقط، تنفتح أبواب الفكر الإسلامي (الذي ازدهر مع تراجع الإنتاج الفقهي) على مصراعيها متأثرة بالحراك التاريخي والتفاعلات والجدل الذي لا ينتهي مع المشكلات المعاصرة، ومع العالم سياسياً واجتماعياً وفكرياً وفلسفياً. وفي عصر حل فيه الفكر مكانةً توازي الفقه عند السلف فإن السؤال الأساسي للمفكر المعاصر المعني بالثقافة الإسلامية يكون بالضرورة: ما هي النظرية الحاكمة أو العامة في هذه القضية أو تلك (المجتمع، الاقتصاد، الأسرة، العلاقة مع الآخر… إلخ). وغني عن البيان أن بحث المفكرين المعاصرين عن تلك الرؤى الكلية لا يمكن أن يتجاهل بحال ما اشتمل عليه ذلك العلم الذي هيمن ولا يزال على التراث الإسلامي ألا وهو الفقه.

هذا البحث هو محاولة لاستخلاص النظرية العامة المتعلقة بطبيعة السلطة السياسية في التراث الإسلامي السني كما تناوله بصفة أساسية علم الفقه وبصفة فرعية علم الكلام عند أهل السنة والجماعة. وهنا ينبغي الإشارة إلى مجموعة ملاحظات هي بمثابة أطر يعمل في حدودها هذا البحث:

• تتعدد محاور البحث السياسي، وهنا لزم التنويه بأن محور اهتمام هذا البحث هو طبيعة السلطة السياسية، فالسلطة باعتبارها جوهر العملية السياسية والتي تقوم على “التخصيص السلطوي للقيم” في المجتمع هي جوهر النشاط الذي تقوم حوله البنى والمؤسسات والتفاعلات والحركات السياسية. وعليه فالسؤال الأساسي للبحث هو “ما هي خصائص وطبيعة السلطة كما قدمها الفقه السياسي؟” بقطع النظر عن الإطار المؤسسي.

تواجه محاولة استنباط النظرية الإسلامية في الحكم من المصادر الفقهية إشكاليات هامة على رأسها نزوع الفقه السياسي إلى تجنب التنظير أو…………………….